كيف اوصل الصهاينة المسيحيين رجلهم إلى البيت الابيض
تمكن الصهاينة المسيحيين من خلال تعيين مايك بينس والمؤمنين الآخرين في البيت الابيض من الحصول على قدر لا يصدق من التأثير على اقوى دولة على وجه الارض .
يوم 18 يوليو ، القى نائب الرئيس الامريكي ، مايك بينس ، الكلمة الرئيسية في الاجتماع السنوي لمسيحيين متحدين من اجل اسرائيل (CUFI) . CUFI تأسست عام 2006 على يد القس جون هاغي ، انجيلي من سان انطونيو ، تزعم بأنها أكبر مجموعة مؤيدة لاسرائيل في الولايات المتحدة بأعضاء يصل عددهم إلى ثلاثة ملايين عضو . وقد ايد القس هاغي دونالد ترامب للحصول على الرئاسة في مايو 2016 .
وقد تعهد بينس مرة أخرى بأن ادارة ترامب ستنقل السفارة الامريكية إلى القدس ، هذه المرة للداعمين المسيحين لاسرائيل الذين اصبحوا ضجرين بشكل متزايد من فشل ترامب في الوفاء بتعهده لاسرائيل – مرسلاً باشارة نظر اليها بعض المحللين بأنها تحول ايديولوجي جديد للبيت الابيض .
التحول الايديولوجي للبيت الابيض
دان هوميل ، زميل في مدرسة هارفارد كينيدي، ويكتب في صحيفة واشنطن بوست ، قال " خطاب بينس يمثل تغيراً جذرياً في اللغة التي استخدمها البيت الابيض تاريخياً في التعبير عن علاقة الولايات المتحدة باسرائيل "
التغير الجذري هو باتجاه الصهيونية المسيحية ، ايديولوجية تستند إلى دعمها السياسي لاسرائيل على اساس الاعتقاد بأن دولة اسرائيل الحديثة هو مظهر من مظاهر النبوءات في الكتاب المقدس – وأن مصير الولايات المتحدة نفسه مرتبط نبوءياً باسرائيل .
ويصف هوميل بينس بأنه " صهيوني مسيحي متحمس " يعبر عن دعمه لاسرائيل بعبارات نبوءية صريحة . وظهوره في الاجتماع " يشير إلى عهد جديد من تأثير الصهيونية المسيحية في البيت الابيض " .
وبينس ليس وحيداً في جهوده في اقناع ترامب بتحقيق ما يعتبره الصهاينة المسيحيون نبوءة للكتاب المقدس . مايك هوكبي ، الحاكم السابق لاركنساس ، وابنته ساره هوكبي ساندرس ، التي تشغل حالياً منصب السكرتير الصحفي للبيت الابيض ، وساره بالين لهم تأثير كبير على ادارة ترامب وهم صهاينة مسيحيون متحمسون .
روي مور من الاباما ، الذي ايده ترامب في انتخابات مجلس الشيوخ في الاباما ، ضمن المجموعة .
آرميجدو الصهيونية المسيحية
الصهاينة المسيحيين ، الذين يصل تعدادهم إلى نحو 20 مليوناً في الولايات المتحدة ، انفقوا ملايين الدولارات على مدى العقود الماضية سعياً إلى توسع اسرائيل . وقد رعوا تهجير الآلاف من روسيا واثيوبيا وبلدان أخرى .
وساهموا بملايين في انشاء مستوطنات جديدة في المناطق الفلسطينية المحتلة لاستقبال المهاجرين . وقال هاغي " الانتقال إلى القدس يثبت ان رئيسنا عند كلمته " .
وقال ايضاً أن بعض الامور الاخرى أقل وضوحاً : " تسليم القدس إلى الفلسطينين سيكون بمثابة تسليمها إلى طالبان " وقال ايضاً أن الشعب اليهودي سيخلد في الجحيم إذا لم يتخلى عن اليهودية ويتحول إلى المسيحية بعد معركة آرميجدون .
