باشان والزيتون وأحد جبل الله المقدس
بعد ماتم عبور بني اسرائيل البحر الأحمر لجزيرة العرب وقبل ما يتم لهم الإستيلاء على جبل أحد وتملك مدينة الجبل مدينة السلام طيبة الخير والنور ، بحسب سرد كاتب العهد القديم الشيطاني ومرورنا من خلال تسمياته العديدة للبقاع وآبار المياه وما شابه ، حتى إبراهيم كان اسمه أبرام فسماه الله عز وجل بدعواه إبراهيم .
ومن أول ما أفصح عنه ذلك الكاتب مرور بني إسرائيل على أرض أدوم بعد ما جازوا بحر " سوف " ووصلوا لجبل هور في أدوم ، وسيمر مع القارئ لعهدهم قصة دفن هارون في ذلك الجبل ، طبعا لم يعثر لهارون على قبر وإلا لكان من أكبر وأعظم المزارات الآن ولثبت معلما لا ينسى في اليهودية ، لكن الله تعالى أخفى عنهم أن له قبر مثل ما أخفى أن لموسى عليهما الصلاة والسلام قبر هو الآخر فيما بعد وفي ذلك قوله عز وجل : ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً ، أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً ﴾ .
أخفى أن لهما قبور لحكمة اكتتابهما من الله عز وجل للإشهاد ليرجعا مع إخوانهم من الأنبياء الذين اصطفاهم الله عز وجل لذلك الأمر الجلل ، ذلك اليوم الذي كثيرا ما وصفه تعالى بعلامات ببيناته يمر الناس عليها يتلونها بكتابه من غير أن يدركوا حقيقة تأويله ومتى يكون ، مثل قوله عز وجل التالي في سورة المرسلات :
أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ ، فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ، إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ ، فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ، أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً ، أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً ، وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتاً ، وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ، انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ، انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ ، لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ، إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ، كَأَنَّهُ جِمَالاتٌ صُفْرٌ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ، هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ ، وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ، هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ ، فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ ، وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ، كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ، فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾
قدم تعالى ذكر طمس النجوم وانفراج السماء ونسف الجبال على التوقيت للرسل وتأجيلها ، لأن كل ذلك مما يكون قبل مجيء أولئك الرسل للشهادة ، وهي علامات وقوع يوم الفصل ولما يقع يوم الفصل يأتي بهم تعالى ولهذا قدم تحقق تأويل تلك العلامات بالذكر على مجيئ الأشهاد المشار إليه بتوقيتهم له وتأجيلهم إليه .
وهذه الآيات من أعظم ما فصل تعالى عن ذلك اليوم حين تحشد رؤوس المجرمين للخزي والشهادة الربانية عليهم مع عبيده ورسله المنتخبين للمقام العظيم الأشرف في ذلك اليوم ، فيشهد كل رسول على قومه ، في ذلك اليوم يحشر رؤوس المجرمين ما بين مكة وطيبة الخير والسلام ثم يقدموا للشهادة عليهم ، وكما للمؤمنين طريقا مقدسا طريق سلام وفوز لا يدخله غيرهم وقد سبق وفصلت في ذكره في الفصل السابق عن لسان النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام ، كذلك هنا معنا من آيات سورة الصافات ذكر تلك الشعب الثلاث وهي السبل والطرق لأولئك المرتقى بهم من رؤوس الكفر والشر للفضح والختم على الخراطيم وللسربلة بقطران تلك الجبال البركانية ، فيحشدون من آفاق الأرض لذلك الموقف الرهيب تحت ظلال تلك الأدخنة البركانية التي لا تغني عن اللهب يوم تغشى وجوههم النار في ذلك الموقف الرهيب ، وهم وسائر الخلق من الأشرار في حال رهيب مزري القريبون أولئك المحشورون لقرب أبواب الجحيم لا تغنيهم تلك الظلال من حرارة الجحيم لقربهم منها ، ولا من بعد من الأشرار في ديارهم لا يغنيهم أي ظل من حر الشمس التي ستتقد فتحرق وجه الأرض وقد بدأت ارهاصات ذلك من الآن بجلب الحرارة على كوكب الأرض فتتبعثر الأنظمة التي كانوا اعتادوا عليها خصوصا بتلك الدول الكافرة شعوبها وأكثرها مما لم يدعى اسم الله عليهم ولم ينتسبوا لملته ولا يوم .
فكل أولئك سيكون عليهم الحر بلا وقاية وسيفارقوا أيام السلام وتلك اللحظات التي متعهم الله تعالى بها لحين ، لحين يقوم في ذاك اليوم فلا يكون وقاية إلا ظله تبارك وتعالى بالمدينة يوم لا ظل إلا ظله ، وسائر الكفار والأشرار تحت ذلك العذاب وتلك الحرارة المتقدة ومعهم الذين لم يكونوا يصلون ولا يركعون لله عز وجل مع سائر من أطاع الشيطان واتبعه ، ولم يتبع الله ورسله ويطلبون رضوانه تبارك وتعالى .
﴿ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ غُصْنُ الرَّبِّ بَهَاءً وَمَجْدًا ، وَثَمَرُ الأَرْضِ فَخْرًا وَزِينَةً لِلنَّاجِينَ مِنْ عبادي ، وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي يَبْقَى فِي طيبة وَالَّذِي يُتْرَكُ فِيها يُسَمَّى قُدُّوسًا كُلُّ مَنْ كُتِبَ لِلْحَيَاةِ فِي المدينة ..
يَخْلُقُ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَكَانٍ مِنْ جَبَلِهاَ وَعَلَى مَحْفَلِهَا سَحَابَةً نَهَارًا ، وَدُخَانًا وَلَمَعَانَ نَارٍ مُلْتَهِبَةٍ لَيْلاً ، لأَنَّ عَلَى كُلِّ مَجْدٍ غِطَاءً ، وَتَكُونُ مِظَلَّةٌ لِلْفَيْءِ نَهَارًا مِنَ الْحَرِّ ، وَلِمَلْجَأٍ وَلِمَخْبَأٍ مِنَ السَّيْلِ وَمِنَ الْمَطَرِ ﴾ " اشعيا عليه الصلاة والسلام "
﴿ لأَنَّكَ كُنْتَ حِصْنًا لِلْمِسْكِينِ ، حِصْنًا لِلْبَائِسِ فِي ضِيقِهِ ، مَلْجَأً مِنَ السَّيْلِ ، ظِّلاً مِنَ الْحَرِّ ﴾ " اشعيا عليه الصلاة والسلام "
﴿ مُبَارَكٌ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى الرَّبِّ ، وَيَتَّخِذُهُ مُعْتَمَداً لَهُ ، فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ الْمِيَاه ِ، تَمُدُّ جُذُورَهَا إِلَى الْجَدْوَلِ ، وَلاَ تَخْشَى اشْتِدَادَ الْحَرِّ الْمُقْبِلِ ، إِذْ تَظَلُّ أَوْرَاقُهَا خَضْرَاءَ ، وَلاَ يُفْزِعُهَا الْقَحْطُ لأَنَّهَا لاَ تَكُفُّ عَنِ الإِثْمَارِ﴾ " ارميا عليه الصلاة والسلام "
هذا في الناجين ويقول عن الهالكين :
﴿ وَيَكُونُ مِثْلَ الْعَرْعَرِ فِي الْبَادِيَةِ ، وَلاَ يَرَى إِذَا جَاءَ الْخَيْرُ ، بَلْ يَسْكُنُ الْحَرَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ ، أَرْضًا سَبِخَةً وَغَيْرَ مَسْكُونَة﴾ " ارميا عليه الصلاة والسلام "
وسبق لي في الفصل الرابع نقل كلام الأنبياء في خبر تلك الأدخنة والظلل وسيأتي مزيد تفصيل في ذلك آخر هذا الفصل أبين فيه علاقة ذلك بقوله تعالى في آية سورة المرسلات عن طمس النجوم يومئذ . ومما قاله الأنبياء حول ذلك قول النبي عاموس صلى الله عليه وسلم :
﴿ أَلَيْسَ يَوْمُ الرَّبِّ ظَلاَمًا لاَ نُورًا ، وَقَتَامًا وَلاَ نُورَ لَهُ ؟ ﴾
وقول النبي يوئيل عليه الصلاة والسلام :
وزكريا عليه الصلاة والسلام قال فيه :
وقال :
وقال النبي دانيال عليه الصلاة والسلام عن ذلك اليوم المجيد :
نَهْرُ نَارٍ جَرَى وَخَرَجَ مِنْ قُدَّامِهِ أُلُوفُ أُلُوفٍ تَخْدِمُهُ ، وَرَبَوَاتُ رَبَوَاتٍ وُقُوفٌ قُدَّامَهُ ، فَجَلَسَ الدِّينُ ، وَفُتِحَتِ الأَسْفَارُ﴾
يوم تنسف الجبال بمعنى تتفجر عن تلك الحمم ولا يعني ذلك زوالها بالكلية وسيأتي معنا لاحقا شرح معنى النسف وما المقصود به بتلك الآيات وهو نسف خاص وأما العام فذاك شأن آخر وسيتم ايضاح ذلك لاحقا .
وتتفتح هناك أبواب الجحيم وتثور النار وتسيل الحمم وتقذف بشرر كالقصر ويخرج ذلك الدخان ذو الثلاث شعب لحشد رؤوس الكفر والطغيان يسربلون وهم لا ينطقون بكما ، زرق الوجوه مختومة خراطيمهم ، يساقون بالسلاسل يقيدون بالحديد : ﴿ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ، هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ ﴾.
أي جمعهم بالأنبياء السابقين الذين اكتتبوا لمقام الشهادة ولهذا أتى كل ذلك التفصيل عن ذلك اليوم العظيم الفصل بعد ذكره للتوقيت لأولئك الأنبياء الرسل ليقوموا معه جل جلاله في ذلك المقام العظيم الرهيب مقام الشهادة .
واجتهد ابن عباس يفسر المعنى بهذه الآية ولم يأت بشيء إنما على طريقتهم تحريف المعنى وقصره على ما يعلمون دون ما يعلم الله عز وجل ويخبر عنه ، فقال عن معنى الأولين : جَمَعَ الَّذِينَ كَذَّبُوا مُحَمَّدًا وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا النَّبِيِّينَ مِنْ قَبْله . رَوَاهُ عَنْهُ الضَّحَّاك ذكره عنه القرطبي في تفسيره .
ولا بد يجيب من لا علم له بحقيقة تأويل ذلك بمثل هذا الجواب ليصح عنده حسب رأيه تعيين من أول ومن آخر ، ولأنه مهما سيجيب ويفسر لن يأت إلا برأيه لأن ذلك من المكنون بالكتاب يجهله المتأخرين عن بني إسرائيل جهلا مركبا ولو أن له اشارات بالقرآن ولو أن له اشارات وتصريحات في المتقدمين ، لكن هكذا كانت مشيئة الله عز وجل يسلكه في قلوبهم فلا يؤمنون به ولا يدرونه ، ولإن هدي له مثل ابن عباس وأفصح عنه وغيره ، فكيف سيسلكه الله عز وجل وهو مكشوف ليعلمه ويدركه أي أحد من صعاليك الوراق ومنتني المدارس ؟!
أولئك الذين كالدواب لا تمييز لديهم فيما يقرأون ولا هدى لهم من الله عز وجل خاص فيؤمنوا فهم لم يخلصوا له في دينه ويصدقوا معه باطنا وظاهرا ، فجعلهم الله تعالى لمستحقهم ونصيبهم الضلال وعمى القلوب .
وهؤلاء لن يمكنهم يميزوا ويفطنوا لوجوب اعتبار أول ومتأخر في دلالة ذلك الخطاب عمن سيجمع ممن تقدم مع من تأخر ، ولو كان محل التأويل والناس جميعا بين يديه عز وجل لا بخصوص تواجد الجيل الأخير جيل الأشرار ، لما استقامت لذلك الخبر الدلالة ، فحينها والناس كلها مجتمعة بين يديه للحساب الأخير ، فلن يكون أولا وآخرا كلهم بذلك الإجتماع لا يتميز أولا عن آخر ، لأن ذلك الجمع سيكون للجميع ليس هو خاص بأول مع أخير ، فالأخير ليس بأولى ممن دون الأول قريب ، والبعيد ثم الأبعد ، فلا يعلم ليصح الجمع مع من دون غيره فلا يصح مثل هذا إلا بحد مذكور كقوله تعالى في جمع الجميع كما في سورة الواقعة :
هنا لما جعل بالسياق حدا للأولين كان الحد المقابل المتكلمون بذلك الإنكار هم وآبائهم ، وبالمثل في آيات سورة المرسلات كان الحد المذكور للأولين هم الرسل التي أوقتت ليوم الفصل ، والحد المقابل للمتأخرين جيل الأشرار ، فكان هذا جمع خاص ، وذاك جمع عام ولو ذكر أولون هنا وآخرون ، وذكر هناك في الجمع الخاص أولون وآخرون ، فكل ذلك يتضح من سياق الكلام واعتبار دلالة كل كلمة فيه ، وشبه ذلك في الحشر لذلك اليوم لما كان ذلك له حشر مخصوص دون الحشر العام لكافة البشرية قال هناك في سورة النمل : ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ ، لكنه لما أراد تعالى الحشر العام لكافة البشر قال : ﴿ وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِر مِنْهُمْ أَحَدًا ﴾ ، فأكد هنا عكس الأول أنه لم يغادر منهم أحدا لإرادة التفريق بين الحشرين .
ونظيره قوله تعالى في زلزلات الأرض العلامة لتحقق بعث المهدي قال هناك في سورة الفجر :
هنا لما كان مراده زلزلات مخصوصة دون الزلزلة العامة والدك العام قال تعالى ( دكا دكا ) أي زلزلة بعد زلزلة ، لكن تمعنوا لما كان مراده خلاف ذلك وأراد الزلزلة العامة والدك العام ماذا قال عز وجل لإرادة التفريق بين هذا وذاك ، قال :
ونظيره أيضا في نسفه للجبال المذكور في سياق آيات سورة المرسلات والآيات في سورة طه ، وانتبهوا جيدا لمّا يريد نسفا خاصا للجبال على ما سأوضحه لاحقا إن شاء الله تعالى ، وهو الذي وعد يفعله ما بين مكة والمدينة على ما فسرت في هذا الكتاب ، فإنه يقول فيه :
بينما في سياق آيات سورة طه حينما يريد بخطابه هناك النسف العام فنجده يقول تبارك وتعالى :
فيأتي بمترادفات توضح مراده من هذا النسف ، خلاف ما ذكر في آيات سورة المرسلات لما كان هناك مراده مخصوص وتأويل معين لم يشأ اظهار معناه ليعلمه أي أحد اقتصر على ذكر النسف فقط ولم يتبع ذلك ايضاحا يفسر المراد ، عكس العام والذي لم تمنع الحكمة الربانية من انكشافه لكل أحد فقد وضحه بكل جلاء بتلك المترادفات الموضحة لمعنى ذلك النسف : ﴿ فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً ، لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً﴾ ، فهذا لا مانع من تفصيله لكن السابق تمنع حكمة اخفائه كونه نبوءة وخبر اقتصر على ذكر النسف لتلك الجبال فقط ووقف عند هذا .
