الباب الاول
ما ورد في كتاب الله وسنة نبيه وفيه ذكر هذا الأمر العظيم
الفصل الأول :
ما ورد في القرآن وفيه ذكر هذا الأمر
أولا : عن الأسود بن العلاء عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى " فقلت : يا رسول الله ! إن كنت لأظن حين أنزل الله : ﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحـق ليظهره على الدين كله ولو كـره المشركون ﴾ (1) أن ذلك تام , قال : " إنه سيكون من ذلك ما شاء الله , ثم يبعث الله ريحاً طيبة تتوفى من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان , فيبقى من لا خير فيه , فيرجعون إلى دين آبائهم " (2).
قلت : ما أشكل على عائشة هو عينه ما أشكل على الكثير من أصحابه رضي الله عنهم عند وفاته ودينه لم يظهر بعد على جميع الأديان كما سأبينه لاحقا في الفصول التالية إن شاء الله . والرسول صلى الله عليه وسلم أتى بجوابه على قولها وهو يصرح بتعيين هذا الظهور أنه آخر الزمان مع إغفاله الجواب على أصل الإشكال عندها وهو تمام الدين لبعثه وظهوره على جميع الأديان , فبين لها أن الظهور سيكون كما ورد في الآية إلا أنه آخر الزمان , ولم يكشف لها أن ذلك سيكون بوجوده عليه الصلاة والسلام وأن ظاهر الآيات المذكورة سيصدق حينها بتمامه , وتعد هذه الآية من النبوءات المخفية كغيرها من النبوءات .
ثانيا : قال تعالى : ﴿ يسألونك عن الساعة أيان مُرساها . فيمَ أنت من ذكراها . إلى ربك منتهاها . إنما أنت منذر من يخشاها ﴾ (3) اتفقوا على أن الله في هذه الآية نفى علم الرسول بها , وأنزلوا الميم الواردة هنا منزلة ليس النافية وفيه نظر إذ أن سياق الآيات ومبناها لا يأبى أن يكون المراد الإخبار على سبيل التعجب , أي بينما هم يسألونك عن منتهاها وما أنت يا محمد إلا من ذكرها وستكون من أماراتها وأشراطها , وهذا لا يأباه السياق هنا . وأما الجزم بأن الميم في ﴿ فيمَ ﴾ هي بمنزلة ليس النافية ففيه نظر , وقد ورد في كلامهم جواز دخول الميم على الظرف , كقول عروة حين أنكروا عليه الاعتزال وترك مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام في المدينة قال لهم : إني رأيت مساجدكم لاهية وأسواقكم لاغية , والفاحشة في فجاجكم عالية , فكان فيما هنالك عما أنتم فيه عافية (4) .
ثالثا : قال الله تعالى : ﴿ ونزعنا من كل أُمَّة شهيداً فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون ﴾ (5) والنزع هنا معناه : القلع . والمراد به ما كان من حال روح الله عيسى عليه السلام وإدريس وإلياس ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم , وهؤلاء جميعهم اتخذهم الله شهوداً على الناس , قياماً للحجة ودحراً للباطل آخر الزمان , وشهادتهم قائمة , فعيسى على النصارى ، وإلياس على اليهود ، وإدريس على سائر بني آدم من غير من سبق ذكره , و أما رسول الله فعلى أمته والكافة من ذرية آدم إذ أنه رسول الله لهم جميعاً , قال تعالى : ﴿ وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنـوا ويتخذ منكـم شهداء والله لا يحب الظالمين ﴾ (6) وهؤلاء الشهداء صلوات الله وسلامه عليهم قائمة شهادتهم ليس في الآخرة كما يعتقد الكافة فقط , بل هي قائمة قبل ذلك أيضاً في الدنيا وإياهم يعني بقوله تعالى : ﴿ وإذا الرسل أقتت . لأي يوم أجلت . ليوم الفصل ﴾ (7) وقال تعالى : ﴿ والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع (8). إنه لقول فصل ﴾ (9) أي رجـوع عيسى ومن معه , وتصدع الأرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتم الأمـر المؤقت والوعد الحق الذي قال عنه : ﴿ فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون ﴾ (10) وقال : ﴿ أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون ﴾ (11).
