وَقَالَ الضَّحَّاك وَابْن زَيْد : َالْعَرَب لا تَذْكُر السَّاقَ إِلا فِي الْمِحَن وَالشَّدَائِد الْعِظَام ; وَمِنْهُ قَوْلهمْ : قَامَتْ الدُّنْيَا عَلَى سَاق , وَقَامَتْ الْحَرْب عَلَى سَاق . قَالَ الشَّاعِر : وَقَامَتْ الْحَرْب بِنَا عَلَى سَاق اهـ .
بمناسبة ذكر الساق هنا في آيات سورة القيامة وما نقله القرطبي في تفسير معناها ، تعين التعليق على ذكرها هنا لما لهم من خلط في تفسيرها بكلا الموضعين سواء التي في سورة القيامة أو التي وردت في سورة القمر ، وأشد ما هنالك من خلط من أئمة السلف والحديث حين أحالوا التي في سورة القمر إلى باب صفات ذات الله عز وجل وأتوا هناك بما يدل على جهلهم وشديد ضلالهم حين حملوها على صفة لذات الله عز وجل التي قالوا أنه لا تدركها الأبصار ، فانطمت عقولهم عن الحق فيما قالوا وأكثروا في ذلك بما يؤسف له جدا وينم عن ضلال مبين في اثباتهم وجودا للرب عز وجل يحد بساقين يكشف عن احداهما ولا يدرون عن الأخرى ما يكون من شأنها ، وهذا ضلال مبين في العلم بحقيقة الرب عز وجل من قبل هؤلاء الذين لا زالوا يحسبون أنفسهم بلغوا من العلم كل شيء حتى أنهم تفرغوا للخوض في ذات الله بكل ذلك الضلال ، وملأوا الصحائف بما لو امسكوا عن أكثره لكان خير لهم .
والساق هنا لا هي بسيقان الموتى كما قال ابن عباس وتلميذه ، ولا هي في الأخرى صفة لله عز وجل ، بل المراد ساق حرب وشدة يكشف عنها كفرة العالم ومنافقوا الملة ضد المسلمين في كل مكان ، وحينها يكشف تعالى عن ساق حربه لما كشفوا عن ساقهم تلك ، لأنه يعلم وقدر تعالى أن لا مخلص يومها إلا هو ، وأنه نازل لخلاص المؤمنين من ذلك البلاء والشر العظيم ، فقابل الساق بالساق وإليه يومئذ سيكون المساق كما فصلت بهذا الكتاب لأبواب جهنم مفتحة ما بين مكة والمدينة المقدسة ، فالكفار سيجدون الخزي والمهانة وتسويد الوجوه ، والمؤمنون سيجدون الرحمة والفوز العظيم بقرب رب رحيم غفور ينتصر من الظالم وحين يأخذه لا يفلته ، وعليه قال تبارك وتعالى :
ولنفيه تعالى لتلك المثلية قال مؤكدا على أن ليس لهم منه عهد بأن لا يتدخل ويقطع طريقهم وحربهم تلك ، لا في كتاب ولا أيمان إلى يوم القيامة ، بما يعني تدخله المقدر عليهم في يوم القيامة :
وقال في خبر تلك الساق وما دارها نبي الله تعالى اشعيا الذي نبأه الله تعالى عن تلك الخواتيم بروح قوية فقال :
فَالآنَ اسْمَعِي هَذَا أَيَّتُهَا الْمُتَرَفِّهَةُ الْمُتَنَعِّمَةُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، الْقَائِلَةُ فِي قَلْبِهَا: أَنَا وَحْدِي وَلَيْسَ هُنَاكَ غَيْرِي ، لَنْ أَعْرِفَ التَّرَمُّلَ وَلَنْ أُثْكَلَ لِذَلِكَ سَتُبْتَلِينَ بِكِلاَ الأَمْرَيْنِ مَعاً فِي لَحْظَةٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، إِذْ تُثْكَلِينَ وَتَتَرَمَّلِينَ حَتَّى النِّهَايَةِ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ كَثْرَةِ سِحْرِكِ وَقُوَّةِ رُقَاكِ ، قَدْ تَوَلَّتْكِ طُمَأْنِينَةٌ فِي شَرِّكِ ، وَقُلْتِ : لاَ يَرَانِي أَحَدٌ وَلَكِنَّ حِكْمَتَكِ وَمَعْرِفَتَكِ أَضَلاَّكِ ، فَقُلْتِ فِي نَفْسِكِ: أَنَا وَحْدِي ، وَلَيْسَ هُنَاكَ غَيْرِي . سَيَدْهَمُكِ شَرٌّ لاَ تَدْرِينَ كَيْفَ تَدْفَعِينَهُ عَنْكِ ، وَتُبَاغِتُكِ دَاهِيَةٌ تَعْجَزِينَ عَنِ التَّكْفِيرِ عَنْهَا ، وَيُفَاجِئُكِ خَرَابٌ لاَ تَتَوَقَّعِينَهُ .
