الفصل الرابع
في هذا الفصل الأخير سأجلي الكلام عن فتنة الخليج من وجه آخر معالمه أخفى ، إلا أن الله تعالى بهدايته تركه عارياً أمامي ، ومهما حرص الأعداء في إخفاء حقيقته لن يمكنوا من ذلك بحول الله وتدبيره ، سنته في دمغ الباطل وإزهاقه ، وذلك من أجل أن يعلم الجاهل من المؤمنين أن ما سبق ذكره عن هذه الفتنة حق ، وقد حان الوقت لبيان حقيقتها ، بعد ما كثر الكلام حولها طوال هذه السنوات الماضية اجتهاداً لمعرفة ما حدث ، كيف ؟ ولماذا ؟ ، وكذلك من أجل أن يتيقن المؤمن أن قادة أمريكا وشعبها وهي زعيمة العالم اليوم ، يرون أن هذا الزمان الأحداث فيه تجري على وفق ما أخبر أنبياء اليهود ! وأن عالم اليوم يشهد في تحركاته ونكباته مصداق هذه النبوءات ، وهذا مما لم تنفرد باعتقاده أمريكا وحدها ، بل يوافقها الكثير من أهل الكتاب ، وحتى صدام في غزوه للكويت لا أستبعد أنه يشاركهم هذا المعتقد على ما سيأتي تفصيله بحول الله وقوته ، وكذلك من أجل أن يتيقن المؤمن أن في هذا ما يكشف عن حقيقة أهل الكتاب القبيحة التي ما زالوا يخفونها من القرون الأولى ، وهي حقيقة كفرهم بالله تعالى وتكذيبهم لأنبيائه وشدة عداوتهم ، ولو ادعوا أنهم يؤمنون بهم ويصدقون أخبارهم لأنه تصديقاً من غير انقياد وطاعة ، بل بتجبر وعناد ، وهذا مهما ادعوا فيه يبقى تكذيباً وعناداً ما لم ينقادوا ويسلموا ، ولهذا ستكون نكبتهم بالمهدي عظيمة ، لأنـه على يده سيكون انقطاع كذبهم وكشف زيفهم الذي توارثوه جيلا عن جيل .
وسؤالان من الأهمية بمكان عند اليهود واجهوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك لتعلقهما بهذه الفتنة تعلقاً مهماً جداً على حسب اعتقادهم . الأول : ما أول أشراط الساعة ؟ والثاني : ما هي الروح ؟ .فعندما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه حبر من اليهود فقال له كما ورد في صحيح البخاري عن أنس : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : ما أول أشراط الساعة و...و... ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أما أول أشـراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : ( أخبرني بهن جبريل آنفاً )(1) وكان السائل عبد الله بن سلام . ورواه الطبراني باختصار عن ثوبان وفيه : جئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان . فلما أجابه قال : صدقت وإنك لنبي ثم انصرف(2). وفي هذا دليل على اهتمام اليهود وتحفظهم على هذا الخبر ، وحرصهم الشديد على عدم إفشاء هذا السر ! الذي لا يعلمه إلا قلة منهم أو نبي يوحى له من السماء ، وكم كان هذا مبرهناً على صدق نبوة رسـول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن اليهود قوم بهت .
وقد أشكل ما ورد في حديث أنس على علماء المسلمين وحاروا في تفسيره ، فظاهره يعارض خبر حذيفة بن أسيد الغفاري الذي فيه عن الساعة قوله : ( إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة والخسف ) إلى أن قال : ( وآخر ذلك نار من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم )(3). ففي هذا الحديث أن آخر الأشراط النار ، وفي حديث أنس أن أولها النار ، وفي هذا اختلاف عندهم لا مجال لتأويله ، ومن أراد ذلك وقع بالتكلف كما فعل شارح صحيح البخاري ، والحقيقة أن الاختلاف بين الحديثين مقرر في أذهان أكثر الناس لمجرد ذكر النار الحاشرة ، والأمـر في حقيقته ليس كما قرر هؤلاء ، بل هما ناران مختلفتان ، فأما الأولى فهي التي يهم اليهود أمرها حتى صار خبرها من أعظم الأسرار عندهم ، حتى بلغ من الأهمية واليقين الحد الذي يمتحن به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى بادر جبريل بإذن الله تصديقا لنبوته ، وكان ذلك سبباً لإسلام ابن سلام وذلك لقيام البرهان عنده على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان الأجدر بجميع اليهود أن يفعلوا مثله إلا أنهـم قـوم لا يطلبون الحق لذاته ، بل لا يريدون إلا ما تهـوى أنفسهم ، وإلا ردوا على الله أمره .
وهذه النار التي تكون من المشرق ما هي إلا النار التي فصلت خبرها في الفصول السابقة وهي نار آبار البترول الكويتية التي أشعلها صدام العراق ، وحشر الناس فيها إلى المغرب ما هو إلا بسبب ما جرى فيها من تقتيل وتطريد ـ أعني الفتنة نفسها ـ ، وإضافة الحشر إلى النار مجازاً ، من أجل التعريف بهذه الفتنة التي وقعت بها تلك الشرور وكانت سبباً لفرار أكثر الناس ، والنار أظهر شيء تعرف به وهي علامتها المميزة كما الدخان ، إلا أن الدخان لما كان مصدره تلك النار وهي سابقة له صارت هي أول الأشراط والدخان تابع لها وبعث المهدي المنتظر يتبع ذلك ، وهكذا تتابع الآيات كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وواقع هذه الفتنة دال على هذا ، فقد خرج الناس فراراً منها إلى المغرب خوفاً على العرض والنفس ، وانتشر الناس في أرض الجزيرة بسبب ذلك ومنها انتقل الكثير إلى مختلف البلدان ، وكان هذا تمهيداً لتحقيق كذلك أكثر العلامات تمييزاً لأحوال هذه الفتنة وهو قوله تعالى : ﴿ إنّا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون ﴾(4)وأما النار في حديث حذيفة فقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم حشرها للناس على سبيل الحقيقة والتفصيل ، وبين كيف أنها تبيت معهم وتقيل ، تصاحبهم تسوقهم سوقاً إلى أرض المحشر ، ولا يمكن أن يتكرر هذا الحشر الحسي في النارين ، وإغفال تفصيل الحشر في النار الأولى يدل على أن الحشر معنوي ولهذا لم يفصل ، ثم إن النار الأولى كونها من المشرق أرض الفتن دال على ارتباطها بالفتن ، على عكس النار الأخيرة فإن خروجها يكون من اليمن ، وقد تعسف بعضهم في التأويل للجمع بين الحديثين بكلام لا يستحق أن يذكر .
وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإشارة للنار المذكورة في حديث أنس ، في حديث ابن أم مكتوم قال : خرج النبي ذات غداة فقال : ( سعرت النار وجاءت الفتن كقطع الليل المظلم ، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً )(5). والجمع في هذا الحديث بين ذكر النار والفتن لإرادة التنبيه على ارتباطهما ببعض ، ومن الغباء اعتقاد أن المـراد نار جهنم هنا .
أما النار المذكورة في حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى )(6). قال النووي : قال عياض هي نار حاشرة أيضا ، ولعلهما ناران تجتمعان لحشر الناس ، أو يكون ابتداء خروجها من اليمن ويكون ظهورها وكثرة قوتها بالحجاز . قال النووي : ليس في الحديث أن نار الحجاز متعلقة بالحشر ، بل هي آية من أشراط الساعة مستقلة ! ، وقد خرجت في زماننا نار بالمدينة سنة أربع وخمسين وستمائة وكانت نارا عظيمة جدا من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة تواتر العلم بها عند جميع الشام وسائر البلدان وأخبرني من حضرها من أهل المدينة اهـ(7).
وإني ليشتد عجبي مما دخل على الناس من أمر هذا الحديث وتأويله على النار التي يقولون أنها خرجت بقرب المدينة ، حتى بلغ ببعضهم التعسف في التأويل للحد الذي يصدقون بأنها رؤيت من مكة ومن بصرى وأنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب وقد بلغ من أمرها أن رجلاً رأى أعناق الإبل من ضوء هذه النار وهو ببصرى ! ، وهذا من أبين الكذب وأعظم الجهل يردده هؤلاء وفيه ما فيه ، وقد علم العقلاء في ذوات أنفسهم أن هذا محال يمنعه العقل ، فمهما بلغت النار نار البراكين من القوة فلن تبلغ هذا الحد وإلا لكان فيها هلاك من يجاورها من أهل المدينة ، وهذا من التساهل في الكلام على أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والحق أن هذه النار ليست إلا النار التي سأل عنها اليهود أول أشراط الساعة تخرج من مشرق الشمس ، وسبب دخول هذا الالتباس على هؤلاء هو ذكر الحجاز في الحديث ، وليس الأمر كما تصور هؤلاء ، فقد ظنوا أن الحجاز هو الموضع المخصوص في جزيرة العرب بهذا الاسم وليس كذلك بل هو حجاز آخر من جهة المشرق ، ويصح أن يقال لكل جبال حجاز . قال الأخنس بن شهاب التغلبي :
ونحن أناس لا حجاز بأرضنا ***** مع الغيث ما نلقى ، ومن هو غالب
قال الأخفش المعنى : نحن مفضون ليس لنا شيء يحجبنا ويحجزنا من الجبال نمتنع به(8). وهذه الجبال هي التلول التي ورد ذكرها في حديث ذي مخبر المذكور سابقا ، وهذا هو التعيين الصحيح للنار المذكورة في حديث الزهري عن سعيد عن أبي هريرة ، ومثل ما وصف هذا الموضع في حديث ذي مخبر بالتلول وفي حديث أبي هريرة بالحجاز ، كذلك وصف في حديث آخر روي عن أبي ذر قال : كنا في سفر فلما رجعنا تعجل الناس فدخلوا المدينة ، فسأل عنهم النبي فأخبر عنهم النبي أنهم تعجلوا إلى المدينة فقال : ( يوشك أن يدعوها أحسن ما كانت ، ليت شعري متى تخرج نار من جبل الوراق فتضيء لها أعناق البخت بالبصرى سروجا كضوء النهار ) رواه الحاكم وصححه . وقوله : ( سروجا ) إن سلم من التصحيف فهو صريح على أنها أكثر من نار ، وهذا عين ما حصل في هذه الفتنة فقد أشعلت آبار البترول فانقلب الليل نهارا ، وصار عمود النار كالسراج في تلك الظلمة الحالكة ، وفي هذا الحديث أضاف الجبل إلى الورق ويُريد بذلك ورق شجر المرج الذي ذكره في الأحاديث المشار إليها سابقا .
وخروج هذه النار من المشرق مخالف لما يفهم من ظاهر حديث أبي هريرة أن النار الوارد ذكرها فيه إنما خروجها يكون من أرض الحجاز المعهود عند العرب . كذلك خروج النار من أرض المشرق موافق لكون نورها يضيء أعناق الإبل ببصرة ، على عكس من اعتقد أن النار الواردة في حديث أبي هريرة سيكون خروجها من أرض الحجاز ومع هذا تضاء منها أعناق الإبل ببصرى ، وبصرى عندهم من قرى الشام ، وقد ذكرت سابقا أن هذا محال لا يمكن وقوعه أبداً لبعد أرض الشام عن المدينة . والذي يزيل اللبس في هذا الأمر هو أن بصرى الوارد ذكرها في الخبر ليست بصرى أرض الشام إنما هي بصرة أرض المشرق ، ولولا حديث الحاكم هذا في خبر هذه النار لما وسعني إلا القول بأن الزهري وهم في هذا الحديث فرواه ببصرى بدلا من بصرة ، وليس بمستبعد أن يقع الوهم لبعض رواة الحديث في هذا التقارب رسم الاسمين ، وبالأخص إذا ما سبق إلى الذهن تصور التأويل ، فاعتقدوا أن المراد بذلك بصرى الشام وهي معروفة في زمانهم ، على العكس من بصرة المشرق فهي مبعدة عن إمكان تحقق التأويل وحتى إمكانية تصور هذا التأويل ، ومن المعروف أن البصرة لم تمصر إلا في عصر عمر حديثا فكانت مبعدة عن أذهانهم بالكلية وبسبب هذا والله أعلم قد ينقلب آخر الاسم من رسم حرف الهاء إلى الياء ومثل هذا ليس من المحال وقوعه من بعض رواة الحديث . وهذا تفريعاً على استحالة أن ترى النار من قرية بالشام وهو أمر القول به مصادم للعقل وطبيعة الأشياء وإني لأعجب من عدم اعتبار أحد من القدماء هذا القول من المشكل ، بل سلّم أكثرهم بتصديقه وتناقلوا ذكره من القديم تقليداً.
كانت البصرة وأرضها قديما تسمى بأرض الهند ومن ثم أطلق عليها فيما بعد في خلافة عمر بأرض البصرة ، وما حولها ببادية البصرة ، عن مصعب بن شرحبيل قال : كتب عمر إلى سعد أن ابعث عتبة بن غزوان إلى أرض الهند وكانت تسمى يومئذ البصرة أرض الهند ، فينزلها ويتخذ بها للمسلمين قيرواناً ولا يجعل بيني وبينهم بحراً . قال : وإنما سميت البصرة بصرة لأنها كانت فيها حجارة سوداء اهـ(9). هكذا قال ، والصحيح إنما سميت البصرة بهـذا الاسم من أجل أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس إلا ، لا لحجر ولا لغيره ، وأرادوا بذلك تأويل خبر التمصير واستيطان الأراضي البعيدة . قال خالد : أمرني عمر أن أسير إلى الهند ، والهند في أنفسنا يومئذ البصرة(10). وقد انتهى الأمر بالتعارف على تسمية تلك الناحية بهذا الاسم فيما بعد ، ولما شرعوا بالتمصير قصر الاسم على عين المصر في تلك الجهة وصار هذا هو المعروف من ذلك الوقت إلى يومنا هذا ، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما أخبر عن أمر البصرة ونص على أنه يكون من أمرها كذا وكذا ، وذكر من عقوبة الله لها الخسف ! ، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أن الخسف إنما يكون من جهة المشرق ، فأينما يكون الخسف من جهة المشرق فلن يكون إلا بالمصر الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا لا يمكن القطع بتعيين الجيل الأول في تلك الناحية وما تعارف عليه الناس فيما بعد بأنه هو المراد بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم .
ومن الغرائب في هذا الباب ـ أعني الخوض في تأويل أخبار هذه الناحية ـ ما ذكره العسكري عن علي قوله : ألا إن خراب بصرتكم هذه يكون بالريح . قال : سمعت شيخا من شيوخ البصرة يحكي يقول : غبر المحدثون بالبصرة زماناً يروون عن علي هذا فما أقلعوا عن هذه التصحيفة إلا بعد مائتي سنة عند معاينتهم أمر الزنج(11). ومن الأخبار المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البصرة ما رواه أبو داود عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أنس ، إن الناس يمصرون أمصاراً وإن مصراً منها يقال له البصرة أو البصيرة ، فإن أنت مررت بها أو دخلتها ، فإياك وسباخها وكلاءها(12)وسوقها وباب أمرائها ، وعليك بضواحيها ، فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير )(13). زاد الطبراني في الأوسط : ( وآية ذلك أن يموت العدل ويفشو فيها الجـور ويكثر فيها الزنا وتفشو فيها شهادة الزور )(14). وعن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه : ( إذا ظهرت القينات والمعازف ، وشربت الخمور ، ولعن آخر هذه الأمة أولها ، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء ، وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع )(15). وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( حتى يقع بهـم الخسف والقذف والمسخ ) قالوا : متى ؟ قال : ( إذا رأيت النساء ركبن السروج وكثرت القينات وفشت شهادة الزور )(16). وفي حديث الحاكم عن ابن عمرو أنهم سألوه ـ أي عياش ـ عن هذه المياثر التي تكون في آخر الأمة فقال : ( هي سروج عظام )(17). قال أبو عبيد المياثر من مراكب الأعاجم من ديباج أو حرير(18). وقال غيره : تعمل من ديباج أو حرير وتحشى بالصوف أو القطن ، يجعلها الراكب تحته على الرحال . قلت : وإن كان قوله سروج ، المراد به جمع سراج وليس سرج ، فالأمر حينئذ يكون أظهر أمارة للخسف ، فهذه السيارات وهي مراكب هذا العصر بمصابيحها القوية ، وهي بحق مراكب عظيمة تميزت من دون سائر المراكب بكثرة قيادة النساء لها ، حتى بات الأمر من الطبيعي جداً ، اللهم إلا ما كان من شعب الجزيرة العربية وملاكها ، فهم ما زالوا يمنعون النساء من ذلك ، ومن العجيب أن ما بين البحر والجزيرة لا تقود النساء السيارات إلا بعض النساء على ساحل الخليج !! ، وهو أمر يستحق التفكر لدلالته التي لا تخفى على قليل الفطنة فكيف بالكيس الفطن .
وإن صح أن المراد بذلك المصابيح في مقدمة السيارات فقطعا يكون المراد بالأحاديث السيارات ، وإن لم يكن الأمر كذلك ، فكون هذه السيارات هي المرادة بذلك غير مستبعد ، لانطباق الوصف عليها انطباقا تاما ، فهي بحق مراكب عظيمة ومقاعدها أشبه شيء بالمياثر المعهودة في ذلك الزمان بل هي أترف وأنعم ، مخملية محشوة بالإسفنج ، تعد عندها مياثر القرون القديمة بدائية جدا . وكذلك ورد ما يزيد الأمر إيضاحا في وصف تلك النساء اللاتي يركبن تلك المراكب(19)، وهو من أظهر صفات بعض النساء في وقتنا ممن خرجن على الشريعة بتعرية رؤوسهن تقليداً للكفار بالتجبر على الله تعالى ، ولم يردعهن وصف الرسول عليه الصلاة والسلام أنهن سيكن أظهر علامات الخسف ، لا بل حرم عليهن دخول الجنة ، فهل سترى بعد هذا تجبراً مثله على الله تعالى ، أبداً لن ترى ، وكيف وقد انقلب أمر تلك النسوة في المجتمع إلى الطبيعي والمألوف ، وصارت النساء الطائعات لله ورسوله صلى الله عليه وسلم في ستر أنفسهن شاذات متخلفات تشمئز من رؤيتهن تلك المتقدمات المتفرنجات ، ألا لعنة الله على الظالمين ، والله أسأل أن لا يبقي منهن بعد الخسف أحداً ، إلا ذليلة ممتهنة بذلة الرِّدة ! .
روى عبد الرزاق في المصنف عن ابن عمرو قال : البصرة أخبث الأرض ترابا وأسرعه خرابا ، ويكون في البصرة خسف ، فعليك بضواحيها وإياك وسباخها(20). وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخسف والقذف أكثر من حديث ، منها عن حذيفة بن أسيد رفعه في الآيات قبل الساعة ، فقال : ( ..وثلاثـة خسوف خسف بالمشرق ) الحديث رواه مسلم . وعن عمران قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يكون في أمتي خسف ومسخ وقذف ) قالوا : متى ذلك ؟ قال : ( إذا ظهرت المعازف وكثرت القيان وشربت الخمور )(21). واليوم ظهور المعازف والقيان من أكثر فسق هؤلاء ملاعين الشرق والغرب ، وبرهان تصديق خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظهور هؤلاء آخر الزمان هو ترقب وقوع الخسف الموعود والمسخ في هؤلاء ، المتلذذين بمتعة هذه الشرور ، والخشية من أن يعم العذاب من ليس منهم .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : ذكر رسول الله خسفا ومسخا وقذفا يكون آخر الأمة ، قلت : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : ( نعم إذا ظهر الخبث )(22). وعن أنس أنه ذكر زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم خسف قبل المشرق ، قالوا : الخسف بأرض فيها المسلمون ؟ قال : ( نعم إذا كان أكثر عمل أهلها الخبث )(23). ومجموع هذه الأحاديث يدل على أن خسفا سيكون في آخر هذه الأمة ، في قوم يتخذون المعازف والقيان ويشربون الخمور ، ونصت بعض هذه الأخبار أن ذلك سيكون بالبصرة من جهة المشرق ، ومن صفات هؤلاء أن نساؤهم تركب السروج وهي مراكب تشبه الرحال أو المياثر ، وكل هذا التوصيف من أجل تعيين زمان ومكان هذا الخسف ، فهل اتعظ الناس وخشوا الله الجبار القائم على إجراء صدقه وصدق أنبيائه كلا ، فمن تحققت بهم تلك الصفات لم يخشوا الله تعالى ، بل تجد حقيقتهم النوم بالغفلة ! ، وكأن الأمر لا يعنيهم ، لا بل لا يعلم أكثرهم أن النبي أخبر عن هذا الخسف ، وأنه كائن فيمن هذه صفاتهم ، ولا أرى والله أعلم إلا أن القوم أريد بهم داهية دهياء ، والله يحفظ المخلصين من عذابه يومئذ .
وجواباً على من قد يقول : ما تعلق هذا كله بالنار التي تخرج من المشرق ؟ أقول : إن علاقة ذلك أظهر من أن تخفى على الناظر المعتبر لجميع أحاديث هذا الباب ، المروية في الفتن وأشراط الساعة ، وقد نصت جملة من هذه الأخبار على ما يكون من جهة المشرق ، كالفتن والنار والخسف ، وقد سبق بيان أن المراد ببعض تلك الأخبار ما جرى في فتنة صدام العراق ، التي شوهد فيها إقتران النار والدخان وفرار الناس من شرها إلى جهة المغرب ، ومما اقترن بهذه الفتنة أيضا ، التصالح مع الروم والهدنة وغير هذا مما ذكرت سابقا . ومما دلت عليه بعض هذه الأخبار هو أن الخسف يتبع الدخان وهو من الآيات المنتظرة التي يتبع بعضها بعضا ، وفي هذا ما يوجب الخوف من الله تعالى ، لا التجبر والتمادي بالباطل والطغيان ، ومن أمعن النظر في هذه الأخبار وبواقع الخلق في هذا الزمان يعلم يقينا صحة هذا ويتيقنه ، والحق أن الأمر أظهر من أن يتكلف المرء لبيانه لولا غفلة الناس وشدة جهلهم بأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتن وأشراط الساعة .
ومما جهله الناس حقيقة هذا الطاغية الفاجر الذي نجم رأسه في هذه الناحية ، يفتعل الأمور العظام ويوقد نار هذه الفتن المدلهمة ، ولا يمكن أن يكون سياق وجود هذا الطاغية في سلسلة حكام هذا الزمان وفي هذه الناحية هكذا عفويا ، في زمـان يصنع فيه الحكام كما يصنع وينحت الفخار ، بل الحق إن شاء الله تعالى أن وجوده وبهذه الشخصية المتهورة مقدر من الله تقديرا عظيما ، وأن تعلقه بتلك العلامات والأشراط تعلقا محتوما ، يا قومي إن الرجل مسير غير مخير وعزة الله الذي بيده ملك السماوات والأرض ، وقد صرح بذات نفسه عن ذلك كما سيأتي إيراد ذلك الشاهد . ويكفي في هذا ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث ابن عمر في سيرة صدام العراق ، فقال : ( ثم فتنة السرى دخنها من تحت قدم رجل من أهل بيتي ، يزعم أنه مني وليس مني ، إنما أوليائي المتقون )(24). وهذا الوصف مطابق لحال صدام وفتنته ، فقد ادّعى أنه من أهل البيت وعندي أنه صدق بهـذا وهو الكذوب ، لشهادة الحديث بذلك ، وقد دخل الكويت فاتناً بليل ، وأدبر عنها ودخنها يسد ما بين المشرق والمغرب ظلمة حالكة مهولة . والكناية بالحديث عن بطشة بأهل الكويت ، بالقدم التي وطئ بها وأفسد ، وكل هذا مما يشهد له هذا الحديث .
ومن العجب أنه يُذكر عنه قوله عند غزوه للكويت ، في اجتماعه بأخيه وبعض كبار الضباط في يوم (10/8/1990) : هل تعتقدون أن قرار استعادة الكويت كان قراري الشخصي ..؟ لا .. على الإطلاق لا ..
إنها رؤيا في المنام وجدت نفسي ملزما بالاستجابة إليها(25). . ، وعليكم أن تعرفوا منذ الآن أن الكويت هي البداية(26). كيف نزل عليه هذا كله بغتة ، من اشتراكية بعثية ! ، إلى إسلامية ربانية روحية !! ، فكتب على رايته الله أكبر وانتسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومتى ؟ ولماذا ؟ أعند نهايـة القرن !! ، ومن أجل إشعال النار وإثارة الدخان والقول بأنها البصرة ! ، فكل هذا السعي يا صدام ، طاعة لله أم لليهود . لا والله لا يكون هذا هكذا بهذا الترابط المحقق لكل هذه الأمور اعتباطاً وارتجالاً ، لا ، لابد من ترتيب وتمهيد وتوطئة لذلك كله ، وبرنامجٍ مخطط لكل هذا عن قصد وهدف . ومن الملاحظ تعلق أمر في هذه الفتنة الصدامية لا يجوز بحال إغفال أمره ، ولا يفعل هذا إلا مغفل ساذج ، وذلك لأهمية هذا الأمر بعينه في تعيين ما نص على خبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعني هذا الحصار على العراق ، الحصار الذي ما زالت أمريكا والإنجليز يصرون على إبقائه على أرض عراق صدام وليس عندهم أدنى تردد في هذا . وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله : إذا ظهر أمر السفياني لم ينج من ذلك البلاء إلا من صبر على الحصار(27). وعن أبي جعفر قال : لا يخرج السفياني حتى ترقى الظلمة(28). وذكر الظلمة والحصار في هذه الآثار مطابق لحال فتنة صدام العراق ، وهذا الحصار أمره ظاهر وقد نصت عليه أخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك عن أنبياء بني إسرائيل . وأما الظلمة ففيها إشارة إلى الدخان المنبعث من آبار البترول الكويتية ، ولا يستبعد أن يكون صدام العراق هو السفياني المعاصر للمهدي الذي سيكون العدو الحقيقي لهذا الطاغية ، لا الأعداء المفبركين بالكذب والتمثيل ! ، وما ورد في سيرة السفياني من أخبار قد يكون لها مستند شرعي من الوحي ، فتكون شخصيته حقيقية ، وأنا أعتقد أن هذه الآثار لم تردد عند أهل بيت النبي إلا ولها مستند من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما يلفت الانتباه في بعض هذه الآثار مطابقتها لحال هذا الرجل وبلاده . وقد يكون المراد بنص خبر علي هذا إن صح عنه ، أهل الكويت أنفسهم وحصار جيش صدام لهم ، وأنهم لو صبروا جميعهم قد لا يتضرر من تضرر منهم نتيجة مصادمة هذا الجيش البربري المتخلف ، إلا أن المقدر لا يمكن إلا أن يقع ، وقد كان من المحال على حسب الموازين العصرية إلا أن يطرد هذا الجيش من الكويت ولم يكن الأمر يستحق التضحية من عامة الناس ، فأجرى علي خبره على سبيل التمني المرجو رحمة ونصيحة والله أعلم .
أما ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصار العراق ، فهو حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( منعت العراق درهمها وقفيزها )(29). وعن جابر قال : يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم ، قلنا من أين ذاك ؟ قال : من قبل العجم يمنعون ذاك ، ثم سكت هنيهة ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عددا )(30). وهذا مما يؤكد على معاصرة المهدي لهذا الحصار الذي يضرب على العراق ، وإلا ما وجه إيراد ذكره عند خبر الحصار لو لم يكن هذا المراد عند جابر رضي الله عنه .
والله يعلم أني كنت أمضيت سنوات أمنع نفسي من أن تعتقد بما يقولون ، نظرية المؤامرة كما يسمون ذلك نظرية ! ، تنفيراً وتلبيساً من بعض المرجفين والمنافقين ممن لا يهنأ له بال ما لم يبعد التهمة عن اليهود والنصارى ، ويجعل الأصل فيهم البراءة والطيبة ، ويقول لعل ما يجري إنما يجري قدراً من الله تعالى من غير قصد من هؤلاء الذين اقتحموا ساحة التاريخ للعبث بخيوط المستقبل . وأصحاب هذا القول يقينا لا يدركون السر والحكمة من تقسيم الوطن العربي وبالأخص الجزيرة العربية ، ولا يعون بالتأكيد البحث المتلهف في هذه البلاد عن البترول ! ، كما لا يمكنهم بحال إدراك دوافع وخلفيات هذا السعي الحثيث والإصرار الثابت على بلوغ السماء والوصول إلى القمر !! . وأمثال هؤلاء كم كان خيراً للأمة لو خلقهم الله صماً بكماً خلقة ، وإلا فهم في الحقيقة كذلك معنوياً . نعم لقد كنت أمانع عن هذا الاعتقاد مـدة ، ولم يوجب علي تصديق أن هذا كله مؤامرة ، إلا ما وجدته ثابتاً في معتقد النصارى واليهود ، بعد تكرير النظر والاعتبار الذي أفاد اليقين بصحة وجود هذا المعتقد وثبوته في ضمائر هؤلاء ، أصحاب المفهوم الساذج لحقيقة الإيمان بالله تعالى وبكلام أنبيائه ، ولهم في باب هذا الاعتقاد عجائب وغرائب ، مثل اعتقاد بعضهم أن أمريكا تنوب عن الله تعالى في تحقيق مراده على الأرض !! وأن تحقيق ما أخبر عنه أنبياء بني إسرائيل ، أمريكا مخولة بأن تحققه !! ، ومن ذلك اعتقادهم أن أمريكا بما بلغته مباركة وستبقى كذلك ما وقفت مع اليهود في فلسطين ، وغير هذا مما يفترى على الله سبحانه وأنبيائه . ولو علمت أمريكا ، أنها بأصرح نبوءة وأصدق وعد هي أبغض خلق الله تعالى إليه ، وأنها فيما بلغته أصبحت هي أظهر علامة ، لا بل أصدق علامات الساعة المؤذنة بقربها وقرب تحقق تأويل الأمور العظام ، وهذه العلامة يصدقها الدين والعلم ، النقل والعقل ، وهي لازمة وملزمة على صدق الوعد وقـرب حلول نقمة الله تعالى وعذابه على أمريكا ومن تولاها بالمحبة والولاء . ولن ينجو من سخطه إلا من رحم سبحانه ، وهم قلة وسط هذا الطوفان البشري المنحط إلى أدنى درجات السفول والتردي في مهاوي الشيطان ووعوده الكاذبة . ومن أجل أن لا يقال هذا مجرد إدعاء من غير برهان ، أقول : هاكم البينة التي يصدقها الدين والعلم على السواء ، البينة التي لا يدفعها إلا جاحد مكابر ، ففي كتاب النصارى المقدس في سفر دانيال النبي ، الذي يعد من أكثر أنبياء بني إسرائيل تفصيلا لخبر آخر أيام الدنيا وما يجري بها . يحكي النبي دانيال في نبوءته خبر مملكة تقوم آخر الزمان وذكر من صفاتها فقال : طلع أربعة قرون معتبرة ، ومن واحد منها خرج قرن صغير وعظم جدا نحو الجنوب ونحو الشرق ! ونحو فخر الأراضي ! . وتعظم حتى إلى جند السماوات !! ، وطرح بعضا من الجند والنجوم إلى الأرض وداسهم . فلما طلب دانيال معنى الرؤيا ، قال له جبريل في المنام : إن الرؤيا لوقت المنتهى !! ، وها أنذا أعرفك ما يكون في آخر السخط ! . فقال له في وصف هذه المملكة وقوتها ومكرها : المكر في يده ، ويتعظم بقلبه وفي الاطمئنان يهلك كثيرين ويقوم على رئيس الرؤساء وبلا يد ينكسر . ثم قال له : فاكتم الرؤيا لأنها إلى أيام كثيرة(31). وهذه النبوءة صريحة في أمريكا وبرهان ذلك مـا ورد من ذكر جند السماء ! ، لأنه من الثابت في أبجديات كلام الأنبياء عندهم في الكتاب المقدس أن المراد بجند السماء الشمس والقمر وغيرهما من النجوم والكواكب ، وهذا المعنى ثابت عندهم لا ينكر(32). فعلى هذا يكون المراد بهذه النبوءة هو أن هذه المملكة تبلغ من القوة للحد الذي تصل به إلى جند السماء وتتمكن من النيل من بعض هذه الجند بالطرح والدوس ، كناية عن التمكن والوصول ، وفي هذا إشارة واضحة لبلوغهم القمر والمريخ !! ، والعودة بشيء ما من جهة هذه الجند . وهذا لم يتحقق إلا لأمريكا قاهرة الجبابرة وناصرة المستضعفين ، لا بل مخلصة اليهود ! . ومثل هذا الإخبار الغيبي لا يمكن أن يَصدُق هكذا بهذه الدقة الخارقة إلا بوحي من الله ، فان مثل هذا لا يمكن أن يدرك بالتصور العقلي البشري ، فثبت على هذا النبوءة شرعاً وصدقت علما وواقعا ، وتحقق بهذا أصدق برهان على أنها كلام نبي يوحى له من السماء ، وثبت على وفق كلام هذا النبي أن أمريكا ملعونة غير مباركة كما يزعم خبثاؤها كذباً وافتراء على الله تعالى . وهي ملعونة على هذا ، على وفق الكتاب المقدس ، وليس هذا فقط بل إن المهدي المنتظر الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خروجه سيكون آخر الزمان ويمكنه الله تعالى من ملك الأرض سيعاصر أمريكا ، وفي عهده سيتحقق تدمير أمريكا بإذن الله تعالى القادر على كل شيء ، وهذا على وفق كلام النبي دانيال وجاءت الإشـارة إلى هذا في قوله : ويقوم على رئيس الرؤساء وبلا يد ينكسر(33).
ومما يدل على هذا أيضا مـا ورد عن النبي في الإصحاح الذي قبل هذا في وصف هذه المملكة ، فقال : وكنت أنظر وإذا هذا القرن يحارب القديسين فغلبهم حتى جاء القديم الأيام وأعطي الدين ! لقديسي العلي ! وبلغ الوقت فامتلك القديسون المملكة . ثم قال في وصف هذه المملكة أيضا : ويذل ثلاثة ملوك . ويتكلم بكلام ضد العلي ويبلي قديسي العلي ويظن أنه يغير الأوقات والسنة ويسلمون ليده إلى زمان وأزمنة ونصف زمان . فيجلس الدين ! وينزعون عنه سلطانه ليفنوا ويبيدو إلى المنتهى . والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت كل السماء !! تعطى لشعب قديسي العلي ملكوته ملكوت أبدي وجميع السلاطين إياه يطيعون (34) إلى هنا نهاية الأمر(35).
وأنا هنا أحذر كل مؤمن إلى وجوب التنبه إلى أن ما يجري في السنوات الأخيرة في الساحة السياسة الدولية ما هو إلا تمهيداً لادعاء هذا لبني صهيون ، وكل ما يرى من ترتيبات دولية مثل هيئة الأمم ، وشرطي العالم ! وقوة السلام وغير هذا من زخارف الباطل ، ما هو إلا جريا على هذا الأصل ومن أجله ، فيجب التنبه لحقيقة هذا الكيد والمكر ولو كان هذا الباطل زائفاً زائلاً بإذن الله تعالى ، إلا أنه لا ينبغي للمؤمن إلا أن يكون كيساً فطنا ، مستبيناً لسبيل المجرمين .
وفي آخر كتاب النبي دانيال ورد ما يلي : أما أنت يا دانيال فأخف الكلام !!(36)واختم السفر إلى وقت النهاية . كثيرون يتصفحون والمعرفة تزداد !!(37). قلت : يا سيدي ما هي آخر هذه . فقال : اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية(38). وفي هذا الكلام الأخير مرجع لتأصيل الكتمان عند اليهود والحرص الشديد على عدم البوح بما عندهم من علم في أشراط الساعة وأحداث آخر الأيام ، وقد كانوا على هذا مدة من الزمن حتى ألزمهم النصارى إخراج العهد القديم ، فكشف ما كشف ، والله تعالى أعلم بما بقي مخفياً عندهم من البينات .
والحاصل أن أخبار دانيال عن أحداث آخر الزمان قد علمها اليهود حق العلم وتقبلوها بيقين جازم ، وانظر إلى سعي أمريكا في اختراعاتها استكشافاً لكلام دانيال وتحقيقاً لنبوءاته ، فسترى الجد والاجتهاد لتحقيق ذلك حتى تمكنوا من الصعود إلى ظهر القمر وجلبوا من هناك الحجر تغمرهم البهجة ويعلوهم الغرور والاستعلاء ، على جميع شعوب العالم . هذا وإن لم يكن سعيهم لاكتشاف القنبلة الذرية من أجل التهيؤ لتحقيق نبوءة أرمجيدو ، فلن يكون هذا إلا لمواجهة إله بني إسماعيل ومن معه بزعمهم ، الذي تعلقت إرادته بسلب بركة بني إسحاق ليجعلها لبني إسماعيل ! ، ولا يستبعد على تفكير هؤلاء أن يتجبروا ويغرهم الغرور ويمنيهم الشيطان بالقدرة على مواجهة العظيم الجبار ، ألا تراهم أخي المؤمن كيف يأملون بما عندهم من علم لصد النيازك ! ومواجهة غزاة الفضاء .
وتحقيقاً لنبوءة دانيال عليه الصلاة والسلام المذكـورة سابقا في بلوغ جند السماء وطرح بعضاً من الجند ، تملكت وكالة الفضاء الأمريكية (980062) نموذجاً جلبتها رحلات أبولو الفضائية . وقد أهدى الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون ( 259 غراما ) من هذه القطع لعدد من رؤساء الدول(39).
ومن الشواهد عندنا في الكتاب والسنة لما ورد في كتاب النبي دانيال عن بلوغهم السماء وصعودهم القمر قوله تعالى : ﴿ والقمر إذا اتسق . لتركبن طبقا عن طبق . فمالهم لا يؤمنون . وإذا قرئ عليهم القرءان لا يسجدون ﴾(40)والمراد بالطبق بالآية السماء ، فقد وصفها بهذا في قوله عز وجل : ﴿ الذي خلق سبع سماوات طباقا ﴾(41)وهذا فيه إشارة إلى بلوغ السماء والفضاء ، وهذا محقق اليوم في جيلنا كما هو مشاهد بالطائرات والمراكب الفضائية ، وقـد أقسم سبحانه عالم الغيب والشهادة على صـدق تحقق هذا النبأ بالشفق والليل والقمر ، وجعل القمر بالسياق أدناها إلى المقسم عليه ، من أجل أن تحقق هذا لهم إنما يكون نتيجة وصولهم للقمر ، فجاء واقع الحال مطابقا لواقع السياق في الآيات ، فسبحان الله علام الغيوب .
وأعجب من هذا أن المهدي جاء وصفه في الإنجيل بالقمر(42)، وعلى هذا فمن بلغ القمر الحقيقي في السماء سيكون قد بلغ القمر المثال في الأرض ، وهذا سر جَعْل الوصول للقمر السماوي علامة وميقات ، ولهذا كانت الإشارة في الآية بقوله : ﴿ والقمر إذا اتسق ﴾ على سبيل القسم بالاكتمال وبلوغ الغاية ، في تأكيد الوصول إلى السماء .
ولعل الحكمة من وصف المهدي في الإنجيل بالقمر لاعتبارين :
الأول : أنه يتبع الشمس في دورانه في فلكه والله يقول عن هذا : ﴿ والشمس وضحاها . والقمر إذا تلاها ﴾(43)وحقيقة المهدي أنه تابع للنبي عليه الصلاة والسلام وهذا ورد ذكره في القرآن في قوله تعالى : ﴿ أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ﴾(44)يتلوه : يتبعه . والشاهد هنا المراد به المهدي فهو من ذرية رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ومن صفاته أن الله تعالى يؤتيه علم الكتاب كما ورد ذكـر هذا في قوله تعالى : ﴿ قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ﴾(45).
والثاني : أن القمر إنما يستمد حقيقة نوره من عين الشمس بعكس أشعتها إلى الأرض ، فتكون بذلك هي أصل نوره ومن دونها لا يكون إلا في ظلام . وهكذا حال المهدي مع رسول الله عليه الصلاة والسلام لا غنى له عن هذا السراج المنير ، ولتأكيد هذه الحقيقة جاء في كتاب دانيال اقتران أمر المهدي وبعثه برؤية مثال النبي عليه الصلاة والسلام بالمنام وسيأتي بيان وتفصيل هذه الحقيقة الشرعية . ومن شواهد السنة لما ورد في كتاب النبي دانيال في صفة مملكة آخر الزمان الشريرة وقوله : ويذل ثلاثة ملوك . ويبلي قديسي العلي ويسلمون ليده إلى زمـان وأزمنة ونصف زمان . فيجلس الدين وينزعون عنه سلطانه والمملكة والسلطان يعطى لشعب قديسي العلي(46). من شواهد هذا في السنة الأخبار المروية في تمكين المهدي من ملك الأرض ، وأخص بالذكر منها لمطابقته لما ورد في كلام النبي دانيال عليه السلام ، وهو حديث ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم ـ ثم ذكر شيئاً ـ ) فقال : ( إذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي ) قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين . وذكره ابن كثير في نهاية الفتن من طريق ابن ماجة عن عبد الرزاق عن سفيان عن خالد عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان رفعه . فقال : تفرد به ابن ماجة ، وهذا إسناد قوي صحيح . وفي التاريخ مال إلى وقفه ، وليس بشيء فالحديث إذا روي متصلا من وجه صحيح وقصر به بعضهم ، كان محكوما بوصله ، لأنه مع الواصل زيادة علم حفظها(47). وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه بالرفع ، ووقفه لا يضر ، فهو خبر على التفصيل لا مدخل للرأي والظن فيه ، وواقع حال فتنة صدام العراق دال على ما في الحديث وكلام النبي دانيال ، فالإذلال حاصل لهؤلاء إما بالقهر على الظاهر من الأمر ، أو بالرضى والتسليم ، وهذا أيضا غير خافٍ من حالهم ، ومن الشواهد لما ورد في دانيال من كتاب الله تعالى قوله :﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون . إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ﴾(48)وقوله : ﴿ وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ﴾(49) وأمريكا مهما بلغت من قوة وتجبر وعظمة في الطائرات وحاملاتها ، والصواريخ وغيرها ، تبقى مصنوعاتها ومنحوتاتها باطلة وضعيفة أمام قدرة الله تعالى وجبروته ، وما ارتفع شيء في الدنيا إلا كان على الله تعالى أن يضعه ، وقد بلغت أمريكا المنتهى في الارتفاع والطغيان ، وآن الأوان لتداس تحت أقادم عباد الله تعالى وهم أضعف ما يكونون في هذا العصر ، من أجل إظهار قدرة الله وعزته ومعجزاته ، وهذا من عظيم تدبيره وحكمته ، ووعده الحق .
قال الله عز وجل : ﴿ والذين سعوا في آياتنا معاجزين ﴾(50)أي مسابقين ، وقال بعضهم : معاندين . والمعنى في الآية مطابق للحال التي عليها اليهود وآلتهم الاستعمارية في حلفهم العالمي اليوم ، فكل هذا التنظيم والاستعداد الذي يراه الناس اليوم ، الاستعداد الذي يساق إليه حثالة البشر لينطووا تحت مظلة بروتوكول منظم ، ما هو في الحقيقة إلا استعداداً تكتيكياً للمرحلة الموعودة عند اليهود ، وهم ما زالوا يعتقدون بحتمية انطواء العالم تحت قيادة راية واحدة ، والساعي لتنفيذ هذا التنظيم وتفعيل آلياته مسابق لأمر الله تعالى ومغالب .
وبالرجوع لما نقل في الحديث وفيه علم اليهود عن أول أشراط الساعة ، وعنايتهم الكبيرة بعلم ذلك الأمر ، يكاد يجزم المرء بإمكانية افتعال اليهود ما يحقق هذا الخبر الموعود والآية المنتظرة . ومن أجل أن لا يظن الجاهل أن هذا محال وضرب من الخيال ، أقول : إن كبار قادة تلك الملل انتهوا إلى اعتقاد خطير مؤداه ، جواز تحقيق رؤى الأنبياء عندهم من أجل التعجيل بتحقق الخلاص الموعود لليهود على حسب اعتقادهم المتوارث ، وقولي هذا تجوزاً ، إذ الاحتمال فيه وارد ، فهم اليوم يملكون السلطة والمال والنفوذ ، ومن أولى هذا الشرط في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كل هذا الاهتمام لا يستبعد منه إذا تمكن من تنفيذه ، فكيف الحال إذا كان هذا الأمر مفصلا عندهم تفصيلا ، إذا ما وقف عليه واعي القلب انتابه من الذهول ما الله به عليم ، ولأيقن عندها بصدق القول بتورط اليهود والحلف العالمي !! بهذه النكبة والفتنة العمياء ، أما أنا على الحقيقة التي هديت لها لا أقول بإمكان تورط اليهود ، بل أعتقد بيقين بتورطهم بهذا تحقيقا لكلام الأنبياء المدون في أسفارهم ، من أجل التعجيل بقدوم المسيح المخلِّص ، وما سيأتي لاحقا يقرر هذه الحقيقة .
وعلى كل مُخْلص لدين الله تعالى أن يعي هذه الحقيقة ، فعسى علمه هذا أن ينفعه يوماً ما عند الله تعالى .
ومن الثابت عندي على ما وقفت عليه من مراجع مقدسة لديهم ، أن الأنبياء أخبروا بني إسرائيل عن كل ما يجري في زماننا من أحداث عظيمة ، كما نقلت سابقا عن دانيال في خبر أمريكا ووصولها إلى القمر . ومما أخبروهم عنه تفصيل أحوال فتنة صدام العراق ، وأخبروهم كذلك بحتمية حكم عباد الله تعالى للأرض آخر الزمان وسيكون على رأسهم المهدي ، فيسود بهم الدين ويذل الكفر والنفاق ، وتكون العاقبة لأولياء الله ومحبيه . واليهود هم أعلم الناس اليوم بهذه الحقيقة ، ولهذا تراهم يجندون الإعلام وجميع الأنظمة لمحاصرة عباد الله وتهميشهم والعمل على أن لا يتمكنوا من القيادة في كل مكان ولكل شعب ، واتهامهم بالتطرف والرجعية ، ويتذرعون لتحقيق هذا الهدف ، بأفعال حدثاء مجانين سفهاء امتهنوا القتل والإفساد ، ولا يستبعد أن يكون للحلف الغربي يد في أكثر تلك الأحداث من أجل تحقيق هذا الهدف ، أعني الحيلولة دون استقرار أحوال الدعاة إلى الإسلام ، الذين يجدون طموحا لتغيير الواقع المتردي للمسلمين ، ويبغضون التحالف الدولي بين الكفار والمنافقين .
