الفصل الثالث

 

عن بسر بن عبيد الله الحضرمي قال : حدثني أبو إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول : كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله ، إنّا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ،  فهل بعد هذا الخير مـن شر ؟. قال : ( نعم ) . قلت : وهل بعد هذا الشر من خير ؟ . قال : ( نعم ، وفيه دخن ) . قلت : وما دخنه ؟ . قال : ( قوم يهدون بغير هديي ، تعـرف منهم وتنكر ) . قلت : فهل بعد ذلك الخير من شـر ؟ . قال : ( نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها ) . قلت : يا رسول الله صفهم لنا ؟ . فقال : ( هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ) . قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ . قال : ( تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ) . قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ . قال : ( فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ) متفق عليه(1) . قال ابن كثير : روي هذا الحديث من طرق كثيرة عن حذيفة ، رواه أحمد وأبو داود والنسائي من طريق نصر بن عاصم عن خالد بن خالد اليشكري الكوفي عنه مبسوطا ، وفيه تفسير لما فيه من مشكل . وقال : وأهل الحق هم أكثر الأمة ، ولا سيما في صدر الزمـان الأول ولا يكاد يوجد فيهم من هو على بدعـة ، وأما في الأعصار المتأخرة فقد يجتمع الجمع الغفير على بدعة ، وقد يخلق الحق في بعض الأزمـان المتأخرة عن عصابة يقومون به ، كما قال في حديث حذيفة : ( فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة فاعتزل تلك الفرق كلها ) . والمقصود أنه إذا ظهرت الفتن فإنه يسوغ اعتزال الناس حينئذ كما ثبت في الصحيح  : ( فإذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخويصة نفسك ، ودع أمر العوام ) اهـ(2).

 

والبخاري رحمه الله روى الحديث في كتاب الفتن وبوب له : كيف الأمـر إذا لم تكن جماعة . قال الحافظ ابن حجر : والمعنى ما الذي يفعل المسلم في حال الاختلاف من قبل أن يقع الإجماع على خليفة . ونقل عن البيضاوي قوله في الحديث : إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان ، وعض على أصل الشجرة كناية عن مكابدة المشقة . ونقل الحافظ في الشرح أيضا عن الطبري قوله : وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا، فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر ، وعلى ذلك يتنزل ما جاء في سائر الأحاديث اهـ(3). والبخاري يختار رحمه الله في الترجمة الاعتزال في حال انعدام جماعة المسلمين ولذلك أعقب تلك الترجمة ، بكراهة تكثير سواد الفتن وجواز التعرب في الفتنة وهذا من لطيف عنايته بفقه الحديث ، وحسن تبويبه رحمه الله .

 

ومن المعلوم في زماننا انعدام وجود جماعة المسلمين وإمام المسلمين ، والمراد من القول جماعة المسلمين ، كلهم لا بعضهم مما يُرَى هنا أو هناك أنهم جماعة من دون سواهم من الناس  ، وهذا بعينه التفرق والتحزب ، ودع عنك ادعائهم رابطة الإسلام أو العروبة فهم بهذا الادعاء من أكذب خلق الله ولا يخدعون إلا أنفسهم والرعاع  ، وإنما رابطة الإسلام الحقيقية على ما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، لا على ما شرع ضباط العسكر ! وأمراء آخر الزمان ! ، بل حقيقة هؤلاء أنهم فرق وطوائف وأحزاب ، وليسوا جماعة للمسلمين كما نص الحديث ، وعلى هذا فمذهب البخاري رحمه الله في مثل زماننا هذا الاعتزال ، وفي  هذا  تكذيب لأدعياء ينتسبون لأهل الحديث وينكرون الاعتزال في زماننا هذا ، وهذا إمام أهل الحديث رحمه الله على خلاف ما ذهبوا إليه ، ولا يعارض هذا اختياره رحمه الله في الصحيح أن الجماعة هم أهل العلم لسببين :

 

الأول : أن جماعة العلماء على قول البخاري لا وجود لها اليوم ، وذلك لقبض العلم أصلا وقبضه قبض العلماء ، والموجود اليوم ممن يتوهم بعضهم أنهم من العلماء ، إنما هم أدعياء جهلة وشرذمة متفرقة ، يحتاج أحدهم البراءة من أن يكون من رؤوس الجهل والضلال الذين أخبر رسول  الله صلى الله عليه وسلم عن خروجهم آخر الزمان عند قبض العلم وظهور الفتن وتقارب الزمان  فضلا عن أن يعدوا من العلماء .

 

والثاني : أن الإمامة الكبرى كما نص الحديث لا وجود لها ، فكيف يكون هناك جماعة مع عدمها ، هذا لا يكون أبدا ، فعدم وجود الإمام وأهل الشوكة والحل والعقد ، دليل على عدم وجود الجماعة ، وأعني بالإمامة ، الإمامة العامة لكل المسلمين ، والجماعة العامة لكل المسلمين ، ولا أعني ما هو حاصل اليوم ، فهم أشبه بقطعان غنم متفرقة شاردة أكل الذئب راعيها وليس هناك من يجمعها ، أيقال عن مثل هؤلاء جماعة ، قطعا لم يرد البخاري هؤلاء حين قال الجماعة هم أهل العلم ، وحتى لو سلم بأنهم أهل علم أو فيهم أهل علم ، فعدم سعيهم لجمع المسلمين ليكونوا جماعة واحدة دليل على أنهم ليسوا أهل علم ، بل هم يومئذ أهل تفرق وتشرذم وضلالة ، وهم  كذلك . وقد جاء عن عمر رضي الله عنه قوله : لا جماعة إلا بإمارة (4).

 

ولفظ حديث حذيفة في الصحيحين قصر الرواة في ضبط لفظه على عادة أكثرهم ، وتساهلهم في ذلك ، فقد كان بعضهم يروي بالمعنى ويحذف تارة فيفسد وهو لا يشعر . والحديث هذا العظيم الجليل من الأحاديث الخبرية ، يخبر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يكون في آخر الزمان ، وقد أُفسِدَ معناه بالرواية بالمعنى والاختصار والتأويل الباطل ، حتى حمله أكثرهم على الصدر الأول للمسلمين كقتادة وغيره ، وهذا كله بغير علم ، ومما أفسد لفظ الرواية في الصحيحين طرح ذكر الدجال من آخر الحديث ، وكذلك ذكر خليفة الله والهدنة والدخن ، ومن أجل هذا يتعين على الناظر للحديث لمعرفة ما دل عليه أن يجمع ألفاظه ويعتبر ذلك كله ، والحديث رواه أبو داود عن اليشكري ، واجتهد رحمه الله في جمع ألفاظه ، فقال بسنده عن قتادة عن نصر بن عاصم عن سبيع بن خالد عن حذيفة قال : قلت يا رسول الله : أرأيت هذا الخير الذي أعطانا الله أيكون بعده شر كما كان قبله ؟ . قال : ( نعم ) . قلت : فما العصمة من ذلك ؟ . قال : ( السيف ) . قلت : يا رسول الله ، ثم ماذا يكون ؟ . قال : ( إن كان لله خليفة في الأرض فضرب ظهرك وأخذ مالك فأطعه ، وإلا فمت وأنت عاض بجذل شجرة ) . قلت : ثم ماذا ؟. قال : ( ثم يخرج الدجال ) رواه أبو عوانة عن قتادة من غير ذكر الهدنة ، إلا أنه ذكر الخليفة والدجال ، ورواه من طريق عبدالرزاق عن معمر عن قتادة ، قال بعد السيف : ( بقية على أقذاء وهدنة على دخن ) ورواه عن حميد وهي متابعة لقتادة عن نصر بن عاصم قلت : بعد هذا الخير شر ؟. قال : ( فتنة وشر ) . قلت : بعد هذا الشر خير ؟ قال : ( يا حذيفة ، تعلم كتاب الله واتبع ما فيه ) قال ذلك ثلاث مرات . قلت : هل بعد هذا الشر خير ؟  قال : ( هدنة على دخن ، وجماعة على أقذاء ، فيها ، أو فيهم ) . قلت : يا رسول الله ، الهدنة على الدخن ما هي ؟ . قال : ( لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه ) . قلت : يا رسول الله أبعد هذا الخير شر ؟ . قال : ( فتنة عمياء صماء عليها دعاة على أبواب النار ، فإن تمت يا حذيفة وأنت على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم )(5). وهذا ما قيده رحمه الله في سننه من ألفاظ حديث حذيفة ، وجرى فيه ما جرى على ما في الصحيحين من تصرف بالمعنى والحذف ، وبمقابلة ألفاظ الحديث ما بين نسخة سنن أبي داود ومستدرك الحاكم يتبين الاختلاف في ألفاظ الحديث ، فعند الحاكم عن أبي عوانة بسنده المذكـور عند أبي داود وفيه : هـل للسيف من بقية ؟ . قال : ( نعم ) . قلت : ثم ماذا ؟ . قال :  ( هدنة على دخن ) . قال : ( جماعة على فرقة (6) فإن كان لله عز وجل يومئذ خليفة ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع وإلا فمت عاضا بجذل شجرة ) . قلت : ثم ماذا ؟ . قال : ( يخرج الدجال ) . وفي رواية حميد عند الطيالسي(7)، لم يذكر ( جماعة على أقذاء ) كما ذكر أبو داود : ( هدنة على دخن ، وجماعة على أقذاء ) وفي رواية هشام الدستوائي عن قتادة ذكر بعد السيف قوله : ( يكون هدنة على دخن ) . قلت : فما يكون بعد الهدنة ؟ . قال : ( دعاة الضلالة فإن رأيت يومئذ لله خليفة فالزمه ، فإن لم ترى خليفة فاهرب حتى يدركك الموت ) وعند الطيالسي وأبي داود عن أبي التياح كما لفظ الدستوائي(8).

 

ومن المؤسف حقا ، وهو مما يعد من الأمثلة السيئة على تقصير بعض أهل الحديث ، وتلاعبهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بحجة الرواية بالمعنى ، أن أبا داود أثبت في سننه لفظ عبدالرزاق عن معمر بعد تحريف قوله في الحديث بعد السيف ( نعم ، تكون إمارة على أقذاء وهدنة على دخن ) . قلت : ثم ماذا ؟ . قال : ( ينشأ دعاة الضلالة ، فإن كان في الأرض يومئذ خليفة ) الحديث ومع تحريف إمارة (9) إلى بقية ، حذف كذلك تمام الحديث وفي آخره ذِكرُ الدجال ، وهذا كفيل بإفساد الرواية ، وفيه مخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأداء الكلام كما سُمِع ، فرب مبلغ أوعى من سامع .

 

والحاصل أن هذا الحديث من أعلام نبوة سيدي وإمامي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد وقع الأمر على وفق ما أخبر الصادق المصدوق وفي هذا الحديث فوائد جليلة وأنباء عظيمة ، ومداره على خبر : ( الهدنة ، والدخن ، والإمارة على أقذاء ، والفتنة العمياء الصماء ، ودعاة الضلالة ، وخليفة الله ، والاعتزال ، وكذلك الدجال ) وكل هذه الأخبار من المؤكد أنها بمجموع الأحاديث تكون آخر الزمان ، ومن ادعى غير ذلك احتاج للبرهان على هذا النفي ، وإلا كان متقولا بغير حق على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . ومن الثابت أن خروج الدجال إنما يعقب خروج المهدي وهذا لا ينكره من عرف الأخبار وآمن بصدقها ، وليس من اللائق بالمؤمن أن يقول بتعيين أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بحجة وكذلك لا يقول بالنفي إلا بحجة وبينة ، ومن حجة القول بتعيين ما ورد في هذا الحديث المهيب من أخبار ، خروج الدخن الذي هو الدخان على ما ورد في الحديث وغيره كما سبق ذكره ، والمعنى من الحديث أنه متى كانت هناك فتنة وشر واختلاف ، تتفرق فيه قلوب الناس ويظهر فيه دخان ، وتقع خلال ذلك الهدنة ، ويظهر دعاة الضلالة ، فليعلم عند ذلك المسلم أن هذا ما دل عليه الحديث ، وكل هذا  قد حصل ولا ينكر ذلك إلا من أزاغ الله قلبه ، وزيادة على ما قرر فيما سبق أقول بأن الحديث دل على الآتي :

 

أولاً : قوله أن العصمة من ذلك السيف ، وفي هذا إشارة إلى وقوع الفتنة والهرج التي يعقبها الإمارة على أقذاء وهدنة الدخن . والعصمة بالسيف معناه والله أعلم إن سلم السياق من الحذف والتحريف ، هو إشارة إلى قرب تحقق كف الشر وليس في ذلك إطراءً لسيف الفتنة والاختلاف والهرج ، ألا تراه يقول بعد ذكر السيف ، فإن كان لله خليفة في الأرض ، مما يدل على أن ذكر السيف والعصمة ليس للفتنة والاختلاف . وسيأتي لاحقا  الكلام عن هذه الفتنة وبيان كيف أن أول الشر كما في حديث حميد قوله : ( فتنة وشر ) ثم قال بعد ذلك : ( هدنة على دخن ) وحديث عبدالرزاق قبل الهدنة السيف ، أن ذلك عائداً على هذه الفتنة بعينها ، والتعليق على إشكال ورود ذكر السيف قبل الهدنة .

 

ثانياً : الإمارة على أقذاء والهدنة على الدخن . فأما الإمارة على أقذاء ، فيكفي لبيان حقيقة أمرها ثلاثة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحدهما صحيح والآخران في أسانيدهما مقال ، إلا أن واقع الحال يشهد بأنهما مما حدث بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم :

 

فالأول : حديث ابن عمر في ذكر فتنة الأحلاس والسُّرى وقوله  : ( ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع ، ثم فتنة الدهيماء ) وقد فسر بعضهم هذا الحرف ولم يأتِ بشيء ، ولعل تفسيره للعامة لم يحن بعد ، من أجل أنه مما تقصر عن إدراكه عقول العقلاء فضلا عمن هو محروب في عقله وبصيرته(10)، وهذا الحديث صحيح وقد سبق تخريجه .

 

والثاني : حديث أبي ذر رواه الطبراني في الأوسط ونعيم بن حماد في الفتن واللفظ له عن أبي ذر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أنه سيكون رجل من بني أمية أخنس بمصر يلي سلطانا ثم يُنزَع منه فيفر إلى الروم فيأتي بالروم إلى أهل الإسلام فتلك أول الملاحم )(11). وروى نعيم أيضا في معناه عن عبدالله بن عمرو . والمصر هنا غير ممتنعة عن الصرف ، وهي تعني أي مصر من الأمصار ، وليس المراد مصر الفراعنة ، ولا يلتفت وهو الراجح عندي لذكر الإسكندرية كما ورد ذلك في هذا الحديث من طريق آخر ، والأقرب أن يكون من قول بعضهم في تأويل  الحديث وقد أدرج مع الحديث من تلك الطريق ، وهي مذكورة عند الروياني في مسنده وابن عساكر في تاريخه ، وصنيع نعيم في روايته للحديث في كتاب الفتن يشعر بأن ذلك من الوليد بن مسلم ، فقد روى الحديث عن ابن لهيعة معلقا ومن طريق آخر رواه عن ابن وهب عن ابن لهيعة من غير ذكر الإسكندرية ، وكذلك رواه الطبراني من دون ذكرها ، مع ما علم من حرص نعيم على استقصاء الألفاظ والطرق . وأما قوله في الحديث : ( أخنس ) فقد نقل إبراهيم الحربي عن الأصمعي قوله : الخنس ، تأخُرُ الأرنبة في الوجه(12). وكل ظبي أخنس ، وكذلك يقال للثور الأسود الوحشي وهو مشهور به عند العرب ، قال سويد بن كراع العكلي :

 

كأخنس موشي الأكارع راعه     بروضة معروف ليال صوارد(13)

 

وقال بشر بن أبي خازم :

      كـأخنس ناشـط باتت عليـه        بــحـرة ليلـة فيهـا جهـام

فـأصبح ناصـلا منها ضحيا       نصول الدر أسلمه النظام(14)

 

قال الأخفش : كأخنس ، أي كثور وحش في أنفه خنس ، وهو تطامن الأرنبة . وتفريعا على احتمال صحة الحديث في هذا القرشي ، فالله أعلم هل أراد تشبيهه بالغزال أم بالثور الوحشي الأسود  ! .

 

والحاصل أن الحديث فيه أن هذا الأخنس سواء فهمنا من الحديث تشبيهه بالغزال أو الثور  الأسود ، فهو علم وأمارة لهذه الفتنة .

 

والثالث : حديث ابن عمر رضي الله عنه قال : دعا رسول الله الحكم بن أبي العاص فقال عنه : ( إن هذا يخالف كتاب الله وسنة نبيه ، ويخرج من صلبه من فتنته يبلغ دخانها السماء )!!(15). والإمارة على أقذاء التي يكون وجودها عند هدنة الدخن سياق الحديث دال على أنها تقع عند الفتن التي فيها يظهر دعاة الضلالة ، والحديث صريح على أن الهدنة والدخان دليل على تعيين الإمارة والدعاة ، وقد جاء في وصفها أحاديث كثيرة ، وكان يعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة وأظهر علاماتها .

 

وأظهر ما يدل على تحقق هذه العلامة الدالة على قرب قيام الساعة كثرتها، قال ابن مسعود رضي الله عنه : كيف بكم إذا لبستكم فتنة ، ووصف من حالها ، فقالوا : ومتى ذلك ؟ قال : إذا قلت أمناؤكم وكثرت أمراؤكم(16). وعن عبدالرحمن الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من اقتراب الساعة كثرة المطر وكثرة الأمراء وقلة الأمناء )(17).

 

وهل ينكر عاقل اليوم كثرة المطـر والأمراء ، إنه الوحي أيها الأعمى ، إنه الوحي أيها الأعمى . وعن ابن عمرو وكان يحدثهم عن غزو الترك للعرب فقال : إذا رأيتم إمارة الصبيان قد طبقت الأرض اعلموا أن الذي أحدثكم قد جاء(18). وغير هذا كثير مما روى الصحابة رضي الله عنهم وأصحها حديث أبي هريرة قال : سمعت رسول الله يقول : ( هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش سفهاء ) رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي ، وعند نعيم في الفتن : ( هلاك أمتي على رأس إمرة أغيلمة من قريش )(19) .

 

وقد جاء في تعيين وقت هذه الإمارة أنها في آخر الزمان أحاديث منها عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا اقترب الزمان كانت إمـرة الصبيان )(20). وعن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ومن أعلام الساعة وأشراطها ملك الصبيان وظهور المعازف والكبر )(21). وعن عابس الغفاري وقد عوتب لتمنيه الموت عند الطاعون فقال : أبادر خلالا سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون في آخر الزمان يتخوفهن على أمته : ( إمارة السفهاء وكثرة الشرط واستخفاف بالدم وقطيعة الرحم ونشو يتخذون القرآن مزامير يقدمون الرجل ليس بأفقههم في الدين ولا بأعلمهم ، وفيهم من هو أفقه منه وأعلم ، يقدمونه يغنيهم غناء )(22). وهذا الحديث الصحيح جمع بين وصف الإمارة والنشؤ ، كما جمع حديث حذيفة السابق بين ذكر الإمارة وهؤلاء فقال : ( ثم ينشأ دعاة الضلالة ) وقد نص الحديث على أن ظهورهم يعقب الهدنة ، وهذا دليل على أن وجودهم من أظهر العلامات في تعيين هذه الهدنة ، كما أن الهدنة والإمارة علامة على تعيين هؤلاء الدعاة والناشئة الصغار ، وأيضا يعد حديث حذيفة نص في تعيين زمن المهدي وأن مبعثه يعقب هذه الهدنة والفتنة ، وأن وجوده إنما يكون بين أظهر هؤلاء الدعاة الضلال ، فمتى ما ظهر هؤلاء بعد الهدنة والدخان وأصبح وجودهم ظاهر لا يخفى ، فاعلم أن وجود المهدي قد أصبح حقيقة لا تخفى ، فوجودهم دليل على وجوده(23)، لقوله عليه الصلاة والسلام : ( تكون إمارة على أقذاء وهدنة على دخن ثم ينشأ دعاة الضلالة فإن كان لله خليفة فالزمه ) .

 

واعلم أخي المؤمن أن حديث حذيفة لم ينفرد بالجمع بين ذكر هؤلاء الأمـراء والدعـاة الحدثاء ولا كذلك حديث عابس الغفاري ، بل هناك أكثر من حديث جمع بين ذلك مما يفيد أن المصير واحد محتوم ، فعن معاذ رضي الله عنه قال : يكون في آخر الزمان قراء فسقة وأمراء كذبة . وفي لفظ : وقراء فسقة سمتهم سمة الرهبان وليس لهم دعة ، فيلبسهم الله فتنة غبراء مظلمة يتهوكون فيها تهوك اليهود في الظلم(24).

 

ومن المعلوم أن الخوارج لهم سمت كذلك ، وقد جاء عن قتادة ما يشعر أن هؤلاء الحدثاء الدعاة هم الخوارج الذين جاء على ذكرهم أكثر من حديث ، روى عبد الرزاق في المصنف عن قتادة قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سيكون في أمتي اختلاف وفرقة ، وسيأتي قوم يعجبونكم أو تعجبهم أنفسهم يدعـون لكتاب الله وليسوا من الله في شيء ، يحسبون أنهم على شيء وليسوا على شيء ) قالوا: ومـا سمتهم ؟ قال : ( الحلق والسمت ) والسمت يعني لهم سمت وخشوع(25).

 

وسيأتي قريباً زيادة إيضاح لحديث قتادة هذا ، وبيان أن المراد به الدعاة الذين يخرجون بعد الهدنة . وقد صح عن علي رضي الله عنه فيمن ذكرهم حديث قتادة ، أنهم يخرجون آخر الزمان فقال : سمعت رسول الله يقول : ( يخرج قوم آخر الزمان أحداث الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية يقرؤون القرآن لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية )(26). وقوله في الحديث : ( أحداث الأسنان ) يفسر ما جـاء في حديث عابس الغفاري ، وقوله : ( ونشوا يتخذون القرآن مزامير ) . وما جاء في حديث حذيفة :  ( ثم ينشأ دعاة الضلالة ) قال ابن الأثير : قوله ( ونشؤ يتخذون القرآن مزامير ) يروى بفتح الشين جمع ناشئ ، يريد جماعة أحداثا . وقال إبراهيم الحربي : والنشأ أحداث الناس قال نصيب :

 

ولولا أن يقال صبا نصيب    لقلت بنفسي النشأ الصغار(27)

 

ومن الأحاديث التي جمعت ذكر هؤلاء ، ما روي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( يكون في آخر الزمـان أمـراء ظلمة وفقهاء كذبة )(28). وعن عبد الرحمن الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من اقتراب الساعة كثرة القراء وكثرة الأمـراء )(29). وعن حذيفة قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قال : ( إذا أصابكم ما أصاب بني إسرائيل ، إذا صار الفقه في شراركم ، وصار الملك في صغاركم فعند ذلك تلبسكم فتنة تكرون ويكر عليكم ) وعن أنس مثل حديث حذيفة وفيه : ( وتحـول الملك في صغاركم والفقه في أراذلكم ) وعند أحمد : ( والعلم في رذالكم )(30).

 

وعن حذيفة عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ) قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ . قال : (  تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ، فاسمع وأطع ) وفي لفظ : ( تسمع وتطيع للأمير الأعظم )(31). وهذا من الألفاظ التي وردت عن حذيفة في هذا الحديث العظيم وقد سبق التعليق عليه ، ولا مانع من إعادة ذكر بعض ما ورد فيه من وصف لحال هؤلاء الدعاة الأشرار حتى يعلم  المؤمن أن كل هذه الأحاديث إنما وردت فيهم ، ولفظ حديث حذيفة المتفق عليه هو : ( دعاة على أبواب جهنم من أجابهـم إليها قذفوه فيها ) قلت : صفهم لنا ؟ . قال : ( هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ) وفي لفظ اليشكري قال بعد الهدنة : ( تكون فتنة عمياء صماء عليها دعاة على أبواب النار ) وجاء عن أبي هريرة في وصف هذه الفتنة التي تعقب الهدنة ويخرج فيها هؤلاء قوله : ( تمور مور البحر تنتشر حتى لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته )(32).

 

وهذه الفتنة ، والدعاة الذين ينجمون فيها ، من أظهر العلامات الدالة على مبعث المهدي ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، وقول الرسول في الحديث : ( ثم ينشأ ) يريد خروجهم وإقبالهم بالدعوة ، ومع ذلك فالنشأ أحداث الناس . يقال : فتى نشأ ينشأُ نشأً ، فهم ناشؤون من فورهم على الضلالة والزيغ ، لهم روغان كروغان الثعالب  ، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في حديث علي الذي رواه سويد بن غفلة : ( سيخرج أقوام في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام ) الحديث ، وروي مثله عن ابن مسعود وأبي برزة الأسلمي مرفوعا وفيه : ( سيماهم التحليق يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح ، هم شر الخلق والخليقة )(33) ، وفي حديث قتادة الموصول عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء ) . قالوا : فما سيماهم ؟ . قال : ( التحليق )(34) وذكره عبدالرزاق عن قتادة وفيه تفسير ، قالوا : وما سمتهم ؟ قال : ( الحلق والسمت ) قال : يعني يحلقون رؤوسهم ، والسمت يعني لهم سمت وخشوع(35). قال أبو عبيد : والسمت يكون في معنيين ، حسن الهيئة والمنظر في الدين ، وليس من الجمال والزينة ، ولكن يكون له هيئة أهل الخير ومنظرهم ، وأما الوجه الآخر ، فان السمت الطريق(36).

 

قلت : وهؤلاء الدعاة على المعنيين يوافقون الحديث ، فلهم هيئة ومنظر الصالحين في الدين ، من تطبيق السنن الذاتية الظاهرة ، إتباعا لها وأما الطريق والنهج وهو المعنى الثاني فهم أكثر الناس ادعاء أنهم على طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقول رسول الله في صفة هؤلاء : ( هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ) . يريد أنهـم يتكلمون بالدين والخير ، كما أفـاده قوله في حديث علي : ( يقولون من خير قول البرية ) وقوله في حديث قتادة : ( يدعون إلى الله وليسوا مـن الله في شيء ) وفي لفظ :  ( يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء ) وقوله : ( من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ) المعنى أن ظاهرهم الصلاح ويتكلمون بالدين ، لا أنهم عرب بالجلد واللسان ، كما فهم البعض ذلك ، ومن ثم صرف دلالة الحديث إلى غير هؤلاء ، بل يريد ظاهرهم وقولهم ، مثل قوله بالحديث الآخر عن ثوبان قوله : ( لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون بحسنات أمثال الجبال فيجعلها الله هباءً منثوراً ) قالوا : صفهم لنا ؟ قال : ( إنهم إخوانكم من جلدتكم ، يأخذون من الليل كما تأخذون )(37).

 

وأظهر صفات هؤلاء الدعاة حداثة السن ، وقد اتفق على ذكرها فيهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علي وابن مسعود وأبو برزة ، والأخير ذكر في حديثهم زيادة في صفتهم يجدر التنبيه عليها فقال : سمعت رسول الله بأذني ورأيته بعيني أتي بمال فقسمه ، فجاء رجل أسود مطموم الشعر عليه ثوبان أبيضان ، فقال : والله ما عدلت . فقال رسول الله :  ( لا تجدون أحدا بعدي أعدل عليكم مني ) ثم قال : ( يخرج في آخر الزمان كأن هذا منهم سيماهم التحليق ، يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح )(38). وأفاد هذا الحديث بأن زي الرجل أبيض وهو مجزوز الشعر . وقوله : ( كأن هذا منهم ) يريد والله تعالى أعلم صفة ملبسه وشعره ، مع ما أخبر أنهم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام ، والحق الذي لا مرية فيه عند من هدى الله قلبه أن هذا كله محقق في صفة هؤلاء ، لا يخالفون الحديث فيما وصَف قدر أنملة ، لا في سفاهة العقول وحداثة السن وهي الصفات الفاشية فيهم ، ولا في ملبسهم الأبيض الذي يتميز به سكان الجزيرة على الخصوص ، وكذلك إدامتهم على جز الشعر(39) وحلقه ، فما أكثر مزيني الشعر في زمانهم ، حتى باتت إطالة الشعر مما ينكر عندهم ، فهل بعد هؤلاء قوم يعنيهم الحديث ، وهؤلاء بهذه الصفات فشوا بما لا يخفى من حالهم بعد الهدنة وهذه الفتنة ، ويظهر ذلك بجلاء في أتباعهم من حدثاء الأسنان ، وهم من بعد الفتنة والهدنة ما زالوا بازدياد ، وقد روى طلحة بن عمرو البصري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( وليأتين عليكم زمان يغدا على أحدكم الجفان ويراح ولتلبسن مثل أستار الكعبة ) قالوا: يا رسول الله نحن اليوم خير منا أو يومئذ ؟ قال : ( أنتم اليوم خير منكم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض ) وفي لفظ : ( بل أنتم اليوم خير إخوان ، وإنهم يومئذ يضرب بعضهم رقاب بعض )(40) رواه الحاكم وذكر فيه قول أبي حرب : هل تدري ما كان أستار الكعبة ؟ قلت : لا . قال : ثياب بيض كان يؤتى بها من اليمن(41). وعن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كيف إذا غدا أحدكم في حلة وراح في أخرى وتسترون بيوتكم كما تستر الكعبة ؟ ) . قلنا : نحن يومئذ خير ، نكفى المؤنة ونتفرغ للعبادة . قال :  ( أنتم اليوم خير منكم يومئذ )(42) .

 

 وعن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام ويشربون ألوان الشراب ، ويلبسون ألوان الثياب ، ويتشدقون في الكلام ، فأولئك شرار أمتي )(43). وأرسل الحسن في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( قوم يكونون بعدكم أنتم خير منهم يغدا على أحدهم بجفنة ويراح بجفنة ، ويغدو في حلة ويروح في حلة ، ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة ، ويفشو فيهم السمن )(44). وغير هذا الكثير مما جاء في وصف حال هذا الجيل التعيس ، الذي عظم فيه الكفر بالله والطغيان والنفاق والرياء وكفران النعم .

 

وقبل أن تعجب أيها الأعمى من إنزال هذه النصوص على هذا الجيل ، وهو الحق الذي لا مرية فيه ، فاعلم أن مصداق ذلك ليس بيد أحدٍ من دون الله تعالى ، فها هو عز وجل يُظهر عليهم السمانة تصديقا لكلام نبيه ، وقد وصفت منظمة الصحة العالمية السمن في العالم بأنه بلغ درجة الوباء في كثير من البلدان وذكرت المنظمة أن دراسات حديثة تشير إلى أن أكثر من نصف عدد البالغين في كثير من البلدان يعانون من زيادة الوزن والسمنة(45).

 

وحذرت دراسة مقارنة أعدها معهد التغذية الألماني من تحول الشعب الألماني إلى شعب من البدناء ، وتشير الدراسة إلى أن خُمس الشعب يعانون من السمنة المفرطة في حين يزيد وزن (50%) منهم عن الحد المقبول الذي يقرره السن والطول(46). وقل مثل ذلك في العرب ، فقد ذكرت دراسة إماراتية حديثة : أن السمنة أصبحت العدو الأول للمرأة في الخليج العربي ، وذكرت الدراسة أن (38%) من نساء الإمارات يعانين من سمنة عالية(47). وقال أستاذ العلوم الصحية في الكويت مصطفى حيات : أن السمنة مشكلة عامة ! يعاني منها الجميع ! ، وأشار إلى ارتفاع معدلات الإصابة بها ! وتعد من أمراض العصر اهـ(48).

 

وهذا أنقله مصداقاً لتحقق كلام نبينا صلوات الله وسلامه عليه ، وبيان أن هذا الجيل التعيس الشرير ، عليه من فوره أن يعود إلى الله ويتدبر كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ويسترشد بهدي الله ورسوله وإلا بالطامة الكبرى فوق الرؤوس ومن أبى فالبطشة ! له حاضرة .

 

وأما بخصوص دعاة النار الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحداثة السن وسفاهة الحلم ، وأنهم دعاة إلى جهنم ، يدعون إلى الله في الظاهر ويعرفون بالسمت وحلق الرأس ولباسهم الثياب البيض ، فهل جاء بعد الفتنة المشرقية وهذه الهدنة والدخان إلا هؤلاء !! ، ومن قال لا فقد كذَّبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وافترى عليه وعلى الحقيقة المحسوسة ، ونفى ما لا ينفى بحال ، وليس للنافي إلا الظن والهواجس ، بل يعد قوله تكذيب صراح .

 

وهذا القول أعني بتحقق الأحاديث في هؤلاء وبالأخص ما ورد في حديث حذيفة ، هو خير من قول ابن باز في كتابه نقد القومية العربية ، وتأوله الحديث على دعاة القومية العربية والاشتراكية والرأسمالية . قال : حديث حذيفة العظيم الجليل يرشد إلى أن هؤلاء الدعاة اليوم يدعون إلى أنواع من الباطل وكلهم دعاة على أبواب جهنم ، وهذا الحديث من أعلام النبوة ودلائل رسالة محمد حيث أخبر بالواقع قبل  وقوعه فوقع كما أخبر(49). وممن قال أيضا بتحقق تأويل حديث حذيفة في زماننا هذا الألباني : وهذا الحديث جليل عظيم ، لأن فيه تصريحا واضحاً جدا يتعلق بواقع المسلمين اليوم ، حيث أنه ليس لهم جماعة قائمة ! وإمام مبايع ! ، وإنما أحزاب مختلفة اختلافا فكرياً ومنهجياً أيضا . ففي هذا الحديث أن المسلم إذا أدرك مثل هذا الوضع فعليه حينذاك ألا يتحزب وألا يتكتل مع أي جماعة أو مع أي فرقة ، ما دام أنه لا توجد الجماعة التي عليها إمام من المسلمين(50).

 

وقد تكلم قبل هؤلاء في تأويل حديث حذيفة جماعة من أهل العلم منهم قتادة ، إلا أنه لم يتطرق لذكر دعاة النار مع أنه تأوله على زمان أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه (51). ومن المتأخرين أحمد الدهلوي قال : ودعاة الضلال في الحديث هم يزيد بالشام والمختار بالعراق ، ونحو ذلك . ونقل النووي في شرحه أن العلماء قالوا : هؤلاء الدعاة من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة(52). والصحيح أن الحديث فيما يكون قبل الدجال ، والهدنة والفتنة المذكورة بالحديث كائنة قبله ، وقد دل حديث عوف بن مالك أن الهدنة تسبق الدجال أيضا ، وهذا يشهد لما جاء في حديث حذيفة أن الهدنة والدخن والفتنة ودعاة جهنم مما يقع آخر الزمان ، وبهذا يصح القول بأنه لم يوفق من تأول الحديث على أول الإسلام .

 

وأما قول ابن باز في الحديث على ما ذكر في نقد القومية قطعاً لا يصح ، فلا وجه لتعيين نشأة هؤلاء بعد الهدنة والفتنة ، ووصفهم بأنهم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا وأنهم دعاة ، إلا ما ذكرت ، ويشهد لذلك حديث قتادة وغيره مما نقلت في هذا الفصل وغيره ، في ذكر هؤلاء الدعاة ووصف حالهم ،  ثم إن الذين ذكرهم ابن باز لا وجه لتخصيص ذكرهم بعد الهدنة والدخن ، وإنما ظهر الناشئة الصغار هؤلاء وكثر دعاتهم بعد الفتنة والهدنة والدخان ، وأما القومية والاشتراكية ودعاتها فقد حطمت هذه الفتنة دعاتها وجعلتهم أذلة ، وكانت تلك الفتنة نعشهم الذي سمر على مذاهبهم ، والنبي صلى الله عليه وسلم ما أخبر بظهور هؤلاء ونشأتهم بعد الفتنة المذكورة إلا للتعريف بحالهم والتحذير من فتنتهم لما قد يلتبس أمرهم على من لا علم له ، فإن أمرهم مما يلتبس على الكثير لدعوتهم لله في ظاهر الأمـر ، وظهور سيما الصالحين عليهم ، وأما دعاة القومية والعلمانية ، فمثل هؤلاء لا يلتبس أمرهم إلا على من هو قاصداً تقحم الضلالة أو من هو آية في الجهل والبلادة ، وفي وصف هؤلاء أنهم يكونوا في زمن الأئمة الذين لا يهتدون بهديه وسنته ، أبلغ حجة في أنهم إنما يخرجون في زمان المهدي ، ولهذا أمر بإتباعه إذا أدرك هؤلاء ووجد الخليفة المذكور ، وأما إذا لم يدركه لمانع ، أمره بعدم إتباع هؤلاء ولا هؤلاء ، وأرشده إلى الاعتزال ، وأمره لحذيفة بعدم اتباع هؤلاء ولزوم الخليفة إذا أدركه ، دال على أن هذا الخليفة لا كسائر الخلفاء ، مع إثباته صفة الإمامة لغيره من معاصريه ، وذلك لكون هؤلاء الدعاة إنما يخرجون ويقومون بين ظهراني أئمة وأمراء ، وقوله : ( يقوم فيهم ) فيه إضافتهم إلى هؤلاء الأئمة واعتبارهم منهم ، والأمـر بالطاعة لهذا الخليفة والاعتزال عند عدم وجوده دال على منزلته ومعرفاً بأنه المهدي ، وكيف وقد زاد على هذا بأنه ( خليفة الله ) وإضافته إلى الله سبحانه إضافة تشريف وتكريم ، ومثل هذا لا يكون في آخر الزمان إلا للمهدي المنتظر ، وقد وردت أحاديث كثيرة في أن خروجه إنما يكون عند الفتن ، وقبل أن أنقلها في ختام هذا الفصل أحب أن أذكر ببعض الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في صفة دعاة النار هؤلاء زيادة في بيان حالهم حتى يحذرهم الناصح لنفسه ، ويجتنبهم كما أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك أنقل بعض الآثار في الاعتزال مما يشهد لما في حديث حذيفة من الأمر بالاعتزال والفرار من كل الدعوات عند وقوع هذه الفتن ، وأنه لا يتبع إلا ( خليفة الله ) إذا علم أو ظهر أمره للمسلم بتمكين الله تعالى له في الأرض ، وهذا هو الحق الواجب إتباعه في زمان الفتن ، وكل ما خالف هذا فهو ضلال وجهل .

