الخاتمة
وفي الختام يحسن هنا الاستئناس بدلالة تبشير النبي صلى الله عليه وسلم بالمهدي أمته من بعده فقال : ( أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل ) (1) .
وقد كان النبي من قبل يبشر فيرزقه الله تعالى ولدا فيكون نبياً أو رسولا ، والمصطفى صلى الله عليه وسلم عمد ليبشر الأمة كلها بالمهدي ، ثم لا يكون رسولا على سنة الأنبياء والرسل من قبله ؟! .
قال تعالى : ﴿ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ وقال : ﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ﴾ . وهكذا كانت سنة الله تعالى ببشاراتهم ، يكون المبشر به نبيا أو رسولا ، أو وليا صالحا صديقا زكيا .
وعليه اختار المصطفى كلمة (أبشركم ) في خبر المهدي ، ولو تفكر العاقل بهذه وضمها لما تقرر سابقا أدرك بذلك حقيقة الأمر وتجلى له هذا السر العظيم وأيقن بعظيم منزلة المهدي عليه السلام عند الله تعالى وعرف مكانته في سلسلة رسل الله تعالى وأنبياءه ، وأن من علو شرفه وعظيم مكانته عند مولاه أن أعلن البشرى به على لسان سيد الأولين والآخرين الصادق المصدق ، خاتمة خير جعلها في الآخرين .
والذين يظنون بالمهدي أن أمره لن يتعدى كونه فردا عاديا كسائر الأفراد في هذه الأمة ، من الذين يهتدون بعد ضلالة ويسلكون سبيل الرشاد بعد الغواية ، ثم ما يلبثون إلا ويجدون أنفسهم من أهل الخير والصلاح !! ، فالذين يحسبون حاله على هذه المثابة فبشرهم بسوء العاقبة والحرمان من كل خير في أمره على جهلهم هذا وضلالهم الأكيد ، إذ حرموا أنفسهم هذه الهداية العظيمة من هداية رسل الله تعالى ، وأخطأوا سبيلا من سبل الرحمن عز وجل للنجاة .
ولتأتوا معي إخواني المصدقين لنقف على هدي القرآن في ذلك لتستنير قلوبنا بتبين أخبار رسل الله تعالى وأنبيائه على وفق هذه السنة الربانية العظيمة ، مما قص علينا ربنا بكتابه وفصل عن أخبارهم لنتعرف هل بالفعل المهدي على وفق عناية المصطفى عليه الصلاة والسلام باختيار كلماته الشرعية ، أن قد أنزل أمره على ما يظنه هؤلاء الجهلة أم لا ؟ .
وكما عرف الجميع أن المصطفى عليه الصلاة والسلام كان خلقه القرآن على ما ذكرت عائشة رضي الله عنها ، فهو كثيرا ما يواطئ القرآن بأفعاله وأقواله ، وما إخباره عن حفيده المهدي عليه السلام إلا على وفق هدي القرآن .
أولا : نص القرآن على أن إخبار المسيح عليه السلام بالنبي عليه الصلاة والسلام نفسه كانت بنفس الصيغة التي اختارها المصطفى لحفيده المهدي وذلك في قوله عز وجل على لسان المسيح عليه السلام : ﴿ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ . وعليه لما بشر المصطفى بالمهدي بعده إنما كان هذا جريا على عادة الرسل كل يبشر بالذي بعده ، وحتى المهدي عليه السلام اقتضت حكمة الله تعالى في أمره عمل هذه السنة إذ أنه الآن يبشر بعودة المصطفى عليه الصلاة والسلام كما بشر به هو من قبل ، وهكذا : ﴿ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ وقال : ﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ﴾ .
وأيضا من بشارته للمؤمنين قرب التمكين والظفر ، ولأعداء الدين قرب حلول المنايا والنقم ، والأمور العظام المخبر عنها سابقا من خسف ومسخ وقذف وقتل لم يرى الناس مثله قط على يد السفاح وسيفه .
إنها السنن التي لا تتخلف وما كان شيئا في السابقين إلا وسيكون في هذه الأمة مثله !! .
ثانيا : ومن ذلك تبشير الملائكة إبراهيم الخليل بولديه ، قال تعالى : ﴿ وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ . إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ . قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ﴾ .
وهنا البشارة بإسحاق عليه السلام على خلاف البشارة في قوله تعالى : ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ . رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ . فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ . فهي بإسماعيل عليه السلام فقد قص بعد ذلك تفاصيل الرؤيا وأمر الذبح والفداء بالكبش ، أما خبر البشارة في الآية السابقة فكانت في إسحاق عليه السلام ، فقد أغفل هناك ما ذكره هنا لإرادة التفريق بين الولدين ، وكلاهما صار نبيا عليهما السلام جميعا . قال تعالى : ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾ . والله تعالى إذا أراد بخبر البشارة إسحاق لا يصفه إلا بالعليم ، أما إسماعيل فيصفه بالحليم لإرادة التفريق بين مراد البشارتين .
وفي سورة هود كانت البشارة بإسحاق ويعقوب كذلك وكلاهما نبي كريم : ﴿ وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ .
ثالثا : ومثل ذلك ما جرى مع زكريا عليه السلام في قوله تعالى : ﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى ﴾ . والكل يعلم أن يحي عليه السلام نبيا من الصالحين يوحى له : ﴿ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾ .
رابعا : مريم عليها السلام حين بشرت بالمسيح ومن الله تعالى بلسان ملائكته لها وذلك في قوله عز وجل: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ .
وهكذا هي سنة الرسل والأنبياء ما بشروا بذرية إلا وكانت البشرى واقعة على رسول أو نبي ، وهل بشر المصطفى بأحد من ذريته إلا بالمهدي من بعده جريا على سنة من سبقه من أنبياء الله تعالى ، فكان عند الله تعالى رسولا اختصه الله تعالى بوحي الرؤيا الذي أبقي في الأمة بعد المصطفى لأجل المهدي وأمره حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صرح من غير تورية أنه الجزء الوحيد المتبقي من أجزاء الوحي وسماه ( البشرى ) وبهذا قوام أمر المهدي لا كما فهم السذج والبسطاء من عامة المسلمين أن أمره لا يخرج إلى ما ذكرنا على الرغم من البشارة به !!.
تم الكتاب بحمد الله تعالى
مساء الثلاثاء بتاريخ :
28 صفـر 1427 هـ
الموافق 28/3/ 2006
(1) قال الهيثمي : رواه أحمد وأبو يعلى باختصار كثير ورجالهما ثقات اهـ . وذكر التويجري أن الحافظان العراقي وابن حجر أقراه لكونهما قد حررا مجمع الزوائد معه . ورواه الحاكم من غير هذا الوجه باختصار أيضا وصححه ووافقه الذهبي .
Powered by Backdrop CMS