قال الأخ اليمني الفاضل مسترشداً حفظه الله تعالى ووفقه , الآتي :
السؤال الأول : ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لتملأن الأرض جوراً وظلماً فإذا ملئت جوراً وظلماً يبعث الله رجلاً مني اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي , فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جورا وظلما , فلا تمنع السماء شيئا من قطرها ولا الأرض شيئا من نباتهـا , يمكث فيكم سبعا أو ثمانيا , فإن أكثر فتسعا ) ( 1 ) . قال : ما صحة هذا الحديث بالتفصيل , وإذا كان صحيحاً , فالمعروف عندنا أن الذي يبعث عند الظلم والجور هو أنت وليس النبي صلى الله عليه وسلم ؟ .
أقول : جميع ما روي وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبر من يبعث آخر الزمان واسمه على المواطأة مع اسم النبي واسم أبيه , إنما يراد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه وإن جهل الكثير من الناس هذه الحقيقة , فهي المرادة بجميع ما ذكر في خبر المهـدي وأن اسمه يواطئ اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا يضر في ثبوت هذا الأمر حقيقة وقدرا جهل الكثير لها , بل الأمـر فيها كما في أكثر النبوءات الأصل فيها الإخفاء , وقد أشار القرآن الكريم إليها في أكثر من موضع مثل قوله سبحانه : ﴿ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ﴾ (2 ) روى بعضهم عن مجاهد في هذه الآية قوله : يـرد إلى الدنيا حتى يرى عمل أمته ( 3 ) وقال قتادة : كان ابن عباس يكتم تفسير هذه الآية ( 4 ) .
وهذا لا ينقض ما روي عنه في هذه الآية قوله : أنه يرد إلى مكة , ولا منافاة في هذا على الصحيح لكتمانه تفسيرها , لأن رجوعه آخر الزمان سيكون إلى مكة ومن هناك يتحقق ظهوره العظيم المنصور لعامة الناس , ويحمل كتمان ابن عباس تفسيرها , على ترك الإفصاح عن تفاصيل هذا الأمر والله تعالى أعلم , وقد عرف من منهجه في التفسير رضي الله عنه أنه يكتم تفسير بعض الآيات من القرآن ( 5 ) ,وذلك إما لعدم قدرة الناس على إدراك حقيقة تأويلها , أو لأنه مما لا يعلم تأويله إلا الله تعالى , أو لغير هذا من أسباب دعته لكتمان تفسيرها والله أعلم .
وفي الباب أيضاً قوله تعالى : ﴿ ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ﴾ ( 6 ) وقوله : ﴿ قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون . فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ﴾ ( 7 ) , وغير هذا كثير في كتاب الله عز وجل , كما لا تخلو سنته أيضا عليه الصلاة والسلام من الإشارة لهذا المعنى كقوله : ( ليدركن الدجال من رآني ) ( 8 ) وقوله أيضاً : ( إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه ) ( 9 ) قال بعضهم : لعل هذا منه عليه السلام قبل أن يوحى له في أمر الدجال . وهذا غير صحيح بل هو يعلم عليه السلام عن أمر الدجال ومتى يكون , وما خرج هذا منه إلا على سبيل الإشارة والرمز الخفي لإدراكه هو للدجال , ألا تراه يقطع بإدراك الدجال لمن قد رآه وسمع كلامه وقد مضى أصحابه ولم يدركوا الدجال فتعين أن هناك عودة له يتمكن الناس فيها من رؤيته وسماع كلامه , وهؤلاء هم الذين جاءت الإشارة بإدراكهم للدجال .
ومن الثابت الآن في أصول الدعوة المهدية أن عـودة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبقها بعث رجـل من ذريته على اختلاف من الناس وزلازل ( 10 ) , ونص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لقبه سيكون السفاح , وأن من صفاته أنه يحثو المال لا يعده في العطاء , وهي من أشهر صفات المهدي , وهذا أمر أيضا جهل الناس معرفة مدى ثبوت صحته شرعا , وأكثرهم اليوم على إنكار بعث رجل من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الزمان هذه صفته ويكون لقبه السفاح , وهذا كله من التخاليط التي دخلت على الناس في خبر المهدي ما دعاهم لطرح الأحاديث التي نصت على خبر هذا الرجل ظنا منهم أنها في بني العباس الكذبة , وقد جرّ عليهم هذا الجهل والظن ما لا تحمد عقباه من تفويت تصديق أخبار نبيهم عليه الصلاة والسلام , ووقوعهم بتكذيب تلك الأخبار , وهذا يعود بهم في نهاية الأمر إلى تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه إذ أنه هو الذي نص على أخبار وصفات هذا الرجل من ذريته وصرح بأن بعثه إنما يكون آخر الزمان لا في زمان بني العباس , وما فعله بنو العباس ما هو إلا أن يكون هذا السفاح فيهم وقد كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته بذلك الإدعاء , والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خروجه يكون آخر الزمان وليس بعد سلطان بني أمية ، كما زعم ذلك وادعاه بنوا العباس الكذبة ، ويكشف كذبهم هذا عدم نزول عيسى عليه السلام على مهديهم المزعوم ولا خرج الدجال في عصره ، والأمة مازالت من بعدهم بشر وبلاء وفتن ومحن .