إن التوجه العالمي بتحالفه بانتظام وتكاتف نحو الحكومة العالمية لا يخدم إلا المعتقد اليهودي ولو زخرف وبهرج بجميع الألوان الجذابة ، ومصاحبة العداوة للإسلام المتشدد ! بزعمهم مع هذا التوجه الدولي منساق بسلاسة لخدمة ذاك المعتقد اليهودي المأمول ، وفيه ينطوي العالم كله تحت راية رجل من ذرية داود ، وهذا التكتيك المجمع عليه دولياً لا يدل إلا على أن هذا التكتل الدولي منساق تحت إرادة فاعلة وممكَّنة من التنفيذ ، وإلا كيف هـذا الانسجام والوئام التام لجميع شعوب ودول العالم ، ومن شذ عن ذلك سريعاً ما يعاد إلى الحضيرة .
وما تراه أخي المؤمن اليوم في عالم السياسة ما هو إلاّ قناع مصطنع معمول بتكلف متأني محبوك بأشد العنايات دقة وصبر ، ويخفي وراءه الحقيقة التي ذكرت ، وسترى بحول الله تعالى كيف يتهاوى هذا الزيف بمجرد أن يظهر الله تعالى أمره ويولي خليفته ، الذي سيقدمه للعالم المهووس بقضية الحكم الأمثل والعدل الزائف !! ، وسبحانه وهـو القائل وقوله الحق : ﴿ مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ﴾(51)وقوله : ﴿ قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين ﴾ (52).
ومما لا شك فيه أن هذا الإعداد والتهيؤ مسابقة لأمر الله تعالى وخبره بما يكون آخر الزمان ، والله سبحانه مبطل كيدهم وموهن عزمهم وقدرتهم بحوله وقدرته وحده سبحانه جلت قدرته لا إله إلا هو لا شريك له ولا ولد . والذي دعاهم لكل هذا ما وجدوه عن الأنبياء تفصيلا لهذا الأمر ، وجحوداً لأن يكون هذا من نصيب ذرية إسماعيل عليه الصلاة والسلام ، ألا تراهم أخي المؤمن حفظك الله تعالى كيف أنهم أخذوا يرددون في السنوات الأخيرة وبهوس لا ينقطع مقولة السلام ! ، السلام ! وتبجحهم وبكل وقاحة أنهم دعاة سلام(53)، مكابرة ومعاندة لأمر الله تعالى ولعنته عليهم ووعده بإهلاكهم وإحلال السلام على عباده هو ، لا أولياء الشيطان أتباع كلمته ، الذين رفضوا كلمة الله وكذبوا أنبياءه .
قال الرئيس الأمريكي بوش في خطاب ألقاه في جلسة مشتركة لمجلس الكونغرس : نلتقي الليلة في عالم أنعم عليه بوعد السلام !(54). وفي يوم طلب ريغان من بيلي غراهام أن يلقي خطاباً في مجلس التشريع في كاليفورنيا ، فأعلن فيه بيلي قوله : إن البديل للشيوعية هي الخطة الواردة في الكتاب المقدس !!(55). انظر ، وسيأتي لاحقا كيف طبق الكتاب المقدس بعد سقوط الشيوعية ، وعلى الفور ! .
وقال ريتشارد نيكسون : إننا نقف على أعتاب مرحلة تاريخية فاصلة ! ، فخلفنا قرن من الحروب والديكتاتورية ومتطلعين إلى قرن يمكننا أن نجعل منه قرنا للسلام والحـرية ، إن المستقبل فيما وراء السلام في أيدينا !! . وقال في موضع آخر : إن عام (1999) نكون قد حققنا السيادة الكاملة على العالم ... وبعد ذلك يبقى ما بقي على المسيح !(56) ويقول أيضا هذا المتغطرس الكاذب : يجب أن نتولى القيادة ، لنفتح عيون أولئك الذين ما زال يعميهم الاستبداد والطغيان وبث الشجاعة في قلوب أولئك الذين مازالوا يعانون من الاضطهاد والظلم وإخراج أولئك الذين مازالوا يعيشون في الظلام من سجون الظلم والطغيان(57). وهذا اقتباس من هذا الدعي لكلام نبي الله تعالى إشعيا : هكذا قال الرب في وقت القبول استجبتك وفي يوم الخلاص أعنتك . فأحفظك وأجعلك عهداً للشعب لإقامة الأرض لتمليك أملاك البراري . قائلاً للأسرى اخرجوا للذين في الظلام اظهروا(58). وقوله : أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونوراً للأمم لتفتح عيون العمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة(59). وهذه صفات صريحة في المخلص الذي يكون في آخر الأيام وقد نص على هذا الكثير من أنبياء الله تعالى ومنهم إشعيا قال : الرب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلب لأنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق(60). ونسبوا إلى عيسى أنه قرأ في المجمع يوم السبت قول إشعيا هذا : مسحني لأبشر المساكين .. ، فقال : إنه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم(61). انظر إلى هذا الكذب وأعجب أيهم أكذب نيكسون أم لوقا ، إن كان لوقا هذا حقيقة أو كذب ، فإن عيسى عليه السلام لم يحقق هـذا في زمانه ، بينما نيكسون ينسب هذه المكارم إلى دولته ، وعلى هذا فإما أنه يرى أنها هي المسيح ، وليس ببعيد على هؤلاء هذا الاعتقاد ، أو أنهم يؤدون هذا عن المسيح بالنيابة ـ ولاية نائب المسيح ـ ، وكلهم يقتبس من إشعيا وكلهم كذبة فجرة ، فلا أمريكا هذه الصفات لها ، ولا عيسى قام بهذا عليه السلام كما زعم لوقا وغيره . وما ذكره عيسى عليه الصلاة والسلام إنما هو في المهدي المنتظر الذي أخبر عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام فقد كان جميع الأنبياء يخبرون أقوامهم عن أشراط الساعة وما يكون آخر الزمان كما سيأتي بيانه قريباً .
وكلام النبي إشعيا صريح فيما ذكرت ومن قوله أن الله قال : مخبر منذ البدء بالأخير ومنذ القديم بما لم يفعل قائلاً رأيي يقوم وأفعل مسرتي . داع من المشرق الكاسر . من أرض بعيدة رجل مشورتي . وقال أيضاً : من أنهض من المشرق الذي يلاقيه النصر عند رجليه . دفع أمامه أمماً وعلى ملوك سلّطه . وهذا أصرح شيء في المهدي المنتظر عندهم ، ويشهد له عدة أحاديث وردت عن الرسول عليه الصلاة والسلام فيها أن مبعث المهدي يكون من المشرق . ومما يثبت أن هذا لا يكون إلا عند الخلاص بمبعث المهدي آخر الزمان قول إشعيا : قولوا لخائفي القلوب تشددوا لا تخافوا . هو ذا إلهكم . الانتقام يأتي . جزاء الله . هو يأتي ويخلصكم . حينئذ تتفتح عيون العمي .. لأنه قد انفجرت في البرية مياه وأنهار في القفر ويصير السراب أجما والمعطشة ينابيع ماء(62). وفي آخر الإصحاح (41) أكد وللمرة الثالثة أن مبعثه يكون من المشرق فقال : قد أنهضته من الشمال فأتى من مشرق يدعو بإسمي . يأتي على الولاة كما على الملاط وكخزّاف يدوس الطين اهـ . وهذه صفات وأخبار نص رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تكون للمهدي ، وما أخبر الرسول إلا بما يصدق كلام من سبقه من أنبياء الله تعالى وما ذكره إشعيا من انفجار المياه في البرية والأنهـار في القفر ، وابتهاج القفر بالزهور ، نص على ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بلاء يصيب الأمة ، حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم ، فيبعث الله رجلا من عترتي ، فيملا به الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، ولا تدع السماء من قطرها شيئا إلا صبته مدراراً ، ولا تدع الأرض من مائها شيئا إلا أخرجته )(63). وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا )(64). وهذا إنما يكون عند ملك المهدي للأرض ، مما يظهر الله سبحانه من البركة في المطر والنبات . وقد أخطأ اليهود خطأً عظيما حين ألحقوا في هذه النبوءة من عندهم قولهم أنهم في ذلك الزمان الذي تتفجر فيه الأنهار ويزهر القفر ، ويكون هناك الطريق المقدس يسلك المفديون فيها ، وأنهم يرجعون ويأتون إلى صهيون بترنم وفرح أبدي على رؤوسهم ، ويهرب التنهد ، الحقوا بهذا ادعاءهم أن الخلاص وهذه العودة تحققت في زمان كورش الفارسي ، حين أذن لهم بالعودة لفلسطين ، وفي هذا كذب مكشوف وقع فيه كتابهم المقدس منذ القديم ، وهم مع هذا وبكل صفاقة وقلة حياء يرددون فيه قول إشعيا : ولم يعطشوا في القفار التي سيرهم فيها . أجرى لهم من الصخر ماء وشق الصخر ففاضت المياه . لا سلام قال الرب للأشرار(65). وادّعوا أن هذا فيهم(66). قال سبينوزا : فكل ما يقصده بكلماته هذه هو أن اليهود سيجدون في الصحراء ينابيع تروي ظمأهم . وعندما عادوا إلى بيت المقدس بعد موافقة كورش لم تحدث مثل هذه المعجزات بالفعل(67).
قلت : لأن هذا كان كذب ، فكيف يتحقق الكذب . وكذبوا أيضا على النبي إرميا حين نسبوا إليه قوله أن السبي ينقضي بعد السبعين سنة من ابتداء السبي البابلي ، كما كذبوا على إشعيا عندما نسبوا إليه قول أن كورش الفارسي هو المخلص ، وما زال هذا مدونا في كتابهم المقدس . وبالتأكيد كذبوا عليه حين ادعوا بأن رجوعهم مـن بابل هو الخلاص المنتظر ، وكل ذلك كذب وافتراء على أنبياء الله تعالى ، وما زال هؤلاء يكذبون على الأنبياء ، وهي عادة قديمة فيهم أجهدوا أنفسهم بالكذب على الله وأنبيائه ، بادعاء أن الخلاص المنتظر ما هو إلا فيهم . ولازم ما كذبوه على أنبيائهم ونسبوه إلى الكتاب المقدس عندهم هو أن إرميا كاذب وإشعيا ، وحتى دانيال إذ نسبوا إليه قوله : فهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب إلى إرميا لكماله سبعين سنة على خراب أورشليم(68). أي أن الخلاص يكون بعد السبعين فيعودون ويبنون الهيكل ، وكل هذا دجل وكذب على الأنبياء ، وما زالوا يكذبون لعنهم الله تعالى ، فها هم يعودن إلى الكذب ودخـل معهم الآن في هذا النصارى ، فعادوا بدعوى الخلاص من جديد ! ، فأين الأنهار ، وأين أزهار القفر !!(69).
وعوداً إلى الكلام فيما نقل عن النبي إشعيا عليه السلام أن مبعثه يكون من مشرق الشمس ، وهو ما أكده في أكثر من موضع من كلامه ، كقوله : حسب الأعمال هكذا يجازي مبغضيه سخطا وأعداءه عقابا . جزاء يجازي الجزائر . فيخافون من المغرب اسم الرب ومن مشرق الشمس مجده . عندما يأتي العدو كنهر فنفخة الرب تدفعه(70). وسبق نقل كلام دانيال في أن هلاك هذا العدو إنما يكون من غير يد والمراد بذلك ما قرره إشعيا هنا أن ذلك إنما يكون بقدرة الله تعالى . وأما المراد بأرض الشمال على حسب مـا ورد في نبوءة إشعيا في تعيين مكان خروج المهدي ، فأرض وجهة العراق ، فقد تقرر باللسان العبري القديم أن أرض الشمال هي أرض العراق كما ذكر ذلك النبي إرميا ، بقوله : للسيد رب الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات(71). وأما قول إشعيا بأن مبعثه أيضا سيكون من المشرق ، فهو على اعتبار الجهة من المدينة المنورة ، مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي علم إشعيا أنه سيأتي بعده ويؤكد أخباره في المهدي المنتظر ، ولهذا لما أخبر النبي عليه السلام عنه جاء بما يوافق ما ذكره إشعيا ، فأتى بذكر الرايات السود من المشرق التي سيكون فيها خليفة الله تعالى ! وغير هذا من أحاديث وآثار ، فيها التصريح والتلميح بأن خروجه سيكون من المشرق . مثل حديث أبي غاضرة عن عمه غضبان بن حنظلة عن حنظلة بن نعيم العنزي ، قال : كنت فيمن وفد على عمر رضي الله عنه ، فجعل يسأل رجلا رجلا : ممن أنت ، ومن أنت ؟ حتى انتهى إلي فقال : ممن أنت ، ومن أنت ؟ فقلت : أنا حنظلة ، من عنزة . فأومأ نحو المشرق ، وفـرج أصابعه ، وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (عنـزة حي من ها هنا ، مبغي عليهم منصورون )(72). وهذا إن صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر في عداد أخبار المهدي ، وعنزة في الحديث على هذا إما أنها ستكون من أنصار المهدي ، أو أنه سيكون من جملتهم ومحسوباً من نسبهم ، وهذا وارد وجائز وقوعه لجهالة أنساب أكثر الناس في آخر الزمان كما أفاده حديث البخاري المذكور سابقاً في تطاول رعاة الإبل البهم بالبنيان ووصفهم بالبهم على اعتبار جهالة أنسابهم . وقد عرف في عادات العرب تداخلهم من خلال المصاهرة والولاء وما شابه . وما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الغرباء مشعر بهذا المعنى ، فقال حين سألوه من هم الغرباء ؟ قال : ( النزاع من القبائل ) ! وهذا الوصف للغرباء أصح ما ورد مرفوعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، والنزاع : جمع نزيع ، وهو الغريب الذي نزع من أهله وعشيرته(73). قال بعضهم أن المعنى انتزاعـه من وطنه بالهجرة إلى الله تعالى ، هكذا قالوا ذلك في تفسير المراد ، والحق إن شاء الله تعالى أن المراد انتزاعه من النسب وخلعه إلى أصله الصحيح ، وواقع الحال مصدق لذلك وشاهد له ، وفي لسان العرب يقولون : نزع إلى أبيه في الشبه أي ذهب . وأما بخصوص وصف عنزة في الحديث بأخص صفات الطائفة المنصورة وهي النصرة ، فلا يمكن أن يكون المراد إلا عائداً على المهدي وأمره ، ذلك لأن النبي أخبر عن أن ابتداء أمره سيكون من المشرق كما ورد ذلك في جملة من الأحاديث . ثم إن عنـزة لم يعرف عنها ما يوجب لها استحقاق النصرة سابقاً لا في مشرق ولا في مغرب ، بل انتهى بهم الأمر في السنوات الأخيرة بمعاداة دعوة الرجل الصالح ابن عبد الوهاب حتى صرح بكفرهم وكفر بعض قبائل العرب .
وعلى هذا تفيد موافقة النبي لإشعيا في تعيين جهة مبعث المهدي ، على أن المراد بنبوءاته المهدي المنتظر الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخروجه آخر الزمان من جهة المشرق ، كما ورد ذلك في حديث ثوبان رضي الله عنه المذكور سابقاً ، وحديث ابن مسعود وعبد الله بن الحارث(74). وروي في هذا المعنى عن ابن عمرو قال : ( يخرج رجل من ولد حسن من قبل المشرق ، لو استقبل به الجبال لهدها واتخذ فيها طرقاً )(75). قال ابن كثير : المهدي الممدوح الموعود بوجوده آخر الزمان يكون أصل ظهوره وخروجه من ناحية المشرق(76).
ومن العجب هنا في انقلاب الأمور على النصارى ، أن زعيم أمريكا ريغان ، بدلاً من اعتقاد خروج مجد الله تعالى من مشرق الشمس صار ينتظر الأعداء ، أعداء اليهود وأمريكا أن يخرجوا من الشمال ، الشمال الذي هو مشرق الشمس على حسب كلام النبي إشعيا ، أرض العراق . قال ريغان : إن حزقيال يخبرنا أن يأجوج ومأجوج الأمة التي ستقود قوى الظلام الأخرى ضد إسرائيل سوف تأتي من الشمال … . ويقول : ما هي الأمم الأخـرى الموجودة إلى الشمال من إسرائيل ؟ لا شيء . لقد كان ذلك غير منطقي قبل الثورة الروسية عندما كانت روسيا دولة مسيحية . إلا أن لذلك معنى الآن وقد أصبحت روسيا شيوعية وملحدة الآن ، وقد وضعت روسيا نفسها ضد الله ، الآن تنطبق مواصفات يأجوج عليها تماماً(77).
ولا أدري ما المنطق الآن بعد عودة روسيا إلى المسيحية وأين ستكون من جديد هـذه القوى المعاديـة لإسرائيل . لا أعتقد أن عليهم إلا الاجتهاد مرة أخرى في تعيين أرض الشمال ليتجدد هذا العدو ، ولعل أتقياء ! أمريكا واليهود اهتدوا أخيراً ، إن كانوا على فهم هذا الأبله الذي لم يتمكن من الوقوف على تعيين الكتاب المقدس لأرض الشمال كما نص على هذا إرميا مع كل هذا الحماس الجارف لنبوءات الكتاب ، فعرفوا أخيراً أن الكتاب المقدس مصرحاً بأن العراق هي أرض الشمال ، هذا إن كانوا بالغباء مثل ريغان ، وأنا أستبعد ذلك ، وأرى أن من يقودهم في الحقيقة على وفق الكتاب دهاة شياطين الإنس .
وكلام حزقيال في ذكر الشمال لا يعارض ما ذكره إرميا أنها عند الفرات ، وذلك لتنكير حزقيال الشمال وتصريح إرميا بما يفيد التعيين ، فلا تعارض بينهما . وأنا لا أشك أبداً أن هذا التعيين هو هدايتهم الجديدة التي الآن يسوقون إليها الأغبياء مـن اليهود والنصارى أمثال ريغان الرئيس . وكل ما جرى بعد سقوط الشيوعية في أرض العراق وما حولها مندرج تحت هذا الأصل ، وهو مايسمونه بـ( أهداف الله في الشرق الأوسط ) إنها خطة محكمة وسيناريو للرب !! . قال برتسون : ريغان نما روحياً بشكل كبير وأدرك ما يجري في ضوء مسلسل النبوءات . لقد تملكني الشعور بأن ريغان يدرك تماماً أهداف الله في الشرق الأوسط !(78).
ويبقى التنبيه هنا أيضاً على خطأ ريغان الثاني في التعيين وفهمه المعكوس لنبوءة حزقيال في أن المراد بذكر يأجوج ومأجوج الروس ، والصحيح أن المراد بذلك أمريكا ومن معها من اللفيف المجتمع لتحرير الكويت وطرد صدام العراق ، وقد أشار إلى خبرهم القرآن كما فصلت أمرهم في الفصل السابق ، وإضافة النبي حزقيال ذكرهم إلى أرض الشمال على اعتبار تجمعهم على أرض الشمال أرض العراق ، وهذه الجهة عرفت بالشمال من جهة المجد ! ومكان العهد ، الذي كما ذكرت اتفق على تعيين خروج المهدي منها كلام رسول الله محمد وإشعيا عليهما الصلاة والسلام .
وكلام النبي حزقيال صريح في دمار يأجوج ومأجوج في الأيام الأخيرة ، كما قال : وتصعد كسحابة تغشى الأرض . في الأيام الأخيرة يكون . وقال : في السنين الأخيرة تأتي إلى الأرض المستردة !! من السيف المجموعة من شعوب كثيرة !! .. وتصعد وتأتي كزوبعة وتكون تغشى الأرض أنت وكل جيوشك وشعوب كثيرون معك(79). ولا مزيد على تعيين دانيال كما ذكرت سابقاً لحال هؤلاء ووصفه المتحقق في هذه القوة التي هي من أظهر علامات هذه المملكة المتنفذة والمتجبرة على جميع الممالك ، وهي لا تنطبق إلا على أمريكا التي سبقت إلى القمر كما بينت . فسبحان الله الذي قلب بصائرهم فجعلهم يطلبون الأعداء الذين أخبر عنهم الأنبياء ، وهم في الحقيقة لا يبحثون إلا عن أنفسهم وذكرهم ، وهم لا يشعرون ، فهم الأعداء لله ورسله ، ولن يحل الدمار إلا عليهم .
وهذا الرئيس الأمريكي الذي يزعم أن من طاعة الله خدمة بني إسرائيل هو مثال رديء على ما بلغه النصارى من جهل وضلال في إدراك الكتاب المقدس عندهم وحقيقة النبوءات ، والأمثلة على هذا كثيرة ، ومن أظهرها كلام دانيال في خبر أمريكا الصريح وعلامتها المميزة ، وتصريحه على أنها عدوة الله وأوليائه ، ومع هذا هم لا يدركون هذه الحقيقة الظاهرة بمنطوق كتابهم المقدس ، بل ثبت أنهم كانوا يسعون جاهدين لتحقيقها ما يدعو إلى الريبة في حقيقتهم !! . ومن البراهين على بلادتهم وشدة غباوتهم وضلالهم أن حزقيال نفسه الذي يحتج بكلامه هذا الرئيس على ضلاله ، قد صرح في ذم إسرائيل وأخبر بسلبهم الملك والقوة فقال : وأنت أيه النجس الشرير رئيس إسرائيل الذي قد جاء يومه في زمان إثم النهاية !! . هكذا قال السيد الرب . إنزع العمامة إرفع التاج .. هذا أيضاً لا يكون حتى يأتي الذي له الحكم !! فأعطيه إياه(80). وهل بعد هذا التصريح قول ، فقد نص هنا عليه السلام بذم رئيس إسرائيل ونزع الملك عنه في زمان إثم النهاية ، وهذا نص قاطع بخيبتهم آخر الزمان لا مباركتهم كما يعتقد ريغان وكفرة اليهود والنصارى اليوم عليهم لعائن الله تترى إلى يوم القيامة ، ومن ثم جهنم وبئس المصير. ومن مفهوم هذا النص أيضاً يخرج ما فيه كذب أمريكا ومن دار بمدارها وتلطخ بعارها ، وذلك في أن الخلاص إنما يكون للضعفاء والمساجين وللذين يعذبون على يد تلك المملكة التي وصفها دانيال .
والناظر لواقع الحال اليوم على وفق كلام الأنبياء يجد بأن المضطهد والمقهور هم عباد الله تعالى أتباع نبينا عليه الصلاة والسلام ، وهم الذين وقع عليهم الجور والظلم ، حتى بلغ بأمريكا المتجبرة اليوم التي بلغت من القوة ما لم يبلغه أحد من قبلها ، أن تلقي في سجونها بعاجز عجوز وضرير كذلك لا حول ولا قوة له إلا بالله تعالى ، الذي لا يسمع دعاءه في آخر الليل وهو في جوف سجون أمريكا إلا الله تعالى ، فمن يرى دمعة عينه التي سلبها الله البصر وصبر على هذا لربه ، من يراها وهي تنساب على ذلك الخد ، إنه الله الذي قطع عند دانيال بالانتصار للقديسين عندما تحاربهم هذه المملكة المتجبرة ، والله غالب على أمـره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، وما أشد عجبي من حال هذا الشيخ وأمريكا حين أسرته ، وكأنها بهذا الأسير تصيح على نفسها ، أنا الذي يأسر ويشرد ، أنا أمكر وأتجبر بنص الكتاب المقدس ! ، نعم هكذا هي الحقيقة واليوم هذه حال أمريكا وحلفائها مع عباد الله تعالى المستضعفين يشردون بهم ويتجبرون عليهم في كل مكان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ينزل في أمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم ، لم يسمع ببلاء أشد منه حتى تضيق عليهم الأرض الرحبة )(81).
وللذين يشككون في أن كلام الأنبياء ليس المعني به آخر الزمان مع ما يوافقه من كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، قولهم مردود وحجتهم داحضة ، وما هم في الحقيقة من الممدوحين في الكتاب العزيز إذ يقول تعالى :﴿ والذين يؤمنون بما أُنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون ﴾(82) قال النبي إشعيا : قد انتصب الرب للمخاصمة وهو قائم لدينونة الشعوب .. . وقال : من أجل أن بنات صهيون يتشامخن ويمشين ممدودات الأعناق وغامزات بعيونهن وخاطرات في مشيهن ويخشخشن بأرجلهن . يصلع السيد هامة بنات صهيون ويعري الرب عورتهن . وينزع السيد في ذلك اليوم زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة والحلق والأساور .. والثياب المزخرفة فيكون عوض الطيب عفونة وعوض المنطقة حبل .. رجالك يسقطون بالسيف وأبطالك في الحرب . فتئن وتنوح أبوابها وهي فارغة تجلس على الأرض . فتمسك سبع نساء برجل واحد في ذلك اليوم قائلات نأكل خبزنا ونلبس ثيابنا ليدع فقط اسمك علينا . إنزع عارنا(83). هذا ما يكون عند دينونة الشعوب من نصيب بني إسرائيل والدينونة إنما تكون آخر الزمان ، فأين العز المزعوم ، وكلام الأنبياء جميعهم على خلاف معتقد اليهود والنصارى اليوم ، لا بل وأكثر منافقي هذه الأمة الذين أخذوا في آخر الزمان يمنون أنفسهم بالسلام مع حتى اليهود الأعداء من بعد ما صار من الطبيعي جداً السلام مع النصارى أعداء الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام .
ومما ورد عن رسولنا مصدقاً لكلام إشعيا ما رواه حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا عمت الفتنة ميز الله أولياءه حتى يتبع الرجل خمسون امرأة تقول : يا عبد الله استرني يا عبد الله آوني )(84). وعن أبي هريرة عن رسول الله قال : ( لا تقوم الساعة حتى يتبع الرجل ثلاثون امرأة كلهم تقول : انكحني انكحني )(85). وعن أنس رفعه : ( إن من أشراط الساعة أن يذهب العلم ويظهر الجهل ويشرب الخمر ، ويفشو الزنا ، ويقل الرجال ، ويكثر النساء ، حتى يكون قيم خمسين امرأة رجل واحد ) رواه عبد الرزاق والبخاري ومسلم وغيرهم(86). وفي الباب عن أبي موسى كذلك ، وكلام الرسول هنا يفيد بأن زماننا هو الذي سيقع فيه تأويل هذه النبوءات في كثرة النساء وقلة الرجال ، لما تقرر سابقاً من هذا الكتاب أن زماننا هو الزمان الذي قبض فيه العلم وتحقق فيه ما ذكر ، إلا ما ذكر عن كثرة النساء وقلة الرجال ، وسيكون هذا كما نص عليه الأنبياء .
والحاصل أن كل الدعاوى الأمريكية في أنها ناصرة المظلومين ومحررة الشعوب ، والمطالبة بحقوق الإنسان ، كل ذلك مبني على هذا الأصل من كلام الأنبياء ، البشارة بخلاص يكون آخر الزمان نص عليه الأنبياء من بني إسرائيل . ومن القديم عرف عن اليهود ربطهم ما بين العودة من الشتات وتحقيق هذه الأخبار والنبوءات ، وقد مر قريباً كيف ادعوا لكورش الفارسي أنه مسيح الرب لإذنه لهم بالعودة إلى فلسطين ، وأثبتوا هذا في الكتاب من غير حياء من الله تعالى ومن الناس ، لمجرد تحقيق العودة وادعاء تحقق الخلاص الموعود ، والآن يعاد سرد هذه الكذبة من جديد ، بتجديد رموزها ، فكورش صارت أمريكا وقبلها كانت بريطانيا ، وبمـا أن هؤلاء يقومون الآن بدور المخلص فمن الحتمي الآن تحقق النبوءات !! . وهذا أصل في معرفة سر اليهود ومفتاح تاريخهم الغامض الملفق ، وحتى النصارى قد تأصل فيهم هذا الزيف والادعاء الكاذب ، فصاروا يدعون الأخبار والنبوءات في سبيل إعادة أورشليم .
وصف المؤرخ الأوربي ميشائيل درسيرر كيف كان البطريرك الصليبي عند اقتحام بيت المقدس يعدو في زقاق بيت المقدس وسيفه يقطر دماً ، حاصد به كل من وجده في طريقه ولم يتوقف حتى بلغ كنيسة القيامة وقبر المسيح ، فأخذ في غسل يديه تخلصاً من الدماء اللاصقة بها مردداً كلمات المزمور التالي : يفرح الأبرار حين يرون عقاب الأشرار ، ويغسلون أقدامهم بدمهم فيقول الناس حقاً إن للصديق مكافأة وإن في الأرض إلهاً يقضي(87).
كانت كذبة اليهود الأولى بكورش الفارسي مخيبة لأمال اليهود ، إذ دمـر الهيكل الذي أصلاً لم يتم بناؤه ، ذلك البناء الضروري لفكرة الخلاص ، إذ كيف يكون هناك خلاصاً من دون الهيكل !! ، وهو اليوم غصة لهم ولعرفات وزمرته ! .
فدمر الهيكل ، سنة من الله تعالى في تقدير الشتات عليهم ومنعهم من الرجوع إلا لمّا يحين الأجل المسمى والموعد المنتظر ! ، ولم تتحقق النبوءات في ذلك الزمان وكان هذا وتدمير الهيكل أعظم صدمة حلت باليهود ، ولعلها أكبر من مصيبة التدمير الأول وحلول السبي فيهم . ومن هناك انطلق الحقد اليهودي الذي كان أصلاً متأصلاً فيهم من قديم ، من لحظة ما علموا بحكم الله تعالى في أن البركة آخر الزمان ستكون من نصيب بني إسماعيل لا بني إسحاق ، ومن ذلك الزمان واليهود تحوي قلوبهم أعظم عقدة يحملها مخلوق على من خلقه ومأمور على آمره .
وأما الآن فإن تحقيق الخلاص وتجلية علاماته ، سيكون على أكمل وجه وأكثر دقة وشمول ، أليست المكنة المطلقة حاصلة اليوم !! . بلى إنها حاصلة ورب الكعبة يفعلون ما يشاؤون وما يأملون تحقيقه من قرون .
أيها الناس أفيقوا ، فها هي السدود تبنى على الأنهار بدهاء وأناة من أجل تحقيق علامات الخلاص ، وهذا تراب لبنان يسرق من أجل خصوبة أرض فلسطين ، وها هي مياه البحيرات والأنهار تمتص لأرض فلسطين لتصبح جنة غناء تجري فيها المياه ، وهذا مهم للخلاص ، حتى عده بعضهم من أظهر علامات الخلاص ، وها هي بابل تمتهن وتحاصر وتضرب فهذا أيضاً من علامات الخلاص .
وهذه العلامة الأخيرة هي ما يهمني تفصيل أمرها لكشف المدى الذي بلغه هؤلاء بالمكر والكيد ، بحجة الإيمان بالكتاب المقدس وقرب قدوم المسيح المخلص !!. ولأجل هذا الإيمان المتحمس ، ترى اليوم كل هذه التطبيقات والمخططات التي يسمونها خطة الله أو أهدافه بالشرق الأوسط .
ومن أظهر علامات هذا المخطط وتطبيقاته إشعال آبار البترول ، وترك آباره تدفق كما مياه الأنهار لتمتلئ منه الأرض والبحر ، وتحقيقاً لهذه العلامة إنبرى صدام العراق طائعاً لأسياده في التحالف الصهيوني الصليبي ، وانطلى على الدهماء أن الأمر برمته من تدبيره ، ومُوِّهَت الحقيقة على هؤلاء المغفلين ، وإنما صدام مخلب لذاك النسر الأسود !. فهذه تطبيقات محققي النبوءات ومصدقي الأنبياء ، تطبيقات المملكة المتجبرة التي ترفل بباطلها استعلاءً وغروراً في وسط شعوب مغفلة وأمم جاهلة تائهة لا تعي ما يجري حولها ، يطبل لزفتها حكومات خائنة لدينها ولشعوبها .
إن ما يجري الآن في الشرق الأوسط عموماً ، وبالعراق خصوصاً ، أظهر بينة على كشف هذا الباطل الذي ستر سره من قرون بعيده ، والقرآن عندما أنزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم عرَّى هذا الزيف والكذب ، تعرية لا يدركها أكثر الناس ، فمضى القرآن ومضت معه الفرصة لفضح اليهود وكشف كذبهم على الله تعالى وأنبيائه ، ففوتت البشرية على نفسها هذا العلم والاسترشاد بذاك النور الذي سلط على ظلام هؤلاء المتربصين بالإنسانية لاستعبادها بالتملك والقهر .
ومن الحقائق التي كشفها القرآن عن اليهود قضاء الله عليهم بالجلاء من بيت المقدس وإحلال اللعنة عليهم ما لم يحسنوا ، والإحسان هنا متضمن للقبول بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، النبوة التي كانوا على ألسنة الأنبياء يتلقون البشارة بها ، وبالأخص عيسى عليه السلام الذي أعلن لهم أنها كائنة في بني إسماعيل ، فغضب اليهود جرَّاء ذلك ، وكان هذا سبباً لاستعداء الرومان عليه . ومما نبأ به بني إسرائيل عنه عليه السلام ، أنه سيكون بركة من الله تعالى لجميع البشر ، وسبيلاً لسلام كل من يريد الله وجنته ، وأخبرهم الله أنه سيبارك لمتبعيه آخر الزمان ، وسيجعل لهم خلاصاً كما جعل لبني إسرائيل خلاصاً من فرعون وجنوده .
وكل هذه حقائق بُلغ بها بني إسرائيل إصطفاءً من دون العالمين ، وما كان جزاء هذا إلا الجحود ورفض أمر الله تعالى أن يكون في بني إسماعيل من دونهم ، فصار هذا الجحود والرد لأمر الله القاعدة المؤسسة لدين اليهود فيما بعد ، وما زالوا يرفضون كل ما يخالفها من الله سبحانه ، فرفضوا نبوة محمد ومن قبله عيسى ومن قبلهم جميعاً كان الرفض للأنبياء والتمرد عليهم ، وحتى موسى وهارون وهو مبعوث نبي خلاص لهم مع هذا تمردوا عليه وجادلوه وأكثروا في أذيته عليه السلام ، وكل هذا من أجل أنهم جاءوا بما لا ترضى عنه أنفس اليهود ، فتجذَّر بسبب هذا الحقد فيهم وبغض الله وأنبيائه ، وحتى جبريل كان بغضهم له بسبب هذا الأمر ، وكانوا يقولون : لا يأتي إلا بما فيه دمارنا وحربنا !.
ولما لم يكن أنبياء بني إسرائيل يداهنون بأمر الله ويطاوعون اليهود على رفضهم كان جزائهم القتل ، فقُتل زكريا وإشعيا وشرد إرميا وسجن وقيل ربما قتل ، وطلب عيسى للقتل . وهذا يفيد في معرفة حقيقة اليهود وزيف دعواهم اليوم أنهم يحبون الله وأنبياءه ، والحقيقة على خلاف هذا ، فهم يبغضون الله وجبريل وأنبياءه ، وهذه من الحقائق التي لا يجوز الشك بها لكل مؤمن بالله واليوم الآخر ، ولو لم يصرح اليهود بها اليوم(88).
وجرياً على وفق هذه القاعدة التي أطلت الكلام في تقريرها ، فإن اليهود لن يقبلوا بالمهدي وأمره وسيرفضون ذلك ، بل هم الآن يكرسون هذا الرفض ويعدون أسبابه . ألا ترى أيها الأعمى كيف التكريس الواقعي لرفض سياسة الضم بما فعل صدام ، ضرباً لعصفورين بحجر واحد ! ، سيرفض أمر المهدي كما رفضت نبوة سيده من قبله ولو جاء بكل آية من ربه ، ولو جاء بما نصت عليه أخبارهـم كالنداء بإسمه وتمكينه لحكم الأرض ، وإنزال البركة من السماء وغيره من العلامات الدالة على زمنه . ولا أكتم سراً هنا إذا قلت إثباتاً لهذه الحقيقة وكشفاً لزيف اليهود وأحبارهم ، أن أعظم دليل وحجة على مبعث المهدي عندهم ، الذي يدعون أنه مخلصاً لهم هم لا لسواهم ، قد وقع بالفعل ، وهذا البرهان لبعثه والأمارة التي إن وقعت لن تكون خافية على أحد على حسب ما ذكره الأنبياء عندهم وهم يترقبونها من زمن بعيد ، ولا أدري ، لمّا وقعت لفّهم صمت منها وخرس !! ، وهذا الصمت بعد وقوعها إنما يدل على أنهم لا يؤمنون بالكتاب والذكر ولو ادعوا هذا الإيمان .
أتدري أخي المؤمن بأن أظهر علامات بعث المهدي عندهم كثرة الأمطار والسيول الجارفة ، واضطراب الأنواء ، الاضطراب الذي هو حاصل اليوم بالفعل ، وبدلاً من الفرح لتحقق هذه الأمارة المخبر عنها بكتابهم المقدس ، وكون أنها من أظهر علامات قدوم المخلص عندهم ، تجدهم على خلاف هذا يصمتون صمتاً خبيثاً ، ويجتهدون لإعطاء هذا الأمر تفسيراً طبيعياً مادياً بعيداً عن الكتاب المقدس ، مع ما يبهجهم من تحقق نبوءات الأنبياء كما مر معنا من كلام ريغان وغيره ، وبهذا حجة على أنهم كذبة كفرة بالكتاب ، وهذا أيضاً لازم كذلك للنصارى لعنهم الله تعالى فهم اليوم أذناباً لليهود وسائرون على ملتهم .
قال الحافظ ابن حجر في شرح صحيح البخاري ، أخرج الشافعي في ( الأم ) بسند له عن عبد الله بن الزبير أن كعباً قال له وهو يعمل بناء مكة : أشدده وأوثقه ، فإنّا نجد في الكتب أن السيول ستعظم في آخر الزمان !(89). وما أقر به هنا كعب الأحبار ورد صريحاً في كتابهم المقدس ، وأنه يكون عند بعث المخلص المنتظر ، جاء ذلك فيما ينقلونه عن النبي حبقوق قال : هل على الأنهار حمى يا ربي ، هل على الأنهار غضبك . أو على البحر سخطك حتى إنك ركبت خيلك مركباتك مركبات الخلاص . عريت قوسك تعرية سباعيات سهام كلمتك .. سلاه . شققت الأرض أنهارا . أبصرتك ففزعت الجبال ، سيل المياه طما . أعطت اللجة صوتها رفعت يديها إلى العلاء … بغضب خطرت في الأرض بسخط دست الأمـم . خرجت لخلاص شعبك لخلاص مسيحك ! . . سلكت البحر بخيلك كوم المياه الكثيرة(90). وجاء أيضاً كلام النبي إرميا عليه السلام صريحاً في أن هذا إنما يكون آخر الزمان فقال : ها زوبعة الرب . غيظ يخرج ونوء هائج على رؤوس الأشرار يثور . لا يرتد غضب الرب حتى يجري ويقيم مقاصد قلبه . في آخر الأيام تفهمون فهماً !!(91). وقال في موضع آخر : إذا أعطى قولا ! تكون كثرة مياه في السموات ويصعد السحـاب من أقاصي الأرض . صنع بروقا للمطر وأخرج الريح من خزائنه . بلد كل إنسان من معرفته . خزي كل صانع من التمثال . لأن مسبوكه كذب ولا روح فيه . هي باطلة صنعة الأضاليل . في وقت عقابها تبيد !!(92). ونص إرميا على أن هذا إنما يكون عند نزول غضب الله تعالى على كل أهل الأرض ، وعدد الشعوب فقال : هكذا قال لي الرب . خذ كأس خمر السخط من يدي واسق جميع الشعوب الذين أُرسلك أنا إليهم ، إياها فيشربوا ويترنحوا ويتجننوا من أجـل السيف الذي أرسلني الرب إليهم . أورشليم ومدن يهوذا وملوكها ورؤساؤها لجعلها خراباً ودهشاً وصفيرا ولعنة كهذا اليوم(93). وفرعون ملك مصر وعبيده ورؤساؤه وكل شعبه . وكل اللفيف وكل ملوك أرض فلسطين وأشقلون وغزة وعقرون وبقية أشدود . وأدوم وموآب وبني عمون ، وكل ملوك صيدون وملوك الجزائر التي في عبر البحر وددان وتيماء وبوز ، وكل مقصوصي الشعر مستديرا(94). وكل ملوك العرب ! وكل ملوك اللفيف الساكنين البرية . وكل ملوك زمري وكل ملوك عيلام وكل ملوك مادي . وكل ملوك الشمال القريبين والبعيدين كل واحد مع أخيه وكل ممالك الأرض التي على وجه الأرض . وملك شيشك يشرب بعدهم . وتقول لهم : هكذا قال رب الجنود . اشربوا واسكروا وتقيأُوا واسقطوا ولا تقوموا من أجل السيف الذي أُرسله أنا بينكم . ويكون إذ أبوا أن يأخذوا الكأس من يدك ليشربوا أنك تقول لهم . هكذا قال رب الجنود تشربون شربا . لأني ها أنذا أبتدئ أسيء إلى المدينة التي دعي اسمي عليها فهل تتبرءُون أنتم . لا تتبرءُون لأني أنا أدعو السيف على كل سكان الأرض يقول رب الجنود . وقل لهم : الرب من العلاء يزمجر ومن مسكن قدسه يطلق صوته ! يزئر زئيراً على مسكنه بهتاف ! كالدائسين يصرخ ضد كل سكان الأرض . بلغ الضجيج إلى أطراف الأرض لأن للرب خصومة مع الشعوب هو يحاكم كل ذي جسد . يدفع الأشرار للسيف يقول الرب . هكذا قال رب الجنود هو ذا الشر يخرج من أمة إلى أمة وينهض نوء عظيم !! من أطراف الأرض . ويكون قتلى الرب في ذلك اليوم من أقصاء الأرض إلى أقصاء الأرض(95)(96). نقلت هذا الكلام بطوله لفائدته ولما اشتمل عليه من تفصيل صريح على أن هذا لم يقع قديماً ، والخصومة مع كل الشعوب إنما هي فيما يأتي لا مما مضى . والشاهد الصريح في أن ما تنبأ به النبي إرميا عليه السلام هو في زماننا هذا والقريب ، ذكره لثورة الأنواء وكثرة الموت بسبب الكوارث وهو أمر مشاهد الآن . وفيما ذكر إرميا إبطال لزعم اليهود أن الخلاص فيهم آخر الزمان ، إذ أن العذاب سيكون شاملاً لهم أيضاً ولم يستثنهم النبي بنبوءته كما هو ظاهر ، ولعلهم من أجل هذه الأخبار وغيرها اضطهدوه عليه السلام وقيل بل قتل على أيديهم لعنهم الله تعالى . وهل يستطيع اليهود أن ينكروا أن الأنواء الآن حالها في الناس كما نص الأنبياء ، لا يمكن إنكار هذا والحجة لازمة لهم إلا أنهم قوم بهت .
ومن شواهد ما ورد في نبوءة إرميا عليه السلام في كثرة الموتى وشدة الإهلاك ، قوله تعالى : ﴿ وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً . كان ذلك في الكتاب مسطوراً ﴾(97)وقول ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع إلى يوم القيامة ) والمراد سيف المهدي قطعاً لا كما تأوله بعض الناس على أنه سيف الفتن التي ابتدأ أمرها بمقتل عثمان على حسب تأويلهم ، وهذا وهم كبير إذ أنه عقب ذلك اجتمع الناس أكثر من مرة ، وإنما هذا سيف لا يرفع إلى أن تقوم الساعة ، وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد وغيره أن المهدي يلقب بـ( السفاح ) وذلك والله أعلم لكثرة ما يقتل من المنافقين والكفار . وحديث ثوبان رواه مسلم والحربي واللفظ له(98). وقول إرميا عليه السلام : وكل مقصوصي الشعر مستديراً . يعد من أعلام نبوته عليه السلام ، فجز الشعر لم يعرف في المجتمعات القديمة بل كانت عادتهم إسبال الشعر ، وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها من صفات الخوارج آخر الزمان ، يحلقون رؤوسهم وهي من أظهر صفاتهم اليوم ، والواقع شاهد لذلك أبلغ شهادة .
وقال النبي إشعيا أيضاً في هذا المعنى : الرب بالنار يأتي ومركباته كزوبعة ليرد بحمو غضبه وزجره بلهيب . لأن الرب بالنار يعاقب وبسيفه على كل بشر ويكثر قتلى الرب . الذين يقدسون ويطهرون أنفسهم في الجنات وراء واحد في الوسط آكلين لحم الخنزير والرجس والجرذ يفنون معا يقول الرب . وأنا أجازي أعمالهم وأفكارهم(99). وهذا الوصف مطابق لحال النصارى ووثني الهند وآسيا وغيرهم من الوثنيين ممن يأكل الجرذ والحشرات والديدان ، ولا يجدون حرجاً في ملتهم من أكل هذه النجاسات والمحرمات ، وفي هذا ما ينافي اعتقاد النصارى في أنهم أحباب الله وأولياؤه ، إذ وصفهم النبي بما يميزهم عن المسلمين وحتى اليهود ، وهو استحلال أكل لحـم الخنزير الذي كان محرماً في شريعة موسى عليه السلام ، وبين النبي أنهم يفنون ، لا أنهم ينجون ويقربون كما هي عقيدتهم اليوم ، بل جاء هناك ما هو أكثر صراحة وأكثر خصوصية يذكرها النبي إشعيا وتدل على أن النصارى مغضوب عليهم ، ومطرودون من رحمة الله تعالى لا كما يزعم قساوستهم أنهم أحبابه وقديسيه ، وجاء نص النبي عنهم في زمان الخلاص الذي هو منتهى أملهم فقال : ويكون هناك مسلك وطريق يقال له الطريق المقدس لا يعبر فيه نجس بل إنما هو لهم اهـ . وجمع في إصحاح آخر بين الأغلف والنجس فقال عن المدينة المقدسة : لأنه لا يعود يدخلك فيما بعد أغلف ولا نجس(100)(101). وهذه صفة لازمة لجميع النصارى ، فهم لا يقطعون غرلة المولود الذكر على حسب شريعة موسى إلا ما ندر ، وفي هذا أظهر حجة على إبطال دين بولس الذي خدع النصارى حين أفهمهم بجواز ترك الغرلة وأن هذا لا ينافي الكتاب ، فخدعهم وأوردهم المهالك وأدخلهم اللعنة . وجاء خبر إشعيا عن زمن الخلاص ، وهذا يدل على عدم نسخ هذا الحكم الشرعي عند اليهود كما زعم بولس .
