طبعا مهما تريد تقنع الرافضي أن غلوهم بالحسين وآل البيت بات عبادة وتقديس من دون الله تعالى فهم لن يقتنعوا بهذا لأن الشيطان من السهولة عنده خداع الناس من خلال العاطفة ، وما قدست الآلهة الباطلة إلا من خلال جر العواطف البشرية لتقع بالشرك بخالقهم الواحد الديان .

ولما كانت العاطفة البشرية من الضعف بمكان حتى أنها تتأثر بالمظاهر الخارجية سريعا ، كان اعتماد سدنة الأصنام والأنصاب بتهييجها من خلال الزخارف والتضخيم المبالغ فيه كما تشاهدون بالبيوت الشركية بالهند والصين ، من اكثار التلاوين الصفراء والحمراء والطلاء الذهبي وتشييد الأبراج الضخمة والأبواب العالية والسلالم المرتفعة بعضها ارتفاعها يشقى بعدد درجاته عباد الشرك هناك ، كما هو مشاهد بالصين وبلاد الفطس مثل تايلند والفلبين والكوريا واليابان وغيرهم ، ولا تبنى أغلب تلك البيوت للأصنام إلا فوق المشارف لهذا لو فطنتم لذلك تجدون أكثر بيوتات أصنامهم هناك تحتاج لتلك السلالم .

ودائما يحيط بتلك البيوت هناك جو من الهيبة للمبالغات التي ذكرت ، ويتأثر بهذا العامة من السذج والبسطاء أكثر من غيرهم ، ثم إذا كان هناك جمهرات مكثفة ، انطبق على القلوب بينهم هناك حب تلك الأصنام وعبادتها وأخذت المشاعر والأحاسيس فصارت جياشة حتى إني رأيت من بعضهم ما إن يروا من دخولهم مع تلك الجمهرات فيشاهد بعينيه تلك الأبهة والألوان والفخامة أن أعينهم تدمع تعظيما وإجلالا لما يشاهدونه .

ويزيد كذلك في كل إثارة لتلك المشاعر ، ما يرون من انتظام للناس بالعبادة والخدمات التي تبذل ليلا ونهارا هناك حول تلك الأصنام الرجس داخل تلك القصور المعظمة من دون الله تعالى .

وتحضرني هنا طرفة لم اتمالك نفسي إلا أن أذكرها بابتداء المقال ، فهي عني شخصيا وغريبة جدا !!

وكان موقفي هذا في صباي وحماساتي الأولى لنصرة الحق وتبيينه للناس والرد على أنواع الأباطيل أيا كان مصدرها ، وفي يوم قدر الله اجتماعي برافضي شاب متحمس هو كذلك لملته مثلي وكان معجبا بي ويكن لي احتراما كبيرا ، فقال لي يوما : 
أنتم محجوبون عن الحق الذي عندنا لأنكم لا تخالطوننا حتى تعرفوا عنا من مقاربة ، لهذا عليكم الحجب عن الحق الذي معنا .

بل أنتم تهابون مخالطة الحق الذي عندنا حتى ما تؤمنوا إذا ما فعلتم ذلك لهذا تفرون من ديننا فرار الصحيح عن المجذوم أو الأسد .


فقلت له ما يهابكم إلا أخرق واطلب من فورك أين تريدني أنا أذهب معك سأذهب وسترى .

فقال فورا :
اذهب معي لإحدى حسينياتنا واجلس معنا وانظر واسمع . فقلت : سأفعل بأي مكان كانت تلك الحسينية وسأرى ولن أرى إلا مزيدا من الباطل والأكاذيب والترهات .

