﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ   هذا المعنى خرج على سبيل الخبر ، ولتدرك من هم هؤلاء المشاقون لأمر الله تعالى اتل أخي القارئ ما نبأنا ربنا سبحانه من خبر هؤلاء ، لتؤمن ولا تكن منهم فينالك عذابٌ عظيم من الله تعالى ثم تكون من الخاسرين .

قال عز وجل : ﴿ قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ  . 

وهذا أيضا خرج على سبيل الخبر بخصوص تأويل الذكر لا مثل ما يحسب الكثير أن المراد بهذه الصبغة أمر توحيد الله تعالى بالعبادة ، بل طلب سبحانه منهم اليقين بكل ما أخبر على ألسنة أنبيائه وقد بين الكثير من ذلك في هذه المنتديات المباركة ، وتلك صبغة الله تعالى التي أراد لا ما أراد الشيطان وأتباعه ، ومن عصى حين تحقق التأويل ولم يستجب لهذه الملة والدين القيم تكفل الله تعالى بأمره ، وبين سبحانه أن هؤلاء أهل الشقاق لتكذيبهم بذلك وتحريفهم لأنباء الذكر وما سيكون مما أخبر الله تعالى من البداية عن النهاية ، وحمل ذلك على غير هذا الوجه الذي أقرر هنا يعد تناقض ويلزمه الإرتباك ، إذ كيف يصفهم هنا وهناك بالشقاق وأنه سيتكفل بأمرهم سبحانه بنفسه لم يوكل أمرهم لغيره ، ثم يعيبهم في ذلك بالكتمان ؟ ، وهل أمر توحيد العبادة لله عز وجل هو مما يكتم ؟!! ، إنما كتموا نبوءات الحق بالذكر وخبر الفرقان ، وكان مطلبهم تحريفها لمقاصدهم عنادا لله تعالى وكفرا بما قدر في غيرهم .

قال سبحانه : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ . ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ  .

أبدا إلا يصفهم بالمشاقين والكاتمين والظالمين ، والهدف من كتمانه ليتسنى لهم ادعائه من دون الله تعالى ومن دون أهله الذين عين الله عز وجل ذلك الأمر لهم ، لكن هيهات أن يغيروه فالقدر والأمر لله تعالى يجعله فيمن يشاء .

وقال سبحانه : ﴿ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ . وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ولا محدث إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ  . 

كل من كفر بالله تعالى وأشرك في هذا الجيل فهو في شقاق وهو من الظالمين الذين توعدهم الله تعالى في الكثير من آيات الكتاب العزيز ، وسينالهم خزيٌ وعذاب شديد لكفرهم بالله تعالى ونبوءاته ، خصوصا من سعى ليعاجز وهو يدعي أمر الله تعالى ذلك في غير ما قدر الله عز وجل ، ويلبسوا بما ألقى لهم الشيطان وحرف فأطاعوه ، فسينسخ الله تعالى ما ألقاه لهم باحكام آياته ومواعيده فيبطل كيد الشيطان ، وله سبحانه القدرة والإحاطة بكل ما فعلوا من الباطل ، وبدلوا من الحق .

وكان من قبل فضحهم نبي من أنبياء الله تعالى وهو حزقيال فقال في كيدهم هذا عليه الصلاة والسلام : " لأنهم قد ملأوا الأرض ظلما وسيعودون لإغاضتي وها هم يقربون الغصن !!إلى أنوفهم ، فأنا أيضا أعاملُ بالغضب ، لا تشفق عيني ولا أعفو ، وإن صرخوا في أذني بصوت عال لا أسمعهم اهـ . 

فمن بعقيدة المسلمين نبأ الخلق أن الأرض ستملأ ظلما وجورا ، كما نبأ هذا النبي الكريم ؟ ، ومن نبأ كذلك أنها بعد ذلك ستملأ قسطا وعدلا ، كما نبأ بذلك كل الأنبياء ؟، وبمن سيكون ذلك كما نبأ الأنبياء ؟

كانت الجوابات على ذلك من قبل أن يخبر الله تعالى على لسان نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم وبتعيينه كثيرة جدا ، ثم جاء نبينا ليؤكد كل ذلك ويقول به ، ومنهم اشعيا عليه الصلاة والسلام قال :

إلى الأبد يرثون الأرض غصن غرسي عَمَلُ يدي لأتمجد . . اهـ .

وقال أيضا عليه الصلاة والسلام : في ذلك اليوم يكون غصن الرب بهاء ومجدا . . اهـ .

وقال عنه يسوع المسيح عليه الصلاة والسلام :سيأتي بعد بهاء كل الأنبياء ـ الإضافة هنا لنبوءاتهم ـ الأطهار فيشرق نورا على ظلمات سائر ما قال الأنبياء ، لأنه رسول الله اهـ .