وأقول على هذا : وخبر الجمع في سورة المرسلات كان متعلقه بتأويل جمع خاص معين دون ذلك الجمع العام ، فحين يحاسب آخر الأشرار في أجيال الخلق على وجه هذه المبسوطة ، صحت دلالة ذلك الخبر على أنه جمع حقيقي بين من سبق من اصطفى من الأنبياء والرسل لمقام الشهادة ، على أولئك المتأخرين من جيل أشر الأشرار في خلق الناس على الأرض ، فهذا معنى تفسير ذلك الخبر لا ما حاول ابن عباس يؤلفه تفسيرا وهو مجرد رأي وقول رجل لم يتورع فيكف لسانه عن تحريكه في القرآن كما أمر بذلك من نزل عليه القرآن صلوات ربي وسلامه عليه ، فأسرعوا يقولون على غيب الله تعالى بكتابه بالرأي والقائل بالرأي في القرآن له وعيد شديد ، في حين من أنزل عليه القرآن أمسك لسانه كما أمر ولم يتعدى .
وعليه يدرك الفرق ما بين ذكر ذلك الجمع العام كما في سورة الواقعة مع ذكر الجمع الخاص في آيات سورة المرسلات ، أنه ذكر في سياق آيات سورة الواقعة الحور العين ليتضح الفرق بين هذا الذكر وذاك الذكر في سورة المرسلات ، وأن لذلك زمان ولهذا زمان غيره ، ويناسبه جواب بعضهم لمن ظن وجها من التعارض ما بين قوله عز وجل : ﴿ هَذَا يَوْم لا يَنْطِقُونَ ﴾ وَ ﴿ فَلا تَسْمَع إِلا هَمْسًا ﴾ وَ ﴿ أَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ ﴾ ، فأجاب :
إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول : " وَإِنَّ يَوْمًا عِنْد رَبّك كَأَلْفِ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ " فَإِنَّ لِكُلِّ مِقْدَار مِنْ هَذِهِ الأَيَّام لَوْنًا مِنْ هَذِهِ الأَلْوَان . وقوله : ﴿ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ ، أَيْ إِنَّ يَوْم الْقِيَامَة لَهُ مَوَاطِن وَمَوَاقِيت , فَهَذَا مِنْ الْمَوَاقِيت الَّتِي لا يَتَكَلَّمُونَ فِيهَا , وَلا يُؤْذَن لَهُمْ فِي الاعْتِذَار وَالتَّنَصُّل اهـ . ذكره القرطبي في تفسيره .
قلت : لا ينطقون حين احضارهم أمام الله عز وجل والأشهاد ليقرر لهم كفرهم وسابق إعراضهم عن دينه وطاعته وطاعة رسله فليس لهم هناك ما يمكنهم قوله فيمنعون من الكلام مثل ما يمنعون من السجود والإعتذار ، لكن قبل ذلك وبعده يمكنهم قول ما يريدون ، تماما مثل موقفهم يوم العرض العام الأكبر فهناك يمكنهم الكلام وقول ما يريدون إلى أن ينكرون أو يأبون الإقرار بالحق فيلجم الله تعالى حينها أفواههم عن النطق لكن تنطق عليهم سائر جوارحم بشهادات الحق المتضمنة قول الصدق في قول الحقيقة عليهم ، فيؤخذون بالبراهين من أنفسهم ، والله فعال لما يشاء وقادر على كل شيء سبله كلها حق وعدل .
وأقول : لما كان ذلك الوعيد في تلك الآيات حتما لن يكون تأويله إلا وهم في الدنيا قال عز وجل : ﴿ أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ ، ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ ، كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ ، يريد نفعل بهم على ما فصلت كما فعلت ما فعلت فيمن سبقهم من عتاة الأمم ومجرمي الشعوب ، كذلك مثلهم الآخرين وعلى سنتهم لا بد أفعل بهم كما فعلت بمن سبقهم من إستئصال وإزالة وهذا من عدله تبارك وتعالى ، وكل من اعتقد بفوات هؤلاء على الله عز وجل وأنه لن يفعل بهم كما فعل بمن سبقهم وهم في الدنيا ، فهو كاذب على الله عز وجل ومدعي على غيبه بما لا علم له به .
وهذا مما يؤكد وبكل جلاء على أنه من الحق القول بتأويل كل ذلك على ما فصلت بكتابي هذا ، وأنه حاصل لهم بتلك الجبال البركانية حين ينسفها ربي لتخرج منها تلك الحمم والأدخنة وتلك النيران وهي أبواب جهنم حين يفتحها الله عز وجل ، وشاء المتعالي بتقديره أن تكون أبواب جهنم مفتحة ما بين أقدس مكانين على وجه المعمورة مكة والمدينة ، ويكون كل ما فصل في آيات تلك السورة الرب تبارك وتعالى وغيرها ، وللتأكيد على هذا وأنه مما يحصل لهم في الدنيا قبل ما يخرجون منها خاتمة لهم ونهاية حتى ما يكونون خلق وهم لله عز وجل قد تركوا سدى وليس من افعاله وخلقه من يكون هكذا سدى تعالى عن ذلك المبارك للأبد ، فكلهم مجموعون لهذا الأمر لا محالة وأمرهم هذا ما هو إلا بمثابة خلقهم الأول عنده تبارك وتعالى : ﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ ، فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ، إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ ، فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ﴾.
وجمعهم ذاك تحت علمه ومقدرته وميزان عدله وحكمه بمنزلة خلق أحدهم من تلك النطفة الماء المهين ، جعلها بقرار مكين لقدر معلوم لديه ، كتب رزقه ومصيره كله ، شقي أو سعيد ، غني أو فقير ، وكل ما سيفعله سبق في علم الله تعالى سبله ، ولا يمكن يكون غير هذا وإلا وقع بخلقه ما لم يكن يعلمه ولم يكن قادرا عليه ، وهذا معارض لقوة الرب العظيم وحقيقة وجوده كذاته الباهرة .
كذلك لما كان هذا مما سيحصل لهم وهم بالدنيا بعد لم يخرجوا منها ، سبق ذلك التفصيل بذكر المرسلات التي ستسبق كل ذلك التفصيل عن النار وحممها وشررها وأدخنتها ، والمرسلات الرياح (1) لن تكون إلا وهم بدنياهم وها نحن نشاهد ذلك يقينا تتابع عليهم من كل ناحية وبعضها يسقط عليهم فجأة من فوق ، وبعضها يأتي بمسار معلوم لديهم ، وكل ذلك حقيقة مشاعدة اليوم ومعلومة ، ويزيدها تعالى مع الوقت عددا وشدة ، لأنهم متجهون لتلك النار وذلك المقام حتما قدرا عليهم من الله عز وجل ، كما قدر على من سبقهم من العتاة والمجرمين فكلهم لم يخلقوا عبثا تعالى ربنا العظيم ، ونعم القادر يوم يجمعهم مع من سبق من رسله وأنبياءه فتبارك الله ما أعظم علمه ومقدرته وإرساله لرسله والأنبياء وإنزاله لكتبه وكل تلك النبوءات التي تثبت علمه الغيب وأنه خالق الخلق جميعا فتبارك الله رب العالمين .
ومما يدل على التعيين الذي تقرر شرحه وبيانه في أصول دعوتنا المباركة في تأويل تلك الآيات وغيرها على هذا الأمر العظيم وأنه ليس عاما لكل البشر بل هو مخصوص بآخر جيل الأشرار في هذه الحياة الدنيا ، قوله عز وجل في سياق تلك الآيات :
وسبق التفصيل في بيان وجه هذا التمتيع وأنه على التعيين في جيل الأشرار الأخير الذين تم بحقهم كل تلك المواعيد وليس الأمر على العموم ، وسبق تعليق موضوع تحت هذا العنوان : ( بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ) شرحا لنص تلك الآية والموافقة لمعنى الآية المذكورة في سياق آيات سورة المرسلات ، فهو امتاع لهم لحين ووصفه تبارك وتعالى بالمرسلات بالقليل نسبة لما سيلاقونه من عذاب وخزي وحشر يوم يقر بعضهم أنهم لم يلبثوا إلا ساعة من نهار مما سيعاينونه من أهوال وفضائح ويقين بالمصير ، سيقرون بذلك ولو أن الله تعالى اطال اعمارهم ليتمتعوا ثم مردهم للخزي مع اليهود وعباد الصلبان وسائر عباد الأصنام من المشركين في كل مكان .
إنه امتاع بزهرة الحياة الدنيا لكن ليس لزمن طويل بل محدود ومعين وتحديدا بجيلين ، جيل الأشرار ومن ثم أبنائهم ، ثم يكون الفصل وتلك الأهوال ، وقد جعل تعالى لذلك علامات هم عنها الآن غافلون لا يستطيع أي مخلوق ايقاضهم من غفلتهم تلك مهما فعل لأنهم أهل اعراض وتكبر على الله عز وجل ورسله ، يتنقصون اسمه العظيم ولا زالوا ، ويهينون شرائعه كلها على رسله ، ومنهم من يطعن به ويسخر وبشدة في نواديهم وقد سمعنا ورأينا من ذلك ما تكاد تسقط منه السماء لكن الله عز وجل يؤخرهم ليوم لا مرد له من دونه ، اليوم الذي نقرأ عنه من كتبه وببيناته على سائر رسله ، ونشرحه ونعلمه للبشر نصحا للأتباع ولغيرهم ، حتى يوم يأتي ذلك اليوم الفصل تكون صفحتنا أمامه تعالى بيضاء ناصعة ، لقيامنا بتوفيقه مقام النصح والشهادة مسبقا قبل أي أحد ، وذلك من توفيقه وحده تعالى وإصطفائه المشرف ، وبهائه الذي كتب في كل تلك الأسفار ، فتبارك الله المنعم على عبده بعظيم خيره وجزيل عطائه فله الحمد وله الشكر لا نحصي ثناء عليه كما هو على نفسه ، فلك المجد والبهاء كله يا ربنا للأبد ، أنت السرمدي لا بداية لك ، وأنت الآخر لا نهاية لك ، أنعمت علينا من كرمك بما نذكر ولا نذكر ، حتى انك قدرت لنا الخلود ومن ثم جعلته خلودا أبديا ، جعلت لنا وجود كوجودك لا ينتهي ولا ينقطع وهذه وحدها لا نحصي ثناء عليك لأجلها فكيف بسواها مما لا تعد ولا يمكن تحصى .
ذلك الإمتاع الذي لطالما تخوفه المصطفى صلى الله عليه وسلم على أمته وأنذر منه لعلمه بما سيترتب عليه فكان مما قاله عليه الصلاة والسلام في ذلك بحسب ما رواه البخاري رحمه الله تعالى عن أبي سعيد قال : قال رسول الله :
تلك الزهرة التي نهي المهدي حفيده أن ينظر إليها لأنها متعة وفتنة لأعداء الله عز وجل ومصيرهم لجهنم بعده ، فقال عز وجل في ذلك :
ورزق ربك القادم خير من ذلك .
ونسبه رسول الله للأرض لأنه يريد به النفط الذي سيستخرج من باطن الأرض وبسورة الواقعة قال تعالى عنه :
وسواء قيل المعني بالنار هنا نار العلامة لبعث المهدي أو نيران ذلك النفط عموما التي لا بد يوقدونها عند فوهات تلك الآبار من أجل التنسيم عن باطن الأرض حتى ما ينضغط فيخرج عليهم طلعه بقوة شديدة لا يستطيعون التحكم به بعد ذلك ، فينسمون لتلك البركة السحيقة في باطن الأرض بحرق غازها شيئا فشيئا للتخفيف عن الضغط هناك ، فعرف ذلك تعالى بتلك النيران ووصف مجاريها في باطن الأرض بالشجرة ، وذكرهم أنه هو من انشأها لا من استخرج تلك الزهرة من باطنها .
والذي أنشأها إنما انشأها لفتنتهم ، ومن أعظم فتنتهم فيها أن تلك الشجرة التي يزعبون من قطرانها ما هي إلا نار الله تعالى الموقدة ، التي سيرجعون لها وإليها سيكون مصيرهم ، فهي مطلعة على أحوالهم ومعرفة بتفاصيل أخبارهم .
واعتبارها تذكرة ومتاعا للمقوين ينتظم مع سياق كل ما قرر في أخبارها ، فسبحانه عالم الغيب والشهادة الذي كتب عنهم في كتاب بكل تفاصيلهم صغيرها وكبيرها .
وقد أكد تعالى بوحيه لنبيه اشعيا عليه الصلاة والسلام أنهم سيقومون بجمع تلك القطران من بطن الجحيم السحيق ، وسيعقدون مع تلك الهاوية عهدا ، وها هو كما أخبر تعالى على لسان رسله يقومون باقتصادهم معتمدون كليا على قطران الجحيم التي سيعيد الله عز وجل الفصل في شأنهم كله إليها ، فسبحان الله ما أعدله وأحكمه وما أشد احاطته بهم ، وهوان أمرهم عليه تبارك وتعالى :
وكما في القرآن هو على لسان هذا النبي يشير إلى أنه هو من خلق تلك الشجرة ، ووحي الله عز وجل يصدق بعضه بعضا .
ويقول نبيه عاموس عليه الصلاة والسلام عن تلك شجرة الجحيم :
وتمعنوا بربكم كيف يسمون البحث عن النفط اليوم تنقيب ، أليس كذلك ؟
وتمعنوا أيضا ببصيرة كيف جمع هنا النبي عاموس بين ما لم يجتمع لغيرهم لتدركوا أنهم هم المعنيون بتأويل كل تلك الأخبار حين وصفهم بذلك التنقيب عن النفط وبلوغهم للسماء ، وهذا لم يتحقق لغيرهم مجموعا متفقا فما بالكم مع ما يقترن به من سائر ذكرهم ؟!
ولا شك بعد هذا لا ينكر امرهم المشروح بكتابي هذا وغيره وأنهم هم المقصودين بكل ذلك إلا ضال مطموس البصيرة وسيكون من حزب أهل النار لا محالة .
كيف ينكر أمرهم ومن الأنبياء من وصف وجوههم التي خلقها الله تعالى على صورة لهب النار لأنهم أهلها ومرد أمرهم هذا لها ، فقال عنهم النبي اشعيا : " وجوههم كلهيب نار " .
وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم في وصفهم : " وجوههم كالمجان المطرقة " .
حقا إن أمرهم لعجيب من عجائب تدبير ربي لخلقه ، أن يكون بكل هذا الانتظام وبكل هذا البيان ومع ذلك تجهله الناس ولا تتفطن له ، ولو بين وكشف عنه لخاصته ثم هم يبينون لهم ، ورغم ذلك هو كان مبسوطا بالبينات والذكر من قبل ، فيبقى الناس على غير علم بحقيقته ، فسبحانه كيف سلكه في قلوب أولئك المجرمين حتى ما يعلمونه . وقال النبي سليمان عليه الصلاة والسلام في هذا المعنى :
ويسخر منهم على لسان نبيه اشعيا بشأنهم بتلك النار والشجرة فيقول :
لأن مردهم من خلاله لتلك البركة السحيقة جهنم ، وهم لم يكن لهم شعور بتاتا إنما ينزعون من مياه تلك البركة وهي جحيم الله عز وجل التي اعدت لهم ، رأيتم عجيب أمر المولى عز وجل هذا .
