من أظهر الأمارات على بعث المهدي بلوغ الكفار السماء (بلاغ) ٦
لما تريد معرفة أخبار المهدي وتبين حقيقة ذكره وببناته الخاصة به ، والعامة التي لكل أحد إمكانية العلم بها فاحذر أن يكون مصدرك غير معلوم وموثوق وما أكثر تلك المصادر اليوم لدى عامة الناس وما أكثر من يتلقف منها وعمدتهم في ذلك ما لا يقبل بحال عند أهل العلم في أحكام الشريعة ناهيك عن أحكام الغيب الذي يعد عند كل عاقل حدا ممنوعا تجاوزه والخوض فيه فعلم ذلك لله وحده لا شريك له به تبارك وتعالى ، وأكثر هؤلاء المتأخرة بزماننا استباحوا اقتحامه بشبهة جواز تناول شيئا من ذلك بغلبة الظن مادام تفسيرا لما يرى في منامات الناس ولو كان ذلك أضغاث أحلام ووساوس شيطان والرؤى من بين ذلك قليلة جدا ، ومع قلة من له توفيق في هذا الباب بل عدم بين الناس من له علم بذلك على سمت الأوائل الذين يميزون رؤى الحق والمبشرات من أحلام الشياطين أو تخاليط الأضغاث ولا يتكلمون إلا بما يعتقدونها رؤيا وعلى نطاق ضيق وأكثر ذلك يمسكون السنتهم عنها لأنهم كانوا يستطيعون على مقولة الله أعلم ونحن لا نعلم ، وعن أحلام الشيطان وأضغاث الإنسان فهم أكبر وأعلم من الخوض بذلك ، عكس ما عليه مهرجة الوقت الخائضين بكل شيء مع جهلهم بكل شيء ولهم همة والعياذ بالله كالشياطين في إضلال الناس ولو ما كثرة الجهل في الخلق ورفع العلم عنهم لما راج أمرهم شبرا وأكثروا في إضلالهم وهم لم يعلموا بعين المهدي بعد صاروا يخوضون ويؤسسوا له ما لو جمع لصار من أكبر الأسفار بالسير ، علموا عن زوجته زعموا وأنه مريض وذاك يقول مسحور وآخر يبدع بالكذب ويقول له زوجتان وآخر يعدد أولاده بل منهم من علم اسم أخته وكل ذلك مما يتلقفون من هذا وذاك عن احلام شيطانية او أضغاث إنسانية حتى باتوا من أضل الخلق عن ذكر هذا الأمر الرباني العظيم ، وعليه تعين التحذير من هؤلاء خصوصا أنهم كثروا في سنواتهم الأخيرة فأحببت إيصال القول لهم بأن يتقوا الله ويتركوا هذا المنهج الزائغ فنقمة الله محققة عليهم إن لم ينتهوا ويتوبوا وعين الله واقعة عليهم يحصى عليهم الأحرف والخواطر التي شكلها ولونها إبليس في أذهانهم ، إلا صراطه وما يدريهم ما صراطه المستقيم ؟!
أقول : يكفيكم من الجهل أن تلقفوا كل ما يبلغ مسامعكم من تلك الأضغاث والوساوس فتنسجونها أكاذيب على صراط الله المستقيم وغيبه فيتلقف ذلك منكم الجهال وكأنكم أنبياء يوحى لكم من الله تعالى عن غيبه ، فلا يشكون فيه أبدا وما ذلك إلا من تثبيت الجهل في الناس آخر الزمان على ما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم .
وخلاصة القول : أن أحلام الشيطان وأضغاث أحلام الإنسان ليست مصادر يؤخذ منها العلم في المهدي العلم في المهدي إنما يؤخذ من كتاب الله ومن المهدي نفسه إذا ما وفق المرء وأدركه ثم هدي له وآمن وأيقن به لقيام البراهين القاطعة على تعيينه وما دون ذلك لن يهدى أحد ، ولا حتى من خلال السنة نعم ولا حتى السنة في الأخبار والآثار التي كثر فيها التحريف والكذب والتقول والتأول الباطل كما حصل مع ابن الزبير لما لاذ في الحرم متأولا فسلط عليه حتى علق كالصخلة لإدعائه أو الإدعاء له من غيب الله ما ليس فيه وغيره وغيره ، حتى نشأ بسبب ذلك الكثير من الضلال والفتن والقيل والقال ، ولا معتصم اليوم من كل تلك الشرور إلا بكتاب الله ، وامرء وفق للهداية له يأخذ بيده والموانع كثيرة والموفق السالم من وفقه وسلمه الله تعالى .
عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : تراءَا الناس الهلالَ ذات ليلةٍ ، قالوا : ما أحسنَهُ ما أبينهُ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" كيف أنتم إذ كنتم من دينِكم في مثلِ القمر ليلة البدرِ ، لا يُبصرُه مِنكم إلا البصيرُ " . " فوائد ابن أخي ميمي الدقاق ورواه تمام في فوائده باختصار مخل 2/237 " ( راجع كتاب يوم نطوي السماء ..)
http://www.al-mahdy.org/serv/yaum_natwy.pdf
وللجميع ممن يهمهم أمر المهدي خليفة الله ورسوله وتعيينه هل بعث أم لا ، أجيبهم بالجزم بأن لا سبيل للعلم بذلك إلا من خلال كتاب الله عز وجل لا سبيل آخر ولا حتى السنة كما قلت لأنها حمالة أوجه وقد طرح بها أوهام وزيادات وتنقيصات حتى خلط فيها الكثير من هذاريم القصاص وأكاذيب الرواة فانتهى الأمر بأحد دجاجلة الأضغاث وأحلام الشياطين يسأل واهم ملبوس : أنت من قرية كرعة ؟!!