هذه المقدمة ضرورية قبل الإجابة على هذا السؤال عن الحديث المذكور , الذي أوجس من لفظه صاحبنا العزيز خلطا بين المهدي محمد بن عبد الله الذي كما قلت ما هو إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم , وبين حفيده السفاح . وما فهمته أنا من خلط ما بين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفيده في لفظ هذا الحديث غير ما فهمه الأخ السائل , واشترط له صحة الحديث ووقفه عليه .
والذي أراه أن وجه اللبس على السائل هو ما ورد في الحديث من ذكر امتلاء الأرض جورا وظلما قبل مبعث محمد بن عبد الله , وهذا لا لبس فيه على الصحيح والأمر في ذلك نسبي , فكما أن في انقضاء ولاية السفاح زوال الضمانة لبقاء القسط والعدل مثل ما عليه الحال في زمن ولايته التي بانقضائها تعود الاضطرابات والفتن ما يكون في ذلك سببا لانتشار الظلم والجور , مثل كذلك أيضا بعد خروج وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الزمان سيطبق على الأرض ما عدى المسجدين والأقصى ظلم وجور وكفر الدجال مع وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الفترة , بل إن خروج الدجال سيعقب خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الزمان , وعلى هذا لا يستبعد أن يعقب السفاح كما قلت انتشار الظلم بعد العدل , ثم خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم مباغتة غير سارة لأعداء الله عز وجل , ولذا ستقع عند خروجه اضطرابات كما أشير لها في أحاديث جيش الخسف كما سيأتي تفصيل ذلك في الفصل الثالث , وهكذا كَرٌّ وفَرٌّ على سنة التدافع مما يمتحن الله به عباده ليعرف الصادق من الكاذب .
وهذا الذي عده الأخ وجه الإشكال لا إشكال فيه على الصحيح , وليس بهذا الفهم يكون الحكم على ألفاظ الأحاديث , وهل أضر بأحاديث المهدي إلا مثل هـذه الأفهام التي لا ترجع إلى أصول تضبطها , بل كل يخبط من جانبه , ويأتي من لَحظه حتى عادوا في فهم وإدراك حقيقة أمر المهدي ودعوته , بطلاسم وجهالات لا تمت إلى حقيقة أمره بصلة .
وما استشكله السائل من ذكر الظلم والجور في لفظ هذا الحديث وأنه يسبق خروج المهدي محمد ورد ذكر مثله من غير هذا الطريق , وهو حـديث ابن مسعود ولفظه : ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي , واسم أبيه اسم أبي , يملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلما وجورا ) أخرجه أبو داود وابن حبان والطبراني والبزار بأسانيد كثيرة مدارها على عاصم بن أبي النجود , وهو رجل صالح أشد ما قيل فيه أنه يخطئ في بعض حديثه , ولم يُثبِت أحد أن هذا الحديث منها , وإن كان منه خطأ هنا لا يمكن أن يكون إلا فيما سأل عنه اليمني هنا , والأمـر في ذلك والحمد لله تعالى يسير على ما سبق بيانه , والمشكل الحقيقي في متن الحديث المسؤول عنه أنه جمع ما بين لفظ حديثين كل منهما في ذكر سيرة غير ما يعني الحديث الآخر , ولا غرابة في هذا ورواته ليسوا من أهل الضبط والإتقان وسيأتي لا حقا إن شاء الله تعالى الكلام على رجال إسناد هذا الحديث .
وقد جمع متن الحديث ما بين حديث لابن مسعود وحديث لأبي سعيد الخدري , فأما حديث ابن مسعود قوله : ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجل مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي , واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ) رواه أبو داود في سننه عن عاصم بن أبي النجود عن زر عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله , وهو حديث صحيح تكلم في سنده بعضهم ولا يلتفت لقوله , فسوء حفظ الراوي من غير مخالفة لا يسقط متن الحديث بمجموعه , فسوء الحفظ شيء والكذب شيء آخر .