هذا وقد جمع الله الأمر في هذه الآيات : ﴿ ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون . ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله . لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ﴾ (12) وقال تعالى : ﴿ قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ﴾ (13) وقال سبحانه : ﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ﴾ (14) يقومون بهذه الشهادة عند تحقق الوعد المنتظر الذي من أجل تحققه رفع عيسى ومن ذكر معه , في يوم أَجَّل وقته عالم الغيب والشهادة . وهذا الوعد المنتظر الذي أُقت له عودة الرسل فيه يفرق بين الحق والباطل , ويظهر دين الإسلام على سائر الأديان الزائفة , ويشهد فيه جميع الرسل بعد عودتهم على صدق رسالة محمد رسول الله , وفي ذلك اليوم المشهود يُقتل الدجال وتخزى يهود , ويموت فيه كل من يقول أن عيسى ابن الله ويجد نَفَسَه , وإنه ليبلغ مد بصره .
وكل من اعتقد أن زمان تحقق هذا الوعد المذكور في الآيات بعد بعث جميع بني آدم من القبور , أو أنه مما مضى أو أنه مجرد وعيد غير لازم فقد وهم وجهل , وما هو إلا ما ذكرت هنا وعد حق تحقُق تأويله إنما يكون آخر الزمان , قال تعالى : ﴿ حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شـر مكاناً و أضعف جندا ﴾ (15) وقال تعالى : ﴿ حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ﴾ (16) وقال تعالى : ﴿ فهل ينظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم . قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين ﴾ (17) وهذا قطعاً لا يكون إلا في الدنيا وقد نصت الآية على أنه هو الوعيد وأنه منتظر , قال تعالى : ﴿ لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ﴾ (18) وقال : ﴿ يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا ﴾ (19) فالطائفة المنصورة الظاهرة على عدوها تكون شاهدة على الناس ثم يكون هو شهيداً عليهم , وهـذا من التأويل الذي لم يقع بعد , ولو صح أنه كان شاهد وهو فيهم في المرة السابقة , وإنما المراد بالآيات هنا شهادته المنتظرة على ما أسلفت والدليل على هذا قوله تعالى : ﴿ ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ﴾ (20) وقوله تعالى : ﴿ فكيف إذا جئنا مـن كل أمـة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ﴾ (21) قال ابن مسعود : قرأت على الرسول سورة النساء حتى إذا بلغتُ : ﴿ وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ﴾ قال : فرأيت عيني رسول الله تهملان وقال لي : " حسبك " (22). وهذا منه استعظاماً لهـذه النبوءة .
وقال عقبة : صلى عليه الصلاة والسلام على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات فقال : " إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم " قالوا : فـرط لكم أي سابقكم (23). وفي قوله تعالى : ﴿ ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم ﴾ تدخل أمته كذلك في هذا العموم , إذ أن المهدي من الشهداء أيضاً الذين يبعثون آخر الزمان , وهو أولهم في البعث آخر الزمان ، قال سبحانه في خبره : ﴿ وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون . ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ﴾ (24) فهذه الآيات وآيات سورة الدخان مدخلها ومخرجها واحد تقدير العزيز الحكيم , وقال أيضاً : ﴿ اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون . ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم ﴾ (25) والمراد بإحداث الذكر هنا تحقُق التأويل الذي ذكر في خبرهم كما في سورة الدخان وغيرها ، قال سبحانه وتعالى : ﴿ أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر ﴾ (26) وقال تعالى : ﴿ غَلَبت الروم في أدنى الأرض ﴾ إلى قوله تعالى : ﴿ وعد الله لا يخلف الله وعده ﴾ وقوله تعالى : ﴿ جانب البر ﴾ و ﴿ أدنى الأرض ﴾ سواء فافهم ! . وقد أخطأ جهم وأتباعه ـ لعنهم الله ـ إذ ظنوا أن الضمير في إحداث الذكر عائد على القرآن وإنما الحق أنه يعود على تحقق خبر هؤلاء الذين تأويل أحداثهم إنما يكون آخر الزمان , قال تعالى في هذا : ﴿ فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها . فأنَّى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ﴾ (27) أي تحقق تأويل ما ذكرت عنهم وقال سبحانه : ﴿ وصـرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا ﴾ (28) وقال أيضا : ﴿ ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون ﴾ (29) .