 

ومن الأحاديث في صفة هؤلاء ما ذكره عبدالرزاق وابن وضاح عن ابن مسعود قال : عليكم بالعلم قبل قبضه ، وقبضه ذهاب أهله ، وستجدون أقواما يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم(53).

 

وسبق وأن بينت أن أوان قبض العلم تقارب الزمان وظهور الفتن وهو هذا الزمان ، وليس هناك من يزعم الدعوة لكتاب الله تعالى إلا هؤلاء الجهال وجمهورهم من الحدثاء السفهاء أخزاهم الله ، وفي الصحيحين عن ابن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعاً ولكن ينتزعه منهم مـع قبض العلماء بعلمهم ، فيبقى نـاس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون ) وعند مسلم : ( ويبقى في الناس رؤوساً جهالاً..)(54).

 

وهؤلاء الرؤوس هم كبار دعاة اليوم أخزاهم الله ، يقولون نحن علماء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا علماء في زمان الفتن فمن نصدق ! ، وبمعنى حديث ابن عمرو في قبض العلم بقبض العلماء ، جـاء حديث مرداس الأسلمي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يذهب الصالحون الأول فالأول ، ويبقى حفالة كحفالة(55) الشعير لا يباليهم الله باله ) وفي لفظ آخر : ( لا يعبأ الله بهم شيئا )(56) قال الحافظ ابن حجر : وجدت لهذا الحديث شاهداً من رواية الفزارية امرأة عمر ، بلفظ : ( تذهبون الخير فالخير ، حتى لا يبقى منكم إلا حثالة كحثالة التمر ، ينزو بعضهم على بعض نزو المعز ) أخرجه أبو سعيد بن يونس في تاريخ مصر وله حكم المرفوع(57).

 

قلت : ومن شواهده ما رواه أبو الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يقبض الله عز وجل العلماء قبضا ويقبض العلم معهم ، فينشأ أحداث ينزو بعضهم على بعض نزو العير على العير ، ويكون الشيخ فيهم مستضعفا )(58). وهذا فيه تأكيد لصفة الاختلاف والتنازع بينهم ، وهي من آكد الصفات المتحققة فيهم على ما سأفصله لاحقا بحول الله تعالى .

 

وهذا الحديث الأخير ولو ضعف سنده يشهد له ما سبقه ، إلا الزيادة في ذكر الشيخ الذي ضعف الحديث من أجلها وهي زيادة لا وجه لاستنكارها ، إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يكني عن المهدي فيها ، فهو الذي يدرك هؤلاء الأشرار ، ولا قوة إلا بالله الذي هو يعينه عليهم وعلى شرهم ، ولا وجه لذكر هذه الزيادة لو لم تكن من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهل يضع الوضاعون مثل هذا !! ، فما حاجتهم لذلك ، وكذلك لا يُنكَر استضعافه قبل التمكين ، جريا على سنة الأنبياء بالابتلاء بأعداء الله كما كان ابتلاء المسيح عليه السلام بفقهاء اليهود .

 

وأنا أبشر هؤلاء الحدثاء السفهاء بقرب الذبح حين يقيم الله تعالى الخلافة في الأرض لما ثبت في الصحيحين وغيره عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (سيخرج أقوام في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فأينما لقيتموهم  فاقتلوهم فإن في قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة ) وعن أنس رفعه : ( فإذا لقيتموهم  فاقتلوهم )(59). وفي لفظ : ( يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه ، من قاتلهم كان أولى بالله منهم ) وعن أبي برزة رفعه : ( فإذا لقيتموهم فاقتلوهم هم شر الخلق والخليقة )(60). وفي الأمر بقتلهم فائدة عزيزة ، ذلك أنهم مع كونهم خوارج مراق فكيف يأمر بقتلهم وقد ثبت عنه عليه السلام أن آخر الزمان تظهر الفتن ويكثر الهرج ، وقد أمر بالاعتزال وكف اليد واللسان ، وأخبر أن في سنوات الهرج القاتل والمقتول في النار ، وهؤلاء صغار السن ورؤوسهم إنما يكون خروجهم آخر الزمان عند ظهور الفتن(61).

 

فأقول : هذا الأمر بقتلهم والثناء على مقاتلهم يدل على أنهم يقتلون على يد المهدي ، بل الأمر له في هذا الحديث ، ولا يجوز بحال أن يعتقد بجواز قتل هؤلاء لغير المهدي ، وذلك لأن كل قتل ومقاتلة في سنوات الهرج إثم وباطل منهي عنه حتى يخرج ويمكن له ، عندها يعمل القتل وإنزال العقاب بأعداء الله عقوبة وعذاباً من الله تعالى  للظالمين ، كما فعل موسى وداود ومحمد عليهم السلام بأعداء الله ، وهذا لا ينافي رحمة الله كما قد يفهم الجاهل ذلك ، لكون هؤلاء إنما خرجوا بعد آية الدخان ، وهي من الآيات العشرة المنتظرة التي إن وقع أولها انتفى نفع الإيمان بعدها وانتفى كسب الإيمان ، ما لم يكن ذلك قبلها ، لقوله تعالى :﴿ يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا . قل انتظروا إنّـا منتظرون(62) وقوله سبحانه : ﴿ قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون .فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون(63) وقوله : ﴿ هل ينظرون  إلا تأويله. يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل  ﴾ (64) وغير هذا مما هو منه صريح ومنه محتمل .

 

وفي هذا المعنى ما رواه مسلم في الصحيح وأحمد في المسند عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ، طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض )(65). روي من غير وجه عن وكيع وغيره . وهذا اللفظ المذكور هنا أورده مسلم من غير طريق وكيع. قال ابن كثير : رواه أحمد عن وكيع به ، وعنده : ( والدخان )(66). وعن ابن مسعود قال : التوبة معروضة ما لم يخرج إحدى ثلاث : ما لم تطلع الشمس من مغربها ، أو تخرج الدابة ، أو يخرج يأجوج ومأجوج(67). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بادروا بالأعمال ستاً طلوع الشمس من مغربها أوالدخان أو الدجال أو الدابة أو خاصة أحدكم أو أمر العامة )(68)وفيه أيضا من طريق قتادة عن الحسن عن زياد بن رباح عن أبي هريرة إلا أنه فيه بـ( الواو ) وليس بـ( أو ) وترجح رواية نعيم بن حماد لهـذا الحـديث عن أبي هريرة ، وقف رواية الشك في أيتهن التي تسبق الأخـرى ، والقائل على الصحيح أبو هريرة ومن الجهل رواية الشك على الرفع ، وهو المثبت بالنسخة المطبوعة للفتن قوله : خمسا لا أدري أيتهن أول الآيـات ، وأيتهن جاءت لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أوكسبت في إيمانها خيرا ، طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ويأجوج ومأجوج ، والدخان ، والدابة (69).  وكان قتادة يفسر الآية بحديث أبي هريرة : ( بادروا بالأعمال ستا )(70). وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول : موتوا قبل أن تدركوا ما لا يستطيع المحسن أن يزيد إحسانا ولا يستطيع المسيء أن ينزع عن إساءته(71). وعن ابن عمر رضي الله عنه رفعه مثله وفيه : ( وذلك بأن الله تعالى قال : ﴿ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ﴾ )(72).

 

الحاصل أن هذا الأصل في عدم قبول الإيمان ، وكسب الإيمان والأعمال بعد الآيات هو جار على سنة من سبق مـن الأمم ، كقوم نوح ومن معه(73)، وموسى ومن معه ، ولقد تأكد هذا الأمر صراحة في حديث عبدالله بن عمر في قوله : ( ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة ، فإذا قيل انقضت تمادت يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ، حتى يصير الناس إلى فسطاطين ، فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه ، فإذا كان ذلكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده ) . ومعنى هذا الحديث اشتمل عليه كذلك حديث حذيفة بقوله : ( تكون إمارة على أقذاء وهدنة على دخن ) قلت : ثم ماذا ؟ قال : ( ينشأ دعاة الضلالة ، فإن كان لله في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك فالزمه وإلا فمت وأنت عاض على جذل شجرة ) قلت : ثم ماذا ؟ قال :  ( ثم يخرج الدجال ) وفي لفظ عبدالرحمن بن قرط عن حذيفة قال : في الثالثة فتنة واختلاف ثم فتن على أبوابها دعاة النار .

 

فانقسام الناس إلى فريقين فريق الإسلام والإيمان ، وفريق الكفر والنفاق ، إنما يكون عند هذه الفتنة والهدنة ، وهناك تتمايز الصفوف ، وكل يظهر على حقيقته ، فالكذب يظهر والنفاق كذلك ، حتى يسود كل قبيلة منافقوها ، وحتى القينات والمعازف ، والخمور تظهر وتفشو ، والزنى كذلك ، والواقع يصدق ذلك ويشهد له ، لا بل يجلي المراد بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يظهر ) فهذا الظهور الطاغي لكل شيء مما أخبر عنه عليه السلام آخر الزمان يدل على المراد ، بخلاف الإيمان الصادق الذي عند ذلك على العكس لا يتم له الظهور بعد ، فتجد أهله غرباء طريدي العدالة ! مستضعفون أينما حلت ركابهم ، وعندما يريد الله تعالى نصرة الدين وإظهار الحق المبين ، ينزل أمره وينصر عباده فيكون ذلك التمايز ويكون ذاك الخليفة ، ولهذا لما كان الأمر مما يسبق خروج الدجال نص على ذكره في حديث ابن عمر المشار إليه سابقا وكذلك حديث حذيفة . ولما كان هذا التمايز والتمييز راجع إلى تدبير الله عز وجل وصنع نفسه العظيمة جلت قدرته وعظمت صفاته سبحانه ، أضاف الخليفة إلى نفسه جل وعلا فهو الذي يدبر له الأمر سبحانه ، ويهيئ له ويبسط سبحانه ، ليرى الناس أيهما الحـق ، اختياره هو ! ، أم انتخاب المخلوق !! ولهذا لن يكون البيان إلا له ! تقدست أسماءُه وعلت صفاته . قـال حذيفة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا عمت الفتنة ميز الله أولياءه )(74). وفي لفظ آخـر : ( يميز الله أولياءه حتى يطهر الأرض من المنافقين ) . وعن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( طوبى للغرباء إذا فسد الناس ، والذي نفسي بيده ليأرزن الإيمان بين هاذين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها )(75). وهذا الرجوع إلى المدينة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يكون إلا إذا خرج المهدي ، فبه يعود الإيمان إلى المدينة كما أتاها أول مرة ، يعود كما بدأ(76) مثل ما ذكر أمير المؤمنين على بن أبي طالب قال : ينقص الدين(77) حتى لا يقال : الله الله ، ثم يضرب يعسوب الدين بذنبه ، ثم يبعث الله قوماً قزعاً كقزع الخريف إني لأعرف اسم أميرهم ومناخ ركابهم . رواه الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث عن علي ، وقال وكيع : لم أسمع في المهدي بحديث أصح من حديث الأعمش(78). وأشار أبو عبيد إلى هذا الحديث وذكر قول الأصمعي : اليعسوب فحل النحل وسيدها(79). وذكر مثله حذيفة فقال : أو أردتم رد هذه الفتنة ، فإنها مرسلة من الله ترتع في الأرض حتى تطأ خطامها ليس أحد رادها ولا أحد مانعها وليس أحد متروك يقول الله الله إلا قتل ! ، ثم يبعث الله قوماً قزعاً كقزع الخريف(80).

 

وقد غمز أحد الحدثاء السفهاء بإسناد حديث علي هذا بعنعنة الأعمش وإبراهيم ، والإسناد جيد في هذا الحديث ، وهو محمول على الاتصال . وذكر عبدالله بن أحمد كلام وكيع في هذا الإسناد ولم ينكره ، ويعد هذا من أشد التوثيق لإسناد الحديث ، لا بل قال أحمد في هذا الإسناد ما بالكوفة أجود إسنادا منه(81)، ثم إن إبراهيم رواه عن أبيه كذلك(82)، وللحديث شواهد من غير حديث حذيفة فعن أبي الطفيل عن محمد بن علي قال : كنا عند علي ، فسأله رجل عن المهدي فقال : هيهات ، ثم عقد بيده سبعا(83)، فقال : ذاك يخرج في آخر الزمان ، إذا قال الرجل : الله الله قتل  ! ، فيجمع الله له قوما قزع كقزع السحاب ، يؤلف الله بين قلوبهم ، لا يستوحشون إلى أحد ، ولا يفرحون بأحد ، يدخل فيهم على عدة أصحاب بدر ، لم يسبقهم الأولون ، ولا يدركهم الآخرون ، وعلى عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر . قال أبو الطفيل : قال لي محمد أتريده ؟ . قلت : نعم . قال : فإنه يخرج من بين هاتين الخشبتين قلت : لا جرم والله لا أريمهما حتى أموت . فمات بها ـ يعني مكة ـ . رواه الحاكم وقال : صحيح على شرط البخاري ، ووافقه الذهبي(84). ورواه ابن سعد عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل عن محمد باختصار وأنه قال له : إلزم هذا المكان وكن حمامة من حمام الحرم حتى يأتي أمرنا ، فإن أمرنا إذا جاء فليس به خفاء كما ليس بالشمس إذا طلعت خفاء . وما يدريك إن قال لك الناس تأتي من المشرق ويأتي الله بها من المغرب ، وما يدريك إن قال لك الناس تأتي من المغرب ويأتي الله بها من المشرق ، وما يدريك لعلنا سنؤتى بها كما يؤتى بالعروس(85).

 

ومن شواهده ما رواه نعيم عن علي قال : لا يزال بلاء بني أمية شديد حتى يبعث الله العصب مثل قزع الخريف يأتون من كل ، ولا يستأمرون أميرا ولا مأمورا ، فإذا كان ذلك أذهب الله ملك بني أمية(86). وحديث علي هذا مع حديث الرجل الذي يطرد من سلطانه ويأتي بالروم ، وحديث الرجل الذي  يبلغ دخان فتنته السماء ، يفيد أن لبني أمية ملك في آخر الزمان ، وإذا خرج المهدي أذهب الله سلطانهم . ولقد صح في هذا المعنى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( هلكة أمتي على رؤوس غلمة سفهاء من قريش ) متفق عليه وهذا لفظ حديث سماك عـن أبي هريرة(87). وفي الصحيح عن سعيد بن عمرو قال أبو هريرة : لو شئت أن أقول بني فلان بني فلان لفعلت . قال سعيد : فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلمان أحداثا قال لنا : عسى هؤلاء أن يكونوا منهم ، قلنا : أنت أعلم (88).

 

قلت : هذا السائد عند الناس قديما ، أن هؤلاء خرجوا في أول الإسلام ، وأولهم يزيد ، وهو ظن البخاري وجرى على هذا في تبويب كتاب الفتن ، وهذا تأويل فاسد ، وهو تحريف لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل هؤلاء ولاة آخر الزمان .

 

 وقد وهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى أيضا حين ضرب على هذا الحديث ، من أجل الأمر باعتزال هؤلاء الأئمة ، ظناً منه أن هذا في حق الولاة في أول الإسلام ، ولم يدرِ أن تأويل الحديث على غير ما فهم هو وسائر الناس ، وإنما المراد بالحديث ولاة يكونون آخر الزمان هلاك الأمة على رؤوسهم وبأيديهم ، وأكثر ما جاء في بني أمية في هؤلاء ، ومنها ما نقلته آنفا .

 

 وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة : ( أعاذك الله من إمارة السفهاء ) قال : وما إمارة السفهاء ؟ قال : ( أمراء يكونون بعدي لا يهدون بهديي ولا يستنون بسنتي ، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم ، فأولئك ليسوا مني ولست منهم ، ولا يردون علي حوضي ، ومن لم يصدقهم على كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون علي حوضي )(89). ومثله عن أبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر وحذيفة . قال حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ) قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال :  ( تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع )(90). وعن عابس الغفاري وكان تمنى الموت بالطاعون ، فأنكر عليه فقال : إني أبادر خلالا سمعتهن من رسول الله تكون في آخر الزمان يتخوفهن على أمته فيقول : ( بادروا بالموت ستا إمرة السفهاء(91) وكثرة الشرط وبيع الحكم واستخفافا بالدم وقطيعة الرحم ، ونشو يتخذون القرآن مزامير يقدمونه يغنيهم وإن كـان أقل منهم فقها )(92). وعن أبي أمامـة رفعه : ( سيكون في آخر الزمان شرط ، يغدون في غضب الله ويروحون في سخط الله ، فإياك أن تكون من بطانتهم )(93). وهذا فيه دليل على أن هذه الخلال إنما تقع في آخـر الزمـان ، وعن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :  ( خمس إذا أدركتموهن فإن استطعتم أن تموتوا فموتوا ، إذا تهوون بالدم وبيع الحكم وقطعت الرحم وكثر الشرط واتخذت الأمانة ميراثا )(94). وأظهر هذه  الخلال تحققاً في زماننا كثرة الشرط .

 

وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ويل للعرب من شر قد اقترب ، يوشك العرب أن تصبح في شر بين شرين ، إن عصوا قتلوا وإن أطاعوا دخلوا النار ) وعنه بلفظ : أعوذ بالله من إمارة الصبيان . قالوا : وما إمارة الصبيان ؟ قال : إن أطعتموهم هلكتم ، وإن عصيتموهم أهلكوكم(95). موقوف عليه . وفي معجم الطبراني عنه رضي الله عنه قوله : في كيسي هذا حديث لو حدثتكموه لرجمتموني ، ثم قال : اللهم لا أبلغن رأس الستين . قالوا : وما رأس الستين ؟ قال : إمارة الصبيان ، وبيع الحكم ، وكثرة الشرط ، والشهادة ، ويتخذون الأمانة غنيمة ، والصدقة مغرما ، ونشو يتخذون القرآن مزامير . قال حماد : وأظنه قال : والتهاون بالدم (96). وهذا يشهد لحديث عابس الغفاري ، وما ظنه حماد ذكره عابس في حديثه ، والمراد الهرج الذي يكون آخر الزمان .

 

وهذه العلامات بمجموعها متحققة في زماننا ، وإنكارها إنكاراً للحقائق والبديهات ، وتحققها آكد شيء على أننا في آخر الزمان ، زمان تحقق تأويل الأخبار ، وذكر عمير بن هانئ عن أبي هريرة قوله : تشبثوا بصدغي معاوية ، اللهم لا تدركني سنة ستين(97). وعنه مرفوعا : ( تعوذوا بالله من رأس السبعين ومن إمارة الصبيان ) وقال : ( لا تذهب الدنيا حتى تصير للكع بن لكع )(98)، والحديث الأخير المرفوع لا يصح رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو قول باطل ، إنما ذكره أبو هريرة بتأويل واجتهاد منه رضي الله عنه ومن رفعه أخطأ في ذلك ، وهذه العلامات التي كان يتخوف من إدراكها ، إنما تحققها في زماننا وليس كما كان يظن هو ، وقد كان يفرط في هذا ويتقارب الأمر جداً حتى جاء عنه قوله : وكيف لا أتمنى الموت وأنا أخاف ! أن تدركني ستة : التهاون بالذنب ـ هذا لعله تصحيف والصحيح الدم ـ وبيع الحكم ، وتقاطع الأرحام ، وكثرة الشرط ، وفشو الخمر ، ويتخذون القرآن مزامير(99). وعـن أبي عبيد قال : كنت أصب على أبي هريرة من إداوة وهو يتوضأ فمر رجل فقال : أين تريد ؟ قال : السوق ، فقال : إن استطعت أن تشتري الموت من قبل أن ترجع فافعل . ثم قال : لقد خفت الله مما استعجل القدر(100). وروى عبدالرزاق والحاكم عنه قوله : ويل للعرب من شر قد اقترب ، على رأس الستين تصير الأمانة غنيمة والصدقة غرامة والشهادة  بالمعرفة والحكم بالهوى(101). وعنه : ويل للعرب من شر قد اقترب إمارة الصبيان ، إن أطعتموهم أدخلوكم النار ، وإن عصوهم ضربوا أعناقهم(102). وكل من اعتقد أن أمر هؤلاء الأمـراء الحدثاء السفهاء كائن في أول تاريخ المسلمين ، يعد مقلداً لأبي هريرة .

 

وقد بقيت مدة متحيراً من تعيين زمن هؤلاء الولاة على رأس الستين أو السبعين ، كما نقل عن أبي هريرة ، وجزمه بذلك ، والزمن تكفل الكشف عن بطلان هذه الفتوى ، وبان أن للأمر مدة ، إلى أن وقفت على طبقات ابن سعد وفيها ما يفيد بأن أبا هريرة حرص على أن يتلقى عن كعب الأحبار ، وكان يقول له : لمثل هذا جئتك(103). وروى أبو زرعة الرازي في تاريخه عن أبي سلام أنه قال : قدمت بيت المقدس فنزلت على عبادة بن الصامت ، فدخلت المسجد فوجدته وكعبا جالسين ، فسمعت كعبا يقول : إذا كانت سنة ستين فمن كان عزبا فلا يتزوج(104). فزال عجبي وحسبت أنى أدركت العلة . ثم إنه لا يستغرب من أبي هريرة أن يتلقف هذا عن كعب وقد كان يتلهف إلى إدراك عيسى عليه السلام ليحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان رضي الله عنه شديد اليقين بقربه من إدراك الساعة ، على عكس هذا الجيل التعيس الذي بالحقيقة هو مدركٌ لقرب الساعة ومع هذا يمرقون من التيقن بقربها ، وكأنهم أُوصوا شرعاً بتمني طول الأمل بالتعمير بالدنيا ، وهذا عجب من حال من ينتمي إلى ادعاء حب الآخرة ولقاء الله تعالى ، وهم منهمكون في حبهم للدنيا والركون إليها .

 

وللحق أقول هنا أن أبا هريرة لم ينفرد بتعجل قرب وقوع الأمر بل الكثير من الصحابة كان يظن من يقينهم بها رضوان الله عليهم وشدة إيمانهم بقرب وقوع الساعة حتى بلغ الأمر ببعضهم إلى الحد الذي كانوا يعتقدون أن الذي يقتله الدجال هو عمر بن الخطاب ! إلا أن أبا هريرة كان ينص على الستين أو السبعين ، وهذا معتقد راسخ عند اليهود ، وقد تبين أنه اعتقاد كعب الأحبار ، واليهود من هذا الاعتقاد في شك مريب ، فقد جاء في تلمودهم عن ربيهم يوسف قوله : وها قد مرت سابوعات عديدة ولم يأت بعد !(105). وبهذا يتبين أن دخول هذا القول على أبي هريرة من قبل كعب والله أعلم . وكذلك رفع خبر السبعين عن أبي هريرة لا يجوز ، وذلك لكون التاريخ أبطل هذا الهراء المنسوب إلى رسـول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع هذا حدث الإمام مسلم رحمه الله عن بسر بن سعيد قوله : اتقوا الله وتحفظوا من الحديث ، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة ، فيحدث عن رسول الله ويحدثنا عن كعب ، ثم يقوم . فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب ، وحديث كعب عن رسول الله(106).

 

الحاصل أن هذه الأخبار التي ذكر بها هذه الصفات حجة في تعيين زماننا أنه آخر الزمان ما يوجب العودة إلى الله وشدة الحرص على الحق فليس بعد هذا الأجل أجلاً آخر ، ويكفي ما ذكر بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة من التحذير من هذا الزمان ، والأمر بالمبادرة بالموت والأعمال الصالحة وفي هذا أبلغ تخويف وآكد تحذير من شر الفتن الواقعة آخر الزمان ، لما تشتمل عليه من شرور عظيمة لا طاقة للمؤمن في التصدي لها ، بل أمر بالفرار وطلب السلامة على ما مر سابقا من آثار .

 

 ومن أكثر ما أخبر عنه تجليا في عصرنا أمر هؤلاء النشؤ الذين يتخذون القرآن مزامير يغنونه غناء ، ويشربونه كشربهم للماء ولا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين يقبضون الدنيا بالأيدي والنواجذ ! ، ولما كان هؤلاء قد خرجوا في زماننا هذا وعلمت هذه الصفة فيهم وغيرها ، تعين على من يخشى الله أن يصدق خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ، خوفاً من أن يدخل فيمن لا يُصَدِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عنه من علم الغيب ، وقد وقع الأمر في الخارج كما أخبر عليه الصلاة والسلام ، وهذا لو انفردت الأخبار بذكرهم فكيف وقد جاء ذكرهم مع جملة أخبار هي واقعة كما نص على هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كخبر الفتنة والهدنة والدخان ، وغيره مما ورد ذكره عنه عليه السلام وعن الصحابة الكرام .

 

 كما يعد وجود هؤلاء الحدثاء السفهاء من أظهر وأصرح العلامات الدالة على وقت خروج المهدي ، وأنه سيكون مستضعفاً بينهم ، بل إن سائر العلامات المذكورة ، تحققها مجتمعة لهو أدل شيء على تعيين زمان خروجه ، كما نصت الأحاديث على ذلك وآيات الكتاب العزيز ، ولا يغفل عن دلالات هذه البراهين إلا جاهل غافل ، ومن قامت عليه الحجة في بيان وجه هذه الأدلة وما دلت عليه وأصر على عدم الإيمان بها ، فهو مكذب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وداخل في جملة من قال الله تعالى فيهم : ﴿ فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم(107) وقوله : ﴿ أنّى لـهـم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين . ثم تولوا عنه وقالوا معلَّم مجنون(108).

 

 وسبق وأن ذكـرت أن أظهر صفات هـؤلاء الاختلاف فيما بينهم(109) ورد هذا من حديث أبي سعيد(110) ، وامرأة عمر(111) ، إلا أن حديث أبي سعيد أُنكرت الزيادة الواردة فيه وهي قوله : ( ويكون الشيخ فيهم مستضعفاً ) . وكما قلت سابقا لا وجه لذكر الشيخ هنا إلا أن يكون المراد به المهدي فهو الذي يكون بعثه عند حلول الفتن وقبض العلم ، والحديث إنما يخبر عن إدراكه لهؤلاء ، وإني لأعد من أكبر الشواهد لصحة هذه الزيادة في الحديث وجود هؤلاء الحدثاء كما نصت الأخبار على وجودهم بالصفات التي نراها محققة فيهم اليوم ، وهل ينكر بروز هؤلاء في زماننا ، وبالأخص بعد فتنة صدام وانبعاث الدخان ، لقد أصبحوا ظاهرة لا تخفى ـ يسمونها الصحوة ! زعموا ـ  كذلك من أبرز صفاتهم وصفات رؤوسهم الضالة ، إفتائهم بالرأي وقياسهم الأمور بعقولهم الضعيفة ـ مثل قول بعضهم وهو يتقحم ما يعد كفراً بالشريعة [ لا أترك ذلك لغيري لعلي أصلح ! ] ـ وكثر بسبب هذا خلافهم فيما بينهم ، وتناطحوا تناطح الثيران ، ويعد هذا التنازع فيما بينهم من أبرز كذلك علامات تعيين زمن المهدي ، وذلك لإخبار الرسول عليه السلام كما في حديث أبي سعيد عنه قال : ( أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل )(112). واقتران وقوع الزلازل وكثرة الاختلافات في الناس اليوم من أصرح الدلالات على وقته .

 

وحتى لا يقال بأنني ممن يفتري عليهم ويقول عنهم ما ليس فيهم ، فإنني أنقل هنا شهادة من لا ترد شهادتهم عند هؤلاء ، وأولهم الألباني وهو رأس فيهم ، قال عن حالهم واختلافهم بعد فتنة صدام ( فتنة السرى ) : واقع المسلمين قد تجلى في هذا الحديث النبوي الشريف ـ يريد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم ) ـ بأقوى مظاهره وأجلى صوره ، في الفتنة العظيمة ! التي ضربت المسلمين ، ففرقت كلمتهم وأوهنت عزمهم ، وشتتت صفوفهم ، ولقد أصاب طرف من هذه الفتنة القاسية جذر قلوب عدد من الدعاة وطلبة العلم ، فانقسموا وللأسف الشديد على أنفسهم فصار بعضهم يتكلم في بعض ، والبعض الآخر ينقد الباقين ويرد عليهم .. وهكذا .. ولقد أثيرت أثناء الفتنة العمياء ! الصماء البكماء ! مسائل شتى اهـ(113).

 

والعجب أنه اقتبس من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاف الفتنة بعينها التي أخبر رسـول الله أنها واقعة في زمن هؤلاء بعينهم وهو لا يدرك هذا ، وهذا من أعجب مـا يكون من حال هؤلاء . وأشار تلميذ الألباني المقرب في كتابه التصفية والتربية (ص18) إلى هذه الاختلافات ورجح أن من أسباب ذلك : الخصومة بين الإخوان نتيجة انتصار كل طرف لآراء متضاربة وتحليلات مختلفة . والواقع يشهد .. وليس لها من دون الله كاشفة ! اهـ . وقال في كتيب الرؤية الواقعية : وقد رأيت بأم عيني نذر هذا الحديث في مجالس كثيرة من الشباب ! ومناقشاتهم وكلامهم ، وذلك في زيارتي الأخيرة لبعض مدن جزيرة العرب . وإني وعلى مدار عشر من السنوات كررت فيها الزيارة لهذه البلاد لم ألحظ شيئا من مقدمات ذلك التحريش ، ولم أرى بوادر تشير إليه أو بوارق تنذر به إلا هذه السنة !! اهـ(114).

 

قلت : لأن هذا من مقدمات خروج المهدي وعلاماته ، والأحاديث قد نصت على أن خروجه إنما يعقب هذه الفتنة والهدنة والدخان ، ويكون بين ظهراني هؤلاء الشباب الذين ينزو بعضهم على بعض نزو العير وسبق وأن ذكرت كلام الألباني في حديث حذيفة الذي هو صريح في تعيين زماننا أنه زمان بعث المهدي فقال في الحديث : وهذا الحديث فيه تصريحا واضحاً جداً يتعلق بواقع المسلمين اليوم ، حيث أنه ليس لهم جماعة قائمة وإمام مبايع ، وإنما هم أحزاب مختلفة اختلافاً فكرياً ومنهجيا أيضا اهـ .

 

ولا يفوتني نقل صرخة أبي زيد المدوية التي أطلقها في الشكوى من هذه النزاعات المعاصرة بين هؤلاء فقال : وفي عصرنا الحاضر يأخذ الدور في هذه الفتنة ! دورته في مسالخ من المنتسبين إلى السنة متلفعين بمرط ينسبونه إلى السلفية ظلماً لها ، فنصبوا أنفسهم لرمي الدعاة بألسنتهم الفاجرة المبنية على الحجج الواهية ، واشتغلوا بضلالة التصنيف اهـ(115).

 

وقول عبدالرحمن عبدالخالق عن هذا الأمر : وهذا الانشقاق في صف أهل السنة لأول مرة حسبما نعلم يوجد في المنتسبين إليهم من يشاقهم !! ، وجند نفسه لمثافنتهم ، ويتوسد ذراع الهم لإطفاء جذوتهم ... ، فلو رأيتهم مساكين يرثى لحالهم وضياعهم ، وهم يتواثبون ويقفزون ، لأدركت فيهم الخفة والطيش في أحلام طير! . وقال : وقد كان تدميره الأشد ( يريد المدخلي(116) ) في السلفيين خاصة ـ لأنهم تربية أمـه المرضعة إن أطاعـوا رضعوا وإلا النعل حاضـرة ـ فقد فرقهم جماعات وأحـزابا وأهواء اهـ(117).

 

وقال غيره : إن من المحزن حقا أن ترى دعاة السلفية وقد تنازعوا أمرهم واشتد الخلاف ! بينهم ويحق لنا أن نتساءل : لمصلحة من تؤجج هذه الفتنة ؟ لمصلحة من يستمر الخلاف ؟! اهـ(118).

 

أبداً لا مصلحة لأحد في ذلك ، إلا أن الأمر برمته أوقعه الله تعالى تصديقا لما أخبر رسوله عليه الصلاة والسلام ، من وقوع الخلاف في هؤلاء وغيرهم ، من الأحزاب المتفرقة الكثيرة والجماعات العديدة التي أكثر أتباعها من حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام الذين نجم طالعهم بعد هذه الفتنة والهدنة والدخان والتصالح مع الروم ، وكل هذا تصديقا لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولن يمكنوا من قطع وإنهاء هذه الخلافات ، لأنه واقع بقدر الله ، وعلامة أجراها في حالهم ليعتبر ويفهم العقلاء ما الذي يجري ، وما حال هؤلاء وما قارنها من علامات هذا الزمان على ما سبق تفصيله وما سيأتي ، إلا برهاناً على أن الخلق يعيشون زماناً قرب التمكين للمهدي المنتظر به ، ألا ترى أيها الأعمى دلالة التواتر والاقتران ظاهرة غـير خافية لمن هدى الله بصيرته وأنار قلبه . روى الإمـام أحمد رحمه الله تعالى عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل )(119). وهذا من أعجب الأحاديث في وصف الحال في زمانه ، وذلك أن الاختلاف ما زال في الأمة ، والزلازل كذلك ، إلا أن اقتران ذلك مع شدته هو وجه الدلالة وإلا لم يكن أي معنى من تعيين هذه العلامة لوقته ، وهذا ما لم يدركه الكثير من البشر ، لا بل لا اعتبار عند هؤلاء لتلك الدلالة ، وهي مرادة من خبره عليه الصلاة والسلام حين بشر الأمة بتعيين وقت خروجه .

 

والاختلاف بدلالته على تعيين زمان المهدي حاصل من خلاف الدعاة الحدثاء ، ومن أجل ذلك وردت أحاديث بخبرهم على سبيل التعيين فأتت بوصفهم وعلاماتهم المميزة الدالة على تعيينهم على جهة الخصوص من دون سائر الأمة ، وأما من جهة دلالة الاختلاف على العموم ، فمن يستطيع أن ينكر حقيقة مدى الخلاف الواقع في عالم اليوم ، الذي لا نظير له ، من ابتداء انهيار الشيوعية وحرب الخليج الثانية ، التي نصت عليها آيات القرآن كما في سورة الدخان والروم(120)، والكثير من الأحاديث .

 

وأما بخصوص الزلازل وهي علامة قدرية لا مدخل لإرادة البشر فيها ، وتعد من أدل العلامات على صدق دعوة المهدي ، ولهذا نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يبعث الله تعالى المهدي ثم يتبع ذلك الزلازل ، ليكون ذلك تصديقا له وتنبيها على أن هذا أوان بعثه . وجاء بالعدد رقم (445) شهر (8/1993) من مجلة المسلمون : أنه في اليوم (4و5) من الشهر الثاني لعام (1993) سجلت المراصد في المنطقة حوالي مائة هزة أرضية خفيفة ، ونقلت المجلة عن د . الصباغ من الجمعية العلمية في الأردن قوله : إن الهزات الأرضية التي سجلتها المراصد الأردنية بشكل تعاقبي لم يسبق أن تم رصدها خلال السنوات العشر الأخيرة ، وأن حدوث هذه الهزات بشكل متعاقب ومكثف ليس من المعتاد حدوثه ، واعتبر أن مـا حدث ظاهرة نادرة ! خاصة أن قوة الهزات تقارب بعضها ، وفترة تعاقبها كانت بفاصل زمني غير متباعد ، ووضح أن منطقة وادي الأردن قد يتأثر بمثل هذه الهزات ولكن ليس بالكثافة والتعاقب الذي حدث مؤخرا ! . وذكرت المجلة في مقالتها : أنه رصدت في مصر حوالي ألف هزة أرضية منذ وقوع زلزال القاهرة المدمر في (12/10/1992) اهـ .