ومن تكلم في سند هذا الحديث إنما أراد التوصل لإبطال صحة الاعتقاد بخروج ونصرة المهدي آخر الزمان , والناقد لسند هذا الحديث هو بنفسه منقودا في إيمانه وتصديقه لصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو لم ينظر لهذا الخبر بعين الإيمان , بل نظره بعين التاريخ والتجربة وسنة البشر الطبيعية , وقد أخطأ في هذا خطأ عظيما وجهلا مزريا حين حمل أمر بعث المهدي وتمكينه آخر الزمان على سنن هؤلاء المتغلبين الطامعين منزلا أمر المهدي منزلة أمر هؤلاء في طلب الحكم وحاكما عليه بحكم سنتهم , وفي هذا منه تحكيما للعقل ومضادة للإيمان الواجب بتصديق جميع ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كائن آخر الزمان , وهذا لا شك قدح في الإيمان بالغيب وتحكم بغيب الله تعالى , فالتمكين للمهدي آخر الزمان إنما يكون بتدبير الله وعدله لا بتدبير الناس .
وقد فات هذا الجاهل المتحكم , أن هذا التدبير من المولى عز وجل للمهدي وأمره , مما فات إحكام أصوله وإتقان فصوله قبل أن يخلق هذا الناقد نفسه بقرون طويلة جدا , وما من نبي ورسول إلا ما شاء الله ويؤكد على أخبار هذا البعث والتمكين , من إبراهيم الخليل وقبله إدريس الجليل وبعدهم موسى وداود وعيسى ودانيال وغيرهم كثير , يؤكدون على صحة نبأ هذا الأمر العظيم الجلل , وقد جعل الله لهذا الأمر من المواطأة في رسالات ونبوءات الأنبياء في أخبارهم , ما لا يمكن بحال إلا الإقرار به من جميع المنتسبين لهؤلاء المؤمنين بذكرهم , حتى إذا ما وقع تفاصيل تلك الأنباء وتحقق صدق تلك النبوءات مما ذكر عندهم من تمكين لهذا الرجل آخر الزمان أقر الجميع وأيقنوا صحة أمره , وعلى هذا سيكون مرد الأمر إلى الله جل ثناؤه لا لعصبة ولا لنصرة شعب أو قبيلة , بل مرده للإيمان بصدق كلام الله ورسله وتدبيره وكيده , لا مدخل لسنة المتغلبين على الملك في هذا الأمر حتى تجعل حاكما عليه .
قال صاحب النقد في مقدمته المشهورة بعد بسطه القول في أحاديث المهدي , وتفصيله الكلام في بعض رجال أسانيد تلك الأحاديث , وبعد ذكره لأقوال واعتقادات المتصوفة الزائفة في خبره ما يلي : كل أمر تحمل عليه الكافة فلا بد له من العصبية , فأحوال الملوك والدول راسخة قوية لا يزحزحها ويهدم بناؤها إلا المطالبة القوية التي من ورائها عصبية القبائل والعشائر ( 11 ) .
وقال أيضا : والحق الذي ينبغي أن يتقرر لديك , أنه لا تتم دعوى من الدين والملك إلا بوجود شوكة عصبية تظهره , وتدافع عنه من يدفعه حتى يتم أمر الله فيه , وقد قررنا ذلك من قبل بالبراهين القطعية التي أريناك هناك . وعصبية الفاطميين بل وقريش أجمع تلاشت من جميع الآفاق ووجد أمم آخرون قد استعلت عصبيتهم على عصبية قريش إلا ما بقي بالحجاز , في مكة وينبع والمدينة من الطالبيين من بني حسن وبني حسين وبني جعفر , منتشرون في تلك البلاد وغالبون عليها , وهم عصائب بدوية متفرقون في مواطنهم وإماراتهم وآرائهم يبلغون آلافا من الكثرة , فإن صح ظهور هذا المهدي فلا وجه لظهور دعوته إلا بأن يكون منهم , ويؤلف الله بين قلوبهم في اتباعه حتى تتم له شوكة وعصبية وافية بإظهار كلمته وحمل الناس عليها , وأما على غير هذا مثل أن يدعو فاطمي منهم إلى هذا الأمر في أفق من الآفاق من غير عصبية ولا شوكة إلا مجرد نسبه في أهل البيت , فلا يتم ذلك ولا يمكن , بما أسلفناه من البراهين الصحيحة اهـ ( 12 ) .
