( أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون )
في سورة يونس أمر هؤلاء بأن ينظروا ماذا في السماوات والأرض ، وفي سورة الأعراف جاء القطع بأنهم نظروا في ملكوت السماء والأرض فقال : ﴿ أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شـيء وأن عسى أن يكـون قـد اقـترب أجـلهم فبأي حديث بعده يؤمنون ﴾ وعسى في القرآن واجبة . وعن أبي الصهباء البكري ويعقوب بن زيد : أن عليا إذا حدث بافتراق الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة تلا فيه قرآناً . يريد آيات سورة الأعراف : ﴿ وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ﴾ ، ويقول : وهي التي تنجو من هذه الأمة . ( 1 )
وهذا الجيل بلغ المنتهى بالقدرة على الإطلاع والنظر والتفكر في ملكوت السماوات والأرض ، حتى مشت أقدام رسلهم على أرض القمر ونظر غواصوهم في أعماق المحيطات التي لم يمكن بشر من رؤية ذلك قبلهم قط وتمكنوا من رؤية الذرات وما هو أصغر من الذرة . وما ورد في سورة ص من ذكر إضافة إدعاء تملك السماء إلى هذا القرن ، الإدعاء الذي أضيف لهم ، وسيق بصيغة الإزدراء والتحدي المضمن الوعيد منه جل وعلا لهم بالهزيمة بقوله : ﴿ فليرتقوا في الأسباب . جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ﴾ . وفي هذه الآيـة أعظم برهان على أن هذا القرآن منزل من الله تعالى ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول منه يوحى إليه من علم الغيب ما شاء .
ومصداق الآية مشاهد في هذا القرن ، فهاهم قائمون بتملك السماء من خلال مدارات الأقمار الصناعية في الفضاء الخارجي ، وكل دولة دون الغلاف الجوي لها ملكية مجالها الجوى ، وقل مثل هذا في الحدود البحرية . وادعاؤهم التملك لما ذكرت لم يسبق له مثيل من قبل ، فصدق سبحانه وتعالى القائل : ﴿ أفنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوماً مسرفين ﴾ الزخرف . وقال : ﴿ اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون . ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم ﴾ سورة الأنبياء وقال : ﴿ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون . وما هو إلا ذكر للعالمين ﴾ القلم .
روى الطبراني رحمه الله تعالى في ذكر المهدي ما يشعر بأنه إنما يسلط على من هذه صفاتهم فعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يليكم أئمة يملؤون الأرض عدواناً وجوراً ، ثم يليكم رجل يملأ ما بين السماء والأرض عدلاً كما ملئت عدواناً وجوراً ) رواه في مسند الشاميين ( 2 ) , وهو حديث مطابق لواقع هؤلاء مطابقة عجيبة ومثل هذا لا يمكن أن يتخيله كاذب ليضعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل لا يمكن أن يكون هذا إلا بوحي من الله تعالى لأنه مما لم يقع مثاله من قبل ، ولا يمكن أن يخطر على قلب بشر علمه أو إدراكه ، ولو لم نراه بأعيننا لم نصدق بحال إمكان وقوعه ، ولعل الجاهل يقول ربما هذا من مبالغات الشيعة في أمر المهدي .
فالجواب زيادة على ما سبق : أن هذا مهما بلغ في المغالاة لا يمكن أن يتخيل إمكان تحققه حتى يُصَيّرَهُ حديثاً في مناقب المهدي ، ومن أجل هذا ترك الحديث لمن فيه مقال حتى إذا ما رواه راوي قالوا : ما أكذب هذا الراوي .