ومما تنبأ كذلك في هذه العلامة الدالة على زمان المهدي النبي صفنيا فقال : قريب يوم الرب العظيم قريب وسريع جداً . صوت يوم الرب . يصرخ حينئذ الجبار مرا . ذلك اليوم يوم سخط يوم ضيق وشدة يوم خراب ودمار يوم ظلام وقتام يوم سحاب وضباب . يوم بوق وهتاف على المدن المحصنة وعلى الشرف الرفيعة . وأضايق الناس فيمشون كالأعمى لأنهم أخطأُوا إلى الرب .. لا فضتهم ولا ذهبهم يستطيع إنقاذهم في يوم غضب الرب بل بنار غيرته تُأكل الأرض كلها . لأنه يصنع فناءً باغتاً لكل سكان الأرض(102). وقال داود : من السماء أسمعت الحكم ففزعت الأرض وصمتت . عندمـا قـام الله للقضاء ليخلص جميع ودعاء ! الأرض(103). وذكر النبي صفنيا للبوق فيه إشارة إلى الصيحة التي تكون آخر الأيام ، وسبق أن أوردت بعض الآثار في ذكرها وبيان سببها . وقد نص على ذكرها عند أكثر من نبي من أنبياء بني إسرائيل ، كقول إشعيا فيها : ويسمع الرب جلال صوته ويري نزول ذراعه بهيجان غضب ولهيب نار أكلة . نوء وسيل وحجارة برد(104). وقال يوئيل النبي : الرب يعطي صوته أمـام جيشه . إن عسكره كثير جداّ (105). وقال إشعيا أيضاً في هذا : يا جميع سكان المسكونة وقاطني الأرض عندما ترتفع الراية على الجبال تنظرون وعندما يضرب بالبوق تسمعون !(106). وقال : فيرفع راية للأمم من بعيد ويصفر لهم من أقصى الأرض فإذا هـم بالعجلة يأتون سريعاً . ليس فيهم رازح ولا عاثر . لا ينعسون ولا ينامون ولا تنحل حزم أحقائهم ولا تنقطع سيور أحذيتهم(107). وقال : ويكون في ذلك اليوم أنه يضرب ببوق عظيم(108)فيأتي التائهون في أرض أشور والمنفيون في أرض مصر ويسجدون للرب(109). وفي مزامير داود : صعد الله بهتاف . الرب بصوت بوق(110). أشيدوا لله أشيدوا . أشيدوا لملكنا أشيدوا . فإن الله هو ملك الأرض كلها(111). وقال : جعلتني رأساً للأمم .. عند سماع الآذان يطيعوني(112).
ومن الذين ذكروا الأنواء وكثرة الغيم وجعلها علامة الخلاص حزقيال فقال : هكذا أفتقد غنمي وأخلصها من جميع الأماكن التي تشتت إليها في يوم الغيم والضباب وأخرجها من الشعوب وأجمعها من الأراضي وأتي بها إلى أرضها وأرعاها(113). وهكذا يتضح كذب اليهود على الأنبياء بادعائهم أن هذا فيهم ، وأن الصيحة ستكون من أجلهم ، وسيأتي بيان كيف أن هذا من الكذب .
والحق أن هذا الوعد إنما هو للمهدي ولجميع أولياء الله تعالى من الصالحين والمستضعفين ، أقول المستضعفين لا المنافقين المطمئنين بولايات هؤلاء الذين ذمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بعدم تصديقهم وإعانتهم ، أما عباده الأتقياء فينجيهم من الضيق والشتات ومن الغربة والتشريد ، ويجمعهم إلى المدينة المنورة ، ويعود لهم بنصر الله وجمعهم بالمدينة الجهاد والعزة للدين ، وقد جعل الله تعالى هذه الأمارة دليلاً لتحقيق هذا الوعد ، وهذا الوعد إنما ادعاه اليهود لأنفسهم حسداً منهم أن يكون هذا الفضل والبركة في بني إسماعيل ، ويشهد لقول حزقيال وإشعيا في عودة عباد الله تعالى المشتتين والمنبوذين ما رواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها ) وعن أبي هريرة رفعه : ( إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها )(114). وعنه : ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء )(115). وأفاد كلام أنبياء بني إسرائيل أن هذا الجمع يتم جراء وقوع الصيحة التي ستكون سبباً لجمع هؤلاء من كل مكان ، وقد أورد ذكرها القرآن ووردت آثار أتيت على ذكرها سابقاً تبين أنها تكون في زمان الإمام المهدي المنتظر ، وكذلك أفاد كلام أنبياء بني إسرائيل أن الصيحة إنما تقع وعباد الله في حال استضعاف وتطريد ، وهذا مناقض للحال التي عليها اليهود والنصارى اليوم قطعاً ، بل هذا الوصف إنما يطابق حال الذين يطاردهم اليهود والنصارى اليوم ومن والاهم ، فها هم يضيقون الخناق عليهم يودون لو أخرجوهم من كوكب الأرض بغضاً وعداوة وكرها أن يطلبوا الحق والدين ، وبلغ بهم الأمر في السنوات الأخيرة إلى أن تعتقل أمريكا هذه المملكة الملعونة التي أخبر عنها النبي دانيال ، هذا الشيخ المسلم المصري الضرير وترميه في سجونها ، وها هي تطارد ابن لادن وتضيق عليه الخناق وتجتهد لإمساكه لإيقاع الشر به ، وغير هؤلاء من الدعاة إلى الإسلام الذين تعد حالهم اليوم من الضعف والهوان على أعداء الله تعالى من البراهين الدالة على أن هذا هو زمان المهدي المنتظر ، الذي إنما يبعث بنصر الدين وإعلاء كلمة الله سبحانه ولو كره المشركون والمنافقون جميعهم . ومن خبث طوية اليهود ومن شايعهم أنهم يعلمون أن السلام والمعافاة من الضيق والتشريد في آخر الزمان في السنوات التي يكثر فيها المطر والسيول ، إنما تكون لهؤلاء المستضعفين مـن أتباع دين الإسلام ، فأتوا بكل صفاقة وقلة حياء يرددون السلام في هذه السنوات الأخيرة ، إدعاءً وتلبيساً منهم على أمر الله تعالى ووعده ، كما قال بوش : نلتقي الليلة في عالم أنعم عليه بوعد السلام ! . قـال النبي داود عليه السلام : الرب بالطوفان جلس . ويجلس الرب ملكاً إلى الأبد الرب يعطي لشعبه . الرب يبارك شعبه بالسلام(116). فمن شعب الله تعالى !! . وقال ناحوم : الرب في الزوبعة وفي العاصف طريقه والسحاب غبار رجليه .. من يقف أمام سخطه ومن يقوم في حمو غضبه . غيظه ينسكب كالنار والصخور تنهدم منه . صالح هو الرب حصن في يوم الضيق وهو يعرف المتوكلين عليه . ولكن بطوفان عابر يصنع هلاكاً تاماً لموضعها وأعداؤه يتبعهم ظلام(117). فمن المتوكل عليه . وقال داود : ويكون الرب ملجأ للملهوف في آونة الضيق . فيتوكل عليك العارفون بإسمك لأنك لم تخذل ملتمسيك أيها الرب . ويقول : من الرب خلاص الصديقين هو حصن لهم في أوان الضيق . ينصرهم الرب وينجيهم . ينجيهم من المنافقين . ويخلصهم لأنهم اعتصموا به(118). فمن الملهوف الآن والمضيق عليه ، أليس هم أتباع رسول الله بحق . وقال عليه السلام أيضاً : انتظر الرب واحفظ طريقه فيرفعك !! لترث الأرض . عند استئصال المنافقين تنظر .. إحفظ السلامة وارع الاستقامة فإن لصاحب السلام عاقبة تبقى . أما العصاة فيدمرون جميعاً وعاقبة المنافقين تستأصل . من الرب خلاص الصديقين(119). فمن يا ترى المخاطب هنا خطاباً مباشراً بانتظار الرب حتى يرفعه ليرث الأرض أمريكا واليهود أم من هذا ! أنبؤوني إن كنتم تعلمون . وقال إشعيا : لا سلام للمنافقين .
ومن العجب في حال المسلمين اليوم جهلهم هذه الحقيقة الصريحة في المهدي المنتظر وقـد نص القرآن عليها تأييداً لما ورد عند الأنبياء ، نص تعالى أن هذا مكتوباً بالزبور وغيره .
ولمن تدبر أقوال الأنبياء ثم اعتبر أقوال وحال هؤلاء المنافقين من اليهود والنصارى والمسلمين وكثرة ترديدهم للسلام لاشك سيلحظ بذلك ما يبيتون ضد هذا الأمر ، كقول القائل : اسحب البساط من تحتهم أو أقلب الطاولة عليهم ! ، ولكن هيهات يمكرون ويمكر الله تعالى والله خير الماكرين . وإن ما يُشن الآن على الإسلام والمسلمين من عداوة وتنفير وتشهير ما هو إلا مندرج تحت هذا الأصل المكين عندهم ، إلا أن الله سبحانه مبطل كيدهم ، وعلى المؤمن أن لا يقنط من رحمة الله تعالى ولا ييأس أبداً ، وليبق راجياً رحمة الله فإن نصره قريب ، وليعلم أن المؤمنين لا يضرهم قلب هذه الحقيقة ، ولا يمكن بحال جعل الإيمان الصادق نفاقاً ، والنفاق الخالص إيماناً ، أبداً لا يمكن هذا ، وإبطال هذا الادعاء الفاجر ظاهر في نصوص الكتاب عند أهل الإسلام ، وأهل الكتاب كذلك ، فالقرآن لم يعد اليهود بالسلام أبداً بل لعنهم وأخبر أنهم آخر الزمان يحيق بهم الخزي والعار والتشريد من بعد القوة والتمكين ، هذا في القرآن والسنة ، وأما في كلام الأنبياء فالأمر أظهر شيء في نبوءاتهم وقد أتيت على بعض ما ذكر عندهم وفيه مطابقة لواقع الحال ، فيما ورد في كلام الأنبياء وفيه أن الخلاص إنما يكون للمستضعف الطريد لا للقوي المتجبر ، وأن هؤلاء إذا جاء تحقق الوعد في زمان الغيم والسيول ، إنما تجمعهم الصيحة التي يعلن الله تعالى فيها حكم المخلص ، وفيها يجمعون من الشتات ، ويكون عندها أعز شيء بالله وأقوى وأجل ، وأن هذا المخلص وفق نصوصهم يكون عندها معروف العين ، حتى أنه يأمر بإطلاق الأسرى وتعمير الهيكل وغير هذا من محامده عندهم ، وهذا كله على خلاف حال هؤلاء اليوم لعنهم الله تعالى ، فقد عادوا بدعوى الخلاص لفلسطين ، وهم اليوم والنصارى جبابرة الأرض وطغاتها ، وهم أكثر الناس نفاقاً وفسقاً وعربدة ، يكفرون بالله صباحاً ومساءً ، ومع هذا لم يخرج المخلص بعد ، ولم يبن الهيكل بعد ، مع أنه قد تحقق في هذه السنوات الأخيرة كلام الأنبياء في إزعاج الأنواء للخلق وهيجانها على كل الأرض فكثرت بسبب ذلك الأمطار والسيول والأعاصير ، حتى أنه لم يبق إلا الصيحة التي تجمع الضعفاء والمشتتين ، وهذه الحال لا تطابق اليهود ولا النصارى ، وإنما تطابق حال من أحرقت قلوبهم الغيرة لدين الله وكلماته .
وها هو العالم اليوم كله يشهد على أن ما قاله الأنبياء من قبل قرون طويلة ، عن كثرة وشدة تقلبات الأنواء قد تحقق ، وصار حقيقة واقعة اليوم ، وها هـو المؤتمر الدولي يعقد ببروكسل عن مخـاطر التقلبات المناخية ! ، وقرع في هذا المؤتمر علماء المناخ أجراس الخطر والإنذار لبداية وقوف البشرية على حافة تقلبات في المناخات ، وظواهرها تهدد في الأمر المتوسط والبعيد بتغير جذري لخارطة العالم الحالية وانكماش لرقعة اليابسة فوق المعمورة بفعل ارتفاع درجة الحرارة الذي سيؤدي إلى ذوبان جبال الجليد في القطب الشمالي(120) وارتفاع مستوى البحر الذي سيغمر مدن وأقاليم ساحلية بحالها في العالم . ووجّه علماء مرموقون دعوة عاجلة وملحة إلى القيادات السياسية في العالم تطالبها بإتخاذ الإجراءات اللازمة فوراً لمنع إنهيار التوازن المناخي ! الحالي ، وأكد العلماء أنه إذا لم تُتخذ قرارات فورية حول التغيرات الحاصلة في المناخ والأحوال الجوية ، فإن الإنسانية معرضة إلى سيناريوهات خطيرة ! تصل إلى حد تهديد إمكانية عيشه فوق كوكبنا . وحذر البرفسور بول كروتزن من مخاطر عدم التصدي الفوري لهذه المشكلة برفع يديه إلى السماء قائلاً : في تلك الحال فإننا سنتعدى الـ(4 درجات ) من الحرارة الإضافية على سطح الأرض وأترك لكم حرية تصور بقية أجزاء هذا السيناريو المرعب(121). وغير هذا من المؤتمرات والتقارير التي تثبت أن هذا صار حقيقة لا يسع أحد إنكارها ، إلا أن أكثر الناس يجهلون أن الأنبياء أخبروا عن هذه الحقيقة والعلامة المؤذنة بقرب نهاية الأمر .
فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى تمطر السماء مطراً عاماً ) وعن عبد الرحمن الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من اقتراب الساعة كثرة المطر ) . وعن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى يكون المطر فيضاً )(122). وغير هذا مما يشهد لما نقل عن أنبياء بني إسرائيل ، وهذا حق لا مرية فيه لمن هداه الله تعالى ، وهو واقع مشاهد ، وما زالت هذه السيول تدمر القرى والمدن في كل قارة من هذا العالم ، حتى وصف بعضهم أن المناخ وكأنه جُنْ ، والحق أنه غضب الله سبحانه قد حل بأهل الأرض وهم في غفلة وهم لا يؤمنون .
ومما لا يليق بأهل الإسلام أن يرددوا مع أهل الغرب وجهلة العالم كالببغاوات أن هذا نتيجة ثقب أوزون من جراء الغازات ، ويأخذون بإعطاء الأمر تفسيراً طبيعياً دهرياً بمعزل عن أمر الله ووعده ، ولو صدقوا لاشتدت الأنواء من زمن بعيد ، فما زالت الغازات تنبعث منذ أوائل هذا القرن . والملاحظ أن هذه الأمطار والسيول كثرت في الفترة الأخيرة وازدادت حدتها ، ومازالت بازدياد مع كل سنة تمر ، وكانت الانطلاقة من بعد فتنة صدام العراق ، وها هي الإحصاءات المتوفرة لدي ـ ولكل من يرغب بتبين حقيقة هذا الأمر ـ تثبت هذا ،حتى لقبت سنة(1998)(123) بسنة الكوارث الكبرى نتيجة كثرة السيول وغيرها من المصائب التي حلت بالأرض في السنوات الأخيرة وبالأخص الزلازل التي لا مدخل للغازات وإرادات البشر وبكثرتها في السنوات الأخيرة ، وها هي تشمل الكثير من البلدان بما يعتبر أظهر علامة لبعث المهدي في زماننا هذا .
وزيادة على ما سبق في بيان صفات أولياء الله تعالى وأعدائه ، وكيف تكون حال كل منهم عند نزول القضاء وخـلاص الله تعالى الموعود أقول تأكيداً لما سبق : بأن كلام الأنبياء عند بني إسرائيل في حقيقة الخلاص يناقض ما عليه النصارى واليهود اليوم ويظهر ما هم عليه من كذب وافتراء ، بل النبوءات صريحة في أن الخلاص إنما يكون من شرّهِم هُم لا غيرهم ، كما نص على هذا النبي دانيال عليه السلام ، وكذلك ورد عند الأنبياء ما يفيد أن اللعنة آخر الزمان ستحل على اليهود أنفسهم وقد بلغهم هذا على لسان موسى بنفسه عليه الصلاة والسلام نبي الخلاص العظيم الأول ، فكيف يكون بعد هذا استقامة لدعوى الخلاص المنتظر ! .
قال النبي داود عن حقيقة الخلاص المنتظر : طوبى للأمة التي الرب إلهها ، الشعب الذي أختاره ميراثاً لنفسه ..لن يخلص الملك بكثرة الجيش . الجبار لا ينقذ بعظم القوة . باطل هو الفرس لأجل الخلاص !! وبشدة قوته لا ينجى . هو ذا عين الرب على خائفيه الراجـين رحمته(124). وقال زكريا : لا بالجيش ولا بالقوة لكن بروحي !(125). وقال هوشع : سوف أخلصهم بقوة رب الجنود . ولن أنقذهم بالقوس ولا بالسيف ولا بالحرب ولا بالخيل ولا الفرسان !!(126). وقال أيضاً النبي ميخا : كما في أيام خروجك مـن أرض مصر أريه معجزات . فترى الأمـم ويخزون من قوتهم كلها ويضعون أيديهم على أفواههم وتصم آذانهم(127). قال رشاد عبدالله الشامي : إن دعاة الصهيونية في نظر الحاخامات اليهود الأرثوذكس بشر لم يقبلوا السيادة السماوية ولا الإرادة الإلهية ولا يتبعون طريق التوراة ويتفاخرون بأنهم قادرون على تحقيق السلام لليهود وإنقاذهم من محنتهم الحالية ، وهي مزاعم تنكرها جذرياً نصوص متعددة من التوراة والتلمود والمدراش ، لأن الخلاص المسيحاني لا يمكن أن يتم بوسائل بشرية سواء كانت هذه الوسائل المال أو السلاح : هكذا قال الرب لقد باعوكم بدون مقابل لذلك لن يفك أسركم بالمال(128). وهذا الاعتقاد السائد عند اليهود من قرون ولم تنقضه إلا الصهيونية المعاصرة ، فأخذت تعمل على خلاف الكتاب المقدس عندهم ، بعد ما كان اليهود لا يرون العودة إلا إذا خرج المخلص ، ولا يرون العمل لذلك أصلاً ، وما زالوا يعتقدون بأن الله تعالى هو الذي سيعترض مسيرة التاريخ بغتة وينصر عباده ويهزم أعداءه وحده وينزل بهم هزائم منكرة بقدرته هو لا أحد سواه ، وهذا لا يستقيم على وفق كلام الأنبياء مع حال اليهود والنصارى اليوم إذ هم كما قلت سابقاً ليسوا الضعفاء الذين يحتاجون إلى النصرة وإلى من يعيدهم إلى مقرهم الطبيعي وفق إرادة الله تعالى ، وهم اليوم جبابرة الأرض يملكون من العدة والعتاد مالا يعلمه إلا الله تعالى ، ومن ورائهم التحالف الصليبي ، والعرب جميعهم أذلة أمامهم ، قد حاقت بهم هزائم منكرة مع ما تأصل في وجدانهم من النفاق وكراهة الموت وحب الدنيا مالا يمكن أن يكونوا معه أولياء لله تعالى ، ولم يبق إلا هذه الزمرة القليلة من أتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، علامتهم التأصيل في العلم الشرعي واتباع النبي في الشدة والرخاء وفي الأمن والخوف ، إذا رأيت الناس تقبل على الدنيا تجدهم يفرون منها ، وإذا رأيت الناس يحبون المباهاة والسمعة رأيتهم يحبون التخفي وعدم الشهرة، أولئك هم أولياء الله حقاً طوبى لهم .
وإن كان قولي هذا في نفي الخلاص الرباني عن اليهود على سبيل القياس والاستنباط من مفهوم النصوص ، فقد سبق وأن نقلت من كتبهم ما هو صريح في ذمهم وبيان أن الخلاص الموعود ليس لهم ، وأزيد هنا وأنقل ما يلي : جاء في كتابهم عن موسى عليه السلام قوله لللاويين حين أكمل كتابة التوراة : خذوا كتاب التوراة وضعوه بجانب تابوت عهد الرب ليكون هناك شاهداً عليكم . لأني أنا عارف تمردكم ورقابكم الصلبة .. لأني عارف أنكم بعد موتي تفسدون وتزيغون عن الطريق الذي أوصيتكم به ويصيبكم الشر في آخر الأيام ! لأنكم تعملون الشر أمام الرب حتى تغيظوه بأعمال أيديكم(129). وقال : وإن كنتم بذلك لا تسمعون لي بل سلكتم معي بالخلاف .. وأذريكم بين الأمم وأجرد وراءكم السيف فتصير أرضكم موحشة ومدنكم تصير خربة . حينئذ تستوفي الأرض سبوتها كل أيام وحشتها وأنتم في أرض أعدائكم . حينئذ تسبت الأرض وتستوفي سبوتها(130). وقوله تستوفي سبوتها أي عمرها وتبلغ نهايتها وفي هذا وما سبق ما يدل على أن اليهود يعلمون هذه الحقيقة حق العلم ، وهم اليوم يمكرون لتزييف هذه الحقيقة ، ولن يمكّنوا بإذن الله تعالى ، فقد مكر بهم وهم لا يشعرون ! ، فجعل مكرهم ممهداً لأمره ووعده الذي نبأ به أنبياءه ، قال تعالى : ﴿ ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون . هل ينظرون إلا تأويله ﴾(131)وهذا الوعيد بتأويل الكتاب دال على أن تفصيل الكتاب لم يقع تأويله بعد ، وهذه الآية تبرهن على أن اليهود يعلمون تفصيلات النهاية ، وإنما أخفوها عن غيرهم ليتمكنوا من إدعاء الوعد والسلام من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، قال الله عز وجل : ﴿ فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل ﴾(132)هذا لأنهم لا يمكنهم إخفاء الحقيقة عنه سبحانه ، ولهذا لم ينفع ادعاؤهم الإيمان بما جاء به موسى إذ كفروا به ، فلا وجه على هذا لطلبهم ما كفروا به من قبل ، وقد يبدو هذا غريباً إلا أن يعرف السبب ، وهو أن طلبهم لا من أجل الإيمان بل للجدال والتعجيز والمكابرة بما عندهم من علم ، كما كانوا يسألونه عن الأشراط والروح من أجل أن يعجز عن الجواب فيتعالوا عليه بما عندهم من علم ، هذا باستثناء ماهية الروح المسؤول عنها فهم يجهلون المراد قطعاً ، واستخبارهم منه عليه السلام ليتوصلوا للعلم بذلك فعلاً إلا أن الله تعالى منع هذا وقطع الطريق ! .
وأما حقيقة طلبهم المتعنت هو أن الآيات والعجائب التي ذكر أنها تتحقق على يد المخلص لم تقع بعد ، فطالبوه بها تعجيزاً له ، مع أن حقيقتهم الكفر بها وبالمخلص إذا خرج من ذرية بني إسماعيل ، وهذا بعينه ما أخبروا به من قبل وكفروا به ، وعلى هذا جاء الرد بأنه لا وجه لهذا الطلب أصلاً : ﴿ أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل ﴾ وموسى عليه السلام أخبرهم بخبره وأنه يهلكهم آخر الزمان كما سبق ذكر هذا قريباً ، ومما تقرر عندهم في الأنبياء أن الخلاص من مصر بمثابة أنموذج للخلاص الأخير بكل مظاهره الإعجازية ، بل عندهم سيتميز الخلاص الأخير عن الخروج من مصر بحدوث معجزات أعظم وأقوى مما حدث في عصر موسى(133). ومن أجل هذا كان طلبهم منه عليه السلام مثل مـا أوتي موسى على حسب ما يجدونه عندهم في الكتاب ، فكان الجواب أيضاً في قوله تعالى : ﴿ ويقولون لولا أُنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين ﴾ !(134)وقوله : ﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتـاب ﴾(135)وقوله :﴿ وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون . وانتظروا إنا منتظرون . ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه ﴾(136)وقوله :﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قُضي بالحق وخسر هنالك المبطلون ﴾(137)وغير هذا ما يفيد جواب طلبهم التعجيزي ، بالوعيد بالانتظار ، والتنبيه على أن طلبهم هذا لا يتحقق بمجرد طلبهم ذلك ، بل هو غيب لله تعالى لا يقع إلا بإذنه هو ، والتهديد بالقضاء وخسارة المبطلين في سياق الرد عليهم ومجادلتهم لا يفيد أن لهم وعداً حسناً عند الله تعالى كما زعموا ، وإنما يفيد إبقاؤهم بانتظار الخسارة والخزي إلى أن يحين الأجل المنتظر ، وما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حجة عليهم بين يدي العذاب الموعود ، وهذه أيضاً من الحقائق الثابتة عندهم وقد أُنكرت كذلك ، لا بل تُعد من أعظم ما جاءهم من البينات التي فضلوا بها على سائر البشر ، قال تعالى : ﴿ ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض ﴾(138)وقال :﴿ وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى . ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى . قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ﴾(139)ومازال الله تعالى يتوعدهم بهذا الأمر وينذرهم إياه ، وقد كان يخبرهم نبأ ذلك الأمر كلما أرسل رسولاً ، وقدم إليهم بالنذارة والبشارة ، وأحاطهم علماً أنه سيرسل إليهم قبل ذلك اليوم برسول خلاص ونبي رحمة لهم ولكل البشر ، وأنه لا يقبل من أحد صرفاً ولا عدلا إلا من طريقه ، وكل هذا من البينات التي فضلوا بها على سائر بني آدم ، وما كان الجزاء إلا بالنكران والتجبر والتكبر على أمر الله فصاروا بذلك من أبعد عباد الله تعالى عنه ، وما كان سبحانه ظالماً لهم تبارك اسمه وتعالى جده ، بل هم كانوا يسلكون معه بالعجائب ويرمونه بما لا يليق ، استكبارا وجحوداً ، وكان ثمرة ذلك أن غضب سبحانه عليهم غضباً سينال شره كل من يلف لفّهم ويسلك مسلكهم ، وقد تورط بهذا الكثير من الخلق اليوم !!.
وجاءت البينات بالبشارة بمحمد عليه الصلاة والسلام بين يدي هذا الأمر العظيم وهو ثابت عندهم لا يمكن جحده لمن أنصف فقال لهم على لسان موسى : أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به . ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به بإسمي أنا أطالبه(140). وفي النسخة الكاثوليكية : سأكون المنتقم . قال الداعية أحمد ديدات وهو من دارسي كتب اليهود والنصارى: النبوءة تنطبق تماماً على محمد صلى الله عليه وسلم كانطباق القفاز في اليد(141).
والحاصل أن القرآن العزيز قرر ما كان يقوله الأنبياء من أن البركة ستكون في بني إسماعيل ، وأن محمداً عليه الصلاة والسلام لا يبعث إلا لخلاص العالم كله وهو أعظم رحمة من الله تعالى لجميع البشر ، ومن اتبعه رشد ونجى من الهلاك في الآخرة ، ومن ترك إتباعه كان من المحرومين من هذا الخلاص إن في الدنيا أو الآخرة ، وهذه حقيقة مسلمة عند الأنبياء ، بل كان رفض بني إسرائيل لها أصل النزاع بينهم وبين أنبيائهم إلا من رحم ربي ممن صَدق ذلك وانقاد ، قال تعالى : ﴿ يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ﴾(142) أي الخلاص الموعود ، وهذا غاية في الإصرار على رد أمر الله تعالى والكفر بالقدر من الله تعالى ، وفي هذا منهم شدة في التمرد ومغالبة قدره ، وما كان تركهم إلا من أجل الموعد المسمى ، ولولا الأجل المقدر لجاءهم العذاب كما ذكر ذلك سبحانه لأن ما هم فيه أقصى ما يمكن أن يبلغه مخلوق في عصيان ورد أمر الخالق ، وهذا ابتلاء وقسوة في القلب نعوذ بالله من شرها وشر من يبتلا بها ، وبسبب هذا الابتلاء كان تحريف الكتب وقتل الأنبياء والطرد من رحمة الله تعالى ، ولا يعقل بحال اليوم أن يدخلوا بهذا التزييف وهذا الكفر، ثم يصبحوا بعد ذلك إخواناً للمسلمين لا باسم الإنسانية ولا باسم العلمانية أو الدولية ، لا يعقل هذا بحال خصوصاً وهم في حال اعتداء واحتلال يضطهد به شعباً ينتمي للإسلام ، كما تدنس أراضي مقدسة بالمجون والخلاعة والكفر وغير هذا من صنوف الموبقات .
واليوم انتهى أو سينتهي الحال بالناس إلى أن يكونوا مع الله سبحانه وتعالى أو مع اليهود وحلفائهم وهم كُثر لعنهم الله تعالى ، يرددون معهم كذبة السلام والأمان والعدل ، يوهمون الناس بإمكان أخذ العدل من اليهود والعيش معهم بسلام . لا يا منافقي المشرق والمغرب ، إن لله طلبة عدل لم يأخذها منهم بعد ، قال سبحانه : ﴿ قل من أَنزلَ الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس . تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا . وعُلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم . قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ﴾(143)وقال : ﴿ فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ﴾(144) أي اليوم الذي يكشف فيه هذا الكذب ، فإنه لابد من يوم يكشف فيه هذا الكذب ، ومازالوا بانتظاره في الدنيا ، واليوم ينتظرونه وهم على أتم استعداد بلغ فيه مكرهم منتهاه وغرتهم القوة ، قوة القنابل وكثرة الأنصار ، ولكن هيهات ، الله تعالى أجـل وأقوى هـو العظيم الذي قريباً سيجلي عن قوتـه إن لم يكن بالفعل بدأ بمـا يُظهر عجزهم ومـا هو آتٍ أكبر وأعظم ، قال سبحانه :﴿ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون . فتول عنهم حتى حين . وأبصرهم فسوف يبصرون . أفبعذابنا يستعجلون . فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المُنذَرين . وتول عنهم حتى حين . وأبصر فسوف يبصرون ﴾(145)سبقت لإدريس وإلياس وعيسى وغيرهم من أوليائه الصالحين ، وإن غداً لناظره لقريب !! ، الغد الذي يكشف فيه الكذب وينتهي عنده التلاعب بالنبوءات وإفساد معناها ، وهذا اليوم سمي بالقضاء في قوله تعالى : ﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب ﴾(146)وقوله : ﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم ﴾(147)وجاء هذا المعنى مصرحاً به على لسان إشفيا فقال : مخبر منذ البدء بالأخير ! ومنذ القديم بما لم يفعل قـائلاً : رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي . داع من المشرق الكاسر . من أرض بعيدة رجل مشورتي !! . قد تكلمت فأجريه قضيت ! فأفعله(148). فانظر كيف نص على أن بعثه من المشرق هو الكلمة والقضاء ، ونص على أنه أخبر بهذا منذ البدء ، واعداً بأن يفعل هذا وواصفاً بأن في ذلك مسرته ، فافرحي يا أمة الرحمة وأبشري برب الرسل ، والله لن تضيع كلمة الله ولن يُخزى عباده .
والنبي عليه الصلاة والسلام حينما أخبر بالمهدي إنما يؤكد أخبار الأنبياء عنه ويفصل ما أجملوا ، وفي هذا برهان على عظم شأن وأمر المهدي المنتظر لا كما يتبادر إلى أفهام السذج من أهل السنة وأهل التشيع المزعوم والتعظيم الباطل ، الذي قاربوا في شأنه وعموم دينهم عقيدة اليهود لعنهم الله تعالى جميعاً وكل مفترٍ على الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والحمى حمى الله تعالى ما رتعت به سائمة إلا هلكت .
ويدل على رفعة شأن المهدي ما ورد في كلام إشعياء عليه السلام من إضافة إلى مشورة الخالق ، وهذا شبيه بإضافة التشريف الواردة بكلام رسول الله حين وصفه بأنه خليفة الله تعالى ، وهذا كله دال على عظيم منزلة هذا الرجل عند الله سبحانه . وقريباً مر معنا وصف هذا الأمر بالقضاء عند داود عليه السلام في قوله : من السماء أسمعت الحكم ففزعت الأرض وصمتت عندما قام الله للقضاء ليخلص ودعاء الأرض .
وأول ما افتتح به سفر إرميا قول الله تعالى له : ماذا أنت راء يا إرميا ؟ فقلت : أنا راء قضيب لوز . فقال الرب : أحسنت الرؤية لأني أنا ساهر على كلمتي لأجريها . قال إرميا ثم صارت كلمة الرب ثانية قائلا : ماذا أنت راء ؟ فقلت : إني راء قدراً منفوخة ووجهها من جهة الشمال . فقال الرب : من الشمال ينفتح الشر على كل سكان الأرض ! . والكلمة الواردة هنا أشير لها بقوله تعالى : ﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك … ﴾ والمراد بها بعث المهدي وإظهار الإسلام على كل الأديان ، ولهذا فسرت رؤيا إرميا معنى قضيب اللوز بكلمة الله تعالى ، والقضيب في كلام أنبياء بني إسرائيل كناية عن المهدي المنتظر خروجه آخر الزمان ، وهو مما ورد في أكثر من نبوءة عندهم ، كقول النبي ميخا : اسمعوا للقضيب ومن رسمه(149).
وقال عنه إشعيا : ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله . ويحل عليه روح الرب وروح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب(150). وقال بلعام لملك موآب هلم أنبؤك بمـا يفعله هذا الشعب بشعبك في آخر الأيام . فقال : أراه ولكن ليس الآن . أبصره ولكن ليس قريباً . يبرز كوكب من ..(151)ويقوم قضيب من .. فيحطم طرفي مواب ويهلك كل بني الوغى(152).
ومنهم النبي الكريم عليه السلام يعقوب أخبر عن القضيب الموعود فقال : اجتمعوا لأنبؤكم بما يصيبكم في آخر الأيام !! . فقال : لا يزول قضيب من .. ومشترع من بين رجليه حتى يأتي .. وله يكون خضوع شعوب(153). وهذا صريح في حلول اللعنة على بني إسرائيل آخر الزمان وليس البركة المزعومة ، وعلى لسان من ، النبي الكريم يعقوب ، وهذا نبأ قديم عظيم . قال البروفسور عبد الأحد داود في كتابه ( محمد في الكتاب المقدس ) : والنبوءة الشهيرة التي يمكن إعتبارها نواة لهذا العهد موجودة كالتالي : لا يزول صولجان(154) من يهوذا أو مشرع من بين قدميه ، حتى يأتي شيلوه ويكون له خضوع شعوب . هذه هي الترجمة الحرفية للنص العبري ، وحسب هذا النص الهام فإن معنى النبوءة سيظهر ببساطة ووضوح على النحو التالي : إن الطابع الملكي المتنبئ لن ينقطع من .. إلى أن يجيء الشخص الذي يخصه هذا الطابع ، ويكون له خضوع الشعوب . وهناك إجماع بين المعلقين أو الشراح أن الصولجان معناه السلطة الملكية والنبوءة على التوالي . وأما كلمة ( شيلوه ) فإن جميع نسخ العهد القديم قـد احتفظت بكلمة ( شيلوه ) الأصلية ، دون إعطائها أية ترجمة أو تفسير اهـ(155). ورجح المؤلف أن يكون المراد بشيلوه إما الشخص الذي تخصه ، أو يكون المعنى شيلواح وتكون عندئذ مـرادفة تمـامـاً لـ( رسول ياه ) وهو نفس اللقب المُعطى لمحمد صلى الله عليه وسلم ، أي رسول الله .
وكذلك أتى على ذكر القضيب الزبور المنزل على داود عليه السلام في قوله : قال الله لربي إجلس عن يميني حتى أجعل أعدائك موطئاً لقدميك . يرسل الرب قضيبك الذي سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك(156). هذا اللفظ الوارد في الإنجيل صحيح ، وأما النص المطبوع على حسب النسخة العربية للعهد القديم فقد عبث بها كما هي العادة(157) على حسب الوارد في نسخة البروتستانت والكاثوليك ، فأدخلوا ذكر صهيون على النبوءة تلبيساً ، واستبدلوا كلمة الله بالرب تحريفاً لهذه النبوءة العظيمة ، من أجل طمس ما دلت عليه . وثبت استدلال عيسى عليه السلام بنبوءة الزبور هذه عندما جادله اليهود بأمر النبي عليه الصلاة والسلام ، ونزع بها إلى أن المخلص المبارك الأكبر والمسيا المنتظر ، إنما هو محمد لا كما يزعم اليهود أنه سيكون من ذرية داود عليه السلام ، واحتج بهذه النبوءة بعينها على أن الأمر ليس كذلك ، وكانت الحجة في تعظيم داود له حتى أنه وصفه ربا ، وهذا لا يستقيم لو كان من ذريته ولا يكون الإبن رباً للأب مهما بلغ ، فجن جنون اليهود عليه عليه الصلاة والسلام لقوله بهذا الاستدلال واعتقاده لهذا الأمر فكان ما كان ، وتعد هذه النبوءة من أعظم مـا ورد في ذكر المصطفى عليه الصلاة والسلام وذكر حفيده المهدي المنتظر . وممـا تفيده هـذه النبوءة العظيمة أن المهدي المنتظر إنمـا يرسل من الله تعالى لا كما يعتقد جهلة المسلمين أن خروجه إنما يكون باجتهاد من نفسه أو إستدلالاً بالاسم أو الخلقة ، وهذا الإرسال والتسليط على الأعداء هو المراد بقوله تعالى : ﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون . إن هذا لبلاغاً لقوم عابدين ﴾(158) وقوله : ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ﴾(159)وقوله : ﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ﴾(160)وجـاء تأكيد نبوءة داود بالزبور في قوله تعالى : ﴿ وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً . وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ﴾(161)هذا فيما ورد في نبوءة إرميا المذكورة قريباً عن القضيب . وأما قوله في تلك النبوءة في أول السفر بعد ذكر القضيب : إني راء قدرا منفوخة ووجهها من جهة الشمال . فقال لي الرب : من الشمال ينفتح الشر على كل سكان الأرض(162). وفي هذا الخبر علم من أعلام نبوة إرميا عليه السلام إذ ربط بالذكر بين خبر القضيب الذي هو كما ذكرت كناية عن المهدي المنتظر ، وبين انفتاح الشر من أرض الشمال أرض بابل العراق كما هو معروف من إرميا وغيره من أنبياء بني إسرائيل ، وفي هذا إشارة واضحة لفتنة صدام العراق ، التي فتح بها شر عظيم على أهل الأرض وخطب جسيم ، وتحقق بها تأويل القرآن والذكر المبين ، وهذا الجمع موافق لما أوردته سابقاً من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتنة التي أزعجت العالم وأذهلت العرب وسببت لهم تنافراً وتخاصماً مازالوا يعانون منه إلى يومنا هذا ، ومن شواهد ما ذكر رسول الله لقول إرميا حديث ابن عمرو فيه : ( ثم فتنة السرى دخنها من تحت قدم رجـل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني إنمـا أوليائي المتقون )(163). ثم ذكر افتراق الناس إلى فسطاطين ، وهذا لا يكون إلا ببعث المهدي ، فتم بهذا الجمع موافقة خبر إرميا للمعنى الذي جاء في خبر ابن عمر، وهذا من أعلام نبوتهما عليهما السلام ، إذ تم الأمر في الخارج على وفق ما ذكروا .
ويعد خبر الشمال بحق الأصل الذي يدور عليه الخلاص المزعوم ، هذا الخلاص الذي يدعيه اليهود والنصارى ، ذلك لارتباط ذكر الشمال بالخلاص وتحققه على حسب الوارد بالنبوءات عندهم ، كما ارتباط ذكر الشمال بذكر المخلص عندهم على حسب ما نص عليه إشعيا النبي بقوله : قد أنهضته من الشمال فأتى من مشرق الشمس يدعو بإسمي(164).
وهـذه الحقيقة المقررة هنا هي الدافعة للقوة المسيطرة على العالم اليوم ، للقيام بإيقاع ما شهده العالم من أحداث في أرض الشمال أرض العراق وما حولها ، وما سيشهده لاحقاً على وفق النبوءات ، تحقيقاً لما ورد فيها تحقيقاً محكماً كما سترى أخي المؤمن ، من أجل الخلاص المزعوم والتمهيد للمرحلة !!! . وهذا على افتراض أن ما يدَعونَهُ يعتقدون بصدقه عليهم ، وأنه كلام الأنبياء ومراد الله تعالى ، إلا أن الحقيقة التي أجزم بها هنا أن القائد أياً كان هو ، إنما يفعل هذا ولو في باطن أمره وهو يعلم أن ما يفعله على خلاف أمر الله تعالى وأنبيائه ، وذلك من أجل ما نقلت تقريره سابقاً في بيان ظهور الأمر لإخفائه ، في أن اللعنة على بني إسرائيل آخر الزمان لا البركة والنصرة ، ومن يعمل على النقيض من هذا الظاهر ، ويدعي أنه يعمل على مقتضى الكتاب المقدس لاشك أنه كاذب في دعواه ذلك .
والحق أن المغزى الحقيقي من وراء كل ذلك الخشية من خروج المنتظر من بـني إسماعيل من أرض الشمال ، كما نص على هذا إشعيا النبي ، وليصدقني المؤمن أنهم أعلم الخلق بهذه الحقيقة ، وتعاملاً على وفقها جرى ما جرى وسيجري والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
واعلم أخي المؤمن أنهم لن يهنأوا بعيش ويقر لهم قرار ، حتى تحاصر تلك الناحية ويستعد لها بكل قوة وجبروت ، لتكون تحت الشبكة ! هكذا يريدون الأمر أن يكون ، والله تعالى يريد بهم أمراً على وفق ما قال داود عليه السلام : قد تورط الأمم في الهوة التي عملوها وفي الشبكة التي أخفوها نشبت أرجلهم . قد عرف الرب وأمضى القضاء وفي عمل يديه أُصطيد المنافق(165).
وعلى المؤمن أن يدرك الآن حقيقة أن سيناريو أزمة العراق وما سبقها لم يعد ويهندس على وفق ارتجاليات صدام العراق ومواقف ساسة أمريكا وبريطانيا وغيرهم ، كلا بل هو ينفذ على وفق الكتاب المقدس لليهود والنصارى ، ولا يغرك أخي المؤمن هذا الهراء الذي يسمونه هيئة الأمم ومجلس الأمن ، فهذا كله تزييف وتستر مؤقت ، وإنما الحقيقة والسيناريو لما يجري هناك في الكتاب المقدس ! ، وبهذا أصل إلى الجزم باتهام صدام بتوريط العراق والمنطقة بافتعال تلك الفتنة من أجل التمكين لهؤلاء لينفذوا نبوءات الكتاب المقدس ، وهذا المخطط مقرر سلفاً إرضاءً لليهود والحلف الغربي ، وتوريطاً للمسلمين ليقعوا فريسة لهذه المؤامرة الكبرى ، ألا ترى أخي المؤمن إصرار صدام في فتنته على إلحاق الكويت إلى مقاطعة البصرة وإشعال آبار البترول ليكون سبباً في انبعاث ذلك الدخان العظيم المبين ، وكذلك لتمتلئ أرضها بالبترول المتدفق من تلك الآبار ، وفي هذا تحقيقاً حرفياً لقول النبي إشعيا في البصرة !!! ، إذ قال : للرب سيف قد امتلأ دماً اطلي بشحم بدم خراف وتيوس بشحم كلى كباش . لأن للرب ذبيحة في بصرة وذبحاً عظيماً في أرض أدوم ويسقط البقر الوحشي معها والعجول مع الثيران وتروى أرضهم من الدم . لأن للرب يوم انتقام سنة جزاء وتتحول أنهارها زفتاً وترابها كبريتاً وتصير أرضها زفتاً مشتعلاً . ليلاً ونهاراً لا ينطفئ . إلى الأبد يصعد دخانها . من دور إلى دور تخـرب . ثم قال : فتشوا في سفر الرب واقرأوا . واحـدة من هذه لا تفقد(166). وقوله : ( لأن للرب يوم انتقام سنة جزاء ) دال على أن هذا يتحقق في آخر الزمان ، في زمن المسيح المخلص المهدي المنتظر الذي يبعث لسنة الجزاء ويوم الانتقام .
قال إشعيا في تأكيد ذلك عن المسيح : روح السيد الرب علي لأن الرب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلب لأنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق . لأنادي بسنة مقبولة للرب وبيوم انتقام لإلهنا لأعزي كل النائحين(167).
وبهذا يتبين أن كلام إشعيا في البصرة على وفق هذه النبوءة إنما يتحقق آخر الزمان ، في يوم الانتقام وسنة الجزاء التي تكون عند مبعث المخلص . وتأكيداً لهذه الأنباء وصدقها أمر بتفحص السفر عندها ، وجعل ذلك دليلاً على صدق ما يقول .
وأكد النبي إشعيا ما ورد في عذابات البصرة وما سيجري لها في موضع آخر من سفره فقال : من ذا الآتي من أدوم بثياب حمر من بصرة هذا البهي بملابسه المتعظم بكثرة قوته . أنا المتكلم بالبر العظيم للخلاص . ما بال لباسك محمر وثيابك كدائس المعصرة . قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد . فدستهم بغضبي ووطئتهم بغيظي فرش عصيرهم على ثيابي فلطخت كل ملابسي . لأن يوم النقمة في قلبي وسنة مفديي قد أتت !(168). وهل يظلم صدام العراق من يتهمه بإثارة تلك الفتنة من أجل تحقيق كـلام هذا السفر ، بإدخال الكويت والعراق تلك المعمعة ، وإحراق الآبار لإثارة ذلك الدخـان المبين ، وسفك الدم والبترول في أعظم فتنة عرفها هذا الجيل ، لاشك أني لم أظلم وأفتري وبرهاني قائم على كلام الكتاب المقدس وما قدمته من كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، كل ذلك في إثبات أن اقتحام صدام للكويت وإصراره على أنها من البصرة ، وتحقيقه لأخبار أنبياء بني إسرائيل على هذا التفصيل الدقيق ، كل هذا له أعظم برهان على تورط صدام ومن دفعه لتحقيق فصول هذه الفتنة ، تورطاً لا ينكره إلا من طُمست بصيرته . وهذا بات حقيقة ثابتة سـواء قيل بتحقيق ذلك عن قصد أو غير قصد ، وتأكيداً لهذه الحقيقة أقول : لو نظر العاقل وتفحص وقائع فتنة صدام على أهل الكويت لوجد أظهر صفة لهذه الفتنة ( الدخان ) ! ، وقد تواطأت نصوص الأنبياء على ذكر هذا الدخان وتلك النيران المشتعلة من آبار البترول ، مما لا يدع مجالاً للشك لكل طالب للحقيقة من أن يقر بتحقق هذا في غزوة صدام العراق للكويت .
قال النبي يوئيل عن هذه الفتنة : وأعطى عجائب في السماء والأرض دماً وناراً وأعمدة دخان . تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم المخوف . ويكون أن كل من يدعو باسم الرب ينجو(169). فانظر إلى هذا الوصف الدقيق الدال على عظم هذا الدخان حتى أنه يحجب أشعة الشمس ويبهت نور القمر فيصبح كلون الدم ، وهذا بعينه ما حدث جراء تلك الآبار المشتعلة .
وأبلغ من هذا كله قول الله تعالى في وصف هذا الدخان : ﴿ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين . يغشى الناس هذا عذاب أليم ﴾(170) سماه مبين أي ظاهر عظيم لا يخفى ، يعلو الناس يغشاهم حـتى يحجب الشمس والقمر . والضمير في قوله : ﴿ هذا عذاب ﴾ عائد إلى الفتنة التي هي سبباً لهذا الدخان ومـا جرى فيها من قتل وهتك أعراض وتطريد وتشريد . وأما قوله : ﴿ تأتي السماء بدخان﴾ فهو كقوله :﴿ أنزلنا من السماء ماء ﴾ فهو مضاف إليها لوجوده بها ، مثل وجود السحاب الذي هو مصدر الماء النازل من السماء . والدخان بمجرد صعوده إلى السماء وانتشاره فيها يصبح كالسحاب في السماء ، وعلى هذا تصح إضافته إليها ، وهذا ظاهر لا يخفى إلا على البلهاء الذين فهموا من الآية ما يلزم منه أن يكون المراد أمر ما يأتي من خارج الفضاء ، وهذا الفهم السقيم ما دعاهم لاستبعاد أن يكون هذا الدخان المثار من آبار البترول هو المراد ، وهذا الفهم آية في حد ذاته ، وإن لله في خلقه شؤون .