 

     وزلزال القاهرة المذكور الذي يعد إعلاناً من الله تعالى على خروج المهدي ، إلا أن أكثر الناس لا يعلمون ذلك ، فقد جاء وصفه على لسان د. فاروق الباز مدير مركز الاستشعار عن بعد بجامعة هيوستن الأمريكية بأنه : غريب للغاية ، ومفاجأة لجميع علماء العالم لوقوعه في منطقة ثابتة . وأكد عدم وجود أسباب جيولوجية حقيقية لوقوعه وأشار إلى أن سبب الغرابة في وقـوع الزلزال ، أن المصدر الأساسي المتوقع لأي زلزال في مصر ، يقع على بعد (400) كيلو متر خارج القاهرة ، في منتصف البحر الميت اهـ(121). قـال تعالى :﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون . إنّا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون(122)(123). وقال : ﴿ وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً كان ذلك في الكتاب مسطورا(124) وهذه الآية لا يكون تأويلها إلا إذا خرج المهدي ، فإن الله تعالى يزلزل ويعذب بين يديه الكثير من القرى ، والحال في العالم الآن شاهدة على تحقق تأويل هذه الآية ، والأمر في هذا لا يخفى وهـو واقع اليوم تحت أنظار العالم أجمع مما بلغوه من تطور في وسائل الإعلام ، فالزلازل والأعاصير والفيضانات وأنواع العذاب ، وما هو آتي أعظم وأكبر ، وقد اشتد عذاب الله تعالى على أهل الأرض بعد مبعثه ! ، ومن المشاهد والثابت أن الله سبحانه في كل سنة يشد عليهم عذابه ، وهذه أقاليم أمريكا وأوربا وأفريقيا وآسيا شاهدة على ذلك .

 

ومن الغرائب عند الطبراني أنه زاد على رواية البخاري في حديث ابن عمر أن رسول الله سأل ربه أن يبارك في الشام واليمن . فقالوا له : وفي نجدنا يا رسول الله . فقال : ( هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان )(125). زاد الطبراني في روايته من طريق نافع عن ابن عمر : فقال رجل : يا رسول الله وفي العراق ومصر . فقال : ( هناك يطلع قرن الشيطان وثم الزلازل والفتن ! )(126).

 

ومن الثابت للمتابع هو أن الزلازل أخذت بالتتابع في كل أنحاء الأرض بعد زلزال القاهرة ، حتى إنه وقعت عدة زلازل لأراضي لم تكن تتزلزل من قبل مثل الكويت وقطر على الخليج العربي ! (127). وأصدر معهد ستراسبورغ الجيولوجي الدولي تقريراً يفيد بأن الأخدود الجيولوجي الأفرو آسيوي استفاق ! بعد سبات عميق ، وصارت الدول الواقعة على خطه مهددة بزلزال قوي(128). وقالت الأخبار بأن الهزات الأرضية بلغت في مدينة العقبة الأردنية إلى (1400) هزة زلزالية أثارت الذعر لدى المواطنيين الذين باتوا في الشوارع(129). وتميز زلزال نوفمبر هذا بالشمولية ونقلت أخباره كما يلي : أفاقت عدة دول في الشرق الأوسط صباح أمس على دوي زلزال قوي بدأ في خليج العقبة الأردنية وامتد من لبنان إلى حدود السودان مرورا بسوريا والأردن وإسرائيل والسعودية ومصر(130). وتتابعت الزلازل بعد ذلك في شهر ديسمبر من العام (1995) وكذلك في شهر فبراير من العام (1996)  . وقال د. حنفي دعبس : ما زالت توابع زلزال نوفمبر (1995)  مستمرة حتى الآن ! ، مما يدل على عدم الاستقرار الشديد الذي يعاني منه باطن الأرض في هذه المنطقة . وأضاف أن توابع زلزال نوفمبر بلغت (15) ألف هزة أرضية آخرها زلزال أول من أمس(131).

 

 ومما تناقلته وكالات الأنباء عن هذا الزلزال تحذير مدير الجيوفيزياء والخدمـات الفنية بكلية المصادر الطبيعية بالمملكة الأردنية د. محمد جرادات ، فقال : سيظل زلزال خليج العقبة الذي ضرب المنطقة العربية في نوفمبر الماضي هو الكابوس الدائم الذي يهدد بتدمير المنطقة . وقال : إن هذا الزلزال كان مفاجأة بكل المقاييس للوسط العلمي !! ، من حيث القوة المدمرة له والفترة الزمنية التي وقع فيها حيث من المعروف أن هذه المنطقة ـ منطقة خليج العقبة ـ تتسم بنشاط زلزالي من نوع العواصف الزلزالية ، أي تكون أعداد الهزات الأرضية كبيرة وتحدث في فترة زمنية قصيرة إلى حد ما ، وقال : لقد تجاوز عدد زلازل أحدث عاصفة زلزالية ضربت المنطقة في عام (1993) أكثر من (300) هزة أرضية وكانت في الغالب تسبق هذه العواصف الزلزالية مؤشرات تؤكد قرب حدوثهما بالمنطقة وفقا لما اعتاد عليه الوسط العلمي من تاريخ المنطقة ، حيث سبق لهـا أن تعرضت لعواصف زلزالية أعـوام (69و83 و93) ، أي بمتوسط كل (10سنوات ) تقريباً ، إلا أن الفترة بين عاصفة زلزال (93) وعاصفة زلزال (22/11/95) كانت قصيرة جداً علاوة على أنه لم يسبق لها أيت مؤشرات تدل عليها بل كانت مفاجأة في التوقيت ومفاجأة في كونها حدثت دفعه واحدة في أوقات متقاربة ! ، وأن زلزالها الرئيسي بلغ من القوة بالمنطقة ، ما لم يسبق أن صدر منها زلزال بنفس القوة من قبل ، وأعقبها حتى الآن أكثر من (2000) هـزة أرضية فوق (3) درجات رختر ، أي هزات محسوسة للبشر ، بخلاف آلاف الهزات غير المحسوسة ولكن تسجلها محطات الرصد ، وهو الأمر الذي يستحق التحذير ! ويدعو للقلق ! ويحتاج إلى التفكير والتباحث ! بشأنه لمعرفة إلى أين تتجه المنطقة .

 

ويتساءل د. جرادات : ماذا يخبئ لنا اختصار التوقيت الزمني بين كل عاصفة زلزالية وأخرى !! ، وهل ستحدث عواصف زلزالية أخرى في وقت قريب من ذلك ؟ وما هو السر !! في كثرة أعداد الهزات التابعة ؟ ويؤكد لقد سجلت المحطات في أحد الأيام أكثر من (400) هزة متتالية وهي بمثابة عاصفة زلزالية مستقلة ، كيف يحدث ذلك ؟! اهـ(132)(133).

 

 وكل هذه الأسئلة تحتاج في رأي الدكتور محمد جرادات إلى وضع إجابات لها ، والأمر في الحقيقة لا يحتاج لتفكير عند جرادات لو أن هذا الارصادي علم ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن وآمن لأدرك الحقيقة وعرف الجواب ، وهو أن الله بعث المهدي يقيناً ، فأوجب الله تعالى على الأرض أن تتزلزل لمقدمه كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام .

 

قال د. فاروق الباز : الحقبة التي نعيشها الآن تتميز بحدوث زلازل كثيرة !(134). وهذا يقر به الكثير ممن اختص برصد الزلازل في زماننا ، وإنه لمن المعلوم شرعا أن الزلازل لا تكون كثرتها إلا عند الأيام التي تسبق قيام الساعة ، الأيام التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيها يقبض العلم ويتقارب الزمان ويكثر الهرج وتظهر الفتن وهذا الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصل في زماننا هذا ولا ينكر ذلك أو يغفل عن إدراك دلالته إلا من طمس الله بصيرته وتقطعت دون الحق به سبل النفس والهوى والغفلة ، وهذه حال أكثر متديني الحدثاء ورؤوسهم من أشياخ السوء والجهل ، فضلا عن عامة الناس ممن لا تعلق لهم بما أُخبر عن وقوعه آخر الزمان ، والزلازل من الأمور القدرية كما ذكرت لا مدخل لأحد بها من دون الله ، وسبب نقلي في إثبات تحقق وتواتر الزلازل في هذا الوقت ، شهادات من لا علاقة لهم بالمباحث الشرعية ، ليعلم الجاهل مدى ثبوت هذه الحقيقة إلى الحد الذي لا ينكرها ولا يتفطن لها إلا الغافل أمثال هؤلاء الحدثاء وأشياخهم ، وحالهم وكأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخبر عن ذلك نعوذ بالله من الجهل والغفلة .

 

وبثبوت هذه العلامة القدرية يعرف أن هذا الوقت الذي تظهر فيه الفتن العظيمة على ما أخبر النبي ، وهو الوقت الذي يخرج فيه المهدي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يخرج عند اختلاف وزلازل ) ولقوله : ( يكون عند انقطاع من الزمان ، وظهور من الفتن رجل يقال له المهدي عطاءُه هينا )(135)ومعنى انقطاع الزمان هو تقارب الوقت ، كما بينت قبل قليل ، ويفيد تحقق ذلك ظهور الفتن ، وفي الصحيح أن ظهور الفتن إنما يكون عند تقارب الزمان(136)، وثبوت تحقق الزلازل والفتن ، وهي مـن جملة البراهين المنقولة لإثبات تعيين زمان المهدي ، الذي يفر من التزام ثبوته مع قيام البرهان على ذلك حدثاء ومشايخ السوء ، فرارهم من الأسد كالحمر المستنفرة ، وما ذلك إلا لسوء الباطن وتعاسة الظاهر ، وإلا ما تفسير هذا النكران لأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وادعاء طول بقاء الدنيا وتسلط الباطل .

 

الحاصل أنه لا يقبل بعد ثبوت ما ذكرته مجرد الادعاء بالنفي ، كما هو مقرر عند أهل العلم في طلب البراهين ، فكما من المثبت يطلب البرهان كذلك من النافي ، وهيهات أن يتحصل ذلك ممن ينفي وينكر الحقائق .

 

بوب البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الفتن من الصحيح ، فقال باب : ظهور الفتن . وروى فيه عن أبي هريرة قال : قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : ( يتقارب الزمان وينقص العمل ويلقى الشح وتظهر الفتن ويكثر الهرج ) . وعن عبدالله وأبي موسى مرفوعاً : ( إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم ويكثر الهرج ) وفي الباب روى عن ابن مسعود قال : ( بين يدي الساعـة أيام الهـرج ، يزول فيها العلم ويظهر فيها الجهل )(137). وفي أول الصحيح ذكر عن أبي هريرة بأتم مـن هذا اللفظ وفيه : ( لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ، وتكثر الزلازل ، ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج )(138).

 

سبق وأن أشرت إلى اختيار ابن باز في تعليقه على الحديث ، وأن معنى تقارب الزمان هو الحاصل في عصرنا من تطور المواصلات وغيره وقد مال إلى هذا التأويل الشيخ التويجري عليه رحمة الله ، وقولهما هو الحق إن شاء الله ، لما روى الطبراني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى قوله : ( يتقارب الزمان وتنقض عراه ويكثر الهرج )(139). وقوله لابن مسعود :  ( من أعلام الساعة وأشراطها أن تواصل الأطباق وملك الصبيان وظهور المعازف )(140). وهذا بين في زماننا لا يخفى يسافر المرء بساعات ما كان يقضى بأشهر فيما سلف من الأزمان ، وبهذا يصح القول بأن الزمن انتقضت عراه . وأما قوله بتواصل الأطباق فهذا أبين من أن يبين ، وهذا مما لم يقع أبداً إلا في عصرنا ، بعد اختراق الفضاء الخارجي وتجاوز ما يسمى الغلاف الجوي ، فتم الاتصال بين بني آدم من خارج الغلاف الجوي ، والأمر كما قلت أظهر من أن يبين لولا الابتلاء بهؤلاء وقد وردت الإشارة لهذا الأمر في كتاب الله سبحانه في أكثر من موضع كقوله : ﴿ لتركبن طبقا عن طبق . فمالهم لا يؤمنون(141) وهذا خطاب توجه لهذا الجيل الملعون قرن الشيطان ، ألا ترى كيف توعدهم الله جل وعلا بقوله : ﴿ فبشرهم بعذاب أليم(142) وهذا يعود إلى هذا الجيل ، فهو الذي بلغ بعضهم فيه السماء ، فتوعدهم الله بحلول العذاب ، لرد الإيمان واقتراف الكفران والعناد والتكذيب مع ما فتح الله لهم من العلم ما لم يفتح على سواهم من البشر .

 

وقل لي أين كفار قريش ومن قبلهم من ركوب الطباق ، ومما نراه اليوم في زماننا ، إنه هذا القرن أيها الأعمى . وكذلك أشار الله تعالى إلى هذا الصعود بقوله : ﴿ يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان . فبأي آلاء ربكما تكذبان . يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران(143) والسلطان هنا العلم(144) والمعنى أنه متى ما كان منكم النفاذ كان منا لكم الإهلاك ، وهذا خبر حق وهو كائن لا شك في ذلك ، وقد صرح به عند أهل الكتاب ، وليست تجهيزات حرب النجوم عنا ببعيدة !. وسيأتي الكلام عن هذا في الفصل الأخير إن شاء الله تعالى .

 

وأصرح ما في كتاب الله تعالى وعيداً في هذا الباب هو قوله : ﴿ أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب . جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب . كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد . وثمود وقوم لوط  وأصحاب لئيكة أولئك الأحزاب . إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب . ومــا ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة مالها من فواق(145) وهذا الوعيد بالصيحة حق ، وهي واقعة وواجبة على أهلها ، وأنهم معذبون كما الأمم التي سبقتهم ، ومما يثبت أن هذا الوعيد لهذا القرن الملعون ، أن الله تعالى أكد الوعيد في موضع آخر من القرآن لهذا الجيل فقال : ﴿ قــل انظــروا مــاذا في السمــاوات والأرض . ومـــا تغني الآيــات والنذر عـن قــوم لا يؤمنون . فهل ينتظرون إلا مثل أيـام الـذين خـلـوا مـن قبلهم قـل فانتظروا إني معكم مـن المنتظـريـن . ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين(146) ومعنى الآيات : ارتقوا السماء وانظروا مـاذا في السماء من آيات لم يطلع عليها غيركم لما وهبكم الله من سلطان العلم ، حتى مكنتم من الكشف عن عالم الذرة وأعماق المحيطات ، فغركم هذا وأطمعكم للتطلع للمجرات في السماء وبلوغ القمر والمريخ ، ولكن قطعاً لا نفع من ذلك ، فأنتم لا تؤمنون ولن تؤمنوا وقـد قال سبحانه فيكم : ﴿ إنّ الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون . ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم(147) ثم قال بعد ذلك : ﴿ وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ﴾ وهذا قطعاً لا يكون في كفرة قريش ، وذلك للقطع بنفي الإيمان عنهم والانتفاع بالآيات ، وإنمـا هذا يصح في قـوم أرادهم الله سبحانه بقوله : ﴿ ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين . قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون . فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون(148).

 

فإن قال الأعمى : هذا قول عجيب . قلت : وأعجب منه مما جاء في هؤلاء القوم قوله سبحانه : ﴿ فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين . ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا  كذلك حقا علينا ننج المؤمنين ﴾(149) ينتظر أن يقع عليهم مثل الذي وقع على من سبقهم ، وهذا لا يكون في الآخرة وهو ظاهر الآيات . فمن إذن هؤلاء الرسل ؟ وكم عددهم ؟! أم على قلوب أقفالها . وفي سورة يونس أمر هؤلاء بأن ينظروا ماذا في السماوات والأرض ، وفي سورة الأعراف جاء القطع بأنهم نظروا في ملكوت السماء والأرض فقال :﴿ أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شـيء وأن عسى أن يكـون قـد اقـترب أجـلهم  فبأي حديث بعده يؤمنون(150)وعسى في القرآن واجبة . وعن أبي الصهباء البكري ويعقوب بن زيد : أن عليا إذا حدث بافتراق الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة تلا فيه قرآناً . يريد آيات سورة الأعراف : ﴿ وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون.. ﴾ ويقول : وهي التي تنجو من هذه الأمة(151). وهذا الجيل بلغ المنتهى بالقدرة على الاطلاع والنظر والتفكر في ملكوت السماوات والأرض ، حتى مشت أقدام رسلهم على أرض القمر ونظر غواصوهم في أعماق المحيطات التي لم يمكن بشر من رؤية ذلك قبلهم قط وتمكنوا من رؤية الذرات وما هو أصغر من الذرة . وما ورد في سورة ص من ذكر إضافة ادعاء تملك السماء إلى هذا القرن ، الادعاء الذي أضيف لهم ، وسيق بصيغة الازدراء والتحدي المضمن الوعيد منه جل وعلا لهم بالهزيمة بقوله : ﴿ فليرتقوا في الأسباب . جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ﴾ وفي هذه الآيـة أعظم برهان على أن هذا القرآن منزل من الله تعالى ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول منه يوحى إليه من علم الغيب ما شاء . ومصداق الآية مشاهد في هذا القرن ، فهاهم قائمون بتملك السماء من خلال مدارات الأقمار الصناعية في الفضاء الخارجي ، وكل دولة دون الغلاف الجوي لها ملكية مجالها الجوي ، وقل مثل هذا في الحدود البحرية . وادعاؤهم التملك لما ذكرت لم يسبق له مثيل من قبل ، فصدق سبحانه وتعالى القائل : ﴿ أفنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوماً مسرفين(152)وقال : ﴿  اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون . ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم(153)وقال : ﴿ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون. وما هو إلا ذكر للعالمين(154).

 

روى الطبراني رحمه الله تعالى في ذكر المهدي ما يشعر بأنه إنما يسلط على من هذه صفاتهم فعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يليكم أئمة يملؤون الأرض عدواناً وجوراً ، ثم يليكم رجل يملأ ما بين السماء والأرض عدلاً كما ملئت عدواناً وجوراً )(155)رواه في مسند الشاميين وهو حديث مطابق لواقع هؤلاء مطابقة عجيبة ومثل هذا لا يمكن أن يتخيله كاذب ليضعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل لا يمكن أن يكون هذا إلا بوحي من الله تعالى لأنه مما لم يقع مثاله من قبل ، ولا يمكن أن يخطر على قلب بشر علمه أو إدراكه ، ولو لم نراه بأعيننا لم نصدق بحال إمكان وقوعه ، ولعل الجاهل يقول ربما هذا من مبالغات الشيعة في أمر المهدي .

 

فالجواب زيادة على ما سبق : أن هذا مهما بلغ في المغالاة لا يمكن أن يتخيل إمكان تحققه حتى يُصَيّرَهُ حديثاً في مناقب المهدي ، ومن أجل هذا ترك الحديث لمن فيه مقال حتى إذا ما رواه راوي قالوا : ما أكذب هذا الراوي .

 

والحاصل أن هذا ما كان ليدرك بحال في السابق إلا بالوحي ، وحقيقة تأويل الحديث إنما تصح في هذا القرن الذي ملئت به السماء بالمنكرات والأكاذيب والطغيان على الفطرة التي فطر الناس عليها ، فالطائرات تحمل المنكر إلى السماء ، والأقمار الصناعية تصب الشر من السماء صبا ، رقص وتسافد ولهو وطرب ، وكفر بالله لم يسبقه مثال ولم يتصوره خيال ، ورحم الله تعالى حذيفة فلقد قال : ليوشكن أن يصب عليكم الشر من السماء حتى يبلغ الفيافي ، قيل : وما الفيافي ؟ يا أبا عبدالله قال : الأرض القفر(156).

 

فانظر رحمك الله إلى هذه الشياطين في جثث بني آدم وهم في البراري ينصبون الخيام يتلقفون بأجهزتهم اللاقطة من السماء وحي الشيطان ، وكفر كل مارد لعين عنيد ، ومما يجب على أهل الإسلام أن يعلموه هو أن الله سبحانه وتعالى ضرب لأهل الكتاب من اليهود والروم وأشياعهم من حثالة سائر الشعوب موعداً لن يخلفوه ، ونصب علامة لذلك وهو بلوغهم السماء والارتقاء في ذلك ، وهي علامة لا تخفى نقلاً وعقلاً ، نقلاً في وحي الله تعالى لأنبيائه ، وعقلاً إذا ما تحققت .

 

وهذه الأمارة مؤذن تحققها بقرب وقوع الأمر على هؤلاء وإهلاكهم وإبطال كيدهم ، بإظهار عزته وجلاله وقدرته سبحانه وتعالى في تدميرهم شر تدمير ، والآن على رأس هؤلاء الروم جبابرة الأرض ، الذين بلغوا السماء وصعدوا على ظهر القمر وأرسلوا آلاتهم إلى المريخ ، فحققوا بذلك أعظم برهان في تعيين زمان المهدي وتحقق خروجه الميمون المنصور بإذن الله تعالى ، وجاءت هذه الحقيقة صريحة عند هؤلاء أنفسهم فيما يؤمنون به أنه وحي من الله تعالى ، وسيأتي بحول الله تعالى تفصيل ذلك في آخر فصل من هذا الكتاب(157).

 

ومما أنزل في خبر هؤلاء في كتاب الله تعالى ويعتبر أصرح ما ورد عنهم في القرآن وفيه وعيد بهزيمتهم ، في سورة سميت باسمهم وهي سورة الروم ، وقد أتى الله سبحانه على ذكرهم في هذه السورة ، وأخبر عن انتصارهم على صدام العراق وجيشه ، صدام الظلمة ، كما نص على ذلك خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه ذو مخبر في التصالح مع الروم ، وتعد آيات سورة الروم نصاً في هذه الفتنة وقوله تعالى في السورة : ﴿  في أدنى الأرض ﴾  على سبيل التعيين المعرف بهذه الواقعة ، وأدنى الأرض يريد طرف الجزيرة العربية من الخليج العربي ، وهي أرض أهل الكويت ، المحل الذي دارت عليه وبسببه هذه الفتنة وهذه المعركة بما قدر الله تعالى عليهم في شخص صدام من الرعونة والظلم ، وكما قلت سابقا أن تحقق هذه الفتنة من جهة المشرق مع ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرض المشرق أرض الفتن وما تقرر وفصل في سورة الروم ، فكل هذا جاء للتعريف بهذه الفتنة وزمانها ، ومطابقة تفاصيل فتنة الخليج هذه لما ذكر الله ورسوله برهان على أنها المرادة بما ذكـر بالكتاب والسنة ، ولا يضر ذلك تكذيب المكذبين ولا غفلة الغافلين ، والله يقول في محكم التنزيل : ﴿ فمالهم عن التذكرة معرضين . كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة (158) .

 

ولا يجب أن يلتفت إلى ما هو مثبت في رسم المصحف على قـراءة من قرأ بضم ﴿ غُلبت﴾ وفتح ﴿ سيَغلبون ﴾ ففي هذا قلب للنبوءة في الآية وتحريف للمعنى الذي دلت عليه ، وإنما الصحيح فتح ﴿ غَلبت ﴾ وضم الياء من ﴿ سيُغلبون ﴾ وهي قراءة أبي سعيد وعلي وابن عمر ، وحكى أبو حاتم عن هارون : أن هذه قراءة أهل الشام . وقد ورد عن أبي بن كعب ما يفيد أنه على خلاف اختيار ابن مسعود أن آية سورة الروم مضى تأويلها فقال في قوله تعالى : ﴿ ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر(159) قال : مصائب الدنيا والروم والبطشة أو الدخان . شعبة الشاك في البطشة أو الدخان رواه مسلم(160). وعن ابن مسعود رضي الله عنه : خمس قد مضين الدخان واللزام والروم والبطشة والقمر . رواه البخاري ومسلم . وهذا وهم منه رضي الله عنه والصحيح أن آية الدخان والروم والبطشة واللزام ليس مما وقع تأويله .

 

وروى الترمذي غرائب ومراسيل فيها أن هذه النازلة كانت في زمـان رسـول الله صلى الله عليه وسلم أول دعوة الإسلام . وذكر أبو الحسن علي بن عمر الدار قطني آثار عن ابن عباس في ذلك ورجح أنها مراسيل غير متصلة(161).

 

والراجح أنها أقوال لمن أراد تفسير الآيات ، ولو كان ما ذكروه حقاً لم يقع الخلاف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءة الآيات ، بما يقلب المعنى رأساً على عقب ، ولما كانت الآيات على سبيل الخبر فلا يحتمل فيها هذا الاختلاف ومما يدل على عدم صحة هذا التفسير ما جاء في الآيات نفسها ويمنع صحة هذا التأويل ، لقوله تعالى في الآيات : ﴿ ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله . ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم . وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون (162)وظاهر إضافة النصر لله والفرح للمؤمنين في هذا الأمر لا يناسب أن يكون ذلك في نوازل الروم مع الفرس ، وإنما الحق أن يكون ذلك فيما بين المسلمين والروم ، لقوله تعالى : ﴿ وعد الله لا يخلف الله وعده ﴾ وقد تأكد في ظاهر القرآن أمر هذا الوعد في أكثر من موضع قال الله عز وجل : ﴿ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون . فتول عنهم حتى حين (163)وقال سبحانه : ﴿ قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين . سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون . فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ﴾(164) وقوله : ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم(165)وهذه الآية أصل حديث المهدي بأنه خليفة الله ، وقد وعد الله هذه الأمة أن يكون فيها هذا الخليفة كما استخلف في بني إسرائيل ، وقد كانت سنة الله في بني إسرائيل لما طلبوا أن يكون عليهم ملك كما للأمم غيرهم ، أنه هو الذي يعين هذا الخليفة ، وكانوا يلقبونه مسيح الله ، نسبة إلى اختيار الله له ، ومن هذا جاء لقب المسيح عيسى ، ووصف الدجال بالمسيح لادعاء اليهود له ذلك بالكـذب والبهتان وادعاؤه هـذا لنفسه . قال تعالى :﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون (166)وهذا نظير قوله :﴿ ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين(167)وقال سبحانـه :﴿ ولقد ءاتينا موسى الكتاب فاختلف فيه  ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب(168) أي في هذا القضاء وتأويل الكلمة والوعد ، وفي قوله تعالى : ﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً وأجل مسمى(169) أبلغ رد على إبطال ما اختاره ابن مسعود من أن اللزام يوم بدر ، وهذا وهم منه رضي الله عنه ، وإنما اللزام صفة للعذاب المقضي على أهل الكتاب ومن سيكون من أشياعهم آخر الزمان ، وليس هو لكفار قريش كما ظن ابن مسعود ، وآيات سورة هود وطه والشورى(170) كلها في هذا الأمر ، وعيد شديد لهؤلاء جميعهم .

 

قال تعالى : ﴿ وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد(171)وقال أيضا في هذا المعنى : ﴿ ولقد أتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب . هدى وذكرى لأولي الألباب . فاصبر إن وعد الله حق(172)والوعد هنا والكلمة في قوله تعالى : ﴿ ولقد ءاتينا موسى الكتاب فاختلف فيه  ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب(173) سواء ، وعد وكلمة من الله بتعذيب هؤلاء وهزيمتهم ونصرة عباده المؤمنين وقوله تعالى في سورة الروم :﴿ وعد الله لا  يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ جار على هذا الأصل العظيم ، الوعد الذي تلقاه أنبياء بني إسرائيل وآخرهم عيسى عليه السلام ، وأمروا بأن يخبروا اليهود عن حقيقته وقد كان كما أمرهم الله تعالى ، وأدوا أمانة التبليغ ، إلا أن اليهود كتموا هذا الأمر وتواصوا على ذلك ، ومع تطاول الدهور باتوا على شك منه ، من أجل أنهم عادوا  يصدقون كذبهم في أن هذا الوعد خاصتهم من دون الخلق ، وهذا من عجائب تلاعب إبليس بهم ، وقوله تعالى : ﴿ وإنهم لفي شك منه مريب ﴾ يريد شكهم في حقيقة تأويله ، هل هو لهم أو عليهم ، يخادعون الله بذلك ، وفي الحقيقة إنما يخدعون أنفسهم ، ولذا استحقوا قوله تعالى : ﴿  لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم . فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون . فيقولوا هل نحن منظرون . أفبعذابنا يستعجلون . أفرءيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون . ما  أغنى عنهم ما كانوايمتعون(174)وقوله : ﴿ حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكاناً وأضعف جندا (175) وقوله :﴿ ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم(176)وقوله : ﴿  سيهزم الجمع ويولون الدبر . بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر(177)وفي هذا التصريح بأن موعد هذا الوعيد قبل الساعة ، فيه ينهزم الروم وأنصارهم شر هزيمة من الله تعالى القادر على كل شيء ، ومن السور التي تأكد فيها هذا الوعيد والوعد ، سورة مريم والحج والقمر وكذلك سورة الأنبياء بعدما ذكر يأجوج ومأجوج فقال : ﴿ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون . واقترب الوعد الحق  فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين(178).

 

والحق في هذا أنه عند انقداح شرارة الفتنة الصدامية التي ثار لها الروم وتأججت بها نارهم واجتمعوا وأعوانهم من كل حدب وصوب ، فعند ذلك يكون قد تحقق اقتراب هذا الوعد الحق العظيم ، وقد فسر سبحانه هذا القرب في سورة الروم ببضع سنين ، والبضع معروف معناه في لغة العرب ، وحقيقته عدد معين محتمل بين طرفين ، جمع سره قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي أمير المؤمنين حين حدثا عن المهدي .

 

وما توهمه الكثير من الخلق في أن يأجوج ومأجوج جنس من البشر مخصوص ، لا بل ذهب بعض السذج إلى أن يأجوج ومأجوج هؤلاء ما هم إلا الذين ذكروا في سورة الكهف ،  حتى لزمهم اعتقاد وجودهم أحياء إلى وقتنا هذا خلف السد المذكور لا يتمكنون من تجاوزه ، هذا الاعتقاد عجب ! وغريب على العاقل اعتقاد صحته وتصديقه ، ومن اعتقد بوجود هؤلاء اليوم فلا شك أنه ليس في عداد العقلاء المتبصرين ، ومن جملة هؤلاء الواهمين من اعتقد أن المذكورين في سورة الأنبياء هم من سيخرج على عيسى عليه الصلاة والسلام بعد نزوله ، والصحيح في ذلك أن هؤلاء هم الروم وأشياعهم لا من ورد ذكرهم في سورة الكهف ولا هم من يخرج على عيسى عليه السلام ، ويكفي لإثبات بطلان هذا الوهم ما ثبت في الصحيح عن زينب أنها قالت : استيقظ النبي من النوم محمراً وجهه وهو يقول : ( لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هـذا...) قيل : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : ( نعم إذا كثر الخبث )(179)وهذا قطعاً لا يكون إلا قبل المهدي ، فقبله يكون هلاك العرب بوقوع الفتن والهـرج كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( من أشراط الساعة هلاك العرب )(180). وقوله : ( هلاك العرب على يد غلمة سفهاء من قريش ) وقوله : ( ويل للعرب من شـر قد اقترب ، من فتنة عمياء صماء بكماء ) وغير هذا كثير في هذا المعنى . قال ابن حجر : خص العرب بالذكر لأنهم أول من دخل الإسلام ، وللإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهلاك أسرع إليهم اهـ .

 

ثم إن كثرة الخبث علامة من علامات الفتن والساعة ، وهو مما يكون قبل خروج المهدي فضلاً عن نزول عيسى ، ولا يصح القول أن في العرب هذا الخبث بعد نزول عيسى عليه السلام ، خصوصا على اعتبار أن المراد بالعرب هنا أهل الإسلام . وكذلك من المعلوم بالخبر أن العرب سيكونون قلة بعد نزول عيسى عليه السلام ، فكيف يصح إطلاق الخبث عليهم عند خروج يأجوج ومأجوج ، والإخبار عن هلاكهم ، وهذا مما لا يصح وقوعه إلا قبل عيسى وخروج المهدي المنتظر وتمكينه في الأرض . وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله ذكر جهدا بين يدي الدجال ، قلت : فأين العرب يومئذ ؟ قال : ( العرب يومئذ قليل ) !(181) ، قال ابن كثير : تفرد به أحمد وإسناده صحيح(182).

 

وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكالب الأمم عليهم مـا رواه أبو هريرة قال : سمعت رسول الله يقول لثوبان : ( كيف أنت إذا تداعت عليكم الأمم كتداعيهم إلى قصيعة الطعام يصيبون منه ) قال ثوبان : أمن قلة بنا ؟ قال : ( لا بل أنتم يومئذ كثير ، ولكن يلقي في قلوبكم الوهن ) قالوا : وما الوهن ؟ قال : ( حبكم الدنيا ، وكراهيتكم القتال )(183). وهذا الضعف والانهزام من الهلاك وزمنه في العرب عند الفتن والشرور ، ومن تكالب الأمم خروج يأجوج ومأجوج ، ومن الفتن تسلط أئمة الجور والظلم ، وكل هذا إنما يكون قبل التمكين للمؤمنين .

 

وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخبث المذكور إنمـا يكون عند الخسف ، ومن المعلوم أن الخسف لا يكون بعد عيسى بل قبله ، روى الطبراني بإسناده عن أنس قال : ذكر في زمان رسول الله خسف قبل المشرق ، فقال بعض الناس : يخسف بأرض فيها المسلمون ؟ فقال : ( نعم ، إذا كان أكثر أهلها الخبث )(184).

 

وكذلك من المعلوم أيضا في رد قول من توهم في خبر يأجوج ومأجوج ، أن الهلاك عند خروجهم في زمن عيسى عليه السلام ، إنما يختص بهم لا بالعرب ! فليتنبه لهذا ، وهذا في ظاهره يعارض ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله المشار إليه سابقاً : ( ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا ) ولا يمكن حمل هذا إلا على مـا تقرر هنا وهو أن خروج يأجوج ومأجوج إنما يكون في زمان الفتن ، وزمنها مما يسبق زمن خروج المهدي ونزول عيسى عليه السلام ، فلم يبقَ إلا اعتقاد أن يأجوج ومأجوج الذين ورد ذكرهم في سورة الأنبياء إنما زمانهم قبل المهدي وعيسى؛ وبهذا يصح القول بأنهم الروم ، فهم الذين حشروا من كل حدب وصوب ، وورد عند ذكرهم اقتراب الوعد ، بينما نصت سورة الروم على أن هزيمتهم هي الوعد !! .

 

 ومما جاء أيضا في تأكيد أمر هذا الوعد وأنه يكون في آخر الزمان ، ويكون عند ذلك خروج المهدي وتمكينه في الأرض ، قوله تعالى : ﴿ فإذا جاء وعد الآخرة ليَسُئُوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا(185) وقـال : ﴿ وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا(186)وهنا يجب على أهل الإيمان التنبه إلى أن أمر هذا الوعد قد التبس على الكثير من الجهلة وبلغ بهم التغافل إلى أنهم رأوا الله تعالى يأتي باليهود من كل مكان من العالم لإنزال وعده عليهم ، فيجحدون مع ذلك قرب تحقق الوعد الذي أُخْبِرَ عنه ، مع ما يرونه من تحقق الحشر جرياً والعياذ بالله إلى ما وقع به اليهود ، فقد ذكر الله سبحانه عنهم في هذا قوله :﴿ وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب﴾(187) وقال :﴿ ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتةً وهم لا يشعرون(188) وهؤلاء صاروا مثل اليهود ، لا يؤمنون بهذا الوعد ، ولهذا سيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون ، ألا تراهم أخي المؤمن يتكالبون على سلام اليهود الكاذب معاندة لأمر الله وجحدا لوعده بإهلاكهم مع قوله تعالى :﴿ وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم(189)ويقول : ﴿ أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم(190)وها هم أهل النفاق يبذلون جهدهم لتطمين اليهود ، ويأبى الله ذلك سبحانه ؛ والقوم أعلم بما أنزل عليهم ولهذا لا يجدون الأمن أبدا ، ولو جمعوا أسلحة الدنيا كلها ، فهم لا يدرون متى يؤخذوا ومن أين .

