توريث بني إسرائيل الجزيرة العربية :
وَتَمَّتْ كَلِمَاتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ ﴾
أثار أحد أتباع هذه الدعوة المباركة تساؤلا مع ابتداء طرح فصول هذا الكتاب لتقرأ قبل ما تنشر في كتاب لما فيها من بيان لأصول عظيمة في دعوتنا المباركة وقد باتت الآن معلومة لكل من اطلع على تلك التفاصيل ، ورأيت ذلك التساؤل هام ليجاب عليه فمن الطبيعي أن يرد مثل ذلك على اذهان لطالما تعلقت بتلك الرواسخ في ذاكرة الأمة حتى ما كان يرد على ذهن أي منهم أن يأتي يوم فتزعزع تلك الاعتقادات والقناعات وتناقش ويأتي ما ينقضها إن لم يكن يعارضها ويضادها ، تلك المتمركزة من قرون في عقولهم وأفئدتهم التي تاهت عن معرفة وتيقن هذا الحق الذي حمل ذكره كتاب ربنا عز وجل عما سيكون من مواعيد خاصة في آخر زمان هذه الأمة والبشرية جميعها ، وأكثرهم اليوم كالأنعام بل هم أضل سبيلا ، فأين سيكونون من كتاب ربنا وآيات بيناته العظيمة ، والأمة كانت في سلفها وجيلها الأول لم يكن هذا ظاهر الدلالة فيهم فكيف بهؤلاء أشباه الأنعام .
بل ماذا أقول وربي فهناك من أتباع دعوة الحق اليوم وهم يقرأون مثل هذه التقارير والتفاصيل في ذلك وأحدهم لا زال ساقط في غفلة الأمة وضلالها عن ادراك هذا الأمر العظيم الجلل ، حتى سأل أحدهم ممن طمس الله على بصيرته وأزاغ عقله فوق ما هو زائغ ، فأخذ يسأل عن جسر جهنم وعن ظلمة الدخان على هذا التفسير المعلن أخيرا !!
بمعنى يريد يُعين له أين وقعت جهنم بكامل أمرها وما أخبر عنها ، يريد تمام ذلك الآن ، ويتساءل أين القيامة التي كان يقرأ عنها ويؤمن بكل تفاصيلها كما في القرآن والسنة ، على ما يتصور هو وأمته .
وآخر ينبكم أمام كل هذا المعلن المبسوط ، وفي عقله كل ذلك الحطام لا يستطيع ينبس بحرف ، ثم هو يخطر لتوه صاد ويعقب على اعتقادنا قرب فتح أبواب جهنم هناك بين مكة والمدينة ، بقوله : ( سيأتيكم خير إن شاء الله ) . يريد : إذا عين لكم الجحيم بين مكة والمدينة ، سيأتيكم غدا بأكبر من هذا !
وما رأى أبو أسامة ، أن من المعلن نزول الله عز وجل فوق جبل أحد كما نزل في زمان خلاص بني إسرائيل من بعد ما بعث فيهم موسى صلوات ربي وسلامه عليه ، لكن لم يأت مجال ليفصح الكظيم عن ذلك وإلا لفعل ، ولم يعقب عليه لم يجد فرصة .
وعلى ذلك أنزل قوله تعالى : ﴿ كَلا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً ، وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً ، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴾ .
وعليه قوله عز وجل : ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ، تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ﴾ .
كذلك قوله تبارك وتعالى : ﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ ﴾ .
وقوله : ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ، وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾ .
ونظير ما قررت قبل في الفصل السابق عن الزلزلة والدك الخاص والعام والنسف الخاص والعام والحشر الخاص والعام ، هنا في ذكر تلك الجنة التي وعد عباده حين يجازي اعداء دينه وملته ويسلط عليهم الشرور التي منها جلب الحر على العالم ، هو يجعل بالمقابل لعباده جنانا وبركات وظل رحمه تحت غمامه الذي يستتر به ، ولما كان يريد جنان الدنيا لم يضيف ما يفسر إلا ذكر النهر الذي أخبر الأنبياء وقد بين ذلك من قبل ، فتلك الجنان وذلك النهر مما سيكون في الدنيا عند الفصل وقيام الله تعالى للقضاء بين الأمم ، لكن انظروا لما يريد خلاف ذلك ويريد جنان الخلد التي ليس فيها مما في الدنيا إلا الأسماء فقط وتكون هناك الأمور مختلفة بالكلية نراه يقول تعالى مفسرا لذلك كما فسر ما ذكرت قبل لا يدع الأمر من غير ايضاح وتفهيم للفرق : ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ ، لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ، فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴾ ، فلا بد يضع في كلامه وخبره تمييز .
أقول : وكل ذلك مما سيكون تأويله وهم بالدنيا بعد لم ينتقلوا عنها ، ولن ينتقلوا ما لم يتم قضاء الله عز وجل فيهم وحسابه الشديد على الأشرار ومجازاته للأخيار المحسنين ، دينونته لهم بالدنيا قبل الآخرة ، حتم مقضي به لا بد يكون لكن الأمة في غفلة عن ادراك ذلك ومعرفة حقيقته ، لم تهدى للعلم به هكذا شاء ربنا وأراد حتى يباغت قوى الشر والطغيان كلها حين يكونون أقوى ما يكونون في الدنيا ، وحتى يبلغوا ما لم يبلغه غيرهم من قبل فيأتيهم ما وعد عز وجل ، على ما قال نبي الله تعالى البار ايوب عليه الصلاة والسلام :
﴿ يُعَظِّمُ الأُمَمَ ثُمَّ يُبِيدُهَا ، وَيُوَسِّعُ تُخُومَهَا ثُمَّ يُشَتِّتُهَا ﴾
وتوسع في نبوءاته عليه الصلاة والسلام في وصف كل شأنهم مثل قوله :
وفي كتابي " الرد الحاسم " توسعت بالنقل عنه صلوات ربي وسلامه عليه في وصفه لقوتهم ومدى جبرون أسلحتهم ، وهنا من وصفه الدقيق العجب وأنتم تعلمون مدى قوة اساطيلهم البحرية وضخامتها وأقواها وأوسعها حاملات الطائرات لكنها كما قال خفيفة على وجه الماء لانها تسير على الماء بالطاغة النووية ولا مقدرة لأحد على مواجهتها .
وانظروا كيف يصف طغيانهم على الله عز وجل ومدى جبروتهم بوجهه تعالى عما يشركون ويكفرون :
لاَ يَأْمُلُ الرُّجُوعَ مِنَ الظُّلُمَاتِ وَمَصِيرُهُ الْهَلاَكُ بِالسَّيْفِ ، يَهِيمُ بَحْثاً عَنْ لُقْمَةِ الْعَيْشِ ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ يَوْمَ الظُّلْمَةِ آتٍ وَشِيكاً .
يُرْهِبُهُ الضِّيقُ وَالضَّنْكُ ، وَيَطْغَيَانِ عَلَيْهِ كَمَلِكٍ مُتَأَهِّبٍ لِلْحَرْبِ ، لأَنَّهُ هَزَّ قَبْضَتَهُ مُتَحَدِّياً اللهَ ، وَعَلَى الْقَدِيرِ يَتَجَبَّرُ ، وَأَغَارَ عَلَيْهِ بِعِنَادٍ مُتَصَلِّفٍ ، بِمَجَانٍّ غَلِيظَةٍ مَتِينَةٍ ، وَمَعَ أَنَّهُ كَسَا وَجْهَهُ سَمْناً ، وَغَشَّى الشَّحْمُ كُلْيَتَيْهِ ، فَإِنَّهُ يُقِيمُ فِي مُدُنٍ خَرِبَةٍ وَبُيُوتٍ مَهْجُورَةٍ عَتِيدَةٍ أَنْ تُصْبِحَ رُكَاماً .
يَفْقِدُ غِنَاهُ وَتَتَبَخَّرُ ثَرْوَتُهُ وَلاَ يَثْبُتُ لَهُ فِي الأَرْضِ مُقْتَنًى ، تَكْتَنِفُهُ دَائِماً الظُّلْمَةُ وتُيَبِّسُ النَّارُ أَغْصَانَهُ ، وَتُزِيلُهُ نَفْخَةٌ مِنْ فَمِ الرَّبِّ ، لاَ يَخْدَعَنَّ نَفْسَهُ بِاتِّكَالِهِ عَلَى السُّوءِ ، لأَنَّ السُّوءَ يَكُونُ جَزَاءَهُ ، يَسْتَوْفِيهِ كَامِلاً قَبْلَ يَوْمِهِ ، وَيكُونُ كَسُعُفٍ يَابِسَةٍ ، وَكَكَرْمَةٍ تَسَاقَطَتْ عَنَاقِيدُ حِصْرِمِهَا ، وَتَنَاثَرَ زَهْرُهَا كَالزَّيْتُونِ ، لأَنَّ جَمَاعَةَ الْفُجَّارِ عَقِيمُونَ ، وَالنَّارُ تَلْتَهِمُ خِيَامَ الْمُرْتَشِينَ ، حَبِلُوا شَقَاوَةً وَأَنْجَبُوا إِثْماً ، وَوَلَدَتْ بُطُونُهُمْ غِشّاً ﴾
ويصفهم بأدق مما قال ويبدي عن شديد نقمة الله فيهم ستكون ، فيقول :
مَهْمَا بَلَغَتْ كِبْرِيَاؤُهُ السَّمَاوَاتِ وَمَسَّتْ هَامَتُهُ الْغَمَامَ ، فَإِنَّهُ سَيَبِيدُ كَبِرَازِهِ ، فَيَتَسَاءَلُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَهُ ، مُنْدَهِشِينَ : أَيْنَ هُوَ ؟
يَتَلاَشَى كَحُلْمٍ وَلاَ يَبْقَى مِنْهُ أَثَرٌ ، وَيَضْمَحِلُّ كَرُؤْيَا اللَّيْلِ ، وَالْعَيْنُ الَّتِي أَبْصَرَتْهُ لاَ تَعُودُ تَرَاهُ ثَانِيَةً ، وَلاَ يُعَايِنُهُ مَكَانُهُ فِيمَا بَعْدُ ، يَسْتَجْدِي أَوْلاَدُهُ مِنَ الْفُقَرَاءِ ، وَتَرُدُّ يَدَاهُ ثَرْوَتَهُ المَسْلُوبَةَ حَيَوِيَّةُ عِظَامِهِ لأَنَّهَا تُدْفَنُ فِي عِزِّ قُوَّتِهِ ، يَتَذَوَّقُ الشَّرَّ فَيَحْلُو فِي فَمِهِ فَيُبْقِيهِ تَحْتَ لِسَانِهِ وَيَمْقُتُ أَنْ يَقْذِفَهُ ، بَلْ يَدَّخِرُهُ فِي فَمِهِ فَيَتَحَوَّلُ طَعَامُهُ فِي أَمْعَائِهِ إِلَى مَرَارَةٍ كَالسُّمُومِ وَيَتَقَيَّأُ مَا ابْتَلَعَهُ مِنْ أَمْوَالٍ ، وَيَسْتَخْرِجُهَا اللهُ مِنْ جَوْفِهِ لَقَدْ رَضَعَ سَمَّ الصِّلِّ ، فَقَتَلَهُ لِسَانُ الأَفْعَى .