والعجيب فيما ذكر النبي يوئيل على حسب الوارد في سفره المدون في كتاب اليهود والنصارى ، هو أنه لم يذكر هذا التفصيل عن هذه الفتنة على هذا النحو فقط ، بل أشار أيضاً إلى أمر هام هو محقق الآن على حسب ما ثبت عندي بيقين ، على الوجه الذي يطمئن فيه القلب إلى أن ما جرى أخبر عنه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً . وهذا الأمر المذكور في كلام النبي يوئيل وقُرِنَ بالذكر بينه وبين تفصيل فتنة صدام ، قد تواطأت أيضاً عليه أقوال الناس من كل مكان ، مما يدعو إلى القطع بصحته وأن الأمر حق إن شاء الله تعالى ، قال النبي يوئيل في هذا قبل أن يأتي على تفصيل أحداث الفتنة : ويكون بعد ذلك أني اسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلامـاً ويرى شبابكم رؤى . وعلى العبيد أيضاً وعلى الإماء اسكب روحي في تلك الأيام . وأعطي عجائب في السماء والأرض دماً وناراً وأعمدة دخان(171).
هكذا قرن النبي بالذكر بين هذه الفتنة وكثرة الرؤى المنامية في الناس ، وهذا فضلاً على أنه حاصل في الناس اليوم ومن ابتداء الفتنة وما قبلها بيسير ، أعني رؤى الناس عموماً عن هذه الفتنة وقرب القيامة والهلاك الماحق لأهل الأرض ، ومثل ذلك رؤى المبشرات بالخير وخروج المهدي ونصرة الدين ، وكل هذا مما ثبت كثرته في رؤى الناس من سائر البلدان ما يستحيل معه تواطؤهم على الكذب في ذلك ، ومع هذا الثبوت الوجودي عن كثير من الخلق في هذا الأمر ، فقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه كائن آخر الزمان كما ورد في حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب )(172). وفي هذا الإشارة إلى تعلق الرؤيا في آخر الزمان بالصدق الذي أخبر عنه الأنبياء ، وهذا هو وجه تخصيص الرؤيا آخـر الزمان بالصدق ونفي الكذب عنها دون سائر الأزمان . والمعنى المقصود هو أنه عند قرب تحقق هذه الأمور العظيمة المخبر عنها ، سيقع تعلق رؤى الكثير من الناس بالإخبار عنها تصريحاً وتلميحاً قبل تحققها ، تنبيهاً عليها وتمهيداً لها ، وبالأخص فيما يتعلق ببعث المهدي المنتظر ، وقد تواطأت رؤى من لا يمكنهم الاتفاق على الكذب في التبشير بقرب بعثه ، تواطؤاً لا يمكن إلا أن تكون معه ، رؤاهم من الله تعالى ، وذلك لبعدهم عن بعض مع كثرتهم وانعدام قصدهم هذا الأمر بعينه ، وقال العلماء في تحقق مثل هذا التواتر في الرؤيا والاتفاق من غير قصد بالتصويب .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : إذا تواطأت رؤيا المؤمنين على أمر كان حقاً . وقال أيضاً : إذا تواترت الروايات أورثت العلم وكذلك الرؤيا(173). وقال تلميذه ابن القيم الجوزية : متى كانت كذلك ـ أي تواطأت ـ استحال مخالفتها للوحي ، بل لا تكون إلا مطابقة له ، منبهة عليه ، أو منبهة على اندراج قضية خاصة في حكمه ، لم يعرف الرائي اندراجها فيه ، فيتنبه بالرؤيا على ذلك(174).
قلت : وقـد كـان رسـول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر التوافـق في الرؤيـا كما في الحديث : ( أرى رؤياكم قـد تواطأت في السبع الأواخر ـ يعني ليلة القدر ـ )(175). وقال ابن حجر : توافق جماعة على رؤيا واحدة دال على صدقها وصحتها ، كما يستفاد قوة الخبر من التوارد على الأخبار من جماعة(176). وتوارد الرؤى اليوم في الإخبار عما سيكون وما كان من فتنة صدام وغير فتنة صدام مما أخبر عنه الأنبياء ونبينا عليهم الصلاة والسلام ، تعد اليوم بحق من طرق العلم في إدراك ما يريد الله سبحانه إيقاعه على هذا الجيل التعيس . وعموماً الكلام في باب تعلق الرؤى فيما أخبر عن وقوعه في زماننا ليس هذا مكان تفصيله ، وإنما تعين الإشارة إليه لما ورد في سفر النبي يوئيل من ذكـر لأعمدة الدخان والنار ، وكثرة الرؤى في الناس ، وقد وقع الأمر كما ذكر هذا النبي .
وأنا شخصياً وثقت تواتر جملة من هذه الـرؤى ، من أكثر من جهة(177)، ممن أناط بنفسه تلقي تلك الرؤى من أصحابها ، مثل يوسف المطلق في الرياض ، ومحمد سلامة جبر في الكويت ، والعويد من خلال إذاعة الكويت ، وسعاد معبرة المنامات لجريدة الأنباء الكويتية ، وغير هؤلاء مما يتلقون رؤى تخبر عما وقع وسيقع مما جاء ذكره على ألسنة الأنبياء الكرام .
وأنقل هنا ما ذكره محمد عيسى داود ومحمد عزت عارف في كتابيهما في هـذا الباب . قـال محمد بن داود : رأيت منامـا في مطالع (1410هـ) وكأنني ومن حولي ننتظر إشراقة الشمس التي طال مغيبها ، حتى بدأت نفسي تحدثني بأن هذا ما أخبر به محمد صلى الله عليه وسلم من أمارات اقتراب الساعة الكبرى ، وبالفعل بدأت الدنيا في حالة غيم شديد ، وجهد الناس بانتظار إشراقة الشمس ، فإذا وأنا أقرب الخلق إليها تبدأ في الظهور ولكن من الأرض وعن يميني وكأن الأرض غلالة شبه شفافة أو دخانية تكاد تحجبها لولا أن نورها القوي ظهر لي وقرصها المستدير بدأ في الحركة السريعة من تحت الأقـدام ، ففزعت وانطلقت إلى الشوارع أصيح بمن أجد : التوبة .. التوبة .. التوبة .. النجاة .. النجاة .. أدركوا أنفسكم بالتوبة قبل تمام إشراق الشمس وانتبهت من نومي فزعاً وأنا أحمد الله عز وجل على أن الأمر كان مناماً ولم يكن حقيقة وأدركت بأننا بانتظار علامة كبرى لها تأثير على البشرية كلها(178).
أما ما ذكره ابن عارف في كتابه فقد سأل قائلاً : هل المهدي ولد ؟ فأجاب بقوله : حكى لي أحد الأخلاء بأنه سمع من أحد الصالحين بأنه رأى رؤيا عظيمة ، فيما هو يرى حال البلاد والعباد من فساد إذ به يرى بيتاً جميلاً فيتجه إليه فينظر فإذا به يرى طاقة فيه ، تشع بالنور فيسرع نحوها فينظر فإذا بغلام جالس يشرق النور من وجهه فيسأل عنه فيقولون له : إنه المهدي قد وُلد(179).
وفي إجابات سعاد كاتبة جريدة الأنباء قالت ما يلي : كثرت في الآونة الأخيرة أحلام ! الزلازل ، أو لنقل رؤية الناس للزلازل وانشقاق الأرض ، وقد ارتفعت نسبة رؤية الناس للزلازل بصورة واضحة عما كانت عليه قبل خمس سنوات ! مما جعلني أتصفح الرسائل وأستعيد المكالمات وأتساءل عما يخبئه لنا القدر ؟ وماذا ينتظر العالم ؟ والأحلام ! لم تقتصر على بلد واحد ، فالرسائل تردنا من مختلف الدول العربية وربما يشاهدها آخرون في العالم . إن ارتفاع نسبة هذه الرؤى يقلقني ويعيدني إلى سنوات ما قبل الغزو العراقي على الكويت حين توالت رؤى الناس للحيوانات المندفعة نحو مدينة الكويت ، لتأتي بعدها رؤى تساقط النجوم والشهب والنيازك . واليوم أستعيد ذكرى هذه الأحلام ! وأخشى تقارب الفترات الزمنية بين منام وآخر ، وأتمنى ألا يأتي العام الذي يضم الشهر الذي سأسمع فيه كل يوم أكثر من منام تزلزلت فيه الأرض وتردني من كل مكان رسالة تحتوي على كلمات تقلب العالم(180).
وبعد أقل من عام عادت الأستاذة سعاد لتؤكد بقولها : قبل عدة أشهر تناولت من خلال هذه الزاوية أهمية الأحلام في التنبيه من الكوارث والتحذير من الخطر . خاصة إذا كانت الكارثة عامة ، وتناولت مجموعة من الأحلام التي رآها بعض الكويتيين قبل الغزو العراقي على الكويت ، وبينت أن هذه الأحلام قد مرت بمراحل ، ففي المرحلة الأولى كانت الفترة بين منام وآخر سنوات ، والمرحلة الثانية اقتربت المدة وأصبحت الفترة بين منام وآخر شهوراً ، إلى أن انتهينا عند المرحلة الأخيرة والتي صرت فيها أتلقى يومياً هواتف من الأصدقاء والأقرباء باحثة عن تأويل لرؤاها ، وكان التفسير الواضح لهذه المنامات أن حرباً قادمة لكنها لن تطول . تناولي قبل أشهر لموضوع الأحلام كان سببه الإحساس بحرب قادمة ، لأن المرحلة الأولى بدأت وتلتها الثانية ، وبين شهر وآخر أجد ما بين الرسائل رسالة تتضمن رموزها تحذيراً من بلاء قادم وحرب لا مفر منها . وتمنيت يوم تناولت موضوع الأحلام ألا يأتي اليوم الذي تصلني فيه رسائل كثيرة تضم أحلاماً تنبئ بقرب المصيبة ولا أتلقى هواتف أشتم من خلالها رائحة الكارثـة ، وتمنيت أن تطول المرحلة الثانية وألا تدنو المرحلة الثالثة والأخيرة ، إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن ، فمنذ فترة وأنا أتلقى كل يوم ثلاث مكالمات لقراء ومعارف يطلبون تفسير منام أفزعهم ، وقيام الساعة هو موضوع أغلب الأحلام . والرسائل مليئة بالكوارث الطبيعية زلازل ، انهيارات ، سقوط شهب ونيازك ، وفيضانات تغرق الأرض . إن الأحلام التي أتلقاها حصرت عقلي في التفكير فيما سيحدث ، لاسيما أن واحداً من هذه الأحلام يؤكد أنه إذا قامت الحرب فإن نتائجها ستجر وبالاً على المنطقة المحصورة بين الخليج العربي والبحر الأحمر !!(181).
ولم تنفرد كاتبة الأنباء بتأكيد هذا الأمر الخطير والمهم الذي لا يليق بالمسلم العاقل أن يتجاهله ، لما ثبت عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم من اهتمام بالرؤى في زمانه ، حتى أنه عرف عنه كثرة السؤال عن رؤى أصحابه . واليوم لا يعقل أن تكون رؤى كل هؤلاء الناس أضغاث وتلبيسات شيطانية ، وإنما الحق أن الأضغاث والتلبيسات الشيطانية إنما وجودها في رؤوس هؤلاء الذين ينكرون هذا الرؤى وما دلت عليه بمجموعها ، ولا يعتقد بطلان هذا إلا من حقيقته أنه لا يعبأ بالرؤيا وهي جزء من أجزاء النبوة . وقد مر قريباً النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختصاصها في آخر الزمان بالصدق الذي أخبر عنه الأنبياء عليهم السلام ، وقد وافق محمد سلامة جبر على المعنى الذي انتهت إليه سعاد كاتبة جريدة الأنباء ، فيما قرره تعليقاً على رؤيا أحد القراء لمجلة المجالس ، فقال : إن رؤياك هذه تدخل في عداد الرؤى الكثيرة التي تواترت !! في هذا الزمان وتؤكد كلها قرب الساعة بظهور علاماتها الكبرى ومنها : عودة مجد الإسلام وسلطان المسلمين إن شاء الله تعالى(182). وفي تفسيره لرؤيا أحدهم وفيها : أن إبراهيم الخليل قد بعث وأخذ يدعو الناس إلى الإسلام . قال في تفسير هذه الرؤيا : إبراهيم الخليل عليه السلام هـو أبو الأنبياء وهو في الرؤيا يرمز إلى مجدد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقـد يكون المهدي عليه السلام أو غيره ، وكالعادة سوف يكذبه أول من يكذبه قومـه ممن يدعون الإسلام وليسوا بمسلمين(183). وفي تاريخ (31/10/1994) ذكر في جريدة الوطن الكاتب فؤاد الهاشم أنه تلقى مكالمة هاتفية من سيدة كويتية وتلح على أن يفسر لها ما رأته في منامها أو يخبرها عن رقم فاكس خالد المذكور لترسل له تفاصيل ذلك المنام ، وملخص الرؤيا كما يلي : رأت في منامها سيارة حمراء مكشوفة تحمل رقم (1999) وكتب على زجـاجها الخلفي عبارة ( المهدي المنتظر ) وبعد أن سخر الكاتب من الرؤيا وصاحبتها ، قال : على كل حال ، نشرنا التفاصيل لمن يجيد تفسير الأحلام ونوجه رسالتنا إلى الدكتور خالد المذكور لأن السيدة بالإنتظار على أحر من الجمر ! اهـ . ورداً على هذا الكاتب وتفسيراً لتلك الرؤيا أجاب محمد سلامة جبر ، وهو من القلة الذين يتقنون تعبير الرؤيا في هذا العصر فقال : أود قبل أن أذكر تأويلها أن أبين للناس أن أكثر ما يرونه في المنام هو من قبيل حديث النفس أو تخويف من الشيطان ، ومثلها لا يضر الرائي إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ونفث عن شماله ثلاثاً ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا ربما تصلني مائة رؤيا لا أنشر منها إلا واحدة أراها تستحق التأويل والباقي من الأضغاث التي لا أضيع وقتي بسماعها أصلاً . . والرؤيا التي معنا هي من الرؤى الصادقة التي أرى فيها علائم الصدق بادية إن شاء الله تعالى ... والرمز يغلب على أكثر الرؤى الصادقة ، وهي باب إلى عالم الغيب ، وجزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ، وفي الحديث الصحيح : ( لم يبق من النبوة إلا المبشرات ) قالوا : وما المبشرات ؟ قال : ( الرؤيا الصالحة ) وظهور المهدي المنتظر الذي جاء ذكره في الرؤيا حق لا مرية فيه ، وسيكون ظهوره من أوائل علامات الساعة الكبرى ، ويحي الجهاد الذي تركناه وكتاب الله تعالى وراء ظهورنا ، وهذا ما رمز إليه اللون الأحمر ، فإنه لون الدماء التي ستسفك في سبيل الله إن شاء الله . أما لماذا جاء راكباً سيارة ولم يركب جملاً ( مثلاً ) فهذا يرمز إلى أخذه بأسباب الحضارة الحديثة لضرورة مناطحة الأعداء بمثل ما عندهم .. وأما كون السيارة مكشوفة دون السقف ، فهذا يعني أنه ليس بينه وبين الله حجاب ، فهو مجاب الدعوة ، ومؤيد بالملائكة بإذن الله تعالى .. أما الرقم (1999) فيحتمل أمرين : أولهما : أن يكون ظهوره في نهاية القرن العشرين ! . الثاني : أن يكون ظهوره بعد مجموع الرقم المذكور ، أي بعد ثمانية وعشرين عاماً إن شاء الله ، والله أعلم(184).
وعاد محمد بن جبر في كتابه ( تنبؤات نهاية العالم ) إلى القطع بوجود المهدي في هذا الوقت فقال : كل القرائن تدل على قرب ظهوره !! قرباً عظيماً ، فإن دول الكفر والنفاق قد تكالبت علينا ، ولن يرضيها منا أقل من الكفر أو القضاء علينا ، وقد وعد الله بنصرة دينه وأوليائه ، وذلك كائن لا محالة بمقتضى وعـده الصادق . وقال : ولا أحسب الدنيا قد ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً كما هي عليه اليوم ، والله أرحم وأحكم من أن يترك الأمة دون مصلح مؤيد يصلح به ما فسد من أمرنا ، وهذا ما يقتضيه حسن الظن بالله تعالى ، فإذا تبين ذلك فإني أكاد أوقن أن المهدي حي يرزق غير أنه لا يعلم أنه مهدي هذه الأمة !(185)، فإذا أذن الله له بالظهور أفاض عليه من رحمته وأيده بنصره وبالمؤمنين(186).
وكاتب الوطن لم ينفرد بهذا الجهل والتجاهل لأمر ما يرى في المنام اليوم وفيه إعلام بما سيكون مما وُعدت به هذه الأمة ، بل إن هذا الجهل والتجاهل هو السائد الآن في الناس ، حتى فيمن ينتسب إلى الدين والصلاح ، بل إن منهم من لا يعرف أن ينسب ما يرى في المنام وفيه الإشارة إلى المهدي إلى الشيطان وتلاعبه ، وهذا خلاف السنة ومنهاج أهل الحق . نقل الإمام حرب صاحب أحمد بن حنبل إجماع العلماء على مسائل ومذاهب ومنها قولهم في الرؤيا : والرؤيا من الله وهي حق إذا رأى صاحبها في منامه ما ليس أضغاثاً فقصها على عالم وصدق فيها فأولها العالم على أصل تأويلها الصحيح ولم يحرف ، فالرؤيا تأويلها حينئذ حق ، وكانت الرؤيا من الأنبياء وحياً . فأي جاهل أجهل ممن يطعن في الرؤيا ويزعم أنها ليست بشيء ، وبلغني أن من قال هذا القول لا يرى الاغتسال من الاحتلام(187).
وما أنا بصدد بيانه لم تدل عليه رؤيا مفردة بل رؤى متواترة ، فإن كان على قول أئمة السلف الزاعم أن الرؤيا ليست بشيء جاهل ، فكيف بمن يطعن ويكذب بالرؤيا إذا تواترت ودلت على أمر أخبر به المصطفى عليه الصلاة والسلام ، فلا شك حينها من الواجب تصديق مـا دلت عليه ، ومن لم يسعه ذلك ، ثم أخذ يكذب هذه الرؤى ويسخر منها لاشك أن مثل هذا مستحق لما ذكر السلف وأكثر .
والشواهد العديدة اليوم المتحققة التي نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذكرها دالة على أن هذا زمـان خروجه ، وحقيقة منكري هذا أو متجاهليه ، التكذيب المنافي للتصديق الذي يزعمونه لكل ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . والمهدي المنتظر من الأمور الوجودية التي لم يثبت الدليل الشرعي على منع تعلق الرؤيا بها ، ومثلما ثبت تعلق تواتر الرؤيا بليلة القدر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمكن تعلق تواتر الرؤيا بتعيين زمان المهدي وعينه كذلك ، وكل مانع لجواز حصول هذا شرعاً يعد بحق من القائلين على الله تعالى بغير علم وهدى . وتعليقاً على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أرى رؤياكم هذه قد تواطأت ) قال ابن دقيق العيد : فيه دليل على عظم الرؤيا والاستناد إليها في الاستدلال على الأمور الوجوديات(188). هذا وسيأتي لاحقاً في ختام هذا الفصل بيان كيف أن الرؤيا زيادة على أنها مما يجوز شرعاً تعلقها بخبر المهدي وتعين زمنه الذي يبعث به ، كذلك دلت النصوص الشرعية على أن الرؤيا وهي جزء من أجزاء النبوة إنما أُبقيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لنصرة المهدي وهدايته بهذا السبيل الوحيد الذي أُبقي من أجزاء النبوة ليتلقى به كلمة الله تعالى . ويعد هذا سر من أسرار الله تعالى مع دلالة الكتاب والسنة عليه ، وكونه أصبح سراً من جهةٍ فوت فهم معناه على الناس لا أصله . هذا وسيأتي الكلام على أنه هو المراد بسؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح ، لِمَا وَجَدوا في كتبهم أن المخلص يقع عليه اختيار الله تعالى بالروح ، وهداية الله له تكون من خلال الروح ، فواجهوا رسول الله بما يهمهم معرفته وما عرفوه وتعنتوا به عليه ، وكان من ذلك السؤال عن ماهية الروح ، وسواء قيل السؤال من أجل التعنت أو طلب المعرفة لحقيقة الروح المذكورة عندهم فمراد اليهود ما ذكرت لا كما فهم الناس أن مقصودهم بالسؤال طلب معرفة روح البشر التي تسكن أجسادهم ، وهذا وهم كبير في فهم المراد من ذاك السؤال ، وجاء الجواب بقوله تعالى : ﴿ قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ﴾(189) والعلم ليس له تعلق بإدراك حقيقة الروح حـتى يشار إليه سواء قل أو كثر ، ثم إنه ليس لليهود حاجة في السؤال عن ماهية الروح ، وإنما حاجتهم أن يعرفوا حقيقة الروح التي يجدون ذكرها عندهم في الكتب ، وبها يختار المخلص وينصر ويؤيد . قال النبي إشعيا عليه الصلاة والسلام : ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله ويحل عليه روح الرب !(190). وقال : هو ذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به نفسي . وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم(191). وغير هذا مما سيأتي تفصيل الكلام فيه . وهذه هي الروح التي أراد اليهود من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجواب عن حقيقتها ، فأجابهم الله تعالى بما يزيدهم كمداً وغيظاً فقال إنها من أمره الذي قال عنه متوعداً اليهود : ﴿ أتى أمر الله فلا تستعجلوه ﴾(192)وهذا الأمـر كما ذكرت سابقاً قد فصل عندهم وآتاهم الله تعالى من علمه ما شاء ، إلا أنه علماً قليلاً لم يبلغوا به إلى حد معرفة حقيقة الروح التي ستحل على المخلص وكيفية تحقق تأويل ذلك على الوجه الذي علمه الرسل والأنبياء .
وبالعودة إلى قول النبي يوئيل في وصف فتنة صدام وقوله : وأعطى عجائب في السماء والأرض دماً وناراً وأعمدة دخان اهـ . أحب هنا أن أقول أن هذا النبي لم ينفرد بذكر هذا الوصف لهذه الفتنة وبيان آثار الدخان فيها ، بل ورد عن اشعيا النبي أيضاً ما يفيد الإشارة إلى الدخان ، وإلى بعض تطبيقات صدام العراق على الكويت تحقيقاً لكتاب اليهود المقدس وذلك بقوله : هو ذا يوم الرب قادم قاسياً بسخط وحمو غضب ليجعل الأرض خراباً ويبيد منها خطاتها . فإن نجوم السموات وجبابرتها لا تبرز نورها . تظلم الشمس عند طلوعها والقمر لا يلمع بضوئه . وأعاقب المسكونة على شرها والمنافقين على إثمهم وأبطل تعظم المستكبرين وأضع تجبر العتاة .. لذلك أزلزل السماوات وتتزعزع الأرض من مكانها في سخط رب الجنود وفي يوم حمو غضبه . ويكونون كظبي طريد وكغنم بلا من يجمعها . يلتفون كل واحد إلى شعبه ويهربون كل واحد إلى أرضه . كل من وجد يطعن وكل من إنحاش يسقط بالسيف . وتحطم أطفالهم أمام عيونهم وتنهب بيوتهم وتفضح نساؤهم اهـ(193).
وقوله : ( بظلمة الشمس والقمر والنجوم ) فيه إشارة إلى الدخان المتصاعد من الآبار ، فلا يعقل أن تحجب الشمس والقمر والنجوم إلا بمثل هذا أو بفناء عام على الكون ، والأخير لا يعقل أن يقرن ذكره إن كان هو المراد بذكر الأطفال والنساء .
هذا وجاء ذكر الدخان صريحاً على لسان اشعيا فيما نقلته سابقاً عند كلامه على البصرة ووصف عذاباتها ، وقال هناك : لأن للرب يوم انتقام . وهنا يقول في وصف هذا اليوم بعينه : هو ذا يوم الرب قادم قاسياً بسخط وحمو غضب اهـ . وهذا دال على أن المراد واحـد ، في كل كلامه المذكور ، وأن تعلق كل ذلك فيما يقع على البصرة آخر الزمان .
وأنه لمن الغريب حقاً أن يتنبه بعض كبار رجال النصرانية لهـذا المعنى ، وأما أهل الإسلام فهم في غفلة من إدراك هذه الحقيقة العظيمة مع تصريح القرآن والسنة بذكرها . قال أكبر قساوسة السويد استانلي شوبيرج : لقد كان يسوع إلهـاً بمعنى أنه كان يتنبأ بالمستقبل ، إنك تستطيع أن تقرأ ما قاله عن المستقبل عندما تتأمل ما يحدث في عالمنا اليوم عندما يعود اليهود إلى دولة إسرائيل بأرض إسرائيل وعندما تتجمع كميات من الصراعات في الأرض ، وعندما يعم اللهب وتعم الزلازل ! وعندما تغيم الشمس فوق الكويت !! بعد الحرب . هذا هو بالضبط ما تنبأ به يسوع ، وكل هذه الأحداث المفجعة ستحدث مباشرة قبل المجيء الثاني للمسيح ! اهـ(194).
وهذا القس من فرط جهله بالكتاب المقدس عندهم لم يفطن إلى أن ما أشار إليه نص عليه الأنبياء قبل أن تدون تلك الأناجيل المزعومة ، فلما لا يكون كل أنبياء بني إسرائيل آلهة تعبد من دون الله لإخبارهم بالغيب . ومن أعظم الجهل الادعاء بأن هذا برهان على ألوهية عيسى عليه السلام ، فكم هي منكوبة السويد بهذا الجاهل الكبير . كذلك يدل ذكر الأنبياء لهذه الأمور قبل أن تدون الأناجيل المنسوبة إلى عيسى على أن واضعي الأناجيل اقتبسوا هذه الأخبار من كلام الأنبياء وحشروها فيما زعموا أنه إنجيل المسيح مجارات لليهود وسنتهم التي سنوها في التلاعب بالنبوءات التي أخبر عنها أنبياء بني إسرائيل .
وكل ما ذكر في الإنجيل عن ظلمة الشمس والقمر إنما اقتبسه الكذبة من كلام النبي اشعيا : تظلم الشمس عند طلوعها والقمر لا يلمع بضوئه . ومن كلام النبي يوئيل : قدامه ترتعد الأرض وترجف السماء والشمس والقمر يظلمان والنجوم تحجز لمعانها والرب يعطي صوته أمام جيشه . إن عسكره كثير جداً(195). وهذا القول على لسان هذين النبيين الكريمين في حجب نور الشمس والقمر اقتبسه كل من متى ومرقس ولوقا أو من نسبه إليهم . ولو أمعن النظر هذا القس السفيه بما ذكره كل من هؤلاء ، لأيقن كذب هذه الأناجيل وبطلانها على أساس استدلاله بما قال ، كقول متى : للوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه .. وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء . وحينئذ تنوح كل قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير ، ومثله ما قرره مرقس ولوقا . وكلهم اتفقوا بعد هذا على القول : الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله(196). وعلى استدلال هذا الساذج السويدي في إنزاله التأويل على فتنة صدام يثبت كذب الأناجيل ، فها هي عدة سنوات تمضي من ابتداء الفتنة واضمحلال الدخان ولم يأتِ ابن الإنسان لقوله : وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتيا ! . فأين هو لم يأتِ ، والخبر الصادق لا يتخلف ولو علم هذا القس لازم استدلاله لما أقدم عليه ، ولكن أخذهم الآن التشوق لتحقيق الخلاص فتراهم يتخبطون في النبوءات كما تخبط أسلافهم عليها بالكـذب والتزوير ، وهذا دجل وتخريف لا يلتفت إليه لولا أني قصدت من هذا الاستطراد التنبيه على أن من كبار النصارى في دينهم ، من يتأول الكتاب على ما يجري في المنطقة وأنهم يؤمنون إيماناً شديداً بأن تأويله سيشهده هذا الجيل ، فإن كان هذا حال رجال دينهم المحرف فما الذي يبرئ رجال السياسات عندهم عن هذا ، وقد مر معنا بيان اعتقاد ريغان وهو رئيس أكبر دولة تقود العالم اليوم ، في تأويل الكتاب وقرب تحقيق أرمجيدوا ، وهو التوصيف الخبري لحال أهل جهنم وعذابهم ، ففهم عند هؤلاء السذج على أن ذلك إنما هو وصف لحرب ما تجري على وجه الأرض ، وجاراهم بعض السذج والأغبياء من المسلمين بأن المراد بذلك الملحمة الـتي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكل هذا ضلال ، وإنما المراد توصيف عذاب جهنم أعاذنا الله من نارها ، آمين .
وقول النبي إشعيا والنبي يوئيل في وصف دخان فتنة صدام العراق جاء مثله عن غيرهم من أنبياء بني إسرائيل ، مثل قول النبي عاموس : ويكون في ذلك اليوم يقول السيد الرب أني أغيب الشمس في الظهر وأقتم الأرض في يوم نور . وأحول أعيادكم نوحاً وجميع أغانيكم مراثي وأصعد على كل الأحقاء وعلى كل رأس قرعة وأجعلها كمناحة الوحيد وآخرها يوما مراً(197).
وقال النبي إرميا عليه السلام : خراباً تكون كل الأرض ولكنني لا أفنيها . من أجل ذلك تنوح الأرض وتظلم السماوات من فوق . من أجل أني قد تكلمت قصدت ولا أرجع عنه . من صوت الفارس ورامي القوس كل المدينة هاربة(198).
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه وقع في تمام نبوءة عاموس نظير ما وقع في نبوءة النبي يوئيل في الجمع بالذكر بين أعمدة الدخان والرؤيا عند تحقق التأويل ، إلا أن جمع النبي عاموس كان بين ذكر ستر الشمس والقمر والنجوم وبين ذكر الزلازل وإفاضة الماء على وجه الأرض ، وقد تحقق كل هـذا المذكور في النبوءة في سنواتنا الأخيرة مما يدل على صدق هذه النبوءة ، فقد كثرت الزلازل هذه السنوات والطوفانات ، وتعد هذه الأمور ، الشواهد الوجودية التي لا مدخل لإرادة البشر في كثرتها وقلتها ، واقترانها دليلاً واضحاً على صدق هذه الأنباء ، وأيضاً دليلاً قاطعاً عل أن المراد بهذه النبوءات فتنة صدام وما أوقعه على أهل الكويت ، ألا ترى أخي المؤمن كيف أنه في هذه السنوات التي وقعت فيها هذه الفتنة تحقق كذلك معها ما جاء في أخبار الأنبياء ، تعريفاً لهذه الفتنة العظيمة ، فقد غشى الدخان الناس وحجب الشمس والقمر والنجوم وأحال الليل إلى مالا يوصف ، والنهار ليلاً دامساً في عز الظهيرة ، ثم ما لبث الناس زمناً طويلاً حتى كثرت فيهم الزلازل والطوفانات وشرد الكثير من الخلق وانتهكت الكثير من الأعراض وقتلت الكثير من الأنفس ، كما نص على هذا كل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وتمام كلام النبي عاموس المشار إليه هو : إني لا أنسى إلى الأبد جميع أعمالهم . أليس مـن أجـل هذا ترتعد الأرض وينوح كل ساكن فيها وتطمو كلها كنهر وتفيض وتنضب كنيل مصر . ويكون في ذلك اليوم يقول الرب أني أغيب الشمس في الظهر وأقتم الأرض في يوم نور(199). وهكذا جمعت هذه النبوءة بين الزلازل والفيضانات والدخان ، وواقع حال الدنيا في وقتنا يصدق هذه الأنباء ويشهد لهـا ، فكثرة الزلازل والفيضانات حقيقة لا تنكر ، وسبق الكلام في أن كثرة هذه الكوارث من أظهر علامات بعث المهدي المنتظر ، الذي جعل الله تعالى ميقات خروجـه أظهر شيء في الوحي الإلهي قبل النبي وبعده ، ولو جهل الناس ذلك ولم يعوا حقيقته ، يبقى ظاهراً بالحق والوحي ، وما تقرر في هذا الكتاب يبرهن على صدق هذا القول ، وإنمـا جهل الناس هذا لأن أمره من أمـر الساعة وهي لا تأتي الناس إلا بغتة سنة ربانية قدرها العزيز الحكيم لينال الخلق جزاءهم كل على حسب نيته وعمله وطاعته وتصديقه وانقياده ، إن كان خيراً أو شراً .
وواهم كل من يعتقد أن عالم اليوم وما يجري فيه من أمور عظيمة أُغفل ذكره بالكتاب ، لا والله لم يترك الناس هملا ولم يفوتوا على ربهم غفلة ، تعالى ربي عالم الغيب والشهادة ، بل إن القرآن فصل في ذكر هذا الجيل مثل ما فصل أخبار من سبق من الأمم الطاغية المتجبرة على أنبيائها ، قال سبحانه : ﴿ وما هو إلا ذكر للعالمين ﴾(200)وهل بلغ الخلق قوة وكثرة ودنيا وطغيان ومتاع مثل ما بلغ هذا الجيل ، كلا وربي لقد بلغوا ما لم يبلغ غيرهم ، من وصل للقمر قبل هؤلاء ، ومن أجرى الفلك في البحر مثل ما أجرى هؤلاء ، ووالله ما طار سليمان مع الريح بإذن الله تعالى ، إلا من أجل هؤلاء ، حـتى لا يقولوا طرنا ولم يجـرِ هذا لسليمان ! . قال تعالى : ﴿ أفنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوماً مسرفين ﴾(201)وقال : ﴿ هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب ﴾(202)وقال : ﴿ وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا ﴾(203)وأصدق برهان على صدق هذا فتنة صدام العراق وما ورد من الأخبار في تفصيلها عند المسلمين وأهل الكتاب على السواء ، حتى صح القول في أن سيناريو هذه الفتنة مدون في كتاب اليهود المقدس ولم يضعه البنتاجون الأمريكي ولا غيره . قال النبي إرميا عليه السلام : بابل كأس ذهب بيد الرب تسكر كل الأرض . من خمرها شربت الشعوب من أجل ذلك جنت الشعوب .. قد أيقظ الرب روح ملوك مادي لأن قصده على بابل أن يهلكها . لأن نقمة الرب نقمة هيكله !! . على أسوار بابل ارفعوا الراية . شددوا الحراسة !! أقيموا الحراس !!(204). وقال : ارفعوا الراية في الأرض . اضربوا بالبوق في الشعوب قدسوا عليها الأمم . نادوا عليها ممالك أراراط ومني وأشكناز . أقيموا عليها قائداً أصعدوا الخيل كغوغاء مقشعرة .. فترتجف الأرض وتتوجع لأن أفكار الرب تقوم على بابل ليجعل أرض بابل خراباً بلا ساكن . كف جبابرة بابل عن الحرب وجلسوا في الحصون . نضبت شجاعتهم صاروا نساءً !! ، حرقوا مساكنها . تحطمت عوارضها(205). وقال : هو ذا شعب مقبل من الشمال وأمة عظيمة ، ويوقظ ملوك كثيرون من أقاصي الأرض . يمسكون القوس والرمح . هم قساة لا يرحمون . صوتهم يعج كبحر وعلى خيل يركبون مصطفين كرجل واحد لمحاربتك يا بنت بابل . سمع ملك بابل خبرهم فارتخت يداه . أخذته الضيقة والوجع كماخض(206). وقال أيضاً : أهربوا من وسط بابل وانجوا كل واحد بنفسه . لا تهلكوا بذنبها لأن هذا زمان انتقام الرب !! هو يؤدي لها جزاءها . بابل كأس ذهب بيد الرب تسكر كل الأرض .. سقطت بابل بغتة وتحطمت ولولوا عليها(207). وهذا الكلام مطابق للحال كما هو ظاهر اليوم من بابل عصر الإنترنت والمكوك ، وأظهر ما يطابق الحال اليوم هو الحصار ! ، ومر معنا سابقاً ذَكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الحصار الذي سيقع على العراق ، ويعد هذا من الموافقات في كلام الأنبياء عليهم السلام في وصف ما يجري اليوم ، وكذلك ورد ذكر الحصار في نبوءات النبي ناحوم ، ذكره وحيا على نينوى وهي مـن العراق كما لا يخفى فقال : هو ذا شعبك نساء في وسطك . تنفتح لأعدائك أبواب أرضك ! تأكل النار مغاليقك . استقي لنفسك مـاءً للحصار !!(208). وقال أيضاً : ها أنا عليك يقول رب الجنود . فأحرق مركباتك دخانا وأشبالك يأكلها السيف وأقطع من الأرض فرائسك ولا يسمع أيضاً صوت رسلك !!!(209). وبالفعل هم أذلة اليوم أو قُل يلعبون دور الذليل المهان والمحتقر ، لا يسمع لهم في هيئة الأمم يتجاذبون المنازعات بينهم والشعب العراقي ينهك ويذل ويجوع ويمرض ، إنها بحق لعبة الأمم ، وسرقة الأنبياء .
إنها لعبة ذهب ضحيتها الشعب الكويتي والشعب العراقي ، كذلك هؤلاء الناس الذين لا ناقة لهم في هذا ولا جمل ، اللهم إلا عذاب الدنيا وعقوبة الإعراض عن دين الله وتقواه ، وليس في هذا ما يبرئ الأبالسة والخونة ، وكلهم يجري لما قدر الله الذي إليه تعود الأمور سبحانه .
وممن أتى على ذكر الحصار أيضاً من الأنبياء إشعيا عليه الصلاة والسلام قال : وحي من جهة برية البحر !!(210) كزوابع في الجنوب عاصفة تأتي !!(211) من البرية من أرض مخوفة . قد أعلنت لي رؤيا قاسية . الناهب ناهبا والمخرب مخربا . اصعدي يا عيلام . حاصري يا مادي .. لأنه هكذا قال لي السيد اذهب أقم الحارس ليخبر بمـا يرى .. فأجاب وقال : سقطت سقطت بابل وجميع تماثيل آلهتها المنحوتة كسرها إلى الأرض(212). وأنا لا أستبعد أن تسمية هجوم التحالف لتحرير الكويت بعاصفة الصحراء جاء اقتباساً من هذه النبوءة المنسوبة لإشعيا النبي ، كما أن زي العسكر في تلك العاصفة حرص مبدعه على أن يلطخ باللون القرمزي وذلك وفقاً لما ورد بنبوءة النبي ناحوم ، حين وصف الجيش الذي يغزوها ويحاصرها بقوله : ترس أبطاله محمر . رجال الجيش قرمزيون . المركبات بنار الفولاذ في يوم إعداده .. تهيج المركبات في الأزقة . تتراكض في الساحات . منظرها كمصابيح !!!. تجري كالبروق !!!(213). لا تعليق وإنما أترك الحكم للقارئ ليحكم ، هذا الوصف ينطبق على المركبات قبل آلاف السنيين أم ينطبق على مركبات العصر ؟! . وفي هذا أبلغ برهان على أن وقتنا هو الوقت الذي تتحقق فيه هذه النبوءات ، لا كما كان يزعم اليهود أنه مما فات وانقرض ، وهذه كذبة كبرى أراد بها اليهود التلبيس على أخبار الأنبياء ليتمكنوا في هـذا من تفويت المعرفة على غيرهم ، وكذلك التمكن من ادعاء جواز العودة من السبي البابلي رداً لحكم الله تعالى عليهم بالجلاء والطرد عن الأرض المقدسة إلى الأبد ، ولهذا ادعوا الخلاص ليتمكنوا من العودة رداً لهذا الحكم ، وكان هذا الكذب في تلك القرون مكشوفاً لمخالفته لوحي الأنبياء وعبثاً حاولوا جمع اليهود على هذا ولم يمكنوا من ذلك ، ولم يتفق اليهود على جواز العودة من بابل قال المؤرخ يوسف رزق غنيمة في تاريخ يهود العراق : كان لإحجام اليهود عن الرجوع إلى أورشليم أسباب عدة ، فمنهم من ألف الحياة البابلية ، ومنهم من كان يتوقع نزول نبوءات ومعجزات تُنبئ نبأً واضحاً بزوال عهد الجلاء(214). وهؤلاء الذين أصروا على انتظار علامات الخلاص ليتسنى لهم العودة هم من التزم الحكم وسلم للقضاء الرباني ، وهذا هو الأصل الذي يهدم زيف اليهود قديماً وحديثاً ، وهو ما دل عليه كلام سائر الأنبياء وآخرهم نبينا عليه الصلاة والسلام ، والعجب أخي المؤمن حقاً هو أن ما يفعل بالعراق اليوم وكأنه استدراك من اليهود على النبوءات وعلى التاريخ كذلك ، وقد تعالت صيحات نقاد تاريخ اليهود وكتابهم المقدس في أن ما ذكر عن بابل لم يتحقق سابقاً البتة . قال سبينوزا في الرسالة : نرى إشعيا وهو يصف هدم بابل يقول : إن كواكب السماء ونجومها لا تبعث نورها.. إلخ ، لا أظن أن هناك من يعتقد بأن ذلك قد حدث بالفعل عندما هدمت إمبراطورية بابل اهـ(215). وقال ريجسكي وهو من نقاد تاريخ اليهود : النبوءة تقول أن بابل سوف تسقط تحت ضربات الميديين في حين أن بابل تم احتلالها ليس من قبل الميديين بل الفرس على زمن الملك كورش عام (439) . وصاحب النبوءة وكاتبها يعرف كما هو واضح أن عيلام والميديين قد قاموا ضد بابل وحاصروا المدينة حتى أنه يتم رسم لوحة لاحتلال بابل ( سقطت سقطت بابل وجميع تماثيل آلهتها المنحوته كسرها إلى الأرض ) ولكن هذه اللوحة غير صادقة ففي الواقع معروف من المصادر القديمة ، أن كورش عندما احتل بابل ليس فقط لم يهدم المعابد وتماثيل الآلهة بل إنه أبدى تجاهها احتراما مميزاً اهـ(216).
ومن المقرر عند نقاد التاريخ اليهودي توسع النبي إرميا وقبله إشعيا في بيان الحال السيئة التي ستنتهي إليها بابل ، وقد تاه هؤلاء النقاد في بحر تلبيس اليهود وتزييفهم للتاريخ واجتهدوا في بيان عدم تحقق ما ذكره الأنبياء على بابل ، ومن شدة مكر اليهود نسب الوهم والكذب للأنبياء عليهم السلام ، وما فطن هؤلاء الجهلة أنهم خدعوا بما دسه اليهود بين كلام الأنبياء ليتوهم من يقرأ التاريخ المدون عندهم أن الأمر ما هو إلا وفق ادعاء اليهود أنفسهم ، وإنما الحقيقة أن الكذب راجع على من عبث بكلام الأنبياء وأفسد أصله . ومع هذا سلم الله تعالى كلام أنبيائه من هذا الكذب وبان فيه ما يدل على أن زمان التأويل لم يحن بعد ، كقول دانيال عليه السلام : فاخف الكلام واختم السفر إلى وقت النهاية كثيرون يتصفحونه والمعرفة تزداد(217). وقـول حبقوق : لأن الرؤيا بعد إلى الميعاد وفي النهايـة تتكلم ولا تكذب(218). وقول يعقوب عليه السلام : اجتمعوا لأنبئكم بما يصيبكم في آخر الأيام(219). وغير هذا مما يدل على أن وقت التأويل آخر الزمان . وأكثرهم تصريحاً بهذا إشعيا وإرميا خاصة وهم أكثر من تنبأ على بابل ، ما يجري منها وعليها ، قال إرميا : ها آخـرة الشعوب برية وأرض ناشفة وقفر . بسبب سخط الرب لا تسكن بل تصير خربة بالتمام . كل مـار ببابل يتعجب ويصفر بسبب كل ضرباتها . اصطفوا على بابل حواليها يا جميع الذين ينزعون في القوس . ارموا عليها . لا توفروا السهام لأنها قد أخطأت إلى الرب(220). وقوله : آخرة الشعوب . فيه التصريح بأن هذا يكون آخر الزمان ، وأصرح منه قوله : في آخر الأيام تفهمونها(221). وقوله أيضاً : سيف على الكلدانيين يقول الرب وعلى سكان بابل وعلى رؤسائها وعلى حكمائها . سيف على المخادعين فيصيرون حمقاً . سيف على أبطالها فيرتعبون . سيف على خيلها وعلى مركباتها وعلى اللفيف الذي في وسطها فيصيرون نساءً . سيف على خزائنها فتنهب . حر على مياهها فتنشف لأنها أرض منحوتات هي وبالأصنام تجن(222). وقوله : ( حر على مياهها فتنشف ) برهان آخر على أن هذا الوحي على بابل إنما يكون في آخر الزمان ، وشهد لذلك أخبار نبينا عليه السلام بانحسار الفرات آخر الزمان ، ويعد هذا من الموافقات كذلك ، روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( لا تقوم الساعة حتى ينحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه )(223). وقال إرميا : للسيد رب الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات(224).
ومن أعجب ما وقفت عليه من كـلام الأنبياء في هـذا الشأن أن إرميا النبي أخبرهم عن الله تعالى أن الله حين كتب عليهم الجلاء إلى بابل حذرهم من أنه جعل لهم ميقاتاً سلامة بابل من الشر ، فقال لهم : واطلبوا سلام المدينة التي أجليتكم إليها وصلوا من أجلها إلى الرب فإنه بسلامها يكون لكم سلام(225). وهذا كما أنه فيه كشف لكذب اليهود فيه كذلك التنبيه على خسة حال اليهود اليوم واعتقادهم في الله تعالى ، إذ كيف يصح لهم ادعاء التلازم بين تدمير بابل والخلاص ، والنبي هنا يجعل تدميرها ميقاتاً لعذابهم وسلامها إثباتاً لسلامهم . ثم إن الحال اليوم على النقيض من كلام النبي ، فلا سلام لبابل اليوم ، فإذاً لا سلام سيكون لهم ، وفي هذا أبلغ بيان لتصريف الله تعالى لأقدار الخلق ، إذ كيف أن اليهود وأعوانهم يسعون لتحقيق هذا الشرط لانتفاء سلامهم هم وهم لا يشعرون ، وهذا على اعتبار جهلهم بحقيقة النبوءة ، إما إن كان هذا التخطيط والتنفيذ على علم وقصد لحقيقة كلام النبي هنا فالأمر حينئذ يقشعر منه البدن ، إذ كيف يمكن للبشر أن يتصور إمكانية مواجهة الخالق ومنازعته ، وما مثلهم في هذا إلا كقول العربي : أتتك بحائن رجلاه .
وإلى هنا نهاية الجواب على سؤال اليهود لرسول الله عن أول أشراط الساعة .
