الفصل التاسع والستون بعد المائة
أجاب يسوع : أصيخوا السمع أشرح لكم كيفية الجنة وكيف أن الأطهار والمؤمنين يقيمون هناك إلى غير نهاية ، وهذه بركة من أعظم بركات الجنة لأن كل شيء مهما كان عظيما إذا كان له نهاية يصير صغيرا بل لا شيء ، فالجنة هي البيت الذي يخزن فيه الله مسراته التي هي عظيمة جدا ، حتى أن الأرض التي تدوسها أقدام الأطهار والمباركين ثمينة جدا بحيث أن درهما منها أثمن من ألف عالم ، ولقد رأى هذه المسرات أبونا داود نبي الله ، فإن الله أراه إياها إذ يسر له أن يبصر مجد الجنة ، ولذلك لما عاد إلى نفسه غطى عينيه بكلتا يديه وقال باكيا : ( لا تنظري فيما بعد إلى هذا العالم يا عيني لأن كل شيء فيه باطل وليس فيه شيء جيد ) ، ولقد قـال عن هذه المسرات إشعيا النبي : ( لم تر عينا إنسان ولم تسمع أذناه ولم يدرك قلب بشر ما أعده الله للذين يحبونه ) ، أتعلمون لماذا لم يروا ولم يسمعوا ولم يدركوا هذه المسرات ؟ لأنهم ما داموا عائشين هنا في الأسفل فهم ليسوا أهلا لمشاهدة مثل هذه الأشياء ، ولذلك أخبركم أن أبانا داود على كونه قد رآها حقا لم يرها بعينين بشريتين ، لأن الله أخذ نفسه إليه وهكذا لما صار متحدا مع الله رآها بنور إلهي ، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لما كانت مسرات الجنة غير متناهية وكان الإنسان متناهيا فلا يقدر الإنسان أن يعيها كما أن جرة صغيرة لا تقدر أن تعي البحر ، انظروا ما أجمل العالم في زمن الصيف حين تحمل كل الأشيـاء ثمرا ؟ ، حتى أن الفلاح نفسه يثمل من الحبور بالحصاد الذي أتى فيجعل الأودية والجبال ترجع غناءه ، لأنه يحب أعماله كل الحب ، ألا فارفعوا إذاً قلبكم هكذا إلى الجنة حيث تثمر كل الأشياء ثمارا على قدر الذي حرثها ، لعمر الله إن هذا كاف لمعرفة الجنة من حيث أن الله خلق الجنة بيتا لمسراته ، ألا تظنون أنه يكون للجودة غير المحدودة بالقياس أشيـاء غير محدودة في الجودة ؟ ، أو أنه يكون للجمال الذي يقاس أشياء جمالها يفوق القياس ؟ ، احذروا فإنكم تضلون كثيرا إذا كنتم تظنون أنها ليست عنده .
Powered by Backdrop CMS