 

والذين شايعوا اليهود من المنافقين هم على خلاف سنة الله تعالى جحودا واستكبارا وإيثارا للدنيا على الآخرة ، حتى باتوا لليهود بمنزلة العبد ، وهم بذلك باتوا أضل سبيلا من اليهود أنفسهم ، فاليهود مع شكهم وريبهم من وعد الله تعالى قال تعالى فيهم :﴿ بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله(191)وأما هؤلاء فقد أدركوا ابتداء التأويل كما ذكر هذا في آخر سورة الإسراء ، من الإتيان باليهود حشرا من كل مكان ، لإمضاء المقدر عليهم وعلى كل أهل الأرض كما ذكر الله تعالى ذلك بقوله : ﴿ وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد(192) قوله : ﴿  ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين... ألا إن لله ما في السموات والأرض  ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون(193)ومع هذا الإدراك تجد المنافقين لا يؤمنون بوعد الله ، فهم بذلك أضل من اليهود وأشر ، قال تعالى :﴿ ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون . هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق(194)وقال : ﴿ لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم . فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون(195)وجزم بعض القراء الفسقة بأن الوعد المذكور في ابتداء سورة الإسراء هو مما مضى تقليداً لأقوال قديمة وحسب مع أن واقع اليهود اليوم يدل على تحقق كلام الله تعالى في تلك الآيات من العودة والإمداد ، ما يبطل قول من قال بأن تأويل الآيات قد مضى ، ولإبطال هذا الجهل بكتاب الله تعالى أرد عليه من عدة أوجه :

 

الوجه الأول : هو أن القرآن صريح في أن هذا الوعد لم يأتِ بعد وقد جاء هذا في أكثر من آية ، كقوله : ﴿ فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون(196)وقوله : ﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون(197)وقـوله :  ﴿  إنَّ ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين(198)وغير هذا كثير .

 

الوجه الثاني : إلحـاح اليهود بالسؤال عن وقت وقوع هذا الوعد ، وهذا لا يكون لما مضى كقوله تعالى : ﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . ما ينظرون إلا صيحة واحدة ﴾وقوله :﴿ قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون . ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين (199)ذرأهم بالشتات عن بيت المقدس ، ويحشرهم إليه إذا أراد تحقيق وعده ، فمنهم وبهم بدأ ، وفيهم يعود قدراً مقدراً بالحكمة والعدل .

 

الوجه الثالث : أن الله تعالى توعدهم عند تحقيق هذا الوعد أن يظهر عليهم المهدي ويسلطه عليهم ، فقال :﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين . فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون(200) أي تدعون أنه سيكون منكم ، وكنتم تستفتحون على الأمم بذلك . وقوله :﴿ سيئت ﴾ يريد أن بهذا إيقاع أشر الشر عليهم ؛ وقد جاء مفسرا في ابتداء سورة الإسراء بقوله تعالى : ﴿ فإذا جاء وعد  الآخرة ليَسُئُوا وجوهكم . وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا(201) أي كما دخلوه أول الإسلام ، وكان ذلك في خلافة الفاروق رضوان الله عليه من إمام عادل تقي نقي ورع ، ومن المعلوم بديهة أن لا شيء يسوء اليهود مثل طردهم من فلسطين بعد قوتهم التي استكثروا بها في هذا القرن .

 

الوجه الرابع : أن هذا الوعد ما هو إلا لتمكين المهدي في الأرض وتسليطه على أعداء جميع الرسل ، ولهذا يحكم كل الأرض ويجري الله بحكمه العدل والحق ، ويكون الدين ظاهرا على جميع الأديان ، قال تعالى : ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم . وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم(202)من قبلهم المراد به داود وسليمان وقبلهم يوشع عليهم السلام ؛ واليهود ينتظرون هذا الاستخلاف الثاني بلهفة شديدة ، مدعين أن هذا كائن فيهم ثانية كما في المرة الأولى مخادعة للذات وكذب على الله تعالى ، وستجد في تلمودهم الاعتقاد الراسخ بأن هذا الوعد سيجرى من الله تعالى خلاصا كالخلاص الأول من فرعون وقومه ، بل يعتقدون بأنه سيكون أعظم ، ويستدلون لذلك بقول نبيهم حجي : وأزلزل كل الأمم ويأتي مشتهى كل الأمم فأملأ هذا البيت مجداً قال رب الجنود ، مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول اهـ(203).

 

 وقد كذبوا بهذا الادعاء ، والحق هو أن نبينا استودع هذه النبوءة صلاة كل مسلم فأمرهم عند كل صلاة أن يقولوا : ( اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ) وقد بورك على إبراهيم وآل إبراهيم بالنبوة والكتاب وسيكون لآل محمد مثل ذلك وكما استخلف من قبلهم من آل إبراهيم سيستخلف كذلك في الأرض من آل محمد كما قال تعالى في سورة النور ، وكما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى قوله : ( لا تقوم الساعة حتى يستخلف رجل من أهل بيتي )(204).

 

والمراد بالبيت الثاني في نبوءة نبيهم هم آل محمد صلى الله عليه وسلم ، وتعظيم مجدهم سيكون في زمن المهدي ، فالبيت الأول في بني إسحاق والبيت الثاني في بني إسماعيل ، قال تعالى في بركة إسماعيل :﴿ وفديناه بذبح عظيم . وتركنا عليه في الآخرين (205) أي من الشأن العظيم والبركة التي تلحق آخر ذريته، ومصداق ذلك فيما يثبت كذب اليهود فيما ادعوه من خلاص مزعوم مكذوب على الله وأنبيائه ، ما جاء على لسان نبيهم هوشع قوله : إني أدعو الشعب غير المختار مختاراً(206). وهذا قطعا في بني إسماعيل فقد سبقهم إختيار بني إسحاق . وفي حزقيال قوله : سيعمل الله ميثاقا جديداً مع شعبه ليس نظير الميثاق الذي أعطاه لآبائكم فلم يفوا به ، وسيأخذ منهم قلبا من حجر ويعطيهم قلبا جديدا(207). وفي نبوءة دانيال عن آخر الأيام قوله : ويثبت عهداً مع كثيرين في أسبوع واحد(208). والعهد والميثاق سواء ، وهذه الأخبار عن أنبياء بني إسرائيل تفضح ادعاءاتهم للخلاص والاختيار ، وإنما حقيقة الأمر أن هذا في بني إسماعيل وما جحدوه إلا حسداً من أنفسهم أن يبارك الله في بني إسماعيل نظير بركته في بني أخيه إسحاق فلعنة الله على الظالمين المفترين على الله ورسله وفي الزبور الممجد ما يكشف كذب هؤلاء أيضا فيما أخبر الله تعالى عنه فقال : ﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون . إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين(209)وهذا الوعد في الزبور بين الله أمره في سورة النور بأوضح بيان وأصرح عبارة أنه كائن في أمة محمد فقال : ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم(210) وتأكيداً لهذا المعنى قال : ﴿ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون(211) وقال :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز (212)وقال أيضا : ﴿  وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون . إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون(213)

 

والذكر المشار إليه في آيات سورة الأنبياء ما ذكره من قبل داود وإبراهيم وأخنوخ ويعقوب وموسى وغيرهم من أنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام ، فقد أوحى الله إليهم خبر هذا الأمر العظيم الكائن آخر عمر الدنيا في أمة محمد ، الأمة المرحومة ، وسيأتي بحول الله نقل بعض ما ورد في هذا الذكر المشار إليه ، ومما ثبت بيقين كما سيأتي تفصيل ذلك أن الله توعد اليهود بالعذاب آخر الزمان فكيف يكون النصر والتمكين لهم ، هذا محال أن يجمع لهم الوعد والوعيد ، كقول الله تعالى : ﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه . ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب(214)وقوله : ﴿ ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب . وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون(215)

 

وقد فصل هذا الوعيد بما أوحى الله إليهم على أكمل وجه وسيأتي تفصيل ذلك . وفي هذا اتفق القرآن وكلام أنبياء بني إسرائيل على هذه الحقيقة اتفاقاً يكشف ويفضح كذب اليهود ومن شايعهم على السلام الكاذب في عصرنا هذا ، من ساسة هذه الشعوب الغبية البهيمية من حثالة البشر وسقط التاريخ .

 

الوجه الخامس : أن هذا الوعد ما هو إلا بشرى للمؤمنين ببعث المهدي ، وتمكينه في الأرض يقيم العدل ويرفع الجور ويعلي الدين ويدحر الباطل ، ومن أجل هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل ) وبشرى النبي بالمهدي وتمكينه ، نظيرها بشرى موسى وهارون لبني إسرائيل وهم تحت نير فرعون بالتمكين والظهور ، قـال تعالى : ﴿  وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلوة  وبشر المؤمنين(216)  ثم قال بعد ذلك سبحانه : ﴿  ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات (217)

 

فهذا ما كان من بشرى الله عز وجل لبني إسرائيل على لسان موسى وهارون عليهما السلام بالتمكين والنصر ، وأما بشرى الله تعالى للمؤمنين من هذه الأمة بالتمكين على لسان رسـول الله صلى الله عليه وسلم ، فقوله تعالى : ﴿  أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم (218)وقال :﴿ وهذا كتاب مصدقٌ لساناً عربياً لتنذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين(219) أي مصدق الذي بين يديه من الوعد بالتمكين للمهدي والمؤمنين من أهل الإسلام حين يحين الوعد ، كما فصل ذلك في زبور داود والذكر من قبله ، ولهذا وصف هذه البشرى بقدم الصدق كما وصف تمكين بني إسرائيل بمبوأ صدق ، بل أصرح شيء في هذا قوله تعالى : ﴿ وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لاريب فيه من رب العالمين . أم يقولون افتراه ... بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله (220) أي تصديق الوعد الذي سبقه وتأكيده ورد دعواهم أنه افتراه بأنهم لم يحيطوا علما بحقيقة هذا الوعد ، ولما يأتيهم تأويله بعد ، وفيه أعظم برهان على أنه منتظر ولم يأتِ تأويله ، ومن أجل هذا كان رسول الله يبشر به وتبتهج له روحه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، بأبي وأمي هـو وكما ذكرت سابقا ، لهذا الأمر أشار تعالى بقوله : ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ﴾ قال عبدالله بن عمرو : لتركبن سنة من قبلكم حلوها ومرها . رواه المروزي في السنة ، وقال ابن حجر : رواه الشافعي  بسند صحيح . وعن ابن مسعود قال : ما كان فيهم شيء إلا سيكون فيكم مثله(221). قال تعالى : ﴿ ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون . هل ينظرون إلا تأويله(222)وهذا التفصيل للوعد بالكتاب ، جعله الله هدى ورحمـة للمؤمنين المحسنين الأولياء ، وبشرى لهم . والمراد بالمؤمنين المهدي ومن سيكون معه ، فهو الذي يهدى بهذا التفصيل ويجعل له به هدى ونور وذكرى ، ولا تعجب من هذا أيها الأعمى ، ألم تقرأ قوله تعالى : ﴿ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون . لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة . لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم(223) وقوله : ﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾ وهذا في المهدي قطعا ، وأمره من كلمات الله التي لا تبديل لها ، وتفصيلها في الكتاب والذكر ، كما أنزل خبره على سائر الأنبياء ، وقد فسر النبي قول الله تعالى : ﴿ لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرةبأنها الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له(224). وقد بين أنها في آخر الزمان لا تكذب(225)، ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا التفسير للآية اختصاص أمر المهدي بالرؤيا التي هي البشرى ولذا قيدها بآخر الزمان بعدم الكذب ، واستثناها من دون سائر الوحي بالبقاء من بعده من أجل هذا الأمر ، وتأكيداً لأمر هذه البشرى بالتمكين للمؤمنين جاء سبحانه بعد قوله : ﴿  فإذا جاء وعد الآخرة ليَسُئُوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا(226)بقوله : ﴿ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً(227)وفي آخر السورة بعد قوله : ﴿ وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا(228) أتبع ذلك بقوله : ﴿ وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً(229) ثم جاء بعد ذلك بقوله :﴿ قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا (230)وكل هذا تأكيداً لهذا الوعد والبشرى فافهم .

 

وأما قوله تعالى كما جاء في سورة الأنبياء : ﴿  اقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين (231) فقد أكد هذا الأمر سبحانه في أكثر مـن موضع كقوله :﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون(232)وسماه الفتح في سـورة السجدة : ﴿  ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين (233)وتأكد أيضا قوله : ﴿ جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ) إلى قوله : ( وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق )(234)والضمير في هؤلاء يعود لجند الذين ادعوا ملك السموات والأرض الذين ارتقوا في الأسباب ، وهذا الوصف مطابق كما قلت لحال هؤلاء للحد الذي لا يمكن إنكاره بحال ، وما يثبت معنى الارتقاء في الأسباب ما ذكر عن فرعون قوله :﴿ يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب . أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا . وكذلك زُين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل (235)وفي هذه الآية يعرف أن الارتقاء في الأسباب هو الصعود في السماء ومن جهل فرعون أن إرادته تعلقت بطلب بلوغ السماء من خلال البناء العالي ، فكيف به لو أنه أدرك ناطحات السحاب في زماننا ، أو لو أدرك ما نرى اليوم من القدرة على بلوغ السماء والكواكب ، أتراه يجن أو يموت ، إنها القوة والطغيان والتجبر على سائر أهل الأرض ولن يقدر على إزالة هذا إلا الله سبحانه ولذلك جعل هذا لنفسه وهو القادر على كل شيء .

 

وروى الإمام مسلم رحمه الله عن المستورد قوله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تقوم الساعة والروم أكثر الناس )(236). ولا شك بأن المراد بهذا القوة على النفير والقتال كقوله تعالى : ﴿ وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا (237)حكاية عن حال اليهود في آخر الأمر ، وجعلهم أكثر قوة ومقدرة على القتال ، ومن اختصر رواية المستورد كما وردت في صحيح مسلم أخطأ في ذلك وأفسد المعنى باختصاره ، وقد ورد الحديث من وجه آخر بأتم من هذا اللفظ وسيأتي إيراده بإذن الله ، وكان عمرو بن العاص ينهى المستورد عن هذا الحديث لإنكاره ظهور النصارى على المسلمين وهذا ما فهمه عمرو من الحديث أن كثرتهم معناه ظهورهم بالقوة وليس المراد مجرد العدد ، وهذا نظير إنكار عقبة على عبدالله بن عمرو لمّا حدث بأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق ، فعارض عقبة بحديث الطائفة المنصورة(238). ومثله ما وقع لعمر رضي الله عنه حين أخبر عن قول عبدالله في ظهور العجم على العرب ، فعارض عمر ذلك بحديث الطائفة المنصورة أيضا(239). وقد أصر عمرو على إنكاره فأصر المستورد على أن ما يقوله إنما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها قال عمرو ما فهمه البعض على أنه مدح للروم ، وإن كان كذلك فقد وهم عمرو ، وليس في الحديث ما يشعر بهذا بل فيه ما هو على خلاف قوله والروم اليوم أهل الفتن وهم من أوقد نار فتنة صدام فتنة السرى وهم من دبر افتعالها وظلموا المسلمين وتسببوا بتدهور أحوالهم وضياع أمنهم من بعد ما كادوا يفنون بعضهم البعض بحروب دارت بينهم لسنوات أكلت أرزاقهم وأزهقت أرواح الكثير منهم ، ومما يمنع هذا الفهم تمام الحديث ، ففيه كما رواه الإمام أحمد بإسناده عن المستورد عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أشد الناس عليكم الروم وإنما هلكتهم مع الساعة ) فقال عمرو : ألم أزجرك عن هذا(240). وقال أنس : فتح القسطنطينية مع قيام الساعة(241). وهذا ما لا يكون ولهؤلاء قائمة ، واليوم ليس لأحد عليهم قوة فبات شرعا وعقلاً أن الله تعالى هو الذي سيهلكهم ويبطل كيدهم .

 

 وسبق وأن لمت من اختصر حديث المستورد هذا لإفساده للمعنى مما أوهم بعض المتلقين للفظه فحمله على غير وجهه كما وقع ذلك لابن كثير فعلق عليه قائلا : هذا يدل على أن الروم يسلمون آخر الزمان ! ولعل فتح القسطنطينية يكون على يدي طائفة منهم !! وقال : والروم يكونون في آخر الزمان خير مـن بني إسرائيل ، والروم قد مدحوا في هذا الحديث !! فلعلهم يسلمون على يدي عيسى بن مريم اهـ(242). بل مدحهم عمرو آخذاً بظاهر الحديث وما أدرى عمرو بهذا الخبر وحقيقته ، وما أفسد الأخبار إلا مثل هذا التأويل ، وها هي أم الفتن يدير رحاها الروم ويأتي أيضا من أدركها ممن يستدل بهذا الحديث بعينه على مدح الروم بأنهم أصحاب حلم ، ويدعو إلى التأسي بهم عند الفتن ! وكيف يتم ذلك وهم من أوقد نارها وعلم قرارها ، وإنما هلاكهم يكون بعد إيقاد هذه الفتنة بعينها(243).

 

فارتقبوهم حين يقع فيهم قول الله تعالى : ﴿ جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب  إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب . وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة مالها من فواق (244)وقوله : ﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون (245)وقوله :﴿ واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين (246) لعلهم سيرون ما يروعهم ويذهلهم عند الصيحة فتشخص لذلك أبصارهم تعظيماً لأمرها ، وروي ما يفيد أن هذه الصيحة إنما تقع من أجل تعيين شخص المهدي المنتظر وإعلان أمره لجميع سكان المعمورة ، لمن شاء أن يتقدم أو يتأخر ! ، صيحة يتداعى لها الناس وتهوي لها الرؤوس ، عندها يحار الجبابرة والعتاة من هولها ، وبها يعلم الناس حينئذ أن هكذا يقوم أمر المهدي ويمكن سلطانه ، ولما كان سلطانه من الله ، فلا يقيمه إلا الله تعالى .

 

قال عبدالرزاق عن معمر عن رجل عن ابن المسيب قال : تكون فتنة بالشام كأن أولها لعب الصبيان ، تطفو مـن جانب وتسكن من جانب ، فلا تتناهى حتى ينادي مناد : أن الأمير فلان(247). ورواه ابن المنادي في الملاحـم ، ونعيم في الفتن بلفظ : حـتى ينادي مناد من السماء(248). وروي من غير هذا الوجه ، وفي هذا المعنى وردت أحاديث كثيرة لا تسلم أسانيدها من مقال ، إلا أن تضافرها على هذا المعنى يدل على أن لذلك أصلا ، وما نقلته من كتاب الله في الصيحة يعد أصلاً لهذه الأحاديث ، وأما ما ورد في بعض ألفاظ هذه الأحاديث مما ينكر لفظه وهو أقرب إلى مهاترات القصاص وتهاويلهم منه إلى كلام رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فهو مما لا يضر بهذا المجموع المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة وأتباعهم في هذا الأمر العظيم ، وأجود المروي في هذا الأمر عندي حديث سعيد رحمه الله تعالى على انقطاع سنده وسيأتي لاحقاً الكلام على إسناد هذا الأثر إن شاء الله تعالى ، وجاء عن ابن سيرين ما يشهد لحديث سعيد هذا ، وفيه أنه ذكر فتنة تكون فقال : إذا كان ذلك فاجلسوا في بيوتكم حتى تسمعوا على الناس بخير من أبي بكر وعمر. قيل : خير من أبي بكر وعمر ؟ قال : قد كان  يفضل على بعض الأنبياء(249). وفي لفظ : لا يفضل عليه أبو بكر وعمر(250). وسنده صحيح إلى ابن سيرين ، وقول سعيد وابن سيرين في المهدي ليس هو من قبيل الرأي ولابد أن يكونوا تلقوه عن الصحابة ، وحديث سعيد ولو كان من المراسيل فهو مما يعتبر به ويعد من أقواها . قال الشافعي رحمه الله تعالى : ليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع سعيد بن المسيب . وقال أبو حاتم : يعني ما عدا منقطع ابن المسيب أن يعتبر به(251). وقال أحمد بن حنبل وأبو عمر بن عبد البر : مرسلات سعيد صحاح(252). وقد وصل حديث سعيد ، إسماعيل بن عياش واختلف عنه ، ذكر ذلك الدارقطني وقال : وروى عنه عن عمرو بن دينار عن سعيد عن طلحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يصح ما سمع ابن عياش عن عمرو بن دينار . قلت : قصروا في إسناده فقد رواه الطبراني عنه عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن دينار به ، قال الهيثمي فيه المثنى وهو متروك(253). وروى نعيم حديث سعيد من قوله من طريق عبدالرزاق وابن المبارك من غير الإفصاح عن اسم الرجل المبهم ، ورواه من وجه آخر عن محمد بن بشر عن ابن المسيب وعن يحي بن سعيد عن ابن المسيب وعن محمد بن يزيد عنه(254).

 

وخلاصة الكلام في إسناد هذا الحديث هو أن هذا الإبهام في الإسناد لا يضر ، وقد احتمل رواية الحديث ابن المبارك وعبدالرزاق ، ولم يلتفتوا لإبهام هذا الرجل ، وذلك والله أعلم لاعتبارهم صحة الحديث إلى سعيد ، ومعمر قد يكون هو الذي كتم اسم شيخه بطلب من هذا الشيخ ، وذلك لغرابة متن الحديث ونفرة بعضهم من أن يتهم بالتشيع من أجل مثل هذه الرواية وهذا وارد وممكن وقوعه جراء هذه الرواية ، وقد دارت طرق هذا الحديث المتصل عن سعيد على عمرو بن دينار ويحي بن سعيد والزهري ، وقد أعلها جميعها الدارقطني رحمه الله(255). وذكـره نعيم عن قتادة أيضاً عن سعيد إلا أنـه كرواية معمر غير موصولة وروي عن إسماعيل بن عياش عن صفوان عن ابن جبير عن كثير عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي أن هذا المهدي فاتبعوه )(256). رواه عنه عبد الوهاب بن الضحاك واتهم بهذا الحديث ، وكل هذه الطرق والألفاظ في الصيحة تدل على أن لهذا أصلا كما قلت سابقا ، والخلاصة في أمر حديث سعيد رحمه الله هو أن الرجل المبهم في الإسناد لا يخرج عن هؤلاء الثقات يحي والزهري وقتادة ، وذلك لقول علي بن المديني : نظرنا فإذا يحي بن سعيد يروي عن سعيد ما ليس يروي أحد مثلها ، ونظرنا للزهري عنه مثل ذلك ونظرنا فإذا قتادة يروي عن سعيد شيئا لم يروه أحد(257).

 

وروي في النداء عند خروج المهدي عن علي وابن عمرو وشهر بن حوشب وأبي جعفر ومحمد بن علي وعاصم بن عمر البجلي ، وهذا مما يدل على أن للنداء أصل من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلا ما كان لها هذا الكم من الروايات التي من المستبعد أن تكون كلها مكذوبة ، وكفى بالقرآن إثباتا على صحة وقوع الصيحة ، وما ذكرت هذا الحديث إلا استئناساً على أن تحققها إنما يكون في زمن المهدي .

 

وما ذكره محمد بن سيرين رحمه الله عند وقوع الفتنة أنه عليهم الجلوس بالبيوت حتى يسمعوا على الناس بالمهدي ، يعيدنا إلى إتمام الكلام الذي بدأته أول الكتاب عن الاعتزال ، وأنه سنة عند الفتن ، لا كما يقول الجهال من ضلال الحدثاء : إنما يفعله المعتزلة !! . ومثل هذا القول لا يستحق الرد ، لأنه يكفي مجرد ذكره عند من يعلم أن قائله من أجهل الخلق بحقيقة أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يدرك الفرق بين أوامر رسول الله بالاعتزال عند الفتن وحقيقة مذهب المعتزلة ، فنسب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء ، ومثل صاحب هذا القول الأنسب ضربه بالنعال على رأسه ليحس أنه جاهل ، لا الرد العلمي على قوله.

 

والاعتزال عند الفتن التي تسبق التمكين للمهدي آكد ، فقد تواترت الأحاديث وأقوال الصحابة في تأكيد هذا الأمر ، وأنه عند حصول التفرق في آخر الزمان يجب الاعتزال وهو لم يَأمر عند ذلك بالاعتزال إلا لخير المسلم وشفقة عليه حتى لا يخالط الفتن وأهلها فيهلك ، وفتن آخر الزمان قد بين أنها مهلكة من تشرف لها تشرفت له ، تبطح الرجل فتقلبه عن الإيمان ، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مراتب أحوال الناس فيها ولا مزيد على بيانه ، روى عبادة عن رسول الله قوله : ( ستكون فتن لا يستطيع المؤمن أن يغير فيها بيد ولا بلسان )(258). وعن حذيفة : الفتنة مرسلة من الله ليس أحد رادها ولا أحد مانعها وليس أحد متروك يقول الله الله إلا قتل ، ثم يبعث الله قوما قزعا كقزع الخريف(259). وجاء عن محمد بن مسلمة لما وقعت الفتنة أنه قيل له بعد اعتزاله أصلح بينهم فأبى(260). وهذا ابن سيرين رحمه الله وهو يرشد ويحدث بالاعتزال عند الفتنة التي تسبق ظهور المهدي ، يعتزل عند فتنة ابن الزبير ، قال عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين : قال لي عبيدة وأنا بالكوفة قبل فتنة ابن الزبير : أُفرغ من ضيعتك ثم انحدر إلى مصرك فإنه سيحدث في الأرض حدث . قلت : فما تأمرني ؟ قال : تلزم بيتك . قال : فلما قدمت البصرة وقعت فتنة ابن الزبير(261).

 

وإني لأعجب من هؤلاء جميعا وهم ينكرون الاعتزال في زماننا(262) ونحن في فتن آخر الزمان التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تكون قبل المهدي ولا ترفع إلا به ، وأَمَرَ عندها بالاعتزال ، وهذا ابن سيرين يعتزل وعلى الناس ابن الزبير وهو من الصحابة من قريش(263).

 

فماذا يقول هؤلاء لو أدرك ابن سيرين ما نحن فيه ، أيرونه ينكر الاعتزال ؟! .  ويقولون نحن أتباع السلف ! ، لا بل أنتم أتباع أنفسكم والهوى ، وإني أشهد الله تعالى أن هؤلاء ليسوا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح ، وهم ليسوا منا ولسنا منهم ، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، وأخبرنا أنهم يغيرون السنن ويحدثون البدع ويتبعون الهوى ولا ينكرون الفتن بل تراهم يُشربونها قلوبهم ولا يردعهم عنها رادع من تقوى أو علم . 

 

قال حذيفة : وكلت الفتنة بثلاث ، بالحاد النحرير الذي لا يريد أن يرتفع له منها شيء إلا قمعه بالسيف ، وبالخطيب الذي تدعو إليه الأمور ، وبالشريف المذكور ، فأما الحاد فتصرعه ، وأما هذان فتبحثهما حتى تبلو ما عندهما(264). وعن ابن مسعود وذكر فتنة فقال : يخرج الرجل من بيته ومعه دينه ، فيرجع وما معه شيء منه(265). وعنه قال : إنكم في زمان القائل فيه بالحق خير من الصامت والقائم فيه خير من القاعد ، وإن بعدكم زمانا الصامت فيه خير من الناطق والقاعد فيه خير من القائم(266). وعنه رضي الله عنه قال :كونوا ينابيع العلم مصـابيح الهـدى أحـلاس البيوت(267). وقال علي : تعلموا العلم تعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله ، فانه سيأتي بعد هذا زمان لا يعرف فيه تسعة عشرائهم المعروف ولا ينجو منه إلا كل نومة ، فأولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم ليسوا المساييح ولا المذاييع البذر(268). قال الدارمي رحمه الله تعالى : نومة غافل عن الشـر ، والمذاييع البذر كثيروا الكلام . وعند ابن وضاح قيل لعلي ما النومة ؟ قال : الرجل يسكت بالفتنة فلا يبدو منه شيء . وعنه عند أبى نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب قال : طوبى لعبد يعرف الناس ولا يعرفونه ، يعرفه الله برضوان ، أولئك مصابيح الهدى ، وليسوا بالمذاييع ولا البذر ، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة .

 

وهذه الفتن التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أمته من شرها ، مميتة للقلوب والعياذ بالله ، ولهذا كان من رحمته بأُمّته أمرهم بمجافاتها وأهلها ، وحث على الابتعاد عنهم بقدر الإمكان ، لا مخالطتهم والدخول في أمورهم كما يفعل هؤلاء السفهاء مخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن عمر : قال رسول الله : ( ليغشين أمتي بعدي فتن يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه )(269). وقال الضحاك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن بين يدي الساعة فتن كقطع الدخـان يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه )(270). وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج ، ويميت الله قلوب أهل ذلك الزمان كما يميت أبدانهم )(271). وعن الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يكون بين يدي الملحمة فتن يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه )(272). وغير هذا كثير مما فيه التحذير من فتن آخر الزمان ، وهو زماننا هذا وناحيتنا هذه ولا حول ولا قوة إلا بالله . قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ( إذا تقارب الزمان أناخ بكم الشرف الجون ، فتن كقطع الليل المظلم )(273). قال الخطابي : يريد الإبل السود المسان شبه بها الفتن ، وقد روي أيضا بلفظ : ( الشرق ) أي الجائية من قبل المشرق(274).

 

وها هو الزمان يتقارب والفتن أتت من المشرق ، وقد أناخت بالناس وأماتت قلوب خلق لا يحصيهم إلا مالك الملك عالم الغيب والشهادة ، وما سلم منها حتى أكثر الذين يدعون الصلاح والإصلاح ، تجدهم بأحـلام العصافير ويريدون أن يصلحوا هـذا الجيل ويغيروا زعموا ! ، وهم معرضون عن أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوجيهه ، لا بل يسخرون ممن أطاعه وسلم لأمره ، قاتلهم الله ما أكثر جهلهم ، وتراهم لا يخشون الفتن على أنفسهم ، بل يرون أنفسهم بخير ونعمة وأحسن حال ، وأمان واستقرار ، وما ذلك إلا لأنها في حقيقة الأمر سَلَبَتْ منهم الفتن البصيرة وأماتت فيهم القلوب ، وهم إلى اليوم لا يعرفون هذه الفتن ولا ينكرونها ، وانظر إلى كلام حذيفة في حـال من لم ينكر هذه الفتن قال : تعرض فتنة على القلوب ، فأي قلب أنكرها نكت في قلبه نكتة بيضاء ، وأي قلب لم ينكرها نكت في قلبه نكتة سوداء ، ثم تعرض فتنة أخرى على القلوب فان أنكرها القلب الذي أنكرها في المرة الأولى نكت في قلبه نكتة بيضاء وإن لم ينكرها نكتت نكتة سوداء ثم تعرض فتنة أخرى على القلوب فإن أنكرها الذي أنكرها في المرتين الأوليين اشتد وابيض وصفا ولم تضره فتنة أبداً وإن لم ينكرها في المرتين الأوليين اسودَّ وارتد ونكس فلا يعرف حقا ولا ينكر منكرا . رواه الحاكم وصححه(275).

 

والقلب الأبيض قلب المهدي وقلوب كل الذين سيحشرون له من أقطار الأرض ، والقلوب السوداء المنكوسة هي قلوب هؤلاء الحدثاء الذين لم ينكروا الفتن ، ومن على شاكلتهم من عامة الناس ، وذلك لأن حذيفة هنا يتكلم عن الفتن وعرضها على سبيل التعيين لا على العموم ، ولذا قيد العرض بالثلاث ، ويريد بذلك فتن آخر الزمان ، الفتن الشداد ، فقد جاء تخصيصه لهذه الثلاث بأنها لا تكاد تذر شيئا ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحـدث عن الفتن يعدها منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا . رواه مسلم(276). وفي صحيح مسلم عن ابن عمر رفعه : ( وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها ، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا )(277). وهذا الحديث فيه التصريح بأنها تصيب آخر الأمة ، ومثله ما صرح به عمر رضي الله عنه عندما سأل حذيفة عن الفتن قال : إنما أسألك عن الفتنة التي قبل الساعة تموج كموج البحر(278). ورد هذا في الحديث الذي رواه حذيفة عن هذه الفتن وكيف عَرْضُها على القلوب ، وقد حدث به عمر رضى الله عنه لما سأله عن الفتن ، ولفظ الحديث في الصحيحين عن العرض فيه اختصار وقد ساقه الحاكم في المستدرك بأكثر تفصيل ، ونص على أن العرض يكون ثلاث مـرات ، ويريد بهـذا الفتن المعينة في حديث ابن عمر : ( فتنة الأحلاس والسرى والدهيماء ) ولفظ الحديث كما ورد في الصحيح : ( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير على قلبين ، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخياً لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه )(279)وهذا فيه اختصار مخل في معنى الحديث ، وسياق الحديث عند الحاكم أجود منه في الصحيحين كما نقلته قبل قليل وابن عمر رضي الله عنه كما ذكرت سابقا روى أن هذا كائن آخر الزمان ، وساق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  تفصيل أحوال هذه الفتن التي تعرض على القلوب ولا بأس من إعادة ذكره هنا للفائدة قال : كنا عند رسول الله فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس فقال قائل : يا رسول الله وما فتنة الأحلاس ؟ قال : ( هي هرب وحرب ، ثم فتنة السرى دخنها(280) من تحت قدم رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني إنما أوليائي المتقون ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع ، ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة ، فإذا قيل انقضت تمادت يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافراً حتى يصير الناس إلى فسطاطين : فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه ، فإذا كان ذلكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده ) وروى رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( إن الفتنة تجيء من ها هنا ـ وأومأ بيده نحو المشرق ـ حيث يطلع قرن الشيطان ، وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض )(281)وهذا كله على سبيل التعيين لزمان ومكان الفتنة .

 

وفي ختام هذا الفصل أنقل الأحاديث والآثار التي جاء فيها أن المهدي يخرج عند هذه الفتن التي يجب على المؤمن إذا ما أدركها أن يعتزل شرها ويتجنب دعاتها حتى يدرك المهدي أو يدركه الموت طالباً السلامة منها كما أَمر بذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام .

 

الحديث الأول : عن حذيفة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تكون إمارة على أقذاء وهدنة على دخن ) قلت : ثم ماذا ؟ قال : ( ثم ينشأ دعاة الضلالة ، فإن كان لله في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك فالزمه وإلا فمت وأنت عاض على جذل شجرة ) قلت : ثم ماذا ؟ قال : ( ثم يخرج الدجال )(282).

      

الحديث الثاني : عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن ، رجل يقال له السفاح ، يكون عطاؤه حثيا ) وفي لفظ : ( يقال له المهدي ) وقد رواه مسلم من وجهين من غير ذكر المهدي أو السفاح ، وفي لفظه اختلاف ، وفيه أنه يكون آخر الزمان (283).

 

الحديث الثالث : عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ستكون بعدي فتن منها فتنة الأحلاس ، يكون فيها هرب وحرب ، ثم من بعدها فتن أشد منها كلما قيل انقطعت تمادت حتى لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ولا مسلم إلا وصلته ، حتى يخرج رجل من عترتي ) قال السلمي في عقد الدرر : له شاهد في صحيح البخاري حديث عوف بن مالك : ( أعدد ستا بين يدي الساعة ،...وفتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته )(284).

 

الحديث الرابع : عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلاء يصيب هذه الأمة ، حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم ( فيبعث الله رجلا من عترتي )(285).

 

الحديث الخامس : عن علي رضي الله تعالى عنه سأله رجل عن المهدي فقال : ذاك يخرج في آخر الزمان ، إذا قال الرجل : الله ، الله ، قتل ، فيجمع الله تعالى له قوما قزعاً كقزع السحاب . الحديث(286).

 

الحديث السادس : ( وهو من الآثار ) فعن ابن سيرين عن أبي الجلد قال : تكون فتنة بعدها الأخرى ، فما الأولى في الأخرى إلا كثمر السوط يتبعه ذباب السيف ، ثم تكون فتنة تستحل فيها المحارم كلها ، ثم تجتمع على خيرها تأتيه وهو قاعد في بيته(287).

 

الحديث السابع : ( وهو من الآثار أيضاً ) عن محمد بن علي لما ذكر له المهدي قال : قبل ذلك فتنة شر فتنة ، يمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً(288)، ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً ، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله تعالى وليحرز دينه ، وليكن من أحلاس بيته(289). وهذه الفتنة التي لا تنقضي إلا بتمكينه جاء في حديث ابن عمر أن اسمها ( الدهيماء ) وهي التي تعقب فتنة السرى ، فتنة صدام وهي على هذا الفتنة التي نحن فيها اليوم نسأل الله السلامـة والنجاة لنا ولكل عباد الله تعالى المخلصين الأتقياء . قال الخطابي : والدهيماء ، تصغير الدهماء على مذهب المذمـة لهـا . ووصفها بأن فيها الرجـل يصبح مؤمنا ويمسي كافراً ، ورد ذلك في أكثر من حديث ، وأصرح حديث جاء في أنها تكون في آخـر الزمـان حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يكون في آخر الزمان فتن كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ) وعن أنس : ( ويصبح كافراً ويمسي مؤمناً ، ويبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا يسير )(290)ومثله عن النعمان بن بشير ، رواه الحسن البصري وقال الحسن في القوم الذين يبيعون دينهم : لقد رأيتهم صوراً ولا عقول ، وأجساماً ولا أحلام ، فراش نار وذباب طمع ، يغدون بدرهمين ، ويروحون بدرهمين ، يبيع أحدهم دينه بثمن عنز(291). ولقد تعجل رحمه الله في تأويل الحديث وتوهم في جيله ، ولو أدرك هؤلاء لعلم من أحق بوصف الذباب والفراش .

