الفصل الأربعون بعد المائة
صدقوني أيها القوم أني جئت إلى العالم بامتياز لم يعط إلى بشر حتى أنه لم يعط لرسول الله لأن إلهنا لم يخلق الإنسان ليبقيه في العالم بل ليضعه في الجنة ، ومن المحقق أن من لا أمل له أن ينال شيئا من الرومانيين لأنهم من شريعة غريبة عنه لا يريد أن يترك وطنه وكل ما عنده ويذهب ليتوطن رومية على أن لا يعود ، ويكون ميله إلى ذلك أقل جدا إذا هو أغاظ قيصر ، فالحق أقول لكم أنه هكذا يكون وسليمان نبي الله يصرح معي : ( ما أمر ذكراك أيها الموت للذين يتنعمون في ثروتهم )، إني لا أقول هذا لأن علي أن أموت الآن ، وإني عالم باني سأحيا إلى نحو منتهى العالم ، ولكن أكلمكم بهذا لكي تتعلموا كيف تموتون ، لعمر الله إذا أسيء عمل شيء ولو مرة دل على أنه لابد من التمرن عليه إذا أريد اتقانه ، أرأيتم كيف تتمرن الجنود في زمن السلم بعضهم مع بعض كأنهم يتحاربون ؟ ، وكيف يتاح لمن يتعلم كيف يحسن الموت أن يموت ميتة صالحة ، قال النبي داود : ( ثمين في نظر الرب موت الطاهرين ) ، أتدرون لماذا ؟، إني أفيدكم ، إنه لما كانت الأشياء النادرة ثمينة وكان موت الذين يحسنون الموت نادرا كان ثمينا في نظر الله خالقنا ، فمن المؤكد أنه متى شرع المرء في أمر لا يريد أن ينجزه فقط ولكنه يكدح حتى يكون لغرضه نتيجة حسنة ، يا لك من رجل شقي يفضل سراويلاته على نفسه ، لأنه عندما يفصل القماش يقيسه جيدا قبل تفصيله ومتى فصله خاطه بإعتناء ، أما حياته التي ولدت لتموت ـ إذ لا يموت إلا من يولد ـ فلماذا لا يقيسها الإنسان بالموت ؟ ، أرأيتم البنائين كيف لا يضعون حجرا إلا والأساس نصب عيونهم فيقيسونه ليروا إذا كان مستقيما لكيلا يسقط الجدار ؟ ، يا له من رجل تعيس لأن بنيان حياته سيتهدم شر تهدم لأنه لا ينظر إلى أساس الموت .
Powered by Backdrop CMS