الفصل الخمسون


قل لي أيها الإنسان الذي تدين غيرك ، ألا تعلم أن منشأ كل البشر من طينة واحدة ، ألا تعلم أنه لا يوجد أحد صالح إلا الله وحده ، لذلك كان كل إنسان كاذبا وخاطئا ، صدقني أيها الإنسان أنك إذا كنت تدين غيرك على ذنب فإن في قلبك منه ما تدان عليه ، ما أشد القضاء خطرا ، ما أكثر الذين هلكوا بقضائهم الجائر ، فالشيطان حكم على الإنسان بأنه أنجس منه ، لذلك عصى الله خالقه ، تلك المعصية التي لم يتب عنها فإن لي علما بذلك من محادثتي إياه ، وقد حكم أبوانا الأولان بحسن حديث الشيطان ، فطردا لذلك من الجنة ، وقضيا على كل نسلهما ، الحق أقول لكم لعمر الله الذي أقف في حضرته أن الحكم الباطل هو أبو كل الخطايا ، لأن لا أحد يخطئ بدون إرادة ولا أحد يريد ما لا يعرف ، ويل إذا للخاطئ الذي يحكم في قضائه بأن الخطيئة صالحة والصلاح فساد ، الذي يرفض لذلك السبب الصلاح ويختار الخطيئة ، أنه سيحل به قصاص لا يطاق متى جاء الله ليدين العالم ، ما أكثر الذين هلكوا بسبب القضاء الجائر ، وما أكثر الذين أوشكوا أن يهلكوا ، قضى فرعون على موسى وشعب إسرائيل بالكفر ، وقضى شاول على داود بأنه مستحق للموت ، وقضى أخاب على إيليا، ونبوخذ نصر على الثلاثة الغلمان الذين لم يعبدوا آلهتهم الكاذبة ، وقضى الشيخان على سوسنة ، وقضى كل الرؤساء عبدة الأصنام على الأنبياء ، ما أرهب قضاء الله ، يهلك القاضي وينجو المقضي عليه ، ولماذا هذا أيها الإنسان إن لم يكن لأنهم يحكمون على البريء ظلما بالطيش ؟ ما كان أشد قرب الصالحين من الهلاك ، لأنهم حكموا باطـلا ، يتبين ذلك من ( قصة ) إخوة يوسـف الذين باعوه (( للمصريين )) ومن هرون ومريم أخت موسى اللذين حكما على أخيهما ، وثلاثة من أصدقاء أيوب حكموا على خليل الله البريء أيوب ، وداود قضى على مفيبوشت وأوريا ، وقضى كورش بأن يكون دانيال طعاما للأسود ، وكثيرون آخرون أشرفوا على الهلاك بسبب هذا ، لذلك أقول لكم لا تدينوا فلا تدانوا ، فلما أنجز يسوع كلامه تاب كثيرون نائحين على خطاياهم وودوا لو يتركون كل شيء ويتبعونه ، ولكن يسوع قال : ابقوا في بيوتكم ، واتركوا الخطيئة ، واعبدوا الله بخوف فبهذا تخلصون ، لأني لم آت لأخدَم بل لأخدِم ، ولما قال هذا خرج من المجمع والمدينة ، وانفرد في الصحراء ليصلي لأنه كان يحب العزلة كثيرا .