لَنْ تَكْتَحِلَ عَيْنَاهُ بِمَرْأَى الأَنْهَارِ الْجَارِيَةِ ، وَلاَ بِالْجَدَاوِلِ الْفَيَّاضَةِ بِالْعَسَلِ وَالزُّبْدِ ، يَرُدُّ ثِمَارَ تَعَبِهِ وَلاَ يَبْلَعُهُ وَلاَ يَسْتَمْتِعُ بِكَسْبِ تِجَارَتِهِ ، لأَنَّهُ هَضَمَ حَقَّ الْفُقَرَاءِ وَخَذَلَهُمْ وَسَلَبَ بُيُوتاً لَمْ يَبْنِهَا.
وَإِذْ لاَ يَعْرِفُ طَمَعُهُ قَنَاعَةً ، فَإِنَّهُ لَنْ يَدَّخِرَ شَيْئاً يَسْتَمْتِعُ بِهِ . لَمْ يُبْقِ نَهَمُهُ عَلَى شَيْءٍ ، لِذَلِكَ لَنْ يَدُومَ خَيْرُهُ ، فِي وَفْرَةِ سِعَتِهِ يُصِيبُهُ الضَّنْكُ ، وَتَحُلُّ بِهِ أَقْسَى الْكَوَارِثِ ، وَعِنْدَمَا يَمْلأُ بَطْنَهُ يَنْفُثُ عَلَيْهِ اللهُ غَضَبَهُ الْحَارِقَ وَيُمْطِرُهُ عَلَيْهِ طَعَاماً لَهُ.
إِنْ فَرَّ مِنْ آلَةِ حَرْبٍ مِنْ حَدِيدٍ ، تَخْتَرِقْهُ قَوْسُ النُّحَاسِ اخْتَرَقَتْهُ عَمِيقاً وَخَرَجَتْ مِنْ جَسَدِهِ ، وَنَفَذَ حَدُّهَا اللاَّمِعُ مِنْ مَرَارَتِهِ ، وَحَلَّ بِهِ رُعْبٌ ، كُلُّ ظُلْمَةٍ تَتَرَبَّصُ بِذَخَائِرِهِ ، وَتَأْكُلُهُ نَارٌ لَمْ تُنْفَخْ ، وَتَلْتَهِمُ مَا بَقِيَ مِنْ خَيْمَتِهِ ، تَفْضَحُ السَّمَاوَاتُ إِثْمَهُ ، وَتَتَمَرَّدُ الأَرْضُ عَلَيْهِ ، تَفْنَى مُدَّخَرَاتُ بَيْتِهِ وَتحْتَرِقُ فِي يَوْمِ غَضَبِ الرَّبِّ ، هَذَا هُوَ الْمَصِيرُ الَّذِي يُعِدُّهُ اللهُ للأَشْرَارِ ، وَالْمِيرَاثُ الَّذِي كَتَبَهُ اللهُ لَهُمْ ﴾
ويحسب الجهال النبي يتكلم بأمثلة هنا وهو إنما يخبر عن غيب ما خبأ تعالى لهؤلاء الأشرار ومن لم يعلم بعد من له كل هذا التوصيف ، فليعلم أنها أمريكا قائدة الشر ومقدمة الهلاك واللعن للناس ، وسيمحقون بالعذاب ويكون طغيانهم خاتمة .
أقول لأبي أسامة : وأي أمر أكبر من نزول الله فوق جبل أحد المقدس ، حتى تقول بعد هذا : سيأتيكم خير ؟!
وتريد دلالتها عكسية كما فهم ذلك عنك فهما صحيحا .
وأي أمر بالتأويل أعظم بعد هذا ينسب لله عز وجل ولرسله ولدينه ؟!
أللهم إلا الإعتقاد برؤية الله تعالى المنصوص عليه بسورة القيامة ويقول حق تأويلها أن يروا مثاله وهم بالدنيا بعد قبل ما يخرجوا منها وهو ظاهر النص هناك قوله عز وجل : ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ . فيُمكن بعض عباده من مشاهدة مثاله عز وجل من فوق جبل أحد ، فكل من ينال شرف ذلك الرقي سينال شرف معاينة مثاله تبارك وتعالى ، وعليه وردت إشارة لذلك في الزبور قوله :
بل هناك أشد من هذا وأكثر ورد بعهدهم القديم ما يلي :
وإن عاينه بعض بني إسرائيل فما الذي يمنع آخر هذه الأمة المكرمة جدا من أن يعاينه بعضهم ، كذلك إن كلم الله تعالى بعض من سبق من بني إسرائيل وهم تلاميذ المسيح المتواضعون ، كلمهم وأوصاهم باطاعة مسيحه مختاره وحرصهم على اتباعه وهذا منصوص عليه في الانجيل الحق الصحيح المعلن للعالم من خلال موقعنا المبارك ، فما المانع أيضا كالرؤيا أن يكلم تعالى منتخبون من هذه الأمة مع مسيحه ومختاره المهدي وهم مختاروه للفوز العظيم ومن اجتبى وهدى ، وهو نازل لخلاصهم لا محالة كما نزل قبل لخلاص بني إسرائيل ، فمن آمن بذلك إنما اعتقد بما قرأه بكتابه القرآن وما وجده مما أنزل على السابقين ، والذي يمنع من ذلك هو المتحكم والمتقول ، كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم : ما كان شيء في بني اسرائيل وإلا وهو كائن فيكم . وفي رواية : في الخير والشر. وأقسم على ذلك عليه الصلاة والسلام .
قال تعالى : ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا (1) وَتَمَّتْ كَلِمَاتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ ﴾ .
مشارق الأرض ومغاربها يريد جزيرة العرب وقد سبق وتقرر وصولهم لساحل الخليج وتحديدا عند تلول كاظمة ومرجها المشهور ، وهناك كلم موسى وهناك أمره تعالى يصنع التابوت ولوحي العهد .
يؤكد تعالى في الخبر بالآيت تلك على توريثهم للجزيرة ولأن الأمر يعني المسلمون العلم به وأنه سبق وأورثهم كل تلك الحدود منها ، حتى أنهم أورثوا ما وراء النهر لكن لم يشير له لأن المقصود الأساس بيان أصل مستقرهم وتملكهم وهو الجزيرة العربية ومن كذب وزعم بعموم النص هذا فعدم وصولهم لأفريقيا يكذب ذلك واقعيا وتأريخيا ، كذلك مشارقها ما وراء البحر ، فهم لم يواجهوا المجوس ولا من وراء المجوس في بلاد الوثنية ، ولا رجعوا ليورثوا أرض مصر ، فكل ذلك لم يحصل فأين التوريث في مشارق الأرض ومغاربها لو كان المراد عموم ما قيل هنا ، إنما مراده توريثهم جزيرة العرب .
وأوروبا كذلك وتركيا خصوصا ، ولعل هذا سبب اغفاله تعالى ذكر ذلك مع مشارق الأرض ومغاربها ، بل هذا هو الحق والله لا ينطق ويخبر إلا بالحق ، فلو قال بالشمال فالشمال تملكوا طرفه من ناحية الجزيرة من وراء نهر الأردن لكن لم يتقدموا أكثر فلم يصلوا لتركيا وما ورائها أوروبا ، وربما بلاد ما بين النهرين لم يخوضوا غماره ولهذا اغفل ذكر الشمال جملة .
أما جزيرة العرب فكما أخبر تملكوها كلها اللهم ما عدى جنوبها وسيأتي الكلام في ذلك ، ولأن القرآن نزل على أهل الجزيرة فاقتضت حكمة الله تعالى اخبار أهلها عمن ملك أرضهم من قبل ، لهذا كان ذلك التفصيل والنص على أن بها كانت المباركة في السابق ، وعليه لما أخبر عنها أيضا في خبر انتقال نبيه سليمان من خلال الريح نص هناك على تلك المباركة لأنه كان يعني ذات المكان ، المدينة المقدسة المباركة وجبلها قدس الرب عز وجل ومختاره ليسكنها آخر الزمان كما فصل في ذلك جمهور الأنبياء .
