الفصل الثامن والستون


سألتني أن أخبرك ما يعطينا الله في الجنة ، الحق أقول لكم أن الذين يهتمون بالأجرة لا يحبون صاحب العمل ، فالراعي الذي عنده قطيع من الغنم متى رأى الذئب مقبلا يتهيأ للمحاماة عنه ، وبالضد منه الأجير الذي متى رأى الذئب ترك الغنم وهرب ، لعمر الله الذي أقف في حضرته لو كان إله آبائنا إلهكم لما خطر في بالكم أن تقولوا : ماذا يعطيني الله ، بل كنتم تقولون كما قال داود نبيه : ( ماذا أعطى الله من أجل جزاء ما أعطاني ) إني أضرب لكم مثلا لتفهموا ، كان ملك عثر في الطريق على رجل جردته اللصوص الذين أثخنوه جراحا حتى الموت ، فتحنن عليه وأمر عبيده أن يحملوا ذلك الرجل إلى المدينة ويعتنوا به ففعلوا هذا بكل جد ، وأحب الملك الجريح حبا عظيما حتى أنه زوجه من ابنته وجعله وريثه ، فلا مراء في أن هذا الملك كان رؤوفاً جداً ، ولكن الرجل ضرب العبيد واستهان بالأدوية وامتهن امرأته وتكلم بالسوء في الملك وحمل عماله على عصيانه ، وكان إذا طلب الملك منه خدمة قال: ( ما هو الجزاء الذي يعطيني إياه الملك ؟ ) فماذا فعل الملك بمثل هذا الكنود عندما سمع هذا ؟ ، فأجاب الجميع : ويل له لأن الملك نزع منه كل شيء ونكل به تنكيلا .

فقال حينئذ يسوع : أيها الكهنة والكتبة والفريسيون وأنت يا رئيس الكهنة الذي تسمع صوتي إني أعلن لكم ما قال الله لكم على لسان نبيه إشعيا : ( ربيت عبيدا ورفعت شأنهم أما هم فامتهنوني ) إن الملك لهو إلهنا الذي وجد إسرائيل في هذا العالم مفعما شقاء ، فأعطاه لعبيده يوسف وموسى وهرون الذين اعتنوا به ، وأحبه إلهنا حبا شديدا حتى أنه لأجل شعب إسرائيل ضرب مصر وأغرق فرعون وهزم مائة وعشرين ملكا من الكنعانيين والمدينيين، وأعطاه شرائعه جاعلا إياه وارثا لكل تلك البلاد التي يقيم فيها شعبنا، ولكن كيف تصرف إسرائيل ؟ كم قتل من الأنبياء ، كم نجس نبوة ، كيف عصى شريعة الله ، كم وكم تحول أناس عن الله لذلك السبب وذهبوا ليعبدوا الأوثان بذنبكم أيها الكهنة ، فلكم تمتهنون الله بسلوككم والآن تسألونني : ماذا يعطينا الله في الجنة ؟ ، فكان يجب عليكم أن تسألوني : أي قصاص يعطيكم الله إياه في الجحيم وماذا يجب عليكم فعله لأجل التوبة الصادقة ليرحمكم الله ؟ ، فهذا ما أقوله لكم ولهذه الغاية أرسلت إليكم .