العجيب الغريب : أني ذهبت معه بالفعل لأبرهن له أن من هو على دين محمد الحق ومهما وصف نفسه ودينه أو وصفه الناس ، إن كان حقا على الدين الحق فلن يخشى الباطل ولن يرف قلبه للحظة منه مهما رأى وسمع ولو كان الدجال نفسه أمامه وعرض دجله الأكبر ، أليس ذلك لما قام بما أوهم الخلق به من دجل ذلك الأعور ، أن المؤمن الصالح رد عليه : " 
ما ازددت بك إلا بصيرة ، أنت الذي أخبرنا خبره رسولنا صلى الله عليه وسلم " .

نعم هذا هو الذي لن يكون غيره .

العجيب أني لما ذهبت أقول لكم وسمعت ورأيت الجمهرة العظيمة تلك المكتضة بأنواع مشكلة ملونة من الدراويش والحثالات ، وهم ينظرون لي بأعينهم يكادون يزلقونني بها ، لأني بلحية ومن غير عقال علامة أتباع الدجال ، والسمة الغالبة على مظهري أني من الوهابية !!

إزاري قصير نسبيا ، يعني سنيني وجايهم يتدحرج ، وكان المنظر ملفتا جدا ، وسلمتُ منهم لأنه بصراحة تصوري كانوا أحسنوا الظن بي وقالوا : أكيد أتى به دعاتنا الدهاة وقريبا سيكون حمامة من حمامات الحسينية .

ووالله لا أطيل عليكم : أني من نواح الخبيث الطاغوت يومها وشديد صراخه على موت الحسين وما فعل به هناك أني بكيت ، أصر ما أبكي وأوبخ نفسي ما لك يا رجل ، ولا فائدة إلا أبكي وتسيل دموعي على خدي ولحيتي .

وهذه من أعجب التجارب التي مريت بها بحياتي قط لا أذكر لها نظير ، كيف أبكي من باطل وبي كل ذلك اليقين ، ومن ذلك خلصت معي على طول كل تلك السنين هذه القناعات التي أسطرها لكم اليوم بهذه المقالة ، أن الباطل يأخذ بقلوب الجهلة والسذج من الناس بالبهرجة والجمهرات والصراخات ولو كانت كاذبة ، ولو أنها ما تصلح تمر وترسخ عند أي عاقل بشري ، لكن هكذا هو خداع المشاعر الإنسانية والعواطف المتفلتة المتمردة على الضبط وصحيح الإيقاع .

وكيف لا وأنا محدثكم مررت بما قلته لكم وكلي يقين وربي العظيم أنهم على باطل وأن الشيطان يخدعهم ليوقعهم بالشرك الذي سأذكره لكم لاحقا فكيف بغيري ممن يصدق بتلك الأباطيل ثم يؤمن بها فيكون جلبه للهلاك مؤكدا من أمثال من رأيت بتلك الحسينية أو سائر عباد الأصنام بأي مكان ، فيقومون ليجلدوا ذواتهم ويشطبوا أجسادهم لتسيل الدماء للأصنام التي يعبدونها نسكا وعبادة تقديس ، كما كان يفعل إخوانهم المشركين في زمان إيليا النبي عليه الصلاة والسلام تماما . 

ولا أطيل عليكم وهذا ثابت من أفعالهم ومشاهد للكل الآن من خلال تطور الاتصالات وكثرة تلك القنوات وما تبث من برامج ثقافية يسمونها هكذا عن عادات الشعوب .

وآخر تلك الزيوف الباطلة استعراضات أولئك المشركة من الرافضة الوثنيين من سفهاء وسدنة كهان ككهان اليهودية في غابر الأزمان ، حتى بتنا نشاهد اليوم تزار تلك المعابد الشركية والأبهات الملونة في العراق من الملايين ، وأغلبهم يأتون من مجوسية إيران الذين مرجت قلوبهم من قديم إلى عبادة تلك الوثنيات والشركيات فبدأوها من عبادة النار وإقامة البيوت الضخمة لتقديسها ، ثم انتقلت بهم تلك العواطف والمشاعر الجياشة لعبادة الأضرحة المقدسة بالشرك ويزعمون بها من رجالات آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ونسائهم كذلك .