وكثيرا ما يورد تعالى بكتبه وعلى ألسنة رسله عنهم وعنها فيقول في الزبور :
ويقول عنهم وعنها اشعيا كذلك :
وَيُمْحَى عَهْدُكُمْ مَعَ الْمَوْتِ ، وَلاَ يَثْبُتُ مِيثَاقُكُمْ مَعَ الْهَاوِيَةِ . السَّوْطُ الْجَارِفُ إِذَا عَبَرَ تَكُونُونَ لَهُ لِلدَّوْسِ ﴾
وفي الزبور قال عنها ما يثبت أن المهدي معاصرا لهم فشأنه بالبعث يختص به هؤلاء الكفرة الملاعين فقال هناك :
وفي هذا موافقة لما في سياق تلك الآيات من سورة المرسلات قوله عز وجل :
ومن علامات ذلك الإمتاع وهو مما نشاهده اليوم في بعض أولئك إطالة أعمار جيلهم الأول وهو مما بين ونقل الاثبات عليه من كلام البعض كما هو خبر لله تعالى عنه في كتابه : ( حتى طال عليهم العمر ) . في ذلك الملف والمقال ، مثل قول كاتب غربي وهو المدعو " سايمون هندرسون " :
أو قوله : الأمراء الكبار في السن على الكراسي المتحركة أو يسيرون وهم يعرجون مستندين على العصي .
وهم بالفعل أغلبهم كذلك وقد سبق وضرب تعالى لهم المثل في ذلك مع مثال المهدي فقال :
عموما هي دعوة من نبيه داود عليه الصلاة والسلام أصابتهم ولا شك في قوله :
وقال عنهم نبي الله تعالى البار أيوب عليه الصلاة والسلام :
كم ينطفئ سِراجُ الأشرار ويأتي عليهم بوارهم أو يقسمُ لهم أوجاعاً في غضبه ، الله يَخْزنُ إثمَهُ لبنيه ، الله يُعَلَّمُ مَعْـرفَةً وهو يقضي على العالين .
إنه ليوم البوار يمسك الشرير ليوم السخط يقادون ﴾
ومن علامات ذلك الإمتاع أيضا أنه سيأتي ويقوم في وقته عز وجل بانقاص أطراف الأرض وهو مما يحصل في زمانهم الآن وبشكل معترف به حتى انشيئ لذلك ملفا خاصا هو الآخر اوردت فيه شواهد لذلك في موقعنا المبارك تحت عنوان : ( أين التسونامي في القرآن العزيز ؟! )
أقول ولما كان الأخوين صلوات ربي وسلامه عليهم موسى وهارون ممن اكتتب ووقت لمقام الشهادة على رؤوس الكفر وعتاة مجرمي الشعوب في ذلك اليوم الخاتم والفصل ، اخفى الله عز وجل عن بني إسرائيل أن لهم قبورا وذكر بعهدهم ما يلي :
فَفَعَلَ مُوسَى كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ ، وَصَعِدُوا إِلَى جَبَلِ هُورٍ أَمَامَ أَعْيُنِ كُلِّ الْجَمَاعَةِ ... فَمَاتَ هَارُونُ هُنَاكَ عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ ، ثُمَّ انْحَدَرَ مُوسَى وَأَلِعَازَارُ عَنِ الْجَبَلِ ، فَلَمَّا رَأَى كُلُّ الْجَمَاعَةِ أَنَّ هَارُونَ قَدْ مَاتَ ، بَكَى جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ عَلَى هَارُونَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا ..
وَمَاتَ هُنَاكَ فِي السَّنَةِ الأَرْبَعِينَ لِخُرُوجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، في الشَّهْرِ الخَامِسِ فِي الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ ، وَكَانَ هَارُونُ ابْنَ مِئَةٍ وثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَاتَ فِي جَبَلِ هُورٍ .
وَارْتَحَلُوا مِنْ جَبَلِ هُورٍ فِي طَرِيقِ بَحْرِ سُوفٍ لِيَدُورُوا بِأَرْضِ أَدُومَ ، فَضَاقَتْ نَفْسُ الشَّعْبِ فِي الطَّرِيقِ ﴾
ولما فرغ موسى صلوات ربي وسلامه عليه من قراءة نص النبوءات الخواتم بما سيجري آخر زمان على الخلق وعليهم وعلى رؤوس الشر وأهل الخير بالمقابل ، وكان مما ذكر فيها التصريح عن تلك النار وأبوابها وربط ذكرها بكل صراحة بالجحيم الهاوية من تحت فقال هناك في افتتاح تلك النبوءات عما سيجري آخر الزمان في ذلك الفصل :
فأمر أن يصعد جبل معين ليموت في ظاهر الأمر أمام شعب بني إسرائيل كما فعل بأخيه من قبل تماما ، وكما قلت قبل لذلك اشارة في سياق ذكره لآيات سورة الصافات بعد أن ذكر خبر الرسل التي أوقتت ، فقال بعد ذلك : ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً ، أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً ﴾ . أي هي مدفن للأموات لكن للأحياء لم يفهموا معنى ذلك ومثاله في ظاهر الأمر لكم أن موسى وهارون دفنوا فيها لكنهم ليسوا كذلك ولا من شابه أمرهم من الأنبياء والرسل ، بل هم عندي أحياء يرزقون لذلك اليوم يوم الفصل ، وعليه تكون الأرض ظاهرا لكم كفاتا للأموات ولكن هي للأحياء أيضا في علمي ، وعليه جمع في ذلك ما بين الأموات والأحياء أيضا ، وهذا تقديره :
﴿ وَلَمَّا فَرَغَ مُوسَى مِنْ مُخَاطَبَةِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ بِكُلِّ هذِهِ الْكَلِمَاتِ قَالَ لَهُمْ : وَجِّهُوا قُلُوبَكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي أَنَا أَشْهَدُ عَلَيْكُمْ بِهَا الْيَوْمَ ، لِكَيْ تُوصُوا بِهَا أَوْلاَدَكُمْ ، لِيَحْرِصُوا أَنْ يَعْمَلُوا بِجَمِيعِ كَلِمَاتِ هذِهِ التَّوْرَاةِ لأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْرًا بَاطِلاً عَلَيْكُمْ ، بَلْ هِيَ حَيَاتُكُمْ وَبِهذَا الأَمْرِ تُطِيلُونَ الأَيَّامَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ الأُرْدُنَّ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكُوهَا .
وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى فِي نَفْسِ ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلاً : اِصْعَدْ إِلَى جَبَلِ عَبَارِيمَ هذَا ، جَبَلِ نَبُو الَّذِي فِي أَرْضِ مُوآبَ الَّذِي قُبَالَةَ أَرِيحَا ، وَانْظُرْ أَرْضَ كَنْعَانَ الَّتِي أَنَا أُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مُلْكًا وَمُتْ فِي الْجَبَلِ الَّذِي تَصْعَدُ إِلَيْهِ ، وَانْضَمَّ إِلَى قَوْمِكَ ، كَمَا مَاتَ هَارُونُ أَخُوكَ فِي جَبَلِ هُورٍ وَضُمَّ إِلَى قَوْمِهِ ، لأَنَّكُمَا خُنْتُمَانِي فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةِ قَادَشَ فِي بَرِّيَّةِ صِينٍ ، إِذْ لَمْ تُقَدِّسَانِي فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَإِنَّكَ تَنْظُرُ الأَرْضَ مِنْ قُبَالَتِهَا ، وَلكِنَّكَ لاَ تَدْخُلُ إِلَى هُنَاكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنَا أُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾
وهكذا فعل بموسى كما هارون عليهما الصلاة والسلام ، كفتا أحياء للميقات ، لكن تمعنوا أيضا للكاتب الشيطاني الملعون كيف ختم قصة موسى عليه الصلاة والسلام بالطعن به وبأخيه ونسب لهما الخيانة وأن الجزاء حرمانه من عبور نهر الأردن لتلك الأرض ، وهذا مما يؤكد على ما قررته من قبل في شأن هذا الكاتب الشيطاني وأن ديدنه الطعن بالأنبياء ولو تظاهر بتعظيمهم خصوصا موسى فهو ها هنا يطعن به ويتهمه بالعقوبة الربانية بمنعه شخصيا من عبور نهر الأردن لتلك الأرض الموعود بتوريثها لذرية ابراهيم عليه الصلاة والسلام .
والآن آن أوان تفصيل الكلام حول جبل باشان جبل أحد جبل الزيتون ومكانته عند الله عز وجل واختياره والمدينة محل سكن لقداسته حين ينزل الرب جل وعلا للكشف عن إرادته واظهار مجده لكل شعوب الأرض .
ولتكن البداية من خروجهم من أرض مصر فحين خرج بهم من هناك كان لهم طريقان يمكن سلوكهما ، طريق يؤدي لفلسطين من قريب لكنه لم يسلكهم فيه وعلل ذلك بالنص التالي من التوراة :
﴿ وَكَانَ الرَّبُّ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ نَهَارًا فِي عَمُودِ سَحَابٍ لِيَهْدِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ ، وَلَيْلاً فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُضِيءَ لَهُمْ لِكَيْ يَمْشُوا نَهَارًا وَلَيْلاً ، لَمْ يَبْرَحْ عَمُودُ السَّحَابِ نَهَارًا وَعَمُودُ النَّارِ لَيْلاً مِنْ أَمَامِ الشَّعْبِ﴾ " الخروج "
﴿ ثُمَّ تَحَوَّلُوا وَصَعِدُوا فِي طَرِيقِ بَاشَانَ فَخَرَجَ عُوجُ مَلِكُ بَاشَانَ لِلِقَائِهِمْ هُوَ وَجَمِيعُ قَوْمِهِ إِلَى الْحَرْبِ فِي إِذْرَعِي .فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى : لاَ تَخَفْ مِنْهُ لأَنِّي قَدْ دَفَعْتُهُ إِلَى يَدِكَ مَعَ جَمِيعِ قَوْمِهِ وَأَرْضِهِ ، فَتَفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلْتَ بِسِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ السَّاكِنِ فِي حَشْبُونَ ، فَضَرَبُوهُ وَبَنِيهِ وَجَمِيعَ قَوْمِهِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ شَارِدٌ ، وَمَلَكُوا أَرْضَهُ ﴾ " العدد "
﴿ لاَ تَرْهَبْ وُجُوهَهُمْ ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ فِي وَسَطِكَ إِلهٌ عَظِيمٌ وَمَخُوفٌ.
وَلكِنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ يَطْرُدُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبَ مِنْ أَمَامِكَ قَلِيلاً قَلِيلاً. لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُفْنِيَهُمْ سَرِيعًا، لِئَلاَّ تَكْثُرَ عَلَيْكَ وُحُوشُ الْبَرِّيَّةِ.
وَيَدْفَعُهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ أَمَامَكَ وَيُوقِعُ بِهِمِ اضْطِرَابًا عَظِيمًا حَتَّى يَفْنَوْا.
وَيَدْفَعُ مُلُوكَهُمْ إِلَى يَدِكَ ، فَتَمْحُو اسْمَهُمْ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ . لاَ يَقِفُ إِنْسَانٌ فِي وَجْهِكَ حَتَّى تُفْنِيَهُمْ.
وَتَمَاثِيلَ آلِهَتِهِمْ تُحْرِقُونَ بِالنَّارِ لاَ تَشْتَهِ فِضَّةً وَلاَ ذَهَبًا مِمَّا عَلَيْهَا لِتَأْخُذَ لَكَ، لِئَلاَّ تُصَادَ بِهِ لأَنَّهُ رِجْسٌ عِنْدَ الرَّبِّ إِلهِكَ.
وَلاَ تُدْخِلْ رِجْسًا إِلَى بَيْتِكَ لِئَلاَّ تَكُونَ مُحَرَّمًا مِثْلَهُ. تَسْتَقْبِحُهُ وَتَكْرَهُهُ لأَنَّهُ مُحَرَّمٌ ﴾ " التثنية "
المهم أن أهم مراحل تنقلهم وسط الجزيرة العربية التي ملكهم الله عز وحل ومكنهم فيها كما قلت قبل ما بين مشارقها ومغاربها ، وجمعت نبوءة موسى في التوراة ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام :
وتفسير تلك المفردات على الوجه التالي :
سيناء جبل تلول كاظمة ونسبة السنا اما لنار الله تعالى فوق ذلك الجبل حين رآه بنو إسرائيل لما تهيأوا ليكلم الله تعالى موسى من فوقه وبأسفله شيوخ بني إسرائيل ، وإما لنار العلامة على بعث المهدي التي ستكون آخر الزمان ، وأيا كان فمن المؤكد أنه بتلك النار قد ( أشرق لهم من سعير ) .
وجبال فاران المراد بها جبل المدينة أحد جبل باشان والزيتون فكل تلك اسماء له .
والربوات الاعداد الغفيرة من الناس ويراد بهم المؤمنون الذين سيجمعهم المولى عز وجل بالمدينة حول ذلك الجبل ليحل الرب عز وجل بجلاله من فوقهم فيرون السماء تتشقق بالغمام وتنفرج يومها مؤذنة بنزول الرب عز وجل مثل ما نزل لخلاص بني إسرائيل سينزل لآخر هذه الأمة فيخلصها ، وتنزل الملائكة يأتون مع خالقهم صفا صفا كما أخبر تعالى في القرآن .
والنار عن يمينه فتح أبواب جهنم التي فصلنا في ذكرها من قبل وفي هذا الفصل ، وهذه أهم مراحل تنقل بني إسرائيل في جزيرة العرب حددت معالمها تلك النبوءة التوراتية .
والتالي نص للميثاق من آخر ما أخذ عليهم وانتبهوا كيف يسقط الكاتب الشيطاني من مواعيد الله لإبراهيم خليله عليه الصلاة والسلام أي اشارة لإبنه اسماعيل صلوات ربي وسلامه عليه ، وهو ما اعتاد عليه في طول وعرض عهدهم القديم ، لا يأتي لذكر ميراثا لإسماعيل بتاتا ، لا في الجزيرة ولا غيرها ويحصر الميراث بابن اسحاق يعقوب :
وَلكِنْ لَمْ يُعْطِكُمُ الرَّبُّ قَلْبًا لِتَفْهَمُوا، وَأَعْيُنًا لِتُبْصِرُوا، وَآذَانًا لِتَسْمَعُوا إِلَى هذَا الْيَوْمِ فَقَدْ سِرْتُ بِكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْبَرِّيَّةِ، لَمْ تَبْلَ ثِيَابُكُمْ عَلَيْكُمْ، وَنَعْلُكَ لَمْ تَبْلَ عَلَى رِجْلِكَ ، لَمْ تَأْكُلُوا خُبْزًا وَلَمْ تَشْرَبُوا خَمْرًا وَلاَ مُسْكِرًا لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ.
وَلَمَّا جِئْتُمْ إِلَى هذَا الْمَكَانِ خَرَجَ سِيحُونُ مَلِكُ حَشْبُونَ وَعُوجُ مَلِكُ بَاشَانَ لِلِقَائِنَا لِلْحَرْبِ فَكَسَّرْنَاهُمَا ،وَأَخَذْنَا أَرْضَهُمَا وَأَعْطَيْنَاهَا نَصِيبًا لِرَأُوبَيْنَ وَجَادَ وَنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى.