وعليه يجب ينعقد قلب كل مؤمن على هذا الاعتقاد وتصديق ذلك التعيين وتيقن أن الله عز وجل ما كان يعني إلا أرض الجزيرة العربية خصوصا منها المدينة وجبل أحد ، حين حصر توريثهم لها ما بين مشارقها ومغاربها وأراد بالحصر حصرها كلها بتلك الصفة لأنها شبه جزيرة محدودة وحدها بما وصف تبارك وتعالى عالم الغيب والشهادة ، بالنسبة للتوريث .
أيضا لم يذكر جنوبها مثل أنه لم يذكر شمالها ، لأنهم لم يتملكوا اليمن وذلك الوصف بحسب تمركز تجوالهم وسط الجزيرة إلى ما دون جنوبها ، لمكان البيت الحرام والمدينة وجبلها المقدس ، ومشرقها لمرج كاظمة وتلولها وما وراء ذلك البحر وحد الأرض دونه ، فهذا المقصود من كل ذلك الوصف تحديدا فدخل ما بين الحدين ، ولا شمال ولا جنوب للسبب الذي بينت .
واليمن في الجنوب لا زالت بلاد شرك ووثنية إلى استسلامهم لسلطان النبي سليمان عليه الصلاة والسلام ، يعني لما طار صيته عليه الصلاة والسلام وعظم ملكه واشتهرت حكمته ، وخبر الريح التي كانت تحمله والطير تخدمه وعلم منطق كل شيء ، حينها فقط اليمن آمنت ، آمنت ولم يشر كاتب عهدهم الشيطاني لعبادتهم الشمس مثل ما ذكر ذلك الله عز وجل ، ولم يشر لا من قريب ولا بعيد لتركهم عبادة الشمس ولا لخبر الهدهد الذي قص ذكره الله عز وجل بكتابه ، لأنه الملعون الإبليسي لا يريد بيان نبذ الشرك ولا عبادة الله تعالى الواحد الذي لا شريك له ، بل لعله كره تركهم لعبادة الشمس والتوبة لله عز وجل على يدي نبيه الكريم سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام ، فلم يكن يعنيه ذلك ولا يهم يبقون على دينهم أو يتبعون ملة إبراهيم على يدي نبي كان من اليهود ، فصمته هنا عن قصة إيمان أهل اليمن وقصة الهدهد وقصة نقل الريح لسليمان اطلاقا لم يذكر ذلك ما يدل على أن الشيطان ذاك انتقائي ولا يريد بما خطت يداه ونقل عن أخبار الأنبياء وجه الله عز وجل ، بل وجه العجل ، بل هو من كان في جسد العجل له خوار ، فانتقل بعد السبي ليباشرهم بتلك الكتابات ويعجل بانحرافهم بالكلية من الدين الحق للباطل رسميا حتى ما يبقى منهم واحد على دين الأولين .
وكانوا في اليمن قبل النبي سليمان يعبدون الشمس ولا يدرون ما يجري من حولهم ولا مر يبدو عليهم ذكر موسى صلى الله عليه وسلم وآيات عمل الله تعالى من حولهم ولا كأنهم أحياء ولا كأنهم على وجه جزيرة واحدة موحدة أرضها وجرى فيها ما جرى من آيات عظيمة ، لقد كانت الشياطين تعزلهم عن الواقع وتفصلهم عن ذكر الله عز وجل وعبادتهم لعين الشمس حتى فضحهم الله بعين هدهد طيار ، طار لسليمان فأخبره قصتهم ، وما يدريكم لعلها اشارة لطير العصر الإنترنت فيعلم عنهم من خلاله رسوله المهدي .
وانا لنحمد الله تعالى ولو تأخرت مبادرتهم للإيمان أن جعل من خلفتهم المتأخرة من يعمل عكس ما عمل أسلافهم بأن بادروا وسبقوا الناس للإيمان بحق الله تعالى هذا ، والمقادير بيد الله تعالى يفعل كما يشاء المبارك .
وذلك الوصف والحصر بالمشارق والمغارب مؤداه لحقيقة تحقق تأويل الخلاصين الأول والثاني ومدى ارتباطهما ببعض وتشابههما ببعض .
أقول : وقيام تلك البراهين على هذا التعيين والتحديد يثبت صحة اعتقادنا وأصلنا الحق الصادق في هذه الدعوة بأن دخول بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر للجزيرة العربية ، فتلك الأرض التي وعد الرب عز وجل خليله إبراهيم أن يورثها لذريته من بعده فكانت خصوصية التوريث في هذا الكوكب للجزيرة العربية إلى طرفيها المذكورين ، وتأتي تلك الخصوصية لوجود البيت للرب الذي بناه وابنه اسماعيل عليهما الصلاة والسلام ، كذلك لارتباط ابنه اسماعيل بها ونشأت ذريته بالمكان الذي ترعرع به ، فتكون ذريته متملكة للأرض التي سيعيشون بها ، خصوصا والوعد والعهد من الله تعالى سيكون فيهم آخر الزمان مباركا كما في زمان بني إسرائيل وزيادة ، وإلا أين يريد الضلال العميان تحقق ذلك الوعد والعهد في استراليا ؟!
وكما اليهود سابقا حين عملوا وحرفوا ضد العهد باسماعيل وذريته وازالوه من دينهم وسجلاتهم ، يهود العرب اليوم بالمثل لا يريد لذلك العهد والميثاق أن يتحقق في جزيرتهم ، ولا يؤمنوا به ويكرهون ذكره اليوم ، تشابهت قلوبهم فلعنهم الله عز وجل كما لعن يهود ، فمن يعادي عهده ويناقض مواعيده للخليل ابراهيم بتمليك ذريته في الأرض فسيلعن من يفعل ذلك ويعمل ضده كما لعن يهود من قبل ، واليوم كما نرى المطلب والعمل لتملك آل طرطور كما كان من قبل العمل والمطلب لتملك آل يهود لا من أراد تعالى لهم التمكين لدينهم وأنفسهم كما اليوم يجري عمله تعالى لتمكين دينهم وأنفسهم ليؤمنوا ويعبدوا الله عز وجل بكل تقوى وبكل حرية ، لكن آل طرطور يريدونها لهم ولا يؤمنون بعهد الله ومواعيده ، ولا يريدون ذلك بل يكرهونه أشد الكره ويكرهون ذكره ولا يؤمنون به ، يأملون لملكهم إلى قيام الساعة ، وهو كذلك مشيئته تعالى لقيام الساعة حتى يزيلهم ويلعنهم مع أمريكا وليتهم للأبد لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك ، ويكون فضحهم فوق التصور ، وابادتهم فوق كل خيال ، ألا يكفيكم من الله عز وجل أن ادخر لهم جهنم يسربلون من قطرانها الذي لهثوا ورائه الليل والنهار ، وتضخمت منه كروشهم وعرضت متونهم وفشت منه سمنتهم ، ولبسوا أفخر الثياب في فتنته وسكنوا أعظم المنازل ، وركبوا أفخر المراكب ، نعم وربي سيسربلون من قطرانه وتختم خراطيم ، وتغشى وجوههم نيرانه ، وعد الله الحق الذي لا ريب فيه اليوم في قلوب أتباع الحق المؤمنون حقا وإيمانهم عجب لهذا وأمثاله .
كذلك أقول : الإيمان بهذا الحق وأن دخول اليهود مع موسى إنما كان لجزيرة العرب ، يثبت هذا كذب اليهود وتحريفهم في أن دخولهم إنما كان لصحراء سيناء المتعارف عليها الآن وقبل في مصر ، وهناك صحراء محدودة ولا مقارنة ما بين تلك الأرض وجزيرة العرب في عرضها وطولها ، إلا كما الفرق ما بين تقدير الله تبارك وتعالى وتلاعب وتحريف الشيطان الشاغب والمتطفل على أمر المبارك العظيم الحكيم ، ثم أي بركة تنص عليها تلك الآيات وجدت في صحراء سيناء ؟!
عكس الجزيرة ما حول المدينة فقد نص الأنبياء أنها ستعود كما كانت جنان مباركة كما كانت ، فلا عود لصحراء سيناء من ذاك المجهول ، لكن المدينة طيبة الخير والنور فعلم شأنها ومباركتها على ألسنة أشرف خلق الله تعالى أنبياءه ورسله ، فلعن الله تعالى المحرفة الكفرة ما أشد عداوتهم لدين الله تعالى ومواعيده التي أخبر ، يمكرون والله مبطل كيدهم ومكرهم .
إنه الحق والباطل ، الصدق والكذب ، فأيهما تختارون لدينكم وأمانتكم ؟
إنهم يكفرون جميعهم الآن بحقيقة وعد الله وعهده بتوريث المؤمنين الأرض ، لأنهم أضاعوا الأرض وكرهوا وعد الله تعالى أصلا من الأساس .
وأقول عودا على ذكر تلك الآية في تمليكهم مشارق الجزيرة ومغاربها : إن كان المقصود بالحسنى لبني إسرائيل المشاهدة فوعده لهذه الأمة بالزيادة بالحسنى لقوله عز وجل :
ومشهور تفسير بعض أئمة السلف للزيادة هنا أن المراد بذلك رؤيتهم الله عز وجل ، لكن هل طرى لهم على بال أن ذلك سيتحقق لهم وهم في الدنيا من فوق جبل أحد ؟!
