الفصل التاسع عشر بعد المائتين


فعادت العذراء إلى أورشليم مع الذي يكتب ويعقوب ويوحنا في اليوم الذي صدر فيه أمر رئيس الكهنة ، ثم إن العذراء التي كانت تخاف الله أوصت الساكنين معها أن ينسوا ابنها مع أنها عرفت أن أمر رئيس الكهنة ظلم ، وما كان أشد انفعال كل أحد ! ، والله الذي يبلو قلوب البشر يعلم أننا فنيِنَا بين الأسى على موت يهوذا الذي كنا نحسبه يسوع معلمنا وبين الشوق إلى رؤيته قائما ، وصعد الملائكة الذين كانوا حراسا على مريم إلى السماء الثالثة حيث كان يسوع في صحبة الملائكة وقصوا عليه كل شيء ، لذلك ضرع يسوع إلى الله أن يأذن له بأن يرى أمه وتلاميذه ، فأمر حينئذ الرحمن ملائكته الأربعة المقربين الذين هم جبريل وميخائيل ورافائيل وأوريل أن يحملوا يسوع إلى بيت أمه ، وأن يحرسوه هناك مدة ثلاثة أيام متوالية ، وأن لا يسمحوا لأحد أن يراه خلا الذين آمنوا بتعليمه .

فجاء يسوع محفوفا بالسناء إلى الغرفة التي أقامت فيها مريم العذراء مع أختيها ومرتا ومريم المجدلية ولعازر والذي يكتب ويوحنا ويعقوب وبطرس ، فخرّوا من الهلع كأنهم أموات ، فأنهض يسوع أمه والآخرين عن الأرض قائلا : لا تخافوا لأني أنا يسوع ، ولا تبكوا فإني حي لا ميت ، فلبث كل منهم زمنا طويلا كالمخبول لحضور يسوع ، لأنهم اعتقدوا اعتقادا تاما بأن يسوع مات ، فقالت حينئذ العذراء باكية : قل لي يا نبي لماذا سمح الله بموتك ملحقا العار بأقربائك أخلائك وملحقا العار بتعليمك ؟ وقد أعطاك قوة على إحياء الموتى ، فإن كل من يحبك كان كميت .
الفصل العشرون بعد المائتين

أجاب يسوع معانقا أمه : صدقيني يا أماه لأني أقول لك بالحق أني لم أمت قط ، لأن الله قد حفظني إلى قرب انقضاء العالم ، ولما قال هذا رغب إلى الملائكة الأربعة أن يظهروا ويشهدوا كيف كان الأمر ، فظهر من ثم الملائكة كأربع شموس متألقة حتى أن كل أحد خرّ من الهلع ثانية كأنه ميت ، فأعطى حينئذ يسوع الملائكة أربع ملاء من كتان ليستروا بها أنفسهم لتتمكن أمه ورفاقها من رؤيتهم وسماعهم يتكلمون ، وبعد أن أنهض كل واحد منهم عزاهم قائلا : إن هؤلاء هم سفراء الله ، جبريل الذي يعلن أسرار الله ، وميخائيل الذي يحارب أعداء الله ، ورافائيل الذي يقبض أرواح الميتين ، وأوريل الذي ينادي إلى دينونة الله في اليوم الآخر ، ثم قص الملائكة الأربعة على العذراء كيف أن الله أرسل إلى يسوع وغيَّر ( صورة ) يهوذا ليكابد العذاب الذي باع له آخر .

حينئذ قال الذي يكتب : يا معلم أيجوز لي أن أسألك الآن كما كان يجوز عندما كنت مقيما معنا ؟ ، أجاب يسوع : سل ما شئت يا برنابا أجبك ، فقال حينئذ الذي يكتب : يا معلم إذا كان الله رحيما فلماذا عذبنا بهذا المقدار بما جعلنا نعتقد أنك كنت ميتا ؟ ، ولقد بكتك أمك حتى أشرفت على الموت ، وسمح الله أن يقع عليك عار القتل بين اللصوص على جبل الجمجمة وأنت قدوس الله ، أجاب يسوع : صدقني يا برنابا أن الله يعاقب على كل خطيئة مهما كانت طفيفة عقابا عظيما لأن الله يغضب من الخطيئة ، فلذلك لما كانت أمي وتلاميذي الأمناء الذين كانوا معي أحبوني قليلا حبا عالميا أراد الله البر أن يعاقب على هذا الحب بالحزن الحاضر حتى لا يعاقب عليه بلهب الجحيم ، فلما كان الناس قد دعوني الله وابن الله على أني كنت بريئا في العالم أراد الله أن يهزأ الناس بي في هذا العالم بموت يهوذا معتقدين أنني أنا الذي مت على الصليب لكيلا تهزأ الشياطين بي في يوم الدينونة ، وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله ، وبعد أن تكلم يسوع بهذا قال : إنك لعادل أيها الرب إلهنا لأن لك وحدك الإكرام والمجد بدون نهاية .