فَاحْفَظُوا كَلِمَاتِ هذَا الْعَهْدِ وَاعْمَلُوا بِهَا لِكَيْ تَفْلِحُوا فِي كُلِّ مَا تَفْعَلُونَ «أَنْتُمْ وَاقِفُونَ الْيَوْمَ جَمِيعُكُمْ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكُمْ: رُؤَسَاؤُكُمْ، أَسْبَاطُكُمْ، شُيُوخُكُمْ وَعُرَفَاؤُكُمْ وَكُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ ، وَأَطْفَالُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ، وَغَرِيبُكُمُ الَّذِي فِي وَسَطِ مَحَلَّتِكُمْ مِمَّنْ يَحْتَطِبُ حَطَبَكُمْ إِلَى مَنْ يَسْتَقِي مَاءَكُمْ ، لِكَيْ تَدْخُلَ فِي عَهْدِ الرَّبِّ إِلهِكَ وَقَسَمِهِ الَّذِي يَقْطَعُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ مَعَكَ الْيَوْمَ ،
لِكَيْ يُقِيمَكَ الْيَوْمَ لِنَفْسِهِ شَعْبًا ، وَهُوَ يَكُونُ لَكَ إِلهًا كَمَا قَالَ لَكَ ، وَكَمَا حَلَفَ لآبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَلَيْسَ مَعَكُمْ وَحْدَكُمْ أَقْطَعُ أَنَا هذَا الْعَهْدَ وَهذَا الْقَسَمَ بَلْ مَعَ الَّذِي هُوَ هُنَا مَعَنَا وَاقِفًا الْيَوْمَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِنَا، وَمَعَ الَّذِي لَيْسَ هُنَا مَعَنَا الْيَوْمَ لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ كَيْفَ أَقَمْنَا فِي أَرْضِ مِصْرَ ، وَكَيْفَ اجْتَزْنَا فِي وَسَطِ الأُمَمِ الَّذِينَ مَرَرْتُمْ بِهِمْ ، وَرَأَيْتُمْ أَرْجَاسَهُمْ وَأَصْنَامَهُمُ الَّتِي عِنْدَهُمْ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ وَفِضَّةٍ وَذَهَبٍ ، لِئَلاَّ يَكُونَ فِيكُمْ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ عَشِيرَةٌ أَوْ سِبْطٌ قَلْبُهُ الْيَوْمَ مُنْصَرِفٌ عَنِ الرَّبِّ إِلهِنَا لِكَيْ يَذْهَبَ لِيَعْبُدَ آلِهَةَ تِلْكَ الأُمَمِ. لِئَلاَّ يَكُونَ فِيكُمْ أَصْلٌ يُثْمِرُ عَلْقَمًا وَأَفْسَنْتِينًا.
فَيَكُونُ مَتَى سَمِعَ كَلاَمَ هذِهِ اللَّعْنَةِ ، يَتَبَرَّكُ فِي قَلْبِهِ قَائِلاً: يَكُونُ لِي سَلاَمٌ ، إِنِّي بِإِصْرَارِ قَلْبِي أَسْلُكُ لإفْنَاءِ الرَّيَّانِ مَعَ الْعَطْشَانِ . لاَ يَشَاءُ الرَّبُّ أَنْ يَرْفَقَ بِهِ ، بَلْ يُدَخِّنُ حِينَئِذٍ غَضَبُ الرَّبِّ وَغَيْرَتُهُ عَلَى ذلِكَ الرَّجُلِ ، فَتَحِلُّ عَلَيْهِ كُلُّ اللَّعَنَاتِ الْمَكْتُوبَةِ فِي هذَا الْكِتَابِ ، وَيَمْحُو الرَّبُّ اسْمَهُ مِنْ تَحْتِ السَمَاءِ .
وَيُفْرِزُهُ الرَّبُّ لِلشَّرِّ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ حَسَبَ جَمِيعِ لَعَنَاتِ الْعَهْدِ الْمَكْتُوبَةِ فِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ هذَا.
فَيَقُولُ الْجِيلُ الأَخِيرُ ، بَنُوكُمُ الَّذِينَ يَقُومُونَ بَعْدَكُمْ ، وَالأَجْنَبِيُّ الَّذِي يَأْتِي مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ ، حِينَ يَرَوْنَ ضَرَبَاتِ تِلْكَ الأَرْضِ وَأَمْرَاضَهَا الَّتِي يُمْرِضُهَا بِهَا الرَّبُّ .
كِبْرِيتٌ وَمِلْحٌ ، كُلُّ أَرْضِهَا حَرِيقٌ ، لاَ تُزْرَعُ وَلاَ تُنْبِتُ وَلاَ يَطْلُعُ فِيهَا عُشْبٌ مَا ، كَانْقِلاَبِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَأَدْمَةَ وَصَبُويِيمَ، الَّتِي قَلَبَهَا الرَّبُّ بِغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ وَيَقُولُ جَمِيعُ الأُمَمِ: لِمَاذَا فَعَلَ الرَّبُّ هكَذَا بِهذِهِ الأَرْضِ ؟ لِمَاذَا حُمُوُّ هذَا الْغَضَبِ الْعَظِيمِ ؟
فَيَقُولُونَ: لأَنَّهُمْ تَرَكُوا عَهْدَ الرَّبِّ إِلهِ آبَائِهِمِ الَّذِي قَطَعَهُ مَعَهُمْ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ ، وَذَهَبُوا وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدُوا لَهَا آلِهَةً لَمْ يَعْرِفُوهَا وَلاَ قُسِمَتْ لَهُمْ فَاشْتَعَلَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى تِلْكَ الأَرْضِ حَتَّى جَلَبَ عَلَيْهَا كُلَّ اللَّعَنَاتِ الْمَكْتُوبَةِ فِي هذَا السِّفْرِ وَاسْتَأْصَلَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَرْضِهِمْ بِغَضَبٍ وَسَخَطٍ وَغَيْظٍ عَظِيمٍ ، وَأَلْقَاهُمْ إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى كَمَا فِي هذَا الْيَوْمِ.
السَّرَائِرُ لِلرَّبِّ إِلهِنَا ، وَالْمُعْلَنَاتُ لَنَا وَلِبَنِينَا إِلَى الأَبَدِ ، لِنَعْمَلَ بِجَمِيعِ كَلِمَاتِ هذِهِ الشَّرِيعَةِ.﴾
فهذا نص الميثاق والعهد الذي أخذ عليهم وهو عبارة عن إخبارهم عن نقمة القضاء الثاني وما سيحل بهم بعد إفسادهم الثاني ، وما ورد فيه أبلغ دليل على رد ونقض اجماع هذه الأمة واتفاق جمهور مفسريها قاطبة على أن القضاء بالعقوبة بعد الإفساد الثاني أنه مما وقع منهم وعليهم قبل الإسلام ، وهذا باطل وكذب على غيب الله عز وجل ، فهو على ما صرح نبي الله موسى بكلامه واخباره أن ذلك مما يكون في الجيل الأخير .
لأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكُمْ بَعْدَ مَوْتِي تَفْسِدُونَ وَتَزِيغُونَ عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ ، وَيُصِيبُكُمُ الشَّرُّ فِي آخِرِ الأَيَّامِ لأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ الشَّرَّ أَمَامَ الرَّبِّ حَتَّى تُغِيظُوهُ بِأَعْمَالِ أَيْدِيكُمْ .
فَنَطَقَ مُوسَى فِي مَسَامِعِ كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ بِكَلِمَاتِ هذَا النَّشِيدِ إِلَى تَمَامِهِ ﴾
وما يهم تقريره هنا فيما يتعلق بجبل باشان وكيف جعله الله تعالى من نصيب منسى من ذرية يوسف عليه الصلاة والسلام مع بني جاد وبني رأوبين ، على ما بين بكذا موضع ومنها في نص هذا الميثاق وتفاصيله :
فتغلبوا على مملكة باشان وورثوا تلك المدينة وجبلها وكانت وصيته بها لا بأي مكان غيره فقال لهم :
وبعد ما تملكوا في باشان ووسط الجزيرة تمعنوا كيف الفاصل ما بين توريثهم في الجزيرة وما وراء نهر الأردن والتواصي على ذلك ليورث الله تعالى إخوانهم ما هنالك مثل ما ورثهم وسط الجزيرة فيقول :
وَبَقِيَّةَ جِلْعَادَ وَكُلَّ بَاشَانَ مَمْلَكَةَ عُوجٍ أَعْطَيْتُ لِنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى. كُلَّ كُورَةِ أَرْجُوبَ مَعَ كُلِّ بَاشَانَ. وَهِيَ تُدْعَى أَرْضَ الرَّفَائِيِّينَ. يَائِيرُ ابْنُ مَنَسَّى أَخَذَ كُلَّ كُورَةِ أَرْجُوبَ إِلَى تُخْمِ الْجَشُورِيِّينَ وَالْمَعْكِيِّينَ ، وَدَعَاهَا عَلَى اسْمِهِ بَاشَانَ «حَوُّوثِ يَائِيرَ» إِلَى هذَا الْيَوْمِ . وَلِمَاكِيرَ أَعْطَيْتُ جِلْعَادَ
وَلِلرَّأُوبَيْنِيِّينَ وَالْجَادِيِّينَ أَعْطَيْتُ مِنْ جِلْعَادَ إِلَى وَادِي أَرْنُونَ وَسَطَ الْوَادِي تُخْمًا، وَإِلَى وَادِي يَبُّوقَ تُخْمِ بَنِي عَمُّونَ.
وَالْعَرَبَةَ وَالأُرْدُنَّ تُخْمًا مِنْ كِنَّارَةَ إِلَى بَحْرِ الْعَرَبَةِ ، بَحْرِ الْمِلْحِ ، تَحْتَ سُفُوحِ الْفِسْجَةِ نَحْوَ الشَّرْقِ ــ هم لم يملكوها بعد خطت لهم نصيبا لما يفتحوها تقسم الأراضي بحسب اسباطهم ــ .
وَأَمَرْتُكُمْ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ قَائِلاً : الرَّبُّ إِلهُكُمْ قَدْ أَعْطَاكُمْ هذِهِ الأَرْضَ لِتَمْتَلِكُوهَا مُتَجَرِّدِينَ تَعْبُرُونَ أَمَامَ إِخْوَتِكُمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، كُلُّ ذَوِي بَأْسٍ .
أَمَّا نِسَاؤُكُمْ وَأَطْفَالُكُمْ وَمَوَاشِيكُمْ ، قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ لَكُمْ مَوَاشِيَ كَثِيرَةً، فَتَمْكُثُ فِي مُدُنِكُمُ الَّتِي أَعْطَيْتُكُمْ ، حَتَّى يُرِيحَ الرَّبُّ إِخْوَتَكُمْ مِثْلَكُمْ وَيَمْتَلِكُوا هُمْ أَيْضًا الأَرْضَ الَّتِي الرَّبُّ إِلهُكُمْ يُعْطِيهِمْ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ ــ هذا يؤكد على ما قررت قبل أنهم تملكوا وسط الجزيرة العربية ومن ثم عبروا نهر الأردن لتحقيق توريثهم ممالك ما وراء النهر ــ ثُمَّ تَرْجِعُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مُلْكِهِ الَّذِي أَعْطَيْتُكُمْ .
وَأَمَرْتُ يَشُوعَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ قَائِلاً : عَيْنَاكَ قَدْ أَبْصَرَتَا كُلَّ مَا فَعَلَ الرَّبُّ إِلهُكُمْ بِهَذَيْنِ الْمَلِكَيْنِ ــ يقصد مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ وعُوجٍ مَلِكِ بَاشَانَ ــ ، هكَذَا يَفْعَلُ الرَّبُّ بِجَمِيعِ الْمَمَالِكِ الَّتِي أَنْتَ عَابِرٌ إِلَيْهَا ، لاَ تَخَافُوا مِنْهُمْ ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ هُوَ الْمُحَارِبُ عَنْكُمْ ﴾ " التثنية "
ومما ورد بما يسمونه نشيد العهد والميثاق حاوي تلك النبوءات عليهم آخر الزمان ، التغني بتملكهم أرض باشان مكان طيبة والجبل المقدس فقال هناك بسبق تمليك يعقوب للمدينة :
أَرْكَبَهُ عَلَى مُرْتَفَعَاتِ الأَرْضِ فَأَكَلَ ثِمَارَ الصَّحْرَاءِ ، وَأَرْضَعَهُ عَسَلاً مِنْ حَجَرٍ ، وَزَيْتًا مِنْ صَوَّانِ الصَّخْرِ ، وَزُبْدَةَ بَقَرٍ وَلَبَنَ غَنَمٍ، مَعَ شَحْمِ خِرَافٍ وَكِبَاشٍ أَوْلاَدِ بَاشَانَ ، وَتُيُوسٍ مَعَ دَسَمِ لُبِّ الْحِنْطَةِ ، وَدَمَ الْعِنَبِ شَرِبْتَهُ خَمْرًا ﴾
فالمقصود بالمرتفعات هنا جبل أحد ، ويفهم من هذا النص أن يعقوب عبده عليه الصلاة والسلام تشرف بارتقاء قمة جبل أحد من قبل .
والنبي حزقيال عليه الصلاة والسلام كما سبق ونقلت ذلك ربط ما بين المدينة طيبة ويعقوب النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
وفي الزبور من قبل تأكيد على هذا أيضا بما لا يدع مجالا للشك أن المدينة حقا كانت سكنا للأنبياء من قبل المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فقال :
كما أوكد هذا على لسان اشعيا عليه الصلاة والسلام فقال :
وتغنى سائر الأنبياء بمجدها فإرميا عليه الصلاة والسلام قال فيها :
والنبي ميخا عليه الصلاة والسلام قال :
وعينت لهم قدسا لله عز وجل من ذلك اليوم ، بل من خلق الأرض كان معينا لذلك المكان قدسا له فعلى جبلها ستفرج السماء وينزل الرب يأتي وملائكته لحساب جيل الأشرار ، ويكون الغمام وتفتح بجوارها أبواب جهنم وتكون تلك الأدخنة والنيران وتطمس الكواكب ويكون مجد الله عز وجل ويعلن بهاء الرحمان ليراه كل أهل الأرض ويعلموا شأنه ، فقال في سفر الخروج :
وأكد هذا في الزبور :
﴿ أَسَاسُهُ فِي الْجِبَالِ الْمُقَدَّسَةِ
الرَّبُّ أَحَبَّ أَبْوَابَها أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ مَسَاكِنِ يَعْقُوبَ
قَدْ قِيلَ بِكِ أَمْجَادٌ يَا مَدِينَةَ اللهِ ﴾
وفي هذا التأكيد على أن ذلك الجيل بعد خروجه من أرض مصر ذهب الله عز وجل به لطيبة الخير والنور قدس الرب ومدينة سكناه ، ومثل ما فعل ذلك بهم سيفعل نظيره بالمتأخرين يخلصهم ويأتي بهم لقدسه المبارك ، ويجهل ويكذب من حمل نص التوراة ذاك ونص الزبور على غير جيلهم الأول أو زعم القداسة المقصودة بتلك النصوص من التوراة والزبور لغير ذاك الجيل ، والقداسة لغير تلك المدينة المقدسة طيبة الخير والنور والبهاء الرباني ، فجيلهم الأول لم ينل شرف الدخول إلا لطيبة لم يمكن كما هو معلوم من عبور نهر الأردن والوصول لما دعي لها تلك القداسة فيما بعد أورشليم داود ، بل غضب عليهم الرب عز وجل ومنعهم من العبور لتلك الناحية لعصيانهم أمره وتمردهم على الله تعالى وأوامره .
