أقسم بالله العظيم أن المخاطب هنا بالقرآن المهدي ومن أدركهم ..



وقفة مع كتاب ربنا عز وجل الحق /
 

ما أكثر ما يخاطب الله تعالى المهدي بكتابه الكريم ويظن الخلق أن الخطاب إنما يوجه للمصطفى صلوات ربي وسلامه عليه ، لقد جهلوا ما اودع الله في نصه هذا أو ذاك من قرائن تنتظم بالسياق من كلام الله تعالى فيعرف بإدراك معناها المعني بتلك القرائن وذاك السياق .

تفكروا معي فيما تفكرت به وستعرفون هذه الحقيقة الربانية العظيمة التي بعلمها وتيقنها يستنير القلب بنور الله عز وجل الذي ينير بالحق والهدى ما يختار من قلوب العباد ، ويطمس أخرى فلا تبصر من الهدى شعرة أو قطمير .

كلنا يعرف أن الله تعالى قص علينا استراق السمع من الشياطين ، وكان بمقدورهم ذلك ولو جهلنا ما هية فعلهم لجهلنا بحقيقة وجودهم ، اما استراق السمع من البشر فما أحسب أحدا يتبادر لذهنه فضلا عن أن يوقن غيري اليوم وجود ذكر ذلك بالقرآن كلام الله تعالى العزيز ، لكن الحق أن ذلك موجودا بالكتاب الكريم ولدلالته تمام التعيين لزمان المهدي ومعاصريه ، فكيف ذلك ؟!

بمقالتي الموجزة هذه التي آثرت نشرها بوجه الخلق حتى يعرف النفيس من تفسيرات كلام الله تعالى ، وأن لكلامه أوجها لا زال الخلق يجهلها إلا أن يقضي الله عز وجل فيظهرها على من يشاء من خلقه ، يمن برحمته على من يشاء سبحانه .

اقرأوا هنا من القرآن في سورة الطور قوله عز وجل :

﴿ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ . أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ .

فقوله ( فليأت ) . أمر على الحقيقة لا الإفتراض ، لكنهم حين افترضوا ذلك على كفار قريش البسطاء الضعفاء قالوا بذلك ، اما اليوم فحين يكون من اليقين تحقق استراق السمع من الجنس البشري ، وتحقق مقدرتهم على الإرتقاء في جو السماء والدوران بملكوت الله عز وجل ، فمن الحماقة بعد ذلك المضي مع تفسيرات من لم يكن يعقل معنى الخطاب هنا ولم يحمله على الحقيقة لا الإفتراض ، هنا فقط يكون الخطاب الرحماني على ظاهره ، وحقيقة معناه ستكون وجودية فيتجلى بذلك نص كلام ربنا بأبهى صور العلم الرباني ، والإحاطة بما سيكون كيف سيكون .

ومن يقدر اليوم على إنكار تمكن البشر من الصعود في مراقي السماء وطبقاتها ، بل من يقدر على اعتقاد الكيد بغير هؤلاء لقوله تعالى بعد ذلك :

 


﴿ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ ﴾ .

وقوله بعد ذلك أيضا :

﴿ وَإِن يَرَوْا كِسْفاً مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ . فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ . يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنصَرُونَ . وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾ .

﴿ وَإِن يَرَوْا كِسْفاً مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ ﴾ ، أي مجرد تغيرات مناخية من صنع البشر ، هكذا بات اليوم قولهم وهذه دعواهم على ما يبديه الله عز وجل من تعذيبهم وقدرته فيهم ، فأمر بتركهم إلى حين يلاقون اليوم الذي سيصعقهم فيه من هول المفاجأة وشدة إبطال كيدهم ، وحين ذاك فقط يفيقون من ضلالهم وغفلتهم الشديدة ، يوم لا ينفعهم شيئا ولا هم ينصرون .

 

 

 

أقول : يجب اليوم أن يعلم أن هذه الآيات ليست في كفار قريش ، فهم لم يكادوا حتى يروا الكسف ، وما كان لهم من يوم غير فتح مكة ودخولهم في دين الله تعالى أفواجا حتى ثبت أنه من قتل من صناديدهم لم يتجاوز عدده أصابع اليد الواحدة .