ها أبو أسامة : أتاهم الخير الذي أخبرت وجتهم الزيادة ، فهل ستؤمن أم تبقى على كظامتك ؟!
وأعود لتقرير الكلام حول مسألة الرؤيا والتكليم قبل ما أدخل مباشرة للإجابة على كلام السائلة الكريمة حفظها الله تعالى (2) ، فأقول :
مثل ما بدأ الله تعالى الخلق أوجب على نفسه يعيده كما بدأ ، فهناك تكليم ومشاهدة ، وسيكون بالعود كذلك تكليم ومشاهدة هذا زيادة في تقريرنا على ما فات من أدلة ، يعني من حيث المعنى والعموم سيكون هذا الإستدلال والإحتجاج ، قال تعالى :
وتفاصيل ذلك الطرد ما قبله وما بعده معلومة لمن هداه الله تعالى وجمع له الدين والعقيدة ، فهناك أتى تعالى وكشف عن مثاله وسار حتى ينادي ( آدم آدم ) وآدم مختبئ والله أعلم أين مكانه لكنه رحيم حليم بعبده فيناديه وهو يعلم أين مكانه ، وقص في الانجيل المسيح صلى الله عليه وسلم تلك القصة وهي على النحو التالي :
فلما مالت الظهيرة إذا بالله قد ظهر لهما ونادى آدم قائلا :
( آدم أين أنت ) ؟ ـ بالنسخة المطبوعة هذا الإستفهام وهذا خطأ الأولى طرحها ! ـ .
فأجاب : ( يا رب تخبأت من حضرتك لأني وامرأتي عريانان فلذلك نستحي أن نتقدم أمامك ) .
فقال الله : ( ومن اغتصب منكما براءتكما إلا أن تكونا أكلتما الثمر فصرتما بسببه نجسين ، ولا يمكنكما أن تمكثا بعد في الجنة ) .
أجاب آدم : ( يا رب إن الزوجة التي أعطيتني طلبت مني أن آكل فأكلت منه ) .
حينئذ قال الله للمرأة : ( لماذا أعطيت طعاما كهذا لزوجك ) .
أجابت حواء : ( إن الشيطان خدعني فأكلت ) .
قال الله : ( كيف دخل ذلك الرجيم إلى هنا ) .
أجابت حواء : ( إن الحية التي تقف على الباب الشمالي من الجنة أحضرته إلى جانبي ) .
فقال الله لآدم : ( لتكن الأرض ملعونة بعملك لأنك أصغيت لصوت امرأتك وأكلت الثمر ، لتنبت لك حسكا وشوكا ، ولتأكل الخبز بعرق وجهك ، واذكر أنك تراب وإلى التراب تعود ) .
وكلم حواء قائلا : ( وأنت التي أصغيت للشيطان ، وأعطيت زوجك الطعام تلبثين تحت تسلط الرجل الذي يعاملك كأمة ، وتحملين الأولاد بالألم .
ولما دعا الحية دعا الملاك ميخائيل الذي يحمل سيف الله وقال : ( اطرد أولا من الجنة هذه الحية الخبيثة ، ومتى صارت خارجا فاقطع قوائمها ، فإذا أرادت أن تمشي يجب أن تزحف ) .
ثم نادى الله بعد ذلك الشيطان فأتى ضاحكـا فقال له :
( لأنك أيها الرجيم خدعت هذين وصيرتهما نجسين أريد أن تدخل في فمك كل نجاسة فيهما وفي كل أولادهما متى تابوا عنها وعبدوني حقا فخرجت منهم فتصير مكتظا بالنجاسة ) .
فجأر الشيطان حينئذ جأرا مخوفا وقال : ( لما كنت تريد أن تصيرني أردء ممـا أنا عليه فإني سأجعل نفسي كما أقدر أن أكون ) .
حينئذ قال الله : ( انصرف أيها اللعين من حضرتي ) ، فانصرف الشيطان .
ثم قال الله لآدم وحواء اللذين كانا ينتحبان : ( أخرجا من الجنة ، وجاهدا أبدانكما ولا يضعف رجاؤكما ، لأني أرسل ابنكما على كيفية يمكن بها لذريتكما أن ترفع سلطة الشيطان عن الجنس البشري ، لأني سأعطي رسولي الذي سيأتي كل شيء ، فاحتجب الله وطردهما الملاك ميخائيل من الفردوس ، فلما التفت آدم رأى مكتوبا فوق الباب : ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) فبكى عند ذلك وقال :
( أيها الابن عسى الله أن يريد أن تأتي سريعا وتخلصنا من هذا الشقاء ) .
قال يسوع : هكذا أخطأ الشيطان وآدم بسبب الكبرياء ، أما أحدهما فلأنه احتقر الإنسان ، وأما الآخر فلأنه أراد أن يجعل نفسه ندا لله اهـ .
كلمه حتى قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( كلمه قبلا ) . وردت موافقة المصطفى لما ورد بالانجيل فيما روى الطبراني عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله ، أرأيت آدم ، أنبيٌّ كان ؟ قال : " نعم ، كان نبياً رسولا ، كلمه اللهُ قُبُلا ، قال له : ﴿ يا آدم اسكُن أنت وزوجكَ الجنةَ ﴾.
وقبلا معناها : تُجاهه ، وهو اسم يكون ظرفاً .
قال في اللسان : يكون اسما وظرفا ، فإذا جعلته اسما رفعته ، وإن جعلته ظرفا نصبته اهـ . وهنا في الخبر منصوبا على ظرف المكان فانتبه .
وقال في التهذيب : والقُبْل إقبالك على الإنسان كأنك لا تريد غيره ، تقول : كيف انت لو أقبلت قُبْـلُك ؟.
وعليه نرى اتفاق المصطفى صلى الله عليه وسلم والمسيح في هذه الصفة لله عز وجل ، سبحان ربي ما أعظمه ، سبحان الله ما أقربه من عباده ، فعال لما يشاء ، من علم عظيم قداسته وجميل نزاهته ، أنها قريبة بعيدة عن الحواس المخلوقة في آن ، لتهب الرحمان خشية ورجاء .
أقول : وقبل تجلى لملائكته وآدم كتلة من طين وفي جملتهم كان الشيطان وأتباعه قبل ما يعلنون تمردهم على الرب عز وجل ويكشف الله تعالى سرائرهم ثم يطردهم .
هناك كان التجلي الرباني والنور العظيم يمشي على الأرض ويحادثهم جميعا من خلال مثاله وهو الصورة التي خلق عليها آدم عليه الصلاة والسلام ، حتى بعد ما نفخت الروح بآدم ، فقام وكلمه الله تعالى بتلك القصص التي ذكر الرحمان عز وجل في قصة خلق آدم .
ثم لما يتحقق وعده يعودون إليه بالمدينة ويعود الأمر كما بدأ تكليم وتجلي للمعاينة كما لآدم للمهدي والأشهاد ومن يجتبي الله عز وجل بعد ذلك من عباده ، فيرونه كما في الزبور : ﴿ أَشْبَعُ إِذَا اسْتَيْقَظْتُ بِشَبَهِكَ ﴾، أو في القرآن : ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ .
فما الذي أجاز ذلك بالبداية وسيمنعه بالنهاية ، وهاهم عباده بالنهاية سيأتون ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون وأنتم علمتم هذا الوعد لمن ومتى يكون مثل قوله تعالى :
﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
وعلمتم ما معنى الحسنى هنا ولمن ؟
أو قوله تعالى :
وسبق تقرير أن الرسل هنا هم من بعث للبشارة بأمر بعث المهدي والإنذار من مخالفته ، بعثوا من المشرق لإظهار أمره للعالم من خلال المرور على مشائخ في الجزيرة عينت لهم أسمائهم ، وتم ذلك .
أو قوله تعالى :
وفسرت البشرى بالرؤيا وهو أهلها ، فبالرؤيا بعث وبالرؤيا بشر وعلم وهدي ، ثم بعد بإلهام سره كما في الزبور صريحا في ذلك .
ولما كانت البداية مع آدم كما قلت اقتضت حكمة الرب يعود لمثل ذلك التجلي للحساب والفصل ، وتلك الرؤية لما كانت مخصوصة لمعنيين وليست هي لعموم البشر ، لم يعارض هذا التقدير قوله صلى الله عليه وسلم : ( اعلموا أنكم لن تروا ربكم ما لم تموتوا ) .
وهذا في العموم لكن يستثنى منه آخرهم للتأويل الذي قص ربنا ، فحين ذاك تكون أول منازل الآخرة في آخر منازل الدنيا حلقتي اتصال وفصل ، ولهذا يتوهم من سيجد بعض النصوص التي كان يحسب تأويلها لن يكون إلا بالآخرة وبعد يوم القيامة ، والحق أن تأويلها يوم القيامة وفي الدنيا وليس بعدها ففي الدنيا تقع الدينونة التي أخبر رسله ليعاقب الأشرار وهم بعد بالدنيا أولئك الأشرار الذين لم يكن مثلهم قبل قط وهكذا اراد تعالى لقدره أن يكون ولمجده أن يظهر ويختم تفاصيل خلقه على الأرض .