وسأدخل ببيان المقصود ..

كنت أسأل نفسي غالبا لما أراهم وهم بتلك الزيارات وأقول : ليشركوا ويعبدوا قلوبهم وعقولهم لتلك الآلهة وليعظموها كما يشاؤون إلا أني كنت أعجب لم لا يتركون تعذيب الذوات وجلد الأجساد ، فهل تلك بمنزلة الأضحية يعني ؟

وإن كان فذلك الشرك الصريح وكيف يفوت هذا على أكثرهم كونهم من الجنس البشري الذي شرفه الله تعالى بالعقول والتفكر واعمال البصائر بالأمور وعواقبها .

وإن كان ذلك لإبداء الأسف والندم على ما يزعمون أنه مما حل بإلههم الحسين ومن معه ، فيشتد عجبي حينها كيف أن القاتل المجرم آخر والذي يعذب نفسه هنا غير أولئك المجرمين القتلة .

كيف يعذب انسانا جسده وهو لم يغترف أي ذنب مما يعذب نفسه من أجله ، فالمغترف لتلك المصائب غيره .

والعاطفة بالمحبة ليعبر عنها ويمكن يعبر عنها بطريقة غير تلك الطريقة ، وهم يفعلون ذلك أصلا فلم الحرص على ذلك التعذيب وضرب الرؤوس بالسكاكين وحد السيف وجلد الظهر بتلك السياط ، لم ؟!

وها هي بيوتات أصنامهم مفتحة بالمناسبات الجماهيرية الشركية وغير الجماهيرية فيمكنهم يعبرون عن العواطف الجياشة لحب ذلك الصنم أو غيره بأنواع من التعبيرات .

وأبقى كل ما تفكرت بذلك لأجد له تفسيرا منطقيا تزداد حيرتي وتتعمق أحجيتهم في تصوري حتى أصبحت ليلا مدلهما ، لكن رحمة الله تعالى بي وهي القريبة من المحسنين على الدوام الذين نسأله تعالى أن يجعلنا منهم وينجينا من كل رجس ووثنية وأن يمتنا على توحيده الخالص ، فلا معبود بحق إلا هو تعالى ، ولا تعظيم إلا ما عظمه ، ولا عبادة إلا ما شرعها تبارك وتعالى للخلق ، ورأس ذلك وأساسه ملة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وكل موحد لا يلتزمها فهو مشرك وتوحيده ادعاء .

فهو لم يعظم إلا البيت الحرام الذي أمر ببنائه لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، وبأمر الله تبارك اسمه .

ولم يقدس اضحية إلا له سبحانه وتعالى لا لأحد سواه ، وكان أصل تلك الأضحية استجابة خليله له من خلال ما أري بمنامه أنه يضحي بولده لله تعالى ، فهم بولده بالفعل حتى بلغ بسكينه حلق الولد الغالي لقلب الوالد جدا ، لكن الله تعالى لما تقبلها منه ورأى من عزمه في ذلك أبدله بغيرها وتقبل منه كل ذلك ، أبدله بكبش عظيم .

وأصل تلك الأضحية فسرت على لسان يسوع المسيح صلوات ربي وسلامه عليه على أنها لقتل العاطفة الجياشة التي كانت تسكن قلب ابراهيم الخليل تجاه ولده البكر ، فكانت العاطفة من الموحد المخلص لا يجوز لها أن تصرف لغير الله تعالى ولو من خلال حب الولد إذا ما تعاظمت وأخذت بتلابيب قلب الإنسان حتى تضطره لعمل ما لا يرضي الله تعالى ، فلا بد حينها من قتلها وتقديم محبة الله تعالى والشوق له عليها ولو كانت لولده ثمرة جوفه ، فما بالكم بغيره .

ولهذا شرع ربنا ما شرع في ذلك لقتل العواطف حتى ما تصرف للباطل والشرك به ، فكان من أمر الخليل العظيم ما كان .


