الفصل الرابع والسبعون


كان ولا يزال في العالم قوم لا يبالون بالخطيئة وإنما هم لعلى أعظم ضلال ، قولوا لي كيف أخطأ الشيطان ؟ ، إنه أخطأ لمجرد الفكر بأنه أعظم شأنا من الإنسان ، وأخطأ سليمان لأنه فكر في أن يدعو كل خلائق الله لوليمة فأصلحت خطأه سمكة إذ أكلت كل ما كان قد هيأه ، لذلك لم يكن بلا باعث ما يقول داود أبونا : ( استعلاء الإنسان في نفسه يهبط به في وادي الدموع ) لذلك ينادي الله على لسان إشعيا نبيه قائلا : ( ابعدوا أفكاركم الشريرة عن عيني ) ولأي غاية يرمي سليمان إذ يقول : ( احفظ قلبك كل الحفظ ) لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته يقال كل شيء في الأفكار الشريرة التي تكون باعثا على ارتكاب الخطيئة لأنه لا يمكن ارتكاب الخطيئة بدون فكر ، ألا قولوا لي متى غرس الزارع الكرم ألا يزرع النبات على عمق غائر ؟ ، بلى ، وهكذا يفعل الشيطان الذي إذا زرع الخطيئة لا يقف عند العين أو الأذن بل يتعدى إلى القلب الذي هو مستقر الله ، كما تكلم على لسان موسى عبده قائلا : ( إني أسكن فيهم ليسيروا في شريعتي ) ألا قولوا لي إذا عهد إليكم هيرودس الملك لتحفظوا بيتا ودّ سكناه أتبيحون لبلاطس عدوه أن يدخله أو يضع أمتعته فيه ؟ ، كلا ثم كلا ، فبالحري يجب عليكم ألا تبيحوا للشيطان أن يدخل قلوبكم أو يضع أفكاره فيها ، لأن الله أعطاكم قلبكم لتحفظوه وهو مسكنه ، لاحظوا إذاً كيف أن الصيرفي ينظر في النقود هل صورة قيصر صحيحة وهل الفضة صحيحة أم كاذبة وهل هي من العيار المعهود ، لذلك يقلبها كثيرا في يده ، أيها العالم المجنون ما أحكمك في شغلك حتى أنك في اليوم الأخير توبخ وتحكم على خدم الله بالإهمال والتهاون لأن خدمك دون ريب أحكم من خدم الله ! ، قولوا لي إذاً من يمتحن فكرا كما يمتحن الصيرفي قطعة نقود فضية ؟ ، لا أحد مطلقا .