أقول : إن التصديق بظهور المهدي وتمكينه آخـر الزمان , واجب على كل مسلم ولا يصح أبدا التشكيك بذلك لا بحجة موازين العادة ولا غير ذلك , ومن الجهل بحق تحكيم ذلك في صحة وصدق تحقق بعثه إذ أن الله تعالى هو الذي قطع بالوعد بتمكينه وتوريثه ومن معه جميع الأرض قال تعالى : ﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾ ( 13 ) وقال جل ثناءه في ذلك أيضا : ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ﴾ ( 14 ) .
وهكذا ستكون خلافة المهدي في الأرض بتعيين الله تعالى ونصرته , لا بشوكة من قبيلة ولا شعب ولا حزب ولا دولة بل قضى الله أن يكون سلطانه بسلطة الله نفسه وبتدبير منه , وهذا هو السر بإضافته إلى المولى عز وجل كما ورد في بعض الأحاديث ( 15 ) , واستخلافه سيكون على سنة الاستخلاف في بني إسرائيل كما جاء في هذه الآية : ﴿ كما استخلف الذين من قبلهم ﴾ والكاف هنا للتشبيه , ويشهد لهذا المعنى حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهدي بلفظ : ( لا تقوم الساعة حتى يستخلف رجل من أهل بيتي ) ( 16 ) .
والمهدي غير مسبوق بخلافة شرعية ليصح استخلافه ممن سبقه وإنما الاستخلاف هنا له من الله تعالى . ومن هذا الباب ما جـاء عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة .. ) ( 17 ) . وذكر البخاري في الصحيح معلقا عن أبي أيوب الأنصاري رفعه بلفظ : ( ما بعث الله من نبي ولا بعده مـن خليفة ..) . جعله قرينا في البعث مع النبي صلى الله عليه وسلم , لعظيم شأن هذا الخليفة , وهو بهذا ليس كسائر الخلفاء . ورواه البخاري عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ : ( ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة ) .
وقد استشكل الحافظ ابن حجر لفظ الحديث من طريق أبي هريرة وأبي أيوب الأنصاري , لقوله ببعث الخليفة في هـذه الأحاديث , وقال : لفظ الرواية عن أبي سعيد تفسر المراد بهذا , وأن المراد ببعث الخليفة استخلافه اهـ ( 18 ) .
قلت : الاستخلاف والبعث في هذه الأخبار المعنى والمراد في ذلك سواء لا فرق بينهما , وكل ذلك لا يكون إلا من الله تعالى مثل ما هو في النبي هـو في الخليفة كذلك , ومن الخطأ حمل الأمر في الخليفة هنا على العموم , ولذا لما استشكل ابن حجر القول ببعث الخليفة , لاذ بلفظ الحديث عن أبي سعيد ـ في الاستخلاف ـ , وأبو سعيد نفسه رضي الله عنه روي عنه في أخبار المهدي على كلا الوجهين , سواء بالاستخلاف ومراده أن المستخلف الله تعالى , وسواء بالبعث ومراده أن ذلك لا يكون إلا من الله تعالى , وعلى هذا فالحافظ لاذ بما هو عليه لا له !! .
ويجدر هنا التنبيه على ما ورد في آية الاستخلاف المذكورة في سورة النور من ذكر الخوف , وهو الوصف المطابق لحال عباد الله الصالحين في جميع أصقاع الأرض اليوم ما يصح اعتباره من أمارات قرب تحقق التمكين في الأرض للمهدي , لمطابقة إخبار الآية لواقع حال هؤلاء الصالحين المضطهدين , الذين نسأل الله تعالى القادر على كل شيء أن يكون فرجهم قريبا وليس بعيدا .