وهنا أقول : لو ثبت أن ما يفعله الرافضة المجوس اليوم في عبادتهم للحسين وغير الحسين أنه من فعل المشركين السابقين في فلسطين وتلك النواحي أيام أنبياء بني إسرائيل الموحدين ، بل لعلها ثابتة أيضا عند غير الفلسطينيين في أهل الشرك سابقا فلا يعني خصوص ثبوت النقل بعين تلك الحادثة أن ذلك كان خاصا بها وبأهلها دون غيرهم ، وكما عرف العقلاء ما كان يفعل بالقديم من عادات وثنية وغير وثنية لا يعلم إلا الله تعالى مدى انتشار ذلك وانطباق الخلق عليه قديما ، فقد تكون عادة للمشركين عالمية يأخذونها عن بعضهم البعض ، ومصداق ذلك أن الأصنام لما دخلت إلى جوف الكعبة وما حولها إنما وصلت إلى هناك من تقليد بعضهم لبعض خلال الرحلات التجارية وغير التجارية ، وكل ما رأى من تلك الأبهات والتقديسات أحد من المتنفذين جرب ذلك في ناحيته وبذلك وصلت عبادة الشرك وتقديس الأصنام والنصب إلى بيت الله تعالى المعظم الذي ما أمر ببناءه إلا لتقديسه هو لله تعالى وبأمره ، فقدست الأصنام فيه وأبطلت الغاية التي لأجلها تبارك وتعالى شرع تقديس البيت بهيكله المقدس وشرع النسك طاعة له في رحابه .

وبالمثل تشريع القدسية للرسول صلى الله عليه وسلم ولآل بيته وايجاب تلك الحقوق لهم من الناس ، إلا لتعظيمه هو مثل ما فعل في أمر بيته العتيق ، فحرف هذا وهذا وقلبه أهل الشرك على خلاف المقصد الذي أراده الله تعالى .

وقفوا معي على هذه القصة وستفهمون المعنى والمغزى إن شاء الله تعالى وهي تدور مع ذكر نبي الله تعالى إيليا عليه الصلاة والسلام الذي رفع للسماء ليعود آخر الزمان ليعنف هؤلاء المشركة كما كان يفعل بالسابق ويبطل مقدساتهم كما فعل ذلك قبل عليه الصلاة والسلام :

بعد أيام كثيرة كان كلام الرب إلى إيليا قائلا امض وترآء لأحآب فآتي بمطرٍ على وجه الأرض ، فمضى إيليا ليترآءى لأحاب وكان جوع شديد في السامرة ، وكان أحآب دعا عوبديا قيم البيت وكان عوبديا متقيا للرب جدا ، وكان لما قرضت إيزابل أنبياء الرب أن عوبديا أخذ مئة من الأنبياء وأخفاهم كل خمسين في مغارة وعالهم بالخبز والماء .

وقال أحآب لعوبديا سر في الأرض إلى جميع عيون الماء وأنهاره عسى أن تجد عُشبا نُحيي به الخيل والبغال ولا نَعدم البهائم كلها ..

وبينما عوبديا في الطريق إذ التقى بإيليا فعرفه ، ـ فقال له ايليا ـ : أنا هو امض فقل لسيدك هوذا إيليا . فقال له عوبديا : 

ما خطيئتي حتى تُلقي الآن عبدك في يد أحآب ليقتلني ، حيٌُ هو الرب إلهك إنه ما من أمة ولا مملكة إلا بعث سيدي إليها في طلبك فيقولون ليس هنا فيستحلفُ تلك المملكة أو الأمة أنها لم تجدك ، والآن أنت تقول امض فقل لسيدك هوذا إيليا فيكون إذا انطلقت من عندك أن روح الرب يأخذك إلى حيث لا أعلم فآتي وأخبر أحآب ثم لا يجدك فيقتلني وعبدك مُتق للرب منذ صبآئي .