قال تعالى :
ربط ذكر علم الآخرة باعادة الخلق للكيفية التي بدأهم بها ، وأنه يعلم كل ذلك وهم لا يعلمون مثل ما أنهم لا يعلمون متى سيبعثون يريد لما يساقون إليه ليشهد عليهم مع رسله ، فهذا الرابط لكل ذلك ، بل هناك رابط سبق ذكره في سياق تلك الآيات من سورة النمل قوله تعالى :
وهنا يرجع بالأمر للنبوءة الأولى لآدم وقبل الملائكة ومعهم الشيطان وأتباعه ، بأن يجعل خليفة في الأرض وسيجيبهم عند اضطرارهم لرحمته وخلاصه ، فيكشف عنهم السوء ويديره على اعدائهم الكفار والمناقين ، ويجهل كل من يحسبها على العموم وأنها عامة في كل مضطر بل هذا كذب فنص الكلام هنا نبوءة منه تعالى عما سيقع على المؤمنين آخر الزمان فينهض قوته وجنده ليخلصهم من ضرهم حينئذ ويدير السوء على أعدائهم وينجيهم سبحانه ويبارك فيهم ، ويجعل من بينهم خليفته ورسوله المختار ، فهذا معنى كلامه هنا .
وستكون رجعة أمورهم كما بدأها في الخلق ، مشاهدة وتكليم ، وحسم مع كل الكفر وعلى رأسهم الشيطان فهو مذهبه الأول والأخير وسيقطعه تعالى عليهم جميعا .
وفي ذلك اليوم يدخلون بذلك في ابتداء تفاصيل الدينونة حين تقوم الساعة ختاما لآخر أيام الدنيا ومن بعد ذلك وبعد قبض أرواح المؤمنين ويبقى بعدهم بقية أولئك الأشرار بعد تلك الخواتيم ثم يهلكون كافة هؤلاء وتقبض أرواحهم كما قبضت أرواح المؤمنين كافة وينتهي الأمر .
ألم يفطن عميان القلوب كيف المؤمنون يقبضون جملة لا فرادا كما ثبت بذلك النص : تأتيهم ريح فتقبض أرواح المؤمنين ، فيبقى شرار الخلق يتهارجون كما تتهارج الحمر . لأن ذلك من أمور الآخرة التي نقص عليكم تفاصيل تأويلاتها ، ولهذا سيرون الله تعالى ويصاحبونه وسيكلمهم عز وجل ، ويأتيهم كما أتى آدم والملائكة ومعهم الشياطين قبل ، كما بدأوا يعودون ، لأنها النهاية وتلك كانت البداية ، فقدر تعود النهاية لما كان ابتدأه تعالى فيهم .
يتبين في هذه الآية أنهم حين يحشرون ليسربلوا وتغشى وجوههم النار وتسمهم الملائكة على الخراطيم ، ويحشرون زرقا لا يستطيعون النطق وأيضا وهم عميان كذلك ولا يستطيعون السجود ، وهذا مما يرجح أنهم نخبة من كل شعب أو أمة أو بلد أو طائفة ، وعليه فسر بعضهم أن خبره تعالى بوسم الخراطيم أي أعيانهم وقالوا :الخرطوم مقدم الوجه ، وهؤلاء بالمنزلة ذاتها من اقوامهم فوصفوا بذلك والله أعلم .
وقد سبق لي التفصيل في ذلك يراجع هامش الفصل السابع , وفي الفصل السابق الثامن تطرقت لتقرير فائدة عزيزة عن وجوب التفريق ما بين هذا الحشر الخاص والحشر العام الوارد ذكره في قوله تعالى : ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِر مِنْهُمْ أَحَدًا ﴾ وهذا لعموم البشر وليس هو الموضع الذي يحشر له الناس الحشر الخاص : ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ ، وهذا له موضع مختلف لا كما وهمت الأمة في ذلك على كتاب الله عز وجل فجعلت مخرج الآيتان بالإتحاد ، بل الحق أنه حشر خاص في الدنيا للمدينة ولأبواب جهنم التي ستفتح بين مكة والمدينة ، ليجزي المتقون بأحسن ما كانوا يعملون ، والكافرون لهم الخزي والسربال والختم على تلك الخراطيم يحشرون بكما عميا كما كانوا عن الحق ، زرق الوجوه لا يستطيعون السجود ، يسمعون الأًصوات ولا يرون ليكون ذلك أدعى لرعب قلوبهم واندهاش عقولهم وتشتت أحاسيسهم التي لطالما كانت منصرفة عن الحق واتباعه وتدبر بيناته .
ومن لم يؤلف ما بين القولين هنا ليفسر بعضه ببعض لا محالة سينسب التناقض والتضاد بين كلام الله عز وجل ، وهذا ليس حق ولا عدل فالله تبارك وتعالى لكل ما قاله مخرج مكان وزمان ولا تناقض فيما قال وأخبر بل التناقض للجهالة التي في رؤوس الخلق وغفلتهم عن ادراك الفرق ، وغباوتهم حين لم يوفقوا التوفيق الحق ما بين قوليه عز وجل .
ومما يؤيد ما ورد في القرآن عن الحشر الخاص وعليه تفسير الحق هذا الذي نطقت به ما في التوراة عن موسى صلى الله عليه وسلم قوله : ﴿ وَيَأْكُلُ سَيْفِي لَحْمًا بِدَمِ الْقَتْلَى .. وَمِنْ رُؤُوسِ قُوَّادِ الْعَدُوِّ ﴾ .
وفي الزبور قوله : ﴿ هو يستأصلُ رُوحَ الرؤساء وهو الرهيبُ عند مُلُوك الأرض ﴾ .
فأين تجدون تواترا على معنى غيبي كهذا التواتر ؟
فتآلفت دلالة تلك النصوص على أصل من أصول دعوتنا عظيم وهو القول بتأويل فتح أبواب جهنم آخر الزمان ليوم الدينونة ما بين مكة والمدينة بتلك النيران والأدخنة التي سيطلقها تعالى من أفواه تلك الجبال البركانية هناك .
وكان إيماننا واعتقادنا أن لذلك سيكون حشرا خاصا بآخر جيل الناس ، المؤمنون للجنان الموعودة بها جزيرة العرب آخر الزمان ، وتلك النيران والأبواب لنار جهنم السعير يحشر لها أهلها من رؤوس قواد العدو نخبة أشرار آخر الزمان .
وانظروا لمدى اضطراب من سيخالف وينكر وتبينوا مدى سذاجة اعتقادهم أن لا حشر بالدنيا إنما الحشر وعرض جهنم لا يكون إلا لكافة البشر من آدم لآخر بذرة من سلالته لا يختص بفوج وفوج دون الناس كافة ، بغير هذا لا يؤمنوا ولو حملوا كلام الله عز وجل على التناقض ، فتارة يخبر أنه لم يغادر منهم أحدا ، وتارة يخبر عن حشرة من كل أمة فوجا ، ومن جمع هذا على موطن واحد ومكان واحد وزمان واحد ، لا محالة عند كل عاقل مدرك واعي أنه نسب لكلام الله عز وحل وما أخبر عنه التضاد والتضارب ، وحاشاه تبارك وتعالى إنما التضاد كما قلت برؤوسهم فهم الباطل وكلام الله الحق وهو الحق لا يخرج منه إلا الحق .
وصدق تعالى في قوله :
أما في اعتقادنا فالأصل بذلك الحشر أنه ليس للبشر كافة ، بل هو مختص بالجيل الأخير وبأوناس منهم مختارون بعلم الله تعالى وارادته من القادة والرؤوس ، وعلى هذا كلاما للأنبياء متواتر أيضا كقوله في الزبور :
لِيُقَيِّدُوا مُلُوكَهُمْ بِالسَّلاَسِلِ وَشُرَفَاءَهُمْ بِأَغْلاَلٍ مِنْ حَدِيدٍ . لِيَتِمَّ فِيهِمْ حُكْمُ اللهِ الْمَكْتُوبُ ، فَيَكُونَ هَذَا تَكْرِيماً لِجَمِيعِ قِدِّيسِيهِ﴾
وقال اشعيا عليه الصلاة والسلام :
والمصطفى صلى الله عليه وسلم قال في ذلك : " ليغزون الهند لكم جيش يفتح الله عليهم حتى ياتوا بملوكهم مغللين بالسلاسل " .
وعنه : " يكون عليكم خليفة يؤتى بملوك الروم مصفدين في الحديد " .
وقال كعب الأحبار : ما أعلم جيشا أعظم أجرا من جيش يأتون الصين فيجيئون بملوك الصين وملوك العقبة في السلاسل .
وكان حقا قوله تعالى :
أقول : فكل تلك الأدلة وهذا التواتر مما يدل على أن أولئك المحشورون للمدينة أعيانا منهم ورؤوس ويدل عليه أيضا ما ذكر تعالى في آيات سورة القيامة قوله عز وجل :
بلغت النهاية ولمّا تبدأ الملائكة تصعدهم للمدينة للعرض على الأشهاد وفعل ما قص ذكره بهم ، حينها يتساءلون من سيرقى بهم إلى هناك ، لأنهم سيظنون وهم ذاهبون بهم أن قد حان الفراق ودخولهم جهنم والهلاك وأن لا رجعة ، وبالفعل قد يكون هذا باعتبار انهم مختارون من أولئك لأنهم أعيانهم كما أشرت بكلامي ، وأنهم مختارون للشر وستجرهم ملائكة العذاب ، وبالمقابل سيرقون ويأتون من كل مكان مختارون مرحومون وجوههم ستكون نضرة وإلى ربها ستكرم بالنظر لوجهه تعالى أعني مثاله ، أما ذاته المقدسة وحقيقة وجوده عند نفسه فذلك مما لا تحيط به الأبصار ولا يمكن رؤيته إنما الرؤية المعنية تقع على مثاله الذي خلق آدم على صورته ، هذا المقصود .