هذا بعض ما يعتقده جون هاغي ، ويفترض انه ما يعتقده ثلاثة ملايين تابع لـ CUFI وبشكل أكبر الحركة الانجيلية الأوسع التي تضم 40 مليوناً أو على الأقل تعتقده جزئياً .
ونتبقى المزاعم الأكثر إخافة التي يعتقدها هاغي أو بعضها أو أي منها والتي قد يكون الرئيس ترامب نفسه يؤمن بها . هوس ترامب بالاسلام قد يكون بشكل جزئي بسبب وجهات النظر المعادية للاسلام للرئيس السابق لـ CUFI القس الراحل جيري فالويل .
لم يعد وسيطاً نزيهاً
يوم 6 ديسمبر ، قضى ترامب صراحة على أي أمل تبقى في حل الدولتين . وقال " بعد أكثر من عقدين من التنازلات لم نكن أقرب إلى اتفاق سلام بين اسرائيل والفلسطينيين . وبالتالي ، قررت ان الوقت قد حان للاعتراف رسمياً بالقدس عاصمة لاسرائيل . وسيكون من الحماقة الافتراض ان تكرار نفس النسق سيؤدي إلى نتيجة مختلفة أو أفضل " .
الاعتراف بالقدس كعاصمة اسرائيل الوحيدة اكثر من مجرد رمز . وهو ينفي في واقع الأمر التزاما أساسيا للغاية في عملية السلام، وهو حل قائم على وجود دولتين.
رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس ، اقر بنفس القدر . الفلسطينيون الآن مقتنعون ان الولايات المتحدة لم تعد وسيطاً نزيهاً أو راعياً محايداً – على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تكن يوماً وسيطاً نزيهاً .
التأثير السياسي الهائل لاسرائيل في الولايات المتحدة جعل التوصل إلى اتفاقات نزيهة امراً مستحيلاً والكيل بمكيالين أصبح الآن جلياً للعيان . وقد ابلغ عباس القمة الاممية التي عقدت الشهر الماضي ان الولايات المتحدة لم تعد قادرة على التوسط في النزاع في الشرق الاوسط ، الامر الذي يشكل تحولا كبيرا في السياسة العامة بعد ان امضت عقوداً في الترويج للنوايا الامريكية الحسنة.
واعلن عباس هذا التحول ، والذي يأتي كرد فعل على اعلان ترامب بشأن القدس ، في اجتماع للقادة المسلمين الذين شجبوا التحرك الامريكي ودعوا العالم للاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس .
ويوم 21 ديسمبر ، صوتت الجمعية العامة للام المتحدة بادانة قرار ترامب حول القدس . تقريباً كل الدول الاعضاء في الامم المتحدة ادانته رغم تهديداته بقطع المساعدات عن الدول التي تصوت ضد قراره
وهذا يقودنا إلى إغلاق عملية السلام بشكل مفاجئ من خلال الجهود الناجحة التي بذلها جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره الرئيسي، للمطالبة بالقبول الفلسطيني بالاستسلام الكامل لمطالب إسرائيل. اسرة كوشنر ساهمت بملايين الدولارات في جهود الاستيطان الاسرائيلية في الضفة الغربية.
ولم تكن نتيجة هدفه، حرمان الفلسطينيين من أي سبيل للانتصاف من مظالمهم، موضع شك بمجرد أن منحه ترامب السلطة المطلقة.
عودة المسيح
هناك قضية حاسمة للصهاينة المسيحيين المتشددين وحلفائهم المسيحيين وهي موقع انقاض الهيكل اليهودي الأول والثاني تحت مجمع المسجد الاقصى ، ثالث اقدس موقع اسلامي . ومن المبادئ الأساسية للنظرية الصهيونية المسيحية أن يتم بناء معبد جديد على اطلال تلك الانقاض .
ويعتقد الفلسطينيون ان الحفريات الأثرية الاسرائيلية تحت المسجد هي من أجل بناء معبد جديد وهو ما يشكل تهديداً للمسجد . ويصر الصهاينة المسيحيون على فعل ذلك لتحقيق النبؤة . ويعتقدون انه بمجرد اكتمال بناء المعبد الجديد فإن عودة المسيح تصبح امراً حتمياً.