وهنا الله عز وجل بين أن كيد هؤلاء لن يغني عنهم شيئا ، وأنهم لن ينصرون ، أما في حال كفار قريش فأنهم لم يلاقوا شيئا مما قيل هنا ، بل أكد على أن للظالمين من هؤلاء الكفار أصحاب هذا الوعيد عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون ، وهو عين الحاصل اليوم من إنزال العذاب المتتابع على رؤوسهم على ما يرى العالم كله ما قبل اليوم الذي فيه يصعقون فتسوء وجوه الذين كفروا بإذنه تعالى :

﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ ﴾ .

بل قال عز وجل في كيدهم الذي يكيدونه متوعدا بأن لن يكون لذلك إلا برهة من الزمان ثم ينتهي للإبطال والفشل ، كما في سورة الطارق :

﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً . وَأَكِيدُ كَيْداً . فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ﴾ .

فبماذا أمهل كفار قريش وما معنى هذه المواعيد على حسب اعتقاد الأمة إذا كان مآلهم دخول الإسلام ؟!

فهل من تعظيم القرآن وأخبار الله عز وجل في كتابه إنزال مواعيده على مستحقيها هؤلاء الكفار الذين من دون سائر الجنس البشري قدروا بسلطان من الله تعالى على استراق السمع في السماء ، أم إنزال ذلك الخطاب على أولئك الهمج المتخلفين الذين لا يقارنون بمقدرة هؤلاء بتاتا من أي وجه ، على الأرض فضلا عما فعله هؤلاء في السماء وما بين الكواكب .

وقال كذلك عن عذاب هؤلاء أهل هذه المواعيد :

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ﴾ .

وقال أيضا : ﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ . وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ . حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾

وهذا كله محقق في هؤلاء لا كفار قريش .

ومن راجع الملفات المخصصة لبيان هذا الأمر وإحصائه في هذه المنتديات المباركة لأيقن من كبر هذا وكثرته أن هذا حقا كان مما وعد به هؤلاء لا كفار قريش ، وإنما ينزل ذلك على كفار الجاهلية الأولى من لم يدرك معنى خطاب الله عز وجل بكتابه ، ولم يهد للمعرفة واليقين بنبوءاته .

ولقد تواطأت النبوءات من قبل الكتاب على هذا كما ذكر ذلك في كتب الإمام عليه الصلاة والسلام وبعض مقالاته ، مثل ما بينت أنا بعضا من ذلك وغيري من الكتاب في هذا الموقع المبارك .

فانظروا لقوله تعالى مثلا في هؤلاء :

﴿ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾

وانظروا لنظيره في زبور داوود عليه الصلاة والسلام :

﴿ تَعَالَوْا وَانْظُرُوا أَعْمَالَ اللهِ الَّذِي صَنَعَ عَجَائِبَ فِي الأَرْضِ . يَقْضِي عَلَى الْحُرُوبِ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا. يَكْسِرُ الْقَوْسَ وَيَشُقُّ الرُّمْحَ، وَيُحْرِقُ الْمَرْكَبَاتِ الْحَرْبِيَّةَ بِالنَّارِ. اسْتَكِينُوا وَاعْلَمُوا أَنِّي أَنَا اللهُ ، أَتَعَالَى بَيْنَ الأُمَمِ وَأَتَعَالَى فِي الأَرْضِ .

لقد حان الوقت لفقه خطاب الله عز وجل وان يدرك هذا الجيل الأحمق حقيقة مواعيد الله عز وجل وأسرار خطابه الذي جهلته الأمة ولم تؤمن به كما ينبغي أو يجب .

لا أطيل عليكم بعد ما قلت وأوجزت ، إن المخاطب بهذا والكثير غيره بالقرآن إنما توجيهه الصحيح للمهدي عليه الصلاة والسلام ولجيله الذي أدرك .

 
 
 

                                                                                               بقلم الشيخ المهاجر حفظه الله

                                                                   نشر بتاريخ: 2008/2/7