 

ومحمد بن علي راوي الأثر الأخير هنا ، ذُكِرَ عنه من وجه آخر في وصف ما يكون قبل المهدي فقال : إذا رأيتم ناراً من المشرق تطلع ليالي ، ثم ينادي منادٍ من السماء بإسم المهدي(292). وسبق وأن تكلمت على أحاديث النار وبينت أنها تسبق خروج المهدي ، وسقت الشواهد على ذلك ، ودللت على أن المراد بها نار آبار البترول الكويتية التي أوقدها صدام العراق . وهذا الكلام من أبي جعفر محمد بن علي منقول من مشكاة النبوة ولا شك ، وإلا ما وجد ما يشهد له ، وسيأتي لاحقا في الفصل الأخير زيادة بيان في أمر هذه النار التي كما قلت هي من أدل العلامات على زمان المهدي المنتظر إلا أن أكثر الناس لا يعلمون .

 

وأما قوله في الأثر المنقول هنا : فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله تعالى وليحرز دينه ، وليكن من أحلاس بيته . فكل ما جاء من الأحاديث والآثار عن السلف يشهد لهذا القول ، وقد نقلت الكثير من الأدلة لبيان هذا الأصل ، وهو مقرر عند السلف رحمهم الله ، ولا ينكره إلا هؤلاء الحدثاء السفهاء ومشايخهم مشايخ الجهل والسوء والضلال ، فقد حاستهم الفتن والتصقت بهـم فلا يجدون منها مهرباً ولا خلاصاً ، وباتوا من وقودها . وهم في هذا الإنكار ليسوا على نهج الرسول عليه السلام ، قال أبو موسى : ( إن من ورائكم فتنا كقطع الليل يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافراً ، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير مـن الماشي ، والماشي  خير من الراكب ) قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : ( كونوا أحلاس البيوت )(293). وفي هذا الحديث الجمع بين هذين اللفظين ، أعني قوله : ( يمسي كافراً ويصبح مؤمنا إلى آخـره ) ولفظ :  ( القاعد فيها خير من القائم ) واللفظ الأخير ما أكثر ما يذكر الصحابة عن رسول الله صلى الله غليه وسلم  أنه يكون في زمان الهرج(294)وقول أبي جعفر وأبي موسى الأشعري هنا يدل على أن الهرج يكون قبل خروج المهدي ، وصرح بهذا أبو جعفر هنا وابن عمر وغيرهما ، كما ثبت عن علي رضي الله عنه ، وهذا فيه إلزام لهؤلاء الجهلة في أننا في زمان المهدي ، فإنه لا يسع العاقل اليوم إنكار أننا في زمان الهرج ، وهذا ممن يعد من أبرز دعاتهم اليوم يقول : ولكن حال المسلمين اليوم التي يعيشونها ، حالة دماء وإرهاب وتخريب في كل مكان ! اهـ(295). وهذا حق وهو حال جميع العالم لا المسلمين فقط فهي سنوات الهرج التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال موسى بن طلحة : أرهب الهرج . قالوا : وما الهرج ؟ قال : الذي كان أصحاب رسول الله يحدثون ، القتل بين يدي الساعة ، لا يستقر الناس على إمام حتى تقوم الساعة ! عليهم وهم كذلك ، وأيم الله لئن كان هذا لوددت أني على رأس جبل  لا  أسمع لكم صوتا ولا ألبي لكم داعيا حتى يأتيني داعي ربي(296). وقوله لئن كان هذا يريد قتال ابن الزبير وأهل الشام ، ومراده إن كان هذا هو الهرج الذي أخبر عنه الصحابة .

 

وعن سعد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنها ستكون بعدي فتن يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً...) إلى قوله : قلت : فأي الرجال أرشد ؟ قال : ( رجل بين هذين المسجدين في قلة يقيم الصلاة لمواقيتها ويحج ويعتمر فلا يزال كذلك حتى تأتيه يد خاطئة أو منية قاضية ) .

 

وعن ابن مسعود وقيل له لو قمت إلى هذين الرجلين ـ لرجلين يتشاجران ـ وأمرتهما ونهيتهما ، فقال رجل : عليك بنفسك ، قال عز وجل : ﴿ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم (297) فسمع ذلك ابن مسعود فقال : لم يجيء تأويل هذه الآية بعد ، فما دامت قلوبكم واحـدة ، وأهواؤكم واحدة ، لم يلبسكم شيعا ولم يذق بعضكم بأس بعض ، فأمروا وانهوا ، فإذا اختلفت قلوبكم وأهواؤكم وألبسكم شيعاً ، وأذاق بعضكم بأس بعض ، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية ،  فامرؤٌ ونفسه(298). ويشهد له حديث أبي ثعلبه وابن عمرو ، فعن أبي ثعلبه قال : سألت رسول الله عنها يريد آية المائدة فقال : ( بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيتم شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، ورأيت أمراً لا يد لك به ، فعليك بخاصة نفسك ، ودع عنك أمـر العوام ، فإن من ورائكم أيام الصبر )(299). وعن عبدالله بن عمرو قال : بينما نحن حول رسـول الله إذ ذكر الفتنة فقال : ( إذا رأيتم الناس قـد مرجت عهودهم وخفت أماناتهـم وكانوا هكذا ـ وشبك بين أصابعه ) فقلت : كيف أفعل عند ذلك ؟ قال : ( إلزم بيتك وأملك عليك لسانك ) وعند البيهقي : ( عليك بنفسك وإياك وعامة الأمـور ) وعند عبد الرزاق بلفظ : ( كيف إذا بقيت في حثالة الناس ، مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فكانوا هكذا ، فعليك بما تعرف ودع ما تنكر وعليك بخاصتك وإياك وعوامهم )(300).

 

وهل ينكر عاقل انطباق هذه الأحاديث على وقتنا ، كيف يكون هذا وهذه الأحاديث إنما تصف ما يجري اليوم مما يدعو الاعتقاد لتصديق أن عصرنا هو المراد بهذه الأخبار ، والحق الذي لا مرية فيه أن تأويل الآية وهذه الأخبار متحقق في أحوال الناس اليوم ، ومع هذا تجد هؤلاء السفهاء من الحدثاء وأشياخهم أشياخ السوء والنفاق ، يعطلون العمل بهذه الأدلة سفهاً من عند أنفسهم ، فهم منفصلون في الحقيقة عن الفهم والإدراك ، فتجدهم دائما لا يدركون في هذا الأمر الكتاب والسنة ، ولا هم عارفون ومدركون لحقيقة زمانهم ، جهلة ما أبقوا من الجهل بقية ، لقد أتوا على آخره نعوذ بالله تعالى مـن شرهم . وقوله في حديث عبد الله بن عمرو :  ( كيف إذا بقيت في حثالة الناس ) ومعنى الحثالة الرديء من كل شيء . ونقلت سابقا في ذكر الحثالة أو الحفالة عـدة أحاديث ، منها حديث مرداس ؛ والفزارية امرأة عمر ؛ وأبي سعيد ، وفيها أن من صفة هؤلاء الحثالة التنازع ، وأن الله لا يبالي بهم ، ونص حديث أبي سعيد على أن الشيخ يكون فيهم مستضعفاً ، وقد علقت على أن المراد بالشيخ هنا الإشارة إلى المهدي .

 

ويدخل في جملة هؤلاء الحثالة ولا شك حدثاء الأسنان السفهاء وأشياخهم ، بل الأحاديث فيهم أخص ، وقد علق الحافظ على حديث مرداس الأسلمي المذكور سابقا قوله : فيه أنه يجوز انقراض أهل الخير حتى لا يبقى إلا أهل الشر ، واستدل به على خلو الأرض من عالم حتى لا يبقى إلا أهل الجهل صرفاً . واستدل لصحة هذا القول بحديث ابن عمرو في قبض العلماء حتى يبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فَيَضِلون ويُضِلون(301)، وحمل هذا القبض على ما بعد الريح(302).

 

وهذا غير صحيح ، بل هذا القبض قبل خروج المهدي ، فقبل خروجه يندرس الدين ويفشو الجهل ويكون أهل الدين والعلم في غاية الاستضعاف ، لا كما هي حال من يدعى له العلم اليوم ، وهم آمنون بسربهم ، مقدمون في الناس وعند السلاطين الظلمة ، فهؤلاء قطعا ليسوا من أهل العلم وحالهـم على خلاف ما جاء في سائر الأخبار في آخر الزمان ، ولقد وقفت في صحيح مسلم على ما فيه إيضاح لمعنى الحثالة والله أعلم ، وذلك لما قال عائذ بن عمرو لعبيد الله بن زياد : إجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد . فقال عائذ : وهل كانت لهم نخالة ، إنما النخالة بعدهم وفي غيرهم . ورواه الطبراني عن عبد الله بن جعفر المزني بلفظ : إنما أنت حثالة من حثالات أصحاب محمد . فقال : وهل فيهم حثالة لا أم لك بل كانوا أهل بيوتات وشرف ممن كانوا منه(303).

 

وهذا مشعر بأن المراد بالحثالة من لم تعرف أنسابهم ومصداق هذا ، الحال التي عليها أكثر العرب اليوم من الانتساب إلى الأمصار والقرى على عادة العجم أو الانتساب إلى الجد أو من قرب منه ، وما ذلك إلا لضياع أنساب أكثرهم على غير طريقة العرب قديماً ، وقد جاء في الصحيح أيضا ما يشهد لهذا المعنى فعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة قوله : ( وإذا تطاول رعاة الإبل البُهم في البنيان فذاك من أشراطها ) بضم الباء من البهم وهي رواية البخاري . قال الخطابي : وهو جمع بهيم وهو المجهول الذي لا يعرف . وقال الحافظ في الفتح : وصف الرعاة بالبهم ، إما لأنهـم مجهولي الأنساب ، ومنه أبهم الأمر فهو مبهم إذا لم تعرف حقيقته ، وإما معناه لا شيء لهم اهـ(304).

 

قلت : الراجح الوجه الأول لتملكهم البنيان وتنعمهم بالدنيا ، ووصفهم بالرعاة باعتبار ما سبق من حالهم ، والواقع يصدق هذا ويشهد له ، فقد نزح الرعاة إلى الأمصار .

 

الحاصل أن كل من أنكر الاعتزال في زماننا عند هذه الفتن فهو محجوج بكل ما سبق ذكره من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصحابته الكرام ، وما قاله وفعله من اتبعهم بإحسان ، ومنهم سعد رضي الله عنه لما قتل عثمان ونوزع علي رضي الله عنه ، ولم يبقَ أحد من أهل الشورى غيره وعلي ، قعد في بيته وأمر أهله أن لا يخبروه بشيء من أخبار الناس حتى تجتمع الأمة على إمام ! ، ثم نزح ونزل على ماء لبني سليم بالبادية معتزلاً الناس ، وأتاه ولده عمر فقال : أرضيت أن تتبع أذناب الماشية ، وأصحابك يتنازعون في أمـر الأمة فقال سعد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ستكون بعدي فتن خير الناس فيها الغني الخفي التقي ) وقال لولده : يا بني أفي الفتنة تأمرني أن أكون رأسا(305). لله درك من عفيف على خطئك ولو أنزلت الأمر غير محله . وروي عنه أيضاً قوله عند مقتل عثمان : أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم )(306) وهذا قطعاً كائن آخر الزمان لا كما وهم سعد وغيره من الصحابة رضي الله عنهم .

 

 وكيف القول في هؤلاء الحدثاء وأشياخهم الجهلة ، وسعد يعتزل في الماشية ، ومن على الناس ، عليهم أمير المؤمنين علي ، فهل ينكرون فعله ، فإن كان لا ، فكيف يستقيم قولهم الآن فيمن يعتزل لأنه يرى أنه أدرك زمان الفتن الموعودة والشرور العظيمة التي ما زال رسـول الله صلى الله عليه وسلم ينذر منها ، فماذا يقولون ، غير أنه مبتدع ! ، هكذا ومن على الناس ، خُنَيْس ونُجَيْس !! . إلى الله نرفع الشكوى من هؤلاء الملاعين نسأل الله أن يُري المؤمنين فيهم يوماً لا ينسى وعاراً لا يمحى .

 

وسعد لم يعتزل وحده ، بل الكثير منهم ، وفي عداد من اعتزل أبو ثعلبة الخشني راوي الحديث المشهور ـ ذكر قريباً ـ اعتزل علياً ومعاوية تطبيقاً للحديث الذي رواه ، مثل ما فعل سعد ، وكذلك فعل ابن عمر وابن مسلمة ، كلهم كانوا يرون أن ذلك النزاع فتنة فاعتزلوا الناس إلى أن يجتمعوا على رأس .

 

وهؤلاء الحدثاء ليسوا على سنتهم ولو ادعوا أنهم على طريق السلف فهم كذبة ، بل هم على طريق الهوى .

 

وهذا عروة أيضا راوي حديث كرز الخزاعي في الاعتزال عند الفتن في شعب من الشعاب ، الحديث الذي يصف المعتزل عند الفتن بأنه ( خير الناس ) وفي لفظ حديث أبي سعيد : ( أكمل الناس إيماناً )(307) يعمل بمقتضى هذا الحديث ويعتزل عند الاختلاف ، وعروة هو عروة ، قال عنه الزهري : جالست سعيد سبع سنين لا أحسب أن عالماً غيره ، ثم تحولت إلي عروة ففجرت به ثبج البحر(308).

 

وهذا مطرف بن الشخير يعتزل عند الاختلاف والتفرق ، عن ثابت قال مطرف : لبثت في فتنة ابن الزبير سبعاً ما أخبرت فيها بخبر ولا استخبرت فيها عن خبر . وقيل ليزيد عن عبدالله : ما كان مطرف يصنع إذا هاج في الناس هيج ؟ قال : كان يلزم بيته ولا يقرب لهم جمعة ولا جماعة حتى تنجلي لهم عما انجلت . وقد كان يقول : ما أرملة جالسة على ذيلها بأحوج إلى الجماعة مني(309). ومع هذا اعتزل عند الاختلاف .

 

فهل حقا هؤلاء في حكم الاعتزال على سنة أولئك ، كلا بل هم والله على البدعة والضلالة وعداوة السنة .

 

 ونقل أبو يعلى الفّراء عن أحمد رحمه الله تعالى وسأله رجل عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن وقوله : ( خير الناس مؤمن معتزل ) يريد حديث أبي سعيد ، فقال لأحمد : هل على الرجل بأس أن يعتزل في غنيمة له ينتقل من ماء إلى ماء ويعتزل الناس ، وهو على ذلك أفضل عندك أم يقيم في مصر من الأمصار وفي الناس ما قد علمت ، وفي العزلة من السلامة ما علمت ؟ فقال أحمد : إذا كانت الفتنة فلا بأس أن يعتزل الرجل حيث شاء ، فأما ما لم تكن فتنة فالأمصار خير(310).

 

وقد اختار العمل بالعزلة بعد المحنة التي ابتلي بها ، وترك الجمعة والجماعة ومدة ذلك أكثر من اثنتي عشرة سنة . قال ابن كثير : لزم بيته لا يخرج منه إلى جمعة ولا جماعة وامتنع من التحديث(311).

 

وهذا مالك قبله رحمه الله في زمن المنصور العباسي ، لزم  بيته ولم يكن يخرج لجمعة ولا جماعة . وذكـر الذهبي في تذكرة الحفاظ عن أبي مصعب قال : لزم بيته ولم يشهد الجماعة خمساً وعشرين سنة (312). وهذا من الأئمة الكبار ، أيصح أن يقال عنه منافق لاعتزاله الناس عند الفتن وهو إمـام متبوع .

 

وهذه  سنة من سلف من الصحابة والتابعين والعلماء الكبار ، فبمن تأتوننا من بعدهم يعدل بهم من حثالة هذا الجيل الممقوت .

 

 

 

 

مواضيع الفصل الثالث
دل حديث حذيفة في سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن الشر ، أنه عند الفـتن إذا لم يكن للمسلمين جماعة ولا إمام أنه يجب الاعتزال حينئذ ، وهذا على خلاف مذهب هؤلاء الحدثاء السفهاء ومشايخهـم رؤوس الجهل ، إذ أنهـم ينكـرون الاعتزال مع انعدام وجود الجماعة وإمام الجماعة ،والحديث أبلغ حجة مـن السنة في كشف باطلهم ، وعلى كل غيور  لله في الدين أن يلزم هذا الحديث فدلالته حجة له عند الله يوم البعث وعليه ألا يخاف في الله لومة لائم لئيم
البخاري رحمـه الله يختـار في ترجمته للحديث الاعتزال في حال انعدام جماعة المسلمـين ، ولذلك أعقب تلك الترجمة بكراهة تكثير سواد الفتن وجواز التعرب في الفتنة.هذا مذهب البخـاري وفيه تكذيب لأدعياء ينتسبون لأهـل الحديث وينكرون الاعتزال في وقتنا هذا ويعدونه من فعل أهل الضلال والباطل !. وهذا إمـام أهل الحديث على خلاف مـا ذهبوا إليه ، فقاتلهم الله مـا هم على السنة وطريق السلف ، بل هم على البدعة وطريق الهوى
إختيار البخاري أن الجماعـة هم أهل العلم لا مستند فيه لمشروعية جماعة هؤلاء
حديث حذيفة هذا إنما هو فيما يكون آخر الزمان،ومن حمله على غـير هذا فقد أخطأ،وهو من الأحاديث التيأنهكها الاختصار والرواية بالمعنى
بيان خطأ من حرف في متن حديث حذيفة الوارد في سنن أبي داود
مذهب سفيان في الولاية من أشد المذاهب وأعجبها،ولا يستقيم الاستدلال به لأحمد ولا لهؤلاء الحدثـاءورؤوس الجهل فيهم
الإمارة المشارإليها في حديث حذيفة ورد في ذكرها ثلاثة أحاديث،أحدهما صحيح والآخران في أسانيدهما مقال ، إلا أن الواقع فيه ما يشهد لصحتهما
مـن ذهب من المعاصرين إلى القول بأن حديث أبي ذر في فتنة صدام العراق والخليج
مـن علامـات وقوع الفتنة المنتظرة :قلة الأمناء وكثرة الأمراء
ومن علامـة اقتراب وقوع الساعة كثرة المطر والأمراء ، وقلة الأمناء
إمارة الصبيان ستملأ الأرض
إذا تقارب الزمان كانت إمرة الصبيان،وظهور الفتن من المشرق
من أعلام الساعة وأشراطها ملك الصبيان وظهور المعازف والكبر
كان رسول الله r يتخوف على أمته إمارة السفهاء وكثرة الشرط والنشؤ الذين يتخذون القرآن مزامير
آخـر الزمـان يخرج أحـداث الأسنان سفهاء الأحلام ، ويقولون من خير قول البرية
آخر الزمان يخرج أمراء ظلمة وفقهاء كذبة
آخر الزمان يكثر الأمراء والقراء
الفتنة لا تكون إلا إذا صار الفقهفيالأشـرار والملك في الصغار
إذا كـان الأئمة الذين لا يهتدون ولا يستنونبالنـبي، فسيقوم فيهم الرجـال الذين قلوبهـم قلوب الشياطين في جثمان إنس
الأمير أو الخليفة المنصوص على وجوب طاعتهفي حديث حذيفة هو المهدي المنتظرومناستدل بالأمر بطاعته على طاعة ولاة هذا الزمـان فهو ضالمضل وقائل بالنقيض لمراد رسول الله r
بعد الهدنة تكون الفتنة العمياء التي عليها دعاة النار
أظهر صفات هؤلاء الدعاة حداثة السن ووقوع الاختلاف بينهم ، ولا يكون خروج هؤلاء إلا آخر الزمان
حين يغدا على الناس بالجفان ويراح، ويلبسون مثل أستار الكعبة ـ يريد ملابس بيض ـ ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة ، عندها يقع فيهم القتل
من علامات أشر الناس في هذه الأمـة قوميأكلون ألوان الطعام والشراب ، ويلبسون ألوان الثياب ، ويتشدقون في الكلام ويفشو فيهم السمن
أثبتت الإحصاءات الكثـيرة أن السمن قد تفشى في أكثر المجتمعات اليوم
r  على زعمهم ، وقد بينت بعض الأحاديث  أبرز  صفاتهم كما سيمر في طول الكتاب وعرضـه
الألباني يقرر بأن حـديث حذيفة مطابق لواقـع المسلمين اليوم إذ ليس لهم جماعـة قائمة ولا إمـام مبايع !، وإنما أحزاب مختلفة اهـ. وهذا عين ما نعتقده في واقع المسلمين اليوم فلما يا ترى هذا الإنكار لحكم الاعتزال
إضافة الخليفة الذي يخرج آخر الزمانإلى الله تعالى إنما هو إضافة تشريف وتكريم وفيها دليل على أن الله تعالى سيقوم بأمره ويدبر ملكه
أخبر النبي عـن خـروج الحدثاء هؤلاء بعد قبض العلم ، وبين أنهم الحثالة الذين لا يبالي الله بهم ، ولمح إلى أن المهدي يكون بينهم مستضعفاً
النبي r يأمر بقتل هؤلاء الحدثاء السفهاء
قتل هؤلاء إنمـا يكون على يد المهدي المنتظر،بدليل أن خروجهم إنما يكون آخر الزمان وقد نهى رسول الله r عن القتل آخـر الزمان في سنوات الهرج  ،  فدل هذا على أن الإذن بقتل هؤلاء إنما هو للمهدي
لا ينفع الإيمـان وكسب الإيمان،مـا لم يكن ذلك قبل وقوع بعض الآيات المنتظرة
ابن مسعود يتأول حديث رسول الله: (يأرز الإسلام إلى المدينة ) فيخرج من الكوفة إلى المدينة مهاجراً تاركاً تنازع الناس على عثمان في تلك الناحيـة.ولو أدركههؤلاء الحدثاء السفهاء لقالوا تكفير وهجرة !
لا أحد يستطيع منع الفتنة وردها ، ولن يترك مـن يأمـر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا قتل أو اضطهد إلى أن يخرجالمهدي فيعز به الدين
علي بن أبي طالب يسأله رجـل عـن المهدي فيعقد بيده سبعاً . وهذا فيه إسـرار للمعنى وقد فعل رسـول الله r مثل هذا من قبل
بيـان ضـلال الألباني في قوله أن الاعتزال قبل المهدي ما هو إلا ضلالة وخرافة !!
رد وهم الحافظ في تأويل قول رسول الله r : ( هلاك أمتي على رؤوس غلمة مـن قريش )  إذ جعل المراد  مخصوص بعصر يزيد بن معاوية
وهم البخاري حـين ظن زمـن الغلمة السفهاء من ولاة قريش في عهد بني أمية
بيان خطأ أحمد رحمـه الله تعالى في رده حـديث أبي هريرة وابن مسعود في ولاة الشر آخـر الزمان ، وكيف أن هذا مازال يتخبط به حنابلة وقتنا وأدعياء الحديث والسلفية مع إدراكهم تأويل ما نص عليه رسول الله في هذه الأحاديث .
حذف من الحديث لفظة سفهاء عند الطبراني وابن حبان ، وأثبتها عبد الرزاق والحاكم وهذا يدل على تلاعب بعض رواة الحديث بمروياتهم ، وهذا لا يجوز ، لإفساده للرواية .
إمارة الصبيان آخـر الزمان شر،فطاعتهم تدخل النار ، وعصيانهم فيه القتل
وهم أبو هريرة حين ظن أن إمـارة الصبيان وظهور النشؤ سيكون على رأس السبعين
يخشى على مـن لم يصدق بتحقق مـا ورد في أحـاديث رسول الله r وفيه ذكـر هؤلاء أن يكون داخل في عموم قوله تعالى : ﴿ .. فأنى لهم إذا جاءتهـم ذكراهم ﴾ وقوله  : ﴿  أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين
وقوع الاختلاف بين الدعـاة الحدثـاءخصوصاً والناس عموماً في آخر الزمان من أدل العلامـات على تحقق بعث المهدي المنتظر
الألباني يصف فتنة صدام بالفتنة العظيمة العمياء الصماء ، ويذكر أنها فرقة الأمة والدعاة
عبدالرحمن عبدالخالق ينفي تحقق تأويل حـديث حذيفة في دعاة النار في زماننا ، ويفتي بضلال من يحمل هذاالحديثعلى اختلاف جماعات الدعـوة في هذا الزمان،ومما قالبتحقق تأويله وأنه في دعـاة اليوم الألباني، وقد نقل إليهكلام عبد الرحمن فكرهه
إدعاء عبدالرحمن أن أعظـم نازلة حلت بالمسلمين ، وهي تفرقهم إلى دويـلات وشعوب عديدة ليس لها مخـرج في كتاب الله تعالى ، ردة عـن الإسـلام وتكذيب للهالذي أخبر بأن كتابه تبياناً لكل شيء ، وذكرا للعالمين . والدليل على صحة الحكم بردته أنه عاد وادعى أن المخرج في هذا إبقاء الأنظمة المعاصـرة الدولية على مـا هي عليه الآن ، فنفى بذلك عـن القرآن مـا ادعـاه لنفسه ، في حين أن القرآن يكفي منه آيـة واحدة في هذا الأمر ، قوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا )
وقـوع الزلازل وبكثرة في آخر الزمان هو أيضاً من أظهر العلامات الدالة على تحقق بعث المهدي المنتظر
تحقق كثـرة الزلازل حـاصل في زماننا خصوصاً بعد فتنة صدام العراق ، وبيان البرهان على ذلك
قوله تعالى: تأويلها زمن المهدي ، فإن الله تعالى يزلزل ويعذب بين يديه الكثير من القرى ، وحال العالم اليوميشهد على تحقق تأويل هذه الآيات، والأعمى لا يدري ويدرك مـا يجري الآن علىأقاليمأمريكا وأوروبا وأفريقيا وآسيا
قوله تعالى : هذا خطاب موجه لهذا الجيل، فهو الذيتجاوز في السماء ،وبلغ فيه الإنسان القمر والمريخ وقوله (فليرتقوا في الأسبابجند ما هنالكمهزوممن الأحزاب ) داخل في نفس المعنىالمراد في آيات سـورة الإنشقاق ، وقـد توعدهم الله تعالىبالهزيمةوالصيحة،وجعل ميقاتهمبلوغ السماء
وقوله تعالى : لم يتفق لأحد مـن الأمـم السابقة ادعاء تملك السماء مثل مـا وقع من هؤلاء، فقد تملكوا فيما بينهم أجـواء السماء والبحار، والمدارات الفضائية خـارج غـلاف الأرض الجوي ، وجـاءت الإشارة منه سبحانه لمقدرتهـم علىفعل هـذا بدعوتهـم للارتقاء في السماء ،ومعنى الارتقاء الصعود،وهذا لم يقدر عليه إلا هؤلاء مـن بـين جميع الأمم،ولا يصح أن يوجه الأمر بالإرتقاء إلا لمن هو قادر عليه . وهؤلاء توعدهم بالصيحة عند ذاك ، وهي الصيحة التي يعـين بهـا شخص المهدي خليفة لله على جميع البشر
ما قاله حذيفة في أنالشر يوشك أن يصبمـن السماء حتى يبلغ الفيافي ، فيه الإشـارة الصـريحة للبث الفضائي الحاصل في زماننا وما يرسله من كفر وخلاعة وكذب
بلوغ هـذا الجيل إلى السماء أظهر علامـات قرب تحقق هلاكهم الموعود، وهي كذلك إمـارة وحجـة على أن هذا الجيل هـو الجيل الذي يبعث فيه المهدي وذلك على حسب ما صرح به كتاب اليهود والنصارى المقدس
أول الآيات من سـورة الروم أنزلت في ذكر هؤلاء الذين طردوا جيش صدام العراق من الكويت،وواهم كل من قرأ غَلبت في الآية بالضم ، وإنما الحق أن قراءتها بالفتح، ومن الباطل اعتقاد الإجماع على قراءة الضم
ابن مسعود وهم في اعتقاده أن ذكـر الروم مما مضى كما وهم في الدخان والبطشة واللزام
قوله تعالى : أصل حديث : المهدي خليفة الله تعالى .لوعد الله هذه الأمة أن يكون فيها استخلاف كما كان فيمن قبلها ، وكان الاستخلاف في بني إسرائيل يتم بتعيـين الله تعالى لا أحد سواه ، فتنبه لهذه الفائدة فإنها عزيزة
قوله في سورة الروم : ﴿  وعد الله لا يخلف الله وعده ﴾ وفي سورة الأنبياء : ﴿  حـتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون . واقترب الوعد الحق .. ﴾ المراد به عين الوعد الذي ينصر به عباد الله تعالى ويمكنوا  ،  ويهزم به أعداء الله ويدحـروا  . وتعلق ذكر الروم هنا ويأجوج ومأجوج بذكر الوعد دال على أن أمـر الـروم ليس مما مضى كما قال ابن مسعود رضي الله عنه
فتنة صدام العراق فتحت باب يأجوج ومأجوجفاجتمعوا من كل حدب وصوب ،وهذه النازلة مؤذنة بقرب تحقق الوعد الحق كما أخـبر بهذا اللهتعالى في سـورةالأنبياء والروم وغيرهما
مـن المتيقن أن هلاك العرب إنما يكون قبل خروج المهدي ونزول عيسى ولا يستقيم أنينذرهم رسـول الله r  شر يأجوج ومأجوج إلا أن يكون أمـرهم مما يقع قبل خروج المهدي ، وقد وردت أحـاديث صحيحة تنذر العرب من شرهم
من الشواهد على أن وعـد الله المذكور في سـورة الروم والأنبيـاء هو الوعد بنصر المؤمنين ودحر الكافرين ، مـا ورد في سـورة الإسـراء في قوله تعالى : ﴾ الآية ، وقوله : ﴿  فإذا جـاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ﴾ من أجل تحقيق الوعد
من لا يؤمن في وقتنا هذا بأن الوعد الحق اقترب،مع ما يرى من حشر اليهود للأرض المقدسة من كل مكان ، فهو ضال جاهل ولا عذر له في تأويلاتفاسدة للآيات مقابل ما يراه من تفصيل تحقق التأويل
مـن يدعـو لسلام اليهود فيعصرنا من المنافقينهو في حقيقة الأمر أشر من اليهود أنفسهم إذ أن اليهود شكوا في القضاء وتحقق الوعد في حـين لم يأتِ تأويله بعد ، وأمـا هؤلاء فقد أدركـوا إبتداء تحقق التأويل وقـرب نـزول القضاء والوعد ، ومـع هذا يسألون مناقضة قدر الله تعالى فهم بهذا أشـر مـن اليهود ، والله يقول : شك من الوعد ونزول القضاء
بيان بطلان القول بتحقق الوعد المذكور فيسورة الإسراء قديماً من عدة أوجه
بشرى النبي بالمهدي وتمكينه نظيرها بشرى موسى وهارون بني إسرائيل بالتمكين والظهور،ومن أجل الإشارة لهذا المعنى جمعت سورة يونس ذكر البشارتين
في تفسـير النبي r  لقوله تعالى  ﴿ لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة .. ﴾ بأنها الرؤيا مـع ما ذكر في آخـر الزمان أنها لا تكذب إشارة إلى ارتباط الرؤيا بالمهدي آخر الزمان وقوله : ( من رآني فقد رأى الحق )  داخل في هذا المعنى  ، فالرؤيا جزء من الوحي  ،  ولم تبقَ بعد النبي عليه السلام إلا من أجل ارتباط الوحي بالمهدي المنتظر
أشد الناس على المسلمـين الروم ، وسيكون هلاكهم مع الساعة
فتح القسطنطينية سيكون مع الساعة
حديث ابن المسيب في أن الصيحة الـتي مـن السماء في إعلان إمارة المهدي
وروي في النداء بإسم المهدي أيضاً عـن علي وابن عمرو وشهر وأبي جعفر ومحمد بن علي وعاصم البجلي
مـن لميدرك الفرق بين أمر رسول الله r بالاعتزال عند الفتن ومذهب المعتزلة هو من أجهل الناس ، ولا عبرة عند أهل المعرفة لمثل هذا القول حتى يرد عليه
وجوب الاعتزال عند الفتن التي تسبق التمكين للمهدي، آكد بالوجوب وقد تواترت الأحاديث وأقوال الصحابة في تأكيد أمر الاعتزال عندها
مـن الفـتن ما لايستطيع المؤمن أن يغير عندها بيد ولا بلسان وهي الفتن التي تسبق التمكين للمهدي
قصر مسؤولية ما جرى في زمـان الصحابة على ابن الزبير وتعريف ذلك بأنـه فتنةابن الزبير فيه مجانبـة للإنصاف وقول الحق
الرد على خطأ ابن باز في دعـواه عـدم مبايعة ابن الزبير ليزيد بن معاوية من أجل أنه يعتقد بكفره
مذهب ابن عمر في طاعة الولاة وأحكام البيعة والجماعة لا يستقيم لهؤلاء الضلال الذين لا يوجبون الاعتزال في زماننا.
بيان البرهان على تلون ابن باز في الدين
الرد على منشور لأتباع جمعية إحياء التراث ! ينكرون فيه الاعتزال بحجة عدم جواز ترك الجمعة والجماعة ، وينسبون هـذا إلى مـذهب الرافضة ! وبيان جهلهم لكـلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وحمله على غـير محل النزاع تلبيساً على الرعاع من أتباع تلكالجمعية
ابن سيرين يعتزل عند فتنة ابن الزبير
فتن آخر الزمان تميت القلوب كما تموت الأبدان
عند تقارب الزمان تستحكم الفتن في الناس
عرض الفـتن على القلوبعلى سبيل التعيـين ولذا قيد العرض بالثلاث ، والمراد الفـتن التي تكون آخر الزمان ، وهي الفـتن التي ورد ذكرها في حديث ابن عمركما في سنن أبي داود
لفظ حديث ابن عمر عند نعيم بن حماد فيه قوله : ( يخرج دخنها ) وهذا يشهد لما تقرر سابقاً أن الدخن في الحديث على الحقيقة وليس المجاز
ذكـر الأحاديث والآثارالتي تدل على أن خروج المهدي سيكون عند هذه الفتن
حديث أبي سعيد هذا يـدل على أن خـروج السفاح إنما يكون آخر الزمان عند ظهور الفـتن ،وهذا فيه تكذيب لادعاء السفاح العباسي أنه هو المراد بالخبر
فتنة الدهيماء هي الـتي نعاصرها الآن ، وهي الفتنة الـتي تعقب فتنة السرى فتنة صدام العراق على أهل الكويت. وكان عمر رضي الله عنه يتخوفها على نفسه
الحدثـاء ومشايخهـم رؤوس الجهل في إنكارهـم لحكم الاعتزال الآن عند هذه الفتن ليسوا على نهج الرسولr ولا صحابته الكـرام ولا أئمة السلف ،  كما أنهم ليسوا كذلك في حكم البيعة وطاعة الإمام
ورد في بعض الآثار أن الهـرج يكون قدام المهدي ، وهذا فيه إلزام لهؤلاء الضلال الجهلة في أننا في زمـان المهدي إذ أنه لا يسع العاقل اليوم إنكار أننا في زمان الهرج ، وقد أقر بتحقق الهرج في المسلمين اليوم أحد أبرز رؤوسهم الضالة
كشف تلبيس ربيع المدخلي بتقريره اعتقاد وجـوب طاعة الأمراء ، وحب أئمة الحديث
إذا تفرقت القلوب والأهـواء وكـان الناس شيعاًيذيق بعضهم بأس بعض يسقط الأمـر والنهي وعلى المرء حينها الاعتناء بنفسه وخاصته فقط
رد قول الحافظ ابن حجر أن قبض العلم زمانه بعدقبض أرواح المؤمنين
أكثر العرب اليوم مجهولي الأنساب
هـل يجرؤ الحدثـاء وأشياخهم رؤوس الجهل علىإنكار اعتزال سعد،وعلى الناس علي أمـير المؤمنـين بحجة الاختلاف وعدم الاجتماع مثل ما ينكرون الاعتزال اليوم مـع أنه مـن المتيقن حصول الاختلاف وعدم الاجتماع اليوم، كما أن الناس ليس عليهم مثل علي رضي الله عنه
ومطرف يعتزل عند الاختلاف في زمانـه،ويلزم بيته لا يقرب لهم جمعة ولا جماعة حتى يزول الخلاف
أحمد رحمه الله تعالى يفـتي بجواز الاعتزال إذا كانت الفتنة حيث يشاء المرء
أحمد يرجح الاعتزال بعد المحنة التي ألمت به ، ويترك الجمعةوالجماعة مـدة اثنتي عشرة سنة،وامتنع من التحديثكذلك
ومالك رحمه الله تعالى في زمـن المنصور العباسي يلزم بيته ولا يخرج إلى جمعة ولا جماعة ومدة ذلك أكثر من عشرين سنة

 

 

 


( 1 ) رواه البخاري في المناقب والفتن راجع الفتح (6/615) و (13/35) ، والنووي (6/236) .