أما السؤال الثاني الذي همهم معرفة الجواب عليه وواجهوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قدومه المدينة به ، فقد كان عن الروح ، قال ابن مسعود : بينا أنا مع رسول الله في حرث إذ مر اليهود ، فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الـروح ، فقال بعضهم : لا يستقبلكم بشيء تكرهونه ، فسألوه عن الـروح ، فأمسك ولم يرد عليهم شيئاً ، فعلمت أنه يوحى إليه ، فقمت مقامي ، فلما نزل الوحي قال : ﴿ ويسألونك عن الروح . قل الروح من أمر ربي وما أُتيتم من العلم إلا قليلاً ﴾(226). وقد اختلف الناس في المراد من الروح هنا ، وباعتبار قصد السائل يعرف المراد ، وقد ثبت عند اليهود اقتران ذكر المخلص بالروح في أخبار أنبيائهم ، وفيها أنه يبعث بها وينصر بها ، ومما نقل عنهم سابقا يدل على هذا ، ومن غير المستبعد أن يكون هـذا مرادهم ، بل ترجح عندي أنه المراد إن شاء الله تعالى .
وهدفهم بالسؤال معرفة حقيقة هذه الروح ، فهو مما أشكل عليهم معرفته ، ومدار هذا الأمر يعود عندهم إلى عدة مواضع من كتبهم ، منها قول إشعيا : ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله . ويحل عليه روح الرب(227). وقال : هو ذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به نفسي . وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم(228). وقال : روح السيد الرب علي لأن الرب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلب لأنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق لأنادي بسنة مقبولة للرب وبيوم انتقام لإلهنا لأعزي كل النائحين(229). وقوله : ( لأنادي بيوم انتقام لإلهنا ) صريح في أن المراد آخر الزمان ، لثبوت أن المراد بالانتقام ما يكون آخر الأمر كما قررت هذا سابقاً في أكثر من موضع ، ويشهد لهذا المعنى عندهم في كتب الأنبياء ، ما ورد في كتاب الله العزيز في قوله سبحانه : ﴿ يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ﴾(230) واليهود يعلمون علم اليقين أن هذا كائن آخر الزمان ولا يدرون ما هو السبيل الذي يتحقق فيه أثر الروح المذكورة ، يريدون معرفـة ذلك على التفصيل ! .
وكاد النبي دانيال أن يفصح عن المراد حين قال : كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه . فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً . وقال وكنت أنظر وإذا هذا القرن يحارب القديسين فغلبهم حتى جاء القديم الأيام وأعطي الدين لقديسي العلي وبلغ الوقت . وقال : إلى هنا نهاية الأمر !(231). وبهذا يفهم أن زمان قديم الأيام آخر عمر الدنيا ، ومما ثبت في اعتقاد أهل الحق من المسلمين أن الدنيا تحكم في آخر الزمان كلها بالإسلام في زمان المهدي المنتظر ، كما نص على هذا رسـول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا يعرف أن المراد بقديم الأيام هذا المنتظر .
ويبقى السؤال الذي حير اليهود والنصارى على السواء ، هو من هذا مثَلُ ابن الإنسان !! ، أمـا النصارى فقد أجمعوا أمرهم على أنه عيسى ، وهذا من سفه عقولهم كما هي عادتهم عندما يتكلمون عن النبوءات ، وذلك لأنه على حسب هذا الاعتقاد يبقى تعيين قديم الأيام مشكل بالنبوءة ولن يجدوا ولم يجدوا جواباً عليه ، وأما اليهود فالصمت خير والترقب كما قال تعالى عنهم :﴿ يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ﴾(232).
وتجدر الملاحظة إلى أنه ورد في كلام دانيال ذِكرُ صِفَةَ رجلين وكذلك مثله في كلام إشعيا أيضاً ورد وصف رجلين يسى والغصن الذي هو من أصوله ، والقضيب من جذعه ، ومن المعلوم عند أهل المعرفة أن المراد بيسى أو مسيا هو النبي عليه الصلاة والسلام ، وقد صاح بهذا في اليهود عيسى عليه السلام لما سألوه عن حقيقة المسيا وممن يكون .
وبحمل كلام دانيال على قول إشعيا النبي يتبين أن المراد بقوله : مثل ابن إنسان . أنه المصطفى عليه السلام ، الذي هو يسى على قول إشعيا .
وقديم الأيام على قول دانيال يكون المراد به القضيب والغصن على وفق كلام إشعيا .
وعلى هذا عندما يعرف المراد من يسى أو مسيا ، أنه رسول الله المصطفى عليه الصلاة والسلام ، لم يبقَ المراد بالقضيب أو الغصن أو قديم الأيام إلا حفيده المهدي المنتظر . وعلى حسب ما ورد في دانيال ، فإن الأرض أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المهدي يحكمها ، وأما على قول اشعيا فالأمر ظاهر فقد صرح بأن القضيب من يسى وأنه غصن منه ، والمهدي كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون من ذريته . ومهما دار الكلام في تقرير معنى هذه الأخبار وحقيقة ما دلت عليه ، يبقى المفتاح في فهم وإدراك حقيقة هذه النبوءات ، في آية الزبور والتي أكدها إنجيل عيسى الصحيح في خبر الرب والقضيب كما قال لليهود : متى جاء رسول الله فمن نسل من يكون ؟ فأجابوا : من داود ، فقال لا تغشوا أنفسكم لأن داود يدعوه في الروح ! رباً ، قائلاً هكذا : قال الله لربي إجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئاً لقدميك يرسل الرب قضيبك الذي سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك . فإذا كان رسول الله الذي تسمونه مسيا ، ابن داود فكيف يسميه داود ربا صدقوني لأني أقول لكم الحق أن العهد صنع بإسماعيل لا بإسحاق !(233). وهنا جمعت نبوءة الزبور التي احتج بها عيسى على اليهود ، بين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهدي ، فالرب الرسول المصطفى والقضيب المهدي المنتظر !! وعندما علم اليهود أن هذا اعتقاد عيسى عليه السلام ، مكروا به وطلبوا قتله على يد الرومان ، فسلمه الله من شرهم ورفعه إليه ليكون شاهداً عليهم آخر الزمان عندما يجتمع الأشهاد !! ، وهذا الوارد في الزبور الغاية في تعظيم أمر المهدي وبيان مكانته عند الله تعالى حتى ينص على ذكره بالزبور والإنجيل وكذلك القرآن ، وفي هذا أعظم مفاجأة تقع على مسامع أهل الإسلام في وقته .
ويبقى هنا ما لابد من تقرير الكلام فيه ، وهو كيف يمكن تقديم المهدي على حسب نبوءة دانيال بين يدي ابن الإنسان إذ قلنا بأن المراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كيف يعقل أن يكون هذا ، وإنما بعث المهدي يقع آخر الزمان ؟ والجواب هو : أن تصديق كلام النبي دانيال عليه السلام لا يعقل تحقيقه إلا بالرؤيا ، وهذا مما يجوز وقوعه شرعاً ولا ينكره إلا من هو أبلد من حمار ، بل هو كاذب على الله تعالى قائل على حكمه بغير علم .
ولعل بعضهم أن ينكر جواز وقوع هذا خشية الفتنة بزعمه ، وهذا لا يفيد بالمنع شرعاً بل هو بحد ذاته فتنة ، لأنه قول على الله تعالى بغير علم وقد نُهيَ عن هذا . وفي قول دانيال : مثل ابن إنسان . إشارة لما تقرر هنا فقوله : مثل ، وشبه ، يريد بذلك ما يرى في المنام لا في حال اليقظة . وأما قول إشعيا يكاد أن يكون صريحاً في هذا المعنى ، على اعتبار صحة القول في أن مراد النبي إشعيا بقوله : ويحل عليه روح الرب . وقوله : روح السيد الرب علي لأن الرب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلب . هو الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن الرب في كلام إشعيا المراد به الرب في نبوءة الزبور التي استشهد بها عيسى عليه السلام كما في الزبور على أن المراد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كان الأمر كذلك ففي هذا مطابقة وموافقة لما ذكر دانيال من اجتماع ابن الإنسان وقديم الأيام ، وإعطاء القديم الأيام السلطة والمملكة ، وهذا مما لا يمكن تحققه إلا بالرؤيا وهي سبيل من سبل الهداية والرشاد وجزء من الوحي الإلهي ولعل إخبار النبي عليه الصلاة والسلام عن كون الرؤيا في آخر الزمان لا تكذب ، مع إخباره أن الشيطان لا يمكنه التمثل بصورته إشارة لما تقرر هنا ، والله فعال لما يريد . وهذا الأمر لعله ما كان يهم اليهود علمه ويُنَقرونَ عن خبره ، حتى بلغ بهم الأمر أن قال كعب الأحبار لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين هل ترى في منامك شيئاً ؟ فانتهره عمر . فقال : يا أمير المؤمنين إنَّا نجد رجلاً يرى أمر الأمة في منامه !!(234). وسبق أن نقلت عن النبي يوئيل ما يفيد أن من معاني الروح عندهم الرؤيا المنامية لقوله : ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاماً ويرى شبابكم رؤى(235). ومن شواهد هذا المعنى المقرر في كلام الأنبياء وفيه الإشارة إلى أن هداية المهدي وتعيينه على وفق ما ذكر منسوبا إليهم سيكون بالرؤيا المنامية ، أقول من شواهده بالكتاب والسنة الآتي :
أولاً : أنه على اختيار بعض السلف من الصحابة ومن تبعهم بإحسان من علماء الأمة ، أن قوله تعالى : ﴿ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين . يغشى الناس هذا عذاب أليم . ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون . أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين . ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون ﴾(236) الآيات ، أن زمان تحقق تأويل هذا هو آخر الزمان . فعلى هذا الاختيار ، وهو الحق إن شاء الله تعالى ، على حسب ظاهر الآيات المدلول عليها بصريح السنة التي فيها أن الدخان إنما يكون آخر الزمان من أشراط الساعة ، ولا يصح وفق هذا الاختيار كما ذكرت سابقاً أن يوصف بالقرآن أنه رسول وأمره مما يكون آخر الزمان إلا المهدي المنتظر . وإذا صح وصفه بالإرسال وهو ظاهر القرآن ، صح تلقيه للوحي ، وهو الرؤيا لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها الجزء الوحيد المتبقي من النبوة بعده ، وكون الرؤيا جـزء من الوحي ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى :﴿ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم ﴾(237)وقال : ﴿ سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا ﴾(238) فسنة الرسل أن يوحى إليهم ، ولا تبديل لهذه السنة ، والمهدي على وفق اختيار القول في آيات سورة الدخان على ما ذكرت هو رسول لله ، فيصح على هذا بنص القرآن أن يوحى له ، وعلى هذا عاد قيام البرهان من القرآن على دعوى جـواز تلقي المهدي للوحي إلى آيات سورة الدخان ، ودار مع القول بتأويل تلك الآيات ثبوتاً ونفياً .
فإن سلم القول بأن تأويل آيات سورة الدخان آخر الزمان ، ويكون هذا هو الحق ، سلم قيام البرهان من الكتاب على أن المهدي سيتلقى الوحي من الله تعالى ، وإن لم يسلم هذا القول في تأويل تلك الآيات وكان هذا عند الله تعالى ليس بحق ، بطلت تلك الدعوى بثبوت البرهان من القرآن على أن المهدي سيتلقى الوحي من الله سبحانه ، ويبقى النظر في ثبوت هذا من وجه آخـر .
والقائلون بتحقق تأويل آيات سورة الدخان آخر الزمان أظهر بالحجة وأنطق بالكتاب والسنة ، وأكثر مواءمة لظاهر الكتاب والسنة ، ومن الذين انتصروا لهذا الاختيار من العلماء أبو الخطاب ابن دحية وصلاح الدين العلائي وابن كثير رحمهم الله تعالى ، وليس للمخالف لهذا القول ما لهؤلاء من حجة إلا أن اعتقادهم هذا هو السائد في الأمة على سبيل التقليد لا النظر والتحقيق ، خصوصاً في هذا الوقت الذي وقع فيه تأويل تلك الآيات ، ولذا من المتوقع أن ينفر المعاصرون من هذا الاعتقاد نفوراً شديداً ، إلا أن الحق أحق أن يتبع ويقال ، وعلى كل الإدلاء بالحجة قال تعالى : ﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾(239)وفي هذا التقرير ما يشهد لما عند أهـل الكتاب مـا فيه تلقي المهدي عن الروح ، وهو الوحي بالرؤيا .
ثانياً : قال تعالى : ﴿ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون . الذين ءامنوا وكانوا يتقون . لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ﴾(240)وروى البخاري في الصحيح عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لم يبق من النبوة إلا المبشرات ) قالوا : وما المبشرات ؟ قال : ( الرؤيا الصالحة )(241). وفي صحيح مسلم وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة ورأسه معصوبة في مرضه الذي مات فيه والناس صفوف خلف أبي بكر فقال : ( يا أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له )(242). وعند النسائي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة )(243). ويفهم من تكلفه عليه السلام عناء تبليغ الصحابة هذا الأمر وهو في مرضه الذي مات فيه ، أهمية هذا الأمر وعظيم شأنه ، والآية في سورة يونس مصرحة ومؤكدة لهذا الشأن في تأكيد أمر البشرى بأنه الفوز العظيم ، وأنه من كلمات الله تعالى التي لا تبديل لها ، وفي هذا أظهر برهان على عظم شأن البشرى التي هي الرؤيا الصالحة ، التي يراها المؤمن أو المسلم ، أو ترى له .
ومما لا شك فيه أن هذا التعظيم لشأن البشرى سواء ما ورد في آيات سورة يونس أو فيما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يدل على ما فهمه غالب الناس أنه في عموم الرؤيا لا بل هو في تعظيم شأن البشرى المخصوصة بالمهدي سواء في تعيينه أو في تبشيره بالنصر والتمكين أو إخباره بمنزلته العظيمة في الدين ومجاورته لجده في جنة الفردوس . وقد صرفت البشرى في القرآن على عدة أوجه ، منها الرؤيا كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير الآيات في سورة يونس(244).
ومما يؤسف له حقاً خفاء المعنى في ذلك التفسير على الكثير ، ولم يتفطنوا لحكمة قصر البشرى على الأولياء الأتقياء دون سائر عباد الله تعالى ممن هم دون منزلة هؤلاء الأولياء مع أن الرؤيا قد تقع للمسلم العاصي الفاسق ، وللمنافق المارق ، وكذلك قد تقع للكافر كما هو ثابت في سورة يوسف عليه السلام وغيرها ، مثل ما تقع لعباد الله الصالحين .
والذي أعتقده أنا بنفسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما فسر البشرى بالآية بالرؤيا على سبيل التنبيه والتفسير الخفي لمعنى البشرى في الآية ، ولم يرد ما فهمه العامة أن المراد مجرد الرؤيا العامة التي يشترك فيها كما قلت المؤمن والمسلم والمنافق والكافر ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد كذلك في ذلك التفسير حصر البشرى بالرؤيا ، كلا بل هي جزء من البشرى ومفتاحها ، لا كل حقيقتها ، ألا ترى كيف كان يبشر الأمة بمبعثه ليوافق لفظ الآيـة ، وما الرؤيا إلا المفتاح والمدخل لأمره ، قال تعالى : ﴿ وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ﴾(245)وقال : ﴿ يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ﴾(246)وقال عن القرآن : ﴿ مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين ﴾(247) فبماذا بشر القرآن والرسول عليه السلام ؟.
فأما الرسول صلى الله عليه وسلم فليس من قبيل الاتفاق من غير قصد يوافق لفظ الآية حين يقول : ( أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل ) رواه أحمد . فهذه بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة . فكما بشر عيسى به ، هـو بشر بالمهدي جرياً على سنة الأنبياء قبله وتأويلاً لقوله تعالى : ﴿ إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ﴾ وقوله تعالى : ﴿ وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ﴾(248)وهنا أقول أيضاً أنه ليس من قبيل الاتفاق ومن غير قصد تفتتح سـورة يونس بتبشير المؤمنين بقدم الصدق ، ثم يثـني بذكر بشرى المؤمنين من بني إسرائيل على لسان موسى وهارون في قوله : ﴿ وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين ﴾(249) إلى أن قال : ﴿ ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات ﴾(250)وعاتب موسى قومه بعد رجوعه من الجبل بقوله : ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً . قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً . أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾(251)والوعد الحسن هنا المراد به البشرى التي أمر موسى بتبليغها لبني إسرائيل ، ووصفها عز وجل بأنها مبوأ صدق ، كما وصف بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته بقدم الصدق ، والمعنى واحد ، والمراد التمكين والنصر على الأعداء كما قال سبحانه :﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم .. ﴾(252)وما ورد في سورة يونس من ذكر البشرى يعد تفصيلاً لهذه الآية وتفسيراً لحقيقة الاستخلاف .
وجمع سورة يونس لبشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته بالتمكين وبشرى موسى وهارون لبني إسرائيل بالتمكين ، مع بشرى أولياء الله تعالى مقصورة عليهم مع التأكيد على أنها كلمة الله تعالى التي لا تبديل لها ، وأنها الفوز العظيم يدل على أن المعنى المراد أكبر مما تتخيله عقول الناس ، وقصرها على هؤلاء الأولياء لبيان عظيم حظهم ومنزلتهم عند الله سبحانـه ، حتى استحقوا هذه البشرى من دون سائر الناس .
ولا يجوز حمل المعنى في الآية على عموم الأولياء ، لأنه لا وجه لاختصاص جميع الأولياء بالرؤيا كما ذكرت ، ولا وجه كذلك لاستحقاق جميع الأولياء لبشرى الله بالتمكين والنصر والظفر على الأعداء ، بل خرج الأمر والنبأ على وجه الخصوص لأولياء لله تعالى معينين تتحقق لهم البشرى في آخر الزمان ، وعداً لا تبديل له وفوزاً عظيماً تكفل الله به ، وتجدون هذا الوعد مكتوباً في قوله سبحانه : ﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾(253)وقوله :﴿ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون ﴾(254)وقوله :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوى عزيز ﴾(255)وهذه هي الكلمات التي وعد الله سبحانه أنها لا تبدل فقال : ﴿ لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ﴾(256)وفي عداد هـذه الكلمات أيضاً قوله : ﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب ﴾(257).
ومما ورد في الزبور وفيه الإشارة لهذه البشرى قوله : مطراً غزيراً نضحت . ميراثك وهو معي أنت أصلحته قطيعك سكن فيه . هيأت بجودك للمساكين يا الله . الرب يعطي كلمة . المبشرات بها جند كثير . ملوك جيوش يهربون يهربون(258). هكذا ورد اللفظ في النسخة البروتستانتية ، وفي الكاثوليكية : السيد يعطي الكلمة وأهل البشرى جيش كثير(259). وهنا الجمع بين الكلمة والبشرى كما الآية في القرآن .
وورد في السنة أيضاً ما يفيد أن البشرى لهؤلاء الأولياء المشار إليهم بالآية ، وهم عباد لله نالوا تلك المنزلة الرفيعة على سبيل التعيين فضلاً من الله تعالى ورحمة وهبة لا يشاركهم بها سائر أولياء الله تعالى ، فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى صلاته أقبل على الناس بوجهة فقال : ( أيها الناس اسمعوا واعقلوا واعلموا أن لله عز وجل عباداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله ) فجاء رجل من الأعراب من قاصية الناس فقال : يا رسول الله انعتهم لنا . فسر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لسؤال الأعرابي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل لم تصل بينهم أرحام متقاربة تحابوا في الله وتصافوا ، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها فيجعل وجوههم نوراً ، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون ، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون ) رواه أحمد في المسند وابن المبارك في كتاب الزهد(260)ورواه عبد الرزاق الصنعاني شيخ أحمد وفيه زيادة سيأتي التنبيه على فائدتها بحول الله . وهل بعد هذا تعيين إذ استثناهم من دون الأنبياء والشهداء بالغبطة ، وقوله في الحديث : ( هم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون ) صريح في أن المراد بهم المذكورين في سورة يونس الذين هم أصحاب البشرى وأهلها .
ومن أجهل ممن يعتقد أن كل من رأى رؤيا يدخل في عدادهم ، أو أن كل من كان صالحاً يكون منهم ، كلا فإن هؤلاء ما غبطوا من الأنبياء والشهداء على مكانهم من الله إلا لأمر عظيم خصهم الله تعالى به ، فنالوا بذلك تلك المنزلة ، ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بأنهم من أفناء الناس ونوازع القبائل فيه إشارة إلى أنهم هم الغرباء الذين تواترت الأحاديث في ذكرهم ، ومنها حديث عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله : ( إن الإسلام بدأ غريباً ، وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء ) قيل : ومن الغرباء ؟ قال : ( النزاع من القبائل )(261).وفي لفظ : ( نوازع الناس ) وهذا اللفظ في تفسير الغرباء أصح ما ورد في تفسير الغرباء مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه صفة من صفات الأولياء الذين نص على خبرهم حديث أبي مالك الأشعري ، وسيأتي لاحقاً بحول الله تعالى ذكر أبرز صفاتهم الدالة على عظيم قدرهم وجلالة منزلتهم عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفهم بأنهم إخوانه ويذكر لأصحابه مدى اشتياقه لهم .
وقد تقرر فيما سبق من هذا الكتاب متى زمان هؤلاء الغرباء وبيان كيف تتم عودتهم إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما به يثبت أن المراد المهدي ومعاصريه من عباد الله تعالى الأولياء(262)، الذين سيجمعهم عليه أمر الله وحـده ، لا أحزاب الشعوب ولا قبائل الناس المتعددة ولا حكومات الدول ، بل ينزعهم أمـر الله تعالى العظيم ويجمعهم من كل حدب وصوب ، في عصبة جديدة وشوكة لا عهد للناس بمثل اجتماعها ، إلا ما كان من اجتماع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام ، وقد ورد عن عبد الرزاق في المصنف في حديث أبي مالك الأشعري المذكور سابقاً ما يشير إلى سبب اجتماعهم ، فقال : ( هم عباد من عباد الله من بلدان شتى وقبائل شتى ، من شعوب القبائل ، لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بهـا ، ولا دنيا يتباذلون بها يتحابون بروح الله ) !!(263). وقوله في الحديث : ( يتحابون بروح الله ) يعيدنا إلى سؤال اليهود وما نقلته من كتبهم في معنى الروح .
ومما لاشك فيه أن وحي الله تعالى قديماً وحديثاً دائر بعضه على بعض ، وبعضه شاهد لبعض ، وهذا أيضاً مما يعد من الموافقات بين كلام الأنبياء عليهم السلام ، وأشار الزبور إلى هذه الروح بقوله : أعلمني الطريق الذي أسلك فيه فإني إليك رفعت نفسي . أنقذني من أعدائي يا رب فإني بك استعذت . علمني أن أعمل مرضاتك لأنك أنت إلهي . إن روحك صالح فهو يهديني في أرض الاستقامة(264). وقال : ومن وراء ومن قدام أحطت بي وجعلت على يدك . علم عجيب فوق طاقتي أرفع من أن أدركه . أين أذهب من روحك ! وأين أفر من وجهك(265). وفيه قوله : لقد كلمت صفيك في رؤيا ! فقلت أني هيأت نصرة للجبار ورفعت المختار من الشعب(266). وقال : انتظر الرب واحفظ طريقه فيرفعك لترث الأرض عند استئصال المنافقين تنظر(267). وقال : الصديق يكون ذكـره إلى الأبد لا يخشى خبر السوء . ثابت قلبه متكل على الرب . قلبه مسند فلا يخشى إلى أن يرى خيبة مضايقيه . بدد وأعطى المساكين فبره يدوم إلى الأبد وقرنه يرتفع بالمجد . والمنافق يبصر فيغضب ويذوب بغيته تهلك(268). وغير هذا الكثير مما ورد ذكره في زبور داود عن الروح وخبر الصديق ، وكل هذا مصداقاً لما ورد في قوله تعالى : ﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكـر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾(269).
هذه هي الروح التي شغف اليهود بطلب معرفتها وكشف سرها ، وما هي إلا الكلمة التي ورد ذكرها عندهم في الزبور : لقد كلمت صفيك في رؤيا .. إلخ وفي موضع آخـر قال : الرب عـارف أيام الكلمة وميراثهم إلى الأبد يكون (270). وقال حزقيال : وأجعل في داخلهم روحاً جديدا (271).
والحديث الوارد عند عبد الرزاق لا يضره تقصير مـن قصر في سنده ، فقد رواه من طريق عبد الحميد بن بهرام موصولاً ابن المبارك وأحمد في المسند . وقال القطان : من أراد حديث شهر فعليه بعبد الحميد بن بهرام . وقال أحمد : حديثه عن شهر مقارب كان يحفظها كأنه يقرأ سورة من القرآن ، وهو سبعون حديثاً طوال(272).
قلت : فإن كانت هذه حاله مع حديث شهر وهي من الأحاديث الطوال ، فمن إذن أسقط من حديثه قوله : ( يتحابون بروح الله ) وفي إسقاطها إخلالاً بالمعنى كبير . كذلك الرواية عند ابن المبارك وأحمد مثبته من دون ذكر الروح ، أحدهم أسقط ذكرها ، وهي عادة سيئة تُأخذ على بعض رواة الحديث كما بينت ذلك سابقاً .
وقد ورد ما يشهد لها من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى ) قالوا : يا رسول الله ، تخبرنا من هم ؟ قال : ( هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها ، فوالله إن وجوههم لنور ، وإنهم على نور ، لا يخافون إذا خـاف الناس ، ولا يحزنون إذا حـزن الناس ـ وقرأ هذه الآية ـ : ﴿ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون ﴾ ) رواه أبو داود في سننه ، ورواه الحاكم عن ابن عمر إلا أن فيه قوله : ( تصادقوا في الله وتحابوا فيه )(273). وهذا جرَّاء الرواية بالمعنى والأصل : ( بروح الله ) كما ورد في لفظ حديث عبد الرزاق وأبي داود ، فهو الحرف الذي لا يمكن أن يقال بالرأي والمعنى ، لأن من معاني الروح الوحي ، قال أبو سليمان الخطابي في شرح الحديث : الراء من الروح مضمومة يريد القرآن ، ومنه قوله تعالى : ﴿ وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ﴾(274). وهذا غير صحيح فالقرآن لا يختص به أحد دون الجميع حتى ينال تلك المنزلة العظيمة التي يغبط عليها ، ثم إنه لا اِختصاص لنزاع القبائل دون سائر المؤمنين بالقرآن حتى يذكروا بما ورد في الحديث ، ثم إن المتحابين من أهل الإيمان جميعهم في الله لا اختصاص لهم في آيات سورة يونس حتى ينص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث على أن الآيات فيهم وأنهم أهل البشرى .
وأزيد هنا على التأكيد بأن هؤلاء متميزون عن سائر الأولياء بما أوجب لهم تلك المنزلة التي اختصوا بها دون سائر الأنبياء والشهداء ، لا بل زاد معاذ بن جبل في حديثه قوله : ( يغبطهم بقربهم من الله النبيون والشهداء والصالحون )(275). ولا يعقل أن يميز هؤلاء عن سائر عباد الله من النبيين والصالحين والشهداء جميعاً بالحب في الله ، وجميع هؤلاء كانوا يتحابون في الله ويتزاورون فيه ، والصالحون من هذه الأمة جميعهم متحابون في الله مؤمنون بكتابه ، فمن يغبط من ، ومـع هذا ليسوا جميعاً نزاع القبائل .
والحاصل أن هؤلاء قوم اجتباهم الله تعالى بفضله ونعمته ، وتميزوا عن سائر الخلق بهذا الاجتباء والفضل والنعمة ، وثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم مما علمه من هبة الله تعالى لهم ، وواهم من اعتقد أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم ليس على التعيين ، مثل ما وهم أهل الحديث حين ظنوا بأنفسهم أنهم الغرباء ، ومثل ما وهم أهل الشام حين اعتقدوا أنهم هم الطائفة المنصورة ، كما قاسمهم أهل الحديث هذا الادعاء أيضاً ، والمتشبع بما لم يعطَ يبقى أبداً كلابس ثوبي زور .
والحق الذي لا مرية فيه أن هـؤلاء العباد الأولياء أصحاب البشرى ، هم الغرباء والطائفة المنصورة الناجية التي لا تزال تقاتل أعداء الله تعالى من ابتداء تمكينهم بإذن الله إلى أن يقاتل آخرهم الدجال .
والعجب في أهل الشام أنهم ادعوا هذا أو رَجَوا ذلك ، والواقع يكذب دعواهم أو رجاءهم ذاك ، فأولهم قاتل علي وآخرهم أفناهم بنو العباس وقتلوهم شر قتله .
وأما أهل الحديث فما عرفوا بمجموعهم بقتال ولا ظهور على الأعداء ، بل انتهى الأمر بالمتأخرين الذين يدعون أنهم من أهل الحديث وليسوا كذلك :
أولاً : لأنهم لا إسناد لهم فضلاً عن أن يعرفوا بطلب الحديث .
وثانياً : هم اليوم من أضل خلق الله تعالى ، وأبداً تجدهم أذناباً للسلاطين ورؤوساً في الفتن والعياذ بالله ، والأقطع منهم أشر .
وقد انتهى الأمر بهؤلاء إلى الذلة والهوان على فسقة الملة ومنافقي الأمة ، فأين الظهور ؟ وأين المكنة ؟ . فكيف يكون أمثال هؤلاء من الطائفة المنصورة والفرقة الناجية ! .
أما أولئك العباد الأولياء فقد نص القرآن على صفاتهم فقال تعالى فيهم : ﴿ لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حَاد الله ورسوله ولو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ﴾(276)وقال عنهم في صدر سورة البقرة :﴿ الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . والذين يؤمنون بما أُنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون . أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ﴾(277)والقول بأن هذه الآيات فيهم ليس هو من القول بغير علم ، بل المعتقد أن الروح الوارد ذكرها في آية سورة المجادلة ليست هي الروح التي ينصر بها عباد الله آخر الزمان هو القائل على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم ولا كتاب منير .
والرسول صلى الله عليه وسلم نص على خبر هذه الروح كما ورد في حديث عمر وأبي مالك الأشعري ، وجاء خبرها عند أهل الكتاب على ما بينت سابقاً ، وهي مراد اليهود عندما سألوا الرسول عن الروح ، والله عز وجل أكد في هذه الآيات على إيمان هؤلاء وفلاحهم ، وأما في سورة المجادلة فأثبت لهم الإيمان بنفي موالاة من يحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، كما أثنى على إيمانهم في أول سورة البقرة ، وبين أنه إيمان بالغيب وبما أنزل الله على رُسُلِه ، مثل ما أكد على إيمانهم في سورة يونس وجعل لهم البشرى .
ويكفي في بيان إيمـان هؤلاء ودرجته أن الله قضى بكتابته في قلوبهم ، وهذا أيضاً مندرج في عـداد كلمات الله المكتوبة التي لا تبديل لها ، واختلف في المراد بكتبَ هنا ، والحق إن شاء الله تعالى أن المراد : قدر وقضى إيمانهم شرعاً وقدراً ، وأن إيمانهم كائن منهم لا باعتبار أثر تعلق إرادتهـم الخاصة بل بتعلق إرادة الله الخاصة والمقدرة لوجودهم شرعاً وقدراً ، ولهذا أضاف إيمانهم لكتابته سبحانه ، ومن تعذر عليه إدراك المعنى المراد في حقيقة هذا الإيمان ، فما عليه إلا إعمال الفكر وترديد النظر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة ) رواه أحمد وابن ماجة(278). وفيه دليل على خصوصية الهداية وإرادة الاجتباء ، وهي إرادة مقدرة بوقت معلوم ، يتجلى أثرها على شخص معين مجتبى في ذلك الوقت المعلوم ، ولا مدخل لإرادة البشر في هذا كله . هذا هو الوجه في كتابة الإيمان ، فافهم .
وقد اضطربت أقوال الناس في جملة أحاديث وردت في خبر هذا الإيمان وأصحابه ، واجتهد بعضهم في تأويلها ، وكلها جارية على هذا الأصل المقرر هنا وهو : أنهم قوم آمنوا بالله ورسوله ونالوا بفضل من الله منزلة عظيمة خصهم الله بها من دون سائر الأولياء ، ويكون وجودهم آخر الزمان ، ينصرون بالروح التي هي البشرى .
ومن الأحاديث الواردة في ذكر هؤلاء ما رواه مالك ومسلم في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوماً : ( وددت أنا قد رأينا إخواننا ) قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال : ( أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد ) . وروي عن ثابت عن أنس بن مالك عن رسول الله أنه قال : ( متى ألقى إخواني ؟ ) قالوا : أولسنا إخوانك ؟ قال : ( بل أنتم أصحابي ، وإخواني الذين آمنوا بي ولم يروني )(279). وعن خالد بن دريك عن ابن محيريز قال : قلت لأبي جمعة رجل من الصحابة حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله . فقال : نعم أحدثك حديثاً جيداً ، تغدينا مع رسول الله ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقال يا رسول الله : أحد خير منا ، أسلمنا وجاهدنا معك ؟ قال : ( نعم ، قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني ) رواه الدارمي في سننه في فضل آخر هذه الأمة ، ورواه أحمد وابن سعد وغيرهم(280). وهو حديث صحيح صريح في خيرية هؤلاء وفضلهم على سائر أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد أفاد حديث أبي جمعة عن سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخيرية في الأمة وجود أبو عبيدة ومعاذ بن جبل وهما مما لا يخفى فضلهما وسابقتهما بالهجرة والجهاد ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابن الجراح من المبشرين بالجنة ، قاتل ومعاذ في معركة بدر ، وقد علم فضل أهل بدر ، كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم : ( فلعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )(281). ومع هذا حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل هناك خير منا ؟ قال : ( نعم ) وهذا دال على عظيم منزلة هؤلاء ، ومما يكفي في بيان فضلهم أنهم أعظم إيماناً وأجراً ويغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانهم عند الله تعالى(282).
واجتهد بعضهم القول على حمل معنى الخيرية الواردة في الحديث على الأجر دون التفضيل ، مع أنه ظاهر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث ، وادعـوا بأنه لا يلزم من ثبوت زيادة الأجر في بعض الأعمال ثبوت الفضيلة المطلقة ، وهو اختيار ابن تيمية والنووي والعلائي وابن حجر والسيوطي(283). ورجح العلائي وابن حجر(284) لنصرة ما ذهبوا إليه رواية معاوية بن صالح لهذا الحديث عن صالح بن جبير قال : قدم علينا أبو جمعة الأنصاري فقال : كنا مع رسول الله ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة فقلنا : يا رسول الله هل من أحد أعظم منا أجراً ؟ آمنا بك واتبعناك ، فقال : ( وما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء ؟ بل قوم يأتون من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين فيؤمنون به ويعملون بما فيه ، أولئك أعظم منكم أجراً )(285). قال العلائي : وحديث أبي جمعة لم تتفق الروايات فيه على لفظ : ( هل أحد خير منا ) ومعاوية بن صالح أحفظ من أسيد بن عبد الرحمن فروايته أرجح ، ويأول الحديث على بعض الأعمال التي يمكن وقوعها من الطائفتين دون ما اختص به الصدر الأول من الصحبة اهـ(286). وقال ابن حجر إتباعاً لما قـرره شيخ شيوخه : حديث أبي جمعة لم تتفق الرواة على لفظه ، فرواه بعضهم بلفظ الخيرية ، وبعضهم بتعظيم الأجر ، والحديث أخرجه الطبراني وإسناد هذه الرواية ـ يريد رواية معاوية بن صالح ـ أقوى من إسناد المتقدمة وهي توافق حديث أبي ثعلبة اهـ . وسيأتي لاحقاً الكلام على حديث أبي ثعلبة .
وهذا ما بلغه هؤلاء اجتهاداً في تأويل بعض الأحاديث الواردة في ترجيح فضل من يأتي آخـر الزمان على الصحابة ، كحديث : ( أمتي كالمطر ) . وحديث أبي ثعلبة : ( للعامل منهم أجر خمسين رجلاً منكم ) . وحديث : ( وددت أنَّا قد رأينا إخواننا ) . وغيره مما ورد في فضلهم ، ويرد على من تأول أو أَعَلَّ بعض هذه الأحاديث من عدة أوجه :
الوجه الأول : أن حديث أبي جمعة برواية أسيد أصح من رواية معاوية بن صالح ، اعتمدها الدارمي وأحمد وابن سعد ، ورواها أحمد والحاكم من وجه آخر ، قال الحاكم : صحيح ووافقه الذهبي(287). ولم ينفرد أسيد بلفظ التفضيل فقد تابعه مرزوق بن نافع عن صالح بن جبير عن أبي جمعة قال : قلنا يا رسول الله ، هل أحد خير منا ؟ . قال : ( نعم ، قوم يجيئون من بعدكم ، فيجدون كتاباً بين لوحين يؤمنون بما فيه ، ويؤمنون بي ولم يروني )(288). وقد أسرف العلائي في تخطئة أسيد بن عبد الرحمن في هذا الحديث ، وترجيحه لرواية معاوية بن صالح على أنه أحفظ من أسيد ، وهذا القول ليس بشيء عند التحقيق ، وما غر العلائي ودعاه لهذا ، هو الاختلاف على الأوزاعي في رواية أسيد ، وأسيد وثقه يعقوب بن سفيان وابن شاهين وابن حبان ، وهو مقل في الرواية ، ولا أدري كيف يجزم العلائي بوهم أسيد وهو مقل بالرواية ولم يسبقه أحـد على هذا القول . وأما الاختلاف على الأوزاعي في هذا الحديث ، وهو ما دعى الحافظ ابن حجر لترجيح رواية معاوية ، هو اختلاف لا يضر على الصحيح لجواز سماع أسيد الحديث من خالد بن دريك وصالح ، فقد رواه عن الأوزاعي عن أسيد عن صالح ، عبد القدوس بن الحجاج وبشر بن بشر وإسماعيل بن عبد الله وعبد الله بن كثير الدمشقي ، ورواه عن الأوزاعي عن أسيد عن خالد بن دريك عن ابن محيريز أبو المغيرة ومحمد بن مصعب ويحي بن عبد الله البابلتي ، ذكر هذا عنهم الأمير الحافظ علي بن ماكولا وقال : وليس هذه الرواية مما يفسد الحديث لأنه يجوز أن يكون أسيد سمعه من خالد بن دريك وسمعه أيضاً من صالح اهـ(289). وإذا لم يكن ما في مسند أحمد خطأ فهو حينئذ يروى عندهم على الوجهين ، فقد رواه أحمد في المسند عن أبي المغيرة من هذين الوجهين(290). واعتمد ابن ماكولا في إسناد هذا الحديث من طريق الأوزاعي عن أسيد عن صالح ، أن صالحاً هذا هو ابن محمد بن زائدة المعروف بأبي واقد الليثي ، وهذا على خلاف ما ذهب إليه ابن عساكر إذ ذكر أن الأوزاعي روى عن أسيد هذا الحديث عن صالح بن محمد ، فقال ابن عساكر : فسمى أباه محمدا ، والصواب هو جبير ، نقله عنه ابن حجر في تهذيب التهذيب .
قلت : والذي في مسند أحمد وأبي يعلى ومستدرك الحاكم صالح بن محمد ، ولعل هذا الاختلاف هو الذي دعى ابن عبد البر لعدم ذكر حديث الأوزاعي ، وهو أكثر من توسع في بسط هذه المسألة ، واستند لما ذهب إليه إلى حديث صالح بن جبير من طريق مرزوق بن نافع وجملة أحاديث ليس منها حديث الأوزاعي . قال الإمام أحمد : صالح بن محمد ، ما أرى به بأساً . وقال الحاكم : حديثه ليس بالقائم اهـ . مع أنه صحح حديثه في المستدرك .
والحاصل أن هذا الحديث صحيح من طريق الأوزاعي عن أسيد عن خالد عن ابن محيريز عن أبي جمعة ويشهد له حديث مرزوق بن نافع عن صالح بن جبير أو ابن محمد . والله أعلم .
والوجه الثاني : قولهم أن زيادة الأجر لا تستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة ، وأن الأجر إنما يكون تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل الذي ترتب الأجر عليه لا في غيره مـن الأعمال ، وفسر هذا العلائي بقوله : فيكون عمل المؤمن في آخر الزمان من قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك أرجح مما يترتب على مثل ذلك العمل من الصدر الأول ، وأما الذي فاز به الصحابة من صحبة النبي والجهاد بين يديه ، فإنه لا يتفق مثله لأحد ممن بعدهم قطعاً فلا يقع التفاضل فيه فيبقى لهم من غير مشاركة لهم في مثله ، وبه استقرت الفضيلة لهم على من بعدهم ، فهذا أشد ما يجاب به عن هذا الحديث اهـ(291). يريد حديث أبي ثعلبة الخشني قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : ﴿ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ﴾ فقال : ( ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حـتى إذا رأيت شحاً مطاعاً ، وهوى متبعاً ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت أمـراً لا يدان لك به ـ أو قال : لا يد لك به ـ فعليك بنفسك ودع العوام ، فإن من ورائهم أيام الصبر ، الصبر فيهن مثل قبض على الجمر ، للعامل منهم أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله ) . قال أبو عمر ابن عبد البر : وللحديث تتمة وهي قوله : قيل يا رسول الله منهم ؟ قال : ( بل منكم ) . وهذه اللفظة : ( بل منكم ) سكت عنها بعض رواة الحديث(292).
وقبل التعليق على فوائد هذا الحديث العظيم الجليل ، الذي تحقق تأويله إنما هو في زماننا ، والخطاب في الآية إنما وجه لهؤلاء الأولياء إخوان النبي الذين وردت في فضلهم الأحاديث السابقة واللاحقة ، أقول : أنه مع تأويلهم المذكور في تفاضل الأجر لا يستقيم لهم هذا الاستدلال أيضاً ، إذ أن حقيقة التفاضل بالأجر دليل على التفاضل بالمنزلة والمكانة ، ويدل على هذا قوله تعالى : ﴿ لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ﴾(293)والآية صريحة في اعتبار الإنفاق والقتال قبل الفتح أعظم درجة ، وهذا دال على أن التفاضل بالأعمال تفاضل بالدرجة ، والآيـة نصت على الإنفاق بعد الفتح والقتال ليس كقبله ، وهو حكم في حق الصحابة ومن بعدهم إلى زمن أولياء الله تعالى إخوان النبي صلى الله عليه وسلم ، الذين تستثنى حالهم عما سبقهم من الصحابة ومن غير الصحابة ، من عموم الآية بنص حديث أبي ثعلبة الخشني وحديث معاوية بن صالح على قول من ذكرنا . ويصبح تفاضل أعمالهـم مع الصحابة دال على عظم المنزلة والدرجة ، ولولا هذا لم يستثنهم النبي صلى الله عليه وسلم من عموم الآية ، وهذا الاستثناء بعينه من عموم الآية الدليل على الخيرية المطلقة لهؤلاء .
ودعواهم أن التفاضل في بعض الأعمال دون بعض لا يسلم ، إذ أن من الشواهد لحديث أبي ثعلبة فيه ، ما يشعر أن التفاضل على اعتبار الدين كله ، ففي حديث عتبة بن غزوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن من ورائكم أيام الصبر ، المتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه له كأجر خمسين منكم ) قالوا : يا نبي الله أو منهم ؟ قال : ( لا ، بل منكم ) ثلاث مرات أو أربع(294). والصحابة ما سألوا أن يكون التفاضل مقصورا على من يأتي بعدهم إلا لإدراك أن هذا دال على الخيرية .
وأما القول بأن مجرد المشاهدة والمصاحبة مانعة للمفاضلة ، فهذه دعوى مجردة من البرهان يعارضها ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيرية غير الصحابة على الصحابة ، ولا مدخل للرأي في مثل هذا فيصار لما ثبت عنه عليه السلام .
ومن فوائد حديث أبي ثعلبة أن تأويل الآية إنما يكون في زمان أولياء الله الذين وردت في ذكرهم هذه الأخبار ، وأنهم أمروا عند كثرة الفتن والاختلاف والشرور بالعناية بالنفس والخاصة ، وترك العامة ، وهذه الآية والحديث أصل للاعتزال في آخر الزمان عند وقوع الفتن ، وكل ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كما فصلت في هذا الكتاب مندرج تحت هذا الأصل وأُشير لهذا الأصل فيما نسب لزبور داود عليه السلام في قوله : لا تغر من الأشرار ولا تحسد عمال الإثم فإنهم مثل الحشيش سريعاً يقطعون ومثل العشب الأخضر يذبلون . اتكل على الرب وافعل الخير . أسكن الأرض وارع الأمانة . وتلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك . سلم للرب طريقك واتكل عليه وهو يجـري ويخرج مثل النور برك وحقك مثل الظهيرة . انتظر الرب واصبر له ولا تغر من الذي ينجح في طريقه من الرجل المجري مكايد . كف عن الغضب واترك السخط ولا تغر لفعل الشر . لأن عاملي الشر يقطعون والذين ينتظرون الرب هـم يرثون الأرض !!. بعد قليل ! لا يكون الشر . تطلع في مكانه فلا يكون . أما الودعاء فيرثون الأرض !! ويتلذذون في كثرة السلامة !(295).
وحديث أبي ثعلبة أبان عن الحال التي يجب أن يكون عليها هؤلاء الأولياء ، ووصف ما يكون عليه الناس في وقتهم ، واليوم الواقع الذي بلغه الناس شاهد لما أقول ومطابقته لما ورد في الحديث مطابقة غير خافية الشح مطاع والهوى متبع والدنيا مؤثرة والكل يقول رأيي رأيي حتى جعلهم الاختلاف شذر مذر . وهم في كل شيء يختلفون وأينما كانوا يتضادون ، وآخر صيحاتهم الرأي والرأي الآخر ! .
قال ابن عمرو : بينما نحن حول رسول الله إذ ذكر الفتنة ، فقال : ( إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وكانوا هكذا ـ وشبك بين أصابعه ) قال : فقمت إليه فقلت : كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك ؟ قال : ( الزم بيتك واملك عليك لسانك وخذ بما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامـة ) وفي رواية : ( عليك بنفسك وإياك وعامة الأمـور )(296). وعن أبي العالية قال : كان بين رجلين عند ابن مسعود ما كان بين الناس حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه ، فقال رجل لإبن مسعود : لو قمت إلى هاذين وأمرتهما ونهيتهما . فقال رجل : عليك بنفسك ، قال الله عـز وجـل : ﴿ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ..﴾ الآية . فسمع ذلك ابن مسعود ، فقال : لم يجيء تأويل هذه الآية بعد ، إن القرآن نزل على النبي منه آي مضى تأويلهن عند نزوله ، ومنه آي وقع تأويلهن على عهد رسول الله ، ومنه آي يقع تأويلهن عند الساعة ، وما ذكر من أمر الساعة ، ومن آي يقع تأويلهن يوم القيامة في الجنة والنار والحساب والميزان ، فما دامت قلوبكم واحدة ، وأهوائكم واحـدة ، لم يلبسكم شيعاً ، ولم يذق بعضكم بأس بعض ، فأمروا ، وإذا اختلفت قلوبكم وأهواؤكم ، وألبسكم شيعاً وأذاق بعضكم بأس بعض ، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية ، فامرؤٌ ونفسه(297). رحم الله ابن مسعود ما أحسن كلامه وأجزله ، وما أحوج الناس اليوم لإدراك حقائق هذه الحكم والعبر في كلام هذا الصحابي الجليل ، الذي ما إن أدركه شيء من خلاف الناس حتى عاد راجعاً إلى المدينة وهو يقول : إني سمعت رسول الله يقول : ( يأرز الإسلام إلى المدينة ) سأترككم والفتنة وآرز إلى بلدي ومعي ديني (298).