تَشَبَّثِي بِرُقَاكِ وَكَثْرَةِ سِحْرِكِ الَّتِي تَعِبْتِ فِيهَا مُنْذُ صِبَاكِ ، فَقَدْ يُحَالِفُكِ النَّجَاحُ أَوْ تُثِيرِينَ الرُّعْبَ . لَقَدْ ضَعُفْتِ مِنْ كَثْرَةِ طَلَبِ الْمَشُورَةِ ، فَادْعِي الْمُنَجِّمِينَ وَالْفَلَكِيِّينَ لِيَكْشِفُوا لَكِ طَوَالِعَ الْمُسْتَقْبَلِ وَيُنْقِذُوكِ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْكِ ﴾
تعبر الأنهار لأن أرضها ما وراء المياه خلف أرض كوش أي أفريقيا ، واذكروا هنا جيدا الأرض التي تتخللها الأنهار وذلك المقال عنها المنشور في موقعنا المبارك تحت عنوان ( تمعنوا في خريطة تلك الأرض بالجهة اليسار ، ماذا تشبه ؟ ) .
وفي ذلك المقال نقل قول النبي اشعيا أيضا فيها قوله التالي :
وإليكم صورة لخارطتها فما أدراه النبي اشعيا عن شكلها هذا لو ماهو وحي الله عز وجل ونبأه عن أمريكا من الغيب الذي أطلعه الله تعالى عليه ، وما عرفوا شكلها كما وصف النبي بنبوءته تلك الا من بعد اقمارهم الصناعية وتصويرهم للأرض من الفضاء ، حينها فقط علموا حقا أن لها شكل جناحي طائر بالفعل .

وها هي مياه المحيط تعزلها عن أفريقيا ، وليس هذا فقط بل قد تفوتكم كلمته ( بِرُقَاكِ وَكَثْرَةِ سِحْرِكِ الَّتِي تَعِبْتِ فِيهَا مُنْذُ صِبَاكِ ) وقوله عنهم في نبوءة أخرى : ( فَمُنْذُ الْقِدَمِ لَمْ تَنْفَتِحْ أُذُنَاكَ ، لأَنِّي عَرَفْتُ أَنَّكَ تَتَصَرَّفُ بِغَدْرٍ ،وَمُنْذُ مَوْلِدِكَ دُعِيتَ مُتَمَرِّداً ) .
وأنا أتحدي أي أحد يأتيني بهذا مطابقا لمثل شعب الإنجليز أو الألمان أو أي شعب غيرهم ممن لم يعرف لهم ابتداء نشأة ، مثل هؤلاء دون الخلق كلهم لهم ابتداء فحديثا نشأت أمريكا بالنسبة لعمر الأرض وتأريخ الشعوب ، حديثا نشأت بعد ما بقوا تحك قلوبهم النبوءات عنها وأين هي تكون تلك التي نبأنا عنها الكتاب المقدس ، إلى أن تبرعت عجائز اليهود في اسبانيا ومولت حملة كلنبوس الاستكشافية ، ويراهم العالم في فضول غريب وبالباطن إنما يبحثون عن أمريكا لنبوءات أعلمها أنا وليس هنا السياق المناسب لذكرها فنحن في أهم هنا ، ألسنا مع ساق امريكا حين تعبر المياه تلك لتعبث في الشعوب وأراضي الشعوب وتندس مثل الحية لتلدغ هذا وتترك هذا ، وتحيك من المؤامرات على الرب عز وجل ومواعيده وهو يعلم بمكرهم واعد لهم شرك الحرب والإبادة وهم لا يشعرون .