وإذا كان ابن خلدون يستبعد قيام أمره في السابق لانعدام شوكة العلويين الهاشميين واضمحلال عصبة قريش كما قال , فهي اليوم آكد اضمحلالا , بل لا وجود لها أصلا ولا لقريش , ففي جميع الأصقاع لا تجد لقرشي و لا للهاشمي عصبة ولا شوكة خاصة بهم , بل القائم اليوم بدلا عنها ما هو إلا أشر عصب وأخبث حميات قامت تحت السماء من أحزاب الدول والشعوب ومنظمات القارات , ما لا يمكن بأي حال مـن الأحوال قيام أمر المهدي وحمل الكافة على طاعته , ومن زعم أن بمجرد إيمان القلة هنا أو هناك , أو بإخلاص وصدق وفراسة بعض المشايخ هنا أو هناك ( 19 ) يقوم بذلك أمر المهدي وخلافته مع مضادة الأحزاب والشعوب والدول لحقيقة أمره , فقد كذب وأعظم الفرية على غيب الله وأمره , كيف يكون وقد نزع من أكثر الناس وازع الخوف من الله والرغبة بلقائه , واستمرأ أكثرهم الكثير من الفسق على دين الله تعالى والعربدة بالمعاصي والفجور ما يدعوهم لكره قيام أمره أصلا , وهو لن يقوم إلا على حرمانهم مما اعتادوا عليه من كفر وفسوق وفجور . كما أن رسول الله r إنما قطع في أن خروجه يقع عند الفتن والاختلاف وكثرة الأشرار وقلة الأخيار مع ضعفهم , فأين له عصبة وشوكة والحال هكذا , وأمره بديهة لن يقوم إلا لنصرة دين الإسلام النصرة التي يلزم لقيامها زوال شوكة هؤلاء وتسلطهم .
أبدا لن تقوم للمهدي وأمره قائمة إلا بأمر من الله وبفرض من قدرته يتعطل بسلطانها اختيار كل أحد سواه وقدرة أيا كان سواه , وبغير هذا لن يتم للمهدي أمر , ومن السذاجة حقا ما عليه اعتقاد الكثير من المصدقين لخروجه إذ ظنوا أنه بمجرد دعوى أحد ما أنه المهدي أو دعوى أحد له ذلك أيا كان وبأي منزلة دينية سيكون سيتم أمره , أبدا لن ينفع مع هذا الواقع المترامي بالشر هذا الأمر على هذا الوجه الساذج البسيط , فلو سلمت قبيلة ذلك منعت الدولة منه , ولو سلمت الدولة ذلك منعت سائر الدول , وإن سلمت سائر الدول ذلك منع تحالف الكفر منه , فهل للأمة العربية البائسة جمعاء قدرة مع تحالف الكفر والشر العالمي اليوم , كيف يكون والعرب اليوم ما هم إلا غثاء كغثاء السيل , أحبوا الدنيا وكرهوا الدين والطاعة فيه , لا والله ليس لهم ذلك , ومن قال بغير هذا فهو كاذب جاحد للحقائق , ولم يخالف هؤلاء أصحاب هذا الاعتقاد الساذج إلا فريقين :
الفريق الأول : من قال لا يمكن إلا أن يقع أمر خارق للعادة يدل على عينه حينها يتم اجتماع الأمة عليه , وأرادوا بالأمر الخارق هنا الخسف الذي يقع بين مكة والمدينة حين خروج رجل من قريش عائذا بالحرم يدعي له البعض أنه هو المهدي المراد بالأحاديث وهذا اعتقاد باطل مزلقته عظيمة زل فيه جهيمان العتيبي , ومن قبله ابن الزبير رضي الله عنه حين لاذ وتترس بالحرم ظنا منه غفر الله له أنه المراد بالعائذ بالحرم الذي يخسف بجيش أعدائه بين مكة والمدينة , وسيأتي لاحقا عند الكلام على حديث أم سلمة رضي الله عنها في خبر جيش الخسف في الفصل الثالث زيادة في إيضاح هذا عن ابن الزبير , وقد كان هذا منه مع صحة ولايته إلا أنه طمع أن يكون هو المراد بالعائذ ولم يكن , وهذا الاعتقاد بان بطلانه لما يترتب عليه من مفاسد أبان التاريخ عنها , وظهرت منافاته للحكمة والعقل , وسيأتي بحول الله زيادة تفصيل في بيان ما يترتب من مفاسد على هذا الاعتقاد عند الكلام على حديث أم سلمة .
والفريق الثاني : من قال : نعم لا يمكن للأمة أن تجتمع على أمـره وتسلم بطاعته وتنقاد لنصرته والجهاد معه إلا بعد أن تتيقن عينه , ولا يمكن لهذا أن يكون إلا بوقوع أمر خارق للعادة لا يختلف فيه اثنان أنه من الله تعالى ما يتم من خلاله معرفة وتيقن أن هذا المعين هو المهدي الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبره , وبغير هذا لن يقوم للمهدي أمر ولا يتحقق خبر . ومرادهم بالخارق هنا آية النداء بإسمه من السماء مع ما يلقى على ذاته بسبب ذلك من المهابة والفصل الحق ما لا طاقة لأحد برده عنه ما يتم به أمره وتجتمع عليه الأمـة ويقوم سلطانه وتعرف مشروعيته ويبطل سلطان كل أحد سواه . وسيأتي بحول الله تعالى مزيد في تفصيل حقيقة هذا الأمر في مكانه المناسب عند شرح حديث أم سلمة في خبر جيش الخسف في الفصل الثالث .