الأمل الوحيد بالنسبة للفلسطينيين هو الاندماج التدريجي للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة في ما سيصبح كيانا واحدا، إسرائيل. النتيجة بعيدة الاحتمال . فالإسرائيليين لن يقبلوا إطلاقا السماح للمواطنين الفلسطينيين المسلمين أو المسيحيين بالمواطنة، وأن يكون لهم حقوق التصويت، في ما يعلنه نتنياهو الآن كدولة يهودية.
ولدى نتنياهو قناعة راسخة ووهمية، بأن الله قد اختاره لقيادة الشعب اليهودي. وقال ايال اراد المستشار السياسي السابق ان "رئيس الوزراء لديه فكرة مسيانية عن نفسه بصفته شخصا دعي لانقاذ الشعب اليهودي من المحرقة الجديدة "
لديه تهور مراهق . ويخضع في الوقت الحالي للتحقيق الرابع بخصوص الفساد والمخالفات أثناء وجوده في منصبه.
وبنفس القدر فإن بينس مقتنع بدعوة الله له. والقراءة التوراتية المفضلة لديه، والتي كثيراً ما يقتبس عنها هي : " لاني عرفت الافكار التي انا مفتكر بها عنكم ، يقول الرب ، افكار سلام لا شر ، لاعطيكم اخرة ورجاء ". آرميا 29:11
وتتسع طموحات بنس إلى ابعد من ذلك بكثير رغم افتقاره الواضح إلى أوراق الاعتماد وفشله السياسي كحاكم لإنديانا. " وأوضح" بينس بكل صراحة للجنة الوطنية للجمهوريين أنه يرغب في اخذ مكان ترامب كمرشح للحزب الجمهوري للرئاسة في أعقاب شريط اكسيس هوليود في أكتوبر 2016.
رئيس انجيلي حقاً ؟
في الصيف الماضي، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن بينس يبدو أنه يستعد لمحاولة الترشح للرئاسة. ونفى بنس بشدة هذه القصة. وتخيل بنس أن الاحتمال الحقيقي لتأليب اللجنة الوطنية للجمهوريين ضد ترامب سيكون بعد فضيحة كبرى أخرى وهو ما سيضمن تقدم بينس لاحقا.
يمكن للولايات المتحدة في نهاية المطاف أن يكون لديها رئيس إنجيلي حقاً. وما يبعث على القلق ليس أن بينس يؤمن بالله، لكن يبدو أنه متأكد أن الله يؤمن به.
ويرى علماء الكتاب المقدس المسيحيون أن نص الكتاب المقدس هو نص مجازي . لكن الصهاينة المسيحيين يؤمنون بتفسير حرفي للنص الشائك والمضطرب لكتاب الرؤيا.
على كل حال ، فالحركة الصهيونية المسيحية ليست ظاهرة حديثة. لقد مضى أكثر من قرن من الجهود لإعادة إسرائيل إلى مجد وراثي وهمي إلى حد كبير. وفي عام 1600، اقترح الملك جيمس الأول أن "نهاية الأيام" ستكون في فلسطين.
كان يعتقد، كما يفعل الصهاينة المسيحيين الآن ، أن القبائل العبرية يجب أن يجمع شملها وتعود من الشتات كي تحدث المعركة النهائية بين قوى الشر والمسيح في آرميجدون .
وعد بلفور آخر
وكان اللورد بلفور، وزير الخارجية البريطاني، ورئيس وزرائه، ديفيد لويد جورج، متعاطفين مع الصهيونية المسيحية. وفي عام 1917، أي قبل ثلاث سنوات من منح عصبة الأمم بريطانيا الولاية على فلسطين، كتب بلفور إلى اللورد روتشيلد، من العائلة المصرفية اليهودية الغنية جدا، ومؤيدا في وقت مبكر للصهيونية، أن "حكومة صاحب الجلالة ترى أن من المصلحة انشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ، وستبذل قصارى جهدها لتسهيل تحقيق هذا الهدف "
ولعل دولة إسرائيل لم تكن لتنشأ بدون وعد بلفور. وعندما اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، فإننا نفعل ذلك ، على الأقل جزئيا، لاستدعاء المسيح وبدء التحضير للمعركة في آرمجدون.