فانظروا كيف أنها الخواتيم ، يصعد هؤلاء كما يصعد أولئك ، هؤلاء للرحمة وأولئك للعذاب والخزي ، ثم هؤلاء تقبض أرواحهم جميعا ، وأولئك مثلهم تقبض أرواحهم جميعا ، ويكون بذلك الختم والنهاية ، ومثل هذا من شأن آخر الدنيا وليس هو مما شابه أمور الدنيا المعتادة ، ولهذا يجري الله تعالى هناك أحداثا يقرأ عنها ويحسبها الجهال مما تقع بعد موت كل البشر وليس بصحيح ، بل تلك كما قلت استثناء فهي آخر عمر الدنيا وبذات الوقت هي أول منازل الآخرة .
ولكل ذلك أحداثه الخاصة به ، كما أنهم بعد البعث العام من آدم لآخر أرواح أولئك الملعونين ، ستكون هناك أحداثا خاصة بتلك الفترة الزمنية ، لكن الناس مما اختلط عليهم الأمر والأنباء حتى ما يمكنهم يفرقوا ولا لأسرار الله تعالى يدركوا وهي أسرار وكيف لهم ادراك ذلك ، وهذا فيما لم يقال على سبيل الرمز والمجاز ، فكيف لو تخلل أكثر ذلك من الرمزيات التي أراد تعالى بها ما خفى عليهم علمه في حين ينجرون لظواهر الكلام هناك إلى حد التوهان الذي لا هدى بعده ، وسأضرب لكم مثالا على ذلك للعلاقة من سورة القيامة والتي سنحتاج لإيراد آيات منها هنا بجوابي هذا لبيان معنى المنفصل عن المتصل في سياقات آيات القرآن ، لكن الآن أريد الدلالة من قوله تعالى التالي على ما قلت بالنسبة لما الأصل يخفي العلم به الله تعالى إلا لمن اصطفى ، وما أراد اظهار معناه ودلالته ولا يخفيه ، قال عز وجل :
أولا : القيامة هي التي نتحدث عن علاماتها وقرب تحقق اعظمها وأكبرها حاليا خصوصا بما كشف من فتوحات مؤخرا في هذا الكتاب المبارك ، فكيف يمكن لأحد إدراك ما يقوله ، وهو في قيام القيامة والساعة ينتظر تغيرات بالكواكب والنجوم ، مثل هذا عمره ما يؤمن ما لم يجمع الله تعالى أمام ناظريه الشمس والقمر ، مع أن الله تعالى لا يريد ظاهر الكلام هنا ، بل يريد اجتماع النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بحفيده المهدي وهو ما صرح له وفق رؤيا مبشرة بكل جلاء ، ثم أتت البراهين لاحقا لتؤيد هذه المبشرة وتعزز ما ورد فيها ، وعليه سينتظر الجاهل اجتماع الشمس والقمر في السماء ثم إذا به وسط قيام أمر الله تعالى وإذا به كان من الغافلين اللاهين عن أمر الله تعالى وتصريف آياته هذا .
ثانيا : معنى برق البصر وانخساف القمر كذلك كلها معان رمز لها بظاهر الكلام هنا ولها حقائق وراء ظاهر تلك الألفاظ لا يمكن يدركها البشر ، وكيف يدرك البشر ذلك والذي قدر الله تعالى أن يدرك معانيها نهي عن أن يتكلم ويفصح عن حقيقتها فقال له :
ولو كان حقا الأمر على ظاهر ما قيل عن اجتماع الشمس والقمر وانخساف القمر لما كان هناك أي داع لنهيه عن تحريك لسانه بمعنى يخبر عن حقيقة تأويلها ، دعوا عنكم تفسير ابن عباس السخيف لهذا النهي بما قال ذاك بغرور ما يكاد ينتهي عن التقول على غيب الله تعالى وقوله بالقرآن بالرأي ، وغيره من كبار الصحابة ومن ؟ الصديق رضي الله عنهم لا يمكنهم يتقولون مثله ولهذا لم ينقل عنهم مثل ما قال في تلك الآيات ، إنما النهي لنبيه عن أن يفسر لهم ويكشف عما أخفاه تعالى وراء تلك الكلمات من أسرار ، بدليل أنه جعل ذلك من البيان ورده لنفسه ولنبيه تلاوته فقط أي يقرأه على الناس ولا يفسره ، ولو صدقوا بما فهموا لكان ما قاله لا يحتاج لأي تفسير ، الشمس تقترن بالكوكب القمر وقبل ذلك يخسف القمر .
لكن تعالوا معي لبيان الحقيقة من بعد تفسير اجتماع الشمس بالقمر أنه كناية عن عودة المصطفى الجد صلوات ربي وسلامه عليه ليجتمع بحفيده الذي مهد لرجعته ، ليتم ما قدر تعالى من قيام الأشهاد .
وكان يخبر تعالى قبل ذلك يكني بخسوف القمر التقاء المهدي بجده بالرؤيا كما أخبر النبي دانيال عليه الصلاة والسلام في رؤيا كيف سيكون بعث المهدي ورؤياه مشهورة معلومة لديكم .
فكان تعالى يكني عن ذلك بصدر سورة القيامة لأن أمره من أمر القيامة ، ولما كان حقيقة خسوف القمر وقوع جرمه تحت نور الشمس تجاه الأرض فيستتر على استقامة بينهما بالوسط فينشأ ذلك الإستتار لوجهه من أثرها عليه ، كان ذلك بحكمة الله اشارة بالظاهر لما هو باطن ويريد معناه التقاء النبي بحفيده بالمنام ، فكان ذلك الخسوف ، ولهذا قال معه ( وبرق البصر ) وهذا الوصف مع التفسير المعتبر من أقوال أهل العلم واللغة معبرا جدا عن حال المهدي التي أخبر عنها في الزبور ، وكتب الله عز وجل إذا تواطأت على معنى فلا محيد عن ذلك لمن اتقى وعلَّمه الله عز وجل ، فهناك نبوءة الكشف عن عين المهدي ليرى معجزات من شريعة الله تعالى ، وهذا ما أراد تعالى بالرمز ذاك كما في الزبور لكنه هناك شبه مصرح به .
قال القرطبي في تفسيره رحمه الله تعالى : وَقِيلَ : بَرَقَ يَبْرَق بِالْفَتْحِ : شَقَّ عَيْنَيْهِ وَفَتَحَهُمَا . قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة ; وَأَنْشَدَ قَوْل الْكِلابِيّ : لَمَّا أَتَانِي اِبْن عُمَيْر رَاغِبًا أَعْطَيْته عِيسًا صِهَابًا فَبَرَقَ أَيْ فَتَحَ عَيْنَيْهِ . وَقِيلَ : إِنَّ كَسْر الرَّاء وَفَتْحهَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى اهـ .
وهذا هو المعنى الصحيح لتلك الآيات ، ولا تغركم أقاويل الذين لا علم لهم بحقيقة الأمر ولا يعنيهم التأويل لا من بعيد ولا قريب .
ومستقرهم إليه يومئذ بالحشر للمدينة لتقام عليهم الشهادة فقال تعالى عن ذلك بتفاصيل في سورة القيامة :
فآخرتهم هو في يوم الفصل بينهم ، الآخرة التي وعد يحشر لها بني إسرائيل ، وهي احدى القضائين التي كتب الله تعالى عليهم ولو كان معهم العالم كله كما هو مذكور عن التوراة في القرآن ، وبالفعل العالم كله معهم اليوم إلا عباد الله المخلصين ، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه .
أما الوجوه الناضرة والناظرة فعلم شأنهم هم المقربون ، لكن هؤلاء الذين سيؤتى بهم وهم يخشون الفواقر ، والفاقرة قالوا بالتفاسير هي الحديدة المحماة على وجه البعير تقطع اللحم حتى تصل للعظم ليسلك فيه حلقة من حديد حتى يقاد فينقاد فتلك فاقرة ، وتلك سيما هؤلاء يومئذ ، فحين يستدعى ليرقى به للمدينة لمكان شهادة الله تعالى والاشهاد معه ، ثم يكون ممن استدعي حينها يخشى من كل ذلك من الفاقرة وهي ما بينت ومن غلبة ظنه أنه لا محالة سيفعل به ويفعل ، بل سيظن أن بها الفراق وأنه لن يرجع لأهله ولا ماله وبيته ، وأنه مذهوب به لجهنم بعد كل ذلك ، وها هي مفتحة أبوابها عليها ملائكة غلاظ شداد نسأله تعالى دوام الرحمة والنجاة من النيران :
وأختم الآن بسؤال ألا وهو : ما سر ارتباط تلك التفاصيل عن القيامة وعذابات جهنم وتلك العلامات كما في سورة طه بأن يوردها بعد ذكره لقصة موسى من ميلاده لخروجهم من مصر لما بعد ذلك إلى أن طرد الشيطان وهو متجلي بصورة السامري ثم قال تعالى :
كل ذلك السرد لقصة بني إسرائيل وموسى صلى الله عليه وسلم والسامري معهم ، ثم تأتي أخبار يوم القيامة بعد ذلك ، والمسلم والمؤمن عليه تيقن أي وضع من الله تعالى لآياته إلا يكون لحكمة ليس هناك ولا بأي مكان من أعماله وأقواله شيئا بعشوائية هذا مما تنزه عنه القدير الحكيم الخالق ، لا في أفعاله ولا أقواله ولا مقاديره للخلق قامت السماوات وما دون السماء القديمة والأرض وما في كل ذلك بمنتهى علمه وقدرته وعدله وحكمته وعظيم ميزانه تبارك وتعالى .