وانظر أخي المؤمن إلى حال الناس اليوم ، فالقلوب والأهواء مختلفة كما ذكر هذا الصحابي ، وانظر كيف أن الله ألبسهم شيعاً وأحزاباً ، والكل فرح بما عنده ، وأذاقوا بعضهم بأس بعض .
قال عثمان رضي الله عنه الإمام الشهيد : لن تجدوا أمة هلكت إلا من بعد أن تختلف فلا يكون لها إمام يجمعها ، ومتى ما تفعلوا ذلك لا تقوم الصلاة جميعاً ويسلط عليكم عدوكم ويستحل بعضكم حـرم بعض ، ومـتى تفعلوا ذلك تفرقوا دينكم وتكونوا شيعاً ، وقـرأ : ﴿ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئُهم بما كانوا يفعلون ﴾(299)اهـ(300). ويقيناً الناس هذه حالهـم اليوم كما وصف عثمان .
ومما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعيين زمن ترك الأمر والنهي حديث أنس : قيل يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قال : ( إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل قبلكم ) قالوا : وما ذاك ؟ قال : ( إذا ظهر الإدهان في خياركم والفاحشة في شراركم وتحـول الملك في صغاركم والفقه في أراذلكـم )(301). وعن حذيفة مثله وزاد قوله : ( وعند ذلك تلبسكم فتنة تكرون ويكر عليكم )(302). وقيل لسفيان الثوري في رجل يستطيل على آخر ، يا أبا عبد الله : أما ترى أما تأمر ذا ، فقال : اسكت فقد فاض البحر !(303). وقال لرجل : إن استطعت أن لا تخالط في زمانك هذا أحداً فافعل(304). هذا وقد سبق نقل جملة من الأحاديث الدالة على الوقت الذي تقع فيه الفتن ويعم فيه الشر ولا يكون للمؤمنين جماعة ولا قدرة على التغيير ، وأمروا عندها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة بهم باعتزال الشر وأهل الشر في زمانهم ، إلى أن يأتي الله تعالى بأمر من عنده فيجمع صفهم ويوحد كلمتهم ، ومن هذه الأحاديث ما روي عن ابن مسعود قوله : إذا شرفوا البناء وجاروا في الحكم وقبلوا الرشا فالنجاة النجاة ، تأخذ حلساً من أحلاس بيتك فتلبسه وتكف لسانك ويدك(305). وفي هذا كما قلت تعيين للوقت الذي يترك فيه الأمر والنهي كما في حديث أبي ثعلبة الخشني وابن عمرو وغيرهم ، وجعل إشادة البنيان والجور في الحكم علامة للزمن الذي يترك فيه هذا الواجب ، وهو زماننا ولاشك في هذا لمن أمعن النظر واعتبر مفهوم هذه الأحاديث كلها .
وها هو التطاول في البنيان كما هو مشاهد وهذا الجور والظلم المستشري في كل الأرض غير خافي على أحد ، وكل هذا علامات دالة على وجوب الاعتزال وترك العامة وعامة أمورهم كما تقرر بموجب كل تلك الأدلة المنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته ، وفيما نقلته هنا عنهم في تقرير هذه الحقيقة الشرعية مقنع لكل راشد سالم القلب ، ثم لينظر المؤمن لنفسه حظاً من وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره عسى أن يسلم من بلاء وشر هذا الزمن ، ويكون في زمرة أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، إخوان النبي الذين آمنوا به حقاً ، الذين يعقبون هذا الشر والبلاء فيقيم الله بهم الحق ، ويعود بهم الدين جذعاً .
وبهذا يتضح صحة القول بوجوب الاعتزال عن الناس وشرهم في هذا الزمان ، لما في ذلك من خير وصلاح للمرء وخاصته ، وما في خلافه من تلف وفساد ، وهذا مشاهد ، فإنهم ما داخلوا عامة الناس وأمورهم ولو بحجة الإصلاح والتغيير إلا وبان عليهم الفساد ، وهل أهلك هؤلاء إلا ذاك الإصلاح وإرادة التغيير ، روي عن أبي أمامة الباهلي عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( إذا رأيتم أمراً لا تستطيعون تغييره فاصبروا حتى يكون الله الذي يغيره )(306). وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سترون أموراً تنكرونها ، فعليكم بالصبر ، ولا تغيروا ولا تقولوا نغير ، حتى يكون الله تعالى هو المغير(307)(308). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يأتي على الناس زمان يخير الرجل فيه بين العجز والفجور ، فمن أدرك ذلك ، فليختر العجز على الفجور )(309). وعن ابن مسعود وقيل له حين حصل خلاف أهل الشر على عثمان رضوان الله تعالى عليه : أخرج نخرج معك ، فقال لإن أزاول جبلاً راسياً أهونُ علي من أن أزاول ملكاً مؤجلا(310).
وكل ما يجري الآن ممن سفه نفسه وارتكس عقله في بحار الجهل والغفلة ، من نهب وقتل وهتك أعراض باسم الدين هو جهل وضلال ، وأصحابه متنكبون لصراط الذين أُنعِمَ عليهم ، كما أن أهل الجور والظلم والفسق ضلال مراق كذلك ، وشفاء الأمة من دائهم إنما هو فيما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم لا بما ارتآه هؤلاء السفهاء المخابيل ، وما كان الله ليكلف نفساً إلا وسعها ، ويكفي المؤمن كراهة قلبه واستقامته وخاصة نفسه على الدين القويم ، وتجنب العامة وخاصتهم من الأعلام ، فإنهم في الهالكين ، وليحرص المؤمن أن لا يكون مع أحدهم ، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( لا يؤاخذ الله العامـة بعمل الخاصة حتى يعمل الخاصة عملاً تستطيع العامة أن تغيره فلا تغيره ، فذاك حين يأذن الله في هلاك العامة والخاصة )(311) .
الوجه الثالث : أن هناك ما يعارض قدح العلائي بأسيد بن عبدالرحمن ، ما هو أقدح في صحة ما رجحه ، فإن الرواية الراجحة على اختياره مروية من طريق عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح ، وعبد الله بن صالح كاتب الليث هذا تكلموا فيه ، ومما نقموا عليه كما ذكر النسائي قال : حدث أبو صالح كاتب الليث عن نافع بن يزيد عن زهرة عن سعيد عن جابر عن رسول الله أنه قال : ( إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين ) حديث بطوله موضوع اهـ(312). وراوي مثل هذا لا يؤمن على لفظ الحديث المتنازع عليه ، وأيضاً شيخـه معاوية بن صالح صاحب الرواية التي رجحها العلائي وابن حجر ، له أيضاً رواية من طريق أبي الوازع عن عبد الله بن بسر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليدركن الدجال من رآني ) . وروي مثله من غير هذا الوجه عن أبي عبيدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه ذكر التفضيل على الصحابة ويعد من الشواهد للفظ حديث أسيد المرجوح عند من ذكرت ، وإن كان حديثاً واحداً أعني حديث عبد الله بن بسر وحديث أبي عبيدة ، إلا أنه اختصر لفظه من طريق معاوية بن صالح ، فهذه قرينة تضعف أيضاً ترجيحهم لروايته تلك ، إلا أن هذا يبقى من التخمين الذي لا يعتمد حتى تأتي الرواية من وجه آخر يثبت من خلالها وقوع هذا الاختصار والحذف . وسيأتي ذكر حديث أبي عبيدة تاماً في الوجه التالي .
الوجه الرابع : جاء عن أبي الوازع عن عبد الله بن بسر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليدركن الدجال من رآني ) . قال الذهبي رحمه الله تعالى : أبو الوازع لا يعرف والحديث منكر . وتعقبه ابن كثير بقوله : حديث أبي عبيدة شاهد له اهـ(313). وحديث أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه رواه أبو داود وأبو يعلى والترمذي والعقيلي من طريق حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن عبد الله بن سراقة عن أبي عبيدة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنه لم يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر الدجال قومه ، وإني أنذركموه ) فوضعه ، وقال : ( لعله سيدركه من قد رآني وسمع كلامي ) . قالوا : يا رسول الله كيف قلوبنا يومئذ ؟ أمثلها اليوم ؟ قال : ( أو خير ) قال الترمذي : حديث حسن غريب من حديث أبي عبيدة . والحديث رواه أبو يعلى والترمذي من طريق عبد الله بن معاوية عن حماد(314). ورواه أبو داود والعقيلي من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد(315). وجميعهم اتفقوا على هذا اللفظ ما عدى الترمذي تلاعب في لفظ الحديث ، وقريباً منه ما روي عن شعبة(316). وهو لفظ باطل يجعل قوله : ( مثلها اليوم أو خير ) جواباً لكيف ، وهذا لا يجوز لأنه على الشك . والمتلاعب بهذا اللفظ لم يدرك حقيقة المعنى الذي صار إليه ، ففر من محذور ووقع بما هو أكبر . ورواية أبي يعلى فيها : ( أو خير ) وهي الأصل ، وحذفت الهمزة عند الأكثر لكثرة استعمالها ، وأو بالحـديث هنا بمعنى الواو ، مثل قوله تعالى : ﴿ فأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ﴾(317) أي ويزيدون . ويكون على هذا المعنى في الحديث أن قلوب من يدرك الدجال مثل قلوب الصحابة وأخير . وهذا كما لا يخفى فيه تفضيل على الصحابة في القلوب وهي محل الإيمان وأصله ، وفي هذا أبلغ شهادة في أن التفضيل ليس في الأعمال فقط .
ومن التنبيهات المهمة على حديث أبي عبيدة في الدجال ، هو أنه كما يشهد للمفاضلة أنها في الخيرية ، كذلك فيه شهادة لما سبق تقريره في المعنى المراد من الروح الوارد ذكرها في آية سورة الإسراء والمجادلة ، وحديث أبي مالك الأشعري وعمر وما ورد في أسفار أنبياء بني إسرائيل ، من أن الروح المراد بها الرؤى التي تكون آخر الزمان ، فيها هداية المهدي وتعيينه ، ويعد هذا التنبيه من جملة الشواهد المقررة من الكتاب والسنة على أن هداية المهدي إنما تكون بالرؤيا المنامية المدلول على صحتها بالشواهد الحسية المتواترة الدلالة ، مثل ما تحقق تواتر الرؤى المنامية كذلك على ما أشرت إليه سابقاً ، وبالأخص رؤية المصطفى عليه السلام التي لا تكون إلا حقاً(318).
ووجه هذه الشهادة في الحديث من قوله : ( سيدركه من قد رآني وسمع كلامي ) وهذا خبر عظيم لمن عقل ، وبشارة كبيرة للطائفة المنصورة بإذن الله تعالى ، تؤنس بها وحدتهم ، وتقوى بها أنفسهم في غربتهم ، في رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، وتعليم الله تعالى لهم من خلال مثاله الذي سيكون لهم سبيل هداية ورشاد ، يوفق الله به جماعة الإيمان إلى ما ينالون به أرفع الدرجات ، ومثل ما هدى الله به الجيل الأول في ابتداء الإسلام ، سيهدي الله بمثاله الجيل الأخير ، فهو بركة من الله تعالى في الأولين والآخرين عليه السلام ، وإلى هذا كان يرمي بقوله عليه السلام : ( لا يدري أولها خير أم آخرها ) تفسيره أنه في أولها حقيقة وفي آخرها مثال ، قال تعالى في بركة إسماعيل : ﴿ وفدينه بذبح عظيم . وتركنا عليه في الآخرين . سلام على إبراهيم . كذلك نجزي المحسنين ﴾(319)وهذه بركة ابن إسماعيل في الآخرين .
وإمكان رؤيته بالمنام أثبتها الشرع ، كما أن خروج الدجال متيقن أنه آخر الزمان ، وعلى هذا لا يمكن شرعاً ولا عقلاً إلا رؤيته بالمنام ، فثبت بهذا ما تقرر في الكتاب من اختصاص المهدي بالرؤيا الخاصة لهدايته وهى البشرى الوارد ذكرها بآية سورة يونس ، وإطلاق المصطفى عليه الصلاة والسلام الكلام في هذا الخبر عن رؤيته وتكليمه من غير تقييد ذلك في المنام لهو أدل شيء على تعظيم شأن تلك الرؤى الخاصة ! حتى أجراها على الظاهر من غير تقييد .
أقول كذلك لعل هذا ما جعل الصحابة يعتقدون خروج الدجال في جيلهم حتى إنهم اعتقدوا أن الذي يقتله الدجال ما هو إلا عمر ، كما روي هذا عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنه يسلط على نفس واحدة يقتلها ثم يحييها فيقول : ألست بربك ؟ فيقول ما كنت في نفسي أكذب منك الساعة ) قال : فما كنا نرى إلا أنه عمر بن الخطاب حتى مات ! . وفي رواية : والله ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر حتى مضى لسبيله . وذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أن ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة )(320). وعلى هذا فالحديث فيه منقبة عظيمة لأولياء الله تعالى آخر الزمان ، وهي رؤيته عليه السلام والتلقي عن طريق مثاله وحي الله سبحانه ، وهذا المثال هو الروح التي يتحاب بها الأولياء آخر الزمان يؤيدهم الله بها في غربتهم وضعفهم ، وهي من خصائص هؤلاء ، ومن أظهر الحقائق الشرعية الدالة عليهم ، في جملة مناقب عدة لهؤلاء سأختم هذا الفصل بذكرها مجموعة إن شاء الله تعالى .
الوجه الخامس : ومما ورد في تفضيل من يأتي آخر الأمة على أولها إنما هو على سبيل المفاضلة المطلقة ، ما رواه ابن أبي شيبة قال : حدثنا أبو أسامة عن عوف عن محمد بن سيرين قال : يكون في هذه الأمة خليفة لا يفضل عليه أبو بكر ولا عمر(321). وابن سيرين رحمه الله من خيرة أتباع الصحابة ومن أكثرهم علماً وورعاً ، وما كان ليقول هذا من تلقاء نفسه ، وفي قوله هذا ما يفيد أن خيرية من يكون آخر الأمة لا يفضل عليها خيرية أبي بكر وعمر ، وهذا الاعتقاد على خلاف ما رجحه هؤلاء ، وقول ابن سيرين هذا في المهدي وهو رأس الأمة في آخر الزمان يفيد بأن الخيرية راجعة إليه وإلى دعوته وجهاده ، ولا يمنع أن ينال معه هذا الفضل ثلة ممن سيلحق به من عباد الله الصالحين وأوليائه المتقين ، وروى نعيم بن حماد عن ضمرة عن ابن شوذب عن ابن سيرين أنه ذكر فتنة تكون ، فقال : إذا كان ذلك فاجلسوا في بيوتكم حتى تسمعوا على الناس بخير من أبي بكر وعمر . قيل : يا أبا بكر ! خير من أبي بكر وعمر ؟ قال : قد كان يفضل على بعض الأنبياء(322). ورواه نعيم عن ابن سيرين من وجه آخـر ، وقيل له : المهدي خير أو أبو بكر وعمر ؟ قال : هو خير منهما ، ويعدل بنبي !(323). قال السيوطي : رواية ابن أبي شيبة إسنادها صحيح ولفظها أخف من اللفظ الأول ـ يريد ما ذكره نعيم وأبو نعيم في الأربعين وهو المذكور هنا ـ والأوجه عندي تأويل اللفظين على ما أول عليه حديث : ( بل أجر خمسين منكم ) لشدة الفتن في زمان المهدي ، وتمالؤ الروم بأسرها عليه ، ومحاصرة الدجال له ، وليس المراد بهذا التفضيل الراجع إلى زيادة الثواب والرفعة عند الله ، فالأحاديث الصحيحة والإجماع على أن أبا بكر وعمر أفضل الخلق بعد النبيين والمرسلين(324).
قلت : لا مدخل للرأي والإجماع بمثل هذا حتى يحتاج إلى تأويل النصوص من أجله ، وإنما الحاجة في مثل هذا الاعتقاد لثبوت النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدمه ، لا تأويله وإبطاله وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إطلاقه الخيرية والرفعة للمتأخرين على الأولين ، فيجب الانتهاء إلى مـا انتهى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أخص مما ورد في عموم الصحابة ، وسبق وأن نقلت بعض تلك الأحاديث ، وأضيف إليها هنا ما رواه أرطأة عن عبد الرحمن بن جبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليدركن عيسى رجال من أمتي هم مثلكم ، أو خيرهم مثلكم ، أو خير )(325). هكذا اللفظ عند نعيم بن حماد على الشك ، وكما أسلفت القول ؛ لا يصح أن يكون الشك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا إنما هو من تصرف بعض الرواة ، وإيراد ذكـر الخيرية هنا يدل على أن لهذا أصلاً من كـلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابن جبير تابعي ثقة قال المناوي في تعليقه على هـذا الأثـر : رواه ابن أبي شيبة مـن حـديث عبد الرحمن بن جبير ، وقال ابن حجر إسناده حسن اهـ(326). وذكـره السيوطي في الجامع عن جبير ابن نفير وصححه ، ولفظه : ( ليدركن الدجال قوماً مثلكم أو خيراً منكم )(327). وكل هذه الروايات عن الصحابة والتابعين في التفضيل تروى من غير أن يذكر عنهم الطعن فيها أو تأويلها كما تأولها من ذكرت ، ما يدل على التسليم بما فيها ، بل إن ابن سيرين يفتي بما نقل عنه آنفاً ، وكل هذا دال على التصديق والتسليم من هؤلاء ، وكيف ينكرون ذلك وبعضهم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الناس بما يكون بعده ، وما رواه ابن أبي شيبة عن عوف عن ابن سيرين ، روي من وجه آخر عن عوف عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رواه مؤمل الثقفي عن عوف به(328).
وأكثر من بسط هذه المسألة في المتأخرين وأطنب في التعليق عليها ابن عبد البر ، بعد أن أتى على جملة أحاديث في فضل آخر هذه الأمة ، فقال : قد عارض قوم هذه الأحاديث بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم قوله : ( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) . وليس ذلك عندي بمعارض ، لأنه ليس على عمومه ، بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول ، وقد جمع قرنه مع السابقين من المهاجرين والأنصار ، جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان ، وأهل الكبائر الذين أقـام عليهم أو على بعضهم الحدود . وقال عمر في قوله عز وجل : ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ﴾ قال : من فعل مثل فعلهم كان مثلهم .
وقال ابن عباس في الآية : هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وشهدوا بدر والحديبية . وهذا كله يشهد أن خير قرنه فضلاً أصحابه ، وأن قوله : خير الناس قرني ، أنه لفظ خـرج على العموم ومعناه الخصوص ، وقد قيل : إنما صار أول هذه الأمة خير القرون لأنهم آمنوا حين كفر الناس ، وصدقوه حين كذبه الناس ، وعزروه ونصروه وآووه وواسوه بأموالهم وأنفسهم ، وقاتلوا غيرهم على كفرهم ، حتى أدخلوهم في الإسلام ، وقد قيل في توجيه أحاديث الباب مع قوله : ( خير الناس قرني ) أن قرنه إنما فضل لأنهم كانوا غرباء في إيمانهم ، لكثرة الكفار ، وصبرهم على أذاهم ، وتمسكهم بدينهم ، وأن آخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين وتمسكوا به ، وصبروا على طاعة الله في حين ظهور الشر والفسق والهرج والمعاصي ، والكبائر ، كانوا عند ذلك أيضاً غرباء ، وزكت أعمالهم في ذلك الزمن ، كما زكت أعمال أوائلهم ، ومما يشهد لهذا قوله عليه السلام : ( إن الإسلام بدأ غريباً ، وسيعود غريباً ، فطوبى للغرباء ) . ويشهد له حديث أبي ثعلبة وتقدم ذكره ، ويشهد له قوله : ( أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره )(329). وقال فما تلك ، عبادة الله وإظهار دينه في ذلك الوقت ، أليس هـو كالقابض على الجمر لصبره على الذل والفاقة ، وإقامة الدين والسنة . وقال أيضاً : هذه الأحاديث تقتضي مع تواتر طرقها وحسنها التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها ، والمعنى في ذلك ما قدمنا ذكره من الإيمان والعمل الصالح في الزمن الفاسد الذي يرفع فيه العلم والدين من أهله ويكثر الفسق والهرج ، ويذل المؤمن ، ويعز الفاجر ، ويعود الدين غريباً كما بدأ ، ويكون القائم فيه بدينه كالقابض على الجمر ، فيستوي حينئذ أول هذه الأمة بآخرها في فضل العمل ، إلا أهل بدر والحديبية . وقال في الاستذكار تعليقاً على حديث أبي جمعة : فقد أخبر عليه السلام أن في آخر أمته من هو خير من بعض من صحبه اهـ(330). هكذا يتضح مذهب ابن عبد البر وبناؤه على أن المفاضلة إنما تقع بين بعض الصحابة وبين من يأتي آخر أمته ، وصرح باستثناء أهل بدر والحديبية . ويمنع صحة هذا القول وجود أبو عبيدة ومعاذ عند جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي جمعة .
قال المناوي : قول : ( خيركم قرني ) ظاهر الخبر أن صحبه أفضل من جميع من جاء بعدهم وعليه كثير ، لكن ذهب جمع منهم ابن عبد البر إلى أنه يمكن أن يكون فيمن بعدهم أفضل من بعضهم للخبر الحسن بل قيل الصحيح : ( مثل أمتي مثل المطر لا يدرى آخره خير أم أوله ) وانتصر للأول بما لا يخلوا عن تكلف ، وفي الأخذ بإطلاقه صعوبة ويبعد كل البعد القطع بأفضلية أعرابي جلف لم يحصل له إلا مجرد الرؤية ولم يخالط علماء الصحابة ، على مثل الأئمة الأربعة والسفيانين وأضرابهم اهـ(331). وقال موفق الدين ابن قدامه : نبينا أخبرنا أن في آخر الزمان تكثر البدع ، وتموت السنن ، ويغرب الدين ، وأنه يصير المعروف منكراً ، والمنكر معروفاً ، وأنه يقل أهل الحق ، إلا أنهم مع قلتهم لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله ، وأنه يعظم ثوابهم ، ويكثر أجرهم ، وشبه النبي الدين في آخره بأول ابتدائه في غربته وقلة أهله ، فقال عليه السلام : ( بدأ الدين غريباً ، وسيعود غـريباً كما بدأ ) ثم جمع بينهم في أن لهم طوبى ، فقال : ( فطوبى للغرباء ) ثم فضل المتأخرين في بعض الأخبار ، فقال : ( يأتي على الناس زمـان يكون للقائمين بالكتاب والسنة مثل أجر خمسين شهيداً ) قالوا : يا رسول الله منا أو منهم ؟ قال : ( منكم ) . وهذا فضل عظيم ، وذلك والله أعلم لعظم نفعهم ، وصعوبة الأمر عليهم ، وكثرة أعدائهم وتألبهم عليهم ، وقلة أنصارهم ، وقد جاء في خبر : ( يأتي على الناس زمان يكون المتمسك بدينه كالقابض على الجمر ) . فهذه الصعوبة هي الموجبة لذلك الأجر اهـ(332).
وقال الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني في شرحه لحديث افتراق الأمة إلى نيف وسبعين فرقة : وعندي على تقرير ذلك الجواب ، وأن زمن الافتراق والهلاك هو آخر الزمان ، وأنه لا يبعد في أن الفرقة الناجية هم الغرباء المشار إليهم في الحديث : ( بدأ الإسلام غريباً ، وسيعود غريباً ، فطوبى للغرباء ) . وهم المرادون بحديث : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خالفهم ، أو خذلهم ، حتى يأتي أمر الله ) . فهذه الأحاديث وما في معناها في وصف آخر الزمان وأهله ، قد دلت على أنه زمان كثرة الهالكين ! ، وقلة الناجين ! ، وأحاديث الغرباء قد دلت أوصافهم بأنهم هم الفرقة الناجية في ذلك الزمان ، وليسوا بفرقة مشار إليها كالأشعرية ، أو المعتزلة مثلاً ، بل هم : ( النزاع من القبائل ) كما في الحديث ، وهم متبعوا الرسول إتباعاً قولياً وفعلياً ، من أي فرقة كانت اهـ(333).
قلت : المتعين اعتقاده هو أن الطائفة المنصورة والغرباء والفرقة الناجية إنما هم أصحاب المهدي المخبر بخروجه آخر الزمان ، عندما يندرس الدين وتظهر الفتن ويكثر الهرج ، ويظهر الجور والفسق ، وتكثر البدع وأهلها ، عند ذلك يكون أمر المهدي ، ويبدأ الدين غريباً كما بدأ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غريباً أول أمره ، ويكون أهل الإيمان في زمانه مستضعفون من أهل الكفر والنفاق والفسق والبدع ، وتكون فرقته هي الناجية المنصورة من جميع الفرق ، ويدل على هذا حديث ابن عمر ، كما أن ظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يعود كما بدأ ) مشعر بأن المهدي إن كان صاحب دعوة لله سيقال عنه كما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أول دعوته بأنه مجنون ، وهـذا غير مستبعد أبداً ، ويدل عليه قول الناس الذين يغشاهم الدخـان : ﴿ أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسـول مبين . ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون ﴾(334)هذا على القول أن الدخان آخر الزمان ، فيقال له كما قيل لجده من قبله مجنون ، والمهدي من غير المستبعد شرعاً أن يقال له ذلك جرياً على سنة الأنبياء ، إلا أن يقال من المستبعد أن يكون داعية إلى سبيل ربه ، وهذا بعيد جداً ، ولا يعقل أن يكون هؤلاء الجهلة الحثالة دعاة إلى جهنم يجدون في سبيل إضلال الناس ، ثم يخرج هو من بينهم ويعادونه كما أشير لهذا ثم لا يكون ممن يدعو إلى سبيل ربه وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا محال شرعاً وعقلاً .
هذا وكل ما ورد من ثناء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزكية للغرباء والطائفة المنصورة الناجية إنما هو عائد على المهدي وحزبه الذي هو حزب الله عز وجل ، المقطوع له بالنصر والنجاة والتمكين ، وعداً من الله تعالى ، والله لا يخلف وعده .
وهذه جملة أحاديث وردت وفيها الثناء على المهدي وحزبه في آخر الزمان ، وهي وإن لم يرد التصريح فيها بوصفه الخاص به ، إلا أنها لا تحمل إلا عليه وعلى من معه من أولياء الله تعالى ، إذ هم حزب الله في آخر الزمان وما عداهم حزب الشيطان ، وتأويل البعض لهذه الأحاديث ، أو حملها على غير المهدي ومن معه ، لا يصح وهو قول باطل وادعاء زور ، ولا يصح بحال حملها على غيرهم ، إذ يلزم منه تفضيل غير المهدي ومن معه آخر الزمان على الصحابة على قولي ، أو على بعض الصحابة على قول من تقدم ذكره ، وهذا باطل من القول ومصادم لعموم ما ورد في الصحابة الكرام ، ولا يستثنى من هذا العموم في التفضيل إلا المهدي ومن معه من الأولياء ، ومن حمل الأحاديث على غيره فقد أخطأ خطأً عظيما ، والفضيلة المنصوص عليها لا تكون إلا للصحابة وللمؤمنين آخر الزمان وما عداهم فلهم ما لسائر المسلمين من غير اختصاص ولا استثناء ، لا لأهل الشام ولا لأهل الحديث ، وكل من تأول بعض الأخبار على هؤلاء أو هؤلاء فقد أخطأ ، وإنما لهم ما لعموم المسلمين لا يتميزون عن الآخرين بشيء ، وأما بخصوص الجيل الذي تدركه الفتن والهرج في آخر الزمان وما قبله فقد ورد فيهم الذم المطلق ، قال تعالى : ﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون . أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ﴾(335) قال أبو سعيد قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أكثر مـا أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض ؟ ) . قيل : وما بركات الأرض ؟ قال : ( زهرة الدنيا ) . رواه البخاري في الرقاق باب : ما يحذر من زهرة الدنيا ، والتنافس فيها . وروى رحمه الله في الباب حديث عمران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : (خيركم قرني ثم الذين يلونهم ) إلى قوله : ( ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن )(336). وروايته لهذا الحديث في هذا الباب من دقة فقهه رحمه الله ، إذ أن السمن إنما يفشو فيهم عندما تفتح عليهم زهرة الدنيا ، وهذا إنما يكون آخر الزمان عند كثرة الهرج والفتن كما دل على هذا حديث طلحة بن عمرو قال : قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : ( والله لو أجد لكم اللحم والخبز لأطعمتكموه ، وليأتين عليكم زمان يغدا على أحدكم الجفان ويراح ، ولتلبسن مثل أستار الكعبة ) . قالوا : يا رسول الله نحن اليوم خير منا أو يومئذ ؟ قال : ( أنتم اليوم خير منكم يومئذ ، أنتم اليوم خير منكم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض ) ورواه الحاكم وفيه عن داود قال : قال لي أبو حـرب يا داود هل تدري ما كان أستار الكعبة يومئذ ، قلت : لا ، قال : ثياب بيض كان يؤتى بها من اليمن . وعن الحسن قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : ﴿ لتسألن يومئذ عن النعيم ﴾ عنى بذلك قوم يكونون بعدكم ، أنتم خير منهم يغدا على أحدهم بجفنة ويراح عليه بجفنة ، ويغدو في حلة ويروح في حلة ، ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة ويفشو فيهم السمن . وفي صحيح مسلم عن ابن عمر رفعه : ( إن الفتنة تجيء من ها هنا ـ وأومأ بيده نحو المشرق ـ من حيث يطلع قرن الشيطان ، وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض ) . فدل أن زمان الفتنة والقتل ، هو زمان التنعم والترف ، وقد ذم أهل هذا الوقت ذماً مطلقاً ، وجعل الصحابة أخير منهم ، وهؤلاء قطعاً هم الذين يأتي من بعدهم زمن المهدي وجماعته الذين فضلوا على الصحابة على عكس هؤلاء الذين فضل عليهم الصحابة كما ورد في الأحاديث الأخيرة هنا . ومن الأحاديث التي جمعت بين خبر هؤلاء وهؤلاء ما رواه أبو جعفر محمد بن علي عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أبشروا ، أبشروا ، إنما أمتي كالغيث ، لا يدرى آخره خير أم أوله ، أو كحديقة أطعم منها فوج عاما ، ثم أطعم منها فوج عاما ، لعل آخرها فوجاً يكون أعرضها عرضاً ، وأعمقها عمقاً ، وأحسنها حسناً ، كيف تهلك أمة أنا أولها والمهدي أوسطها والمسيح آخرها ، ولكن بين ذلك ثبج أعوج ، ليس مني ولا أنا منهم ) . ذكـره السلمي في عقد الدرر ، وقال : أخرجه النسائي في سننه(337).
الحديث الأول : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله ) رواه مسلم في الصحيح والحاكم في المستدرك وعده من فضائل التابعين(338). وهو تخصيص بغير مخصص ، والصحيح أن هذا يكون منهم في زمان المهدي المنتظر ، وذلك لعلمهم الخاص حينئذ بفضيلة رؤيته عليه السلام آخر الزمان ، وهذا ما حتم عليهم الفداء المذكور . ورؤيته عليه الصلاة والسلام آخر الزمان خاصة بخصوصية أمر المهدي كما قال عليه الصلاة السلام في الدجال : ( لعله سيدركه بعض من رآني وسمع كلامي ) . وأما الرؤيا العامة له في المنام ، والحب العام له عليه الصلاة والسلام ، فهو مما يشترك به كل مسلم صالح ، وبالأخص حبه عليه السلام ، وأما الرؤيا في المنام فقد يراه المسلم الصالح وغير الصالح ، ولا يعدم الإسلام من مسلم صالح يتمنى رؤيته عليه الصلاة والسلام في المنام لما في رؤيته من خير وإبهاج للروح ، وبالأخص إذا كانت على سبيل التبشير بالخير ، ولا وجه لقصر الحديث على التابعين على هذا دون سواهم من المسلمين ، والكل يحبه ويتمنى رؤيته .
الحديث الثاني : عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً فقال : ( أنبئوني بأفضل أهل الإيمـان إيماناً ) قالوا : الملائكـة . قال : ( هم كذلك .. بل غيرهم ) قالوا : الأنبياء . قال : ( هم كذلك ، ويحق لهم ، .. بل غيرهم ) قالوا : الشهداء . قال : ( هم كذلك ، بل غيرهم ) قالوا : فمن يا رسول الله ؟ قال : ( أقوام في أصلاب الرجـال يأتون من بعدي ، يؤمنون بي ، ولم يروني ، ويصدقون بي ولم يروني ، يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه ، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيماناً )(339). وعن عطاء بن السائب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعجب الناس إيماناً قوم يأتون بعدي يؤمنون بي ولم يروني ، أولئك إخواني حقاً )(340). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( وددت أنا قد رأينا إخواننا ) قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال : ( أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد )(341). ومن حديث ابن أبي أوفى قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقعد ، وجـاءه عمر فقال : ( يا عمر إني لمشتاق إلى إخواني ) قال عمر : ألسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال : ( لا ، ولكنكم أصحابي ، وإخواني قوم آمنوا بي ولم يروني )(342). وعن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يا ليتني لقيت إخواني ) قالوا : ألسنا إخوانك وأصحابك ؟ قال : ( بلى ، ولكن قوماً يجيئون من بعدكم ، يؤمنون بي إيمانكم ، ويصدقوني تصديقكم وينصروني نصركم ، فيا ليتني لقيت إخواني )(343). وفي مجموع هذه الأحاديث ما يدل على تعظيم منزلة هؤلاء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يعدهم إخواناً له ويبوح لأصحابه عن مدى اشتياقه للقياهم ، وهذا شرف عظيم ومنزلة رفيعة لهؤلاء لا ينالها أحد ، وكيف لا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم : ( أفضل أهل الإيمان إيماناً ) وحديث عمر ضعف من جهة محمد بن أبي حميد ، إلا أنه لم ينفرد برواية ما جاء في الحديث ، فقد روي مثله عن ابن عباس وأبي هريرة وأنس بن مالك ، وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، مما يدل أن للحديث أصلاً من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويشهد له أيضاً حديث مرزوق بن نافع عن صالح بن جبير عن أبي جمعة ، قلنا : يا رسول الله ، هل أحد خير منا ؟ قال : ( نعم ، قوم يجيئون من بعدكم ، فيجدون كتاباً بين لوحين يؤمنون بما فيه ، ويؤمنون بي ولم يروني ) . قال أبو عمر : رواته ثقات(344). وقال عن حديث عمر : روي عن ابن عمر مثله ، وحديث عمر أصح(345).
قلت : بوب الخطيب البغدادي في كتابه شرف أصحاب الحديث ، لحديث عمر بن الخطاب ، وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، بأنه في وصف إيمان أهل الحديث وقال : أحق الناس بهذا الوصف أصحاب الحديث ومن اتبعهم اهـ(346). وهذا كذب بين ، ويلزم منه تفضيلهم على الصحابة ولم يقل أحد هذا ، وهؤلاء إنما مدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيمان بالكتاب والورق المعلق لما هو أخص من مجرد الرواية للحديث ، وهو الإيمان الشديد بخبره ووعده وتصديقه ونصرته في كل ما أخبر به وأمر ، عند تنكب الناس لصراطه والإعراض عن أخباره ، وأهل الحديث أنفسهم اعتبروا أن مجرد تداول الورق المعلق والعمل به ليس هو منقبة بحد ذاته ، قال الأوزاعي : كان هذا الأمر بيناً سَنياً شريفاً ، إذ كان الناس يتلاقونه بينهم ، فلما كتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله(347). وهذه شهادة علم من كبرائهم في أن هـذا بمجرده ليس منقبة ، وهو عين ما قررته هنا .
الحديث الثالث : عن أبي الطفيل عن محمد بن الحنفية قال : كنا عند علي فسأله رجل عن المهدي ، فقال : هيهات ، ثم عقد سبعاً فقال : ذاك يخرج في آخر الزمان ، إذا قال الرجل : الله الله قتل فيجمع الله تعالى له قوماً قزع كقزع السحاب ، يؤلف الله بين قلوبهم لا يستوحشون إلى أحد ولا يفرحون بأحد ، يدخل فيهم على عدة أصحاب بدر لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون ، وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر . رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي(348). وقوله في الحديث : لم يسبقهم الأولون . لا يقال منه إلا بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يشهد لما سبق في المفاضلة ، إذ يدل على رفعة منزلة من يلحق بالمهدي آخر الزمان .
الحديث الرابع : عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن العلاء الحضرمي قال : حدثني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( أنه سيكون في آخر هذه الأمة قوم لهم مثل أجر أولهـم ، يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ويقاتلون أهـل الفتن )(349). ورواه ابن وضاح في كتاب البدع وفيه : ( يعطون من الأجر مثل ) . هكذا لم يجاوز مثل ، مما يدل على اضطراب بعض الرواة فيما يذكر فيه المفاضلة بين المتأخرين والمتقدمـين . ولفظ الحديث عند البيهقي مخالف لما ثبت في حديث أبي ثعلبة : ( لهم أجر خمسين منكم ) .
مواضيع الفصل الرابع
|
|
بعض زعماء أمريكا وشعبها وغيرهم من النصارى واليهود يعتقدون أن أحداث العالم في هذا القرن تجري على وفق ما أخبر أنبياء بني إسرائيل
|
|
المؤلف لا يستبعد أن صدام العراق يشاركهم هذا المعتقد
|
|
حقيقة دين أهل الكتاب الكفر بالله تعالى وتكذيب الأنبياء لذا ستكون نكبتهم عظيمة
|
|
سـؤالان مهمان واجـه بهما اليهود رسـول الله صلى الله عليه وسلم أول مقدمه المدينة كانا عن الروح وأول أشراط الساعة
|
|
تحفظ اليهود على علم أول أشـراط الساعـة دال على نواياهم السيئة ، ومنها الإصرار على تكذيب الرسل
|
|
ما ورد في حديث أنس أن أول أشراط الساعة النار يخالف في نظر الكثير من العلماء مـا ورد في حديث حذيفة بن أسيد أن آخر الأشراط النار التي تخرج من اليمن ، وليس في هذا خلاف بين الحديثين على الصحيح
|
|
بيان حقيقة النار التي تخرج من أرض الحجاز وتضيء أعناق الإبل ببصرى ، وترجيح المؤلف أنها النار الـتي تخرج من المشرق أول أشـراط الساعة وبيان أن بصرى في الحديث انقلبت من بصرة على الرواة
|
|
إبتداء تمصير البصرة كان في خلافة عمر رضي الله عنه
|
|
الرسـول صلى الله عليه وسلم يخبر أن البصرة سيكون فيها خسف وقذف ورجف ومسخ ، وجعل آيـة ذلك مـوت العدل وفشو الجور وشهادة الزور وكثرة الزنا والقينات والمعازف
|
|
الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أن من علامات قرب حلول الخسف مع ما سبق ذكره ، ركوب النساء المياثر والسروج
|
|
السيارات ومصابيح النور في مقدمـاتها ، فهي أشبه شيء بالسراج ، والحديث من أعلام نبوته عليه السلام
|
|
ظاهرة ركوب النساء السيارات على ساحـل الخليج من جهة المشـرق مـن المدينة المنورة دال على أن المـراد بالأحاديث المذكورة هذه السيارات وتلك النسوة ، وفي هذا مع ما فشى من أمر المعازف والقينات والجور وشهادة الزور وكثرة الزنا أظهر الأمارات على أن مكان الخسف سيكون على ساحل الخليج !
|
|
المياثر إنما توضع على الرحال ، والسرج يحمل على الخيل ، والتشبيه في الحديث إنما وقع على الرحال ، فمن المستبعد على هذا أن يكون المراد بالسروج جمع سرج وإنما المراد جمع سراج
|
|
خـبر هـذه المراكب ورد ذكـره عند أنبياء بني إسرائيل على لسان النبي ناحوم في وصفه خبر الجيش الذي يحارب بابل ويحـاصـرها ، فقال : تهيج المركبات في الأزقـة . تتـراكض في الساحـات منظـرها كمصابيح ! تجـري كالبروق ! . وهذا عين ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عن النساء : ( يركـبن السروج ) وقـال كعب الأحبار : لا يزال الله عز وجل يعطي هذه الأمـة حتى يعطيهم أحسن مشي الدواب . وهذا مستفاد مما ذكره النبي
|
|
لا يمنع وقـوع الخسف في أرض وجـود المسلمـين فيها والصالحين إذا ظهر فيها الخبث
|
|
ظهور هذه الأمارات المعينة لزمـان الخسف ومكانه ، كان من الواجب أن تكون منبهة ومحذرة مـن حلول الخطب الجسيم والخطر العظيم ، إلا أن الحـال على النقيض من ذلك فقد زاد الطغيان وعتا الصبيان !
|
|
تعيين جهة النار والخسف والفتن والهرج من المشرق وأنها كائنة آخر الزمان دال على تعلقها ببعض
|
|
الناس تجهل حقيقة صدام العراق وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فصل في أمر فتنته تفصيلاً دقيقاً
|
|
يذكر عن صدام العراق إقراره أن غزو الكويت إستجابة منه لرؤيا في المنام وجد نفسه ملزماً بالاستجابة لتنفيذها . ولا أدري قوله هذا صيغ بتصرف أو أنه من كلامه هو في تأكيد نفس المعنى من كلامه السابق ، نقلها صاحب كتاب الخروج من الرماد . قال : قرار غزو الكويت تلقيناه شبه جاهز من الله ودورنا هو أن ننفذه
|
|
المؤلف لا يشك في أن صدام العراق في غزوه للكويت إنما يحقق رؤيا أنبياء بني إسرائيل
|
|
تعلق حصار العراق بفتنة صدام العراق لا يجـوز أن يغفل أمـره ويفترض به أنه مجرد اتفاق غير مقصود ، ويمنع هذا تحقيق فتنة صدام العراق للنار والدخان وأمر حشر الروم ، وجيشه سـرى بليل على أهل الكويت ، وكل هذا تحققه على بلاد تميزت بهذا المرج والتلول من جهة المشرق
|
|
علي بن أبي طالب في حديثه يربط بـين ذكـر الحصـار وظهور السفياني
|
|
وأبو جعفر يربط ما بين خروج السفياني وظهور الظلمة ! .
|
|
من غير المستبعد أن يكون صدام العراق هو السفياني الذي ورد ذكره في بعض الأحاديث ولا يعتبر شيء قول من رد نسبه إلى أبي سفيان
|
|
صح في خبر الحصار على العراق حديث أبي هريرة وجابر، وبينما يربط جابر بين ذكر الحصار والخليفة آخر الزمان ، يربط أبو هريرة ما بين الحصار والعودة إلى الأمر الأول
|
|
ثبت أن ما يجري في الشرق الأوسط ما هو إلا مؤامرة من يعتقد أن أمريكا مخولة بتحقيق النبوءات
|
|
من أكبر وأظهر إنجازات أمريكا بلوغها القمر ، ويعد هذا الإنجاز الدليل القاطع مـن كتابهم المقدس أن أمريكا عدوة لله وللمهدي المنتظر ، وأن تدمـيرها بأمـر الله عز وجل سيكون من أجل إقامة الإسلام بحكم المهدي المنتظر
|
|
تصريح المـلاك جبريل عليه السلام للنبي دانيال أن بلوغ مملكة الشر للسماء سيكون عند وقت المنتهى
|
|
أخبر الملاك جبريل النبي دانيال أن مملكة الشر تمكر وتتعظم وتهلك الكثيرين ، وأنها عندما تقوم على رئيس الرؤساء بلا يد تنكسر اهـ . فيه دليل على إثبات منازعة الأمريكان للمهدي عند تمكينه ، إلا أن الله تعالى سيدمـرهم بقوتـه الجبارة
|
|
الملاك جـبريل يخبر النبي دانيال أن مملكة الشر ستحارب القديسين وستغلبهم إلى أن يأتي قديم الأيام ـ هو كناية عن المهدي ، ومعناه طـول العمـر ـ فيعطى الدين لقديسي العلي اهـ . وهـذا واقـع اليوم ، وهو مـن مقدمات قدوم المهدي وتمكينه
|
|
ذكـر مجموعة من الشواهد في الكتاب والسنة لما ورد في سفر دانيال النبي عن بلوغهم السماء واضطهادهم الملوك والحكام ، وإعطاء الملك للقديسين
|
|
المهدي يوصف في الإنجيل بأنه القمر ، وفي الزبور يشبه به.
|
|
اليهود ومعتنقي كتابهـم المقدس أعلم الناس بحتمية ملك أولياء الله تعالى للأرض آخـر الزمان ، لذا تراهم يجندون الإعلام والأنظمة السياسية من أجل محاصرة عباد الله تعالى الصالح منهم والطالح ومنعهم من القيادة والتوجيه المؤثر
|
|
ترديدهم في السنوات الأخـيرة لمقولة السلام وأنهم دعاة سلام ، إستباقاً لأمر الله تعالى وادعاءً لما ليس لهم من كلام الأنبياء ، مثل قول إشعيا : ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً في رأس الجبال ويرتفع فوق التلول وتجري إليه كل الأمـم … فيقضي بـين الأمـم وينصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل اهـ . أي يعم السلام وتبطل الحرب.وهذه النبوءة أُتخذت شعاراً للأمـم المتحـدة ، وخطت على واجهة مبناها في نيويورك !! ، فانظر كيف أن العالم كله على معتقد اليهود في التحاكم !!! ، ولم يبقَ إلا ظهور المسيح المخلص . ولقد أصاب عين الحقيقة من قال إن العرب لا يقرأُون
|
|
قال ريتشارد نكسون رئيس أمريكا السابق :عام (1999) نكون قد حققنا السيادة الكاملة على العالم وبعد ذلك يبقى ما بقي على المسيح
|
|
ريغان يقطع بأن هذا الجيل سيشهد معركة هرمجدون ويعتبر من أبرز المؤشرات الدالة على قرب النهاية توحيد القدس عـام (67) بقوة الجيش الإسـرائيلي ، وعـودة أولاد إسرائيل إلى الأرض الموعودة
|
|
يقول النبي إشعيا حكاية عن حال المخلص : الرب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلب لأنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق اهـ . وهذا عـين ما تدعيه أمريكا اليوم لنفسها
|
|
إشعيا يخبرهم أن بعث المخلص سيكون من المشرق ، مثل ما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعث المهدي من المشرق
|
|
مـا ذكره النبي إشعيا أنه كائن عند الخلاص ، من انفجار المياه في البرية والأنهار في القفر ، وابتهاج القفر بالزهور ، نص على ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كائن عند تمكين المهدي في الأرض
|
|
اليهود كذبوا على النبي إرميا وادعوا أنه قال بإنقضاء سبي بابل بعد السبعين
|
|
وكذبوا على إشعيا بأنه قال أن المخلص ،كورش الفارسي، وهؤلاء لا يستبعد أن يدعو هذا لأمريكا
|
|
النبي عليه السلام حين أخبر بخبر الرايات من المشرق التي فيها المهدي خليفة الله تعالى إنما يواطئ مـا ذكـره إشعيا النبي ، حين أخبر أن مبعث المخلص يكون من المشرق
|
|
وردت أحاديث وآثار عدة فيها ما يشير تصريحاً وتلميحاً إلى خبر المهدي وأنه كائن من المشرق ، ومنها الخبر الوارد في قبيلة عنـزة
|
|
على اعتبار صحة الخبر في عنـزة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يمكن أن تكون منصورة ومن جهة المشرق حصـراً ، إلا لتعلقها بأمر المهدي ، ولا يخرج هـذا الخـبر عن أحـد أمرين :
الأول : أن تكون من أنصاره .
