الفصل الرابع والخمسون بعد المائة

 


فالرجل الذي له شرف وحياة ومال إذا سرقت أمواله شنق السارق وإذا أخذت حياته قطع رأس القاتل ، وهو عدل الله لأن الله أمر بذلك ، ولكن متى أخذ شرف قريب فلماذا لا يصلب السارق ؟ ، هل المال أفضل من الشرف ؟ ، أأمر الله مثلا أن من يقاص بأخذ المال ومن يأخذ الحياة مع المال يقاص ولكن من يأخذ الشرف يسرح ! ، لا لا البتة ، لأن آباءنا بسبب تذمرهم لم يدخلوا أرض الموعد بل ابناؤهم ، ولهذه الخطيئة قتلت الأفاعي نحو سبعين ألفا من شعبنا ، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن من يسرق الشرف يستحق عقوبة أعظم ممن يسرق رجلا ماله وحياته ، ومن يصغي إلى المتذمر فهو مذنب أيضا لأن أحدهما يقبل الشيطان بلسانه والآخر من أذنيه ، فلما سمع الفريسيون هذا احتدموا غيظا لأنهم لم يقدروا أن يخطئوا خطابه ، فدنا حينئذ أحد العلماء من يسوع : أيها المعلم الصالح قل لي لماذا لم يهب الله أبوينا حنطة وثمرا ، فإنه إذا كان يعلم أنه لا بد من سقوطهما فمن المؤكد أنه كان يجب أن يسمح لهما بالحنطة أو أن لا يرياها ، أجاب يسوع : إنك أيها الرجل تدعوني صالحا ولكنك تخطئ لأن الله وحده هو الصالح ، وإنك لأكثر خطأ في سؤالك لماذا لا يفعل الله حسب دماغك ، ولكن أجيبك عن كل شيء ، فأفيدك إذاً أن الله خالقنا لا يوفق في عمله نفسه لنا ، لذلك لا يجوز للمخلوق أن يطلب طريقه وراحته بل بالحري مجد الله خالقه ليعتمد المخلوق على الخالق لا الخالق على المخلوق ، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لو وهب الله كل شيء لما عرف الإنسان نفسه أنه عبد الله ولكان حسب نفسه سيد الفردوس ، لذلك نهاه الله المبارك إلى الأبد ، الحق أقول لكم أن كل من كان نور عينيه جليا يرى كل شيء جليا يستخرج من الظلمة نفسها نورا ، ولكن الأعمى لا يفعل هكذا ، لذلك أقول لو لم يخطئ الإنسان لما علمت أنا ولا أنت رحمة الله وبره ، ولو خلق الله الإنسان غير قادر على الخطيئة لكان ندا لله في ذلك الأمر ، لذلك خلق الله المبارك الإنسان صالحا وبارا ولكنه حر أن يفعل ما يريد من حيث حياته وخلاصه لنفسه أو لعنته ، فلما سمع العالم هذا اندهش وانصرف مرتبكا .