في تقرير ذلك دارت مناظرة رائعة من أجمل ما قرأت ، دارت ما بين المسيح عيسى ابن مريم صلوات ربي وسلامه عليهما ، وبين بعض الجنود الرومان ، وكانوا قبل ممن سمع منه صلوات ربي وسلامه عليه أو سمعوا عنه قوله عن أبيه إبراهيم لما كان يتساءل وهو على الفطرة يبحث عن الله تعالى الحق ليعبده وبعد أن نظر للنجوم والقمر والشمس وظن أنها هي الله ، ولكن بعد تبصر في تغيراتها وحركاتها قال :


 
﴿ يجب ألا تطرأ على الله الحركة ولا تحجبه الغيوم وإلا فني الناس 

ثم صاح بها صلوات ربي وسلامه عليه المسيح من على منبر الخطابة بالهيكل يوم السبت وأمام رئيس الكهنة والوالي والملك النائب الروماني على أورشليم ، فقال أمام كل ذلك الحشد :


 
﴿ ليس لإلهنا بداية ولا يكون له نهاية 


﴿ لا يرى إنه محجوب عن عقل الإنسان لأنه غير متجسد وغير مركب وغير متغير 

﴿ سماء السماوات لا تسعه لأن إلهنا غير محدود


﴿ إلهنا في كل مكان 


ولما أسمعهم ذلك قال :


 
﴿ أيها الرب إلهنا هذا هو إيماني الذي آتي به إلى دينونتك شاهدا على كل من يؤمن بخلاف ذلك


ثم كان بعد ذلك أن وقعت مناظرة الجند الرومان معه بقولهم له :


تريد تحولنا إلى دينك أو تريد أن نترك جم الآلهة فإن لرومية وحدها ثمانية وعشرين ألف إله منظور ، وأن نتبع إلهك الأحد ، ولما كان لا يرى فهو لا يعلم أين مقره ، وقد لا يكون سوى باطل .

أجاب عليه الصلاة والسلام :


 
﴿ لو كنت خلقتكم كما خلقكم إلهنا لحاولت تغييركم 


أجابوا : إذا كان لا يعلم أين إلهك فكيف خلقنا ؟

أرنا إلهك نكن يهودا .

فقال : 


 
﴿ لو كان لكم عيون لأريتكم إياه ولكن لما كنتم عميانا فلست بقادر على أن أريكم إياه 


قالوا : حقا لا بد أن يكون الإكرام الذي يقدمه لك الشعب قد سلبك عقلك لأن لكل منا عينين في رأسه وأنت تقول إننا عميان .

أجابهم عليه الصلاة والسلام :


 
﴿ إن العيون الجسدية لا تبصر إلا الكثيف والخارجي ، فلا تقدرون من ثم إلا على رؤية آلهتكم الخشبية والفضية والذهبية التي لا تقدر أن تفعل شيئا أما نحن أهل يهوذا فلنا عيون روحية هي خوف إلهنا ودينه ، ولذلك لا يمكن لنا رؤية إلهنا في كل مكان 


أجاب الجنود : احذر كيف تتكلم لأنك إذا صببت احتقارا على آلهتنا سلمناك إلى يد هيرودس الذي ينتقم لآلهتنا القادرة على كل شيء .

أجابهم :


 
﴿ إن كانت قادرة على كل شيء كما تقولون فاعلموا أني سأعبدها 


ففرح الجنود لما سمعوا هذا وأخذوا يمجدون أصنامهم .

فقال حينئذ :


 
﴿ لا حاجة بنا هنا إلى الكلام بل إلى الأعمال ، فاطلبوا لذلك من آلهتكم أن تخلق ذبابة واحدة فأعبدها 


فراع الجنود لسماع هذا ولم يقدر أحد منهم يقول شيء ، فقال من ثم لهم :


 
﴿ إذا كانت لا تقدر أن تصنع ذبابة واحدة جديدة فإني لا أترك لأجلها ذلك الإله الذي خلق كل شيء بكلمة واحدة ، الذي مجرد اسمه يروع جيوشا 


فأجاب الجنود : لنرى هذا لأننا نريد أن نأخذك وأرادوا أن يمدوا أيديهم إليه ، فقال حينئذ :


 
﴿ ادوناي صباءوت 


وفي الحال تدحرجت الجنود من الهيكل كما يدحرج المرء براميل من خشب غسلت لتملأ ثانية خمرا ، فكانوا يلتطمون بالأرض تارة برأسهم وطورا بأرجلهم وذلك دون أن يمسهم أحد ، فارتاعوا وأسرعوا إلى الهرب ولم يعودوا يروا في اليهودية قط اهـ .

ولما حصل هذا ماذا كان جواب المنافقون من الكهنة والفريسيون ؟!

قالوا : إنما فعل هذا بقوة الشيطان .

وهكذا لا يدخر النفاق على الإيمان شبهة دائما جاهز ، ولو كان هذا غيرة لجنود وكفرة يستعمرون البلاد والعباد ، ولو كان النائب السياسي هناك ملعون كافر ، ولو كان الذي يعاديه هناك نبي ورسول .

ويهود اليوم كيهود الأمس ، وهم كذلك في كل ملة ونحلة ، شبه وكهانة وغفلة تامة عن الإله الحق الذي لا يمكن يرى لأنه محجوب عن عقل الإنسان ، ولا يسعه شيء ، وليس محدود وهو بكل مكان ، ولا نهاية له ، ولا هو مركب ولا متجسد ولا متغير ، ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام .

سبحانه وتعالى عما يشركون ويجهلون ، تبارك الله العلي العظيم .
 

 
تم نشره بموقع المهدي بتأريخ
23 / 10 / 2010