ألم يُخبَر سيدي بما صنعتُ حينما قتلت إيزابل أنبياء الرب حيث خبأتُ من أنبياء الرب مئة رجل كل خمسين في مغارة وعلتهم بالخبز والماء ، والآن أنت تقول امض قل لسيدك هوذا إيليا فيقتلني .

فقال إيليا ـ 
عليه الصلاة والسلام ـ حيٌّ ربُّ الجنود الذي أنا واقف أمامه ! إني في هذا اليوم أتراءى لَهُ .

فمضى عوبديا ولقي أحآب وأخبره فجاء للقاء إيليا ، ولما رأى أحآب إيليا قال له أحآب أأنت إيليا مقلقُ إسرائيل ، قال له إيليا : لم أقلق إسرائيل أنا بل أنت وبيتُ أبيك بترككم وصايا الرب واقتفائكم البعليم ـ 
صنم معبود كان وقت إيليا في إٍسرائيل يبنون له بيتا يسمى البعليم ـ .

والآن وجه واجمع إلى كل إسرائيل إلى جبل الكرمل وأنبياء البعل الأربع مئة والخمسين وأنبياء عشتاروت ـ
صنم كان وقتهم يعبد عبر الأردن وبالجزيرة العربية على نطاق واسع وتبنى له البيوت في كل مكان ـ الأربع مئة الذين يأكلون على مائدة إيزابل .

فأرسل أحآب إلى جميع بني إٍسرائيل وجمع الأنبياء إلى جبل الكرمل .

فتقدم إيليا إلى جميع الشعب وقال لهم : إلى متى أنتم تعرُجُون بين الجانبين إن كان الرب هو الإله فاتبعوه وإن كان البعلُ إياهُ فاتبعوه ، فلم يجبه القوم بكلمة .

فقال إيليا للشعب : أنا الآن وحدي بقيتُ نبيا للرب وهؤلاء أنبياء البعلِ أربع مئة وخمسون رجلا ، فليؤت لنا بثورين فيختاروا لهم ثورا ثم يقطعوه ويجعلوه على الحطب ولا يضعوا نارا وأنا أيضا أهيئُ الثور الآخر وأجعله على الحطب ولا أضع نارا ، ثم تدعون أنتم باسم آلهتكم وأنا أدعو باسم الرب والذي يجيبُ بنار فَهُوَ الإلهُ . فأجاب جميع الشعب قائلين الكلام حسنٌ .

فقال إيليا لأنبياء البعل اختاروا لكم ثورا وافعلوا أولا لأنكم كثيرون وادعوا باسم آلهتكم ولكن لا تضعوا نارا ، فأخذوا الثور الذي أعطاهم وقربوا ودعوا باسم البعل من الغداة إلى الظُّهرِ وهم يقولون أيها البعل أجبنا فلم يكن من صوت ولا مُجيبٍ وكانوا يرقصون حول المذبح الذي صنعوا .

فلما كان الظُّهرُ سخر منهم إيليا وقال اصرخوا بصوت أعلى فإنه إلهٌ لعلهُ في محادثةٍ أو خلوة أو في سفر أو لعله نائم فيستيقظ .

فكانوا يصرخون بصوت عظيم 
وتهشموا على حسب رسمهم بالسيوف والرماح حتى سالت دمآؤُهُمْ عليهم !!!!

فلما فات الظهر وهم يتنبأون إلى أن حان إصعاد التقدمة وليس صوتٌ ولا مجيبٌ ولا مُصغ .