يعني من كرعة بيكون المهدي مع حزمة شروط من تلك الترهات ليصح الجزم بأنه المهدي .
والعصمة كما قلت بكتاب ربنا وما أخبرنا هو عن نفسه من يكون المهدي حتى ذكر اسمه في القرآن متصرفا به حين أخفى حرفه الأول نبوءة يخفيه حتى لا يعرف إلا بوقته وبهداية خاصة له من الله تعالى ليكون بذلك آية له من ضمن سائر آيات تعرف به .
ومثله تصرفه بآخر حرف من إسمه وضعه أول سورة القلم ليقص من أخباره هناك بقوله : ﴿ ما أنت بنعمة ربك بمجنون ، وإن لك لأجرا غير ممنون ، وإنك لعلى خلق عظيم ، فستبصر ويبصرون ، بأيكم المفتون ، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ، فلا تطع المكذبين ﴾ وفي سورة يا سين أقسم على أنه من رسله . وإنه على صراط مستقيم لينذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون .
كذلك تصرف بأول حرف من إسمه حين أخفاه من أول سورة يا سين ووضعه في أول سورة الدخان تلك السورة التي اختصت بذكر أظهر آيات تعيينه وهي الدخان ، وقرنه بأول أحرف صفته مهدي ومن عجائب تقدبر المولى أن يكون ذلك أيضا أول أحرف اسم والده .
كما أخبر بكتابه تعالى متى يكون ظهورا يظهره كنور البدر في ليلة ظلماء لا يحجبه عن الناس عدم البراهين بل يحجبه أمر واحد فقط وهو الجهل بعقول الناس في كتاب ربنا وتلك الوساوس في رؤوس الضلال السفهاء.
أقول : ويضاف إلى ما سبق ذكره من براهين الحق في تعيين الزمان الذي سيبعث فيه المهدي من كتاب ربنا ، مقدرة الإنسان في وقته على بلوغ السماء ونفاذهم منها لتلك الظلمة ، متجاوزين حد الهواء للفضاء المظلم الصامت .
وحين يحصل ذلك يكون قد وجب عليهم الوعيد وتتعرف أخي المسلم على أن صاحبهم ليس به جنة وأنه موجود والكتاب أبرز ذلك جليا بتوجيهه الخطاب على لسانه للجيل : ﴿ قل انظروا ﴾ ، ﴿ قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين ﴾ ، فمن يؤمر بتوجيه ذلك الخطاب لمن بلغ السماء إلا المهدي فهو الذي يدركهم ، وهذا معنى وحي الله عز وجل له بكتابه أن يأمره ب ﴿ قل ﴾ للكافرين أن ( ينظروا ، وينتظروا ) يحكي ذلك ربنا على لسانه ، وهذا أدنى ما يعد به المهدي رسولا لله تبارك وتعالى ويوحى له بالقرآن كسائر رسله .
أو أن يأمره بارتقاب الدخان ليغشى الناس معلنا الله تعالى بذلك عن أظهر البينات والعلامات على تحقق بعته : ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ﴾ ، ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ، فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُون ﴾ ، يسر على لسانه البيان وأيضاح الذكر : ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ، أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ..﴾ ، وهل الخسف في هذه الأمة إلا آخر الزمان ؟
وهل الدخان إلا في آخر هذه الأمة ؟
والصيحة من السماء متى ؟ أفلا تعقلون ، وصدق الله القائل : ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ، وهم ينهون عنه وينأون عنه وان يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون ﴾ .
وقال عن هؤلاء كذلك فيما نحن فيه : ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ . هذه واحدة والأخرى :
من أدركه هم الذين عليهم التحقق منه ، به جنة أم لا ؟
وهل ما يقوله لهم حق يشهد له القرآن ويشهد له واقعهم البين أم لا ؟
وإن كان قوله حق وصدق فذلك يعد من أظهر البراهين على وجوده وتحقق بعثه رحمة للعالمين من الله عز وجل ، رحمة لأهل البشارة وأهل النذارة ، لأهل البشارة بالنصر والتمكين ، ولأهل النذارة بالتنبيه على صدق الوعيد والتأكيد عليه لعلهم يرجعون ، وما أصدق ما أخبرهم تعالى عنه بمطابقته تماما لما يفعلونه وقدروا عليه دون الناس كلهم وقد زين لهم ذلك للغاية وهم أهله حتى أنهم يقومون به بكل شغف وهمة وينفقون في سبيل ذلك المليارات التي لا تحصى ، بكل إصرار وتحدي ورضى مع إبتهاج .
ولو تفكروا قليلا لوجدوا القرآن حق وما أخبرهم به نبي الله قبل قرون حق والدليل على جحودهم أن الأنبياء من قبله أكدوا على ذلك بكل وضوح وصراحة وحقا اقترب هلاكهم وابرم زوالهم .
وبثبوت هذا على الباحثين في ذكر المهدي اليقين بوجوده واليقين باقتراب أجل أولئك : ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ۗ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ، أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ .
حقا اقترب وقد هيئ لهم صاحبهم وهو بالإنتظار كما أمر .
وحقا لم ينظر في ملكوت كل شيء أحد مثل ما نظر هؤلاء ، وما والله بعد كل تلك البينات من كتاب ربنا إلا الإيمان أو الكفر وقد اقترب الأجل الذي ستبيض وجوه وتسود أخرى ، ونعم البلاغ المبين .