وتغنى داود في ذكره بالزبور فقال فيه : يا رب بقوتك يفرح الملك وبخلاصك يبتهج جدا ، مجده بخلاصك عظيم ، جلالا وبهاءً تلقي عليه ، لأنك تجعله بركات إلى الأبد ، تسره بابتهاجه مع وجهك ، لان الملك يتكل على الرب وبرحمة العلي لا يتزعزع اهـ .

أما حزقيال عليه السلام ففضحهم بنبوءته ، لأنهم سيدعون ذلك ويسعون لتحقيقه ، وبذلك فسر معنى المعاجزة بآيات القرآن العظيم وبين أنه وجه تحقيق ذلك منهم ، على الوجه الذي لم يقدره الله تعالى ويرضاه ! وهي حالهم اليوم اليوم ، فليفهم العاقل ذلك جيدا .

وقال عليه السلام أيضا : لانهم يقولون الرب لا يرانا ، الرب قد ترك الأرض اهـ .

ولتعلق نبوءات القرآن هذه بهذا الجيل الذي يعاصر المهدي نرى هنا إيراد الله تعالى لهذا الحرف " ولا محدث " بقراءة أبي بن كعب وذلك لتعلق أمر هذا المحدث وهو المهدي عليه الصلاة والسلام بأمر هؤلاء الظالمين المشاقين لأمره سبحانه ، وكل ذلك خرج مخرج الإخبار ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون . 

وقال سبحانه أيضا : ﴿ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ . بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ . كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ . وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ . أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ . وَانطَلَقَ الْمَللأ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ . مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ . أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ . أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ . أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأسْبَابِ  .

فلينظر العميان كيف انتهى أمر أهل الشقاق والتكذيب هنا للأمر بالإرتقاء في الأسباب وقد كان منهم هذا كما رأى ذلك كل الخلق في زماننا بحسب ما بين أكثر هذا الملف وتابع ، وصدق بخبرهم كتاب الله تعالى فهاهم يرتقون بالأسباب ، وقد عابهم عز وجل هنا بوصفهم بالمشاقة لأمره ، وأنه بذلك أراد إثبات اعجازهم لما فعلوا ، إن كانوا يملكون السماوات والأرض حقا فليدفعوا عن أنفسهم حين يأتيهم أمره فيهلكهم به ! ، وتوعدهم بأن يتبين لهم ولغيرهم من ملك الملك حقا ومن هو الذي قضى وسيدبر الأمر على وفق ما قدر وكتب ، وأنه الوحيد القادر على أن يخبر بالشيء قبل ما يكون ثم يفعله مثل ما أخبر .

ومن لم يصدق بعد هذا في تعيين أمر هؤلاء أهل الكفر والشقاق والتكذيب فإيقنوا أنه منهم ، لأن الله تعالى وعد كذلك كما في نبوءة الرياح الصفراء بما يلي :

﴿ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ . فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ . وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ  . 

وهذا اخبار قاطع بان المكذبين وقت التأويل سيكونون بغير سمع كالموتى والصم ، وكالعمي ، فنعوذ بالله من حالهم المهولة فهي كما أخبر الله تعالى بحسب ما رأينا وجربنا في هذه الدعوة المباركة .

﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ  .

﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ  .

جادل يوما يسوع المسيح عليه الصلاة والسلام كهانُ اليهودية فقالوا له : 

لقد تكلمت كثيرا في عبادة الأصنام كأن عند شعب إسرائيل أصناما وعليه فقد أسأت إلينا .

فأجاب يسوع عليه الصلاة والسلام : أعلم جيدا أنه لا يوجد تماثيل من خشب في إسرائيل ولكن توجد تماثيل من جسد .

وما أكثر هذه التماثيل اليوم من اللحم والدم والأرواح الفاسدة التي تصد عن دين الله تعالى وكتابه ، من شيوخ أحبار السوء واحبار السياسات ، كلهم يصدون عن سبيل الله تعالى ولو لم يكونوا كذلك وهم في مقدمة الناس والبشر لهم طائعون لرأيتم الناس على دين الله تعالى وملته الدين القيم .

فلا تعجبوا بعد ذلك حين يوصف هذا الجيل التعيس من الله تعالى بالمتخذين آلهة من أهوائهم ، فشر الآلهة الباطلة الأهواء ، فهي غير ثابتة شديدة التلون والتقلب وكيف لا ؟ وهو بالأصل مشتق الإسم من الهواء ، والهوى بأصله متقلب أشد تقلبا من هواء الفضاء الطبيعي ، تارة يهب كذا وتارة كذا ولا يرى إلا أثره ، أما صنم الحجر أو الشجر فخزيه أيسر ما يكون وابطاله ، ثابت ينتظر طفلا يدمره كما دمر إبراهيم الخليل أصنام قومه وهو لا زال طفلا صغيرا ولما قصد يحاجهم ما قووا على دحر بيناته ! .