أقول : والسر في ذلك ارتباط ذكر بني إسرائيل بالخلاص الأخير لأنهما كما فصل في هذا الكتاب الجديد في مجد طيبة أن بينهما اقتران وتشابه ، أهل الخلاص الأول وأهل الخلاص الثاني ، كما فعل تماما في سورة الدخان حين اعقب بذكر بعث موسى لفرعون بعد ما أنهى ذكر أصحاب الدخان ورسوله ، ولما كان هنا التعلق مباشر بينهما بعلمه أتى بذكر القيامة بعد كل ذلك لتعلق ذلك بالخلاص الأخير أيضا .
وقوله تعالى ( آتيناك من لدنا ذكرا ) يريد ما قررت ذكره عن بني إسرائيل وعن الخلق كلهم يوم الفصل يوم مجيء الآخرة ، ولهذا توعد أن من أعرض عنه فإنه سيأتي يوم القيامة بمصير لا يسر ، ولو كان قصصهم ذاك مجرد قصص لا علاقة له بالذكر ويوم القيامة يوم الدينونة يوم الفصل حين يأتي ليدين اليهود وعباد الصلبان معهم وكل العالم الشرير اليوم لما قال متوعدا بالقيامة ، وإنما صح تعلق هذا بذاك بأصول هذه الإعتقاد وهذا الحق ، لا أن قصصهم مجرد قصص كقصص قوم شعيب أو صالح أو نوح وغيرهم صلوات ربي على رسلهم ، بل للعلاقة بالاجتباء ما بين قوم موسى ومن سيجتبى من هذه الأمة في آخر عصرها فيكون لهم مثل ما كان في ذلك الخلاص الأول ، لهذا ترون ارتبط ذلك بالنفخة والحشر والمراد حشر المؤمنين للنجاة في المدينة وحشر رؤوس الكفر والنفاق للخزي وتقوم عليهم الشهادة ، مع تفاصيل متنوعة منها ما يكون أول القيامة ومنها ما يكون بعد وقت ومنها لآخرها ومنه لنهايتها ، أعني أنها لا تأتي جملة ولا يمكن ، بل وقوعها بآخر عمر الدنيا فتتصل لأول منازل أو مراتب القيامة بعد البعث العام للبشر من الموت ، وتلك تراتيب بديهية مثل تراتيب قصص بني إسرائيل التي قصها تعالى لرسوله ولمن آمن به واتبعه على دينه ، كلها لم تكن بفترة زمنية واحدة بل متصلة على تفاوت شيء يقع بعد شيء وشيء بعيد الوقوع عن شيء ، مثل ميلاده عن طرد السامري وهكذا قيسوا واستوعبوا المعنى .
وأقصد تخافتهم بالسؤال عن كم مدة مكثهم أهل النار ، لا علاقة له بالسؤال عن نسف الجبال ولا علاقة له بما ذكر قبله ، ويسمون هذا أهل التفسير من أهل العلم المنفصل ، مثل ما مر معكم بآيات سورة القيامة حين فصل عن قيام الساعة ثم انفصل السياق بالظاهر وإلا باعتقادنا لا فصل للعلاقة لكن ظاهر الكلام أن الفصل تم للكلام والمعنى ما بين تفاصيل القيامة وبين نهيه تعالى عن تحريك لسانه النبي بذلك القرآن الذي تلي عليه وعلمه ، بمعنى لا يجوز له ممنوع عليه تفسيره للناس هذا معنى النهي كما ذكرت قبل فكان في الظاهر لا اتصال لكن للنهي للمعنى الذي ذكرته كان الإتصال جار لم ينفصل .
وقريب منه هنا بسياق الآيات من سورة طه ما بين النفخ في الصور وحشر أهل النار ، ثم ينتقل الكلام لجواب ما سئل عنه من حال الجبال ، وهذا لا ارتباط له مباشر بتساءل أهل النار عن مدة مكثهم في الحياة الدنيا حياتهم السابقة الآمنة ولا علاقة بتاتا بموقفهم ذاك فهذا لفترة غير تلك ولا ترابط بينهما ، بمعنى موقف أهل النار وهم بالدنيا لا علاقة له بنسف الجبال ، فالجبال حين تنسف لن يكون على وجهها مخلوق ، فكيف يلتبس هذا بهذا ، أو يكون وقوع هذا شرطا لوقوع هذا ؟!
وهو نسف عام لا يكون وللبشر وجود ، وهو خلاف النسف المذكور في سورة المرسلات فذاك خاص لمعنى بيناه في الفصل الثامن السابق .
ويوم تزرق وجوه أهل النار أول ما يأتونها بآخر عمر الدنيا للفصل واقامة الشهادة لا علاقة لهذا التأويل بتبدلات كونية كبيرة كنسف الجبال ودكها وقيسوا على ذلك .
والافتراء والجهل والتقول على الله تعالى حين يمنع مثل هذا أن يحصل وجيل الأشرار لا زالوا بالدنيا ، ويشترط لا يكون هذا إلا بعد بعث كل الخلائق للحساب بعد الموت ، وهذا جهل وضلال على غيب الله تعالى .
وهذا ولو كان بينا ويدركه أهل العلم والإختصاص أعني متى الخطاب يكون متصلا أو منفصلا ، إلا أن الضلال أطبق والعقل لا زال بانحدار في غياهب الجهل ، فصرف اليوم الناس بسبب تلك الأفهام التائهة في تراتيب القرآن وعدم التمييز من الكثير ما بين المتصل بالمعنى والمنفصل عنه ، حتى منعوا وصرفوا عن الإيمان بالقيامة في الآخرة للحساب والشهادة ، ولا ينتظرون لليقين بها وهي آتية لهم قبل حصول كل ما يظنونه ، فهم لن يؤمنوا ما لم يروا اجتماع الشمس والقمر ونسف الجبال ومد الأرض حتى ما يرى لها عوجا ولا أمتا ، وقيسوا على ذلك مما يثبت كيف الله تعالى لما نهى نبيه عن التفسير أنه يريد يسلكه في قلوب المجرمين فلا يؤمنوا به حتى يروا العذاب الأليم ، فسبحان الفعال لما يريد .
قال القرطبي : رَوَى عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : " وَالْتَفَّتْ السَّاق بِالسَّاقِ " قَالَ : آخِر يَوْم مِنْ الدُّنْيَا وَأَوَّل يَوْم مِنْ الآخِرَة , فَتَلْتَقِي الشِّدَّة بِالشِّدَّةِ إِلا مَنْ رَحِمَهُ اللَّه ; أَيْ شِدَّة كَرْب الْمَوْت بِشِدَّةِ هَوْل الْمَطْلَع ; وَالدَّلِيل عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى : " إِلَى رَبّك يَوْمئِذٍ الْمَسَاق " وَقَالَ مُجَاهِد : بَلاء بِبَلاءٍ . يَقُول : تَتَابَعَتْ عَلَيْهِ الشَّدَائِد .
وَقَالَ الضَّحَّاك وَابْن زَيْد : َالْعَرَب لا تَذْكُر السَّاقَ إِلا فِي الْمِحَن وَالشَّدَائِد الْعِظَام ; وَمِنْهُ قَوْلهمْ : قَامَتْ الدُّنْيَا عَلَى سَاق , وَقَامَتْ الْحَرْب عَلَى سَاق . قَالَ الشَّاعِر : وَقَامَتْ الْحَرْب بِنَا عَلَى سَاق اهـ .
بمناسبة ذكر الساق هنا في آيات سورة القيامة وما نقله القرطبي في تفسير معناها ، تعين التعليق على ذكرها هنا لما لهم من خلط في تفسيرها بكلا الموضعين سواء التي في سورة القيامة أو التي وردت في سورة القمر ، وأشد ما هنالك من خلط من أئمة السلف والحديث حين أحالوا التي في سورة القمر إلى باب صفات ذات الله عز وجل وأتوا هناك بما يدل على جهلهم وشديد ضلالهم حين حملوها على صفة لذات الله عز وجل التي قالوا أنه لا تدركها الأبصار ، فانطمت عقولهم عن الحق فيما قالوا وأكثروا في ذلك بما يؤسف له جدا وينم عن ضلال مبين في اثباتهم وجودا للرب عز وجل يحد بساقين يكشف عن احداهما ولا يدرون عن الأخرى ما يكون من شأنها ، وهذا ضلال مبين في العلم بحقيقة الرب عز وجل من قبل هؤلاء الذين لا زالوا يحسبون أنفسهم بلغوا من العلم كل شيء حتى أنهم تفرغوا للخوض في ذات الله بكل ذلك الضلال ، وملأوا الصحائف بما لو امسكوا عن أكثره لكان خير لهم .
