الفصل الثامن والخمسون بعد المائة

 


وذهب الرجل الذي ولد أعمى ليجد يسوع ، فعزاه قائلا : إنك لم تبارك في زمن ما كما أنت الآن ، لأنك مبارك من إلهنا الذي تكلم على لسان داود أبينا ونبيه في أخلاء العالم قائلا : ( هم يلعنون وأنا أبارك ) ، وقال على لسان ميخا النبي : ( إني ألعن بركتك ) ، لأن التراب لا يضاد الهواء ولا الماء النار ولا النور الظلام ولا البرد الحرارة ولا المحبة البغضاء كما تضاد إرادة الله إرادة العالم ، فسأله لذلك التلاميذ قائلين : ما أعظم كلامك أيها السيد ، فقل لنا المعنى لأننا حتى الآن لم نفهم ، أجاب يسوع : متى عرفتم العالم ترون أني قلت الحق ، وهكذا ستعرفون الحق في كل نبي ، فاعلموا إذا أن هناك ثلاثة أنواع من العوالم متضمنة في اسم واحد ، الأول يشير إلى السموات والأرض مع الماء والهواء والنار وكل الأشياء التي هي دون الإنسان فيتبع هذا العالم في كل شيء إرادة الله كما يقول داود : ( لقد أعطاها الله أمرا لا تتعداه ) ، الثاني يشير إلى كل بشر كما أن بيت فلان لا يشير إلى الجدران بل إلى الأسرة ، فهذا العالم يحب الله أيضا ، لأنهم بالطبيعة يتوقون إلى الله قدر ما يستطيع كل أحد بحسب الطبيعة إلى الله وإن ضلوا في طلب الله ، أفتعلمون لماذا يتوق الجميع إلى الله ؟ ، لأنهم لا يتوقون جميعا إلى صلاح غير متناه بدون أدنى شر ، وهذا هو الله وحده ، لذلك أرسل الله الرحيم أنبياءه إلى هذا العالم لخلاصه ، أما الثالث فهو حال سقوط الإنسان في الخطيئة التي تحولت إلى شريعة مضادة خالق العالم ، فهذا يصيِّر الإنسان نظير الشياطين أعداء الله ، فماذا تظنون ـ وهذا العالم يكرهه الله كرها شديدا ـ فما مصير الأنبياء لو أحبوا هذا العالم ؟ ، حقا إن الله ليأخذ منهم نبوتهم ، وماذا أقول ؟ ، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لو خامر رسول الله حب هذا العالم الشرير متى جاء إليه لأخذ الله منه بالتأكيد كل ما وهبه عند خلقه وجعله منبوذا ، لأن الله بهذا المقدار مضاد للعالم .