كشفت عن ساقها وكشف هو عن ساق حربه وهم لا يعلمون ، ويلهم النار موعدهم ، جهنم ستفتح أبوابها لهم ويل لهم من العذاب والخزي الذي ينتظرهم وينتظر كل كلابها وقحابها ومخنثيها ، وكل خبيث علق بذنبها .
ولا تأتوني بمن شابهم كنيوزلندا أو استراليا ، فأولئك من جنسهم لكنها هي اختصت بالذكر لجبروتها وتسلطها وكلهم اليوم تبعا لها ، إنها عكازة يهود ينخسون بها الناس ، وقوم اعتادوا على الحصون والتخفي وراء الستائر ، من الطبيعي أن يعملوا على انشاء ذلك السد الحصين ومن ورائه يحكمون الأرض .
فقول النبي هنا : ﴿ وَاكْشِفِي عَنِ السَّاقِ ﴾. مثل قوله تعالى : ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ﴾ . وقوله تعالى : ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ . كل ذلك في المعنى سواء ، فحين يوقنون الأمر ويريدون السجود للذي ما عرفوه قط في أديانهم لا عباد الصليب ولا اليهود حتى ، لقد كرهم الشيطان وأبعدهم عن السجود لله حتى وهم مشركون مع ثبوت النصوص الكثيرة في عهدهم المقدس كما يزعموم عن سجود الأخيار والأنبياء هناك ، لكن لما كان كاتب عهدهم الشيطان ولم يطرده من رحمة الله عز وجل إلا رفضه تلك السجدة كان حتما يدعو أتباعه ويحثهم على ترك أي سجود بالجبهة على الأرض ، لأنه مهما كانت النوايا إلا أن تلك الهيئة مرفوضة عنده في مذهبه لعلمه بشأنها ، وعليه لما كان كل هؤلاء أتباعا له كان نسخ لهم حكم السجود من العبادات فصارت تلك الحركة السخيفة في اليهودية وكأنهم يعاشرون الجدار ، وفي عباد الصليب وقوفا أو وهم يجثون على الركب ، المهم لا سجود ، وكما قال العرب ( البعرة تدل على البعير ، والأثر يدل على المسير ) .
ومن عدل الله عز وجل لما يوقنون الأمر هذا ويعلمون حقه من الله عز وجل ، وحينها يريدون التوسل بالسجود ، فمن عدله تبارك وتعالى أن يمنعهم : ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ، خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ، فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ، وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ .
وهذه حقيقة الساق فلا عليكم لا من سلف ولا خلف واضربوا بعرض الحائط اثبات ذلك صفة لله تعالى فكل هذا بذات المعنى والمراد خلاف ما ذهبوا إليه بخصوص قوله تعالى : ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ﴾ ، إنما هي ساق الحرب التي كشفت عنها أمريكا ، وسيكشف بالمقابل ربنا الجبار عن ساق حربه ، وستلتف حينها الساق بالساق ثم إلى ربهم المساق لأبواب جهنم ما بين مكة والمدينة .
...............
(1) كان نص استفسارها التالي : اجماع الأمة على أن النفخ في الصور ليوم القيامة الكبرى هنا ، والحشر مثل ذلك ، فأتى هذا الإعتقاد نسف كل ذلك ، ولا بد مما لا بد منه بقية ما ترسخ من اعتقاد أمتنا فينا ، لو شرح معنى هذه الآية أكثر لتزول عن بعض القلوب مثل تلك الرواسب جزاكم الله خيرا اهـ .
(2) راجع الفصل الخامس من هذا الكتاب ( بركات الله تعالى لطيبة وللمؤمنين وسط الأنهر والجنان هناك ) وهذا أحد أوجه أدلة ثلاثة للبركة في المدينة احدها مع ذكر نقل الريح لسليمان النبي صلى الله عليه وسلم ، والثاني مع هجرة ابراهيم الخليل وابن أخيه لوط عليهما الصلاة والسلام ، والوجه الثالث المذكور هنا .