فقال إيليا لجميع الشعب ادنوا مني فدنا جميع الشعب منه ، فرمم مذبح الرب الذي كان قد تهدم ، وأخذ إيليا اثني عشر حجرا على عدد أسباط بني يعقوب وبنى تلك الحجارة مذبحا على اسم الرب وجعل حول المذبح قناةً تسعُ مكيالين من الحب ، ثم نضد الحطب وقطع الثور وجعلهُ على الحطب ، وقال املأوا أربع جرار ماء وصبوا على المحرقة وعلى الحطب ، ثم قال ثنوا فثنوا ثم قال ثلثوا فثلثوا ، فجرى الماء حول المذبح دائرا وامتلأت القناةُ أيضا ماء ، فلما حان إصعاد التقدمة تقدم إيليا النبي وقال :

أيها الرب إله إبراهيم وإسحاق وإسرائيل ليُعلم اليوم أنك إلهٌ في إسرائيل وأني أنا عبدك وبأمرك قد فعلت كل هذه الأمور ، استجبني يا رب استجبني ليعلم هذا الشعب أنك أيها الرب أنت الإله وأنك أنت رددت قلوبهم إلى الوراء . 

فهبطت نارُ الربِ وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب حتى لحست الماء الذي في القناة ، فلما رأى ذلك جميع الشعب خرُّوا على وجوههم وقالوا الرب هو الإله الرب هو الإله .

فقال لهم إيليا : اقبضوا على أنبياء البعل ولا يُفلت منهم أحدٌ ، فقبضوا عليهم فأنزلهم إيليا إلى النهر وذبحهم هناك .

وقال إيليا لأحآب أصعد كُل واشرب فهوذا صوت دوي مطر .

وصعد إيليا إلى رأس الكرمل وخرَّ إلى الأرض وجعل وجهه بين ركبتيه !
 اهـ .

هذه صورة من صور التوحيد الخالص الذي به يزهق الله تعالى الباطل والوثنية والشرك ، والشاهد هنا ذكر ما يفعله كفار المجوس اليوم عباد الحسين من جلد الذات وتشطيب الأجساد بحد السكاكين والسيوف وبان أنه من فعل عباد " البعل " عبادة لما يطوفون له ويستغيثون به بالمسألة وهم يشطبون أجسادهم بتلك الآلات الحادة لتسيل دمائهم قربانا له .

وهؤلاء بحسب ما صار يشاهدهم العالم كله بعد تحررهم على أيدي مخلصهم بوش وادارته ، فاستقووا بهم وصاروا يظهرون للعالم تلك العبادات الوثنية والنسك الشركية ، يتناقلونها بافتخار واعتزاز شديد من بعد ما أنشأوا لنشر ذلك الكثير من القنوات الفضائية ، وصاروا يصورون الجموع الغفيرة من العباد الكفرة لتلك النصب والأصنام التي بنوها ، وكانت قديما من أحجار واستبدلها كفار العصر بقبور مبني عليها القباب ومشيد فوقها القصور وتلك الأبهات والزخارف المبهرة لعقل كل وثني جاهل مطموس البصيرة .

يفعلون ذلك والمجوس بينهم يضربون بالصواني النحاسية ويجلدون جلودهم تلك الملعونة كما فعل عباد "
البعل " في زمان نبي الله تعالى إيليا عليه الصلاة والسلام .

وأعتقد أن الصورة اتضحت الآن وانكشف المعنى والمغزى ، وأحمد الإله القدير أنه لا زال يبصرنا بأهل الكفران وعباد القبور والأصنام بكل أشكالها ، التي ما بعث الأنبياء وآخرهم المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا بتحطيمها والأمر بمنع القلوب عن تعظيمها ، ولما كان يوحى له من الله تعالى أن مثل هذا سيكون ممن سينتسب لدينه وخصوصا ممن سيدعي محبة الحسين وآل بيته وأنهم سيفعلون ذلك من خلال قبورهم ، فارتاع من ذلك وسأل ربه أن لا يجعلوا قبره هو نفسه عليه الصلاة والسلام وثنا يعبد ، ما يثبت أن القبر إذا ما عظم بالبناء والزخارف وشيدت عليه القباب وبذلت له التقدمات من مال وغيره ، أنه بذلك يعدُ شرعا وثنا يعبد من دون الله تعالى وهم كذلك يفعلون .