ولما هم داود النبي عليه الصلاة والسلام بعد تمكنهم من أراضي ما وراء نهر الأردن لم يؤذن له ببناء مسجد لله عز وجل بل أوذن لإبنه النبي سليمان صلى الله عليهما وسلم فيما بعد ، وأثناء البناء أو بعد ما أنجز الله أعلم أو قبله ، كانت الريح بإذن الله تبارك وتعالى تنقل النبي سليمان لطيبة الخير الأرض التي سبق وبارك فيها ومن حولها ، وأراه عين القطران التي أسالها له ليخبره عما سيكون آخر الزمان من مباركة وخلاص وحساب للأشرار وحشر للأخيار من كل مكان ، يعرفه بكل ذلك وقومه حتى ثبت العلم بذلك لديهم إلا أن أبالسة الشياطين ككاتب عهدهم القديم طمسوا ذلك واقتلعوه من ذاكرتهم لما غلب عليهم كما بينت قبل من كراهة تثبت أي ذكر لإسماعيل عليه الصلاة والسلام في ذاكرتهم ، فلا العهد له يذكر والتوريث كما وعد الرب عز وجل أبيه بذلك ، ولا البيت الذي بناه مع أبيه لله عز وجل يذكر ، ولا حتى توريث بني اسرائيل للجزيرة ومنها طيبة يذكر ، إلا ما كان من اشارات غامضة هنا وهناك تطلبت الضرورة عندهم ذكرها بتأريخهم ، وكانت تلك النقلة والإبادة لأسفار الانبياء بعد حلول النقمة عليهم وتدمير هيكلهم ومدينتهم المقدسة أورشليم ، فحرفت تلك الأسفار بيد ذلك الشيطان الملعون بعد أن وضع يده عليها وتلك الأنامل الحاقدة على دين الله تعالى وميراثه ، فأخذ يحرف ويبدل ويعبث ويطعن مثل ما يشاء وبحسب ما يخطط ، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين .
ولم يكونوا قبل ذلك بأسلم مما صاروا عليه بعد السبي ، بل لا زالوا على كفرهم وشرهم برفض العهد والميثاق أن يكون باسماعيل لا اسحاق ، ذلك الكفر الذي قتلوا لأجله من الأنبياء الكثير واضطهدوا الكثير لأجله ، والذي حصل بعد السبي التأسيس لذلك الكفر وكتابته رسميا في اليهودية ولذا تعارفوا على تسمية ما خط هناك بالعهد القديم وكذبوا ليس عهدا من الله عز وجل إنما العهد الحق الذي قرره لهم المسيح لما بعث فيهم رسول خلاص يمهد لرسول الخلاص الأخير ، وجن جنونهم عليه لما جاء بما يخالفهم ويرد مكرهم وعملوا لقتله كما فعلوا بمن قبله لكن الله سلمه من شرهم وأقته لياتي آخرا فيشهد عليهم ويفضحهم ويبرأه من كل ضلالهم وأكاذيبهم .
أقول : وكانت طيبة مقدسة وجبلها مقدس بنص التوراة على ما ذكرت قبل ، وقد سبق لي نقل الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وإخوانه الأنبياء تعيين حدود لمقدسها ونصوا على مضاعفة بركتها ، وقد أكد في الزبور على قداستها وفي غيره كقول النبي ميخا عليه الصلاة والسلام :
ويقول يوئيل عليه الصلاة والسلام :
وقال :
وقال عوبديا عليه الصلاة والسلام :
وفي الزبور قوله :
﴿ يَقُومُ اللهُ. يَتَبَدَّدُ أَعْدَاؤُهُ وَيَهْرُبُ مُبْغِضُوهُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِهِ ، كَمَا يُذْرَى الدُّخَانُ تُذْرِيهِمْ. كَمَا يَذُوبُ الشَّمَعُ قُدَّامَ النَّارِ يَبِيدُ الأَشْرَارُ قُدَّامَ اللهِ ، وَالصِّدِّيقُونَ يَفْرَحُونَ يَبْتَهِجُونَ أَمَامَ اللهِ وَيَطْفِرُونَ فَرَحًا ، اَللهُ فِي مَسْكِنِ قُدْسِهِ ، اَللهُ مُسْكِنُ الْمُتَوَحِّدِينَ فِي بَيْتٍ. مُخْرِجُ الأَسْرَى إِلَى فَلاَحٍ. إِنَّمَا الْمُتَمَرِّدُونَ يَسْكُنُونَ الرَّمْضَاءَ ...
جَبَلُ اللهِ ، جَبَلُ بَاشَانَ جَبَلُ أَسْنِمَةٍ ، جَبَلُ بَاشَانَ .
لِمَاذَا أَيَّتُهَا الْجِبَالُ الْمُسَنَّمَةُ تَرْصُدْنَ الْجَبَلَ الَّذِي اشْتَهَاهُ اللهُ لِسَكَنِهِ ؟ بَلِ الرَّبُّ يَسْكُنُ فِيهِ إِلَى الأَبَدِ
مَرْكَبَاتُ اللهِ رِبْوَاتٌ ، أُلُوفٌ مُكَرَّرَةٌ الرَّبُّ فِيهَا ، سِينَا فِي الْقُدْسِ ﴾
حقا إن القدس فوق أحد إنه بالمدينة وسيظهر الله عز وجل سناها لكل أهل الأرض يومئذ ، كلهم سيرون ذلك السنا .
وقال هناك عليه الصلاة والسلام :
ونظيره قوله تعالى :
هو الكرسي الذي قال عنه المسيح يقوم بشهادته أمام كرسي الرب يوم الدينونة ، فذاك الكرسي المقصود بآية سورة البقرة ، ذكره تعالى كناية عن سلطانه وحكمه للأرض آخر الزمان حين ينزل ليخلص ودعاء الأرض من اختار أن يقوم لنصرتهم ونجاتهم من الأشرار حين يريد يفصل بين الخلق ويتم كلماته تبارك وتعالى ، وهو خلاف العرش المحمول الذي ستأتي به الملائكة تحمله وعين عددهم ، فذاك عرش يعلو ربنا تبارك وتعالى يوم العرض الأكبر حين يحشد كل البشر حفاة عراة ، أما الكرسي فهو معنوي غير حسي كالعرش الذي سيجلس بجواره عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم ويكون أحمد قريب جدا جدا .
ولما كان الكرسي المشار له بتلك الآية وتلك النبوءات معنويا لا حسي كالعرش قال الأنبياء في ذلك ما قالوا :
فالكرسي فوق أحد يحجب لأنه ليس بمحسوس ويحمل بل المراد به معنى التسلط والتمكن ، ويحجب ذاته تعالى يومها من فوق الجبل ويستتر بالغمام فكيف يرى كرسيه وذاته المقدسة العظيمة لا ترى هناك حتى يرى له كرسي ؟
أما إن شاء ان يتبدى بمثاله لمن شاء من خلقه فهذا أمر مختلف .
ويقول عن ذلك في الزبور :
ولقد تردد ذكر ذلك كثيرا فقط في الزبور وشهادة من الأنبياء في ذلك أيضا ، ومما قاله في ذلك الكرسي في زبوره التالي :
ويقرنه بالثناء مع قضيب ملكه وفي ذلك اشارة للعصا بيد المهدي فيقول :
لقد كان يلهج بذكره داود عليه الصلاة والسلام حتى تدركوا جيدا لم الطير كان يغني معه صلوات ربي وسلامه وبركاته على داود وابنه سليمان .
ولما كان حقا ذلك الكرسي معنويا اقرأوا كيف أنكر عليهم على لسان نبيه اشعيا صلوات ربي وسلامه عليه حين غرهم ما بني من مسجد بينهم وأفسدوا فيه وهم يزعمون له القداسة ، قال :
صارت السماوات كرسي له لأن الوصف بالكرسي إشارة لتملكه وقوة سلطانه من فوق خلقه وعباده وهو على كل شيء قدير ، وليس لأن ذلك الكرسي حسيٌ كما العرش المحمول حين يتجلى بمثاله تبارك وتعالى يوم العرض الأكبر .
ولما وهم علماء الحديث من السلف على معنى الكرسي واثبتوه جسم أتوا بالتخاليط عليه وعلى العرش المحمول كذلك ، وأضحكوا على عقولهم عقلاء الأمم بل حتى أطفالهم الصغار إذ يوقن كل عاقل استحالة وجود حقيقي لما قالوا واعتقدوا في العرش والكرسي حين اثبتوا وجود الكرسي على وجه الحقيقة المحسوسة ، له هيئة ويتصورونه على وفق ذلك يحيط بالسماوات ، ودرج على هذا تقليدا العامة وشبه أطبق على ذلك المتأخرون منهم كافة وأعني من انتسب لإثبات عقيدة الأسماء والصفات على وفق السلف من أئمة الأثر ، تقلدوا ذلك جهلا ونحمده تعالى أن جعل غيرهم لا يوافقهم على ذلك الجهل والتقليد والخطأ في الإثبات على غير وجه الحق .
نعم لم يتفقوا على ذلك فقد خالف ابن عباس رضي الله تعالى عنه وأثبت معنى الكرسي بالعلم لله عز وجل ، لا الصورة والهيئة ، ونزيد في الإثبات على قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه في معنى الكرسي أنه علم الله تعالى ، هو أيضا كناية عن السلطان والحكم القاهر للخلق يوم الدينونة من فوق جبل أحد المقدس .
وقد روى ابن أبي حاتم وابن جرير الطبري عن مطرف بن طريف عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) ، قال : علمه .
ثم قال ابن جرير ، بعد : وقال آخرون الكرسي موضع القدمين اهـ . حكاه ابن أبي حاتم أنه أحد قولي ابن عباس ، ولا تعارض بين قوله الأول وهذا على وجه تحقق التأويل الحق ، فعلمه وسلطانه وقهره للعباد حين يأتي للفصل والقضاء ويكون من أوصاف ذلك أن محل ذلك موطأً لقدميه وعبر عن ذلك في القرآن بقوله عز وجل :
﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ ﴾
فقدم الصدق تلك محلها الكرسي يوم دينونة العالم كله ، ولا يأتي هذا الوصف إلا للدلالة على التمكين بعد الاستضعاف ، والعزة والنصرة بعد الضيق والهوان على الخلق ، مثل ما حصل مع بني إسرائيل حين قال تعالى في ذلك : ﴿ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ ﴾ .
والمعنى جعل لهم أرضا يتملكونها بعد إن لم يكن ذلك ، وسماه مبوأ صدق ، أما في حال أمة محمد صلى الله عليه وسلم فكان وصف ذلك بـ " القدم " والمراد قدم الرحمان عز وجل ومكان ذلك مستقر في أرض أجداده عليه الصلاة والسلام ، يعني لم تؤخذ من أجانب ، بل هي لسلفهم وردت إليهم ولما كان مكان ذلك سلطان الله عز وجل ومحل قضاء حكمه تم وصف ذلك بقدم الصدق .
ونظير ذلك قوله تعالى : ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ . فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾ . لأن محل ذلك وسط الجنان والأنهار حين تكون بالجزيرة العربية على ما نص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والجزيرة لن تعود مروجا وأنهارا إلا ليكون حكم الله تعالى ويعلو سلطان كرسيه على كل وجه الأرض ، وهناك سيكون محل قدمه تبارك وتعالى ليحكم الخلق جميعا .
ووصف كل ذلك بالصدق ولهذا قال في وصف المهدي خليفته ورسوله : ﴿ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ . فلا يصف ذلك إلا بالصدق والتصديق .
وقد تواترت النصوص عن الأنبياء بذكر القدم في مجد المدينة كناية عن نزوله تعالى هناك واستقرار ملكه من فوق قدسه على الجبل المبارك .
وهذ هو الحق في الاعتقاد بكرسي الرب عز وجل أنه على سبيل المعنى والمجاز والمراد حكمه وسلطانه على البشر حين يعلن عن ذلك من فوق جبل أحد ويحكم فيهم بمباشرة ظاهرة وهو مستتر بالغمام كما قال بذلك جمهور الأنبياء وأثبت بكتابه عز وجل القرآن على ما بين في هذا الكتاب ، عملٌ نظير عمله في بني إسرائيل من قبل .
قال نبي الله تعالى حزقيال عليه الصلاة والسلام :
وفي الزبور قال : ﴿ لِنَدْخُلْ إِلَى مَسَاكِنِهِ لِنَسْجُدْ عِنْدَ مَوْطِئِ قَدَمَيْهِ ، قُمْ يَا رَبُّ إِلَى رَاحَتِكَ ، أَنْتَ وَتَابُوتُ عِزِّكَ كَهَنَتُكَ يَلْبَسُونَ الْبِرَّ ، وَأَتْقِيَاؤُكَ يَهْتِفُونَ .. لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ اخْتَارَها اشْتَهَاهَا مَسْكَنًا لَهُ : هذِهِ هِيَ رَاحَتِي إِلَى الأَبَدِ ههُنَا أَسْكُنُ لأَنِّي اشْتَهَيْتُهَا ، طَعَامَهَا أُبَارِكُ بَرَكَةً مَسَاكِينَهَا أُشْبعُ خُبْزًا كَهَنَتَهَا أُلْبِسُ خَلاَصًا ، وَأَتْقِيَاؤُهَا يَهْتِفُونَ هُتَافًا ﴾
وفيه أيضا : ﴿ اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ تَرْتَعِدُ الشُّعُوبُ هُوَ جَالِسٌ عَلَى الْكَرُوبِيمِ تَتَزَلْزَلُ الأَرْضُ، الرَّبُّ عَظِيمٌ فِي طيبة ، وَعَال هُوَ عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ يَحْمَدُونَ اسْمَكَ الْعَظِيمَ وَالْمَهُوبَ ، قُدُّوسٌ هُوَ وَعِزُّ الْمَلِكِ أَنْ يُحِبَّ الْحَقَّ أَنْتَ ثَبَّتَّ الاسْتِقَامَةَ أَنْتَ أَجْرَيْتَ حَقًّا وَعَدْلاً عَلُّوا الرَّبَّ إِلهَنَا ، وَاسْجُدُوا عِنْدَ مَوْطِئِ قَدَمَيْهِ قُدُّوسٌ هُوَ ..
عَلُّوا الرَّبَّ إِلهَنَا ، وَاسْجُدُوا فِي جَبَلِ قُدْسِهِ ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَنَا قُدُّوسٌ﴾
وهكذا تواترت نصوص الأنبياء على أن مكان كرسي الرب في طيبة دار السلام فوق جبل أحد ، ولما كان المعنى بذلك مجيء الرب وملائكته كما أخبر حين تشقق السماء بالغمام ، كان ذلك الغمام ليسكن الرب هناك فهو كما قال النبي سليمان عنه عز وجل أنه يسكن بالغمام ، فكيف يرى له كرسي وهو مستتر بالغمام ، إنما الإشارة لموضع قدميه كناية عن سلطانه هناك قوة احاطته بخلقه ليحكم الشعوب حكما مباشرا وتدخلا قاطع كل سبل الشر مقيما لكل سبل الخير ، فهذا المعنى من وراء ذكر الكرسي ، وقد نص على اخفاء أي صورة له على لسان أيوب عليه الصلاة والسلام : يَحْجِبُ وَجْهَ كُرْسِيِّهِ بَاسِطًا عَلَيْهِ سَحَابَهُ . والنبي هنا يتكلم عما سيجري بالمدينة المقدسة من فوق جبلها المقدس ويثبت كلامه هذا ما تقرر بهذا الكتاب أن الكرسي هو كناية عن قوته وسلطنه وحكمه الأرض يومئذ .
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : ﴿ وسع كرسيه السماوات والأرض ﴾ ، قال : كرسيه موضع قدمه . أخرجه ابن مندة في رده على الجهمية والدارقطني في الصفات واختلف على ابن عباس منهم من وقفه عليه وبعضهم رفعه للنبي صلى الله عليه وسلم وقال الذهبي في الميزان : أخطأ من رفعه . ومثله قال ابن كثير في تفسيره . وأيضا ابن الجوزي في العلل المتناهية وقال : الأكثر على وقفه والوهم من شجاع بن مخلد .