والحاصل أن هذا ما كان ليدرك بحال في السابق إلا بالوحي ، وحقيقة تأويل الحديث إنما تصح في هذا القرن الذي ملئت به السماء بالمنكرات والأكاذيب والطغيان على الفطرة التي فطر الناس عليها ، فالطائرات تحمل المنكر إلى السماء ، والأقمار الصناعية تصب الشر من السماء صبا ، رقص وتسافد ولهو وطرب ، وكفر بالله لم يسبقه مثال ولم يتصوره خيال ، ورحم الله تعالى حذيفة فلقد قال : ليوشكن أن يصب عليكم الشر من السماء حتى يبلغ الفيافي ، قيل : وما الفيافي ؟ يا أبا عبدالله قال : الأرض القفر . ( 3 )
فانظر رحمك الله إلى هذه الشياطين في جثث بني آدم وهم في البراري ينصبون الخيام يتلقفون بأجهزتهم اللاقطة من السماء وحي الشيطان ، وكفر كل مارد لعين عنيد ، ومما يجب على أهل الإسلام أن يعلموه هو أن الله سبحانه وتعالى ضرب لأهل الكتاب من اليهود والروم وأشياعهم من حثالة سائر الشعوب موعداً لن يخلفوه ، ونصب علامة لذلك وهو بلوغهم السماء والارتقاء في ذلك ، وهي علامة لا تخفى نقلاً وعقلاً ، نقلاً في وحي الله تعالى لأنبيائه ، وعقلاً إذا ما تحققت .
وهذه الأمارة مؤذن تحققها بقرب وقوع الأمر على هؤلاء وإهلاكهم وإبطال كيدهم ، بإظهار عزته وجلاله وقدرته سبحانه وتعالى في تدميرهم شر تدمير ، والآن على رأس هؤلاء الروم جبابرة الأرض ، الذين بلغوا السماء وصعدوا على ظهر القمر وأرسلوا آلاتهم إلى المريخ ، فحققوا بذلك أعظم برهان في تعيين زمان المهدي وتحقق خروجه الميمون المنصور بإذن الله تعالى ، وجاءت هذه الحقيقة صريحة عند هؤلاء أنفسهم فيما يؤمنون به أنه وحي من الله تعالى ، وسيأتي بحول الله تعالى تفصيل ذلك في آخر فصل من هذا الكتاب . ( 4 )
( لتركبن طبقا عن طبق . فمالهم لا يؤمنون ) الانشقاق , وهذا خطاب توجه لهذا الجيل الملعون قرن الشيطان ، ألا ترى كيف توعدهم الله جل وعلا بقوله : ( فبشرهم بعذاب أليم ) الانشقاق , وهذا يعود إلى هذا الجيل ، فهو الذي بلغ بعضهم فيه السماء ، فتوعدهم الله بحلول العذاب ، لرد الإيمان واقتراف الكفران والعناد والتكذيب مع ما فتح الله لهم من العلم ما لم يفتح على سواهم من البشر .
وقل لي أين كفار قريش ومن قبلهم من ركوب الطباق ، ومما نراه اليوم في زماننا ، إنه هذا القرن أيها الأعمى . وكذلك أشار الله تعالى إلى هذا الصعود بقوله : ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان . فبأي آلاء ربكما تكذبان . يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ) سورة الرحمن , والسلطان هنا العلم (5) والمعنى أنه متى ما كان منكم النفاذ كان منا لكم الإهلاك ، وهذا خبر حق وهو كائن لا شك في ذلك ، وقد صرح به عند أهل الكتاب ، وليست تجهيزات حرب النجوم عنا ببعيدة !. وسيأتي الكلام عن هذا في الفصل الأخير إن شاء الله تعالى .
