الفصل الثامن والأربعون بعد المائة
ألا قولوا لي هل فريسيو اليوم فريسيون ؟ ، هل هم خدم الله ؟ ، لا لا البتة ، بل الحق أقول لكم أنه لا يوجد هنا على الأرض شر من أن يستر الإنسان نفسه بالعلم ووشاح الدين ليخفي خبثه ، إني أقص عليكم مثالا واحدا من فريسي الزمان القديم لكي تعرفوا الحاضرين منهم ، بعد سفر إيليا تشتت شمل طائفة الفريسيين بسبب الاضطهاد العظيم من عبدة الأصنام ، لأنه ذبح في زمن إيليا نفسه في سنة واحدة عشرة آلاف نبي ونيف من الفريسيين الحقيقيين ، فذهب فريسيان إلى الجبال ليقطنا هناك ، ولبث أحدهما خمس عشرة سنة لا يعرف شيئا عن جاره مع أن أحدهما كان على بعد ساعة واحدة عن الآخر ، فانظروا إذا كانا طفيليين ، فحدث في هذه الجبال قيظ فشرعا من ثم كلاهما يفتشان على ماء فالتقيا ، فقال هناك الأكبر منهما ـ لأنه كان من عادتهم أن يتكلم الأكبر قبل كل أحد غيره وإذا تكلم شاب قبل شيخ حسبوا ذلك خطيئة كبرى ـ : ( أين تسكن أيها الأخ ؟ ) ، فأجاب مشيرا بإصبعه إلى المسكن : ( ههنا أسكن ) لأنهما كانا قريبين من مسكن الأصغر ، فقال الأكبر : ( لعلك أتيت لما قتل أخاب أنبياء الله ؟ ) ، أجاب الأصغر: ( إنه لكذلك ) ، قـال الأكبر : ( أتعلم أيها الأخ من هو الملك على إسـرائيل الآن ؟ ) ، فأجاب الأصغر: ( إن الله هو ملك إسرائيل لأن عبدة الأصنام ليسوا ملوكا بل مضطهدين لإسرائيل ) ، قال الأكبر : ( إن هذا صحيح ولكن أردت أن أقول من هو الذي يضطهد إسرائيل الآن ) ، أجاب الأصغر: ( إن خطايا إسرائيل تضطهد إسرائيل لأنهم لو لم يخطئوا لم يسلط الله على إسرائيل العظماء عبدة الأصنام ، فقال حينئذ الأكبر : ( من هو ذلك العظيم الكافر الذي أرسله الله لتأديب إسرائيل ) ؟ أجاب الأصغر : (كيف يمكن أن أعرف وأنا لم أر إنسانا مدة هذه الخمس عشرة سنة سواك وأجهل القراءة فلا ترسل إلي رسائل ؟ ) ، قال الأكبر : ( ما أجد جلود الغنم التي عليك فإذا كنت لم تر إنسانا فمن أعطاك إياها ؟ ) .
Powered by Backdrop CMS