وأما القول بأن المهدي من الشهداء , فهو صريح في القرآن قال تعالى في ذلك : ﴿ أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به . ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ﴾ (30) أبداً تجده ينهاه عن الشك في هذا تعظيماً له ، وقال تعالى : ﴿ قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ﴾ (31) وهذه أعظم آية في رفع شأن المهدي إذ قرن تعالى بين شهادته وشهادة المهدي على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم , وفي هذا المنتهى في تزكية أمره , وفيه ما يدل على أن تأويل أمره لن يكون باجتهاد البشر وإرادتهم القاصرة .
قال تعالى : ﴿ ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ﴾ (32) ورد هذا بعد قوله تعالى : ﴿ ويوم نبعث في كـل أمـة شهيداً ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون ﴾ (33) قال القرطبي : ﴿ يستعتبون ﴾ أي لا يُكلَّفون أن يرضوا ربهم , لأن الآخرة ليست بدار تكليف (34). وهذا من قوله ظناً منه أنه مما يكون في الآخرة وليس كما ظن بل هو مما يكون في الدنيا ولو لم تقبل توبتهم وعلى هذا نص القرآن في قوله تعالى : ﴿ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ﴾ (35) وقوله تعالى : ﴿ ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين . قل يـوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون . فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ﴾ (36) وقوله : ﴿ يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً قل انتظروا إنا منتظرون ﴾ (37) وهكذا أمر هنا بانتظار ذلك اليوم الذي لا يقبل منهم فيه عمل ولا توبة , وهو في الدنيا وظاهر الآية الأخيرة صريح في ذلك .
أما قوله تعالى بعد ذكر خبر الشهداء : ﴿ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ﴾ (38) فهو عائد على مـا سبقه : ﴿ ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ﴾ (39) وهذه من أعظم البينات المنصوص عليها في القرآن ولذا جعلها من الآيات , قال المفسرون : أي علامات ودلالات . وهي من أعظم العلامات على قـرب تحقق بعث الشهداء , وتعد بحق دالة على أن القرآن جاء ببيان كل شيء وأنه هدى ورحمة وبشرى للمؤمنين .
ولبيان مناسبة ذكر تسخير الطير في جو السماء في تلك الآيات واتباع ذلك بذكر الشهداء مع وصف القرآن بأنه تبياناً لكل شيء وعده تسخير الطير في السياق من الآيات , يجب الوقوف ملياً أمـام ما سُخر لبني البشر كما نرى في هذه الطائرات المحلقة في السماء , وهي تحمل على ظهرها وتقبض هذه الجموع الغفيرة والملايين الكثيرة , تنقلهم ما بين أقطار الأرض ذهاباً وإياباً .
أقول : يجب الوقوف عند هذا الأمر العظيم والعلامة البينة واستجماع أمر القلب والثقة بالفهم , وطرح أقوال المفسرين القدامى الذين لو رأوا ما نحن فيه لما ترددوا لحظة في فقه المراد من الآيات , ولا يلتفت لجمود المتأخرين وعدم تحقق تصورهم لوجه المطابقة ما بين المذكور بالقرآن هنا , وما تحقق من هذا التسخير الباهر , ما لا يسع العاقل معه الإقامة على أقوال قديمة متعثرة في فهم المراد هنا , والإعراض عن إيقان قوة مناسبتها لما نرى .
