الفصل الثالث والخمسون بعد المائة

 


فتذمر الكهنة والفريسيون فيما بينهم ، وقالوا لقد أوتي حكمة بعل وعشتاروت فهو إنما فعل هذا بقوة الشيطان ، ففتح يسوع فاه وقال : لقد أمر إلهنا أن لا نسرق قريبنا ، ولكن قد انتهكت حرمة هذه الوصية حتى أنها ملأت العالم خطيئة لا تغفر كما تغفر الخطايا الأخرى ، لأنه إذا ندب المرء الخطايا الأخرى ولم يعد إلى ارتكابها فيما بعد وصام مع الصلاة والتصدق صفح إلهنا القدير الرحيم ، ولكن هذه الخطيئة من نوع لا يمكن غفرانه إلا إذا ردّ ما أخذ ظلما ، فقال حينئذ أحد الكتبة : كيف ملأت السرقة العالم كله خطيئة ؟ ، حقا إنه لا يوجد الآن بنعمة الله سوى النزر القليل من اللصوص وهم لا يجرءون على الظهور لأن الجنود تشنقهم حالا ، أجاب يسوع : من لا يعرف الأموال لا يقدرون أن يعرفوا اللصوص ، بل أقول لكم الحق أن كثيرين يسرقون وهم لا يدرون ما يفعلون ، ولذلك كانوا أعظم خطيئة من الآخرين لأن المرض الذي لا يعرف لا يشفى ، فدنا حينئذ الفريسيون من يسوع وقالوا : يا معلم إذا كنت أنت وحدك في إسرائيل تعرف الحق فعلمنا ، فأجاب يسوع : إني لا أقول أني أنا وحدي في إسرائيل أعرف الحق لأن هذه اللفظة (( وحدك )) تختص بالله وحده لا بغيره ، لأنه هو الحق الذي وحده يعرف الحق ، فإذا قلت هكذا صرت لصا أعظم لأني أكون قد سرقت مجد الله، وإن قلت أني وحدي عرفت الله وقعت في جهل أعظم من الجميع ، وعليه فإنكم قد ارتكبتم خطيئة فظيعة بقولكم أني وحدي أعرف الحق ، ثم أقول إنكم إذا قلتم هذا لتجربوني فخطيئتكم أعظم مرتين ، فلما رأى يسوع أن الجميع صمتوا عاد : مع أني لست الوحيد في إسرائيل الذي يعرف الحق فإني وحدي أتكلم ، فأصيخوا السمع لي لأنكم قد سألتموني ، إن كل المخلوقات خاصة بالخالق حتى أنه لا يحق لشيء أن يدعي شيئا ، وعليه فإن النفس والحس والجسد والوقت والمال والمجد جميعها ملك الله ، فإذا لم يقبلها الإنسان كما يريد الله أصبح لصا ، وكذلك إذا صرفها مخالفا لما يريده الله فهو أيضا لص ، لذلك أقول لكم لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته إنكم عندما تسوفون قائلين : سأفعل غدا كذا سأقول كذا سأذهب إلى الموضع الفلاني دون أن تقولوا إن شاء الله فأنتم لصوص ، وتكونون أعظم لصوصية إذا صرفتم أفضل وقتكم في مرضاة أنفسكم دون مرضاة الله بل تصرفون أرداه في خدمة الله ، لأنتم إذاً بالحق لصوص ، كل من يرتكب الخطيئة مهما كان زيه فهو لص ، لأنه يسرق النفس والوقت وحياته التي يجب أن تخدم الله ويعطيها للشيطان عدو الله .