وأصرح ما في كتاب الله تعالى وعيداً في هذا الباب هو قوله : ( أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب . جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب . كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد . وثمود وقوم لوط وأصحاب لئيكة أولئك الأحزاب . إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب . وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة مالها من فواق ) ص , وهذا الوعيد بالصيحة حق ، وهي واقعة وواجبة على أهلها ، وأنهم معذبون كما الأمم التي سبقتهم ، ومما يثبت أن هذا الوعيد لهذا القرن الملعون ، أن الله تعالى أكد الوعيد في موضع آخر من القرآن لهذا الجيل فقال : ( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض . وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون . فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين . ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين ) سورة يونس , ومعنى الآيات : ارتقوا السماء وانظروا ماذا في السماء من آيات لم يطلع عليها غيركم لما وهبكم الله من سلطان العلم ، حتى مكنتم من الكشف عن عالم الذرة وأعماق المحيطات ، فغركم هذا وأطمعكم للتطلع للمجرات في السماء وبلوغ القمر والمريخ ، ولكن قطعاً لا نفع من ذلك ، فأنتم لا تؤمنون ولن تؤمنوا وقد قال سبحانه فيكم : ( إنّ الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون . ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) سورة يونس , ثم قال بعد ذلك : ( وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ) .
ـــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) رواه عن أبي الصهباء محمد بن نصر في السنة (23) ، والآجري في الشريعة عن ابن زايد (16) . وراجع الدر (3/250) .
( 2 ) رواه الطبراني في مسند الشاميين (1/134) .
( 3 ) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (15/110) ، والداني في الفتن (2/286) .
( 4 ) راجع (2/23) وما بعدها من هذا الكتاب .
( 5 ) قال أبو عبيد : أقطار ؛ أطراف . غريب الحديث (4/133) .
بيان وجوب الإعتزال في آخر الزمان إلى أن يمكن المهدي خليفة الرحمن
www.al-mahdy.org/serv/wogoob1.pdf
فصل
وأيضا مما يؤكد على معاصرة المهدي عليه الصلاة والسلام لهؤلاء ما تضمنه قوله تعالى : ﴿ أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون ﴾ الأعراف . فمعنى اقتراب أجلهم ما نقل ذكره قبل وهو إنزال القضاء وحكم الله تعالى فيهم وبسط يديه في قطع دابرهم، وهذا قد حصلت بداياته اليوم ما يؤكد على أن التأويل كله في هؤلاء من معاني الآيات المذكورة .
ومن المؤكد أنه لم ينظر في ملكوت السماء والأرض ولم يقدر على ذلك مثل هؤلاء، ما يصدق أنهم هم من عبر للملكوت وأنهم هم من عنى تعالى بتلك الأخبار، حتى قيل أن منهم من حط على سطح القمر وهم شبه متفقون على ذلك ليومنا هذا خصوصا فيما يتعلق بإرسالهم مركبة لسطح المريخ، وأي نظر ممكن يكون أكثر من ذلك ؟! اهـ
فصل
وتحقق كل تلك العلامات مرهون بمعاينة تحقيقها منه عز وجل ، لهذا هو يربط ذلك برؤيتهم لوقوعه لأنهم هم المعنيون بكل ذلك وليس لأي أحد سواهم ، ومن يدرك تحقق تلك العلامات من أشراط الساعة فهو من سيتحقق على رأسه ذلك الفصل وكل تلك الأشراط ، وليس المراد كما في غير ذلك معنى الرؤية على وجه العلم بذلك فهذا ليس كذلك فالعلم بذلك متحقق للجميع لكن المقصود رؤية العين ، وهذا دليل على أنها أشراط معينة وتحققها معنيُ به جيل من الخلق هم من يقصدهم تعالى بتحقق التأويل ومعاينة كل تلك المواعيد .
ونظير ذلك ما قطع عليهم بمشاهدته فيما فوق السماوات السبع ، ومن المقطوع به عدم مشاهدة ما شاهد هؤلاء هناك من آيات خلقه تبارك وتعالى ، فلم يشاهد ذلك أحد من قبلهم قط مثل ما شاهد هؤلاء ، فقال عز وجل في ذلك :
﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ، فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ، ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ .
وبالفعل نظر هؤلاء من خلق الله تبارك وتعالى في السماء وعلى الأرض ما لم يشاهده سواهم ، والأمر محققة براهينه ومعلومة للجميع أدلته ، حتى أن الله تعالى قطع بتحقق رؤياهم كل ذلك فقال عز وجل :
﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ، أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ .