الفصل التاسع والثلاثون
حينئذ قال يوحنا : حسنا تكلمت يا معلم ، ولكن ينقصنا أن نعرف كيف أخطأ الإنسان بسبب الكبرياء ، أجاب يسوع : لما طرد الله الشيطان ، وطهر الملاك جبريل تلك الكتلة من التراب التي بصق عليها الشيطان ، خلق الله كل شيء حي من الحيوانات التي تطير ومن التي تدب وتسبح ، وزين العالم بكل ما فيه ، فاقترب الشيطان يوما ما من أبواب الجنة ، فلما رأى الخيل تأكل العشب أخبرها أنه إذا تأتى لتلك الكتلة من التراب أن يصير لها نفس أصابها ضنك ، ولذلك كان من مصلحتها أن تدوس تلك القطعة من التراب على طريقة لا تكون بعدها صالحة لشيء ، فثارت الخيل وأخذت تعدو بشدة على تلك القطعة من التراب التي كانت بين الزنابق والورود ، فأعطى الله من ثم روحا لذلك الجزء النجس من التراب الذي وقع عليه بصاق الشيطان الذي كان أخذه جبريل من الكتلة ، وأنشأ الكلب فأخذ ينبح فروّع الخيل فهربت ، ثم أعطى الله نفسه للإنسان وكانت الملائكة كلها ترنم : ( اللهم ربنا تبارك اسمك القدوس ) فلما انتصب آدم على قدميه رأى في الهـواء كتابة تتألق كالشمس نصها (( لا إله إلا الله ومحمد رسـول الله )) ، ففتح حينئذ آدم فاه وقال : ( أشكرك أيها الرب إلهي لأنك تفضلت فخلقتني ، ولكن أضرع إليك أن تنبأني ما معنى هذه الكلمات (( محمد رسـول الله )) ، فأجاب الله : ( مرحبا بك يا عبدي آدم ، وإني أقول لك أنك أول إنسان خلقت ، وهذا الذي رأيته إنما هو ابنك الذي سيأتي إلى العالم بعد الآن بسنين عديدة ، وسيكون رسولي الذي لأجله خلقت كل الأشياء ، الذي متى جاء سيعطى نورا للعالم ، الذي كانت نفسه موضوعة في بهاء سماوي ستين ألف سنة قبل أن أخلق شيئا ) .
فضرع آدم إلى الله قائلا : ( يا رب هبني هـذه الكتابة على أظفار أصابع يدي ) فمنح الله الإنسان الأول تلك الكتابة على إبهاميه ، على ظفر إبهام اليد اليمنى ما نصه (( لا إله إلا الله )) ، وعلى ظفر إبهـام اليد اليسرى مـا نصه (( محمد رسول الله )) ، فقبّل الإنسان الأول بحنو أبوي هذه الكلمات ، ومسح عينيه وقال : ( بورك ذلك اليوم الذي سيأتي فيه إلى العالم ) فلما رأى الله الإنسان وحده قال : ( ليس حسنا أن يكون وحده ) فلذلك نوّمه ، وأخذ ضلعا من جهة القلب ، وملأ الموضع لحما ، فخلق من تلك الضلع حواء ، وجعلها امرأة لآدم ، وأقام الزوجين سيدي الجنة ، وقال لهما : ( أنظروا إني أعطيكما كل ثمر لتأكلا منه خلا التفاح والحنطة ) ثم قال : ( احذروا أن تأكلا شيئا من هذه الأثمار ، لأنكما تصيران نجسين ، فلا أسمح لكما بالبقاء هنا بل أطردكما ويحل بكما شقاء عظيم ) .
Powered by Backdrop CMS