هذا ما يعتقده الصهاينة المسيحيين، ويطالبوا به بلا هوادة من الإدارة. الكتاب المقدس يقول لنا أن يسوع سوف يعود لإصلاح كل شيء.
سيتم تحويل المسلمين واليهود والبوذيين والهندوس والسينتوس والعصاريين والفودويستيين والكاثوليك والملحدين وغيرهم إلى جحافل للصهاينة المسيحيين التابعين للرب . المسيح ، يسوع المسيح ، سوف يسود وسيلغي كل الشر الذي يصيبنا الآن. سوف يبطل الدجال وحشده الهمجي ، الذي يشمل الروس ، وسيكون يسوع ملكا على الأرض لألف سنة من النعيم والخير .
لكنهم يعتقدون انه ينبغي أولاً أن يتم بناء اسرائيل القديمة كاملة وأن تكون غير ممتلئة بالزنادقة من أي طائفة دينية ، سواهم ، من أجل تحقيق نبؤة الكتاب المقدس بعودة المسيح إلى الأرض.
اسرائيل الكتاب المقدس
لكن المجيء الثاني لا يبشر بالخير بالنسبة للإسرائيليين وفقا للطقوس الصهيونية المسيحية. للأسف لن يكون هناك إسرائيل بعد ذلك. ستدمر إسرائيل خلال هذه النهاية .
ووفقا لمعتقداتهم ، فإن يسوع، الذي يشعر بالأسى لأن اليهود لا يعتبرونه المسيا، سيقتل كل اليهود الذين يرفضون التحول إلى المسيحية، أو على نحو أدق التحول إلى الصهيونية المسيحية . يسوع، على ما يبدو، لن يكون هو ذاك الذي يدير الخد الآخر عندما يلطم .
إذا كنت تعتقد خلاف ذلك، وإذا كنت تعتقد أن نبوءات الكتاب المقدس كما يفسرها الصهاينة المسيحيون هي القمامة، فأنت في الأغلبية العاجزة. لأن الصهاينة المسيحيين تمكنوا، من خلال وضع مايك بينس، والمؤمنين الآخرين، في البيت الأبيض من التأثير بشكل لا يصدق على أقوى دولة على وجه الأرض.
وهم يعتقدون أن نهاية العالم فقط هي التي سوف تنقي العالم، والولايات المتحدة ستكون الأداة التي تجلب غضب الله. إن الموارد العسكرية الكبيرة، للولايات المتحدة هي جزء من الخطة الإلهية لتحقيق صراع الفناء فوق رؤوسنا.
سوف يقوم ترامب بكل شيء لتشجيع الولاء الأعمى لهذا القطيع . و يعتمد الحزب الجمهوري بشكل كبير على الصهاينة المسيحيين في كل من التمويل ، والأصوات. ولديهم تأثير عميق على اتجاه الحزب، حتى لو كان الحزب يبدو الآن أكثر ثيوقراطية من كونه سياسياً .
ومن المرجح أن يصوت الصهاينة المسيحيين. وعددهم أكثر من عشرين مليون نسمة، ويساهمون بسخاء. إنهم قاعدة هذه الثيوقراطية الجمهورية الجديدة.
انهم لا يريدون السلام مع الفلسطينيين. ليس للفلسطينيين مكان في إسرائيل الكتاب المقدس. الصهاينة المسيحيين يريدونهم أن يذهبوا لتنقية مملكة إسرائيل الوليدة والسماح لتنعمهم الأبدي في الجنة.
2018/1/2 - ميدل ايست آي
- مورغان سترونغ، أستاذ سابق في تاريخ الشرق الأوسط .
رابط الموضوع : http://www.middleeasteye.net/essays/...ddon-776157873
Powered by Backdrop CMS