والساق هنا لا هي بسيقان الموتى كما قال ابن عباس وتلميذه ، ولا هي في الأخرى صفة لله عز وجل ، بل المراد ساق حرب وشدة يكشف عنها كفرة العالم ومنافقوا الملة ضد المسلمين في كل مكان ، وحينها يكشف تعالى عن ساق حربه لما كشفوا عن ساقهم تلك ، لأنه يعلم وقدر تعالى أن لا مخلص يومها إلا هو ، وأنه نازل لخلاص المؤمنين من ذلك البلاء والشر العظيم ، فقابل الساق بالساق وإليه يومئذ سيكون المساق كما فصلت بهذا الكتاب لأبواب جهنم مفتحة ما بين مكة والمدينة المقدسة ، فالكفار سيجدون الخزي والمهانة وتسويد الوجوه ، والمؤمنون سيجدون الرحمة والفوز العظيم بقرب رب رحيم غفور ينتصر من الظالم وحين يأخذه لا يفلته ، وعليه قال تبارك وتعالى :
ولنفيه تعالى لتلك المثلية قال مؤكدا على أن ليس لهم منه عهد بأن لا يتدخل ويقطع طريقهم وحربهم تلك ، لا في كتاب ولا أيمان إلى يوم القيامة ، بما يعني تدخله المقدر عليهم في يوم القيامة :
وقال في خبر تلك الساق وما دارها نبي الله تعالى اشعيا الذي نبأه الله تعالى عن تلك الخواتيم بروح قوية فقال :
فَالآنَ اسْمَعِي هَذَا أَيَّتُهَا الْمُتَرَفِّهَةُ الْمُتَنَعِّمَةُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، الْقَائِلَةُ فِي قَلْبِهَا: أَنَا وَحْدِي وَلَيْسَ هُنَاكَ غَيْرِي ، لَنْ أَعْرِفَ التَّرَمُّلَ وَلَنْ أُثْكَلَ لِذَلِكَ سَتُبْتَلِينَ بِكِلاَ الأَمْرَيْنِ مَعاً فِي لَحْظَةٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، إِذْ تُثْكَلِينَ وَتَتَرَمَّلِينَ حَتَّى النِّهَايَةِ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ كَثْرَةِ سِحْرِكِ وَقُوَّةِ رُقَاكِ ، قَدْ تَوَلَّتْكِ طُمَأْنِينَةٌ فِي شَرِّكِ ، وَقُلْتِ : لاَ يَرَانِي أَحَدٌ وَلَكِنَّ حِكْمَتَكِ وَمَعْرِفَتَكِ أَضَلاَّكِ ، فَقُلْتِ فِي نَفْسِكِ: أَنَا وَحْدِي ، وَلَيْسَ هُنَاكَ غَيْرِي . سَيَدْهَمُكِ شَرٌّ لاَ تَدْرِينَ كَيْفَ تَدْفَعِينَهُ عَنْكِ ، وَتُبَاغِتُكِ دَاهِيَةٌ تَعْجَزِينَ عَنِ التَّكْفِيرِ عَنْهَا ، وَيُفَاجِئُكِ خَرَابٌ لاَ تَتَوَقَّعِينَهُ .
تَشَبَّثِي بِرُقَاكِ وَكَثْرَةِ سِحْرِكِ الَّتِي تَعِبْتِ فِيهَا مُنْذُ صِبَاكِ ، فَقَدْ يُحَالِفُكِ النَّجَاحُ أَوْ تُثِيرِينَ الرُّعْبَ . لَقَدْ ضَعُفْتِ مِنْ كَثْرَةِ طَلَبِ الْمَشُورَةِ ، فَادْعِي الْمُنَجِّمِينَ وَالْفَلَكِيِّينَ لِيَكْشِفُوا لَكِ طَوَالِعَ الْمُسْتَقْبَلِ وَيُنْقِذُوكِ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْكِ ﴾
تعبر الأنهار لأن أرضها ما وراء المياه خلف أرض كوش أي أفريقيا ، واذكروا هنا جيدا الأرض التي تتخللها الأنهار وذلك المقال عنها المنشور في موقعنا المبارك تحت عنوان ( تمعنوا في خريطة تلك الأرض بالجهة اليسار ، ماذا تشبه ؟ ) .
وفي ذلك المقال نقل قول النبي اشعيا أيضا فيها قوله التالي :
وإليكم صورة لخارطتها فما أدراه النبي اشعيا عن شكلها هذا لو ماهو وحي الله عز وجل ونبأه عن أمريكا من الغيب الذي أطلعه الله تعالى عليه ، وما عرفوا شكلها كما وصف النبي بنبوءته تلك الا من بعد اقمارهم الصناعية وتصويرهم للأرض من الفضاء ، حينها فقط علموا حقا أن لها شكل جناحي طائر بالفعل .

وها هي مياه المحيط تعزلها عن أفريقيا ، وليس هذا فقط بل قد تفوتكم كلمته ( بِرُقَاكِ وَكَثْرَةِ سِحْرِكِ الَّتِي تَعِبْتِ فِيهَا مُنْذُ صِبَاكِ ) وقوله عنهم في نبوءة أخرى : ( فَمُنْذُ الْقِدَمِ لَمْ تَنْفَتِحْ أُذُنَاكَ ، لأَنِّي عَرَفْتُ أَنَّكَ تَتَصَرَّفُ بِغَدْرٍ ،وَمُنْذُ مَوْلِدِكَ دُعِيتَ مُتَمَرِّداً ) .
وأنا أتحدي أي أحد يأتيني بهذا مطابقا لمثل شعب الإنجليز أو الألمان أو أي شعب غيرهم ممن لم يعرف لهم ابتداء نشأة ، مثل هؤلاء دون الخلق كلهم لهم ابتداء فحديثا نشأت أمريكا بالنسبة لعمر الأرض وتأريخ الشعوب ، حديثا نشأت بعد ما بقوا تحك قلوبهم النبوءات عنها وأين هي تكون تلك التي نبأنا عنها الكتاب المقدس ، إلى أن تبرعت عجائز اليهود في اسبانيا ومولت حملة كلنبوس الاستكشافية ، ويراهم العالم في فضول غريب وبالباطن إنما يبحثون عن أمريكا لنبوءات أعلمها أنا وليس هنا السياق المناسب لذكرها فنحن في أهم هنا ، ألسنا مع ساق امريكا حين تعبر المياه تلك لتعبث في الشعوب وأراضي الشعوب وتندس مثل الحية لتلدغ هذا وتترك هذا ، وتحيك من المؤامرات على الرب عز وجل ومواعيده وهو يعلم بمكرهم واعد لهم شرك الحرب والإبادة وهم لا يشعرون .
كشفت عن ساقها وكشف هو عن ساق حربه وهم لا يعلمون ، ويلهم النار موعدهم ، جهنم ستفتح أبوابها لهم ويل لهم من العذاب والخزي الذي ينتظرهم وينتظر كل كلابها وقحابها ومخنثيها ، وكل خبيث علق بذنبها .
ولا تأتوني بمن شابهم كنيوزلندا أو استراليا ، فأولئك من جنسهم لكنها هي اختصت بالذكر لجبروتها وتسلطها وكلهم اليوم تبعا لها ، إنها عكازة يهود ينخسون بها الناس ، وقوم اعتادوا على الحصون والتخفي وراء الستائر ، من الطبيعي أن يعملوا على انشاء ذلك السد الحصين ومن ورائه يحكمون الأرض .
فقول النبي هنا : ﴿ وَاكْشِفِي عَنِ السَّاقِ ﴾. مثل قوله تعالى : ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ﴾ . وقوله تعالى : ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ . كل ذلك في المعنى سواء ، فحين يوقنون الأمر ويريدون السجود للذي ما عرفوه قط في أديانهم لا عباد الصليب ولا اليهود حتى ، لقد كرهم الشيطان وأبعدهم عن السجود لله حتى وهم مشركون مع ثبوت النصوص الكثيرة في عهدهم المقدس كما يزعموم عن سجود الأخيار والأنبياء هناك ، لكن لما كان كاتب عهدهم الشيطان ولم يطرده من رحمة الله عز وجل إلا رفضه تلك السجدة كان حتما يدعو أتباعه ويحثهم على ترك أي سجود بالجبهة على الأرض ، لأنه مهما كانت النوايا إلا أن تلك الهيئة مرفوضة عنده في مذهبه لعلمه بشأنها ، وعليه لما كان كل هؤلاء أتباعا له كان نسخ لهم حكم السجود من العبادات فصارت تلك الحركة السخيفة في اليهودية وكأنهم يعاشرون الجدار ، وفي عباد الصليب وقوفا أو وهم يجثون على الركب ، المهم لا سجود ، وكما قال العرب ( البعرة تدل على البعير ، والأثر يدل على المسير ) .
ومن عدل الله عز وجل لما يوقنون الأمر هذا ويعلمون حقه من الله عز وجل ، وحينها يريدون التوسل بالسجود ، فمن عدله تبارك وتعالى أن يمنعهم : ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ، خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ، فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ، وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ .
وهذه حقيقة الساق فلا عليكم لا من سلف ولا خلف واضربوا بعرض الحائط اثبات ذلك صفة لله تعالى فكل هذا بذات المعنى والمراد خلاف ما ذهبوا إليه بخصوص قوله تعالى : ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ﴾ ، إنما هي ساق الحرب التي كشفت عنها أمريكا ، وسيكشف بالمقابل ربنا الجبار عن ساق حربه ، وستلتف حينها الساق بالساق ثم إلى ربهم المساق لأبواب جهنم ما بين مكة والمدينة .
...............
(1) كان نص استفسارها التالي : اجماع الأمة على أن النفخ في الصور ليوم القيامة الكبرى هنا ، والحشر مثل ذلك ، فأتى هذا الإعتقاد نسف كل ذلك ، ولا بد مما لا بد منه بقية ما ترسخ من اعتقاد أمتنا فينا ، لو شرح معنى هذه الآية أكثر لتزول عن بعض القلوب مثل تلك الرواسب جزاكم الله خيرا اهـ .
(2) راجع الفصل الخامس من هذا الكتاب ( بركات الله تعالى لطيبة وللمؤمنين وسط الأنهر والجنان هناك ) وهذا أحد أوجه أدلة ثلاثة للبركة في المدينة احدها مع ذكر نقل الريح لسليمان النبي صلى الله عليه وسلم ، والثاني مع هجرة ابراهيم الخليل وابن أخيه لوط عليهما الصلاة والسلام ، والوجه الثالث المذكور هنا .