الفصل الثاني بعد المائة

 


الحق أقول لكم أن كل حيوان مفطور على الحزن لفقد ما يشتهي من الطيبات ، لذلك وجب على الخاطئ النادم ندامة صادقة أن يرغب كل الرغبة في أن يقتص من نفسه لما صنع عاصيا لخالقه ، حتى أنه متى صلى لا يجسر أن يرجو الجنة من الله أو أن يعتقه من الجحيم ، بل أن يسجد لله مضطرب الفكر ويقول في صلاته : انظر يا رب إلى الأثيم الذي أغضبك بدون أدنى سبب في الوقت الذي كان يجب عليه أن يخدمك فيه ، لذلك يطلب الآن أن تقتص منه لما فعله بيدك لا بيد الشيطان عدوك ، حتى لا يشمت الفجار بمخلوقاتك ، أدب واقتص كما تريد يا رب لأنك لا تعذبني كما يستحق هذا الأثيم ، فإذا جرى الخاطئ على هذا الأسلوب وجد أن رحمة الله تزيد على نسبة العدل الذي يطلبه ، حقا إن ضحك الخاطئ دنس مكروه حتى أنه يصدق على هذا العالم ما قال أبونا داود من أنه وادي الدموع ، كان ملك تبنى أحد عبيده وجعله سيدا على كل ما يملكه ، فحدث بسعاية ماكر خبيث أن وقع هذا التعيس تحت غضب الملك ، فأصابه شقاء عظيم لا في مقتنياته فقط بل أحتقر وانتزع منه ما كان يربحه كل يوم من العمل ، أتظنون أن مثل هذا الرجل يضحك مرة ما ؟ ، فأجاب التلاميذ : لا البتة لأنه لو عرف الملك بذلك لأمر بقتله إذ يرى أنه يضحك من غضبه ، ولكن الأرجح أنه يبكي نهارا وليلا ، ثم بكى يسوع قائلا : ويل للعالم لأنه سيحل به عذاب أبدي ، ما أتعسك أيها الجنس البشري ، فإن الله قد اختارك ابنا واهبا إياك الجنة ، ولكنك أيها التعيس سقطت تحت غضب الله بعمل الشيطان وطردت من الجنة وحكم عليك بالإقامة في العالم النجس حيث تنال كل شيء بكدح وكل عمل صالح لك يحبط بتوالي ارتكاب الخطايا ، وإنما العالم يضحك والذي هو شر من ذلك أن الخاطئ الأكبر يضحك أكثر من غيره ، فسيكون كما قلتم : ( إن الله يحكم بالموت الأبدي على الخاطئ الذي يضحك لخطاياه ولا يبكي عليها ) .