وأقول بعد هذا : أن الله لم ينص بالذكر على خبر هذه الأمارة التي جعلها مبشرة وعلامة على قرب تحقق أمر الشهداء في سياق الآيات المفصلة لما سخر الله من منافع للناس وبالأخص ذكره للمنافع العائدة على بني آدم من الأنعام إلا لإرادة التنبيه على مشابهة التسخير وكسب المنفعة ما بين الطير والأنعام , وهذا بعينه محقق الآن من هذه الطائرات التي تعد بحق من أعظم النعم على بني آدم , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا امتطى الدابة يقول : " سبحان الذي سخر لنا هذا " وكـل من اعتقد أن الطير في السماء ـ أعـني الطيور ذوات الأرواح ـ هي المراد فقد أبعد النُّجعة , فهذه لم تسخر بحال بل هي الطائرة في جو السماء حيث تشاء , ومن تعذر عليه إدراك المعنى المراد هنا , فليذهب من فـوره ويقف على سورة الملك قوله تعالى : ﴿ أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير . أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور ﴾ إلى قوله تعالى : ﴿ قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون . قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون . ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين . فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ﴾ انظر كيف عاد بنا إلى الوعد المنتظر !! , وقد كان قبل هذا توعد بإيقاع الخسف وهو من المنتظر أيضاً .
والمراد بالحشر في الآيات هنا , حشر اليهود من بعد ما قضى عليهم الطرد والتشريد في الأرض , إلى حين قرب وقوع الأجل , فتوعدهم عند ذلك بجمعهم من كل مكان حشراً مقدراً بالكتاب قال تعالى : ﴿ وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ﴾ (41) قال ابن عباس رضي الله عنه : من شك في أن أرض المحشر ها هنا ـ يعني الشام ـ فليقرأ هذه الآية : ﴿ هو الذي أخرج الذين كفروا من أهـل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ﴾ قال لهـم الرسـول صلى الله عليه وسلم : " اخرجوا " ! قالوا : إلى أين ؟ , قال : " إلى أرض المحشر" (42). قال الحسن : لما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير قال : " هذا أول الحشر وأنا على الأثر " !! (43) .
ويبقى التعريف بالمُزْلَف هنا مَن يكون ؟ , من يكون هذا الذي ادعى يهود أمره لأنفسهم من دون سائر الخلق ؟! .
إنه المهدي من الشهداء توعدهم الله تعالى إذا حشرهم إلى بيت المقدس , أن يقربه ويهديه ويظهر أمره , وينصره بما يسوء اليهود وجيرانهم ويفضح كذبهم الطويل , والله جعل من العلامات لقرب تحقق هذا الوعد حشر اليهود لبيت المقدس, وإمساك الطائرات التي تقبض الناس على ظهرها .
ومن لم يصدق هذا مني فليتواضع قليلاً وليراجع إحصاء سقوط الطائرات في السنوات الأخيرة , فسيجد ما يبرهن هذا ويعرف أنها فعلاً آكد أمارة على قرب تحقق الوعد الحق المنتظر , أما إن لم يصدق بعدها الأبله البعيد فلا أقول له إلا ما قال تعالى : ﴿ ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ءأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ﴾ (44) .
وبالعودة إلى تقرير الكلام في هذا الفصل على عودة النبي صلى الله عليه وسلم آخر الزمان , وأنه من الشهداء الذين يعودون قبل نهاية أمر الحياة الدنيا ليشهدوا على أممهم , أذكر هنا مارواه ابن اسحاق بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس قال : والله إني لأمشي مع عمر في خلافته وهو عامد إلى حاجة له وفي يده الدرة وما معه غيري , قال : وهو يحدِّث نفسه ويضرب وحشيّ قدمه بدرته , قال : إذ التفتَ إليَّ فقال : يا ابن عباس هل تدري ما كان حملني على مقالتي التي قلت حين توفي رسول الله ؟ . قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين , أنت أعلم ! . قال : فإني والله إن كان الذي حملني على ذلك إلا أني كنت أقرأ هذه الآيـة : ﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ﴾ فوالله إن كنت لأظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخـر أعمالهـا , فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت(45).
رحم الله ابن الخطاب ولله دره ما أصدق ظنه , ألا يكفيهم إذ اجتمع تصديق المهدي وظن ابن الخطاب , وقد والله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون , فإن يكن في أمتي أحد فإن عمر بن الخطاب منهم " . قال ابن وهب : محدثون ملهمون(46). والمهدي قطعاً ملهم محدث أيضاً .
