الفصل الثاني والثمانون بعد المائة


لم يخلق الله الإنسان كما قلت فقط بل خلقه كاملا ، ولقد أعطاه ملاكين ليحرساه ، وبعث له الأنبياء ، ومنحه الشريعة ، ومنحه الإيمان ، وينقذه كل دقيقة من الشيطان ، ويريد أن يهبه الجنة ، بل أكثر من ذلك فإن الله يريد أن يعطى نفسه للإنسان ، فتأملوا إذاً فيما إذا كان الدين عظيما ، فلمحو هذه وجب عليكم أن تكونوا أنتم قد خلقتم الإنسان من العدم ، وأن تكونوا قد خلقتم أنبياء بعدد ما بعث الله مع ( خلق ) عالم وجنة ، بل أكثر من ذلك مع خلق إله عظيم وجواد كإلهنا ، وأن تهبوها برمتها لله ، فبهذا يمحى الدين ويبقى عليكم فرض تقديم الشكر لله فقط ، ولكن لما كنتم غير قادرين على خلق ذبابة واحدة ولما كان لا يوجد إلا إله واحد وهو سيد كل الأشياء فكيف تقدرون أن تمحوا دينكم ؟ ، حقا إن أقرضكم أحد مائة قطعة من الذهب وجب عليكم أن تردوا مائة قطعة من الذهب ، وعليه فإن معنى هذا أيها الأخ هو أنه لما كان الله سيد الجنة وكل شيء يقدر أن يقول كل ما يشاء ويهب كل ما يشاء ، لذلك لما قال لإبراهيم : ( إني أكون جزاءك العظيم ) لم يقدر إبراهيم أن يقول ( الله جزائي ) بل ( الله هبتي وديني ) ، لذلك يجب عليك أيها الأخ عندما تخطب في الشعب أن تفسر هذه الآية هكذا : ( إن الله يهب الإنسان كذا وكذا من الأشياء إذا عمل الإنسان حسنا ، متى كلمك الله أيها الإنسان وقال : ( إنك يا عبدي قد عملت حسنا حبا فيّ فأي جزاء تطلبه مني أنا إلهك ؟ ) ، فأجب أنت : ( لما كنت يا رب عمل يديك فلا يليق أن يكون فيّ خطيئة وهو ما يحبه الشيطان ، فارحم يا رب لأجل مجدك أعمال يديك .

فإذا قـال الله : ( قد عفوت عنك وأريد الآن أن أجزيك ) فأجب : ( يا رب أنا أستحق العقوبة لما فعلته وأنت تستحق لما فعلته أن تمجد فعاقبني يا رب على ما فعلت وخلِّص ما قد صنعت ) ، فإذا قال الله : ( ما هو العقاب الذي تراه معادلا لخطيئتك ؟ ) فأجب أنت : ( يا رب بقدر ما سيكابده كل المنبوذين ) ، فإذا قال الله : ( لـِمَ تطلب يا عبدي الأمين عقوبة عظيمة كهذه ؟ ) فأجب أنت : ( لو أخذ كل منهم على قدر ما أخذت لكانوا أشد إخلاصا مني في خدمتك ) ، فإذا قال الله : ( متى تريد أن تصيبك هذه العقوبة وكم تكون مدتها ؟ ) فأجب أنت : ( الآن وإلى غير نهاية ) ، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن رجلا كهذا يكون مرضيا لله أكثر من كل ملائكته الأطهار ، لأن الله يحب الإتضاع الحقيقي ويكره الكبرياء ؟ ، حينئذ شكر الكاتب يسوع وقال له : يا سيدي لنذهب إلى بيت خادمك لأن خادمك يقدم لك وللتلاميذ طعاما ، فأجاب يسوع : إني أذهب الآن إلى هناك متى وعدتني أن تدعوني أخا لا سيدا وتقول أنك أخي لا خادمي فوعد الرجل وذهب يسوع إلى بيته .