ويجدهم الناس اليوم من شدة القبورية والوثنية والشرك الذي سكن قلوبهم يتدافعون بطيبة الخير يتمنون يكون لهم هناك سلطانا ولو مكنهم الله تعالى من ذلك لرأيتم أكبر وأعظم وثنا يعبد من دون الله تعالى ، قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي طهره الله تعالى من رجسهم ودنسهم .

وأخيرا أنبه على قولهم هنا : "
 فآتي بمطرٍ على وجه الأرض " . وأيضا :

وكان جوع شديد في السامرة ... سر في الأرض إلى جميع عيون الماء وأنهاره عسى أن تجد عُشبا نُحيي به الخيل والبغال ولا نَعدم البهائم كلها " .

وهذا كله يدل على ما قررت بمقالي الجديد " 
العَـــالَم الملعون ... " .

أن الله تعالى إذا غضب كان إظهار ذلك بإنزال الجدب واضمحلال العشب وضربهم بالجوع عقوبة حتى يفنى من يفنى من البشر والدواب ، ويخوفهم مع ذلك بالمطر الشديد وأصوات الرعود ووميض البروق الشديدة والضرب بالصواعق كما هو مبين بمقالي المشار إليه وبتلك الملفات المرفقة بهذا المنبر المبارك ، منبر مهدي الله تعالى وخليفته ورسوله .

قال عز وجل : 
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ . وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ . وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ . الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ . فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ . فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ . إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾

وهكذا هي سنته مع كل الأمم الطاغية يصب عليهم ربنا عز وجل سوط عذابه ، مثل ما نرى عليه الحال اليوم وعلى العالم كله لشديد غضبه عليهم فقد أتوا من الكفران والطغيان وإذاعة الفواحش ما لم يسبقهم إلى مثله أحد من قبلهم قط ، لكن ومن سنته الأخرى ندرك يقينا ببعثه للمهدي عليه الصلاة والسلام ولو لم يبعثه لم يعذبهم وقد كتب ذلك سنة منه على خلقه فقال تبارك وتعالى : ﴿ مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً . وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً . وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً ﴾

يريد تعذيبهم بالدنيا لا الآخرة ، فلهذا نص على ذكر القرون من بعد نوح وأن تلك كانت سنته فيهم وهي مفصلة بقصص القرآن ، إذا طغوا وأراد الفصل فيهم بأمره أرسل من بينهم رسولا ثم يرتب الجزاء .

وهؤلاء لما أراد الفصل بأمره بينهم أرسل رسوله المهدي عليه الصلاة والسلام ليقيم الحجج القواطع عليهم ويقيم له تعالى البراهين ليهلك من يهلك عن بينة ، وينجى من كتب له النجاة والنجاح والفلاح .

وبذلك من دوامغ الحق وإزهاق الباطل على رؤوس طواغيت الرافضة ما لا يخفى إلا على من رين على قلوبهم وجعل عليها الأكنة أن يفقهوه فكان أمرهم فرطا .

إذا أن الله تعالى صب سوط عذابه على كل الأمم اليوم ومن سنين وقوارعه الماحقة تأخذهم من أطرافها ، فهل رأى أحد من الخلق مهديهم المزعوم ها وقد كانت ولادته من قرون وهم لا يزعمون أن ولادته تسبق تحقق تلك السنة بل من قرون في اعتقادهم أنه ولد ، ثم هو لا زال شاردا متخفي كالجن والشياطين لا يرى منه صورة ولا صوت ، ثم ها هي تقع سنة الله تعالى في كل الأمم وكل العالم لا بشعب معين منها بل شملها ذلك كله ، وسنته أنه ما يعذب أحدا من شعب ولا قبيلة إلا وقبل ذلك رحمة منه وسنة أنه يبعث رسولا ليكون منذرا مقيما لحجة الله تعالى قبل ما يستأصلون بالعذاب .