( 2 ) نهاية الفتن لإبن كثير (1/16) .

( 3 ) فتح الباري (13/36) .

( 4 ) رواه الدارمي (1/79) في سننه عن تميم الداري عنه ولفظه : ( لا إسلام إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمارة ، ولا إمارة إلا بطاعة ) . وهذا الحديث شاهد في معناه لحديث كرز ، فبانتفاء الإمارة تنتفي الجماعة وبانتفاء الجماعة ينتفي الإسلام ، وهذا يكون بشمول الفتن للناس ، و لهذا أخبر في حديث كرز بأن عندها منتهى الإسلام وذكر الاعتزال ، ولا تكون الخيرية في العزلة إلا عند انتفاء الجماعة التي تقوم بواجبات الإسلام .

( 5 ) أبو داود (4/95) ، وروى حديثه حميد الطيالسي من غير ذكر : ( وجماعة على أقذاء ) (ص59) .

( 6 ) وهذا نظير ما جرى في سنن أبي داود ، فإن كان هذا في الرواية تفسيرا لمعنى الهدنة على الدخن فلماذا طرح من رواية قتادة قوله : ( أمارة على أقذاء ) كما هو وارد عند عبدالرزاق ، وذكر تفسير الهدنة . فكيف يجوز هذا التحكم بالحديث طرحا وإضافة .

( 7 ) أبو داود الطيالسي في مسنده  (ص 59) ، ورواه الحاكم في المستدرك عن حميد عـن ابن قرط وعن أبي عوانة عن قتادة (4/432) .

( 8 ) الطيالسي (ص59) ، وأبو داود (4/96) .

( 9 ) الذي ألجأ بعضهم إلى هذا الصنيع هو اعتقادهم عدم جواز الطعن بالأمراء والتعرض لسيرتهم ، وقد يكون سبب التحريف هذا ، التقية وخوف بطش الولاة  إلا أنه لا يجوز تحريف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا لهذا ولا لذاك ،  وأصل الرواية عند عبد الرزاق في مصنفه ، وفيها قوله : ( إمارة على أقذاء ) ولم يقل بقية ولا جماعة ، ولعله من أجل هذا يقال لعبدالرزاق شيعي ، أما من يطعن في الصديق وعمر وعثمان وعلي ، ويقال لهؤلاء شيعة فلان وفلان ، فلا والله هؤلاء شيعة الشيطان الذين فرقوا الأمة . والحاصل أن من حمل هذه الأحاديث على غير إمارة وإمارات تكون في آخر الزمان خاصة ، فقد إلتبس عليه الأمر ولم يفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهناك ما هو أفظع من فعل أبي داود في السنن ـ أو شيخه وهو احتمال بعيد ـ وهو ما أقدم عليه أحمد رحمه الله حين كذب حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( يهلك الناس هذا الحي من قريش ) . قالوا : فما تأمرنا ؟ . قال : ( لو أن الناس اعتزلوهم ) متفق عليه ، قال أحمد لابنه في مرض موته الذي مات فيه : اضرب على هذا الحديث ، فإنه خلاف الأحاديث عن النبي ، يعني قوله : ( اسمعوا وأطيعوا واصبروا ) وفي كتاب الورع (ص36) ذكر لأحمد هذا الحديث فقال : هو حديث رديء أراه ، هؤلاء المعتزلة يحتجون به ، يعني في ترك حضور الجمعة . ومثله فعله مع حديث ابن مسعود أنكره ، وهو مرفوع إلى رسول الله بسبب قدح هذه الأحاديث في أمراء يكونون بعده . قال أحمد في الحديث : هذا غير محفوظ وهذا الكلام لا يشبه كلام ابن مسعود وابن مسعود يقول : اصبروا حتى تلقوني . وليت أحمد فعل ما فعله ابن عمر حين أنكر رواية ابن مسعود هذه . روى مسلم في الصحيح عن أبي رافع قال : فحدثته ابن عمر فأنكره علي فقدم ابن مسعود فنزل بقناة فاستبقني إليه عبد الله بن عمر يعوده فانطلقت معه فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثته ابن عمر . ورواه ابن حبان فزاد : فلما سمعه من ابن مسعود خرج وهو يقلب كفه وهو يقول : ما كان ابن أم عبد يكذب على رسول الله .وأنكر رد أحمد لحديث ابن مسعود ابن الصلاح والنووي . ومما لا شك فيه أن الأمر كان ملتبسا على أحمد ، ولا زال أثر هذا في مقلدة الحنابلة ، وأدعياء الحديث في زماننا ، وما زالوا وفيهم عقدة ولاة الأمر .ولو علم أحمد وجه الروايتين لعدل عن قوله في الحديثين ما قال . وأما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار بالصبر عند الأثرة فزمانه أول الإسلام وقيام الدين ، وحديث  ابن مسعود وأبي هريرة وقته آخر الزمان عند ذهاب الدين ، ولا تناقض بين كلام رسول الله أبدا ، وإنما التناقض والتضاد ما زال في أدمغة الحنابلة ومدعي الانتساب لأهل الحديث ، وقد حان الوقت لتعديل ذاك الاعوجاج في تلك الأدمغة الجافة عديمة الفطنة ، ورحم الله الإمام أحمد رحمة واسعة ، فقد إلتبس عليه هذا الباب إلتباسا شديدا ، ولم يكن يحمل أحاديث الباب إلا على معتقده في وجوب طاعة ولاة الأمر والتمسك بالجماعة وكان ينفر من مذهب الحسن بن حيي ويعجبه مذهب سفيان ، في حين أن مذهب سفيان في الحقيقة من أعجب وأشد المذاهب في زمان الفتن والاختلاف وهو القائل : لا أقاتل إلا مع نبي ، وإن مر بك == ==المهدي فاقعد في بيتك حتى يجتمع الناس !! . ومن المعلوم أن الناس لم يجتمعوا في زمـن بني العباس ، وهم في زماننا أشد اختلافا !! . ولما لم يسلم لأحمد مذهب سفيان فهو في المتأخرين أبعد من قرص الشمس ، وحقيقة مذهب سفيان على الضد من مذهب هؤلاء الحدثاء وأشياخهم رؤوس الجهل والضلال ، والتفصيل في هذا الباب يحتاج لمزيد بيان ليس هذا مكانه . ومن أعجب ما وقفت  عليه لأحمد في هذا الأمر ما ذكره الخلال في السنة ( ص 93) أن أحمد علق على حديث معاذ : ( إنكم لن تروا من الدنيا إلا بلاء وفتنة ، ولن تروا من الأئمة إلا غلظة ، ولن تروا أمرا يهولكم ويشتد عليكم إلا حضره بعده ما هو أشد منه ، أكثر أمير وشر تأمير ) قال أحمد : اللهم رضينا . وهذه شنيعة كبيرة أسأل الله تعالى أن يغفرها له ، والكلام في الحديث إنما خرج مخرج الخبر عن أمر يكون ، وهو أمر مكروه عند الله ولا يرضاه فكيف يرضى به أحمد لو كان يعي والله تعالى يقول : ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ) (16 الإسـراء ) . وقوله : ( أكثر أمير وشر تأمير ) دال على أن الكلام خرج على سبيل الإخبار عما يكون آخر الزمان من أشراط الساعة ، ذلك لأن كثرة الأمراء من علامات الساعة ، كما فصلت في كتابي هذا وقد روي هذا المعنى عن جماعة من أصحاب رسول الله ، منهم عبد الرحمن الأنصاري رفعه : ( من اقتراب الساعة كثرة الأمراء وقلة الأمناء ) وعن ابن مسعود : كيف بكم إذا لبستكم فتنة ، يربو فيها الصغير ، ويهرم فيها الكبير ، وتتخذ سنة ، فإن غيرت يوما قيل : هذا منكر . قالوا : ومتى ذلك ؟ قال : إذا قلت أمناؤكم وكثرت أمراؤكم . وعن المنتصر قال حدثنا عبدالله بن عمرو عن غزو الترك للعرب فقلت له : هل بين يدي ذلك علامة ؟ قال : نعم ، أمارة . قلت : ومـا الأمارة ؟ قال : الأمارة العلامة ، هي إمارة الصبيان ، فإذا رأيت إمارة الصبيان قد طبقت الأرض إعلم أن الذي أحدثك قد جاء . وعن الصديق رضي الله عنه قال : هذه الإمارة التي ترى اليوم يسيرة ، قد أوشكت أن تفشو وتفسد حتى ينالها من ليس لها بأهل . وعن حذيفة رفعه : ( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ) . قلت : فكيف أصنع إن أدركت ذلك ؟ . قال : ( تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع ) وسبق الإشارة لحديث حذيفة هذا وهو حديث عظيم فيما سيكون من الشر في آخر الأمة ، وهذا المذكور هنا من ألفاظه رواه مسلم والبيهقي والحاكم وهو وكل ما سبق ذكره في هذا المعنى موافق لما روى ابن مسعود وأبو هريرة ، وإن ذلك إنما هو في إمارات تكون آخر الزمان على رؤوسها يكون هلاك الناس . والواقف على أحاديث أبي سعيد وكعب بن عجرة وعابس الغفاري يدرك ذلك ولا شك ، وعلى هذا لا وجه لإنكار أحمد لحديث أبي هريرة وابن مسعود ، وما أشبه إنكار أحمد لحديث ابن مسعود بإنكار الحجاج لذلك حتى إن بعضهم سمعه وهو يخطب ويقول : ابن مسعود رأس المنافقين  لو أدركته لسقيت الأرض من دمه . ومن أجل ذلك كانت بين بنى أميه وبينه نفرة .

( 10 ) ذكرت تفسيره في ردي على منافق بريدة أبي حصان راجع كتاب ( فتح المنان ص131) .

( 11 ) رواه نعيم في كتاب الفتن عن أبي النجم (2/484) ، ورواه من وجه آخر عن أبي ذر (2/477) ، ورواه معنان عن عبد الله بن عمرو (2/491) ، وذكره الهيثمي وقـال : رواه في الأوسـط ، وأبـو النجـم لم أعرفه وابن لهيعة فيه ضعف (7/321) . أخرجه السيوطي من طريق الروياني ، وابن عساكر في تاريخه ، في الحاوي (2/91) . ومن== ==المعاصرين من ذهب إلى أن المراد بهذا الحديث ما حدث في غزو العراق للكويت ومنهم : محمد عارف في كتابه المهدي ، وعد هذه الحادثة من المبشرات بقرب ظهوره وقال : أحدث صدام فتنة الخليج وأظن أنها أول الفتن ، وخاصة إنه تم بعدها مؤتمر السلام بمدريد وهو توطئة لاستقبال أمير السلام الذي يترقبونه عام (2000) ـ المهدي بينات وعلامات (ص40) ـ وجزم محمد عيسى مستدلاً بهذا الحديث أن هذه الفتنة هي أول الملاحم ـ احذروا المسيخ (ص151) ـ .

( 12 ) الغريب للحربي (3/1040) .

( 13 ) كتاب الإختيارين للأخفش (433) .

( 14 ) كتاب الإختيارين للأخفش (612) .

( 15 ) قال الهيثمي : رواه الطبراني (5/245) .

( 16 ) رواه عبد الرزاق في المصنف (11/359) ، والدرامـي (1/64) ، وابن وضاح في البدع (34) ، وابن بطة في الإبانة  (2/594) .

( 17 ) ذكره الهيثمي وقال : رواه الطبراني (7/334) .

( 18 ) رواه الحاكم (4/535 و460) ، ورواه نعيم في الحلية مختصراً (1/291) .

( 19 ) الفتن (1/407) .

( 20 ) ذكره الهيثمي (7/328) .

( 21 ) ذكره الهيثمي (7/325) ، وأشار إليه صاحب الميزان وفيه : ( وتكثر الشرط ) (2/258) .

( 22 ) ذكره بهذا اللفظ الهيثمي (2/319) ، والحديث رواه الطبراني في الأوسط (1/393) ، وأحمد في المسند ذكره في نهاية الفتن ، قال تفرد به أحمد (1/27) ، وصححه أبو عمر في التمهيد (18/147) ، ولفظ الأوسط : إمرة الصبيان .

( 23 ) وهم أمارة لوقته وعينه ، كما أن الفتنة والدخان والهدنة كل ذلك جعله الله تعالى أمارات في تعيين زمانه ومكانه وعينه . وعلى هذا فكل من يقول وينكر أن هذا هو زمان مبعث المهدي فهو مبطل مفتري على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وليس القول بأن هذا زمان مبعثه ضلاله ، بل إن منكر ذلك هو الضال المضل الغافل ، يؤيد ذلك ويشهد له اقتران كثرة الزلازل واختلاف الناس ، وهي من أظهر الأمارات على مبعثه ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره ، والواقع يصدق ذلك ويشهد له .  

(24) رواه عبد الله بن أحمد بإسناده عن معاذ ، كما في كتاب الزهد لأبيه (ص261) ، وذكره أحمد عن مكحول في كتاب  الورع (ص94) ، وذكره الهيثمي في الزوائد عن معاذ مرفوعاً ، وقال : رواه البزار (5/236) . وجاء عن أبي هريرة مرفوعا ما يشهد لحديث معاذ . قال الهيثمي رواه الطبراني في الصغير والأوسط (5/236) . والتهوك : التحير . وأما قوله : دعه . فمأخوذ من السكون ، يقال لمن لا يبالي بما تكلم ، لسانه قليل الدعة . وربما قال : رعه ، من التورع . قال الحسن : ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الورعة . المصنف لعبد الرزاق (3/364) .

( 25 ) ذكره عبد الرزاق في المصنف (10/154) ، والحديث موصول وسيأتي تخريجه قريبا . وقد أشار إليه أبو داود في سننه من طريق قتادة عن أنـس رفعه وفيه : ( سيماهم التحليق والتسبيد ) قال أبو داود : التسبيد استئصال الشعر (4/244) ، ورواه أحمد عن رباح عن معمر من هذا الوجه وفي آخره قوله : التسبيت يعني استئصال الشعر . ورواه عن أبي سعيد مرفوعا وفيه : قيل ما سيماهم قال : ( الحلق أو التسبيت ) وهذا  يدل على أن ما ورد عند عبد الرزاق في هذا الحديث أن سمتهم : ( الحلق والسمت ) قد تصحفت على هؤلاء إلى التسبيد عند أبي داود ، والتسبيت عند أحمد . ولعل معمر اختلف على قتادة في تجويد هذه الكلمة ، فقد روى عبد الرزاق عنه أنه كان يكره حلق الرأس ويقول هو التسبيت. ومـا ذكره عبد الرزاق في المصنف عن قتادة مفسراً هو المعتمد . راجع السنة لأحمد (284) ، ومسائل أحمـد لابن هانئ (2/150) .

( 26 ) متفق عليه رواه أحمد في المسند والفضائل والسنة ، ورواه النسائي في سننه والخصائص ، وأبو داود في سننه (4/244) ، وأبو يعلى (1/226) ، وغير هؤلاء . وهو من أشهر الأحاديث في الخوارج ، وقد إلتبس على الناس هذا الحديث ولم يفرقوا بينه وبين خبر الذين قاتلهم علي يوم النهروان ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن هؤلاء وهؤلاء ونص علىأن خروج  الحدثاء إنما يكون آخر الزمان . وقوله آخر الزمان على الظاهر والحقيقة ، فلا يصح إدعاء أنهم هم الذين قاتلهم علي مع كون النبي نص على خروجهم آخر الزمان ، هذا لا يستقيم ، وهؤلاء إنما هم خوارج هذا== ==الزمان ، الحدثاء السفهاء والصفات المنصوص عليها في الحديث لم يتميز بها الخوارج على علي وإنما هي محققة في خوارج عصرنا هذا ، وها هي محققة بهم كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي من أظهر صفاتهم ويشهد لبعض ما ورد فيه من صفاتهم عدة أحاديث ، كحديث عابس وأبي سعيد رضي الله عنهما ، وكلها نصت على خروج هؤلاء الأحداث آخر الزمان .                                                     

( 27 ) الغريب للحربي (2/880) ، وابن الأثير في النهاية (5/51) .

( 28 ) ذكره الهيثمي (5/236) ، ورواه الطبراني في الصغير (1/340) والأوسط ، وصححه ابن حبان .

( 29 ) ذكره الهيثمي (7/337) ، فانظر أخي المؤمن من حولك الآن هل ترى كثرة القراء ، وانظر حولك أيضاً هل ترى حولك كثرة الأمراء . نعم والله إن الأمر كما أخبر عليه السلام كلهم كثر ، ووجودهم مشاهد لا يخفى ، وإن كان الأمر كما أقول فخذ حذرك فقد وقع الأمر ، وانظر لنفسك واتق الله ، واحذر هؤلاء القراء الفسقة فإنهم أشرار كما أخبر رسول الله لما سأله حذيفة : متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قال : ( إذا أصابكم ما أصاب بني إسرائيل ، إذا داهن خياركم فجاركم ، وصار الفقه في شراركم ، وصار الملك في صغاركم ، فعند ذلك تلبسكم فتنة تكرون ويكر عليكم ) رواه الطبراني في الأوسط (1/128) سيأتي تخريجه ، وهو حديث مطابق للواقع ودال عليه .

( 30 ) رواه الطبراني في الأوسط (1/128) ، ويشهد له حديث أنس رواه أحمد وابن ماجة وابن عدي في العلل عن مكحول عن أنس (2/394) راجع نهاية الفتن لابن كثير (37) ، وذكره الحافظ في الفتح فقال رواه ابن أبي خيثمة عن مكحول عن أنس (13/301) ، قال ابن عدي يرويه عن مكحول عن أنس حفص بن غيلان ،  صدوق لا بأس به . قال أبو حاتم : حـديث أنس معلول روي عن مكحول عن كثير بن مرة عن رجـل من أصحاب النبي . وقال : هذا أشبه . العلل (2/412) .

( 31 ) رواه مسلم (12/238) ، والبيهقي في السنن (8/157) ، والحاكم (4/502) ، والطبراني في الأوسط (3/423) ولفظه عند الحاكم والطبراني : ( تسمع وتطيع للأمير الأعظم ) ومن غير هذا الوجه جاء فيه أن هذا== ==الإمام هو (خليفة الله ) وفي لفظ ( خليفة لله ) قال : ويعقبه خروج الدجال ، وهذا لا يصح حمله على غير المهدي المنتظر . وقد حمله بعض الجهال على وجوب طاعة ولاة الأمر، يريد ولاته هو في هذا العصر وهذا باطل من أوجه :

أولاً : الحديث خبر وهو في تعيين المهدي الذي لا يصح وصف غيره بأنه خليفة الله أو لله بحال ، وحمله على غيره لا يجوز ، ومن فعل ذلك فقد جهل وافترى .

ثانيا : نص الحديث على أن هذا الإمام الأعظم إنما يكون بين أئمة لا يهتدون بهدي رسول الله ولا سنته ،  ومن استدل بالحديث على طاعة ولاته في هذا الزمان  ، احتاج إلى أن ينظر إلى ولاته هل يهتدون بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ويتبعون سنته ، وإلا ثبت أنه مفتري على رسول الله ولا يخاف الله تعالى ، إذ أن حقيقتهم عكس ذلك . وهذه== ==حقيقة هذا المفتري لعنه الله وأمثاله دأبهم توطئة دلالة النصوص لولاة الجور والظلم والردة ، من غير خوف من الله ولاحتى حياء وقد تساهل بعض الأئمة رحمهم الله كأحمد وابن تيمية بالاستدلال على طاعة ولاة الأمر بعدة أحاديث ، ومنها هذا الحديث ، ومرادهم دلالته على الطاعة لولي الأمر ، وهو استدلال في غير محله بخصوص هذا الخبر بعينه ، وأما الاستدلال بوجوب الطاعة للأئمة بالمعروف المستحقين للطاعة فيكون بنصوص أخرى غير هذا الحديث ، لأنه من أحاديث الأخبار ، وهو نص بولاية المهدي ، ولهذا لما قلد هذا الجاهل بالاستدلال بالحديث وأنزله على أئمته هو ، وقع بالمحذور بحمل الحديث على خلاف مراد الرسول عليه الصلاة والسلام .

ثالثا : نص الحديث لا يوجب طاعة الولاة الذين لا يهتدون بهدي النبي ولا يستنون بسنته ، وهذه حقيقة جميع ولاة هذا الزمان ، وما ذب عنهم إلا هؤلاء الذين هم بقلوب شياطين في جثمان إنس ، يفترون على الله ورسوله الكذب من أجل الكسب العاجل ، لعنهم الله وطمس بصائرهم جراء ما يصنعون في دين الله تعالى . والحق أن ولاتهم يستحقون الجهاد للقادر وليس الطاعة كما يدعي هذا المفتري ، وذلك بما ثبت عن ابن مسعود عن رسول الله قال : ( يكون أمراء بعدي  يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون مالا يؤمرون ، فمـن جاهدهم بيده فهو مؤمن ) وفي لفظ : ( يغيرون السنن ويظهرون البدع ) رواه مسلم وأبو عوانة وابن بطة وابن حبان وغيرهم . وعن كعب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعاذك الله يا كعب من إمرة السفهاء ..) قال : ( أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي ، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون علي حوضي ) رواه الحاكم والطبراني وعبد الرزاق وابن حبان . وهذا الأفاك ممن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم هو وزمرته الخبيثة ، ورسول الله بنص الحديث بَرِأَ منهم . وعن معاذ قلت يا رسول الله : إن كان علينا أمراء لا يستنون بسنتك ولا يأخذون بأمرك فما تأمرني بأمرهم ؟ قال : ( لا طاعة لمن لم يطع الله ) رواه  أبو يعلى مطولاً  (7/102) .

( 32 ) رواه نعيم في الفتن (1/56) ، وروى مثله عن علي مطولاً (1/238) .

( 33 ) روى حديث أبي برزة أبو داود الطيالسي في مسنده (124) ، وروى حديث ابن مسعود أحمد (1/404) ، والترمذي (4/481) ، وابن ماجة في المقدمة (168) ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح . 

( 34 ) وصله محمد بن غيلان عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس رفعه : ( يكون في آخر أمتي قوم يقرؤون  القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم ) رواه عنه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة (284) ، ورواه أبو يعلى عن أنس (5/337) ، ورواه موصولا عن أنس أبو داود في سننه (4/244) باختصار ، وأدخل بعضهم لفظ حديث أنس وأبي سعيد بعضه ببعض .

( 35 ) المصنف (10/154) .

( 36 ) غريب الحديث (3/384) .

( 37 ) رواه الطبراني في الصغير (1/237) ، ومسند الشاميين (1/393) ، وابن ماجة (4245)  .                  

( 38 ) رواه أبو داود ، والطيالسي في مسنده  (124) .

( 39 ) وقد جاء في بعض ألفاظ الأحاديث في ذكرهم قولهم : يا رسول الله ألهم آية يعرفون بها ؟ قال : ( نعم ، التسبيد فيهم فاش ) الغريب لأبي عبيد (1/267) ، والأضداد للأنباري (309) .

( 40 ) وحديث ابن عمر وكرز يفيد أن هذا يكون في زمان الفتن ، قال ابن عمـر قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : ( الفتنة من ها هنا ـ وأومأ نحو المشرق ـ وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض ) رواه مسلم وغيره . وعن كرز رفعه : ( الفتن تقع كالظلل تعودون فيها أساود صبا ، يضرب بعضكم رقاب بعض ) رواه عبد الرزاق وغيره ، وهذا يفيد أن الفتن والهرج إنما يقع في زمن هؤلاء المترفين ، ومن جهة المشرق  ! .

( 41 ) رواه الحاكم (4/549) ، وأحمد في الزهد (33) ، والخطيب في الموضح (1/498) ، وله شاهد من حديث  علي رواه الترمذي (4/645) ، وأبو يعلى (1/387) ، وابن إسحاق في السيرة (194) ، وعن الحسن : ( ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة ويفشو فيهم السمن ) أحمد في الورع (189) ، وأبو يعلى (11/512) ، وقد زاد هنا صفـة السمن وهي من الظواهر الفاشية في هذا الجيل ، وفي هذا زيادة تدل على أن هؤلاء من يريد النبي بوصفهم بتلك الصفات .

( 42 ) رواه الترمذي (4/645 و 647) ، وأبو يعلى (1/387) ، وابن إسحاق في السيرة (194) .

( 43 ) رواه الطبراني في مسند الشاميين (2/342) والكبير والأوسط من طريق أبي بكر وقد ضعف . وللحديث شواهد كثيرة منها حديث عروة بن رويم وفاطمة بنت حسين وبكر بن سوادة وأبي هريرة وغير هذا .

( 44 ) أحمد في الورع ، وأبو يعلى (11/512) .

( 45 ) جريدة الوطن العدد الصادر يوم السبت (رقم 7660/2106/36 ـ تاريخ 14/6/1997).

( 46 ) الشرق الأوسط (7034 ـ2/3/1998)  .

( 47 ) الرأي العام (10947ـ 11/6/1997) .

( 48 ) الرأي العام (10950 ـ 14/6/1997)   .

( 49 ) نقد القومية (ص29) ألفه في العام (1381هـ) تنفيراً من التيار القومي ، فقد كان في تلك الفترة خطراً داهماً يهدد الملكية في الجزيرة ، وقد طبع الكتاب بأمر ملك الجزيرة وبنفقة عبد العزيز بن باز ، إلا أن تلك النفقة لم تكن لوجه الله تعالى ، بل كانت لوجه الملك  ولهذا طالب شيخه محمد بن إبراهيم ، من الخاصة الملكية== ==بصرف المبلغ المنفق لطبع الكتاب ، وكان مقداره (3057) ريال ، لفضيلة عبد العزيز بن باز من أجل أنه كان فقير إلا أنه كان يجاهد في سبيل رد القومية . ومن حجته عليهم : أنهم يتخذون أحكاماً وضعية تخالف حكم القرآن ، حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام ، وهذا فساد عظيم وكفر مستبين وردة سافرة . قال : وكل دولة لا تحكم بشرع الله ولا تنصاع لحكم الله فهي دولة جاهلية كافرة ظالمة فاسقة ، يجب على أهل الإسلام بغضها ومعاداتها في الله ، وتحرم عليهم مودتها وموالاتها حتى تؤمن بالله وحده وتحكم شريعته . نقد القومية (ص43) . قلت : هذا كان مذهبه في حكم الدول التي تحكم القوانين الوضعية ، وقد أكد اعتقاده هذا في الفتوى التي أصدرها مع مجموعة مشايخ ، منهم الشيخ ابن إبراهيم  ، وجاء في تلك الفتوى قولهم : من أعظم المنكرات التحاكم للقوانين الوضعية ، وذلك من أعظم النفاق ، ومن أعظم شعائر الكفر . وجـاء في الفتوى : أيها المسلمون عادوا وابغضوا من أعرض عن شريعة الله أو تنقصها أو سهل في التحاكم إلى غيرها اهـ . باختصار . فتوى ابن إبراهيم (12/256) وقد رجع الشيخ عن هذا بعد موت معلمه ابن إبراهيم ، وصار عنده وعند أتباعه اليوم هذا معتقد الخوارج ! من بعد ما كان يوصي به في القديم ويعده المذهب الحق ، وقد صاح به في كتابه نقد القومية لما كان المقام في ذلك الوقت يتطلب تلك المقالة ، أما اليوم فقد احتيج لمقالة تناقض تلك ، وهكذا بات على دين الملوك ، طراراً على أبوابهم من زمن تأليف نقد القومية .

( 50 ) ( الدعوة إلى الله ) لعلي بن حسن الحلبي  (ص 98) .

( 51 ) مصنف عبد الرزاق (3/343).

( 52 ) النووي (12/237) ، والإذاعة للقنوجي (60) ، والمقبلي في العلم الشامخ (519) .

( 53 ) رواه الدارمي في سننه (1/54) ، وابن وضاح في البدع (25) ، وأبو عمر بيان العلم (2/193) .

( 54 ) الفتح (13 /382) ، والنووي (16/224) ، ورواه الطيالسي (302) ، وعبد الرزاق في المصنف (11/256) ، وأحمد (2/162) ، والترمذي وابن حبان وغيرهم من طرق عدة .

( 55 ) قال البغوي : الحفالة الرذالة ومثلها الحثالة ، والفاء والثاء يتعاقبان كقولهم ثوم وفوم . وقوله : ( لا يباليهم الله باله ) أي: لا يرفع لهم قدراً ولا يقيم لهم وزناً . شرح السنة (14/393) . وهؤلاء هذه حالهم في الدنيا ،== ==لا وزن لهم بين الناس ، رويبضات سفلة أسلموا القيادة في الأمة لأشر خلق الله ، وحجروا عن أنفسهم معالي الأمور ، وما ذلك إلا لأنهم صاروا أسفل خلق الله ، مثقلون بالوهن يكرهون الموت والشهادة . ورحم الله عمر بن عبدالعزيز كان يقول : إذا ذهب هذا وضرباؤه لم يبق من الناس إلا رجاجة ـ يعني ميمون ـ ذكره أبو زرعة في تاريخه (1/249) . فكيف لو أدرك هؤلاء فماذا عساه يقول في الناس اليوم ، وفي ذكر هؤلاء جاء عن أبي هريرة مرفوعا : ( لتنتقين كما ينتقى التمر من الجفنة فليذهبن خياركم وليبقين شراركم ،  حتى لا يبقى إلا من لا يعبأ الله بهم فموتوا إن استطعتم ) الحاكم (4/434) وفي هذا الغاية من التنفير عن هؤلاء الحثالة الأشرار .

( 56 ) رواه البخاري في الصحيح كما في فتح الباري (11/251) ، وابن حبان (6813) ، والإمام أحمد (4/193).

( 57 ) الفتح (11/252) .

( 58 ) رواه الطبراني في الأوسط (2/531) ، قال الحافظ : سنده ضعيف ، وذكر مثل لفظ حديث أبي سعيد من  غير ذكر الشيخ وهو يشهد لحديث أبي سعيد . وكذلك يشهد لأوله حديث ابن عمرو ومرداس والمستورد بن شداد ، وروي أيضا معنا عن أبي هريرة وعائشة ، واجتماع هذه الأسانيد يرفع عنها الضعف ويدل على أن لتلك الزيادة أصل في الخبر ولا وجه لوضعها على الخدري . راجع الفتح  (11/252 و13/286) .

( 59 ) السنة لعبد الله بن أحمد (284) .

( 60 ) الطيالسي (124) ، وعن ابن مسعود رفعه : ( فإن قتلهم عند الله أجر لمن قتلهم ) أبو يعلى (9/278) ، وعن علي مرفوعاً : ( قتالهم حق على كل مسلم ) رواه أحمد وأبو يعلى والنسائي في الخصائص وفي السنة لابن أبي عاصم ، وعن عائشة أنها سمعت رسول الله يقول : ( إنهم شرار أمتي ، يقتلهم خيار أمتي ) والآجري في الشريعة (34) ، قال الحافظ : رواه البزار وسنده حسن . الفتح (12/286) .

( 61 ) قال ابن حجر : وقيل أن أحاديث النهي مخصوصة بآخر الزمان ـ يريد أحاديث النهي عن القتال في الفتن والتشرف لها ـ حيث يحصل التحقق أن المقاتلة إنما هي في طلب الملك ، وقد وقع في حديث ابن مسعود الذي أشرت إليه : قلت يا رسول الله ومتى ذلك ؟ قال : ( أيام الهرج ) قلت : ومتى ؟ قال : ( حين لا يأمن الرجل جليسه ) قال واختار الأوزاعي أن كل قتال  بين المسلمين وليس هناك إمام للجماعة فالقتال ممنوع ، وتنزل الأحاديث في المنع على ذلك . الفتح (13/31) .

( 62 ) سورة الأنعام (158) .

( 63 ) سورة السجدة (29) .

( 64 ) سورة الأعراف (51) .

( 65 ) رواه مسلم (2/195)شرح النووي ، وأبو يعلى (11/31) والطبري في التفسير (8/103) والترمذي (5/264) قال : حسن صحيح .

( 66 ) تفسير ابن كثير (2/217) .

( 67 ) ذكره  في الدر المنثور عن عبد بن حميد والطبراني (3/111) ، قال صاحب الفتح : أسند الطبري عن ابن مسعود أن المراد بالبعض ، يعني قوله تعالى : ( يوم يأتي بعض آيات ربك ) إحدى ثلاث الشمس أو خروج الدابة أو الدجال . قال الطبري : فيه نظر لأن نزول عيسى يعقب خروج الدجال ، وعيسى لا يقبل إلا الإيمان فانتفى أن يكون بخروج الدجال لا يقبل الإيمان ولا التوبة . قلت : ـ الحافظ ـ ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رفعه : ( ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل : طلوع الشمس والدجال والدابة ) الفتح (11/353) ، وروى البيهقي في الاعتقاد عن ابن مسعود : مضت الآيات غير أربع طلوع الشمس والدجال== ==والدابة ويأجوج ومأجوج ـ قال ـ وبها تختم الأعمال قال ثم قرأ ( يوم يأتي بعض آيات ربك ) (ص 217) ، ورواه نعيم في الفتن (2/663) .

( 68 ) شرح النووي (18/87) رواه مسلم عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رفعه ، ولا يصح رفعه على الشك ، وإنما الشاك أبو هريرة ، والأجود رفع الحديث من طريق الحسن عن زيادة عن أبي هريرة من غير شك ، هذا هو الصحيح . والحديث رواه أيضا أبو يعلى في المسند (11/397) ، وأحمد (2/337 و372) ، رواه الطيالسي (332) وفي إسناده اختلاف . ومثله عن أنس رواه ابن ماجة (2/1348) ، وفي الكامل (6/2322) ، والداني في الفتن (5/981)  . وهذا الحديث دال على أن آية الدخان منتظرة لا كما قال ابن مسعود ، والأمر ظاهر وقد ورد بإسناد مسلم لهذا الحديث ، حديث آخر لأبي هريرة يرفعه فيه الحث على المبادرة بالأعمال أيضا قبل الفتن التي كقطع الليل يصبح فيها الرجل مؤمنا ويمسي كافرا . وقد ثبت عن رسول الله أن هذه الفتن بهذا الوصف إنما تكون آخر الزمان ، وهذا فيه فائدة جليلة تؤيد القول بأن الدخان إنما يكون عند هذه الفتن ، ولا سيما إذا كان هو أول الآيات تحققاً ، وهو ما تقرر تفصيله في هذا الكتاب وأنه هو الدخان الذي أوقد ناره صدام ، وحث رسول الله الناس على المبادرة بالأعمال قبل الفتن ، وهذه الآية تدل على تعلق هذه العلامات والفتن بحكم قبول العمل ونفعه ، وذلك لانعدام نفع العمل عند تحقق الآيات تصريحا ، كما أفاده عدة أحاديث ، وتلميحاً بخصوص الفتن كما أفاده حديث أبي هريرة رضي الله عنه بالحث على المبادرة بالعمل قبل الفتن التي كقطع الليل المظلم . وكذلك يشعر حديث أبي هريرة بتعاصر الفتن والآيات للاشتراك بهذا الحكم وهو نفي الانتفاع بالعمل ، ونص حديث أبي هريرة المرفوع هو : ( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم ) رواه مسلم وأحمد والترمذي ، وفي الباب عن أنس .

( 69 ) نعيم بن حماد في الفتن (2/653) .

( 70 ) أخرجه عبد ابن حميد ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ عن قتادة ، ذكره السيوطي في الدر (3/110)  .

( 71 ) المستدرك للحاكم (4/508و552) .

( 72 ) المستدرك للحاكم (4/508) ، ونعيم في الفتن (1/242) .

( 73 ) وهو من لوازم الفتح الذي ورد ذكره في آية السجدة ، الفتح الذي يكون آخر الزمان ، وينتظره اليهود على أحر من الجمر ، وقد ألم بهم من طول انتظاره هوس شديد ، وأخذ مجامع قلوبهم حتى صار حياتهم وموتهم ، ويتأولونه على جميع الخلق ، وخيره خالصاً لهم من دون الناس ، وكانوا يستفتحون به على الكفار ، قال تعالى : ( وكانوا يستفتحون على الذين كفروا . فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين )(89 البقرة ) . وجواب الله لهم في آية السجدة عن هذا الفتح ، بأنه لا يقبل إيمان من آمن بعد كفر ولا إنظاره ، صريح في أن هذا الفتح لم يأتِ بعد ، وهو كائن عند بعث المهدي .