ولجميع هؤلاء أقول : أنه مثل ما بعث موسى بخلاص اليهود المستضعفين من سلطان فرعون وأنجاهم الله بآياته العظيمة الباهرة , كذلك سيكون الحال في بعث المهدي غياثا لهؤلاء المستضعفين من هذه الأمة , وستكون نصرته بخلاصهم بآيات من الله عز وجل باهرة عظيمة كما كان الحال بزمان موسى عليه الصلاة السلام أو أكثر , بل قطع أحبار اليهود في اعتقاداتهم أن الخلاص الذي سيقع آخر الزمان سيكون أعظم من الخلاص في زمان موسى وإليه أشار تعالى في قوله : ﴿ فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ﴾ ( 20 ) ومن انتظر غير هذا الانتظار تعس وخاب وما له إلا الأماني الكاذبة والخيالات الساذجة , بل ما لهم إلا الجمع بين المتناقضات وترجي المحالات .
وبالعودة إلى الكلام على لفظ الحديث المذكور في سـؤال الأخ اليمني أقول : قد جمع لفظه ما بين لفظ حديث ابن مسعود وحديث أبي سعيد . أما حديث أبي سعيد يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقوله : ( لتملأن الأرض جورا وظلما , فيخرج رجل من عترتي , فيملك سبعا أو تسعا , فيملأ الأرض عدلا وقسطا , كما ملئت جورا وظلما ) ( 21 ) رواه الحاكم عن حماد بن سلمة عن مطر الوراق وأبي هارون العبدي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد , وفي لفظ سليمان بن عبيد عن أبي الصديق قوله : ( يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحا وتكثر الماشية وتعظم الأمـة , يعيش سبعا أو ثمانيا , يعني حججا ) . رواه الحاكم أيضا .
وقوله هنا : يعني ( حججا ) نظير ما ذكر في الحديث المذكور في سؤال اليمني , إلا أنه لم يذكره وهو قوله : ( يعني سنين ) , ذكرها في روايته لحديث داود بن المحبر , الحارث بن أبي أسامة في مسنده وإغفال هذه الزيادة مخل لما لذكرها من فائدة , وأزيد هنا كذلك أن في رواية الحارث بن أبي أسامة ولفظه هو اللفظ بعينه الذي ذكره اليمني بسؤاله إلا أن فيه : ( بعث الله تعالى رجلا مني اسمه اسمي أو اسم نبي يملأها قسطا وعدلا ..) ( 22 ) . والشك هنا مما يثبت ضعف هذه الرواية واضطراب نقلتها , فكيف يعتمد بمثل هذا اللفظ في الاستدلال .
وكما قلت إغفال اليمني لذكر السنين في لفظ الحديث مخل , فلذكرها فائدة قصوى في تحقيق الألفاظ وتحري الضبط والإتقان , وقد روى لفظ حديث أبي سعيد البزار والطبراني في معجمه كما ذكره السائل في سؤاله إلا أنه عن أبي سعيد وفيه : يلبث سبعا أو ثماني أو تسعا , وقال يعني سنين . وهذا وهم لا شك فيه وسيأتي لاحقا إثبات ذلك مع بيان وجه الخطأ في قول من قال أن معنى السبع أو الثمان أو التسع , السنين أو الحجج .
روى عبد الرزاق في المصنف عن أبي سعيد قال : ( ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلاء يصيب الأمة , فيبعث الله رجلا من عترتي فيملأ الأرض قسطا كما ملئت جورا , ولا تدع السماء من قطرها شيئا إلا صبته مدرارا , ولا تدع الأرض من مائها شيئا إلا أخرجته , يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمـان أو تسع سنين ) ( 23 ) . وهذا هو المشهور من حديث أبي سعيد ذكر السبع وإنزال المطر , وكل من زاد على ذكر السبع ثمانيا أو تسعا فقد صاح على نفسه بعدم الضبط والإتقان , أما من زاد على ذلك من كيسه ذكر الحجج أو السنين فهو لم يعدم في نقل هذا الحديث الضبط والإتقان فقط , بل يعد بذلك متقولا على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ولم يؤدي الرواية كما سمعها بل زاد فيها ما أفسد معناها ولبس على الكثير في تأويلها , ورحم الله تعالى أبا هريرة رحمة واسعة مـا آمنه على حديث المصطفى عليه الصلاة السلام وأتقنه , حين روى في ذكر تلك السبع ولم يتجاوز ما حُدَ له في ذكرها , فقال : حدثني خليلي أبو القاسم فقال : ( لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من أهل بيتي فيضربهم حتى يرجعوا إلى الحق ) قال : قلت : وكم يكون ؟ قال : ( خمسٌ واثنتين ) .قال : قلت : ما خمسٌ واثنتين ؟ قال : لا أدري ( 24 ) .