والمصيبة ما أتت بعد ملة الحق ودين الأنبياء إلا من آلهة الهوى ، فهي التي أضرت بأتباع دين الحق وملة التوحيد .
 


 
وأخيرا أقول في تفسير قوله عز وجل عن مقال خصومه : ﴿ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ  . أن لا يلتفت لقول ما لا علم له بحقيقة هذا الأمر بأن هذا المقال كان : من كفار قريش . الذين جعلوا كل ما ورد بالقرآن تقريبا فيهم وهم أحقر وأذل من ذلك ، أللهم إلا ما كان من آيات يسيرة وردت في القرآن أكدت بسياقها تاكيدا بينا على أن المراد بها هم ، وجل تلك ما كان فيها تشريعا ، وإلا ما عداه في هؤلاء المشاقين الملاعين من أهل الكتاب ولفيف أمم الوثنية والشرك ، ومن لحق بضلالاتهم من أمة العريب والمتفرنجة الذين لا دين لهم ، فهؤلاء جميعا كان فيهم الذكر الذي حمله القرآن ، مثل ما حملته من قبل كتب وأسفار كافة الأنبياء ، فبهؤلاء الخاتمة وعليهم يقوم أمر الله تعالى ، وخاب كل مكذبٍ أثيم .

والذي يرد تفسيرهم الباطل : ( أن هذا من مقول كفار قريش ) ، أن اليهودية لم تقل بالوثنية في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم ، بل كانوا على التوحيد إلههم " يهوه " الذي خلصهم من فرعون مصر ، لكن بهم عناد الكفر ورد امر الله تعالى ولم يعبهم القرآن بالشرك كما عاب كفار قريش ، بل كان عيبهم بكفر العناد والجحود ، فكيف يستقيم مع هذا نسبة تلك المقولة : ﴿ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ  ، على هذا الوجه توحيد الله تعالى ؟! 

مع أنهم يعددون الآلهة ومن سبقهم على التوحيد " اليهود مثال " ، ومن المستبعد أن يكون مقصود نفيهم التعدد بالصليبية ، فتلك مخرقة برأ منها العقل وأثبت بإطارها الصليبية أنفسهم التوحيد بها وبرأوها من الشرك ، ولهم في ذلك جدل فلسفي ، لهذا يجرم من يزعم الإحالة بتلك المقالة لهذه السخافة الخرقاء .

فضلا أن يزعموا : أن هذا اختلاق !! ، أو أنه شيء عجاب !! . وقد تقدمت بين أيديهم ولهم علم بها أكيد سيرة بني اسرائيل ، فلا اختلاق على هذا ولا عجاب ، لكن الحق انهم أمة ولو كانت أمة شرك ، لكنها عاقله تعي التأريخ وتعرف سير من سبقهم فلا يمكن يقولوا بهذا الجهل ، وقد ظلمهم هذا التفسير السفيه ولم يقل الحقيقة فيهم .

ويؤكد خلاف تفسيرهم للحق هنا جواب الله تعالى على هذا بذاته سبحانه ، حين قال : ﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي  ، وقوله كذلك : ﴿ جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الأحْزَابِ  وسمى ذلك أجلهم ﴿ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ  ، وكذلك دعوته لهم إن حسبوا بأنفسهم ﴿ أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأسْبَابِ  ، فهل هناك عاقل يجيب بجواب منطقي عن هذا التكليف بالإرتقاء كيف وجهه لبسطاء جدا في هذا المجال ؟، كيف يكلفهم الله تعالى بذلك وهم بذاك العجز ؟ ، ثم يعاصر عميان العيون والقلوب الصم البكم هؤلاء المردة وهم يرونهم في ما هم فيه من مقدرة على ذلك التكليف ، ثم لا يتصورون الخطاب موجه لهم ويجعلونه خاصا بقريش دون العالمين على بدائيتهم في هذا !! .

ووجه العناد هنا والكفر بالذكر يتجلى ممن أدرك هؤلاء ثم كذب الذكر ، من بعد ما رأى بيقين ادراك هؤلاء ومقدرتهم على تنفيذ هذا التكليف كما وعد الله تعالى وأخبر وأمر ﴿ أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ  ، ثم جوابه بـ ﴿ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ  ، فأي أجل يعني ؟! ، لعلهم يقولون ( هزيمتهم ببدر ) وقد قيل ذلك ، يا للجهل والضلال المبين على الذكر العظيم .