قال علي : ما كنا ننكر ونحن متوافرون , أن السكينة تنطق على لسان عمر . وقال ابن مسعود : ما رأيت عمر قط إلا وكأن بين عينيه ملكاً يسدده . و قال ابنه : كان يقول القول , فننظر مـتى يقع !! (47).
وعن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به " (48). وسيأتي لاحقاً ـ إن شاء الله تعالى ـ في الباب الثاني عند الكلام على ما وقع من الصحابة في هذا الأمر , زيادة في تفصيل الكلام على اختيار عمر رضي الله عنه , ما له تعلق بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الزمان ليشهد على أمته .
رابعاً : قال تعالى : ﴿ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ﴾ (49) روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : هذه مما كان ابن عباس يكتمها (50). وروى بعضهم عن الحكم عن مجاهد في هذه الآية قال : يُرد إلى الدنيا حتى يرى عمل أمته . قلت : رواه عبد الواحد بن زياد عن أبي مريم عن الحكم به , وكذّب عبد الواحد بن زياد أبا مريم على هذه الرواية , ووافقه أبو داود على هذا التكذيب (51) , وهو تكذيب مجرد عن البرهان مبني على اعتقاد مظنون .
وابن عباس ما كان يكتم إلا هذا الاعتقاد , ولا وجه لكتمانه تفسير الآية إلا لعدم قدرته على البوح به خشية أن يكذب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من قوم تعجز عقولهم عن إدراك هذه الحقيقة , ويكفي لبيان هذا ما حل بأصحابه عند قبضه عليه الصلاة والسلام , فقد ارتج عليهم الأمر وذلك بسبب ما نقل عن عمر آنفاً , حتى إذا ما أيقن وفاته أُسقط بيده ولم يدري ما يقول , وبقي في قلبه من ذلك ما بقي كما يبدو على ما ذكر في الرواية المنقولة عنه قبل قليل .
وسيأتي مزيد كلام على ما وقع من الصحابة عند وفاته عليه الصلاة والسلام , حتى إن أكثرهم ما كان ليسلِّم بوفاته لولا أن ثبتهم الله تعالى بصاحبه المقرب العظيم رضوان الله عليه .
الباب الأول الفصل الأول ما ورد في القرآن وفيه ذكر هذا الأمر |
|
قـوله تعالى : ﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى .. ﴾ كائن تمامه آخر الزمان
|
|
عودة رسول الله آخر الزمان من ذكر الساعة
|
|
قـوله تعالـى: ﴿ فيمَ أنت مـن ذكراها ﴾ الميم هنا ليست نافية ، ففي ظرف وجاز في كلامهم دخـول الميم عليه
|
|
قوله تعالى : ( ونزعنا من كل أمـة شهيدا )معناه أخـذ إدريس وإلياس وعيسى ومحمد أخـذا وقبضا مؤقتا ثم يعودون بعد ذلكلتحقيق الإشهاد
|
|
الله قطع لرسوله r أن يكون شهيدا على أمته آخر الزمان
|
|
الرسول المذكور في آية سورة النحلوآية سـورة الدخان هو المهدي
|
|
قوله تعالى : ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ) قالت الجهمية هـو القرآن وهـذاباطل والصحيح أنه تأويل ذكر القرآن آخر الزمان
|
|
المهدي من الشهداء صريح في القرآن
|
|
الرسول يخبر مكذبيه أنه معهم منتظر آيات الله التي تكون آخر الزمان
|
|
إمساك الطائرات العصرية وإسقاطهامن غير سبب معلوم من أظهر علامات قرب تحقق أمر الشهداء
|
|
رجـوع بنـي إسرائيل لبيت المقدس علامةمؤذنة بظهور المهدي
|
|
قوله تعالى : ( ويكون الرسول عليكم شهيدا ) ظـن عمر أنه يبقى حتى يشهد على آخر أمته
|
|
عمر من المحدثين المكلمين
|
|
ابن عباس يكتم تفسير قـوله تعـالى : ( لرادك إلى معاد )
|
|
روي عن مجاهد : أنه يرد إلى الدنيا
|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) سورة التوبة ( 33 ) .