( 74 ) ذكره ابن عدي في الكامل (1/338) عن علي بن معبد عن إسحاق بن أبي يحيى عن الثوري عن منصور عن ربعي . ورواه تاماً الداني في الفتن (2/282) ، وقال في الفتح رواه علي بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية (9/330) . قال ابن عدي لا يرويه إلا إسحاق وهو منكر . وقال ابن حبان : إسحاق لا تحل الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار . وضعفه الدار قطني . قلت : لفظ الحديث : ( يميز الله أولياءه وأصفياءه حـتى يطهر الأرض من المنافقين ، ويتبع الرجل يومئذ خمسون امرأة ، كلهن تقول : يا عبد الله استرني ، يا عبد الله آوني ) ولهذا شواهد ، من حديث ابن عمر وأنس ، وأما أوله فيشهد له حديث عمير بن هانئ عن ابن عمر رفعه : (.. ثم فتنة الدهيماء يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا حتى يصير الناس إلى فسطاطين : فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه ، فإذا كان ذالكم فانتظروا الدجـال من يومه أو من غده ) ووجه الشاهد من حديث أنس الذي رواه البخاري وغيره قوله : ( من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر الجهل ويقل الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد ) وعلى هذا لا وجه لإنكار هذا الحديث لمجرد رواية  إسحـاق له ، مع أن الحديث روي من وجه آخر عن حذيفة وفيه اختصار رواه أحمد بن حنبل كما نقل ذلك الخلال في السنة (1/334) .

( 75 ) رواه أحمد (1/184) ، وأبو يعلى (2/99) ، وابن مندة في الإيمان رقم (424) . وفي الباب عن غير سعد وهو حديث متواتر فيه أن الإيمان عند غربة الدين يعود للمدينة كما بدأ . وها هو الدين اليوم غريبا ، ولم يبقَ إلا تحقق عودته إلى المدينة كما بدأ أول الأمر ، وهو أمر مرتقب الآن وقريب تحققه بإذن الله تعالى ، وقد عمل بهذا الحديث ابن مسعود رضي الله عنه ، وذلك عندما تمرد الناس بالكوفة ، وبدأ  اضطرابهم في زمن عثمان ، خرج إلى المدينة ، فلما أرادوا رده عن رأيه قال : سمعت رسول الله يقول : ( يأرز الإسلام إلى المدينة ) سأترككم والفتنة وآرز إلى بلدي ومعي ديني ! . ـ لو عاصره هؤلاء الحدثاء السفلة لقالوا تكفير وهجرة !! ـ ذكره سيف بن عمر في كتاب الردة والفتوح  (ص 81) .

( 76 ) والعود إلى الأمر الأول لا شك أنه سيكون بدعوة المهدي وأمره ، فبه يعود الدين غريبا كما بدأ غريبا وبه يعود الإيمان إلى المدينة كما الأمر الأول ، وتكون الهجرة إلى المدينة كما الهجرة الأولى . وهذا جابر بن عبدالله== ==يقول : يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم .. ، ثم ذكر الشام .. ، ثم قال بعد ذلك : قال رسول الله : ( يكون آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا لا يعده عددا ) وزاد أبو موسى بعد يعده عددا ، ثم قال : ( والذي نفسي بيده ليعودن الأمر كما بدأ ليعودن كل إيمان إلى المدينة كما بدأ منها ، حتى يكون كل إيمان بالمدينة ) رواه مسلم وأحمد والحاكم . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله : ( منعت العراق درهمها وقفيزها .. ، وذكـر الشام ، وزاد مصـر كذلك ) ثم قال : ( وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم  ) والعود هنا يشمل الهجرة والاجتماع على رأس من بعد تفرق واختلاف . كما ورد في حديث أبي واقد الليثي قال : قال رسول الله : ( إنها ستكون فتنة ) قالوا : فكيف لنا يا رسول الله ؟ وكيف نصنع ؟ قال : ( ترجعون إلى أمركم الأول ) رواه الطبراني في الكبير (3307) والأوسط ، وله طريق آخر عند الطحاوي في مشكل الآثار (4/68) . قيده  في كتابه ـ أعنى تخريج هذا الحديث ـ التصفية والتربية (ص 8) حدث من هؤلاء وهو من تلاميذ الألباني المُرَّاق ، وأصل أن العودة يجب أن تكون لتصفية وتربية شيخه ، والحق لا شك على خلاف ذلك ، بل العودة هي إلى ما ذكر رسول الله ، إلى الإيمان الصحيح الصادق والهجرة والاجتماع  بعد الفتنة على الإمام المهدي ، كما جاء ذلك صريحا في مجموع ما نقلت من أخبار ، وكذلك ما روي عن أبي سعيد عن رسول الله : ( يأوي إلى المهدي أمته كما  يأوي النحل إلى يعسوبها ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا ، حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول ، ولا يوقظ نائماً ولا يهريق دماً ) رواه نعيم . وخطب محمد بن علي أصحابه فقال : عجلتم بالأمر قبل نزوله وأمر آل محمد مستأخر والذي نفس محمد بيده ليعودن فيكم كما بدأ . رواه ابن سعد (5/108) ويجمع هذا المعنى حديث الافتراق كما جـاء في سنن الترمذي عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله : ( ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة ) قالوا : من هي ؟ قال : ( من كان على ما أنا  عليه وأصحابي ) وفي رواية : ( الجماعة ) ومن حمل هذا على غير المهدي ومن معه فقوله رد ، وهو غير مبني على نور من الله تعالى . والحديث صريح أنه في الافتراق والاختلاف وهو  كائن آخر الزمان عند الفتن ، والمهدي يعقب هذه الفتن والفرقة ، وما ترفع عن الأمة إلا به ، ولا تستحق أي جماعة أن توصف بهذا الوصف غير جماعته ، ومن نسب ذلك لغيره فهو كاذب جاهل دعي لابس ثوب زور .

( 77 ) أخرجه الداني بلفظ : ( لتملأن الأرض ظلما وجورا ، حتى لا يقول أحد : الله الله ، حتى يضرب الدين  بجرانه ) الفتن للداني (5/958) ، قال ابن الأثير : الجران باطن العنق ، أي قر قراره واستقام .

( 78 ) رواه عبد الله بن أحمد بإسناده إلى وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن الحارث عن علي . كتاب العلل (2/346) ، ورواه أبو عبيد عن أبي النضر عن أبي خيثمة عن الأعمش به . راجع الغريب لأبي عبيد (3/440 و 1/185) ، ورواه نعيم في الفتن عن الأعمش عـن إبراهيم عـن أبيه عن علي (1/390) ، ورواه عبد الرزاق من غير هذا الوجـه باختصار شديد (11/373) .

( 79 ) غريب الحديث (3/439) .

( 80 ) المستدرك (4/503) وفي هذا شاهد لحديث علي وأن خروج المهدي سيكون عند الفتنة .

( 81 ) كتاب العلل لأحمد بن حنبل (1/304) .

( 82 ) رواه نعيم  (1/390) ، وعنه ابن وضاح في البدع (77) .

( 83 ) في هذا العقد سر من أسرار الدعوة المهدية ، كما أُسِرَّ له في هذا الجيل بأسماء المنافقين العتاة ، فقد أسر له مفهوم ذلك على إبهام ، وقد كاد الله أن يفصح عن ذلك لولا أنه اختص نفسه بعلم حقيقة ذلك سبحانه علام الغيوب . وله الإشارة بقوله : (..وهـم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) سورة الروم ، وفي قوله تعالى :== ==( إنّا كاشفوا العذاب قليلا  ! ..) سورة الدخان . وله أشير في قوله : ( . . فإذا جاء وعد الآخرة ليسُئُوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مره وليتبروا ما عملوا تتبيرا ) (الإسراء 7) ولم يكن وقوع ذكر الوعد في هذا الموضع من السورة اتفاقا  هكذا من غير قصد للمعنى المذكور ، وفي هذا ما يرجح أن ترتيب آيات السور توقيفي . كذلك ليس هو اقتداء من غير معنى ، يعقد علي أصابع يده في خبر المهدي ، كما عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في خبر المهدي قال أبو الصديق : أتيت أبا سعيد الخدري وهو قاعد في أصل منبر النبي وله حنين ، قلت : ما يبكيك ؟  قال : تذكرت النبي ومقعده على  هذا المنبر ٍوقوله : ( إن من أهل بيتي فتى يلي الأرض وقد ملئت ظلما وجورا فيملؤها قسطا وعدلا ، يعيش هكذا ـ وأومأ بيده سبعا أو تسعا ـ ) الشك من دون الخدري يقينا . ففي رواية الترمذي أن زيداً الشاك (4/506) . وسيأتي ذكر الرواية من غير شك مفصلة في قبض وبسط أصابع اليدين . والمشكل في الحديث قوله هنا : يعيش . وعند أبي داود : يملك . وهذا كله من تصرف الرواة وزياداتهم المفسدة للمعنى . والحديث رواه أبو داود والحاكم عـن القطان عن قتادة عن أبي نضرة عنه ، ولفظ الحاكم : ( يعيش هكذا ـ وبسط يساره وإصبعين من يمينه السبابة والإبهام وعقد ثلاثة ـ ) وذلك عقد على صفة مخصوصة لإرادة عدد معلوم يتنزل منزلة الإشارة المفهمة . والنبي عليه السلام لو أراد الإخبار عن مدة ملكه لذكر ذلك ، فما وجه الإشارة بذلك دون النطق ، والرواية مقتصرة على الإشارة . ولعل من ذكر قول : يملك . فهم ذلك بالمعنى المتبادر إلى ذهنه ، وهو خطأ . وموافقة علي للنبي في عقد الأصابع ، يفيد بأن  المقصود هو أخفى من مدة ملكه ، وقد جاء ما يثبت أن المراد ليس هو مدة ملكه ، بل أخص من ذلك ، فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من أهل بيتي فيضربهم حتى يرجعوا إلى الحق ) قال : قلت : كم يكون ؟ قال : ( خمس واثنتين ) قلت : وما خمس واثنتين ؟ قال : ( لا أدري ) والقائل لا ادري أبو هريرة . رواه أبو يعلى (12/19) . وهذا ما يجب أن ينتهي إليه الجميع ومن جزم بأن مدة ملكه سبع سنين فهو قاف ما ليس له به علم ، بل هذا من أسرار الله تعالى : ( قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً ) ( الفرقان 6 ) . ولما كان هذا السر متعلق بالفتح والمهدي ، ولِهَ به يهود حتى جعلوه رمزهم المقدس ـ المناير السبع الشمعدان الشعائري ـ وعندهم في دانيال : ويثبت عهدا مع كثيرين في أسبوع واحد . الإصحاح (9/27) وفي مزامير داود كما في عهدهم القديم قوله : سر الرب لخائفيه وعهده لتعليمهم .  (25/14) .  قال ناقد النبوءات التوراتية م . ريجكسي : رقم سبعة السحري موجود على الدوام لدى الأنبياء القدامى . أنبياء التوارة (ص 274) ومن المتأخرين ممن جزم بأن مدة ملك المهدي سبع سنين ، وبنى على ذلك الفهم السقيم أوابدَ يروج بها لدعوته فيقول : ما أحسب المهدي يقدر ـ خلال سبع سنين ـ على أن يحدث من التغيير في العالم أكثر مما أحدث رسول الله خلال ثلاث وعشرين سنة .. وأنه سيظهر وقد تهيأ للعالم الإسلامي وضع صلح فيه أمـر الأمة ، وتمت فيه مرحلتا ( التصفية والتربية ) ولم يبقَ إلا ظهوره ، وقال : وأما بقاؤنا راضين عن أوضاعنا متفاخرين بكثرة عددنا ، متوكلين على فضل ربنا أو خروج المهدي ونزول عيسى .. فذلك محال وضلال !!، لمخالفته لسنة الله الكونية والشرعية ـ أين!! ـ . وفي رده على من زعم أن الخلافة لن تعود قبل ظهور المهدي قال  : فمن استقر في نفسه أن دولة الإسلام لن تقوم إلا بخروج المهدي ، وهذه خرافة وضلالة ! ، ألقاها الشيطان== في قلوب كثير من العامة .. والمهدي لن يكون أعظم سعياً من نبينا ظل ثلاثة وعشرين عاما وهو يعمل لتوطيد دعائم الإسلام وإقامـة دولته ، فماذا عسى أن يفعل المهدي ـ هو بيطارك ويقطف ! ـ لو خرج اليوم فوجد المسلمين شيعا وأحـزابا ، وعلمائهم إلا القليل منهم أتخذهم الناس رؤوسا ـ وأنت الذنب ـ لما استطاع أن يقيم دولة الإسلام إلا بعد أن يوحد كلمتهم ويجمع صفهم ، وهذا يحتاج إلى زمن مديد ـ لا بل يشتت كلمتهم ويفرق جمعهم الباطل ، فالهدم أسرع ـ فالشرع والعقل معاً يقضيان أن يقوم بهذا الواجب المخلصون من المسلمين ، حتى إذا خرج المهدي ، لم يكن بحاجة إلا أن  يقودهم إلى النصر ـ أي تحصيل حاصل ، إيه خلا لك الجو صفري ونقري ـ وإن لم يخرج فقد قاموا بواجبهم  ـ أي بالتصفية والتربية ـ وإن لم يقبلوا تلك التصفية والتربية فما العمل!! اهـ . وهذا كله من الرأي الذي حذر منه رسول الله . وهذا الضال المضل ينسب إلى الأمـر بالاعتزال وترك العامة كما أمر رسول الله ، الضلال ، فعليه من الله ما استحق ، ومن أجل هذا كبرت عليه رواية ابن عمرو بلزوم البيوت فعد هذه الزيادة معلولة ، مع ما لها من شواهد عديدة وروايات أخرى تدل بمنطوقها ومفهومها على وجوب الاعتزال عند الفتن وترك العامة وعامة أمورهم . راجع : ( السلسلة 4/38 الصحيحة والضعيفة كما ورد في المقدمة ، وكتاب المهدي حقيقة لا خرافة 183 ) .

( 84 ) المستدرك (4/554) .

( 85 ) الطبقات لابن سعد (5/97) .

( 86 ) نعيم في الفتن (1/197) ، وروي كذلك عن علي قوله : ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أميه ، ألا إنها فتنة عمياء مظلمة (1/195) . وصح عن حذيفة في الحديث المرفوع حين سأل رسـول الله عن الخير والشر بعده أنه قال : ( بعد الهدنة : تكون فتنة عمياء صماء عليها دعاة على أبواب النار ) وعن أبي هريرة رفعه : ( ويل للعرب من شر قد اقترب ، مـن فتنة عمياء صماء بكماء ، القاعد فيها خـير مـن القائم .. ويل للساعي فيها مـن الله تعالى يـوم القيامـة ) أبو داود (4/102) ، ونعيـم (1/176) ، وفي المصنف عن خباب رفعه : (.. الماشي خير مـن الساعي والساعي في النار ) (10/119) وعن أنس بن مرثد رفعه : ( ستكون فتنة بكماء صماء عمياء ، والماشي فيها خير من الساعي ، ومن أبى فيمدد عنقه ) ذكره الآجري في الشريعة (44) ، وعن أبي هريرة في وصف هذه الفتنة يرفعه : ( عمياء مظلمة تمور مور البحر تنتشر حتى لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ) نعيم (1/56) ، وروى الطيالسي (55) عن عمر : إنما أسألك عن الفتنة التي قبل الساعة تموج كموج البحر . وعن عوف يرفعه : ( اعدد ستا بين يدي الساعة ..وفتنة لا يبقى من العرب إلا دخلته ) رواه البخاري وغيره ، وعند نعيم بلفظ : ( وفتنة تكون في أمتي )وعظمها (1/50)  وهى بهذا اللفظ عند أحمد والطبراني . وعن سعيد قال : ذكر رسـول الله فتنة فعظم أمـرها ، فقلنا : لئن أدركتنا هذه لتهلكنا ، فقال رسـول الله : ( كلا إن بحسبكم القتل ) . رواه أبو داود في السنن (4/105) ، وعن أنس رفعه : ( ذكر الساعة وإن بين يديها أمـوراً عظاماً ) عبد الرزاق (11/379) ، وابن حبان (1/470) ، وروى الطبراني عن وائل بن حجر قال : حضرت رسول الله وقد رفع رأسه نحو المشرق ثم رد إليه بصره فقال : ( أتتكم الفتن تقطع الليل المظلم ، فشدد أمرها وعجله وقبحه  ! ) الصغير (2/284) وعن ابن عمر مرفوعا:  (.. ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة ، فإذا قيل انقضت تمادت ، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ) الحديث رواه أبو داود وغيره . وعن أبي سعيد رفعه : (..ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت حتى لا يبقى بيت إلا دخلته ولا مسلم إلا صكته ، حتى يخـرج رجـل مـن عترتي ) رواه نعيم (1/58) ، وعن أبي الجلد : (.. ثم تكون فتنة فلا يبقى لله محرم إلا استحل ، ثم يجتمع الناس على خيرهم رجلا تأتيه إمارته هنيئا وهو في بيته ) المصنف لعبد الرزاق (11/372) . وهذه== ==الأحاديث وغيرها دالة على أن الفتن تكون أعظم وأشر في آخر الزمان ، يؤكده ما ورد في صحيح مسلم عن حذيفة يرفعه : ( تحدث عن الفتن يعدها منهن ثلاث لا يكـدن يذرن شيئا ) وعلى هذا كما دل حديث ابن عمرو وأبي سعيد وأبي الجلد ، أن هذه الفتن تسبق خروج المهدي  وأن من صفاتها أنها سوداء مظلمة وعمياء تمور كموج البحر ، وتستحل فيها المحارم ، وتنتشر حتى تدخل بيت كل عربي ، وتلطم كل مسلم على وجهه . ويدل حديث حذيفة على أنها تكون بعد الهدنة  وعن عوف بن مالك أنها كائنة قبل الهدنة ، وفي ظاهر هذا التعيين مخالفة بين الحديثين ، والصحيح انه لا خلاف بين الحديثين في هذا الباب ، فالناظر إلى واقع حال الفتن في زماننا يرى أن منها ما يسبق الهدنة ومنها يأتي بعدها ، ويصح القول في وصف كل منها بالشمول والانتشار ، ودليل ذلك ما ورد في حديث حذيفة كما جاء في صحيح مسلم قوله : ( منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا ) وقد فصل كما ذكرت ذلك في أكثر من موضع أمر هذه الثلاث حديث ابن عمر وسماها : ( بالأحلاس ، والسرى ، والدهيماء ) وفي حديث سعيد عند نعيم نص على اسم الأولى ولم يفصل خبر الأخريات مع أنه وصفها بالانتشار حتى تدخل كل بيت ، وفي هذا التفصيل يزول ما قد يتبادر إلى الذهن مما ظاهره التعارض بين الحديثين حديث عوف وحذيفة . وعلى هذا فالمراد بحديث عوف هو فتنة السرى ، فتنة صدام كما سبق تفصيله ، وأما حديث حذيفة فالمراد بها فتنة الدهيماء وهي الفتنة التي تعقب فتنة السرى  ، وتكون بعد الهدنة ، وهي كما أسلفت الهدنة التي أُجْبِرَ صدام على الرضوخ لذلها وخزيها .

( 87 ) لفظه في الصحيح : ( هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش ) وذكر الحافظ عن ابن بطال أن علي بن معبد أخرجه في كتاب الطاعة والمعصية من رواية سماك عن أبي هريرة : ( على رؤوس غلمة سفهاء من قريش ) الفتح (13/9) ، ورواه عنه بهذا اللفظ نعيم في الفتن (1/407) عن شعبة عن سماك عن مالك بن ظالم عن أبي هريرة . وخالفه عبد الرحمن بن مهدي عن سماك فقال : عبد الله بن ظالم ، رواه أحمد في المسند .== ==قال الرازي هذا وهم من عبد الرحمن ، هو مالك بن ظالم . الضعفاء للرازي (2/326)  قال ابن حجر : ( قوله هلاك أمتي ) المراد بالأمة هنا أهل ذلك العصر ومن قاربهم ، لا جميع الأمة إلى يوم القيامة . قلت : مراد ابن حجر بالعصر ، عصر يزيد وما بعده ، وهو قول فاسد مبني على تأويل فاسد ، فالأمة لم تهلك في ذلك الزمان ولم يحل عليها غضبه سبحانه ، والذي دعاه لهذا القول اعتبار صحة قول من تأول الحديث على زمان يزيد ومن أتى بعده ، وهذا تأويل باطل . والمراد بالهلاك عذاب الله تعالى الذي يحيق بالمجرمين من هذه الأمة ، وهذا لا يكون== ==تأويله إلا في آخر الزمان على ما أسلفت تفصيله ، ومن حمل الحديث على مثل ما ذكر الحافظ ابن حجر فقد وهم ، وهو صنيع البخاري في كتاب الفتن كما هو ظاهر من ترتيب أبواب الفتن قبل هذا الباب ، والحق في هذا أن خروج الأئمة الحدثاء السفهاء إنما يكون آخر الزمان كما نصت على هذا عدة أحاديث ، منها حديث عابس الغفاري وكعب بن عجرة وغيرها . راجع (1/99) .

( 88 ) الفتح (13/9) .

( 89 ) رواه عبدالـرزاق في المصنف (11/346) ، وابن حبان (1/440) ، والطبـراني في الصغير(1/274) ، والحـاكم (4/422) ، وغيرهم . والملاحظ هو أن ابن حبان والطبراني قاموا بحذف لفظة سفهاء من الحديث ،  وأما عبد الرزاق والحاكم فأثبتوها ، وهذا الصنيع بألفاظ الحديث داخل فيما قررته من قبل بتلاعب بعض المحدثين بألفاظ حديث رسول الله بحجة الرواية بالمعنى وجواز الاختصار والحذف ، وفي هذا كما هو ظاهرٌ إفساد لحديث رسول الله ، فإن إمارة السفهاء من أشراط الساعة ، وحذفها من خبر كعب بن عجرة يفسد المعنى ، وهو على خلاف وصية الرسول في تبليغ الحديث كما سُمِعَ .

( 90 ) سبق تخريجه في حاشية رقم (31) من هذا الفصل .

( 91 ) رواه الطبراني في الأوسط بلفظ : ( إمرة الصبيان ) وفيه : ( ونشو يتخذون القرآن مزامير يقدمون الرجل ليس بأفقههم ، ولا أعلمهم ولا بأفضلهم ، يغنيهم غناء ) (1/393) ، وهذه الرواية تفيد أنهم مع كونهم حدثاء فهم سفهاء  العقول كذلك ، ومن العجيب أن جمعت هذه الصفات لهؤلاء الولاة ولدعاة الضلالة ،== ==مع كونهم يخرجون في وقت واحد ، ويعد اقتران وجودهم في هذا العصر من أكثر العلامات المؤكدة على تحقق الأحاديث في وقتنا .

( 92 ) سبق تخريجه في حاشية رقم (22) من هذا الفصل .

( 93 ) رواه الطبراني في مسند الشاميين (1/310) ، قال ابن حجر : إسناده صحيح . القول المسدد (ص80) .

( 94 ) رواه الطبراني في مسند الشاميين (1/445) ، ورواه الحاكم بلفظ : ( أن يظهر التلاعن  على المنابر ويعطى مال الله على الكذب والبهتان وسفك الدماء بغير حق وتقطع الأرحام ويصبح العبد لا يدري أضال هو أم مهتد ) (4/423) .

( 95 ) لفظه الأول رواه سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن أبي أمية عن سعيد المقبري عن أبي هريرة . قال أبو حاتم منكر . ذكره عبد الرحمن بن محمد الرازي في علل الحديث (2/413) ، ورواه ابن أبي شيبة عن سماك عن أبي الربيع عن أبي هريرة بلفظ : ( ويل للعرب مـن شـر قد اقترب . إمارة الصبيان . إن أطاعوهم أدخلوهم النار ، وإن عصـوهم ضربوا أعناقهم )  (15/245) ، وأما لفظه الآخر رواه الداني في الفتن (2/475) .

( 96 ) الأوسط (2/236) .

( 97 ) رواه أبو زرعة في تاريخه من وجهين (1/231) .

( 98 ) رواه أبو يعلى ، قاله ابن كثير في التاريخ (8/234) ، وقال الهيثمي رواه أحمد والبزار (7/223) .

( 99 ) رواه ابن سعد في الطبقات (4/337) .

( 100 ) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (13/349) ، وابن سعد في طبقاته (4/337) .

( 101 ) عبد الرزاق (11/373) ، والحاكم (4/483) .

( 102 ) سبق تخريجه .

( 103 ) ابن سعد (4/332)، وكان يذاكره في أخبار بني إسرائيل ويحدثه كما ورد في صحيح مسلم النووي (18/124).

( 104 ) التاريخ (1/374) .

( 105 ) التلمود والصهيونية لأسعد رزوق (ص230) .

( 106 ) التمييز للإمام مسلم (ص175)مكتبة الكوثر .

( 107 ) سورة محمد (18) .

( 108 ) سورة الدخان (13-14) .

( 109 ) قال سليمان بن المغيرة ثنا حميد عن عبدالله بن الصامت عن أبي ذر عن رسول الله : ( إنه سيكون من بعدي من أمتي قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم ، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه ، هم شر الخلق والخليقة ) قال سليمان : وأكثر ظني أنه قال : ( سيماهم التخالف ) طبقات ابن سعد (7/30) .

( 110 ) سبق تخريجه في حاشية رقم (58) من هذا الفصل .

( 111 ) ذكـره ابن حجـر من رواية الفزارية إمراة عمر بلفظ : ( تذهبون الخير فالخير حتى لا يبقى منكم إلا حثالة كحثالة التمر ينزو بعضهم على بعض نزو المعز ) وقال أخرجه أبو سعيد بن يونس في تاريخ مصـر له حكم المرفوع . الفتح (11/252) ذكره شاهداً لحديث مرداس الأسلمي . ومما يشهد له أيضا حديث أبي هريرة عن رسول الله : ( لتنتقين  كما ينتقى التمر من الجفنة فليذهبن خياركم وليبقين شراركم حتى لا يبقى إلا من لا يعبأ الله بهم ، فموتوا إن استطعتم ) رواه الحاكم في المستدرك (4/434) .

( 112 ) رواه أحمد في المسند (3/37و52و98) ، قال السلمي وأخرجه البيهقي في البعث والنشور ، وأبو نعيم في صفة المهدي . عقد الدرر (ص 240) . وقال الهيثمي : رواه أبو يعلى والترمذي باختصار . الزوائد (7/313) .

( 113 ) سؤال وجواب حول فقه الواقع (ص32) .

( 114 ) رؤية واقعية (ص34) .

( 115 ) تصنيف الناس (ص28) .

( 116 ) لقد هاجمه المدخلي وضيق عليه كما كان هو من قبل يهاجم ويتسلط على خصومه ، فانقلب الحال عليه عقوبة له من الله تعالى . وجمع المدخلي عليه من كل جهة وأظهر من أقواله ما يعتقد أنها آثام وزلات لا يجوز السكوت عنها حتى عده بسببها من دعاة الضلالة . ومما فات المدخلي أن عبدالرحمن يفتي بالرأي الذي أرداه في المهالك ، من ذلك أنه أفتى بأن تأويل حديث حذيفة في اعتزال دعـاة الضلالة عند الفرقة وعدم وجود خليفة لله ليس هذا أوانه ، ولم يكتفِ بذلك النفي حتى قال : ومن حمل هذا الحديث على اختلاف جماعات الدعوة ، فقد أخطأ خطاً عظيماً ، بل ضل  ضلالا بعيداً . (الفرقان -15) ومن المعروف أن ابن باز قال بتحقق الحديث هذا في نقد القومية ، إلا أنه تأول أن الدعاة هم دعاة القومية ، وضرب صفحاً عن تأويل باقي الحديث إيماناً ببعضه دون بعض . وأما الألباني فقد جزم بأن الحديث واقع على هذا وجزم بالاعتزال لعدم وجود الجماعة والإمام ، إلا أنه راوغ في تقرير ماهية الاعتزال ، ويعد الألباني على كلام عبدالرحمن ضل ضلالا بعيداً ، ونُقِلَ كلامه للألباني ولم يعجبه . ومن أعظم ما لعبدالرحمن من رأي دعواه أن القرآن ليس فيه مخرج لما وقع فيه أهل الإسلام من تفرق وتشرذم إلى دول وشعوب ونسب إلى كتاب الله تعالى أنه ليس فيه مخرج عملي يخرجهم من هذه الشرور ، ثم لما وقعت فتنة صدام صرح للإذاعة البريطانية بأن المخرج من تفرق المسلمين إلى دويلات تحصرهم بحدودها المصطنعة هو إبقاؤهم على ما هم عليه ،وهذا هو المخرج عنده ، فعاد إلى أن المخرج في عقله ورأيه الذي يراه ، وأما كتاب الله  فلا مخرج فيه لأعظم نازلة وقعت بالمسلمين ! ، وهذا الاعتقاد كفر وردة عن الإسلام ، وفي هذا أصرح مثال من هؤلاء يعبر عن صفتهم المذكورة في حديث ابن عمرو المرفوع : ( فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون ) ( شريط مفهوم النقد الذاتي ـ شريط لقاء خاص مع إذاعة لندن ) .

( 117 ) الرد الوجيز (ص54و71) .

( 118 ) الأنباء (7237-9يوليو1996) " ثقوب في الثوب الأبيض للحركة السلفية في الكويت 11 " .

( 119 ) سبق تخريجه .

( 102 ) وهذا هو الصحيح في تفسير آيات سورة الروم . وقوله في الآية : ( غلبت الروم . في أدنى الأرض ) يريد طرف جزيرة العرب من ناحية الخليج العربي ، والآية نص في تعيين مكان القتال مع الروم . وسيأتي زيادة تقرير في أمـر الروم في (1/158) في هذا الجزء من الكتاب وما بعدها .

( 121 ) جريدة الوفد (19/10/1992) عن مجلة السنة لمحمد سرور ، وفيها كتب عبد العزيز الشيخ مقالته عن الزلزال فقال : في مصر زلزال فوق العادة .. ولكن العلمانيين لا يفقهون . أن يقع زلزال في مصر .. فهذا أمر عجيب ، وأن يكون مركز الزلزال في القاهرة ، فهذا شأن غريب ، وأن يكون هذا الزلزال شديداً ومدمراً فهذا شيء رهيب مريب ! . ولكن أن لا يكون هذا الزلزال عبرة للطغاة والغافلين ، فهذا أدعى للغرابة والاستراب والتعجب ا هـ . العدد (26) . قلت : بل إن الإسلاميين أيضا لا يفقهون العبرة منه ولا يعلمون . فهو زلزال لا كسائر الزلازل ولهذا جاء على ذلك النحو ،وحقيقته أنه إعلان عن أمر المهدي وخروج خبره لجزيرة العرب ، وقد تسبب ذلك بالهيجان وعلا نباح الكلاب في كل الأرجاء ، ثم همدت النعرات بعد ذلك إلا أن الزلازل لم تزل تدك أركان المعمورة ، والكوارث تتوالى على الخلق ، وما زالت الناس لا تدرك العبرة من كل هذا .

( 122 ) سورة مريم (39-40) .

( 123 ) عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذ قضي الأمر وهم في غفلة ) قال : ( في الدنيا ) متفق عليه ، وأخرجه أحمد ، والترمذي ، والطبري ، وأبو يعلى (2/364) واللفظ له  .

( 124 ) سورة الإسراء (58) .

( 125 ) رواه البخاري ، والترمذي ، وغيرهم .

( 126 ) رواه في مسند الشاميين (2/270) .

( 127 ) وفي هذه السنوات الأخيرة تزلزلت الكويت عدة مرات وكان الأمر مستغرب جداً ، حتى علل ذلك د . الباز بقوله : إن دولة الكويت آمنة زلزاليا وأن ما يحدث بها من هزات خفيفة نتيجة  أمرين ، أولهما ضخ المياه والبترول والغاز من باطن الأرض ، مما يجعلها تهبط ! قليلاً فتحدث هذه الهزات . واعترف د. الباز : بأن الحقبة التي نعيشها الآن تتميز ! بحدوث زلازل كثيرة ! . الوطن الكويتية (1601 /7155-11/1/96) . وفي عصر يوم (13/3/96) زلزلت قطر بعد يـوم مـن إعلانهم دعـوة رئيس وزراء إسرائيل لزيارتها . إنها النذر ! . جريدة الحياة (12072-14/3/96) ، والقبس (14/3/96) .

( 128 ) الوطن الكويتية (24/11/1995) .

( 129 ) الشرق الأوسط (6212 - 1/12/1995)  .

( 130 ) القبس (8054- 1/7/1416هـ 23/11/1995) .

( 131 ) الشرق الأوسط (6296-27/2/1996) .

( 132 ) تحذير جرادات هذا كان في أواخر الشهر الأول من العام (96) وفي (2/10/1416هـ 21/2/96) وفي ثاني أيام عيد الفطر تزلزلت الأردن ومصر وإسرائيل ، وقبل ذلك في أول أيام العيد تزلزلت تركيا وباكستان .وفي (26/2/96) عادت الزلازل تهز مصر والأردن وإسرائيل وإيران . جريدة الشرق الأوسط (6295 - 22/2/96) والعدد (6294 - 21/2/96) والسياسة (27/2/96) والقبس (7/2/96) .

( 133 ) الشرق الأوسط (6270-28/1/1996) .

( 134 ) الوطن الكوييتة (1601/7155-11/1/1996).

( 135 ) رواه جماعة عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد . واللفظ المنقول عن أبي نعيم في عواليه ، وصفة المهدي كما نقل ذلك السلمي في عقد الدرر (ص131) . ورواه نعيم بن حماد وأحمد بهذا الإسناد ، وفيه : ( يقال له السفاح ) ورواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية مثل ما روى نعيم وأحمد ، ولم يذكر السفاح . ورواه أبو يعلى عن فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد ، ولم يذكر السفاح  أيضا ولا المهدي ، إنما قال : ( إمام يكون أعطى الناس ) ورواه مسلم عن أبي نضرة عن أبي سعيد وجابر بلفظ : ( يكون آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده ) وقد تكلم بعض المتأخرين في هذا الحديث من أجل ذكر السفاح  ، وضعفه مع احتمال أحمد لروايته وإدخالها في مسنده ، وهو يضعف عطية هذا إلا أنه لم يكذبه . والقول بسوء حفظه وتدليسه شيء واتهامه بالكذب أمر آخر . وكل من روى هذا الحديث حمله على الاتصال ، إلا أن بعضهم يجبن عن ذكر السفاح ، كما هو فعل أبي بكر بن أبي شيبة في مصنفه . قال ابن كثير في التاريخ : إسناده على شرط أهل السنن ولم يخرجوه ، وأما السفاح فقد تقدم أنه يكون آخر الزمان ، فيبعد أن يكون هو الذي بويع أول خلفاء بني العباس فقد يكون خليفة آخر وهذا هو الظاهر ، وقد تكون صفة للمهدي الذي يظهر آخر الزمان لكثرة ما يسفح أي يريق من الدماء لإقامة العدل ونشر القسط ، وتكون هذه الرايات السود المذكورة في هذه الأحاديث إن صحت هي التي تكون مع المهدي . وهذا كله تفريع على صحة هذه الأحاديث ، وإلا فلا يخلو سند منها عن كلام اهـ التاريخ (6/252) . قلت : اضطرب كلام ابن كثير في هذه الأحاديث مما يدل على أنها كانت ملتبسة عليه ، فقد جزم في مكان آخر بتأويل هذه الأخبار لبني العباس فقال : حديث الرايات السود التي جاء بها بنو العباس حين استلبوا الملك من أيدي بنى أمية ..، وصارت للسفاح المصرح بذكره في حديث رواه أحمد في مسنده اهـ نهاية الفتن (1/9) . وهذه كذبة كبرى انطلت على الأمة غباوة إلى آخر الأمر . وقد ثبت عن ابن عباس قوله : منا المنصور والسفاح والمهدي يرفعها إلى عيسى بن مريم . رواه يعقوب بن سفيان من طريق المنهال عن سعيد عنه .ذكره ابن كثير في التاريخ (6/251) ، ورواه ابن أبي شيبة (7/513) ، والخطيب ونعيم والبيهقي . قال الذهبي إسناده صالح ، ذكره عنه السيوطي في تاريخ الخلفاء (ص303) . وقال ابن كثير : صـح عن ابن عباس ، وفي رواية حتى نسلمها إلى عيسى بن مريم ، وروي مرفوعا ولا يصح ولا وقفه أيضا . التاريخ (10/124) وهذا  تحكم منه رحمه الله ، ولا وجه لتضعيف هذا الأثر عن ابن عباس من هذا الوجه لأجل هذه الزيادة . والحديث مروي من غير وجه عن المنهال ، ورواه بهذه الزيادة عن المنهال عبد الملك بن حميد ، رواه نعيم بن حماد ،  وتابعه إبراهيم بن أيوب عند يعقوب بن سفيان ، وعبد الملك بن حميد وثقه ابن معين وغيره ، وإنكار ابن كثير لهذه الزيادة بسبب ما تأصل عنده أن هذه الأخبار في بني العباس ، وليس الأمر كذلك . وهذه الزيادة بعينها تفضح إدعاء بني العباس وتثبت أنهم أدعياء كذبة ، انتسبوا لهذه الأحاديث وادعوها لأنفسهم وهى ليست فيهم ولهذا انتهى أمرهم ولم يسلموا الأمر إلى عيسى مما يكشف حقيقتهم . ولفظ هذا الحديث يقينا ليس من كذباتهم ، وذلك لأن الكاذب حريص على أن لا يكون قوله للكذب سببا في كشفه  ، وليس هناك ما يضطرهم لذكر عيسى عليه السلام . ومن أجل هذا تحرج من هذه الرواية ابن كثير وادعى ضعفها من هذا الوجه ، وهذا محض تحكم بالأخبار من غير دليل . وهؤلاء الأدعياء الكذبة هم أحقر من أن ينص على ذكرهم ويزكى أمرهم عليه الصلاة والسلام ، بل أجمل في ذكرهم ذماً وتحقيراً ، ففي حديث جابر بن سمرة عن رسول الله أنه قال : ( لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش ) زاد أحمد وأبو داود في روايتهم من وجه آخر عن جابر :  فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا : ثم يكون ماذا ؟ قال : ( ثم يكون الهرج ! ) وقد وقع تأويل هذا الخبر كما نص على هذا عليه الصلاة والسلام فكان الهرج على يد بني العباس أشد على الأمة . وكذلك صح عن ابن مسعود عن رسول الله قوله : ( فإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما ! ) وعن ابن مسعود : ( إذا كانت سبعين رأيتم ما تنكرون ) رواه عبد الرزاق (11/375) يريد الهرج . وكان في زمانهم الهرج والبلاء ، وطلب الأوزاعي في أول دولتهم وقيل له : ما ترى فيما صنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة ؟ فقال : الأعمال بالنيات . وقيل له : ودماء بني أمية ما تقول فيها ؟ قال : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث . وطلب للقضاء فامتنع . ذكره ابن كثير في التاريخ . وهذه سيرتهم كلها قتل وسلب وتزييف وكذب ، وكل هذه الأخبار تدل على سوء دولتهم ، وليس فيها مدح وثناء ، بل ذم وازدراء . ومن تاريخ استيلائهم والأمة ما زالت يزيف تاريخها ويذل دينها ، ولم== ==يخلف مهديهم عيسى ، بل خلفه الهادي والمهتدي ، هكذا يتسمون تماديا بالكذب والباطل ، وكلهم ضلال في تلك الدولة أدعياء فجرة . وهل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مفتاح الشر .