وهنا نرى أن الله تعالى لا مجرد أمر بذلك فقط ، بل أخبر بأنهم فعلوا ذلك ونظروا حقيقي ، على ما قال في الآية الأخرى : ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ  ، وهذا خبر حق وصريح بتحقق ذلك منهم ، ومن يحمل الأمر بعد هذا البيان على كفار قريش لا شك أنه مكذب للقرآن كافر بالذكر ، جاعلا الله تعالى يأمر بالسفه وما لا يطاق والعياذ بالله تعالى وتنزه مولانا عن ذلك ، لكن العقول القاصرة معرتها على أصحابها .

وعلى هذا أقول : لا يجوز قصر الذكر في هذا على كفار قريش وهو سفه بالعقل ولو وقع به أكابر ، كالذي قصر عذاب اللزام على هزيمة كفار قريش في بدر ، والكل يعلم أنهم هزموا المسلمين في معركة أحد والنبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم ما يبطل دعوى اللزام هنا ، ويبقى يصر إلا على أن يحرف الذكر ، لأن مبلغ علمه هكذا ومع ذلك تجشم القول بالقرآن بالرأي !! .

ومثله القول بتأويل سورة الدخان ، وهو من باب قصر الذكر على كفار قريش ، وهناك التلاعب والتحريف مكشوف وقد أضر بهؤلاء الذين حقا أدركوا تأويل الذكر وكان ذلك سببا مباشرا بصمم آذانهم وعمى عيونهم وقلوبهم حتى باتوا كالموتى مع تحقق أنباء الذكر فكانت حالهم ميؤوس منها حتى قال في حالهم المولى عز وجل ما قال وبين ان لو تاتيهم كل آية لن يؤمنوا يريد من آيات الذكر التي نص عليها أنها تكون وقت تحقق الذكر ، كآية الدخان ، وآية العاصفة الصفراء ، وآية الزلازل ، وتصريف الرياح ، وغير هذا كثير ، كل ذلك إن أتى به الله تعالى امام أعينهم فلن يروا حجية ذلك بها ، كما لن يروا حجية ذلك بقلوبهم بمراجعة ما قال عز وجل واعتبار انطباقه على واقع الحال بشتى سبل الإعتبار ، إن كان ذلك بتطابق الذكر مع القرآن من خلال الواقع ، بل لن يعتبروا ذلك بتاتا ولن يلتفتوا له أبدا ، فصح وهذه حالهم أن يصفهم بما وصف سبحانه وتعالى .

ثانيا ، الصليبية ولو كان بهم شيء من الوثنية باعتقادهم بيسوع وهو منهم براء فحقيقة ما يعبدون من صلب وشبه عليهم به أحد تلاميذه وليس هو بذاته عليه الصلاة والسلام ، لذا نجد بالمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حين تمثل لكل قوم آلهتهم يمثل لهؤلاء عباد يسوع بالذي شبه لهم به فعبدوه ، فيسوقهم للنار حتى يقع وإياهم فيها .

ومع هذا كان منهم موحدة على الملة الحنيفية كورقة والنجاشي وغيرهما ، وليس بصحيح الزعم بأن توحيد الإله الحق ما كان في الملة الآخرة ، على تفسير هؤلاء الجهلة بوعد الله وحقيقته .

ويبقى تفسير الحق أن المقال لهؤلاء ، لمن أدرك المهدي وأنكر إرساله من الله تعالى ، والملة الآخرة هي ملة الإسلام بحسب علمهم : أنهم لم يسمعوا بهذا الإرسال في هذه الملة الآخرة . سماع علم ووعي ، وإلا هو كذلك مدون بها كما دون بجميع أسفار الأنبياء من قبلها ، لكن الله تعالى صرف قلوبهم وطمس على أعينهم وختم على أسماعهم حتى ما يوقنوا بهذا ويؤمنوا به ويستيقنوه جزاءً من الله تعالى لسوء أعمالهم وأفكارهم على دينه تعالى وشريعته ، وإنكارهم كان من الأصل الأصيل لدعوة المهدي من توحيد القلوب والأعمال على طاعة الله تعالى وحده دون كل من سواه ، من أب أو حاكم أو مشرع أو قبيلة أو وطن أو أيا كان يأمر بخلاف ما أوجب الله تعالى ، فأجمل الله تعالى على ألسنتهم دعواهم ضد ما تأصل هنا بأن ذلك من باب إله حق ضد آلهة الاهواء المتفرقة ، فهذا المعنى لا ما قالوه من جهل مرتبك متهاوي تخالفه الحقاق الواقعية في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم نفسه على ما بينت . 

 

نُشر بموقع المهدي بتأريخ

3 / 6 / 2007