قلت : أخطأوا في توهيم هذا الرجل فمعه زيادة علم عن ابن عباس في طريق روايته أن ابن عباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، ومثله لا يمكن يقوله ابن عباس من رأيه لا بد أخذه من الرسول صلى الله عليه وسلم ، استفتاه فأفتاه بذلك بمثل ما قاله اخوانه الأنبياء من قبله ، وقد فسر في هذا الكتاب المبارك معنى الكرسي ومعنى كونه موضعا لقدمه .
وهو عين ما قاله الأنبياء ما أفتى ابن عباس إلا بما قاله الأنبياء من قبل ، فالكرسي كناية عن القوة والسلطان والحكم للأرض ، وكونه موضع قدمه تعالى لنزوله فوق أحد بالمدينة ، ولهذا نسب المحل لقدمه عز وجل من أجل نزوله في ذاك المكان المقدس .
ويقول تعالى على لسان اشعيا : ﴿ فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ الْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ ، وَمَعَ الْمُنْسَحِقِ وَالْمُتَوَاضِعِ الرُّوحِ ، لأُحْيِيَ رُوحَ الْمُتَوَاضِعِينَ ، وَلأُحْيِيَ قَلْبَ الْمُنْسَحِقِينَ ﴾
فكل ذلك عن الأنبياء ما هو إلا نبوءات عما يكن آخر الزمان ، ينزل لنصرة آخر هذه الأمة مثل ما نزل على بني إسرائيل من قبل ، فيخلصهم مثل ما خلص بني إسرائيل من اضطهاد الفرعون واستضعافه لهم ، سننه لا تتبدل حين تغلق الأبواب للنجاة إلا من طريقه ، يأتي تبارك وتعالى كما قال على لسان هذا النبي مع المنسحق يسكن مع متواضع الروح ، ليحييهم ويخلصهم ، ولا أي جبروت مر على البشر كجبروت فراعين العصر بقيادة آلهتهم الملعونة الساحرة أمريكا .
ويقول النبي البار أيوب عليه الصلاة والسلام :
﴿ يَحْجِبُ وَجْهَ كُرْسِيِّهِ بَاسِطًا عَلَيْهِ سَحَابَهُ ﴾
﴿ هَلْ مِنْ وَرَاءِ الضَّبَابِ يَقْضِي ؟ ﴾
﴿ السَّحَابُ سِتْرٌ لَهُ فَلاَ يُرَى ﴾
وقال سليمان عليه الصلاة والسلام :
وقال فيه حزقيال عليه الصلاة والسلام :
وارميا قال عليه الصلاة والسلام :
يضعه تعالى فوق ذلك الجبل المقدس حين يتجلى بمجده ، ويخر الناس له سجود يومها ولو كانت الكعبة خلف ظهورهم لأنه سيكون هناك حاضرا ولا قبلة سواه إذا حضر تعالى بالمكان ، فهل مر عليكم مثل هذا المجد لأي مدينة من قبل ؟!
إلا مجد الأكاذيب والابتلاء فيما اتخذوا زورا وسرقة من بيت الله الحرام لأورشليم داود ، واليهود كذبوا على داود فلا هو بنى المسجد بل ابنه بناه ، ولا كلاهما اتخذوا من تلك المدينة قبلة ، والأنبياء لا يستقبلون إلا بيت الله تعالى استجابة لنداء أبيهم ابراهيم بأمر من الله تبارك وتعالى أن يتخذ بيته قبلة ويحج له الخلق ، وما ترك الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم على تلك القبلة الكاذبة الزائفة إلا لحكمة الامتحان لا لأنها كانت شرعية فقال تعالى في ذلك :
مثل ما قال عن الشيطان :
فالابتلاء بتلك البدعة المنكرة المحدثة كمثل الإبتلاء بسلطة الشيطان من أجل أن يتحقق الفرقان بين من يتبع الرسول ويصدقه وبين من لا يتبعه ولا يصدقه ، وبين من يؤمن بالآخرة ومن هو منها في شك ، ولو ما رحمته تعالى لأبطل تلك الصلوات لكنه لما امضاهم برهة لتلك الحكمة كان بهم رحيما فلم يبطلها لهم ولو اتخذوا من تلك القبلة الغير مشروعة قبلة للصلاة وتركوا بيت الله الحرام الذي أوجب الصلاة له وقصده للحج الأكبر .
وخلاصة هذا الفصل ونهايته في تقرير الكلام في سكن داود صلى الله عليه وسلم في طيبة الخير والنور بجوار ذلك الجبل المقدس يتعبد لله عز وجل ويسأله الغفران والرحمة ، وتدركون ما سبق ونقلته من نبوءة زكريا عليه الصلاة والسلام وهو يخبر عن جبل الزيتون وأنه سينشق بإذنه تعالى ويخرج منه ذلك النهر المقدس ، ذلك النهر الذي أخبر تعالى عنه في سورة القمر فقال تبارك وتعالى :
وقال فيه النبي زكريا عليه الصلاة والسلام :
وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ نُورٌ. الْدَّرَارِي تَنْقَبِضُ ... وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ مِيَاهًا حَيَّةً تَخْرُجُ مِنْ أُورُشَلِيمَ نِصْفُهَا إِلَى الْبَحْرِ الشَّرْقِيِّ ، وَنِصْفُهَا إِلَى الْبَحْرِ الْغَرْبِيِّ فِي الصَّيْفِ وَفِي الْخَرِيفِ تَكُونُ ، وَيَكُونُ الرَّبُّ مَلِكًا عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ الرَّبُّ وَحْدَهُ وَاسْمُهُ وَحْدَهُ ﴾
ويريد بقوله : ﴿ وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ نُورٌ الْدَّرَارِي تَنْقَبِضُ ﴾ ما قاله تعالى كما في سياق آيات سورة المرسلات المفتتح بذكرها هذا الفصل : ﴿ فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ﴾ ، وبينما ذهب وهل الناس إلى تعظيم ذلك الحدث من جهلهم المجمع عليه ، على أنه فعل لله سيجري تأثيره على ذوات تلك الدراري ، بينما هو يريد أدخنة نيران جهنم حين تفتح أبوابها ما بين مكة والمدينة فتحجب نتيجة ذلك أنوار تلك الكواكب ، والخبر يراد به تعيين علامات مجد الله عز وجل ذاك حين يتحقق تأويله ، ولم يرد به ما ظن الجهلة في أمر الله عز وجل هذا حتى حسبوا أنه سيبدل الأكوان ويزيل خلقه الثابت المقدر له البقاء أبدا والتوسيع لا النقض والإبادة .
ولهم مثل تلك الأوهام على غيب الله عز وجل وأمره هذا وعلى التكرار ، وقد رددت عليهم في هذا الفصل على ما سبق مني في تقرير الدك للأرض الخاص والعام ، والحشر الخاص والعام ، والجمع بين الأولين والآخرين الخاص والعام ، وأيضا النسف للجبال الخاص والعام .
وكل ما قالوه من جهالات في ذلك كله من باب القول على القرآن بالرأي لا غير والقائل على القرآن بمجرد رأيه له وعيد شديد من الله عز وجل ، وإن كان من يكذب على رسوله دعي عليه أن يتبوأ مقعدا من النار فكيف من يكذب على غيب الله عز وجل ؟!
فاسألوا لهم الغفران من الله فإنهم تقولوا بجهل من غير قصد سيء عسى يرحمهم الله ويتجاوز عنهم .
وسأفصل لكم الآن معنى قوله تعالى : ﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ﴾ ، لكني أذكر قبل ذلك لبيان وجه اختياره تعالى لكلمة نسف ، ما سبق وفصل في ملف " شجرة الزقوم تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين " ، فقيل هناك ما يلي :
لم يرد ذكره - الزقوم - إلا في ثلاثة مواضع من القرآن في سورة الصافات وسورة الدخان والواقعة ، وإيراد ذكره بسورة الدخان ليس عن غير حكمة وإنما للعلاقة التي سأبين حقيقتها إن شاء الله تعالى هنا وبتوفيقه ، كذلك إيراد ذكره في سورة الواقعة يفيد نفس المعنى من إيراده بسورة الدخان ، فالدخان أصلا وعلامة النار تؤذن بوقوع الواقعة لهذا ناسب ذكر ذلك بتلك السورتين مثل ما ناسب ذكره بسورة الصافات .
ونفط أولئك الأشرار منبع زهرة حياتهم الدنيا وبما أن تلك السورة خصصت لذكر دخان ذلك النفط العلامة لبعث المهدي عليه الصلاة والسلام ناسب ذكره فيها مثل ما ناسب ذكره في سورة الصافات والواقعة تماما ، وهو ذاك النفط الذي ما إن يبلغوا أمره إلا وسيكون ذلك إيذانا بقرب الفصل من الله تعالى في أمرهم وإنزال قضاءه فيهم ، لذلك قدر لهم أمر تلك النيران وأعمدة ذلك الدخان ، علامة وميقات لذلك الفصل ووقوع أمره العظيم .
وكون ذكره من المثاني هو أيضا لتفصيل أنه زهرتهم بالدنيا ومصدر نعيمهم الزائل فيها كما سيتضح هذا من تفاصيل آيات سورة الصافات ، وأما في سورة الدخان وسورة الواقعة فهو طعامهم في الجحيم لاحقا ، فكان ذكره من المثاني من هذا الوجه والاعتبار .
قال تبارك وتعالى في سورة الصافات :
ولنبدأ بتناول ما ورد عن ذلك الزقوم وتلك الشجرة في سورة الصافات لأنه في سورة الدخان صريح أن ذلك من عذابات جهنم على أولئك الأشرار حين يدخلون النار وأيضا في سورة الواقعة ، لكن قبل ذلك هو من الإبتلاء والإمتحان والتمييز كما في سورة الصافات ، لكن الناس مما التبس عليهم ذلك التباسا شديدا حتى لم يفرقوا ويدركوا فرق ما بين ذلك وما وجه إثبات العلاقة بين كل ذلك ، فكان تأويل ما في سورة الصافات وهم بالدنيا ، وتأويل ما ورد عن الزقوم في سورة الدخان والواقعة بعد أن يدخلوا النار كما قال تعالى في سورة الصافات بعد أن فصل في فتنته عليهم وهم بالدنيا ثم قال عز وجل : ﴿ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِّنْ حَمِيمٍ . ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ . إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ ، فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ﴾ .
ولو كان ما سبق ذكره وهم بجهنم لما قال تعالى : ﴿ ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ﴾ ــ ونظير ذلك حين عرضهم على أبواب النار بين مكة والمدينة كل ذلك مما يجري عليهم قبل ما يدحلوا الجحيم ، فهناك أيضا يكون لهم شوبا من حميم وتغشى وجوههم النار قبل ما يدخلوها ــ ، لأن ثم تفيد التراخي في كلام العرب ، أي يسبق ذلك دخولهم جهنم وهذا مما يثبت أن ما سبق من تفاصيل وهم بالدنيا لا مثل ما فهمه الكافة أن ذلك من تفاصيل أمرهم بعد دخولهم النار ، ولو أنه ذكر قوله عز وجل قبل ذلك : ﴿ فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ . ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِّنْ حَمِيمٍ ﴾ .
فالأكل من تلك الشجرة على ما ورد في سورة الصافات خلاف الأكل على ما ورد في سورة الدخان والواقعة ، لهذا ذكر هناك وهم بجهنم غليانه في بطونهم لشربهم منه وهو حميم على العكس من ذكر اطعامهم من تلك الشجرة في سورة الصافات لأنهم وهم بالدنيا بعد لم يحين دخولهم لجهنم ، وعليه عد ذلك فتنة لهم تماما مثل ما قرر ذلك تعالى بالآيات التي أوردها المهدي عليه الصلاة والسلام في كلامه السابق قوله تعالى :﴿ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ . أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ . نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ ﴾ . ومن متاعهم بذلك تيسير ألوان ما سيطعمون نتيجة ذلك من توفر للمعدات وجميع أنواع الآلات المترتبة على ذلك النفط كآلات التبريد للتخزين والنقل وآلات أنواع المراكب كالطائرات والسيارات لنقل كل ذلك ، والباقي مفهوم على ذلك ، فكان في ذلك منتهى المتاع للمقوين .
ومثل ما جعل تعالى تلك الشجرة ونارها العلامة تذكرة ومتاعا للمقوين الخراصين الساهين ، هو جعلها فتنة لهم سبحانه ليبتليهم ويخرج في تمحيصهم بذلك حقيقة ما هم عليه من شر وإعراض عن دينه وشريعته وملته ، وكان في ذلك بلاء عظيم ولا شك : ﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ، إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ ﴾ ، ﴿ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ .
وفي سورة الذاريات يقول في ذلك تبارك وتعالى : ﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ ، إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ ، يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ، قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ، الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ ، يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ ، يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ، ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ﴾ .
وعلى وفقه كان تصريح المصطفى صلى الله عليه وسلم عن أمرهم ذاك أنه فتنة وسماها بفتنة السرى وقال : "دخنها من تحت قدم رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني إنما أوليائي المتقون " . يريد المهدي وصدام ، وخص صدام بإثارة ذلك الدخان وتلك الفتنة التي لم يقتصر بيان تفاصيلها على ما ذكر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم والكتاب الذي أنزل عليه ، بل فصل في ذكرها جمهرة من الأنبياء بحسب ما مر معنا في منشورات موقعنا المبارك من كتب ومقالات كثيرة .
وخص المهدي بالولاية والتقوى مثل ما قسم تعالى بقوله السابق : ﴿ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ، ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ . إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ﴾.فالنار وفتنتها لصدام ومنه ، وللمتقين الجنان والعيون إنهم كانوا من المحسنين ، واسم المهدي الحسين عليه الصلاة والسلام واسم صدام " صدام حسين " أي يصدم أمره أمر الحسين .
وهي تلك النار التي جعلها الله عز وجل موعدة للكافرين على ما نبه إليه بمقال المذكور قبل ، في قوله تعالى : ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ﴾ .
وفي قوله تعالى أيضا : ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ــ والنار هنا مثل ما يدخل في ذكرها نار آبار نفطهم ، كذلك نار الجحيم هي موعدة لهم حين تفتح أبوابها بين مكة والمدنية ــ ، فهي مواعيد جعلها الله تعالى لأولئك الكفرة الأشرار أصحاب البترول الأسود .
ولعل الجاهل سيعترض على ذلك لعدم علمه بمعنى ﴿ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِّنْ حَمِيمٍ ﴾ ، وهذا ما هو إلا العلامة على النزف للنفط حين يخرج من باطن الأرض نتيجة إشعال تلك النيران بتفجيرات صدام حسين فتكون تلك النيران وأعمدة الدخان وذلك الحميم يملأ الأرض سيلانا على وجهها ، وذلك هو الشوب أعمدة نار ودخان وسيلان حميم خليطا من كل ذلك ، وهو العلامات المؤكدة على تحقق بعث المهدي وتأويل آيات سورة الدخان فيه وفي قومه .