قال بعضهم ناقدا متن هذا الحديث جهلا منه : كيف يتصور أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول يكون خمسا واثنتين ثم لا يدري مـا خمس واثنتين ؟ بينما قد ورد بروايات أخـرى ثابتة أنه قال يملك سبع سنين , وفي بعضها بالشك من الرواة اهـ ( 25 ) .
قلت : يحتمل أنَّ قلت الأولى من أبي هريرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو من الراوي عن أبي هريرة لأبي هريرة , أما قلت الثانية فهي يقينا من الراوي عن أبي هريرة لأبي هريرة ولذا أجابه بلا أدري , وإذا كان فهم هـذا الناقد لمتن هذا الحديث أن القائل لا أدري هو رسول الله صلى الله عليه وسلم , فهو مغفل فعلا وآية فيه إذ كيف يعقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدري , أما كونه جواب من أبي هريرة لسائله فلا غرابة في ذلك إذ هو فعلا لا يدري لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يفصح عن ذلك .
وزعم الناقد أن السبع مما ثبت فيها أنها في ملكه كذب وجهل أيضا , وكل من قال بأن ذكر السبع أو على شكهم الثماني أو التسع أن ذلك في مدة ملكه فهو كاذب على رسول الله , أو أقله أن يكون هذا من تخبطات الرواة في معنى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه , وأصل لفظ روايته كما رواها الحاكم في مستدركه تامة مضبوطة هي على هذا النحو : ( المهدي منا أهل البيت , أشم الأنف أقـنى , أجلى , يملأ الأرض قسطا كما ملئت جورا وظلما , يعيش هكذا وبسط يساره وإصبعين من يمينه المسبحة والإبهام وعقد ثلاثة ) ( 26 ) . رواه عمران القطان عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه , وروي عن أبي الصديق الناجي وفيه : ( يعيش هكذا وأومأ بيده سبعا أو تسعا ) . على الشك في الإشارة كذلك هنا وليس بشيء فشكهم هذا تدرج حتى صيروه فيما بعد حديثا ينسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكل هذا باطل غير صحيح وأين لأمثال هؤلاء أن يعرفوا ما لم يعرفه أبو هريرة وأبو سعيد ولم يبح علي به حين سألوه عن خبر المهدي فقال : هيهات , ثم عقد بيده سبعا , فقال : ذاك يخرج في آخر الزمان ( 27 ) .
وهنا اكتفى بالإشارة بالسبع قبضا بأصابعه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر مدة ملك ولا عيش ولا غيره مما يدل أن كل ذلك من زيادات بعض الرواة , وانتهاء أبو هريرة إلى أن قال عن هذه الإشارة : لا أدري . يفيد عدم جواز القول بمعنى هذه الإشارة ثم ينسب إلى نص رواية أبي سعيد , وأبو سعيد بنفسه لم يحدث عن معناها إنما نسبها بعضهم إليه , وهذا أصل روايته كما ذكرها الحاكم ليس فيها إلا الإشارة كما رواية علي وأبي هريرة , والرواية عن أبي سعيد من طريق عمران عن قتادة , تفصيل الإشارة فيها يدل على الضبط ولا مدخل للشك فيها . ومن قال بمعرفته حقيقة هذه السبع وأن المراد بذلك مدة ملكه فليجبنا كيف جهل ذلك أبو هريرة ولم يفصح عنه علي رضي الله عنه وإنما اقتصر على الإشارة فقط مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر .
أما ما ورد ذكره في رواية أبي سعيد قوله : يعيش هكذا . ليس هو صريح في أن ذلك مدة ملكه , وكل من فهم ذلك على هذا النحو فهو مخطئ ولا شك والأمر فيها مبهم .