ثانياً : أن يكون من عدادهم ومختلط نسبه بأنسابهم
|
|
حديث حنظلة بن نعيم العنزي عن عمر رضي الله عنه في نصرة عنـزة من المشرق ورد ما يشهد له ، وهو حديث سلمة بن سعد العنـزي وقيل ابن سعيد ، أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وجماعة من أهل بيته وولده : فاستأذنوا وقالوا : هـذا وفد عنزة . فقال : ( بخ ، بخ ، نعم الحي عنـزة مبغي عليهم منصورون مرحباً بقوم شعيب وأختان موسى ) وهذا على اعتبار صحته وأن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا بالفعل ففيه مـا يقوي المعنى الثاني المذكور في تعليقي على حديث عمر في عنـزة ، قولي أن المهدي قد يكون في عداد عنزة مختلط نسبه بأنسابهم ، وذلك والله أعلم تكرمة لنبي الله شعيب إذ أن نسبه في عنـزة ، وكون المهدي من ذرية رسـول الله صلى الله عليه وسلم في علم الله ، فيه تكرمـة للنبي عليه السلام ، فجمع فيه فضيلة نسب النـبي شعيب ومحمد عليهما السلام والعلم عند الله تعالى ، وهـذا كله على اعتبار صحة الحديثين عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه ليس من المستبعد أن يكون رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا ، وأراد بذكر المشرق في حديث عمر الإشارة إلى أمر المهدي
|
|
ريغان يعين الروس على أنهم يأجوج ومأجوج ، ولا أدري اليوم مـن يكـون يأجوج ومأجوج على معتقد النصارى واليهود !
|
|
يأجوج ومأجوج المراد بهم على الصحيح أمريكا ومن معها من اللفيف المجتمع لتحرير الكويت وطرد صدام العراق ، وقد أشار إلى خبرهم القرآن في سـورتي الأنبياء والروم . وأصرح ما ورد في ذكرهم على لسان النبي إشعيا قوله : وتصعد كسحابة ! تغشى الأرض . في الأيام الأخيرة يكون .. في السنـين الأخـيرة تأتي إلى الأرض المستردة ! مـن السيف المجموعـة مـن شعوب كثيرة . . . وتصعد وتأتي كـزوبعة وتكـون تغشى الأرض أنت وكـل جيوشك وشعوب كثيرون معك اهـ .
وفي هذه النبوءة أكثر من إشارة لا تخطئ من واقع فتنة صدام العراق المراد ، بل تجد الموائمة غير خافية ، وهي :
أولا : قوله تصعد كسحابـة تغشى الأرض . وهذا فيه التلميح إلى قوتهم الجوية الضاربة كما هو مشاهد اليوم ، ولا مزيد على هذا التشبيه لواقع الحال .
ثانياً : قوله في السنين الأخـيرة تأتي . صريح أن هذه الأحداث كائنة آخر الزمان ، وهو زماننا هذا .
ثالثاً : قوله تأتي إلى الأرض المستردة من السيف المجموعة من شعوب كثيرة . وهـذا طابق واقـع الحال مطابقة عجيبة إذ حررت الكويت من أسر الطاغية ، وعاد أهلها إليها من أماكن كثيرة ومن شعوب عديدة ، إذ أنه وبسبب تلك الفتنة قد تفرق أكثر أهلها إلى جميع أنحاء العالم ، وبعد ذلك عادوا من تلك النواحي وقد جاء القرآن بالإشارة إلى هذا المعـنى بقوله تعالى : ﴿ إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون ﴾ وهذا من موافقات الأنبياء .
رابعاً : قوله وتصعد وتأتي كزوبعة . فهذا فيه فوائد لابد من الوقوف عندها مراراً وتكراراً حتى تتفتح الأفئدة التي رين عليها ، وتوقظ البصائر التي طالت غفلتها. فيقال هنا : هـل يعقل أن يسمى هجـوم التحالف بعاصفة الصحراء صدفة منهم وافقت من غير قصد وصف النبوءة ، وأن الله تعالى أجراها في أفئدتهم تحقيقاً لكلام نبيه ، أم أنهم بخباثة وسوء طوية يتأولون الكتاب عليهم . أنا شخصياً طويت السجل على ما في نفسي وعلمي وللقارئ أن يُعمل فطنته ويعتبر كيف شاء . ولا يفوتني أن أعيد هنا للفائدة نقل ما له تعلق بذكـر هـذه العاصفة عند أهل الكتاب ، إعانة للقارئ للأخذ بالمرجحات . قال إشعيا : وحي من جهة برية البحر !! كزوابع في الجنوب عاصفة تأتي من البرية من أرض مخوفة . قـد أعلنت لي رؤيا قاسية . الناهب ناهباً والمخرب مخرباً . إصعدي يا عيلام حاصري يا مادي . . لأنه هكذا قال لي السيد اذهب أقم الحارس ليخبر بما يرى .. فأجاب وقال : سقطت سقطت بابل وجميع تماثيل آلهتها المنحوتة كسرها إلى الأرض اهـ . أما الحصار فالواقع شاهد له ولا مـزيد ، ووردت السنة الصحيحة بخبر هذا الحصار على العراق . وأما قوله من جهة برية البحر ، فإن سورة الروم لم تخفِ هذا المعنى ، قال تعالى : ﴿ غَلبت الروم في أدنى الأرض ﴾ والمراد أدنى الأرض من جهة البحر . وأما سقوط بابل فهو حـديث السياسة اليوم ! . وقال إشعيا أيضاً : الرب بالنار يأتي ومركباته كزوبعة ليرد بحمو غضبه وزجره بلهيب نار . لأن الرب بالنار يعاقب وبسيفه على كل بشر ويكثر قتلى الرب . وقال النبي إرميا : ها زوبعة الرب . . لا يرتد غضب الرب حـتى يجري ويقيم مقاصد قلبه . في آخر الأيام تفهمون فهماً !! . وقال النبي حبقوق واصفاً مـا يجري آخر الزمـان : خيلها أسرع من النمور وأحد من ذئاب المساء وفرسانها ينتشرون ، وفرسانها يأتون من بعيد ! ويطيرون كالنسر !! المسرع إلى الأكل . . وهي تسخر مـن الملوك ، والرؤساء ـ قلت : لهذا تعـين إيجاد هؤلاء ليكونوا ضحكة لها ـ (1/5).وقال في موضع آخر: قـال لي الـرب أكتب الرؤيا وأنقشها على الألواح لكي يركض قارئها . لأن الرؤيا بعد إلى الميعاد وفي النهاية تتكلم ولا تكذب إن توانت فانتظرها لأنها ستأتي ،إتياناً ولا تتأخر (2/1) . وأذكر أيضاً بأن أمريكا اتخذت النسر شعاراً لها .
|
|
· كتاب اليهود المقدس يكذب دعوى اليهود والنصارى أن الإسرائيليين يباركون آخـر الزمان ، وأنهم يسلطون على أعدائهم إلى آخـر الدهر . ومـن العجيب أن ريغان المخدوع يستدل وبحماسة لإثبات أمر يأجوج ومأجوج ، وعودة اليهود إلى فلسطين بكلام النبي حزقيال ، وحزقيال نفسه عليه السلام تقول نبوءته مـا فيه تكذيب هـذه الدعـوى وإبطال معتقد اليهود والنصارى ، قال : وأنت أيها النجس الشرير رئيس إسرائيل الذي قد جاء يومه في زمـان إثم النهاية !! . هكذا قـال السيد الرب . إنزع العمامة ارفـع التاج . . هذا أيضاً لا يكون حـتى يأتي الذي له الحكم !! فأعطيه إياه اهـ .
والمراد بزمـان إثم النهاية آخر الزمان قطعاً، لقول يعقوب عليه السلام لبنيه: اجتمعوا لأنبئكم بمـا يصيبكم في آخر الأيام . فقال : لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلوه ولـه يكون خضـوع شعوب . فالذي لا يزول سلطان اليهود وتجبرهم إلا بقدومـه هو المهدي المنتظر . وسواء كان في أصل هذه النبوءة وصفه بشيلوه أو شيلواح أو أن هذا مما دس في أصل النبوءة لتحريف الوصف الدال عليه ، فالمراد هو المهدي ، فهو الذي ستخضع له الشعوب ويكون له الحكم كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله في نبوءة حزقيال : فأعطيه إياه . دال على أن المهدي إنما يختاره الله تعالى ويكون ملكه بأمـر الله سبحانه ، وهذا وجه إضافته إلى الله في كلام الأنبياء .
والقرآن يشهد لهاتين النبوءتين بما جاء فيه كما ورد ذلك في سورة الإسراء قوله : ﴿ ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً … ﴾ إلى قوله : ﴿ فإذا جـاء وعـد الآخـرة ليسئُوا وجوهكـم وليدخلوا المسجـد كما دخلوه أول مـرة . وليتبروا ما علوا تتبيرا ﴾، فاتفقت الآيات هنا والنبوءتان على أن اليهود سيكون لهم تسلط في آخـر الزمـان ثم يسلبونه بإذن الله
|
|
بناء السدود على الأنهار لتحقيق الخلاص وسـرقة تراب لبنان كذلك ، وسحب مياه الأنهـار لتحقيق علامـات الخلاص ، ومحاصرة العراق وتحطيمه ، وحرق آبار البترول كل هذا التحقيق علامات الخلاص أيضاً
|
|
لقد أوحى الله لبني إسرائيل عن محمد صلى الله عليه وسلم وأنه بركة خلاص ورحمـة مـن الله تعالى وأن الله سيبارك أتباعـه آخـر الزمـان وسيجعل لنسله فيهم بركـة ومجـداً عظيماً . هـذا كله مـن أنباء الغيب أوحـاهـا الله تعالى لبـني إسرائيل إصطفاءً مـن دون الناس جميعاً ، ومـا كـان جزاء ذلك إلا الجحود والنكران ، ورد قضاء الله تعالى
|
|
أظهر العلامـات المعينة لتحقق بعث المهدي عنـد اليهود تحققت وبجـلاء في هذه السنوات الأخيرة ، وهي كثرة الأمطار والسيول الجارفة على وجه الأرض ، وقد أصيب منها اليهود بخـرس مـريب في علامـات الساعة وقدوم المخلص ، وقـد كانوا من قبل من أكثر الناس بحثاً في هذه الدلالات . ومـن شواهدها في القـرآن قـوله تعالى : ﴿ وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يـوم القيامـة أو معذبوها عـذابـاً شـديـداً . كان ذلك في الكتاب مسطوراً ﴾ وأمـا السنة فالشواهد فيها كثـيرة وسيأتي ذكرها
|
|
قول النـبي إرميا في وعيد الشعوب : وكل مقصوصي الشعر مستديراً.هذه الصفة لازمة لأكثر رجال هذا القرن، إذ أنهم أدمنوا قص الشعر كما وصف النبي ، ولا أدل على هذا مـن كثرة حلاقي الشعر في هذا العصر ، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوارج بأنهم يحلقون الشعر ، وهؤلاء جميعهم إلا ما ندر خوارج على الدين
|
|
النبي إشعيا ينص على أن آكل الخنزير والأغلف ملعون آخر الزمان ، وهذا على خلاف معتقد النصارى اليوم ، فهم غلف مدمني أكل لحم الخنزير ، وفي هذا ما يدل على أنهم ليسوا على دين الأنبياء
|
|
أخبار أنبياء بني إسرائيل الواردة في الصيحة التي في آخـر الزمان المؤذنة بالتمكين للمهدي
|
|
الخلاص آخر الزمان إنما يكون للضعفاء ، وهي اليوم حال أتباع محمد رسـول الله صلى الله عليه وسلم ، لا الجبابرة الأقوياء مـن الأمـريكـان والإنجليز ومن حالفهما على النظام العالمي الجديد
|
|
بمـا أنـه ثبت حلول اللعنة آخـر الزمـان على اليهود والنصارى والوثنيين ، فلا يجوز للمسلمين بحال إتخاذهم إخواناً لهم لا بإسم الإنسانية ولا العلمانية أو الدولية
|
|
كثرة النبوءات في ذكر المهدي ووصف زمانه ، دال على عظيم شأنه ومكانته عند الله تعالى ، وليس أدل على هذا من وصفه بنبوءة إشعيا بقوله : رجل مشورتي . وهذا نظير قول الرسول صلى الله عليه وسلم خليفة الله ، إذ الإضافة في كلا النبوءتين إضافة تكريم وتشريف وهذا من الموافقات في كلام الأنبياء
|
|
مـن الأوصاف الـتي أطلقت في النبوءات على المهدي قضيب لوز ، وتارة يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
|
|
هذه النبوءة الواردة في الزبور والإنجيل مـن أعظم ما ورد في ذكر رسول الله والمهدي قوله : قال الله لربي إجلس عن يميني حـتى أجعل أعداءك موطئاً لقدميك . يرسل الرب قضيبك الذي سيكون ذا سلطان وسط أعدائك . وهذه النبوءة احتج بها المسيح على اليهود حين سألوه ، مما يكون مسيا المنتظر ، فأجاب بأنه سيكون مـن ذريـة إسماعيل . ويشهد لهذه النبوءة في القرآن قوله تعالى : ﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾ وهذه من الموافقات
|
|
قول النبي إرميا عليه السلام : قال لي الرب : من الشمال ينفتح الشر على كل سكان الأرض . المراد به فتنة صدام العراق
|
|
الشمال هـو الأصـل الذي يدور عليه الخلاص المزعوم ، لكثرة ما ذكر مقروناً بأخبار أحداث آخر الزمان
|
|
لما كانوا على علم بأن خروج المهدي سيكون من الشمال وجب وضع الشمال تحت الشبكة ، تحسباً لخروجه
|
|
سيناريو أزمـة العراق وقبلها إحتـلال الكـويت لم يعد ويهندس على وفق ارتجالات صدام العراق ، بل أعد ونفذ على وفق نبوءات الكتاب المقدس
|
|
ذكـرت البصرة على لسان النبي إشعيا وأنه سيكون فيها قتل وستشتعل أرضها زفتاً ليلاً ونهـاراً ، وسيصعد دخانها إلى السماء . وهذا منطبق على ما جرى في الكويت جراء فتنة صدام العراق عليها ، ولعل إصـراره على أنهـا من البصرة من باب تحقيق هذه النبوءة
|
|
أظهر صفة لفتنة صدام العراق على أهل الكويت الدخان ، وقد اتفق كلام الأنبياء على ذكره وتفصيل خبره ، كقول النبي يوئيل : وأعطي عجـائب في السماء والأرض دمـاً وناراً وأعمدة دخان . ويشهد لهذا في القرآن قوله تعالى : ﴿ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين .. ﴾ الآيات . وهذا من الموافقات في النبوءات
|
|
قوله تعالى عن الدخان : ﴿ . . تأتي السماء بدخان مبين ﴾ كقوله : ﴿ أنزلنا من السماء ماءً ﴾ فالدخان أضيف إليها بإعتبار وجوده بها كوجود السحاب في السماء وأصله من الأرض
|
|
النبي يوئيل يجمع بين ذكر عمد النار والدخان وبين كثرة الرؤى في الناس ، ومـن الثابت اليوم كثرة الرؤى المنامية بين الناس خصوصاً في هذه السنوات الأخيرة ، ما قبل وما بعد فتنة صدام .ويشهد لهذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب )
|
|
رؤى الناس اليوم متواطئة على ذكـر قرب الساعة وبعث المهدي المنتظر ، تواطئاً يستحيل معه الاتفاق على الكذب .
|
|
كلام أهل العلم في حكم تواتر الرؤى
|
|
رؤيا وقعت للمؤلف فيها الإشـارة لغزو صـدام العراق للكويت والاستعانة بالغرب
|
|
رؤيا وقعت لمحمد عيسى داود صاحب كتاب ( احذروا المسيخ الدجال )
|
|
رؤيا وقعت لأحد الصالحين في خبر المهدي ينقلها محمد بن عارف صاحب كتاب ( المهدي دلالات وبينات )
|
|
كلام سعاد كاتبة جريدة الأنباء الكويتية ، وهي ممن يتلقى رؤى الناس وتقر بإرتفاع نسبـة رؤى الناس للزلازل وغيرها من الأهوال عما كانت عليه قبل خمس سنوات
|
|
عدم المبالاة بأمر الرؤى مخالف لسنة المصطفى ،ويظن بعض الزائغين أن الاهتمام لأمرها من علامات الضلال
|
|
محمد سلامـة جبر يقر بتواتر الرؤى في هذا الزمان وكلها تؤكد قرب الساعة بظهور علاماتها الكبرى ، ومنها عودة مجد الإسلام وسلطان المسلمين
|
|
محمد سلامـة جـبر ينتهي في كتابه تنبوءات نهاية العالم إلى القطع بوجود المهدي في هـذا الوقت ، وقـال : كل القرائن تدل على قرب ظهوره قرباً عظيماً
|
|
يعد من مذهب أئمة السلف الاهتمام بأمـر الرؤيا وتجهيل من يزعم أنها ليست بشيء
|
|
الشواهد الكثـيرة المتحققة اليوم والـتي نص على ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم دالـة على أن هذا زمـان خروج المهدي ، وحقيقة منكري هذا أو متجاهليه التكذيب المنافي للتصديق الذي يزعمونه لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
|
|
كما جاز تعلق رؤى الصحابة بتعيين ليلة القدر في زمـان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي من الأمـور الوجودية التي ثبت تعلق الدين بها ، كذلك يجوز تعلق الرؤى بتعيين المهدي وهو من الأمور الوجودية التي للدين تعلق بها ، لا بل عزة الدين وقيامه متعلق بأمره في آخر الزمان
|
|
الرؤيا جزء من أجزاء النبوة وما أبقيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لتعلقها بالمهدي وأمره ، ليبعث بها ويهدى بها ، وليفهم وينبه لأمـره بها ، فهداية الله تعالى له هداية خاصة اقتضت تعلق الرؤيا به ، ومن هذا الوجه جاء وصفه بالهداية
|
|
كلام أنبياء بني إسرائيل دال على تعلق الرؤيا بالمهدي
|
|
الروح التي سأل عنها اليهود رسـول الله صلى الله عليه وسلم مـا هي إلا الرؤيا التي يجدون ذكـرها عندهم بالكتاب وبهـا يبعث المهدي ويعرف بأمره
|
|
النبي إشعيا أيضاً يوافق مـا ذكـره يوئيل في وصف أثـر الدخـان فيقول : تظلم الشمس عند طلوعها والقمر لا يلمع بضوئه . وأعاقب المسكونة على شرها والمنافقين على إثمهم وأبطل تعظم المستكبرين وأضع تجبر العتاة اهـ
|
|
قال كبير قساوسة السويد استانلي شوبيرج : .. ما يحدث في عالمنا اليوم ، عندما يعود اليهود وعندما تتجمع كميات مـن الصراعات في الأرض ، وعندمـا يعم اللهب وتعم الزلازل ، وعندما تغيب الشمس فوق الكويت بعد الحرب . هذا هو بالضبط ما تنبأ به يسوع ، وكل هذه الأحداث المفجعة ستحدث مباشرة قبل المجيء الثاني للمسيح اهـ .
|
|
كل مـا ورد في أناجيل النصارى من ذكـر حجب أشعة الشمس ونور القمر من أثر الدخان مقتبس من كلام النبي إشعيا ويوئيل ، وقـد تورط الذي ابتدع الأناجيل بإدراج هذه النبوءات في الأناجيل المزعومة الكاذبة ، إذ زادوا هذا القول : للوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه .. وحيـن إذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء .. ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير .. الخ . وهذا مـن أبـين الكذب وأكبر الـورطات إذ مضت سنوات بعد فتنـة صـدام العراق واضمحل الدخان ولم تخرج العلامة ولا ابن الإنسان وهذا دال على كذب هؤلاء .
تنبيه : يريدون بذكـر ابن الإنسان والعلامـة ما ورد في نبـوءة دانيال إلا أنهـم ، لا يعلمون حقيقة تأويل ذلك ، ومثلهم اليهود كلهم يجهلون حقيقة التأويل ويقولون بالظن ولا يعلم تأويل ذلك إلا الله تعالى والمهدي المنتظر
|
|
النبي عاموس يجمع بـين ذكـر تغييب الشمس والزلازل والفيضانات ، وهذا كله مما وقع تأويله في هذه السنوات الأخيرة ، وتعد من أظهر علامات تحقق بعث المهدي
|
|
لم يغفل القرآن العزيز ذكر حـال هذا القرن ، بل فصلت أخباره تفصيلاً
|
|
النـبي إرميا ينص على أن بابل ستجن الشعوب بسببها ، وأنها ستقع تحت الحصار ، ويعد هذا مـن تفصيلات فتنة صدام العراق ومـا تبعها . ومـر معنا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم للحصار على العراق وهذا من الموافقات بين النبوءات
|
|
النبي ناحوم يخـبر عن الحصار على العراق ، قال : هوذا شعبك نساء في وسطك . تنفتح لأعدائك أبواب أرضك تأكل النار مغاليقك . استقي لنفسك ماء للحصار !!
|
|
وممن أخبر بالحصار النبي إشعيا ، قال : وحي من جهة برية البحـر كزوابع في الجنوب عاصفة تأتي .. قـد أعلنت لي رؤيا قاسية . الناهب ناهباً والمخـرب مخرباً . اصعدي يا عيلام . حاصـري يا مـادي .. لأنه هكذا قال لي السيد اذهب أقـم الحارس ليخـبر بما يـرى .. فأجاب وقال : سقطت سقطت بابل وجميع تماثيل آلهتها المنحوتة كسرها إلى الأرض اهـ
|
|
في سياق نبوءة إشعيا ورد ذكر برية البحر مقروناً بالحصار وسقوط بابل وإتيان العاصفة من جهة برية البحر ، ومن المعلوم أن الخليج العربي أقرب البحار إلى العراق فلا شك أنه هو المراد ، والنبوءة على الحقيقة إنما تصف حال هذه الفتنة وخبر الروم ، ولهذا لما أتى القرآن على ذكرها قال : ﴿ غَلبت الروم في أدنى الأرض ﴾ يريد طرف الجزيرة العربية من جهة الخليج ، بل هناك ما هو أعجب من هذا إذ أن النبي صفنيا كان أقرب بنبوءته إلى الإفصاح عن خبر هذه الفتنة إذ قال :.. ويل لسكان البحر أمة الكريتيين . كلمة الرب عليكم . فأتى وأكد مجدداً أمر الساحل المشار إليه في كلام إشعيا وسورة الروم ، والعجيب هنا موافقة رسم اسم الكويتيين وهـم من حلت بهم مصيبة هذا الطاغية ، مع رسم الاسم الوارد في هذه النبوءة ، ولولا اختلاف ما بين الراء والواو في الاسمين ، لكانت المطابقة تامـة . وإذا أخذنا بالحسبان تشابه رسم حرف الواو والراء ، مع تنقل النص عبر لغات عدة إلى أن وصل إلى النص العربي هنا ، فلا يستبعد مع هذا كله انقلاب حرف الواو إلى الراء.ولا عبرة عندي لتأويل بعض أهل الكتاب هذه النبوءة وادعاء أنها في كريت ، وزعموا أنها جزيرة صغيرة قرب اليونان ، وهذا كله كذب وتزييف متعمد للنبوءات كما هي عادتهم.
|
|
الأنبياء كلهم يؤكدون على أنباء آخر الزمان ويكثرون من ذكر تفصيلاته ، وهذه أقوالهم بإيجاز :
النبي يعقوب قال لأبنائه : اجتمعوا لأنبئكم بما يصيبكم آخر الأيام .
أيوب عليه السلام : مخلصي حي وفي آخـر الزمـان يسلك على الأرض . إصحاح (19/23).
موسى عليه السلام : لأني عـارف أنكـم بعد موتي تفسدون وتزيغون عن الطريق الذي أوصيتكم به ويصيبكم الشر في آخر الأيام ، لأنكم تعملون الشر أمام الرب .
إرميا عليه السلام : لا يرتد غضب الـرب حتى يجري ويقيم مقاصد قلبه . في آخر الأيام تفهمون فهماً . وقوله في آخر الأيام تفهمونها .
حبقوق عليه السلام : أكتب الرؤيـا وأنقشها على الألـواح لكي يركض قارئها . لأن الرؤيا بعد إلى الميعاد وفي النهاية تتكلم ولا تكذب . إن توانت فانتظرها لأنهـا ستأتي إتياناً ولا تتأخر .
هوشع عليه السلام : يفزعون إلى الرب وإلى جوده في آخر الأيام إصحاح (3/5) .
دانيال عليه السلام : فاخف الكلام واختم السفر إلى وقت النهاية كثيرون يتصفحونه والمعرفة تزداد .
حزقيال عليه السلام : وأنت أيها النجس الشرير رئيس إسرائيل الذي قد جاء يومه في زمن إثم النهاية ! . وقوله في يأجوج ومأجوج : في السنين الأخـيرة تأتي إلى الأرض المستردة . وغير هذا مما فيه تفصيل أخبار آخر الزمـان .
|
|
مـن أعجب مـا ورد في وحي الأنبياء مـا ذكـره النبي إرميا إخباراً لليهود أن يعملوا لسلامة بابل ، فإنه بسلامها يكون لهـم سـلام . وهذا من أعجب ما وقفت عليه من وحيهم لليهود إذ جُعل ميقاتاً لهـم دمـار العراق ، ولا يزالون سالمين ما سلمت بابل ، وسؤال اليهود اليوم ما هي حال العراق ؟ !!
|
|
إلى هنا نهاية تفصيل الجواب بخصوص سؤال اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول أشراط الساعة ، ويليه تفصيل الجواب عن سؤالهم عن الروح
|
|
ثبت عند اليهود اقتران ذكـر المخلص بذكر الـروح في وحي الأنبياء عندهم عن أحداث آخـر الزمان ، وهو ما دعاهم لسؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خبر الروح
|
|
وأصرح ما ورد في هذا نبوءة إشعيا قوله : ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن مـن أصوله ويحل عليه روح الرب . وقال في موضع آخر : هو ذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سـرت بـه نفسي . وضعت روحـي عليه فيخرج الحـق للأمـم . وقال : روح السيد الرب علي مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلب لأنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطـلاق . وهذا أصل خبر الروح عند أهل الكتاب ، ومفاد هذه النبوءات اصطفاء هذا القضيب الذي سيكون من سلالة يسى وهو رسـول الله صلى الله عليه وسلم وستحل عليه روح الرب . وهذا صريح بتعلق الوحي بهذا المختار المجتبى الذي قال في أمره الزبور : حينئذ كلمت برؤيا تقيك وقلت جعلت عوناً على قوي . رفعت مختاراً من بين الشعب
|
|
كاد النبي دانيال أن يفصح عن المـراد بقوله : كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه . فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً
|
|
قال دانيال النبي : وكنت أنظـر وإذا هـذا القرن يحارب القديسين فغلبهم حـتى جـاء القديم الأيام وأعطي الدين لقديسي العلي وبلـغ الوقت . وقـال : إلى هنا نهـايـة الأمر ! اهـ .
وهذا صريح في أنه يخبر عن آخـر الزمان وفي هـذا مـا يدل على أن المراد بقديم الأيام المهدي فهو الذي يملك آخر الزمان . والمشاهد اليوم محاربة هذا القرن الشرير لأتباع الدين ومـحبي سنة المصطفى عليه السلام. ومما يشهد لكلام دانيال قول الرسـول صلى الله عليه وسلم في خبر الفـتن والهرج آخر الزمان فقال : من ها هنا من حيث يخرج قرن الشيطان ، وأشار إلى المشرق ، والمراد به هذا الجيل الذي انسلخ من الدين وأخذ يحارب السنة وأتباع الدين في كل مكان وعلى رأس هؤلاء اليوم أمريكا وهذه الأنظمة التي تورطت بما لا تدرك خطره
|
|
عيسى عليه الصلاة والسلام يصرح بأن المسيا هـو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
|
|
لا يمكن اجتماع الرسـول صلى الله عليه وسلم والمهدي على وفق نبـوءة دانيال إلا بالرؤيا
|
|
إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرؤيا آخر الزمان لا تكاد تكذب ، وأن الشيطان لا يتمثل بـه في المنام ، يعد مـن الشواهد لكلام دانيال
|
|
ومن الأدلة على اهتمام اليهود بهذا الأمر ، وأن له أصل في كتب الأنبياء عندهم ، ما ورد عن كعب الأحبار أنه قال لعمر رضي الله عنه : يا أمير المؤمنـين هل ترى في منامك شيئاً ؟ فانتهره عمر ، فقال : يا أمير المؤمنين إنا نجد رجلاً يرى أمر الأمة في منامه !!
|
|
ومن الشواهد على صحة القول بهداية المهدي الرؤيا التي هي الجزء الوحيد المتبقي من الوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولاً : على اختيار بعض السلف والعلماء أن تأويل آيات سورة الدخان آخـر الزمان وفيها ورد ذكر هذا الرسول الذي إن صح هذا التفسير فلن يكون إلا المهدي فهو الذي يصح أن يطلق عليه شرعاً وصف الإرسال ، وقد تقرر أن من سنن الله أن يوحى للرسول . ثانياً : قوله تعالى : ﴿ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون لهـم البشرى .. ﴾ الآيات . جاء في البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات ) وعند النسائي عنه : ( ليس يبقى من النبوة إلا الرؤيا الصالحة ) وهذه الآيـات والأحاديث دالة على مكانة هذه المبشرات ، و لا يستقيم مع ظواهرها إلا حملها على أمر خاص له تعلق بالمهدي
|
|
ورد في السنة مـا يفيد حمل الآيات في سورة يونس على أولياء خصهم الله تعالى بهذه الفضيلة
|
|
من ألفاظ حديث أبي مالك الأشعري في أولياء الله أنهـم يتحابون بروح الله ، وهـذا شاهد لما ورد في خبر الروح عند أنبياء بني إسرائيل ، ويعد هذا من الموافقات
|
|
ورد مثله عن عمر ، وقرأ الآية
|
|
الصحيح هـو أن هؤلاء الأولياء أصحـاب البشرى هم الطائفة المنصورة والغربـاء والفرقة الناجية ، ومن الوهم الظن بأنهم أصحاب الحديث أو غيرهم
|
|
ومن صفات هؤلاء الأولياء قوله تعالى : ﴿ .. أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بـروح منه ﴾ والـروح هنا هي المرادة بكلام أنبياء بني إسرائيل وحديث أبي مالك وعمر .
|
|
معنى ﴿ كتب في قلوبهم الإيمان ﴾
|
|
ذكر مجموعة أحاديث وردت في ذكر هؤلاء الأولياء وفي بعضها أنهم خير من الصحابة
|
|
الـرد على من تأول الفضيلة الواردة في بعض الأحاديث على أنها في تفاضل بعض الأعمال ، وليس المراد الفضيلة المطلقة ، وبيان فساد هذا القول
|
|
ذكـر بعض الأحاديث التي تدل على أن زماننا يترك فيه الأمـر والنهي ويجب فيه الاعتزال وترك العامـة وعامـة الأمور
|
|
بعض هذه الآثار جعلت التطاول في البنيان أمـارة لتحقق ترك الأمر والنهي
|
|
ذكـر جملة أحاديث فيها الثناء على المهدي وحزبه آخـر الزمان ، وهي وإن لم يرد التصريح فيها بوصفه الخاص به ، إلا أنها لا تحمل إلا عليه وعلى من معه من أولياء الله تعالى ، إذ هم حزب الله في آخر الزمان
|
تم الكتاب بحول الله تعالى وتوفيقه وإليه المرجع والمآب ، وصلي اللهم على نبينا وسيدنا ومولانا محمد وآله وأصحابه الكرام ، والحمد لله رب العالمين .
وكتبـه : أبو عبد الله
الحسين بن موسى بن الحسين اللحيـدي
تم الفراغ منه عصر يوم الأحد 3محـرم 1420 هـ
الموافق 18/4/1999.
( 1 ) رواه البخاري في الصحيح (7/165) ، وأحمد في المسند ، والطيالسي ، وأبو يعلى ، وغيرهم .
( 2 ) في الكبير (2/88) والأوسط (1/290) .
( 3 ) رواه مسلم (18/27) .
( 4 ) سورة الدخان (15) .
( 5 ) الأوسط للطبراني (1/488) .
( 6 ) رواه البخاري (13/78) .
( 7 ) شرح النووي (18/28) ، وقال الحافظ بقول النووي في الفرق بينهما ورجح أنها التي خرجت بقرب المدينة .
( 8 ) الإختيارين (144) .
( 9 ) الطبقات لإبن سعد (7/6) .
( 10 ) الهيثمي (7/310) .
( 11 ) تصحيفات المحدثين للعسكري (21) ، وروى حديث علي في الريح الترمذي في كتاب الفتن (4/494) من غير ذكر البصرة .
( 12 ) قال أبو نصر : والكلاء ، والمكلا : مكان ترفأ فيه السفن ، وهو ساحل كل نهر .أبو علي القالي في أماليه (1/224).
( 13 ) رواه أبو داود (4/113) .
( 14 ) ذكره الهيثمي (8/14) .
( 15 ) رواه الترمذي (4/495) .
( 16 ) رواه الحاكم في المستدرك (4/437) قال الذهبي : منكر . وقال السيوطي : رواه البزار والحاكم بسند ضعيف . قلت : والحديث وإن ضعف من جهة السند فلِمَتنِهِ شواهد كثيرة ، وقد صح عن رسـول الله في الخسف وخروج تلك النساء في آخر الزمان .
( 17 ) رواه في المستدرك وصححه (4/436) ، حدث فيه ابن عمرو عن رسـول الله بخبر تلك المراكب والنسوة العاريات فقال : ( سيكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر حتى يأتوا أبواب مساجدهم ، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف ) هكذا رواه الحاكم وعند غيره بلفظ : ( يركبون على سروج كأشباه الرحال ) وهذا اللفظ يؤيد قولي أن المراد بالجمع السراج وليس السرج ، لأن السرج لا يوضع إلا على الخيـل ، والرحال إنما يحمل عليها المياثر ، وبهذا يفهم أن المراد بالسروج غير ما تبادر إليه فهم الكثير ، وإنما المراد هذا السراج الذي في مقدمة المركبة في زماننا ، وهذا الوصف للمركبة بأعجب ما فيها ، وأكثر ما يميزها ، ولم ينفرد هذا الحديث بوصف هذه المراكب ، ففي سنن أبي داود عن رسول الله قال : ( تكون إبل للشياطين وبيوت للشياطين ، فأما إبل الشياطين فقد رأيتها ، يخرج أحدكم بجنيبات معه قد أسمنها فلا يعلوا بعيراً منها ، ويمر بأخيه قد انقطع به فلا يحمله ، وأما بيوت الشياطين فلم أرها ) وكان سعيد يقول لا أراها إلا هذه الأقفاص التي تستر الناس بالديباج . وفي سنن سعيد بن منصـور عن كعب الأحبـار قال : لا يزال الله عز وجل يعطي هذه الأمة حتى يعطيهم أحسن مشي الدواب (2/317) ، وهذا مما استفاده كعب مـن قول نبيهم ناحوم : تهيج المركبات في الأزقة . تتراكض في الساحات منظرها كمصابيح تجري كالبروق . وسيأتي تفصيل الكلام في هذا إن شاء الله تعالى .
( 18 ) غريب الحديث (1/228) .
( 19 ) ورد ذلك في نص الحديث الذي رواه ابن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( سيكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر حتى يأتوا أبواب مساجدهم نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف ) الحاكم (4/436) وهذا لفظه . وعند غيره : ( يركبون على سروج كأشباه الرحال ) وهذه الصفة في النساء متحققة اليوم في أكثر نساء هذا الجيل التعيس ) وأفادت الأحاديث الأخرى أن تلك النسوة أيضا يركبن هذه المياثر أو السروج ، فصار وجود تلك النسوة في الخارج على هذه الصفة وهن يركبن السيارات وهي أيضا على هذه الصفة المطابقة لما ورد في الخبر ، أظهر حجة على أن نساء العصر مراده بالخبر وتلك السيارات أيضا وكل من السيارات وتلك النسوة أظهر أمارة للخسف المذكور كما بينت تلك الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله في حديث الحاكم : ( يركبون على المياثر ) دال على ما ذهبت إليه من أن المراد بالسروج جمع سراج وليس سرج ، فالمياثر تحمل على الرحال ، والسرج إنما تحمل على الخيل ، والحديث الإشارة فيه إلى الرحل لا الخيل حتى يظن أن المراد بالخبر السرج ، وهذا ما فهمه كثير ممن قال بتأويل الخبر ، وعلى هذا فالمراد بتفسير عياش عند الحاكم لما سئل عن معنى المياثر في الحديث قال : إنها سروج عظام . المراد ليس هو السرج وإلا لخالف هذا التفسير متن الحديث نفسه ، فهو ناطق بالمياثر أو الرحال ، ولا شأن للخيل بذلك الوصف ، وإنما المراد السراج الذي نراه اليوم في مقدمة هذه السيارات ، وفي هذا زيادة فائدة في تعيين ماهية هذه العلامة التي أخبر عنها الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة والسلام .
وقد ورد خبر هذه المراكب على لسان نبي من أنبياء بنى إسرائيل وجاء إخبار رسول الله عن هذه العلامة تأكيداً لما نبأ عنه الأنبياء من قبله عليهم السلام ، قال النبي ناحوم : تهيج المركبات في الأزقة تتراكض في الساحات منظرها كمصابيح ! تجرى كالبروق ! اهـ . وهذا إليه المنتهى في وصف هذه السيارات ، ومن يصدق أن يعلم بهذه السيارات على هذه الصفة قبل آلاف السنين إلا نبي يوحى إليه من الله تعالى . وسيأتي لاحقا نقل كلام هذا النبي وبيان متى يتحقق هذا على وفق ما نقل عنه عند بني إسرائيل ، وهذه الحقيقة في وصف ماهية هذه المراكب معلومة من غير لبس عند بني إسرائيل ، ويقول الغبي كيف أنهم سباقون لإختراع مثل هذه الأشياء ، وهم في الحقيقة يجتهدون لتحقيق كلام الأنبياء فيسبقون لبعض ما نراه من عجائب في عالم اليوم ، والسيارات من الأمثلة على ذلك ، وكذلك صعودهم إلى القمر ! . وفي سنن سعيد بن منصور عن كعب الأحبار قال : لا يزال الله عز وجل يعطي هذه الأمة حتى يعطيهم أحسن مشي الدواب ! . السنن (2/317) وهذا لا شك مما استفاده كعب من وحي الأنبياء . وما ذكرته سابقا عن رسول الله في وصف السيارات ليس هو كل ما جاء عنه في ذلك بل روى أبو داود في وصفها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( تكون إبل للشياطين ، وبيوت للشياطين ، فأما إبل الشياطين فقد رأيتها ، يخرج أحدكم بجنيبات معه قد أسمنها فلا يعلوا بعيرا منها ويمر بأخيه قد انقطع به فلا يحمله ، وأما بيوت الشياطين فلم أرها ! ) وكان سعيد يقول : لا أراها إلا هذه الأقفاص التي تستر الناس بالديباج . قلت : بل هي السيارات .
( 20 ) عبدالرزاق (11/252) .
( 21 ) الترمذي (4/495) .
( 22 ) أبو يعلى في المسند (8/248) .
( 23 ) الطبراني في الأوسط (2/500) ، والداني في الفتن (3/711) .
( 24 ) رواه أحمد ، وأبو داود ، والحاكم وصححه .
( 25 ) وسواء صح هذا عنه أم لا ، فأنا لا أشك بأن صدام حقق في ذلك الغزو رؤى أنبياء بنى إسرائيل بمباركة أمريكا وبريطانيا ومن دار بفلكهم ، تنفيذا لإتمام المخطط الصليبي الصهيوني ، أليس هؤلاء هم مهندسي التاريخ ونبوءة الحكومة العالمية ! ، والسلام المنتظر ! . وورد في كتاب الخروج من بين الرماد لأندرو و با تريك قولهم : وفي زيارة للكويت بعد الاجتياح ، تحدث صدام إلى ثلاثين من كبار قادته فقال : إن قرار غزو الكويت هو قرار تلقيناه شبه جاهز من الله وأن دورنا أن ننفذه .الرأي العام (6سبتمبر1999) .
( 26 ) جريدة القبس الكويتية (8151-3/3/1996) .
( 27 ) نعيم في الفتن (1/246) .
( 28 ) نعيم في الفتن (1/333) ، وذكره في العرف الوردي عن نعيم إلا أنه قال : المهدي . (2/73) .
( 29 ) رواه مسلم (18/20) .
( 30 ) رواه مسلم (18/38) .
( 31 ) دانيال الإصحاح (8) .
( 32 ) مثل قولهم أن موسى أمر برجم الذي يسجد للشمس أو للقمر أو لكل من جند السماء . تثنية (17/3) وكما أمر يوشيا بإخراج الآنية من الهيكل المصنوعة للبعل والشمس والقمر ولكل أجناد السماء . الملوك الثاني (23) . وغير هذا .
( 33 ) ومن غير المستبعد أن يكون وجود الشيوعية واعتناق الروس لها فبركة ماهر لتنتهي أخيراً أمام أمريكا وتنحل من غير حرب ، تحقيقاً لكلام دانيال هنا .
( 34 ) في النسخة المطبوعة بالعربية : يعبدون . وهذا قطعا باطل وتحريف لكلام النبي ، فلا تجوز العبادة لأحد من دون الله ، لا للمخلص ولا لغيره من مخلوقات الله . والذي أدرج هذا اللفظ على النبوءة مشرك بالله أراد تعظيم سيرة المخلص بما يسخط الله ، فالله حسيبه .
( 35 ) دانيال الإصحاح (7) .
( 36 ) في هذا أبلغ رد على منكري التآمر اليهودي والصليبي ، بحجة الكلام في عالم المجهول يبقى لا حقيقة له .
( 37 ) نعم ، ازدادت معرفة اليهود والنصارى ، أما حثالة العرب فهم كالغنم لا عقول لها .
( 38 ) دانيال الإصحاح (12).
( 39 ) جريدة الأنباء الكويتية (7029-6ديسمبر 1995) .
( 40 ) سورة الإنشقاق (18-21) .
( 41 ) سورة تبارك (3) .
( 42 ) وصف بالزبور أيضا كذلك في قوله : نسله إلى الدهر يكون ـ أي محمد ـ وكرسيه كالشمس أمامي ، مثل القمر يثبت إلى الدهر . المزمور (89/36) . والمراد تمثيله بالقمر هنا المهدي ، فهو الذي من نسل المصطفى والكرسي كناية عن الملك .
( 43 ) سورة الشمس (1-2) .
( 44 ) سورة هود (17) .
( 45 ) سورة الرعد (43) .
( 46 ) سبق ذكره .
( 47 ) رواه ابن ماجة (4084) ، والحاكم (4/463) عن سفيان عن خالد عن أبي قلابة ، وصحح هذا الحديث القرطبي والبصيري ، وقد جهل الألباني حين رمى هؤلاء بالذهول عن علة إسناد هذا الحديث كما زعم ، وهي عنعنة أبي قلابة ، ولم يكتفِ بهذا بل كذب على الذهبي ونسب إليه أنه حكم على هذا الحديث بأنه منكر ، وليس كما قال ، بل أنكر الذهبي الحديث من رواية شريك عن علي بن زيد عن أبي قلابة عن ثوبان ، ولهذا ذكر إسناد سفيان وعبد العزيز بن المختار عن خالد عن أبي قلابة ، فقال : عن أبي أسماء عن ثوبان . هكذا مؤكداً على قول أبي قلابة عن أبي أسماء ، وهذا يعد من تلبيس وتدليس الألباني ، وعبثه بالأسانيد عن رسول الله ، وكلام أهل العلم في علل الحديث . وقد عرف عن الذهبي موافقة الحـاكم على تصحيـح حديث ثوبان من طريق سفيان . ومشكلة هذا الألباني مع هذا الحديث إنكاره وصف المهدي بأنه ( خليفة الله ) تعالى ولذا أراد التوصل بالحكم بنكارة الحديث رد هذا الوصف ، وهذا من جهله ، إذ أنها واردة من أكثر من وجه ، وسبق وأبطلت هذا الوهم ـ راجع حاشية رقم 59 في الفصل الثاني من هذا الكتاب 1/59 ـ ودعواه عدم ورود وصف المهدي بأنه ( خليفة الله ) من طريق ثابت كذب ، فمنها حديث سفيان هذا ، وحديث حذيفة من طريق نصر بن عاصم عن سبيع عندما سأل رسول الله عن الخير والشر بعده ، قال : ( إن كان لله خليفة في الأرض فأطعه ) رواه أبو داود (4/95) ، والحاكم (4/433) ، وعند الطيالسي (ص95) عن أبي التياح عن زيد بن صخر ـ وفي سنن أبي داود صخر بن بدر (4/96) ـ عن سبيع ، مثل لفظ حديث نصر بن عاصم ، وعند أحمد بلفظ : ( فإن رأيت يومئذ خليفة الله في الأرض فالزمه ) ولفظ حديث صخر بن بدر يشهد له حديث سفيان في الرايات والمعنى أن الإضافه هنا إضافة تشريف وتكريم وليس المعنى النيابة ، ومن فهم هذا من الحديث فأنكره لهذا فهو غبي كليل الإدراك ، وإنما الحديث يشير إلى رجوع تعين هذا الخليفة إلى الله تعالى وحده ، بمعنى أن لا يوكله إلى نفسه ولا إلى أحد سواه سبحانه ، ولذا أضافه إلى الله سبحانه . وواقع الحال يفسر معنى هذه الإضافة بما لا يمكن أن يدركه هؤلاء الجهلة . ومع تحريف الألباني لمراد الذهبي بقوله : أراه حديثاً منكراً . والذهبي إنما أراد حديث زيد لعدم وجود ذكر لأبي أسماء ، فقد جزم الألباني على هذا الذي استدركه الذهبي على إسناد حديث أحمد عن شريك عن علي بن زيد ، بأنه من أوهام علي بن زيد ، وهذا عجب من هذا الرجل ، يكثر الهذيان مع سوء أدب مع هؤلاء العلماء ، والأجدر أن يستدرك على الذهبي لو لم يقصر ، وينقل كيف أن الحديث روي عن علي بن زيد موصولاً ، والعهدة إنما هي على من هو دون علي بن زيد ، فيسلم بذلك علي بن زيد ، بدلاً من الكلام في الرجل بما ليس فيه ، والألباني أراد أن يصيب من علي والذهبي وكل من صحح هذا الحديث ، ومن أبي قلابة وعنعنته ، إلا أنه لم ينل إلا ما ذكرت ، وحديث علي رواه البيهقي من طريق كثير بن يحيى ثنا شريك عن علي بن زيد عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان رفعه : ذكره ابن كثير في التاريخ (6/251) فسلم علي من لسان الألباني ومن إنكار الذهبي في الميزان ، ويبقى تذرع الألباني بعنعنة أبي قلابة ، وما هي إلا حجة متطفل ، ولا أدري ما قوله في سائر رواياته عن أبي أسماء بالعنعنة في الصحيح وغيره من السنن ، فهل ثبت عدم التدليس ، ومن أشهرها ما رواه مسلم عن أيوب عنه عن أبي أسماء عن ثوبان رفعه : ( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ) ورواه أبو داود والترمذي بالعنعنة وهو محمول على الاتصال عندهم ، فقد ثبت لقاؤه لأبي أسماء والأخذ عنه ، والغريب أنه قلد الذهبي في قوله بتدليسه ، وترك تصحيحه لحديثه عند الحاكم وهو تحكم . وهنا فائدة أحب الإشارة إليها وتدل على أن الأئمة قديماً لم ينكروا في هذا الحديث عنعنة أبي قلابة ، ولا ذكر ( خليفة الله ) تعالى حتى بلغ الأمر بأحمد أن يروي هذا الحديث من طريق علي بن زيد وذكر المتن مختصراً ، وأثبت فيه قوله : ( خليفة الله ) ولم يذكر أحمد في إسناده أبا أسماء ، ورواه غيره من طريق شريك فذكره ، فتحمل أحمد هذه الرواية عن أبي قلابة وسبب هذا والله أعلم عدم تمكن أحمد من حديث خالد الحذاء عن أبي قلابة الذي رواه سفيان وعنه شيخ أحمد عبدالرزاق ، ولم يجد الإمام الرواية إلا من طريق شريك فرواها عنه مع قوله عنه : كان لا يبالي كيف حدث . ومع هذا حمل هذا الحديث عنه ، وهذا لإحسان الظن بأحمد وإبعاد أن يكون قد قلد ابن عليه برد هذا الحديث من طريق خالد ، قال رحمه الله تعالى : قيل لإبن عليه في هذا الحديث فقال : كان خالد يرويه فلم يلتفت إليه ، ضعف ابن عليه أمره ـ يعني حديث خالد عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان عن النبي في الرايات ـ قلت : خالد ثقة والحديث رواه سفيان عن خالد ، فلا يلتفت لقول ابن عليه . والملاحظ هنا عدم اعتبار عنعنة أبي قلابة علة في الحديث في هذا الإسناد ، ولو كانوا يعتبرونها علة لاحتجَ بها ابن عليه ، وهذا على خلاف ما قاله الألباني . كتاب العلل لأحمد (1/370) ، الميزان (3/128) ، السلسلة الضعيفة للألباني (1/119) .