( 2 ) رواه مسلم وأبو يعلى والحاكم .
( 3 ) سورة النازعات ( 42 ) .
( 4 ) ذكره أبو عمر في التمهيد (7/ 221) وبيان فضل العلم ( 2/200 )، وذكره الخطابي في العزلة (80) .
( 5 ) سورة القصص ( 75 ) .
( 6 ) سورة آل عمران ( 140 ) .
( 7 ) سورة المرسلات ( 11 – 13 ) .
( 8 ) قال سلمان العودة : حدثني وكان رجلاً صالحاً صدوقاً , فقال : ( رأيت فيما يرى النائم أنني وأحد الشيوخ الفضلاء أمام قبر النبي نسلم على الرسول وصاحبيه , فقال : فأضطرب القبر وتزلزل حتى اقشعرت جلودنا , ثم انشق فإذا رسول الله ممسك إزاره بيده الشريفة قائماً على صفته المعروفة . قلت : فما أولتها ؟ . قال : انتصار السنة وإحياء شعائر الإسلام ). ( رسالة البشائر بنصرة الإسلام لمحمد الدويش ) . قلت : ما حملها على الرمزية بل هي على ظاهرها ومبشرة ببعث أمره و التوطئة لعودته عليه الصلاة والسلام .
( 9 ) سورة الطارق ( 11) .
( 10 ) سورة غافر (77) .
( 11 ) سورة الزخرف ( 42) .
( 12 ) سورة يونس ( 47 – 49 ) .
( 13 ) سورة سبأ ( 30 ) .
( 14 ) سورة غافر ( 51 ) .
( 15 ) سورة مريم ( 75 ) .
( 16 ) سورة الحج ( 55 ) .
( 17 ) سورة يونس ( 101 ) .
( 18 ) سورة البقرة ( 143 ) .
( 19 ) سورة الأحزاب ( 45 ) .
( 20 ) سورة النحل ( 88 ) .
( 21 ) سورة النساء ( 41 ) .
( 22 ) رواه البخاري في فضائل الأعمال وغيره .
( 23 ) رواه البخاري (3 / 209) ، وراجع الفتح (6 / 611) .
( 24 ) سورة النحل ( 112 – 113 ) .
( 25 ) سورة الأنبياء ( 1 – 3 ) .
( 26 ) سورة الإسراء ( 68 ) .
( 27 ) سورة محمد ( 18 ) .
( 28 ) سورة طه (113) .
( 29 ) سورة الأنبياء (2) .
( 30 ) سورة هود ( 17 ) .
( 31 ) سورة الرعد ( 43 ) .
( 32 ) سورة النحل ( 89 ) .
( 33 ) سورة النحل ( 84 ).
( 34 ) التفسير ( 10/162 ).
( 35 ) سورة غافر ( 85 ) .
( 36 ) سورة السجدة ( 28 – 30 ) .
( 37 ) سورة الأنعام ( 158 ) .
( 38 ) سورة النحل ( 89 ) .
( 39 ) سورة النحل ( 79 ) .
( 40 ) سورة الملك ( 19 – 27 ) .
( 41 ) سورة الإسراء ( 104 ) .
( 42 ) رواه ابن أبي حاتم , راجع تفسير ابن كثير ( 4 / 350 ) .
( 43 ) ذكره ابن أبي حاتم وابن جرير , تفسير ابن كثير ( 4 / 350 ) .
( 44 ) سورة فصلت ( 44 ) .
( 45 ) السيرة لابن هشام ( 4/ 286 ) .
( 46 ) رواه البخاري وغيره .
( 47 ) البيهقي في الاعتقاد ( 314 ) .
( 48 ) أبو داود ( 3 / 138 ) .
( 49 ) سورة القصص ( 85 ) .
( 50 ) راجع تفسير ابن كثير (3/ 444) , والفتح لابن حجر (8/ 510) . وكان أيضاً يكتم تفسير قوله تعالى : ( ويسألونك عن الروح ) لتعلقه بالتأويل آخر الزمان .
( 51 ) راجع ميزان الاعتدال للذهبي ( 2 / 640 ) , واللسان ( 4 / 42 ) .