وتأتي الآيات تلك من سورة الصافات لتؤكد بالزيادة على ذكر العلامتين الدالة على بعثه أعني العلامة النار والدخان بأن ذلك سيكون نتيجة ذلك النزف للنفط حتى يندفق فوق سطح الأرض طالعا من باطنها ليستعرض الله تعالى الحميم الذي ابتلعوا نعيمه بالدنيا وسيبتلعونه لاحقا لما يدخلهم جهنم فيغلي في بطونهم ، وكما أن سارق الأرض سيأتي يوم القيامة معاقبا بذلك حتى ورد أنه سينقل رملها كله والناس في العرض ، مثل ما أن سارق البعير سيأتي ببعيره فوق ظهره ، وسارق الشاة ، كذلك هؤلاء سراق النفط والباذلين لخيراته بالشرور ، سيعاقبون به في جهنم فيبتلعونه ليغلي في بطونهم كغلي الحميم كما سيعذبون به قبل دخولهم جهنم على ما أفاده قوله تعالى في سورة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام : ﴿ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ، سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ ﴾ ، -- ومن سيراجع الفلم المنشور مؤخرا بالمقال التالي سيجد كيف ذلك الحميم يعرض الله تعالى لهم طلع تلك الشجرة وهو يغلي على سطح الأرض -- ، وكل ذلك لعلهم يتذكرون ويوقنون لكن من أين لهم ذلك وقد تولوا عن رسولهم وأعرضوا عن نذارة أصحابهم جماعة الرسل ؟
ولما كان استخراج ذلك النفط لن يتم لهم أمره إلا بالحرث عنه كما قال تعالى : ﴿ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ، أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ، لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾ . وهذا الموعد بأن يجعله تعالى حطاما فيبطل عمله عليهم ويذهب به للأبد فيحرمون منه ليكون حسرة في قلوبهم كما سيحرمون من نعمة الذهب والفضة ، وكل ذلك مما عليه الوعيد حتى قال عز وجل في ذلك : ﴿ من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب ﴾ . أي ليس له إلا جهنم خالدا فيها ، ولا حتى ينالهم من خير مقضي به للمؤمنين في جزيرة العرب ، فبالنهاية لا هم لنعيم النفط لأنه سينقطع ويذهب به الله تعالى ، ولا هم لنعيمه للمؤمنين بالخيرات وعظيم الثمرات وأنواع النعم منه عز وجل لعباده كما وعد على ألسنة رسله ، فهم سيحرمون من كل ذلك سيرون ولن ينالوا فتكون عليهم الحسرة مضاعفة حرمان من الأول وحرمان من التالي والخاتمة ، فنعوذ بالله تعالى مما ينتظرهم من مصير وخزي أولئك أصحاب النفط ، وهم اليوم في غفلة شديدة عن ذلك وسكرة زائفة سيعقبها التنهت والعض على أصابع اليدين من شدة قهر القلوب .
وحين كان إقتناع من سلف في تفسير تلك الآيات أن ذلك مما سيكابده أولئك الأشرار وهم في جهنم حتى مرروا قوله تعالى : ﴿ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ ﴾ وفي قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : ﴿ ثم إن منقلبهم لإلى الجحيم ﴾ ، من غير إستشكال وهم يرون ذلك الحميم والشوب ما قبل دخولهم لجهنم ، واعتمدوا ذلك رغم علاته وافترضوه طعامهم في الجحيم ففسروا على ذلك معنى الشوب أنه الخليط مما تصوروا والحق بأن لا علاقة لذلك بهم وهم في نار الجحيم بل قبل ذلك والشوب ليس من طعامهم بحال بل هو من نارهم ودخانهم تلك العلامات على بعث المهدي وذلك الخليط معه من سيلان الحميم على وجه الأرض .
ولما كانوا على ما بينت من تصورهم ووهمهم الذي وقعوا فيه لم يلتفتوا لمعنى الشوب من غير ذلك الوجه لما رسخ في أذهانهم من باطل في التفسير والتأويل لتلك الآيات ، لكن أهل الحق والفتح المبين من الله تعالى يفسرون ذلك ويدركونه على وجه الحق الذي لا تشوبه شائبة وكما قال النبي اشعيا في ذلك : ﴿ لكِنْ لَمْ تَنْظُرُوا إِلَى صَانِعِهِ ، وَلَمْ تَرَوْا مُصَوِّرَهُ مِنْ قَدِيمٍ ﴾ ، يريد من فصل أخبار نفطكم وأحوالكم التي ستكون معه ، مثل ما هو مفصل في القرآن على هذا الأساس والقاعدة الربانية أنه أخبر عما سيفعلون وما سيكون عليهم ولم يغفل شيئا من ذلك بل ذكره كله كبيره وصغيره .
وكلمة الشوب من الكلمات الجامعة لأكثر من معنى فهي كما تدل على الخلط على ما اختاره المفسرون الذين لم يجدو متسعا لغير ذلك بحسب فهمهم المحصور على أن ذلك في طعام أهل النار ، وهي على اختيار أهل الحق تدل كذلك على زيادة في المعنى غير ما ذكر عن مذهبهم في التفسير أنه خليط من نار ودخان وحميم نفط مسال على وجه الأرض ، وكونه أيضا بمعنى امداد تلك النار العلامة بما يزيد لهيبها ونفثها للدخان وهو الأوفق والأنسب لشأن ذلك النفط وحميمه ، فالشوب يأتي بمعنى المدد لإنارة الشيء بكلام العرب وإظهار لونه أيا كان ، فحكى صاحب اللسان عن الجوهري قوله :
الشَّبوبُ بالفتح ما توقد به النار , وذكر عن أبي عمرو بن العلاء قوله : شُبَّت النارُ وَشَبَّت هي نفسُها ، ولا يقال : شَابَّـةٌ ، ولكن مَشْبُوبةٌ .
وتقول : هذا شبوبٌ لكذا أي يزيد فيه ويقويه .
وفي الحديث عن مطرف : أن النبي صلى الله عليه وسلم : ائتزر ببردة سوداء ، فجعل سوادها يَشُبُّ بياضَه ، وجعل بياضُه يَشُبُّ سوادَها . قال شمر : أي يزهاه ويحسنه ويوقده .
ورجل مشبوب إذا كان أبيض الوجه أسود الشعر ، وأصله من شب النار إذا أوقدها ، فتلألأت ضياء ونورا .
وفي حديث أم سلمة رضي الله عنها حين توفي أبو سلمة قالت : جعلت على وجهي صبرا ، فقال النبي : إنه يَشُبُّ الوجهَ فلا تفعليه . أي يلونه ويُحسنه اهـ .
وعلى هذا المعنى ندرك ما يعنيه تعالى بتلك النبوءة وأن ذلك الحميم ما هو إلا شوبا لتلك النار العلامة ومصدرا لدخانها يزيدها إستنارة ووضوح ويمد استمرارها ودخانها كذلك ، ويكون التفسير الحق ما تقرر باختيار أهل الحق ، أن ذلك مع كونه خليطا من تلك العلامات الربانية على تعيين زمان بعثه لخليفته ورسوله المهدي عليه الصلاة والسلام وتعيين زمان أولئك الأشرار أصحاب الزقوم والشجرة التي تنبت من أصل الجحيم ، هو أيضا بمعنى المصدر في إمداد تلك النيران وذلك الدخان فيكون ذلك الحميم شوبا لكل ذلك ، ولهذا أقول بمراجعة ذلك الفلم التصويري لدخان آبار نفط الكويت سيجد المشاهد كيف أن ذلك النفط يغلي كغلي الحميم ، وليتذكر حينها المشاهد أن بمثل تلك الصورة سيغلي في بطون أولئك الأشرار في جهنم يوم القيامة مثل ما أخبر عن ذلك ربنا عز وجل في سورة الدخان ، ومثل ما هم قد عاينوا ذلك بتلك الفتنة و ذلك الحدث الجلل ، أن أحدهم لعله سيعاين ذلك بنفسه حين يكون مثلهم ويدخله تعالى معهم في جهنم ويكون هناك ذلك الحميم طعاما لبطنه يغلي فيه كما هو مشاهد اليوم ، أو أن يكون من الناجين فيطلع على أهل النار ويرى عذابه بذلك كما قص تعالى ذلك عن المؤمنين في سورة الصافات ، نسأله تعالى اليقين والإيمان والإخلاص وأن يكتبنا كما قال تعالى على لسان ذلك المؤمن لما اطلع على أهل النار :
وأقول : ولما كان المراد بذلك نفطهم قال ما حاروا به هو أيضا السلف من المفسرين قوله عز وجل : ﴿ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ ﴾ . وأورد إمام المفسرين على قولهم ويريدون الطبري هذا الإستشكال فقال رحمه الله تعالى :
فإن قال قائل : ما وجه تشبيهه طلع هذه الشجرة برؤوس الشياطين في القبح ، ولا علم عندنا بمبلغ قبح رؤوس الشياطين ، وإنما يمثل الشيء بالشيء تعريفا من المُمِّثل المُمَّثل له قربُ اشتباه الممثَّل أحدهما بصاحبه مع معرفة المُمَثَّل له الشيئين كليهما ، أو أحدهما ، ومعلوم أن الذين خوطبوا بهذه الآية من المشركين لم يكونوا عارفين شجرة الزقوم ، ولا برؤوس الشياطين ، ولا كانوا رأوهما ، ولا واحد منهما ؟ اهـ .
ثم انتهى إلى أن ذلك مجرد تمثيل على وجه وعلى وجه آخر على الحقيقة وسيرد قريبا تقريره والرد عليه إن شاء الله تعالى .
ويعلم الله تعالى في علاه إن صدقت روايتهم عن أبي جهل أنه استنكر ذلك ودعى بتمر وزبد وأمر بخلطه ثم قال كلو ، ولما انتهوا قال : هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد .
وقوله والله حق ، وأنه تزقم سيكون للأشرار بالدنيا توعد عليه الله تعالى بما توعد ، وأنه مثل ما كان سببا للنعيم الذي سيتمتعون به ، هو ذاته سيكون طعاما لهم يتزقمونه في جهنم ، والجزاء من جنس العمل وذلك من عدله تعالى ورحمته .
وعليه يكون الشوب لا علاقة له بما فهموا خلاف فهم أبي جهل ، الذي اعتبر ذلك التزقم للتمر والزبد وأنه لا يعرف تزقما إلا هذا ، وهؤلاء الأشرار سيتزقمون من خيرات ذلك ألوانا عديدة جدا ، حتى أنه تعالى لما وصف تلك القرية التي سيكون فيها مثار كل ذلك قال بأن رزقها سيأتيها رغدا من كل مكان ، وهذا من ذاك تزقم الفاني الهالك ، ونهايتهم للبوار .
وقال الطبري في تفسيره : والثاني أن يكون مُثِّل برأس حية معروفة عند العرب تسمى شيطانا ، وهي حية لها عُرف فيما ذكر قبيح الوجه والمنظر ، وإياه عنا الزاجر بقوله :
قلت : هذا هو الحق انتهينا إليه الآن ، أما الوجه الأول فمردود لما قرر نفسه الطبري أن الأصل بالتشبيه للمشبه له أن يقع بمعلومين له حتى يدرك معنى الخطاب ووجه التشبيه كما تقتضيه العادة فيدرك الحكمة في ذلك التشبيه ، أما أن يكون التشبيه بما لا يمكن يدرك معناه المخاطب فهذا منزه عنه عدل الله تعالى وعظيم حكمته .
ولما كان ذلك التشبيه متعلق بما جعله تعالى غيبا على الكثير من البشر وأنه اخبار على وجه نبوءة غيبية ، كان ذلك التشبيه بمعهود في زمان الخطاب بمعهود آخر لكن في زمان تحقق تأويل تلك النبوءة ذاتها وحينها فقط سيتجلى للناس ما يعنيه تعالى تماما بخطابه في ذلك وإخباره عن الغيب في ذلك ، فكان ذلك التشبيه للنفط برأس وجسم أصل ذلك الصل المعهود الخلقة في زمانهم ، فتم بذلك التشبيه على الوجه المعلوم لا مجرد مثال تعلق بغيب لا يمكن يدرك معناه فالشياطين من الاستحالة بل الممنوع تمثلهم للخلق في الدنيا فقد ضمن الله تعالى المنع من ذلك أصل نشأتهم حين مسخهم لصور هم أصلا يكرهون أشد الكره أن يعلموا عليها ويراهم الخلق وإلا لفعلوا ذلك من زمان بعيد جدا ، لكن ذلك من الممنوع على فطرتهم ، فكيف بعد ذلك يقع التشبيه عليهم وواقعهم على ما ذكرت ؟
هذا ليس ممكنا وينزه عنه خطاب العلي العظيم العادل .
لكن أن يقع التشبيه ما بين ذلك الصل وما بين طلع تلك الشجرة فهنا الحكمة والعدل والحق لا شك في ذلك عند أتباع المهدي عليه الصلاة والسلام ، حتى إذا ادرك هذا الأمر من هذا الوجه تمثل للناظر من المؤمنين وجه ذلك التشبيه الحق وسيراه صدقا وعدلا .
وهنا يرد هذا السؤال هل رأيتم الصل المسمى بالشيطان عند العرب ؟
سأريكم إياه وتشبيهه بالشيطان حقا لقبح منظره ولسواده والسواد مثالا للشر غالبا في أذهان الناس حتى لقلب نوع من السحر بالسحر الأسود ، وبالسواد عرفت الظلمة واشتق منها اسما علما للضلال ، وكل تابع للشيطان بديهة ستجدونه مولع بالسواد ، حتى نراهم اليوم بالغرب يتميزون بحب ذلك اللون لأنه لون سيدهم ومعبودهم عليهم اللعنة جميعا والخزي .
صورة للنفط للمقارنة مع لون الشيطان
وتشبيه طلع تلك الشجرة شجرة الزقوم التي أصلها نابت في أصل الجحيم بهذا الشيطان تنبع برأس أشبه ما يكون لونه لون هذا الثعبان الذي له عرف يريدون عرف الكوبرا حين ينتصب فيبسط عرفه تاج رأسه ليخيف به من يهاجمه ، فهنا التشبيه وقع على قبح لونه ولون البترول لكل ناظر لا محالة سيجد قوة التشابه بين لون النفط طلع تلك الشجرة ، وبين لون جلد ذلك الشيطان الأسود .
وحتى امتداد جسده هو أشبه أيضا بامتداد طلع عيون النفط ، حين يرتفع انبعاثه للأعلى من قوة ضغطه بجوف الأرض ، فيرتفع خارجا للأعلى كأنه جسد ذلك الشيطان منتصبا يخيف مهاجمه ، وهذا من التشبيه الحق الذي عناه عز وجل بخبره عن شجرة الزقوم التي تنبت بأصل الجحيم ، وتسمية ذلك النفط بالطلع نسبة لخروجه من جوف الأرض ، يقول العرب : أطلع الرجل أي قاء . والمعنى أخرج ما في جوفه .
ونظيره قول النبي صلى الله عليه وسلم في رجل جاء وفيه بذاذةٌ تعلو عنه العين ، فقال : هذا خير من طلاع الأرض ذهبا . أي ما يملؤها حتى يطلع عنها ويسيل اهـ . ذكره صاحب لسان العرب .
وحكى عن أبي عمرو : أن من أسماء الحية الطلعُ .
وهو اسم جامع وبالعموم يدل على كل شيء ظهر وجاء من بعد ما لم يكن كذلك ، وانبعاث ذلك النفط على هذا النحو شأنه ، فهم يستخرجونه أو يخرج من نفسه أو بفعل مخرب كما في تلك الفتنة ، ثم يسترسل حتى كما رأى العالم فاض على وجه الأرض بتلك الفتنة وسالت به ليتحقق وعد الله تعالى وما قاله الأنبياء من مثل قول اشعيا :أجعل أرضها زفتا ، نارا وأعمدة دخان . فكان كما أخبر الله عز وجل وقال الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم .
