الفصل الثالث بعد المائة


إن بكاء الخاطئ يجب أن يكون كبكاء أب على ابن مشرف على الموت ، ما أعظم جنون الإنسان الذي يبكي على الجسد الذي فارقته النفس ولا يبكي على النفس التي فارقتها رحمة الله بسبب الخطيئة ، قولوا لي إذا قدر النوتي الذي كسرت العاصفة سفينته على أن يسترد بالبكاء كل ما خسر فماذا يفعل ؟ ، من المؤكد أنه يبكي بمرارة ، ولكن أقول لكم حقا أن الإنسان يخطئ في البكاء على أي شيء إلا على خطيئته فقط ، لأن كل شقاء يحل بالإنسان إنما يحل به من الله لخلاصه حتى أنه يجب عليه أن يتهلل له ، ولكن الخطيئة إنما تأتي من الشيطان للعنة الإنسان ولا يحزن الإنسان عليها ، حقا إنكم لا تدركون أن الإنسان إنما يطلب هنا خسارة لا ربحا ، قـال برتولوماوس : يا سيد ماذا يجب أن يفعل من لا يقدر أن يبكي لأن قلبه غريب من البكاء ؟ ، أجاب يسوع : ليس كل من يسكب العبرات بباك يا برتولوماوس ، لعمر الله يوجد قوم لم تسقط من عيونهم عبرة قط بكوا أكثر من ألف من الذين يسكبون العبرات ، إن بكاء الخاطئ هو احتراق هواه العالمي بشدة الأسى ، وكما أن نور الشمس يقي ما هو موضوع في الأعلى من التعفن هكذا يقي هذا الإحتراق النفس من الخطيئة ، فلو وهب الله النادم الصادق دموعا قدر ما في البحر من ماء لتمنى أكثر من ذلك بكثير ، ويفني هذا التمني تلك القطرة الصغيرة التي يود أن يسكبها كما يفني الأتون الملتهب قطرة من ماء ، أما الذين يفيضون بكاء بسهولة فكالفرس الذي تزيد سرعة عدوه كلما خف حمله .