والذي ترجح لي أخيرا والله أعلم فيما أخفي من معنى بهذه الإشارة هو أنه توقيت بعدد مخصوص معين مما يدرك زمان المهدي , وليقيني بأن هذا ولا شك سر من الأسرار التي تعلقت بأمر المهدي وحقيقة تأويل أمره , فكم رددت النظر والفكر في هذا المعنى وسألت الله جل ثناؤه أن يفتح علي به , وانتهى بي الأمر إلى ترجيح ما إن أصبت فيه حقيقة المراد بهذه الإشارة فهو برهان من البراهين على أني على الحق المبين , وإن أخطأت في ذلك فهي زلة مني وعثرة أسأل الله أن يغفرها لي , وما قصدي من ذلك إلا فهم أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما يحب ويريد ربي , ولم أبح بهذا إلا حبا مني أن يشاركني ذلك إخواني المسلمين , وقد كان يسعني الكتمان والاحتفاظ بذلك لنفسي , إلا أني أحببت أن يكونوا شهودي على ذلك .
فأقول : من غير المستبعد عندي أن يكون المراد بتلك الإشارة عهد وولاية رؤوس يحكمون آخر الزمان , وبتمكين عهد المهدي وولايته يختم سلطان هؤلاء ويزول حكمهم , والعدد سبعة هـذا مجردا , لحكمة الله وتقديره تعلقا ثابتا به لا ينكر , مثل عدد أيام الأسبوع وعدد السماوات والأراضين , وعدد الطواف على الكعبة وغير هذا , ومما يجب التنبه له هنا أن هناك في اعتقاد اليهود تعلق كذلك لهذا العدد ببعث المهدي آخر الزمان , وستجد هذا العدد مقدسا عند اليهود .
ومن أغرب ما وقفت عليه في هذا المعنى : مـا ذكره أبو الفرج بن الجوزي عن أبي بكر الصولي أنه قال : الناس يقولون كل سادس يقوم بأمر الناس من أول الإسلام لا بد أن يخلع .
قال ابن الجوزي : فتأملت ذلك فرأيته عجبا , قيام رسول الله ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم الحسن فخلعه معاوية , ثم يزيد ومعاوية ومروان وعبد الملك , ثم عبد الله بن الزبير فخلع وقتل , ثم الوليد ثم سليمان ثم عمر ثم يزيد ثم هشام ثم الوليد بن يزيد فخلع وقتل , ولم ينتظم لبني أمية بعده أمر حتى قام السفاح ثم أخوه المنصور ثم المهدي ثم الهادي ثم الرشيد ثم الأمين فخلع وقتل , ثم المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر ثم المستعين فخلع ثم قتل , ثم المعتز والمهتدي والمعتمد والمعتضد والمكتفي ثم المقتدر فخلـع ثم أعيد ثم قتل , ثم القاهر والراضي والمتقي والمكتفي والمطيع ثم الطائع فخلع , ثم القادر والقائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد ثم الراشد فخلع وقتل اهـ ( 28 ) .
أقول : إن تحققت هذه السنة في عصرنا هذا فأنسب ما تتحقق به في هؤلاء : عبدالعزيز ثم سعود ثم فيصل ( 29 ) ثم خالد ثم فهد وقد خرَّف وذلك آية ( 30 ) , ثم عبدالله وهو السادس ، فهل يخلع أو يقتل ؟ . ومن يكون السابع هل هو صاحب الإشارة !!.
وبهذا يتضح مدى الخلط الذي وقع به بعض رواة أحاديث المهدي واضطرابهم الشديد في تجويد ما ورد ذكره في حديث أبي سعيد ، من إشارة لهذا الأمر المبهم بأصابع يده الشريفة ، وما ورد عن أبي هريرة في تصريحه بعدم معرفة حقيقة المراد من ذلك يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفصح عن ذلك وهـو يحدث عن خبر المهدي وإلا لعلم ذلك أبو هريرة ولا شك .
أما بخصوص ما يتعلق بسند الحديث المذكور في سؤال الأخ من اليمن , فمن المعروف عند المحققين أن هذا الحديث لا يصح , فمدار إسناده على داود بن المحبر بن قحذم قال عنه الإمام أحمد رحمه الله تعالى : شبه , لاشيء كان لا يدري ما الحديث . وقال فيه البخـاري : منكر الحديث . وهذا أشد ما يأتي من البخاري في الجرح , وذكر العقيلي هذا الحديث عن المحبر عن أبيه وقال : في حديثهما وهم وغلط ( 31 ) .