وأختم بذكر آخر تلك الآيات قوله تعالى :
ومن بعد ما فصل في أحوال أولئك الأشرار وأتى على ذكر فتنتهم تلك من النفط طلع تلك الشجرة التي بين أنها تنبت في أصل الجحيم ، ذكر أنه سيرسل فيهم منذرين ومراده أولئك الرسل الذين سبق البيان في أحوالهم والقول في تعيين زمانهم ، وأنهم المبعوثين للبشارة والنذارة بأمر المهدي رسول تلك الفترة لكافة البشرية وخاتمة أمر الرسل والنبوءات يؤكد على ذلك قوله عز وجل في سورة الجن :
ومراده بالجمع هنا ﴿ لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ ﴾ ، يعني به أولئك الرسل ، والبلاغ للرسالات عائد عليهم وعلى المهدي معهم ، ومراده بالرسالات ما أبلغت الرسل خبرا عن ذلك من قبل وهو ما سيتم إيصال البيان عنه للناس بأمر أولئك ، ولا زلنا في البلاغ عن ذلك وتقرير القول فيه ليومنا هذا بل للحظتنا هذه ، والعاقبة للمتقين .
والسلف لما كانوا لا يعلمون غيب الله تعالى في ذلك ولم يطلعهم الله تعالى على غيبه هذا ولم يرتضي منهم رسولا ليعلمهم عن ذلك ، لم يجدوا اختيارا لذلك الضمير إلا بإرجاعه لمن ضل قبل أولئك أصحاب كل ذلك السياق وكل ذلك البيان ، أما أهل الحق فعلى خلاف ذلك ولو كان عليه اجماع ممن لا علم لهم ولا اختيار فيهم لرسول يطلعه الله تعالى على غيبه كما تقرر ذلك في كتاب الله تعالى الزبور قوله هناك :
وقال على لسان نبيه عاموس عليه الصلاة والسلام :
وقال على لسان النبي حزقيال عليه الصلاة والسلام :
لَنْ يَتَأَخَّرَ بَعْدُ تَنْفِيذُ كَلِمَةٍ مِنْ كَلاَمِي الَّذِي قَضَيْتُ بِهِ ، فَكُلُّ كَلِمَةٍ نَطَقْتُ بِهَا لاَبُدَّ أَنْ تَتِمَّ ﴾
فهذا شيء من تلك الرسالات ، وهذا الأمر مقضي به من الله عز وجل وسنته أن لا يبدأ يفعل ذلك ما لم يطلع من يختار على غيبه في ذلك ويكشف له عن أسراره ، فمن أكذب ذلك إنما يكذب الله تعالى في قضاءه وما نبأ من ذلك رسله .
وأقول بعد هذا : وكان قول أهل الحق واعتقادهم فيما ذكر تعالى في سورة الصافات قوله عز وجل : ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ ﴾ ، أن ذلك الضمير إنما مرجعه لأولئك أصحاب تلك الشجرة والتزقم منها في الدنيا والآخرة ، لا على من ضل قبلهم من سائر الأمم التي عذبت على ما اختار ذلك السلف ، وظاهر كلامه تعالى يخالف ما قالوه زيادة على ما فصلت من قبل وبينت وجه التعيين الصحيح في ذلك ، فقوله تبارك وتعالى بتلك الآيات : ﴿ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ ، إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ، وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ، وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾.
فالأمر بالنظر هنا لمعاين بعينه لا نظر علم فقط على اختيار من فسر من السلف ذلك وأعاد الضمير في ذلك على من سبق من الأمم ، والنبي صلى الله عليه وسلم ليس هو المعاين لكل ذلك بل حفيده هو رسولهم وهو من سيدركهم لهذا توجه له الأمر بالنظر في تلك العاقبة على الأشرار لأنه سيعاين ذلك حقا ، وهذا هو القول الحق ، وتلك هي المعاينة والنظر على الحقيقة ويكون ذلك يومها واقعا يشهده الحفيد لا الجد ويصح هناك معنى قوله عز وجل : ﴿ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ . إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ ، مثل ما قرر على لسان ذاك النبي قوله : ﴿وَأَجْعَلُ مَجْدِي يَتَجَلَّى بَيْنَ الأُمَمِ فَتَشْهَدُ دَيْنُونَتِي الَّتِي أَنْزَلْتُهَا بِهِمْ ﴾.
وعليه عقب كل ذلك بقوله عز وجل : ﴿ إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ، وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ، وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ ، ويريد بذلك تشبيه الحال في الخلاص والدعوة ما بين نوح وقومه عليه الصلاة والسلام ، والمهدي وأولئك المتزقمون من خيرات النفط ، وعباده المضطهدون اليوم المسبيون المحبوس أكثرهم الطريد والشريد ، الذين قضى لهم بأمر مهديه وخليفته ورسوله مبعوث الخلاص النجاة مما هم فيه اليوم ، ولا خلاص ولا نجاة لهم في غير ذلك قط ، فباطل السلاح للخلاص ، باطلة هي المراكب للخلاص ، هذا قضاء الله تعالى وإلا كيف سيكون خلاصه فضلا منه وحده وتكرما ونعمة منه على عباده ؟!
هذا وفي الختام بعد أن قررت علاقة تلك الشجرة وذلك التزقم منها دنيا وآخرة فيمن يكون ذلك وما هي علاقتهم بأولئك جماعة الرسل أختم هنا الكلام ، ولا توفيق إلا منه تعالى ولا هدى إلا هداه تبارك وتعالى .
وأقول هنا : لما كان فعله تعالى في نسف تلك الجبال ومتعلقه بما أشار له من تزقمهم بالدنيا فناسب يكون ذلك الوصف بالنسف بما يتعلق بالطعام لا بما تصوروا تعلقه بالإقتلاع بأن يعمد لتلك الجبال فينسفها بمعنى يزيلها من أصل وجودها والحق أن مراده استخراج ما في بطنها فيسيله على وجه الأرض من حولها قطرانا حاميا وغير حام ليسربل تلك الأجساد ويختم على تلك الخراطيم من سواد ذلك القطران ، وليذوقوا خزي ما كانوا يجمعون من حطام الدنيا ونعيمها المكتوب عليه الزوال .
والنسف مثل ما أنه يفيد معناه القلع بكلام العرب للأجساد الثابتة الجامدة ، هو بذات اللغة يفيد أيضا الافاضة وخروج الشيء عن حده ، قال في تاج العروس : نَسَفَ الإِناءُ يَنْسِفُ : فاضَ . و إناءٌ نَسْفانُ : مَلآْنُ يفيِضُ من امْتِلائِهِ اهـ .
وفي لسان العرب : ونسَف الإناءُ يَنْسِفُ فاض اهـ .
وعليه يكون المراد بالنسف بتلك الآية للجبال إذا أفاض ما في جوفها من مياه البركة السفلى للخارج وسالت مثل ما أسالها القوي تبارك وتعالى لنبيه سليمان من قبل عليه الصلاة والسلام ، حتى يحقق ما وعد به بحقهم .
وفي لسان العرب أيضا عدد هناك من معاني النسف بقوله : ونسَف الطعام يَنْسِفه نَسْفاً إذا نفَضه . والمِنْسف هَنٌ طويل أَعلاه مرتفع وهو مُتَصَوِّب الصدر اهـ . نسب وسُمّيَ بذلك لفعلهم بالطعام يصب على وجهه فقالوا ( منسف) .
وقال في مختار الصحاح : والمِنسف بالكسر ما ينسف به الطعام وهو شيء منصوب الصدر أعلاه مرتفع والنسافة بالضم ما سقط منه اهـ .
وقال في تاج العروس : والنَّسْفَةُ بالفَتْح ويُثَلَّثُ ويُحَرَّكُ والنَّسِيفَةُ كسفَيِنَةٍ واقْتَصَرَ الَّليْثُ على الفَتْحِ : حِجارَةٌ سُودٌ ذاتُ نَخارِيبَ تُحَكُّ بها الرِّجْلُ في الحَمّاماتِ سُمِّيَ بهِ لانْتِسافِهِ الوَسَخَ من الرِّجْلُ أَو هي حِجارَةُ الحَرَّةِ وهي سُودٌ كأَنّها مُحْتَرِقَةٌ اهـ .
انظروا إلى ما رجع في معناه بتلك الكلمة إلى حجر من تلك الحمم البركانية ذاتها .
وعليه أقول : حقا لما نقول أغلب تفاسيرهم أنها تبنى على تصوراتهم الخاطئة غالبا فيختارون ما يوافقها ويقصرون ذلك عليها ، وإلا قد سبق وبينت أن الله عز وجل لما يريد معنى لنسف الجبال خاص وهو ما ذكرت من تأويل له ، ثم هو يريد معنى آخر مختلف أنه يردف ذلك بما يكشف عن مقصوده بالإزالة عكس لما أراد تبارك وتعالى اخراج ما في بطنها من قطران اقتصر على ذكر نسفها ثم لم يعقب لان المعنى المقصود مختوم عليه مخفي عن عقولهم القاصرة عن أن تطال علم قدر العلم به لنفسه تعالى ولمن يصطفي من رسله .
وأختم هذا الفصل بالقول : ولعظيم فضل ذلك المكان ومدى قداسته عند الرب عز وجل وكان يعلم بذلك نبيه داود عليه الصلاة والسلام ، كان قد سكنه وتعبد لله عز وجل عنده بحسب ما دون في سفر صموئيل الثاني فقيل هناك :
وَلَمَّا وَصَلَ دَاوُدُ إِلَى الْقِمَّةِ حَيْثُ سَجَدَ ِللهِ ، إِذَا بِحُوشَايَ الأَرْكِيِّ قَدْ لَقِيَهُ مُمَزَّقَ الثَّوْبِ وَالتُّرَابُ عَلَى رَأْسِهِ ﴾
فانظروا للشيطاني كاتب عهدهم القديم هذا الملعون الكافر في تلك القصة عن زيارة النبي داود لمدينة الله المقدسة طيبة السلام والخير والمجد ليتعبد الله عز وجل ، كيف يغيضه مثل هذا مثل ما أغاضه ذلك من فعل ابنه سليمان عليهما الصلاة والسلام ، فينثر سمه هناك لداود ويبديه رجل ملك جبان يفر هارب من صعلوك يتوسل لاستمالة الناس فردا فردا لينقلب على مملكة داود عليه الصلاة والسلام فيسلب منه الملك ، وداود النبي الذي معه الله عز وجل يفر مخلوع القلب من الجبن فارا لطيبة المقدسة ولذلك الجبل ليصعد قمته وينثر التراب على رأسه انابة وتوبة لله عز وجل .
نعم وهكذا هي تحريفات ذلك الكافر الشيظاني كما قلت قبل عند قصته لسرقته يعقوب بركة اسحاق من أخيه البكر عيسو ، أكاذيب متوالية يقصد منها الطعن بالأنبياء والسخرية منهم كما فعل هنا مع نبي الله تعالى داود عليه الصلاة والسلام .
لكن الحقيقة أن داود كان يعظم المدينة طيبة ويعظم جبلها المقدس لما علمه الله تعالى وعرفه عن مجدها ، حتى أن تابوت العهد كان ينقل لأورشليم التي بناها واتخذها عاصمة لملكه ، وهو ينطلق من خلال البرية ليصل للمدينة ولجبل الزيتون أحد المقدس ليصلي لله عز وجل هناك ويبتهل لجلال وجهه العظيم تبارك الله القدوس السلام المهيمن .
وقد كان منهجا له التنقل عبر نهر الأردن للجزيرة ذهابا وإيابا تكرر منه ذلك غير ما نقلت قبل مثل قتاله مع اليهود أرام ورد ذلك في أخبار الأيام الأول قالوا هناك :
كان ذلك العبور أمرا طبيعيا لتوريث الله عز وجل لهم كل تلك الأراضي لكن الناس جهلت هذا بالمرة لأن ليس بمعلومهم أن بني إسرائيل أول ما ورثوا أراضي الجزيرة العربية ، بالمرة لا يعلمون ذلك .
أما ابنه سليمان فيكفي ما قص تعالى في نقله على جناح الريح تجري بأمره ليريه تلك الأرض المباركة ويريه تلك الآية إسالة عين القطران ويخبره عما سيكون كيف يكون من مجد وعظمة وبهاء ، لكن الشيطاني كاتب العهد كان يسوء قلبه ووجهه ذلك من أفعالهم وأخذ ينفث سمومه الأبليسية على نبي الله تعالى سليمان كما فعل ذلك مع أبيه من قبل فيقول :
تمعنوا جيدا كيف الإبليسي يلمزه بزيارة الجبل المقدس أحد بطيبة ويلمح إلى أنه مشرك يذبح لغير الله عز وجل هناك فوق الجبل ، انظروا للكافر الملعون كيف يدس طعنه بالأنبياء وهو في صدد بسط النقل عن أسفارهم وأخبارهم ، وما ذلك إلا لبغضه لهم من أجل إرتباطهم بتلك المدينة المقدسة وبجبلها المقدس .
وان كان لمح بذلك النص فقد صرح بغيره فقال :
﴿ فَذَهَبَ سُلَيْمَانُ وَرَاءَ عَشْتُورَثَ إِلهَةِ الصِّيدُونِيِّينَ ، وَمَلْكُومَ رِجْسِ الْعَمُّونِيِّينَ ﴾
..............
(1) سبق من سنين إفتتاح ملفات خاصة بموقعنا المبارك لأخبار تلك المرسلات تراجع هناك ، ومنها عام ومنها خاص على أمريكا .
(2) تلك الشجرة لعنت بالقرآن ومراده تعالى بها البترول والكافة لم يكونو يعلموا ذلك : ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً﴾ . ولو فطنتم لنبوءة نبي الله تعالى أشعيا عليه الصلاة والسلام أنها جمعت ما بين ذكر وادي الرؤيا المشار إليها في آيات سورة الإسراء ومراده مكان تحقق تلك الرؤيا التي بعث بها المهدي وعين من الله تعالى بمثال المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وبين البحيرة السفلى ومراده مخزونات النفط الهائلة تحت تلك الأرض ، ومثله كان جمع القرآن بتلك الآيات ما بين ذكر تلك الرؤيا والنفط لكن بالقرآن وصفها بالشجرة لدقة ربانية بذلك الوصف والمعنى منه الرفع تقول العرب : شجَرَ الشجرة والنبات شجرا رفع ما تدلى من أغصانها . ذكره ابن منظور من لسان العرب فقال هناك : إذا نزلت أغصان شجرٍ أو ثوب فرفعتَه قلت : ( شجرته ) ، فهو مشجور . واستشهد من قول العجاج : رفع من جلاله المشجُور اهـ . إذا نسبة التسمية بآية الإسراء للرفع وهو عين ما لا يتحصل النفط إلا به ، رفعه من باطن الأرض لأعلاها .
أيضا يأتي بلسان العرب معنى هذا الإسم على الإختلاف والمنازعة قال تعالى : ﴿ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم﴾ . وهل ادعى صدام في سبب غزوه للكويت إلا سرقتهم للنفط وكان الخلاف وذلك التنازع على النفط شجرتهم ، وهي الملعونة في القرآن والأنبياء من حيث النفط ومن حيث الإقتتال عليه ، وكان شجارا وكانت شجرة وكل ذلك مما لعن بالقرآن والأنبياء ، فهل أنتم مؤمنون ؟