وحين لم يكن مهدي الكذب من مقدمات ذلك ويسبق تحققه فأيقنوا أن الملاعين كذبة فيما ادعوا وأن من صدقهم بذلك قد طرح عقله وراء موازين البشرية التي وهبها الله تعالى بما وهبها وميزها عن سائر الدواب .

وأعتقد إلى هنا باتضاح المعنى لكل من نصح لنفسه وأحب أن لا يقلد مصيره الدنيوي والأخروي للتافهين من المعممين بينهم وما أكثرهم ، وأن لا يكون كالإمعة لا شخصية ولا قرار ولا بصيرة بالرأي حتى ، بل مجرد ظل وخيال .

كذلك لا يفوتني هنا التنبيه بالتعليق على قولهم :

فلما رأى ذلك جميع الشعب خرُّوا على وجوههم وقالوا الرب هو الإله الرب هو الإله " .

وقولهم : " 
وصعد إيليا إلى رأس الكرمل وخرَّ إلى الأرض وجعل وجهه بين ركبتيه " .

أن هذه صفة العبادة لله تعالى كانت بينهم كما هي صفة العبادة اليوم التي يؤديها لله تعالى المسلمون ، يسجدون لله تعالى بوجوههم ويركعون ويقومون له عز وجل قانتين كما أمر كل الأنبياء بذلك وكل من يتبعهم على دينهم وملتهم .

والمشاهد اليوم بملل الكفر والشرك والوثنية خصوصا هؤلاء الملاعين الذين انتسبوا لأهل الكتاب وليسوا بأهلا لا لكتاب ولا لأي نبي أفلسهم الشيطان من كل خير وكل حق ، وكما ترون هم لا يفعلون ذلك لا يهود ولا عباد صلبان بما أنهم عاينوا محمدا صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه يفعلون ذلك فارتأوا تحريف صفة العبادة التي ورث ذكرها لديهم عن الأنبياء فطمسوا كل ذلك ورفعوا تفاصيل ذكره من كتبهم إلا ما حفظه لنا ربنا من ذكر السجود فقط كما في النصين المذكورين سابقا وغيرهما ، أما صفة الوضوء والركوع والسجود وبيان ما هية العبادة فهذا ملغي من الكتب حتى لا يكونوا مثل الذي آمن بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وأخذ يفعل كفعله بالعبادة لله تعالى ، ويرون ذلك من الحنكة والدهاء ، وهم لا يشعرون أنهم بذلك خرجوا من الرحمة والسلام للعنة الأبدية ، خصوصا أولئك الكفرة عباد الصلبان الذين زادوا لكل رجاساتهم ترك الختان وقد قطع المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام أن الجنة تحرم على الأغلف لا يدخلها وزادوا شرا عظيما على سائر شرورهم وأرجاسهم أن ادعوا له الألوهية والعياذ بالله تعالى ظلمات بعضها فوق بعض وما هم بخارجين منها لحين يزهق الله تعالى أرواحهم النجسة بنفسه المبارك عليه الصلاة والسلام .

وكان لي تفصيل أكثر حول هذا الأمر بردي الأخير على حمارهم التافه " 
بنديكت " حامل صليب داود الإسخريوطي يراجع تحت هذا العنوان :

أحمدك إلهنا الحق القدير على نعمة التوحيد ونبذ الشرك والبراءة من كل أهله والنفاق كذلك ، أللهم ربنا العظيم ثبتنا وانصر دينك وأعلي ملتك وامحق الشرك والمشركين كما وعدت ، والنفاق والمنافقين كما وعدت ، فلقد انتشر شرهم واستكبرت رؤوسهم وطواغيتهم ، وبات الحق الذي تحبه ذليلا بينهم مقبوحا ، ربنا أخزهم وافضحهم واكشف كل أباطيلهم وانشر أسرارها واسحق كل أساس لهم ولا تجعل لهم بعدها أي قرار .

 

للشيخ الفاضل المهاجر حفظه الله تعالى

موقع المهدي

19/5/2009