( 48 ) سورة الأنبياء (105-106) .
( 49 ) سورة النور (55) .
( 50 ) سورة الحج (51) .
( 51 ) سورة البقرة (17) .
( 52 ) سورة الملك (30) .
( 53 ) في الإصحاح الثاني من سفر إشعياء : ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتا في رأس الجبال ويرتفع فوق التلول وتجري إليه كل الأمم … فيقضي بين الأمم وينصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل اهـ . وقد اتخذت هذه النبوءة شعاراً للأمم المتحدة وخطت على واجهة مبناها في نيويورك . فأنظر كيف أن العالم كله على معتقد اليهود في التحاكم !! . وما بقي إلا ظهور المسيح ، والإدارة قائمة على أتم وجه .
( 54 ) جريدة الوطن الكويتية (2/8/1996) .
( 55 ) النبوءة والساسة لغريس هالسل (47) .
(56 ) الكثير من النخبة والعامة في عالمهم يعتقد بقرب ظهوره . وربط الواعظ هال ليند ساي بين تحقيق نبوءة الكتاب المقدس بنهاية العالم وبين ما يحدث الآن ، وذلك في كتابه كوكب الأرض العظيم الذي انتهى ، وبيع من هذا الكتاب (25) مليون نسخة في جميع أنحاء العالم . وقال هليل شوارتز وهو أحد المراجع الجادة : أن سنة (2000) تبدو للكثيرين على أنها ستصبح ألفية حقيقية . وقال روث مونتجمري الصحفي السابق بالبيت الأبيض الذي يدعي القدرة على استحضـار الأرواح : أنها تنبأت بأن المسيح الدجال قد ولد بالفعل !! ، وأنه سيصبح قائداً عالميا قويا ( يلمح بهذا للمهدي ) . هذا ورد في كتاب الاتجاهات الكبرى عام (2000) لجون نيصبات وباتريشيا ابردين . وذكر جيمس ميلزا الرئيس السابق لمجلس الشيوخ في ولاية كاليفورنيا لريغان : إن الشيء الوحيد الذي ينص عليه الكتاب المقدس بوضوح هو أن العودة الثانية للمسيح لا يعرف أحد متى ستحدث ، فرد ريغان بصوت عال : إن كل شيء يأخذ مكانه . لن يطول الوقت الآن ! . ويقول برتسون : إن ما أثارني هو أن ريغان قد نما روحيا بشكل كبير .. لقد تملكني الشعور بأن ريغان يدرك تماما ما أهداف الله في الشرق الأوسط !! ومن أجل ذلك السبب فإنه يشعر بأن المرحلة التي نمر بها الآن هي مرحلة بارزة طالما أن الأحداث الواردة في الكتاب المقدس تتحقق في هذا الوقت !. واتصل بتوم داين من لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية ، وهي أكثر اللوبي المؤيد لإسرائيل قوة فقال له : وإنني أستند إلى أنبيائك القدامى في العهد القديم وإلى المؤشرات التي تخبر مسبقاً بهرمجدون . وإني أتساءل إذا كنا الجيل الذي سيشهد ذلك . لا أعرف إذا كنت قد لاحظت مؤخرا أيا من هذه النبوءات ، ولكن صدقني إنها تصف الذي نمر به . ( النبوءة لغريس هالسل 48-52) وقد قرأ ريغان كتاب ليند ساي الذي كان موضع نقاش متعدد العام (1971) ومن أبرز المؤشرات عند ريغان الدالة على قرب النهاية ، منها توحيد القدس عام (67) بقوة الجيش الإسرائيلي . ومنها عودة أولاد إسرائيل إلى الأرض الموعودة ، وقد تحقق هذا أخيراً بعد (2000) ولأول مرة برأيه يبدو كل شيء في مكانه بانتظار معركة هرمجدون والعودة الثانية للمسيح . وكان يقول : حتى طريقة نقل أبناء إسرائيل التي سيستعملونها فسرها النبي ، لقد قال : بعضهم يأتي بالباخرة وبعضهم يعود كالحمام . وبكلمات أخرى سيأتون بالباخرة أو الطائرات . وكان دوغ ويل الإنجيلي يقول : أنه سمع ريغان يقول : إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيرى هرمجدون . ويقول كبير قساوسة السويد باستراستانلي شوبيرج : تستطيع أن تقرأ ما قاله المسيح عن المستقبل عندما تتأمل ما يحدث في عالمنا اليوم ، عندما يعود اليهود إلى دولة إسرائيل بأرض إسرائيل ، وعندما تتجمع كميات من الصراعات في الأرض ، وعندما يعم اللهب وتعم الزلازل ، وعندما تغيم الشمس فوق الكويت !! بعد الحرب . هذا هو بالضبط ما تنبأ به يسوع ، وكل هذه الأحداث المفجعة ستحدث مباشرة قبل المجيء الثاني للمسيح . ( مناظرتان في استكهولم تعريب على الجوهري ص 118 ) ولا يستغرب هذا الحماس من هؤلاء الزعماء وغيرهم لاعتقاد تحقق العلامات وقرب ظهور المسيح المخلص ، وهم يجدون في إنجيل متى هذا القول : بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطى ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوات السماوات تتزعزع . وحينئذ تظهر علامـة ابن الإنسان . حينئذ تنوح جميع قبائل الأرض .. هكذا أنتم متى رأيتم هذا كله فاعلموا أنه قريب على الأبواب . الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله . متى (24/29) وفي هذا الكلام حجتهم على قرب وقوع الأمر ، والمراد بالجيل : الجيل الذي يدرك هذه العلامات . وقوله : تظلم الشمس والقمر . يحمله القس السويدي على دخان فتنة صدام العراق . وأما ريغان فيرى تحقق الكثير من العلامات حاصل اليوم ، وفي هذا أبلغ إنذار على عظم الخطر الذي سيحيق بأهل الغفلة من هذه الملة التي نام أهلها وغفلوا عما فيها مـن علم وخير في الوقـت الذي فيه زعيم من زعماء أعظم دولة تقودهم كالخراف ، يفكر ويتصور النبوءات على هذا النحو .
( 57 ) ما بعد السلام (38، 39) ، وراجع كتابه (1999) نصر بلا حرب .
( 58 ) إشعيا (49/8) .
( 59 ) إشعيا (42/6) .
( 60 ) إشعيا (61/1) .
( 61 ) لوقا (4/17) .
( 62 ) إشعيا الإصحاح (46/10) (41/2) (35/4) .
( 63 ) رواه عبد الرزاق (11/371) ، وغيره . وهذا الحديث روي عن أبي سعيد في خبر المهدي من غير وجه ، ولا يصح قول الطاعن في الحديث من أجل العبدي ، وهل ترك حديث المهدي إلا للعبدي وأمثاله .
( 64 ) رواه مسلم في كتاب الزكاة (7/97) .
( 65 ) إشعيا الإصحاح (35/8) (48/21) .
( 66 ) وأيضا ادّعوا قول إرميا : ها أنذا آتي بهم من أرض الشمال وأجمعهم من أطراف الأرض . بينهم الأعمى والأعرج والحبلى والماخض معا . جمع عظيم يرجع إلى هنا . بالبكاء يأتون وبالتضرعات أقودهم . أسيرهم إلى أنهار ماء في طريق مستقيمة لا يعثرون فيها . (31 /8) .
( 67 ) سبينوزا : رسالة في اللاهوت (239) .
( 68 ) دانيال الإصحاح (9/2) .
( 69 ) قامـوا مـن ضلالهم بجرف التربة من جنوب لبنان ونقلها لإسرائيل ، لتكون أرضهم خصبة بالقوة . ( الوطن الكويتية 8/11/1998 ) .
( 70 ) إشعيا الإصحاح (59/18) .
( 71 ) إرميا (46/10) قال م.ريجسكي في كتابه أنبياء التوراة :أرض الشمال هي تسمية يطلقها النبي على بابل(ص212).
( 72 ) رواه الطبراني في الأوسط (3/276) وقال : تفرد به أبو غاضرة ، ولم يروَ عن عمر إلا بهذا الإسناد . وله شاهد روى عن سلمة بن سعد أنه وفد إلى النبي هو وجماعة من أهل بيته وولده : فاستأذنوا ، وانتسبوا إلى عنزة ، فقال : ( بخ ، بخ ، نعم الحي عنزة مبغي عليهم منصورون مرحبا بقوم شعيب وأختان موسى ) ذكره أبو عمر في الاستيعاب وقال لم يروه غير ابنه سعد (2/204) ، وفي الإصابة قال : رواه الطبراني وفي الإسناد من لا يعرف ، أخرجه ابن قانع . الإصابة (3/147) . وذكره ابن كثير في التاريخ واستبعد أن يكون المراد عنـزة ربيعة ، وتأول أنهم من العرب العاربة ، وهو تأويل فاسد من غير حجة . التاريخ (1/173) . وراجع (2/181-182) من هذا الكتاب فهناك فائدة بيان تعلق ذكر عنـزة بالمشرق والنصرة ، وبيان اجتماع فضل نسب شعيب ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المهدي المنتظر .
( 73 ) راجع غريب الحديث للخطابي (1/175) .
( 74 ) حديث عبد الله بن الحارث رواه ابن ماجة ، والطبراني في الأوسط عن ابن لهيعة عن عمرو ابن جابر عن ابن الحارث . ابن ماجة (4088) ، والأوسط للطبراني (1/200) ويشهد لمعنى الحديث ، حديث ثوبان وابن مسعود . وقد سبق تخريج حديث ثوبان . وحديث ابن مسعود رواه الحاكم (4/464) ، وابن ماجة (2/517) وهو مروي من غير وجه .
( 75 ) أخرجه نعيم في الفتن (1/371) ، وقال الذهبي في الميزان (1/462) : موقوف وهو منكر . ولا أدري مـا المنكر من الحديث .
( 76 ) الفتن (1/31) .
( 77 ) النبوءة لغريس هالسل (ص49) .
( 78 ) النبوءة لغريس هالسل (ص50) .
( 79 ) حزقيال الإصحاح (38) .
( 80 ) حزقيال الإصحاح (21/25) وما ذكر في أوله أن هذا كائن على يد ملك بابل كذب وتلبيس ، إنما يقع في زمان النهاية .
( 81 ) سبق تخريجه .
( 82 ) سورة البقرة (4) .
( 83 ) إشعيا (3/13) إلى آخره باختصار .
( 84 ) سبق تخريجه في الفصل الثالث حاشية رقم (74) .
( 85 ) رواه الداني (4/813) .
( 86 ) رواه عبد الرزاق (11/381) ، والبخاري (1/178) في أكثر من موضع ، ومسلم (16/221) .
( 87 ) ( الله ) لزيجريد هونكه (22) .
( 88 ) ويكفي لمعرفة هذا الحقد على الله عز وجل تتبع إضافات كتبة العهد القديم لعنهم الله تعالى على حسب المسطور اليوم في كتابهم . فقد أضافوا على كلام داود في آخر المزمور (89) بعد قوله : نسله كالدهر يكون وكرسيه كالشمس أمامي . مثل القمر يثبت إلى الدهر . قولهم : لكنك رفضت ورذلت . غضبت على مسيحك . نقضت عهد عبدك نجست تاجه في التراب. هدمت كل جدرانه اهـ . وغير هذا مما فيه حقد وافتراء على الله تعالى . وكذلك قولهم في المزمور (44) : لكنك قد رفضتنا وأخجلتنا ولا تخرج مع جنودنا .. جعلتنا كالضأن أكلاً . ذريتنا بين الأمم اهـ . وهل يجمع هذا مع كلام الأنبياء وينسبه لله تعالى إلا حاقداً إنتهازي ، لم يدعِ الإيمان بكلام الأنبياء إلا مـن أجل الافتراء على الله وأنبياءه ، وادعاء ما لم يقوله الله .
( 89 ) الفتح (7/150) .
( 90 ) حبقوق الإصحاح (3/8) .
( 91 ) إرميا (23/19) ، وأعيد ذكره في (30/23) .
( 92 ) إرميا (10/13) .
( 93 ) الضمير هنا يعود لسبيهم على يد نبوخذ نصر .
( 94 ) وهذه صفة مميزة لجميع الرجال في هذا الزمان ، وكثرة حلاقي الشعر شاهد على صدق هذا !! .
( 95 ) تأويل هذا بما هو محقق هذه السنوات من كثرة الكوارث التي يضرب الله تعالى بها الأرض ، وقد كثر موت البشر نتيجة ذلك ، ففي عام (96) فقط وقعت (600) كارثة بضمنها (200) إعصار و (170) فيضاناً و (50) زلزالا ، أي أكثر بـ(23) كارثة من عددها في عام (95) . ( جريدة الشرق الأوسط 6925 - 13/11/97 ) . وما زال الأمر بازدياد ، راجع (2/68) من هذا الكتاب .
( 96 ) إرميا (25/15) .
( 97 ) سورة الإسراء (58) .
( 98 ) الحربي في غريب الحديث (3/956) ، ومسلم في الفتن (18/13) .
( 99 ) إشعيا (66/15-18) .
( 100 ) ابن الغريب أغلف القلب وأغلف اللحم لا يدخل مقدسي . حزقيال (44/9) . وهذا يقطع الطريق على من يتأول أن الغرلة ليست على المعنى الحسي بل المعنوي ، وهو ما أحدثه بولس في ما سمي بعد بالنصرانية ، بل هي غرلة حسية روعهم الحكم بوجوب إزالتها فاحتالوا للتنصل من ذلك ، وعادت حيلتهم لعنة عليهم إذ ورد في الإنجيل الصحيح أنه لا يدخل الجنة أغلف .
( 101 ) إشعيا (48/21) ، (52/1) .
( 102 ) صفنيا (1/14-18) .
( 103 ) داود (75/8) .
( 104 ) إشعيا (30/30) .
( 105 ) يوئيل (2/11) .
( 106 ) إشعيا (18/3) .
( 107 ) إشعيا (5/26) .
( 108 ) وما زالوا يرددون في صلواتهم : انفخ في بوق لأجل حريتنا ، وارفع علمـا لجميع مشتتينا ، واجمعنا من أركان الأرض الأربعة معاً إلى أرضنا . ويقولون : إننا منذ الأزل وضعنا أملنا فيك . الفكر الديني لحسن ظاظا ( 157) .
( 109 ) إشعيا (27/13) .
( 110 ) وكذلك ذكر النفخ في البوق سفر زكريا قال : ويُرى الرب فوقهم وسهمه يخرج كالبرق والسيد الرب ينفخ في البوق ويسير في زوابع الجنوب . (9/14) وقال : أصفر لهم وأجمعهم لأني قد فديتهم . (10/8) .
( 111 ) المزامير (46/4) اللفظ للنسخة الكاثوليكية .
( 112 ) المزامير (17/44) اللفظ للنسخة الكاثوليكية .
( 113 ) حزقيال (34/12) .
( 114 ) روى حديث ابن عمر مسلم (3/176) ، وأما حديث أبي هريرة فرواه البخاري (4/93) ، ومسلم (2/176) .
( 115 ) مسلم (2/175) .
( 116 ) داود (29/10) .
( 117 ) ناحوم (1/4-7) .
( 118 ) داود (9/10) (36/39) الكاثوليكية .
( 119 ) داود (36/34) الكاثوليكية .
( 120 ) هذا الذوبان للجليد الآن حقيقة ثابتة عند هؤلاء وقد علموا ما يترتب على هذا الأمر من مخاطر ، وقد تقرر هذا الأمر العظيم في زبور داود عليه السلام صريحاً فقال : أضاءت بروقه المسكونة . رأت الأرض وارتعدت . ذابت الجبال مثل الشمع قدام الرب قدام سيد الأرض كلها . أخبرت السماوات بعدله ورأى جميع الشعوب مجده . م (97/4) .
( 121 ) جريدة الشرق الأوسط (9380 - 29/12/1416 هـ 17/5/1996) .
( 122 ) ذكرها الهيثمي (7/328،333) ومن العجب أن حديث عبد الرحمن الأنصاري جمع بين كثرة المطر وكثرة القراء وأيضاً كثرة الأمراء ، وجعل كل ذلك دليلاً على اقتراب الساعة ، والواقع يشهد للحديث ويصدقه ، فها هو المطر يكثر والأمراء والقراء أكثر ما يكونوا في عصرنا هذا . فسبحان الله الذي جعل وجودهم من أظهر العلامات على قرب قيام الساعة . وها هو أيضاً المطر يصب على العالم صبا وهم ينظرون ويعلمون ، حتى إذا أنكروا عن أنفسهم ، ما وسعهم إنكار كثرة المطر والسيول .
( 123 ) حصدت الكوارث عام (96) أرواح (11) ألف شخص وكان مجموع الكوارث (600) كارثة أي أكثر بـ(23) كارثة من عددها عام (95) ، بينما راح نتيجة الكوارث عام (98) عدد ( 52850 ) وهذا إحصاء صادر عن هيئة الأمم ، ولقب بعام الكوارث الأسود . ( جريدة الوطن 24 يونيو 99 ) واعتبر هذا العام أدفأ عام ، ويعد عام تاريخي للمجاعة . راجع ( الوطن 8/7/98 ، والرأي العام 11455) .
( 124 ) داود (23/12،16) .
( 125 ) زكريا (4/6) الكاثوليكية .
( 126 ) هوشع (1/7) الكاثوليكية . وقد ذكر كتبة العهد اليهودي هنا آل يهوذا إلحاقاً للنبوءة من باب الإدعاء فلا يلتفت لدعواهم وجميع هذه النصوص في الخلاص ليست فيهم ، وكل ما جاء فيها يشير لهم فاعلم أنه مدسوس على النبوءات .
( 127 ) ميخا (7/15) .
( 128 ) د . رشاد الشامي ( القوى الدينية في إسرائيل 125) .
( 129 ) التثنية (31/30،29،26) .
( 130 ) اللاويين (26/33) .
( 131 ) سورة الأعراف (52-53) .
( 132 ) سورة القصص (48) .
( 133 ) د .منى ناظم ( المسيح اليهودي166) .
( 134 ) سورة يونس (20) .
( 135 ) سورة الرعد (38) .
( 136 ) سورة هود (121-123) .
( 137 ) سورة غافر (78) .
( 138 ) سورة العنكبوت (39) .
( 139 ) سورة طه (133-135) .
( 140 ) التثنية (18/18) .
( 141 ) أحمد ديدات ( ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد ص36) .
( 142 ) سورة المائدة (41) .
( 143 ) سورة الأنعام (91) .
( 144 ) سورة الزخرف (83) .
( 145 ) سورة الصافات (171-179) .
( 146 ) سورة هود (110) .
( 147 ) سورة الشورى (14) .
( 148 ) إشعيا (46/10) .
( 149 ) ميخا (6/9) .
( 150 ) إشعيا (11/1) .
( 151 ) هكذا هو النص كما ورد في البروتستانتية ، وقد دس اليهود في النبوءة ذكر يعقوب وإسرائيل تحريفاً لها على عادتهم في تحريف الكلم من بعد مواضعه . وقد جرت العادة عندهم فيما يتعلق برسول الله والمهدي أن يدس اسم يعقوب عليه السلام بدلاً من الوصف الدال على النبي ، واسم داود بدلاً من الوصف الدال على المهدي ، إفساداً للنبوءة الدالة على الرسول وحفيده المبشر به ، مع إبقاء الباب في النبوءات مفتوحاً ليدعوا بعد ذلك ما شاءُوا . وجعلت كما الوارد هنا النقط بدلاً مما وضعوه على النبوءة حتى لا يشوش على القارئ للنص هنا في كتابي ومن أراد الوقوف على نصهم المحرف فليرجع إلى النسخ المطبوعة إن شاء .
( 152 ) العدد (24/17) .
( 153 ) التكوين (49/10) .
( 154 ) هذا يرجح ما ذهبت إليه في أن النبوءة هنا المراد بها تسلط اليهود آخر الزمان إلى حين التمكين للمهدي ثم يرفع الله تعالى تسلطهم ويزيل قهرهم ، ويرجح هذا التفسير ما ورد في نبوءة حزقيال وسورة الإسراء ، وقد بينت هذا كما سيأتي لاحقاً . راجع (2/186) وما بعدها .
( 155 ) محمد في الكتاب المقدس (78) .
( 156 ) إنجيل برنابا (94) .
( 157 ) داود (10/11) .
( 158 ) سورة الأنبياء (105-106) .
( 159 ) سورة النور (55) .
( 160 ) سورة التوبة (33) ، وسورة الفتح (28) ، وسورة الصف (9) .
( 161 ) سورة الإسراء (80-81) .
( 162 ) إرميا (1/13) .
( 163 ) سبق تخريجه .
( 164 ) إشعيا (41/25) .
( 165 ) داود (9/16) .
( 166 ) إشعيا (34/6) .
( 167 ) إشعيا (61/1) .
( 168 ) إشعيا (63/1) .
( 169 ) يوئيل (2/30) .
( 170 ) سورة الدخان (10-11) .
( 171 ) يوئيل (2/28) .
( 172 ) متفق عليه ، واللفظ للترمذي رواه في باب رؤيا النبي للميزان والدلو (4/0541) .
( 173 ) منهاج السنة (3/500) .
( 174 ) مدارج السالكين (2/51) .
( 175 ) رواه البخاري وغيره في كتاب الصيام وقيام الليل .
( 176 ) الفتح (12/380) .
( 177 ) منها رؤية للمؤلف : فقبل غزو صدام العراق للكويت بشهر تقريباً ، وقد جاء الغزو على وفق رموز الرؤيا . رأيت أمامي أمير دولة الكويت شديد سواد اللحية شديد سواد الرداء ، وقد وضع أمامه إناء فيه طعام وكان على يمينه ويساره رجلين خادمين يطعمانه ، وكان لا يستطيع هو إطعام نفسه ، وكان كلما التفت إلى أحدهم فتح فمه فألقمه الرجل لقمة وهكذا يمنة ويسرة . وكنت أنظر إلى الرجلين بتعجب شديد ، إذ كنت مذهولاً من شدة قبحهما . وقمت من منامي متحيراً منه . ثم لما وقع الغزو وحصل المقدر فهمت عندها معنى الرؤيا .
( 178 ) محمد عيسى في كتاب ( إحذروا المسيخ الدجال ص 9) .
( 179 ) محمد عزت عارف في كتاب ( المهدي بينات وعلامات ص33) .
( 180 ) جريدة الأنباء الكويتية (7678-2/10/1997) .
( 181 ) جريدة الأنباء الكويتية (7816-19/2/1998) .
( 182 ) مجلة المجالس (1166-10/12/1994) .
( 183 ) مجلة المجالس (1181-25/3/1995) .
( 184 ) مجلة المجالس (1167-17/12/1994) .
( 185 ) هذا ظن المؤلف ، وهو مبني على اعتقاد مؤداه أن المهدي والناس لا يعرفون أنه المهدي حتى يقع الخسف قرب مكة وهذا الاعتقاد الفاسد هو الذي جر إلى فتنة جهيمان في الحرم . من أجل أنه أراد القيام بمقدمات الخسف ، فخرج بمهديه بين الركن والمقام ، فوقعت الفتنة . والصحيح أن المهدي هو أول من يعرف بأنه هو المراد بأخبار النبي بمقتضى هداية الله له الخاصة . وهذا مما لا يمكن نفي تحققه إلا ببرهان شرعي لا استنباط عقلي ، خصوصاً لمن اعتقد وجود شخصه الآن .
( 186 ) طبعة مكتبة الصحوة (ص 76 وما بعدها ) .
( 187 ) سبق تخريج هذه المذاهب عن الأئمة في الفصل الأول حاشية رقم (43) .
( 188 ) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (2/248) .
( 189 ) سورة الإسراء (85) .
( 190 ) إشعيا (11/1) .
( 191 ) إشعيا (42/1) .
( 192 ) سـورة النحل (1) . وفيه قوله تعالى : ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك ) (33) النحل . وقوله : ( فإذا جاء أمـر الله قضي بالحق ) (78) غافر . وقوله : ( لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) (4-5) الروم .
( 193 ) إشعيا (13/9) .
( 194 ) مناظرتان في استكهولم : بين ديدات ، واستانلي شوبيرج . تعريب علي الجوهري (118) .
( 195 ) يوئيل (2/10) .
( 196 ) متى (24/29) ، ومرقس (13/24) ، ولوقا (21/25) .
( 197 ) عاموس (8/9) .
( 198 ) إرميا (4/27) .
( 199 ) عاموس (8/7) .
( 200 ) سورة القلم (52) .
( 201 ) سورة الزخرف (5) .
( 202 ) سورة ص (49) .
( 203 ) سورة طه (113) .
( 204 ) إرميا (51/7) .
( 205 ) إرميا (51/27) .
( 206 ) إرميا (50/41) .
( 207 ) إرميا (51/6) .
( 208 ) ناحوم (3/13) .
( 209 ) ناحوم (2/13) .
( 210 ) الشاهد لهذا في قوله تعالى : ( غلبت الروم . في أدنى الأرض .. ) سورة الروم (2-3) . فأدنى وبرية البحر سواء . ومن اللافت للإنتباه كما ورد في سفر النبي صفنيا قوله : .. ويل لسكان ساحل البحر أمة الكريتيين . كلمة الرب عليكم . الإصحاح (2/5) (ص1334) . وهذا مثل ما أن فيه تعيين للساحل ، كذلك وافق رسم اسم هذه الأمة اسم الكويتيين وهم يسكنون على الساحل بالفعل ، ولو اعتبرنا ما مر به النص من لغات وهي العبرية واليونانية واللاتينية ومن ثم الإنجليزية وبعدها العربية ، لما استبعدنا انقلاب حرف الواو إلى حرف الراء . وعلى هذا إن كان ما ورد في كلام هذا النبي حق في نفس الأمر ، وأن المراد به ما ذكرت ، فعندها سيكون هذا من أعظم الشواهد على أن ما يجري في هذه المنطقة إنما هو تنفيذاً لنبوءات الأنبياء ، أو كما يقولون خطة الله في الشرق الأوسط !! .
(211) وكذلك أتى على ذكر الزوبعة والعاصفة النبي ناحوم في وحيه على نينوى فقال : الرب في الزوبعة وفي العاصف طريقه والسحاب غبار رجليه . (1/3) . وقد أتى هذا النبي في وحيه على ذكر الحصار ووصف مركبات الغزاة بما يطابق صفة مركبات عصرنا . وقال إشعيا أيضاً في ذكر الزوبعة : الرب بالنار يأتي ومركباته كزوبعة ليرد بحمو غضبه وزجره بلهيب نار . لأن الرب بالنار يعاقب وبسيفه على كل بشر ويكثر قتلى الرب . (66/15) . وذكرها النبي إرميا قال : ها زوبعة الرب .. لا يرتد غضب الرب حتى يجري ويقيم مقاصد قلبه . في آخر الأيام تفهمون فهما . (23/19) . وقال حبقوق عما يجري آخر الأيام : لأني عامل عملا في أيامكم لا تصدقون به أن أخبر به . فها أنذا مقيم .. الأمة المرة القاحمة السالكة في رحاب الأرض لتملك مساكن ليست لها . هي هائلة ومخوفة ..وخيلها أسرع من النمور وأحد من ذئاب المساء وفرسانها ينتشرون وفرسانها يأتون من بعيد ويطيرون كالنسر!!! المسرع إلى الأكل .. وهي تسخر من الملوك ، والرؤساء ضحكة لها ! .(1/5) وقال : .. أجابني الرب وقال اكتب الرؤيا وانقشها على الألواح لكي يركض قارئها . لأن الرؤيا بعد إلى الميعاد وفي النهاية تتكلم ، ولا تكذب إن توانت فانتظرها لأنها ستأتي إتياناً ولا تتأخر . (2/1) . توافق كلام إرميا وحبقوق على أن موعد الرؤى عند النهاية ، ولا يؤمن هؤلاء أنهم فهموا هذه الرؤى الآن وجاءوا لتطبيقها في أرضنا . ألا تراهم يطيرون كالنسر ، لا بل اتخذوه شعاراً لهم ! . وهو يقبض على السهام كناية عن امتلاك القوة الموعودة . ولا يغرك أخي المؤمن ما يدسونه في النبوءات من ذكر الكلدانيين وغيرهم فما هو إلا تلبيساً على النبوءات ، فتفطن ولا تنخدع . وأصرح ما ورد في ذكر العاصفة قول حزقيال : في السنيين الأخيرة تأتي إلى الأرض المستردة من السيف . المجموعة من شعوب كثيرة .وتصعد وتأتي كزوبعة !!.وتكون وتغشى الأرض أنت وكل جيوشك وشعب كثيرون معك .حزقيال (38) .
( 212 ) إشعيا (21/1) .
( 213 ) ناحوم (2/3) .
( 214 ) ( نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق ) ليوسف رزق غنيمة (80) .
( 215 ) سبينوزا (رسالة في اللاهوت والسياسة ) (ص236) .
( 216 ) م . ريجسكي : ( أنبياء التوراة والنبوءات التوراتية ) (ص105) وراجع (ص203) في تأكيده عدم تحقق ما ورد عن بابل قديماً .
( 217 ) دانيال (12/ 4) .
( 218 ) حبقوق (2/3) .
( 219 ) التكوين (49/10) .
( 220 ) إرميا (50/13) .
( 221 ) إرميا (30/24) .
( 222 ) إرميا (50/35) .
( 223 ) رواه البخاري (13/78) ، ورواه مسلم (18/18) .
( 224 ) إرميا (46/10) .
( 225 ) إرميا (29/7) ، راجع الرسالة لسبينوزا وفيها لفظ النبوءة ، وهو ممن يؤتمن على كتاب قومه ، ولا يمكنه إلا نقلها حرفياً وإلا كذبوه ، وفيما نقله توثيق لهذا اللفظ المهم جداً (434) .
( 226 ) متفق عليه .
( 227 ) إشعيا (11/1) .
( 228 ) إشعيا (42/1) .
( 229 ) إشعيا (61/1) .
( 230 ) سورة الدخان (16) .
( 231 ) دانيال الإصحاح (7) .
( 232 ) سورة المائدة (41) .
( 233 ) إنجيل برنابا (ص94) ، وهو في المزامير (110/1) . وقد عبث اليهود بلفظ هذه النبوءة تمويهاً .
( 234 ) رواه ابن المبارك في الزهد (271) .
( 235 ) يوئيل (2/28) .
( 236 ) سورة الدخان (10-13) .
( 237 ) سورة النحل (43) .
( 238 ) سورة الإسراء (77) .
( 239 ) سورة البقرة (110) .
( 240 ) سورة يونس (62-64) .
( 241 ) رواه في كتاب التعبير الفتح (12/375).
( 242 ) مسلم في كتاب الصلاة شرح النووي (4/196) .
( 243 ) ومثل هذا اللفظ روي عن عائشة ، راجع الفتح (12/375) .
( 244 ) روى عن عبادة بن الصامت قال : سألت رسول الله عن قول الله سبحانه : ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) قال : ( هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ) رواه مالك في الموطأ (2/958) ، والترمذي (4/534) وحسنه ، وابن ماجة ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي . قال الحاكم يشهد له حديث أبي صالح السمان عن عطاء بن يسار قال : سألت أبا الدرداء عن قوله تعالى : ( لهم البشرى ) فقال : ( هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ) وفي الحديث إنه سأل عنها رسول الله . المستدرك (4/391) . ورواه الترمذي عن أبي الدرداء من غير هذا الوجه ، وفيه التصريح بالرفع . قال الحافظ : وفي الباب عن ابن مسعود وجابر وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو . الفتح (02/375) .
( 245 ) سورة الأنعام (48) ، وسورة الكهف (56) .
( 246 ) سورة الأحزاب (45) .
( 247 ) سورة البقرة (97) .
( 248 ) سورة يونس (2) .
( 249 ) سورة يونس (87) .
( 250 ) سورة يونس (93) .
( 251 ) سورة طه (86) .
( 252 ) سورة النور (55) .
( 253 ) سورة الأنبياء (105) .
( 254 ) سورة الصافات (171-172) .
( 255 ) سورة المجادلة (21) .
( 256 ) سورة يونس (64) .
( 257 ) سورة الشورى (14) .
( 258 ) المزامير (68/9) .
( 259 ) المزامير (67/12) .
( 260 ) المسند (5/343) ، والزهد لإبن المبارك (248) ، ورواه ابن حبان عن أبي هريرة باختصار (الإحسان 2/283) .
( 261 ) رواه الترمـذي مـن غير ذكـر التفسير (5/18) ، وابن مـاجة (3988) ، وابن أبي شيبة (13/236) ، وأحمد (1/398) ، وأبو يعلى (4975) ، وخلق غيرهم .
( 262 ) راجع (1/122) وما بعدها .
( 263 ) المصنف (11/202) .
( 264 ) المزامير (142/8) .
( 265 ) المزامير (38/21،5) .
( 266 ) المزامير (88/21) .
( 267 ) المزامير (36/34) .
( 268 ) المزامير (111/7) .
( 269 ) سورة الأنبياء (105) .
( 270 ) نص هذه الجملة هكذا ، ذكرها القس إكرام لمعي في الإختراق الصهيوني للمسيحية (176) . أما نص النبوءة في كتابهم على حسب المدون بالترجمة العربية : بأيام الكملة . النسخة البروتستانتية . وأما الكاثوليكية : أيام السلماء .
( 271 ) حزقيال (11/19) .
( 272 ) وقال أبو حاتم : ليس به بأس ، أحاديثه عن شهر صحاح ، لا أعلم روي عن شهر أحاديث أحسن منها ، ولا أكثر منها ، قلت يحتج به ؟ قال : لا ، ولا شهر ، ولكن يكتب حديثه اهـ . أي للاعتبار . تاريخ الخطيب (11/58) . وقال الترمذي : سألت البخاري عن شهر فوثقه . ت (4/434) راجع شرح علل الترمذي لإبن رجب (398) .
( 273 ) أبو داود (3/288) ، وأبو عمر في التمهيد (17/436) ، والحاكم عن ابن عمر (4/170) وصححه ووافقه الذهبي .
( 274 ) إصلاح غلط المحدثين (136) .
( 275 ) مسند أبي داود الطيالسي (78) تاماً ، ورواه بإختصار الحاكم (4/420) ، وابن حبان (2/287) .
( 276 ) سورة المجادلة (22) .
( 277 ) سورة البقرة (3-5) .
( 278 ) أحمد في المسند (1/84) ، وابن ماجة (4085) ، وأبو نعيم في الحلية (3/177) وقال : غريب من حديث محمد ، رواه ياسين وسالم بن أبي حفصة عن إبراهيم بن محمد عن أبيه عن علي رفعه اهـ . قال صاحب تهذيب التهذيب وقع في سنن ابن ماجة عن ياسين غير منسوب فظنه بعض الحفاظ المتأخرين ياسين بن معاذ الزيات فضعف الحديث به فلم يصنع شيئاً اهـ (11/173) . وقال المزي : ياسين بن شيبان ويقال ابن سنان العجلي الكوفي .
( 279 ) الموطأ في كتاب الطهارة (29) باب : جامع الوضوء . ومسلم (3/138) ، وأحمد (2/408) . وحديث أنس رواه أبو يعلى (6/118) .
( 280 ) الدارمـي في سننه ( 2/308 ) ، وأحمد في المسند ( 5/343 ) ، وابن سعد في الطبقات ( 7/508 ) ، والطبـراني (3538 ) .
( 281 ) رواه الدارمي في سننه (2/313) ، وغيره .
( 282 ) وروي أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهؤلاء فضيلة غفران ذنوبهـم كما لأهل بدر ، رواه أبو أمامة عن رسول الله قال : ( إن لله عباداً يجلسهم يوم القيامة على منابر من نور يغشى وجوههم النور ويلقى عنهم السيئات حتى يفرغ الله من حساب الخلائق ) قيل : من هم ؟ قال : ( المتحابون في الله عز وجل ) رواه الطبراني في مسند الشاميين (2/10) .
( 283 ) مجموع فتاوى ابن تيمية (11/367) ، وشرح النووي لصحيح مسلم (16/93) ، والحاوي للسيوطي (2/77).
( 284 ) تحقيق منيف الرتبة للعلائي (76) ، والفتح لإبن حجر (7/6) .
( 285 ) رواه البخاري في خلق أفعال العباد (124) ، والطبراني ( 3540 ) من طريق عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن ابن جبير به . ورواية أسيد أصح منها ولها شاهد .
( 286 ) تحقيق منيف الرتبة (76) .
( 287 ) الحاكم (4/85) ، وأحمد في المسند (5/343) ، وأبو يعلى (3/128) ، والطبراني ( 3537 ) .
( 288 ) الطـبراني ( 3541 ) ، وأبو عمـر في التمهيد (20/249) ، وقـال في الاستذكار على إسناده : كلهم ثقات (1/238) .
( 289 ) تهذيب مستمر الأوهام (77) .
( 290 ) المسند (5/343) .
( 291 ) تحقيق منيف الرتبة (76) .
( 292 ) التمهيد (20/250) ، والحـديث رواه أبو داود (4/123) ، والترمذي (5/257) ، وابن حبان كما في الإحسان (1/301) ، وغيرهم .
( 293 ) سورة الحديد (10) .
( 294 ) رواه الطبراني في مسند الشاميين (1/33) ويشهد لمعناه حديث عبد الله بن عمرو عن رسول الله في افتراق الأمة .
( 295 ) المزامير (37/1) .
( 296 ) سبق تخريجه في الفصل الأول حاشية رقم ( 58 ، 59 ) .
( 297 ) نعيم في الفتن (1/38) ، والبيهقي في السنن الكبرى (10/92) ، والطبري في تفسيره (7/96) ، راجع مجموعة الفتاوى لإبن تيمية (17/371) ، والسنن للداني (3/645) .
( 298 ) كتاب ( الردة والفتوح ) لسيف بن عمر الأسيدي (81) .
( 299 ) سورة الأنعام (159) .
( 300 ) كتاب ( الردة والفتوح ) لسيف بن عمر الأسيدي (160) .
( 301 ) رواه أحمد في المسند (3/187) ، وابن ماجة في سننه (2/1331) ، وابن عدي (2/394) . قال أبو حاتم : رواه زيد ابن واقد عن مكحول عن كثير بن مرة عن رجل من أصحاب النبي . فكأن هذا أشبه من ذاك اهـ . يريد رواية أبي معبد حفص . راجع علل الحديث لعبد الرحمن الرازي (2/412) .
( 302 ) رواه الطبراني في الأوسط (1/128) .
( 303 ) كتاب الورع لأحمد (193) .
( 304 ) كتاب الورع لأحمد (195) .
( 305 ) الإبانة (2/591) ، وبيان العلم (2/181) .
( 306 ) رواه نعيم في الفتن (1/186) ، وابن عدي في الكامل (5/381) .
( 307 ) جاء عنه عليه السلام أن ذلك يكون عند الفتن . فعن عبادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ستكون فتن لا يستطيع المؤمن أن يغير فيها بيد ولا بلسان ) الطبراني في مسند الشاميين (1/ 386) .
( 308 ) رواه نعيم في الفتن (1/186) .
( 309 ) رواه نعيـم في الفـتن (1/188،190) وفي (1/191) عن حـذيفة مثله . ورواه عن أبي هريرة في أحمد في المسند (2/278 ، 447 ) ، والحاكم (4/438) ، وأبو يعلى (11/288) .
( 310 ) رواه نعيم (1/138) .
( 311 ) رواه الخطيب البغدادي في موضح أوهام الجمع والتفريق (2/64) عن العرس بن عميرة عن عدي بن عميرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وله شاهد من حديث جرير بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من قوم يكونون بين ظهرانيهم من يعمل بالمعاصي هم أعز منه وأمنع ، فلم يغيروا إلا أصابهم الله بعقاب ) رواه أحمد (4/363) ، والطبراني في الكبير (2/377) ، وأبو داود (4/510) ، وابن ماجة (2/1329) ، وعبد الرزاق (11/348) ، وغيرهم .
( 312 ) تهذيب الكمال للمزي (15/104) .
( 313 ) النهاية لإبن كثير (1/98) .
( 314 ) الترمذي : باب ما جاء في الدجال ( 2234 ) ، وأبو يعلى (2/178) .
( 315 ) أبو داود (4/241) ، الضعفاء للعقيلي (2/263) .
( 316 ) رواه الخطيب في الموضح (2/430) .
( 317 ) سورة الصافات (147) .
( 318 ) راجع (2/121) وما بعدها من هذا الكتاب .
( 319 ) سورة الصافات (107-110) .
( 320 ) رواه أبو يعلى (2/516) ، راجع النهاية في الفتن والملاحم (1/78) .
( 321 ) المصنف (7/513) .
( 322 ) نعيم (1/358) .
( 323 ) نعيم (1/356) .
( 324 ) العرف الوردي في أخبار المهدي ( الحاوي للفتاوى 2/77 ) .
( 325 ) نعيم (2/571) .
( 326 ) فيض القدير (5/353) .
( 327 ) كذا في فيض القدير عن الحكيم الترمذي (5/353) .
( 328 ) الكامل لإبن عدي (6/440) .
( 329 ) قال أبو عمر في التمهيد : روي من حديث أنس وعبد الله بن عمرو من وجوه حسـان . التمهيد (20/253) رواه عن أنس أحمد في المسند ( 2/130) ، والترمذي (2873) ، وقد روي عن عمار وعمران بن حصين وابن عمر .
( 330 ) التمهيد (20/250) ، الإستذكار (1/238) .
( 331 ) فيض القدير (3/497) .
( 332 ) حكاية المناظرة في القرآن (53) .
( 333 ) شرح حديث افتراق الأمة إلى نيف وسبعين فرقة (80) .
( 334 ) سورة الدخان (13-14) .
( 335 ) سورة هود (15-16) .
( 336 ) الفتح للحافظ ابن حجر (11/243) .
( 337 ) عقد الدرر في أخبار المنتظر (218) .
( 338 ) مسلم شرح النووي (17/170) ، والحاكم (4/85) ، وغيرهم .
( 339 ) رواه أبـو يعلى (1/147) ، والحـاكم (4/86) ، قـال أبو عمـر : رواه الطيالسي في مسنده كما في التمهيـد (20/248) ، ورواه الخطيب في شرف أصحاب الحديث كلهم عن محمد بن أبي حميد . وورد في النسخة المطبوعة للإستذكار لإبي عمر ، أنه روي عن محمد بن مطرف عن زيد عن أبيه عن عمر ، وابن مطرف إمام ثقة ولا يعتمد على هذا ، فقد تصحف محمد بن أبي حميد على محقق كتاب الإستذكار . الإستذكار (1/238) .
( 340 ) ذكره أبو عمر في التمهيد عن سنيد عن خلف بن خليفة عن عطاء بإختصار (20/248) ، وقال السيوطي في الدر المنثور : أخرجه الطبراني عن ابن عباس ، وذكره مطولاً . الدر (1/61) .
( 341 ) رواه مسلم كما في شرح النووي (3/138) ، ومالك في الطهارة (29) باب : جامع الوضوء ، وأحمد (2/408) وغيرهم .
( 342 ) أشار إليه أبو عمر في الإستذكار معلقاً (1/237) .
( 343 ) قال في الدر المنثور : أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده (1/61) .
( 344 ) الإستذكار (1/238) .
( 345 ) الإستذكار (1/238) .
( 346 ) شرف أصحاب الحديث (ص32-33) .
( 347 ) تاريخ أبي زرعة (1/364) .
( 348 ) وراجع (1/125) وما بعدها من هذا الكتاب.
( 349 ) أورده ابن حجر في المطالب وقال : رواه مسدد وفيه قول عبد الرحمن الحضرمي لأهل الشام : ( أبشروا أنتم هم ) فقال له أبو البختري : أخطأت استك الحفرة . المطالب (4/337) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/274) : رواه أحمد ، وعبد الرحمن لم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات . قلت : هو عبد الرحمن بن العلاء الحضرمي . وحديثه رواه البيهقي من طريق حماد عن عطاء عن عبد الرحمن هذا . دلائل النبوة للبيهقي (6/513) ، ورواه ابن وضاح في البدع (78) .