( 136 ) راجع (1/40) وما بعدها .

( 137 ) الفتح (13/13و14) ، وروى هذه الأحاديث مسلم في كتاب العلم (16/222) شرح النووي .

( 138 ) الفتح (2/522) ، ورواه مطولاً كذلك في (13/81) .

( 139 ) ذكره الهيثمي (7/327) .

( 140 ) ذكره الهيثمي (7/325) وقال : رواه الطبراني وفيه سيف وهو ضعيف . وذكره الذهبي عن ابن النجار في ترجمة سيف ، وبين أن السائل الحسن البصري (2/258) .

( 141 ) سورة الانشقاق (19-20) .

( 142 ) سورة الانشقاق (4) .

( 143 ) سورة الرحمن (33-35) .

( 144 ) قال أبو عبيد : أقطار ؛ أطراف . غريب الحديث (4/133) .

( 145 ) سورة ص (10-15) .

( 146 ) سورة يونس (101-103) .

( 147 ) سورة يونس (96-97) .

( 148 ) سورة السجدة (28-30) .

( 149 ) سورة يونس (102-103) .

( 150 ) سورة الأعراف (185) .

( 151 ) رواه عـن أبي الصهباء محمد بن نصـر في السنة (23) ، والآجري في الشريعة عـن ابن زايد (16) . وراجع الدر (3/250) .

( 152 ) سورة الزخرف (50) .

( 153 ) سورة الأنبياء (1-2) .

( 154 ) سورة القلم (51-52) .

( 155 ) رواه الطبراني في مسند الشاميين (1/134) .

( 156 ) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (15/110) ، والداني في الفتن (2/286) .

( 157 ) راجع (2/23) وما بعدها من هذا الكتاب .

( 158 ) سورة المدثر (49-50) .

( 159 ) سورة السجدة (21) .

( 160 ) شرح النووي (17/143) ، ورواه الطبراني في الأوسط عن شعبة بمثل إسناد مسلم باختصار في متنه ، وزاد : الدخان قد مضى . قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن شعبة إلا بدل اهـ . وقد رواه مسلم عن جماعة منهم غندر وساق لفظه من طريق ابن أبي شيبة عن غندر . الطبراني في الأوسط (2/141) ، ورواه الحاكم من طريق شاذان الأسود عن شعبة بمثل إسناد مسلم والطبراني وزاد فيه : البطشة أو الدخان ثم انقطع شيء ، فقال هو الدخان  (4/427) .

( 161 ) العلل للدارقطني (1/212و214) .

( 162 ) سورة الروم (4-6) .

( 163 ) سورة الصافات (171-174) .

( 164 ) سورة الزخرف (81-83) .

( 165 ) سورة النور (55) .

( 166 ) سورة يس (48-49) .

( 167 ) سورة السجدة (28) .

( 168 ) سورة هود (110) .

( 169 ) سورة طه (129) .

( 170 ) سورة الشورى (14) .

( 171 ) سورة إبراهيم (8) .

( 172 ) سورة غافر (53-55) .

( 173 ) سورة هود (110) .

( 174 ) سورة الشعراء (201-207) .

( 175 ) سورة مريم (75) .

( 176 ) سورة الحج (55) .

( 177 ) سورة القمر (45-46) .

( 178 ) سورة الأنبياء (96-97) .

( 179 ) متفق عليه ، ورواه الترمذي ، والنسائي ، وغيرهم . راجع الفتح (13/11) .

( 180 ) رواه الطبراني في الأوسط (3/265) ، والترمذي (3929) .

( 181 ) وفي صحيح مسلم عن أم شريك أنها سمعت النبي يقول : ( ليفرن الناس من الدجال في الجبال ) قالت أم شريك : يا رسول الله فأين العرب يومئذ ؟ قال : ( هم قليل ) . (18/86) .

( 182 ) ابن كثير في الفتن والملاحم (1/95) .

( 183 ) رواه أحمد (5/278) ، وأبو داود (4297) .

( 184 ) في الأوسط (2/500) .

( 185 ) سورة الإسراء (7) .

( 186 ) سورة الإسراء (104) .

( 187 ) سورة الشورى (14) .

( 188 ) سورة العنكبوت (53) .

( 189 ) سورة الأعراف (167) .

( 190 ) سورة البقرة (114) .

( 191 ) سورة يونس (39) .

( 192 ) سورة إبراهيم (8) .

( 193 ) سورة يونس (53-55) .

( 194 ) سورة الأعراف (52-53) .

( 195 ) سورة الشعراء (201-202) .

( 196 ) سورة الزخرف (83) .

( 197 ) سورة يس (48-49) .

( 198 ) سورة الأنعام (135) .

( 199 ) سورة تبارك (24-26) .

( 200 ) سورة تبارك (25-27) .

( 201 ) سورة الإسراء (7) .

( 202 ) سورة النور (55) .

( 203 ) الإصحاح الثاني .

( 204 ) أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (1/84) راجع في زيادة تفصيل استخلاف المهدي ( فتح المنان في رد أباطيل أبي حصان ص9)و( عمد النار والدخان ص24)و(الأجوبة الشرقية على التساؤلات اليمنية ص13)و( تعبيد الموارد ص40) .

( 205 ) سورة الصافات (107-108) .

( 206 ) الإصحاح الثاني ، وقد حرفت عند البروتستانت والكاثوليك حسب النسخ المطبوعة بالعربية ، والتصحيح من إنجيل عيسى الصحيح برواية تلميذه البار برنابا (ص124) .

( 207 ) الإصحاح (11/19) وذلك لم تسلم النبوءة في حزقيال من عبث الكتبة ، فكلمة الميثاق حرفت إلى روحا جديداً كما ورد في النسخة المطبوعة الآن ، وهذا التزييف من جراء نقضهم للعهد والميثاق الذي أخذه الله عليهم ، فطرحوا ما يدل عليه وأثبتوا بدلاً منه هذا الكذب والهراء ، مخادعة لله ورسوله .

( 208 ) دانيال الإصحاح (9/27) .

( 209 ) سورة الأنبياء (105-106) .

( 210 ) سورة النور (55) .

( 211 ) سورة الصافات (171-173) .

( 212 ) سورة المجادلة (21) .

( 213 ) سورة مريم (39-40) .

( 214 ) سورة هود (110) .

( 215 ) سورة العنكبوت (53) .

( 216 ) سورة يونس (87) .

( 217 ) سورة يونس (93) .

( 218 ) سورة يونس (2) .

( 219 ) سورة الأحقاف (13) .

( 220 ) سورة يونس (37-39) .

( 221 ) سبق تخريج هذه الآثار في الفصل الثاني حاشية رقم (105) .

( 222 ) سورة الأعراف (52-53) .

( 223 ) سورة يونس (62-64) .

( 224 ) عن عبادة بن الصامت قال : سألت رسـول الله عن قوله تعالى : ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) قال : ( هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ) رواه مالك في الموطأ (2/958) ، والترمذي وابن ماجة والحاكم .

( 225 ) متفق عليه عن أبي هريرة عن رسول الله قال : ( إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ) رواه الترمذي من هذا الوجه ، ورواه من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ : ( آخر الزمان ) رواه عبد الرزاق عن معمر . وسبق وتقرر معنى اقتراب الزمان ، ورواية الترمذي تدل على أن المراد بذلك آخر الزمان كذلك ، فالتقارب معناه التقاصر ، والمراد ما فيه الناس اليوم من المقدرة على الانتقال السريع من مكان إلى آخر . فصار قوله يتقارب وآخر الزمان واحد ، ولهذا ورد اللفظين في الرواية . إلا أن الوصف بالتقارب أبلغ وأخص  بالمعنى المراد . وهذا الحديث دال على اختصاص آخر الزمان بفضل الرؤيا عن سائر الأزمان ، ولابد من حكمة مراده من هذا ، اقتضت هذا التخصيص . والحق في هذا الباب ، هو أن بقاء هذا الجزء من الوحي بعد رسول الله ، واختصاصه بالصدق آخر الزمان ، ما هو إلا من أجل أمر المهدي وبعثه وتهيئته لهذا الأمر العظيم ، الذي لو نيل من دون هذا الاختصاص لكان فضل المهدي ينال بالاجتهاد وهذا ما لا يمكن بحال ، لأن الله يختص بفضله من يشاء ، وهذا الأمر ليس هو من الفضائل العامة التي قد ينالها أي مجتهد ، كلا فهو مما اختص الله تعالى به نفسه وجعله إليه من دون سائر الخلق ، فكما أن النبي لا يكون نبيا بالاجتهاد كذلك المهدي هذا لا يكون بالاجتهاد مهدياً ، ولهذا ضل كل مدعي للمهدية . وهذه هي الحكمة الداعية لاختصاص آخر الزمان بفضل الرؤيا ، ومن أجل هذا جاء اهتمام رسول الله عند مرض موته على تأكيد أمر المبشرات والرؤيا . ولو فطن المؤمن لوجد أن هذا الزمان الذي أدركناه قد تواترت فيه المنامات والرؤى الصادقة من كل مكان ، ولا يمكن إلا أن يدل تواترها على قرب أمر عظيم ، وقد صرح بتوقع قرب حصول هذا من تخصص في تلقي رؤى المسلمين سواء في الإذاعات أو غيرها من وسائل الإعلام كالمجلات والجرائد .

( 226 ) سورة الإسراء (7) .

( 227 ) سورة الإسراء (9) .

( 228 ) سورة الإسراء (104) .

( 229 ) سورة الإسراء (105) .

( 230 ) سورة الإسراء (107-108) .

( 231 ) سورة الأنبياء (97) .

( 232 ) سورة يس (48-49).

( 233 ) سورة السجدة (28) .

( 234 ) سورة ص (11-15) .

( 235 ) سورة غافر (36-37) .

( 236 ) رواه مسلم في الصحيح (18/22) ، ونعيم في الفتن (2/480) .

( 237 ) سورة الإسراء (6) .

( 238 ) رواه مسلم في كتاب الإمارة (13/67) ، والحاكم (4/456) ، وغيرهم .

( 239 ) ذكره الهيثمي (7/315) قال رواه أبو يعلى. وذكره صاحب المطالب وقال : رواه إسحاق ، وأبو يعلى (4/271) ورواه الطيالسي (9) ، والحاكم باختصار (4/449) .

( 240 ) ذكره الهيثمي (6/215) قال :رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف وحديثه حسن ، وبقية رجاله رجال الصحيح .

( 241 ) رواه الترمذي (4/510) قال : حديث غريب . والداني في الفتن من وجهين (5/1129) .

( 242 ) نهاية الفتن (1/55) .

( 243 ) الضوابط الشرعية في الفتن (ص 18) لصالح آل الشيخ .

( 244 ) سورة ص (11-15) .

( 245 ) سورة يس (48-49) .

( 246 ) سورة الأنبياء (97) .

( 247 ) المصنف (11/361) .

( 248 ) نعيم (1/337) ، وذكر السلمي في عقد الدرر أن ابن المنادي أخرجه في كتاب الملاحم .

( 249 ) رواه بهذا اللفظ نعيم في الفتن عن ابن سيرين من وجهين (1/356و358) ، وذكره السيوطي في العرف الوردي وقال : في هذا ما فيه ، وقد رواه ابن أبي شيبة في المصنف قال : ثنا أبو أسامة عن عوف عن محمد بن سيرين قال : يكون في هذه الأمة خليفة لا يفضل عليه أبو بكر ولا عمر . وهذا إسناد صحيح ، وهذا اللفظ أخف من اللفظ الأول . والأوجه عندي تأويل اللفظين على ما أول عليه حديث : ( بل أجر خمسين منكم ) وليس المراد بهذا التفضيل الراجع إلى زيادة الثواب والرفعة عند الله . الحاوي (2/77) الحديث عند ابن أبي شيبة (15/198) ، ورواه الداني في الفتن (5/953) وكلام السيوطي في المفاضلة والرفعة فيه نظر .

( 250 ) رواه ابن أبي شيبة والداني .

( 251 ) المراسيل لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم (14) .

( 252 ) العدة للفراء (3/920) ، والتمهيد لابن عبد البر (24/48) .

( 253 ) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/319) .

( 254 ) رواه نعيم عن محمد بن بشر عن ابن المسيب وعن يحي بن سعيد عن ابن المسيب ، وعن محمد بن يزيد عنه (1/338و 339) .

( 255 ) العلل (4/213) .

( 256 ) رواه الطبراني في مسند الشاميين (2/71) .

( 257 ) سؤالات ابن أبي شيبة (84) . قلت : وكذلك عرف عن معمر الحذف إذا روى من حفظه . قال أحمد : معمر يحدث حفظا فيحذف منها  ـ من الأحاديث ـ وكان أطلبهم للعلم . مسائل أحمد لابن هانئ (2/207) .

( 258 ) رواه الطبراني في الشاميين (1/386) ، والداني في الفتن (1/222) ، وفي إسناده عند الداني قصور .

( 259 ) المستدرك (4/503) .

( 260 ) رواه الداني في الفتن (2/357) ، وقد روي من غير ذكر الإصلاح من طرق كثيرة رواها ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وابن بطة .

( 261 ) عبد الرزاق في مصنفه (13/366) . لقد اشتهر هذا الوصف عندهم لولاية ابن الزبير، وفيه تجني على هذا الصحابي وسيرته ، وهو والحسين من جماعة لم يبايعوا ليزيد في حياة معاوية ، وأرادهم معاوية لذلك فأبوا عليه فتركهم ، ولما مات معاوية بادر ابن عمر بالبيعة وامتنع ابن الزبير والحسين ولم يروه أحق بالخلافة من دون الصحابة من قريش ، وقد أخطأ ابن عمر بالمبادرة بالبيعة ليزيد قبل اجتماع الناس عليه ، وخلاف من ترك بيعته معتبر، والدليل على أن ابن عمر لم يصب الحق بذلك ، أنه لم يبايع عليا من قبل بحجة عدم الاجتماع ، ولم يبايع ابن الزبير حين اجتمع عليه الناس إلا الأردن ، وكان يتذرع بالخلاف وعدم الاجتماع  ، وكلمة الحق التي يجب أن تذكر أن مذهب ابن عمر في الخلاف مضطرب لا كما قال سفيان ، ولهذا كان مذهب سفيان لا يستقيم بالمحاججة لاعتماده على مذهب ابن عمر ، والغريب أن ابن عمر ندم في آخر عمره أنه لم يقاتل ابن الزبير، في حين أنه كان يجب مبايعته لعبد الله بن الزبير بعد موت معاوية بن يزيد ، لأن الأخير أمر الضحاك أن يصلي بالناس حتى يختاروا لأنفسهم إمام ، فلما مات قام بأمر الناس الضحاك ودعا لابن الزبير ، وهو من أهل الشوكة وقد فوضه معاوية ، وهذا اجتماع ، حتى قيل أن مروان بايع لعبد الله بن الزبير ورحل لمقابلته ثم عدل عن ذلك والكلام في هذا يطول ومن الضروري بيان تفصيل حقيقته ، إلا أنه ليس هذا مكان تفصيله ، وما دعاني للوقفة هنا عند هذا الأمر القديم ما تفوه به ابن باز عند كلام له على ولاية وبيعة حكام زمانه ، فخطّأ ابن الزبير لتركه بيعة يزيد وافترى عليه بأن سبب تركه بيعة يزيد لاعتقاده أن يزيد ليس بمسلم ولا يستحق أن يبايع لذلك ، فقال : وهذا اجتهاد من ابن الزبير له فيه  عذره الشرعي والله يعفو عنا وعنه وعن كل مسلم . وهذا الكلام فيه تلبيس ألجأه إليه احتجاج من لا يرى بيعة ولاته بسيرة ابن الزبير ، وهذا قياس مع الفارق من كل وجه . وهؤلاء على رأيهم القديم في توطئة النصوص لباطلهم في أحكام البيعة والجماعة ، حتى التزموا هذا القول في ولاية ابن الزبير ذباً عن حكم بيعة ولاتهم التي لا تصح بحال ، سواء قيل ابن الزبير لم يبايع يزيد لكفره أو لأنه يراه غير أهل للولاية في زمن الصحابة  ، بل إقرار شرعية ولاية هؤلاء وأمثالهم هو على خلاف الدين وما نص عليه رسول الله في خصوص أمرهم ، ويتعلقون لعقيدتهم في الولاة بما ذهب إليه ابن عمر رضي  الله عنه ، للترويج لباطلهم ، في حين أنه حتى  مذهب ابن عمر لا يستقيم لهم بالاحتجاج على باطلهم ، ولا حتى ما ذهب إليه سفيان ، ولا أحمد حتى . وما يذهب إليه هؤلاء ظاهر البطلان لمن هداه الله تعالى إلى اتباع أمر رسوله ، وإنما راج في زمان قبض العلم وظهور الحدثاء السفهاء لغلبة الهوى على الناس والجهل . وبخصوص من أشرت إلى كلامه في ابن الزبير وحكم ولايته ، فهوليس بأهل للكلام في هذا الأمر لا قديماً ولا حديثاً ، خصوصا بعد ما ثبت عنه التلون في الدين ، وثبت ذلك عندي في أمرين :                                                                                                           

الأول : إقراره الصلح مع اليهود حين صار ذلك مطلبا لولاته وفقا للسياسة العالمية ، لا السياسة الشرعية ، فقد ترك هذا الرجل سنة الله في اليهود ، وهي العودة بهم لبيت المقدس لإهلاكهم كما نص على ذلك كتاب الله تعالى وسنة نبيه ، وسلك سنة اليهود والنصارى وأشياعهم في وجوب التعايش مع اليهود بسلام وأمان ، وقد حرم الله تعالى ذلك عليهم كلما دخلوا المسجد الأقصى وأفسدوا فيه ، وما زلت متعجباً من احتجاجه لباطله هذا بصلح الحديبية ، ومن المعلوم أن صلح الحديبية عقد بوحي من الله تعالى لرسوله حين أمر الناقة بالبروك دونهم وحبسها عن المسير، على عكس هؤلاء فالشرع أمر بجهادهم بدليل إخبار رسول الله عن القتال مع اليهود والنصارى آخر الزمان ، فهل يجاز الصلح شرعا لمن فرط بأمر الله ، لا بل ارتكب محارم الله بولاية اليهود والنصارى .

الثاني : أنه كان في حياة شيخه محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى يتبرأ من مبدلي الشريعة ويكفرهم ، فعاد بعد موته يقر لهم بالولاية وينهى عن عداوتهم والبراءة منهم ، حتى صار في هذه الفتنة جنة لأعداء الله تعالى وفتنة لأوليائه وغداً يعرف من الضال المضل . راجع شريط ( أقوال العلماء في طاعة الولاة ) .

(262) ينكرونه أشد الإنكار ويرون فاعله ضال عن نهج الرسول والسلف الصالح ، والحق أنهم هم أهل الضلالة والزيغ ، والاعتزال معارض لبدعتهم التي ابتدعوها وجمعوا الناس لها ،  والخير فيما أرشد إليه رسول الله كما ورد في جميع أحاديثه عليه السلام من التحذير من الفتن والهرج ، والأمر بترك الناس وأحوالهم إذا أعجب كل منهم برأيه ، وظهر الشح ، وانفتق أمر في الخلق لا طاقة لمخلوق في إصلاحه ، ولن يكون ذلك إلا إذا دبر الله أمراً ، وقدر بحكمته ما على المؤمنين فيه إلا أن يتركوا الخلق لخالقهم ، ولهذا أمروا آخر الزمان عند الفتن أن يفروا بدينهم ويعتزلوا الناس ويعتنوا بخاصتهم ،والناظر لما ذُكر بهذا الكتاب يدرك الحكمة من الأمر بالاعتزال عندها . وأما هؤلاء الحدثاء ورؤوسهم المفتونة فيأبون إلا ترك السنة واتباع الرأي ، و كنت قد وقفت قديما على ورقتين مستنسخة من الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى نشرها أحداث من أتباع هؤلاء معنونة بـ( الصواعق المحرقة على من ترك الجماعة والجمعة ) يريدون بهذا إنكار أن الاعتزال عند الفتنة سنة وواجب ، وهذا من جهلهم بالدين ومروقهم عن السبيل الحق ، فالأمر بالاعتزال عند الفتن هو أظهر من أن يخفى إلا عندهم ، فقد التبس عليهم دينهم ولم يعودوا يفرقون بين السنة والبدعة ، وقالوا في مقدمة المنشور : هذه كلمات نيرات لشيخ الإسلام يرد فيها على فئام من الناس قد تركوا الجمعة والجماعة ، وهم في ذلك قد شابهوا الفرق الضالة المبتدعة كالروافض وغيرهم في ترك الجمعة والجماعة ، وهذا الأمر من الأمور المهمة التي يستطيع أن يميز بها المرء المسلم الفرقة الناجية من الفرق الضالة عن الصراط المستقيم ا هـ . وكان نص السؤال الوارد على شيخ الإسلام في حكم الصلاة خلف المرازقة ، وعن بدعتهم . فأجاب رحمه الله عن حكم الصلاة خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا ، وبين أنه ليس من  شرط الإئتمام العلم بإعتقاد الإمام ولا امتحانه ، ونص على أن الإمام المبتدع أو الفاسق وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه ، كإمام الجمعة والعيدين والحج ونحو ذلك ، فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف . وقال رحمه  الله في جوابه : فإذا لم تجد إماما غيره كالجمعة التي لا تقام إلا بمكان واحد ، وكالعيدين وكصلوات الحج خلف إمام الموسم فهذه تفعل خلف كل بر وفاجر باتفاق أهل السنة والجماعة ، وإنما يدع مثل هذه الصلوات خلف الأئمة أهل البدع كالرافضة ونحوهم اهـ . وخلاصة الفتوى منه الكلام في حكم الإئتمام بإمام لم يعرف منه بدعة ولا فسق ، وأيضا الكلام على الصلاة خلف الأئمة في صلاة العيد والجمعة وصلاة الحج ، وهذا كله من كلامه في غير ما نحن فيه ، وإنما حملها هؤلاء من فرط جهلهم على من يترك صلاة الجماعة في زماننا هذا لأصلهم الفاسد ، وهو أنهم ليسوا الآن في زمان الفتن التي أخبر عنها رسول الله ، الفتن الموجبة للاعتزال كما نصت على ذلك أحاديث صحيحة كثيرة . وهذا المنشور يكشف مبلغ الجهل الذي وصل إليه هؤلاء حتى تعطلت مداركهم الطبيعية وانقلبت الموازين عندهم ، وما عادوا يفرقون بين السني والبدعي . والدليل على جهلهم وأنهم لا يفهمون الكلام المنقول ، هو أن كلام ابن تيمية مبني على السؤال عن حكم الصلاة خلف المرازقة وعن بدعتهم ، كما هو مثبت في أول المنشور المذكور والفتوى عن أصحاب هذه البدعة وحكم الصلاة خلفهم . وابن تيمية لم يكن يرى أنه مدرك للفتن الموجبة للاعتزال ولم يكن يعتقد ذلك حتى يحمل كلامه على ما حمله هؤلاء الجهال . . ، وإلا لتعارض كلام ابن تيمية مع نفسه ، فقد كان يصوب ويقر ما كان عليه المرازقة في زمان الفتنة في مبدأ أمرهم ، ثم لما انتهت الفتنة وزال موجب عملهم هذا صار من يقول بقولهم مبتدع ضال عند شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ، بعد ما كان فعلهم عنده جائز، فعاد مدار الحكم والجواب على السؤال يدور مع حكم العمل في حال تحقق الفتنة وجوداً وعدماً ، مما يقطع الطريق على هؤلاء الذين يحملون كلام ابن تيمية على أهوائهم وينزلونه على غير منازله ، ولهم مثل ذلك في كلام الأئمة الكثير مما يثبت أنهم جهلة وأصحاب أهواء .

قال رحمه الله تعالى : وكان بعض الناس إذا كثرت الأهواء يحب أن لا يصلي إلا خلف من يعرفه على سبيل الاستحباب ، كما نقل عن أحمد انه ذَكرَ ذلك لمن سأله ، ولم يقل أحمد أنه لا يصلح إلا خلف من أعرف حاله . ولما قدم أبو عمر عثمان بن مرزوق إلى ديار مصر وكان ملوكها في ذلك الزمان مظهرين للتشيع ، وكانوا باطنية ملاحدة ، وكان بسبب ذلك قد كثرت البدع وظهرت بالديار المصرية ، أمر أصحابه أن لا يصلوا إلا خلف من يعرفونه لأجل ذلك ، ثم بعد موته فتحها ملوك السنة مثل صلاح الدين وظهرت فيها كلمة السنة المخالفة للرافضة ، ثم صار العلم والسنة يكثر فيها ويظهر . فالصلاة خلف المستور جائزة بإتفاق علماء المسلمين ، ومن قال أن الصلاة محرمة أو باطلة خلف من لا يعرف حاله فقد خالف إجماع أهل السنة والجماعة اهـ . فانظر أخي المؤمن كيف انقلب الاستدلال بكلام شيخ الإسلام عليهم لا لهم مع الاستدلال المستقيم ، إذ أن الحال في وقتنا أشبه بزمان أبى عمر بن مرزوق بل اشد وأخبث مهما بلغوا من الرفض في ذلك الوقت ، إذ أن عامة الناس في مصر في ذلك الوقت لم تكن ميالة لهم . وأما قول أصحاب المنشور : وهذا الأمر من الأمور المهمة التي يستطيع أن يُمَيز بها المرء المسلم الفرقة الناجية من الفرق الضالة عن الصراط المستقيم.أي ترك الجمعة والجماعة ، وهذا من جنس قول صاحبهم المردود عليه هنا كما ورد في أول الكتاب ، أن الصلاة اليوم لا يتركها مع الجماعة إلا منافق ، بل والحق لله قولهم وطريقتهم أخبث ، فهم حرب على سنة المصطفى عليه السلام وقد جعلوا إقامة الجمعة علامة للفرقة الناجية التي يدّعونها لجماعتهم هم ، ويكفي لبطلان قولهم حديث حذيفة الذي بوب له البخاري في الصحيح قوله : باب : كيف الأمر إذا لم تكن جماعة ؟ وفي الحديث قوله : فما تأمرني يا رسول الله إن أدركني ذلك ؟ قال : ( تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ) قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : ( فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركَّ الموت وأنت كذلك ) والأمر يفيد الوجوب هنا ، ويجب عليه الآن على حسب هذا الحديث الاعتزال ، وهو على خلاف مذهب أصحاب المنشور وشيوخهم ، وذلك لانعدام الإمام وجماعته ، وقد بينت السنة أن الاعتزال هنا يقتضي ترك جمعتهم وتجمعاتهم ، ويعتبر هذا الحديث نص فيهم وفي المهدي .

(263) وابن عمر كان يمتنع من بيعته ما لم يجتمع الناس ، وكان يقول : أكره أن أبايع أميرين من قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد . ذكره الهيثمي (5/222) وقد ثبت عنه رفض بيعة يزيد بحياة معاوية . وانظر إلى الحال اليوم فكم أمير على الناس ، فهل ترى هؤلاء على مذهب ابن عمر حقيقة ، لتعلم أن السلف يبرؤون مما عليه هؤلاء الحثالة . قال ابن مسلمة قال رسول الله : ( إذا رأيت الناس يقتتلون على الدنيا فاعمد بسيفك على أعظم صخرة في الحرة ، ثم اجلس في بيتك ) رواه الطبراني . اللهم جلسنا .

( 264 ) نعيم (1/142) ، والداني (1/230) .

( 265 ) الحاكم في المستدرك (4/437) .

( 266 ) الحاكم في المستدرك (4/431) .

( 267 ) الدارمي (1/80) .

( 268 ) رواه الدرامي (1/81) ، وأخـرجه أحمد في الزهد والفضائل ، وابن وضاح في البدع (62) ، وأبو نعيـم في الحلية (1/76) ، ووكيع في الزهد (2/531) ، ومثله عن ابن مسعود عند ابن أبي شيبة (13/292) ، وابن المبارك في الزهـد (503) .

( 269 ) نعيم (1/14) .

( 270 ) ابن سعد (7/410) .

( 271 ) أبو يعلى (11/184) ، وله شاهد عند نعيم (1/67) .

( 272 ) الداني في الفتن (1/219) .

( 273 ) نعيم (1/28) .

( 274 ) إصلاح غلط المحدثين (111) قال العسكري : رواه أكثر أصحاب الحديث بالشرف . ومما عجبت منه أن القتيبي رواه : بالشرق . وفسره فقال : أمور تأتي من قبل المشرق . تصحيفات المحدثين (84) .

( 275 ) المستدرك (4/468) ، ونعيم (1/63) .

( 276 ) سبق تخريجه في الفصل الثاني حاشية رقم (5) .

( 277 ) سبق تخريجه في الفصل الثاني حاشية رقم (1) .

( 278 ) الطيالسي (55) .

( 279 ) سبق تخريجه في الفصل الثاني حاشية رقم (2) .

( 280 ) عند نعيم بن حماد لفظ لهذا الحديث فيه قوله : ( يخرج دخنها ) وهذا يشهد لما قررت سابقا أن المراد بالدخن هنا الحقيقة لا المجاز . كتاب الفتن لنعيم (1/57)  .

( 281 ) سبق تخريجه في الفصل الثاني حاشية رقم (6) .

( 282 ) الحاكم في المستدرك (11/341) ، وأحمد ، وأبو داود ، وغيرهم . راجع (1/86) .

( 283 ) سبق تخريجه والتعليق عليه حاشية رقم (135) من هذا الفصل .

( 284 ) نعيم في الفتن (1/58) ، وذكره السلمي (120) .

( 285 ) رواه عبد الرزاق (11/371) ، وعند الحاكم (4/465) في أن البلاء من جهة السلطان . والواقع شاهد لهذا الحديث فالمؤمن طريد منبوذ ، تتبادل تسليمهم الأنظمة كالسلعة ، وجن جنونهم في السنوات الأخيرة على الدعاة المخلصين وغير المخلصين ، وحقيقة طلبهم هو دين محمد عليه الصلاة والسلام .

( 286 ) سبق تخريجه .

( 287 ) عبد الرزاق (11/372) ، ونعيم (1/60) .

( 288 ) قال الحسن معناه : يصبح محرمـاً لدم أخيه وعرضه وماله ، ويمسي مستحلاً له ، ويمسي محرماً له ويصبح مستحلا له . ذكره الترمذي (4/488) . وقصر المعنى على ما ذكر الحسن فيه نظر ، بل هو على ظاهره يخرج الرجل من الإيمان إلى الكفر وعكسه ، وذلك لإيثار الدنيا ولكثرة الجهل بحـدود الله ، يقيده قوله في الحديث : ( يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا ) رواه الترمذي (4/488) قال ابن مسعود في معنى الحديث : يخرج من بيته ومعه دينه ، فيرجع وما معه شيء منه ، يأتي الرجل لا يملك له ولا لنفسه ضرا ولا نفعا فيقسم له بالله إنك لذيت وذيت فيرجع ما خلي من حاجته بشيء وقد أسخط الله عليه . رواه الحاكم في الجزء (4/437) ، وعند نعيم عن حذيفة : ( يأتي زمـان على الناس ، يصبح الرجل بصيرا ، ويمسي وما يبصر بشفرة ) (1/65) .

( 289 ) رواه الداني (2/369) .

( 290 ) رواه الترمذي (4/488) ، وأبو يعلى (7/252) ، والحاكم (4/438) ، وصححه والداني (1/258) .

( 291 ) رواه نعيم (1/47) ، والداني (1/260) .

( 292 ) سبق تخريجه في الفصل الثاني حاشية رقم (67) .

( 293 ) سبق تخريجه في الفصل الأول حاشية رقم (45) . وروى عنه الترمذي قال : قال رسول الله في الفتنة : ( كسروا فيها قسيكم وقطعوا فيها أوتاركم ، والزموا فيها أجواف بيوتكم وكونوا كابن آدم ) (4/490) .

( 294 ) كحديث ابن مسعود رفعه : ( تكون فتنة النائم فيها خير من المضطجع .. ، قتلاها في النار ) قلت : متى ذلك ؟ قال : ( أيام الهرج اكفف نفسك ويدك ، وادخل دارك ) رواه نعيم وغيره كما في الفتن (1/139) .

( 295 ) جماعة واحدة  لا جماعات (ص75) يريد بالجماعة الواحدة ، جماعته هو ومن لف معها بالباطل من حثالة شرق آسيا وغرب أفريقيا ووسطها ، حتى أمريكا الجنوبية ، المهم أن يكونوا على نهجه في حب أئمة الحديث والتسليم بولاية سلطانه . ومن المعلوم أن أئمة الحديث قد مضوا لما قدموا عند الله ، وكان منهم الشيعي والخارجي وحتى الجهمي ، وهؤلاء لا يعنينا أمرهم اليوم . وأما الأئمة الذين هم أئمة بالسنة والاتباع فنعم حبهم وبغضهم من علامات الإيمان والنفاق ، إلا أنه لا اختصاص لهذا وزمرته بحبهم والثناء عليهم من خصومه ممن يبغض سلطانه اليوم ، ويجب معرفة الفارق هنا ، فإن لهذا أمراً خبيثاً في ادعاء ذاك الولاء تمهيداً لمراده الخبيث ، ولهذا تجده يخرج مبغضي سلاطينه من معتقد أهل السنة من غير اعتبار لحب أئمة الحديث ، وتعود عقدة الولاء والبراء على هذا .

( 296 ) رواه ابن سعد (5/158) ، ونعيم باختصار (1/158) وعن ابن عمر قال : اثنا عشر خليفة ثم النفق والنفاق ، لن يجتمع أمر الناس على إمام حتى تقوم الساعة . رواه نعيم (1/95) ، وذكره الذهبي في الميزان (1/227) وعن جابر بن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هـذا الدين لا يزال عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش ) زاد أبو داود : ( ثم يكون الهرج ) وكل هذه الأحاديث والآثار تدل على أننا في أيام الهرج ، مما يعني انعدام الإمامة الشرعية ، وهو ما لم يسلم به الحدثاء وأشياخهم رؤوس الجهل والضلالة ، وتعد هذه الأدلة مبطلة لمذهبهم الفاسد .

( 297 ) سورة المائدة (105) .

( 298 ) نعيم (1/28) ، والداني (3/645) .

( 299 ) سبق تخريجه في الفصل الأول حاشية رقم (61) .

( 300 ) سبق تخريج حديث ابن عمرو في الفصل الأول حاشية رقم (58) و (59) .

( 301 ) راجع الفتح (11/252) .

( 302 ) راجع الفتح (13/16و77و282و294) ومثله قول ابن كثير في قبض العلم . والصحيح أن  قبض العلم إنما يكون قبل خروج المهدي ، حين يظهر الجهل والفتن ويتقارب الزمان ، ومن المعلوم أن ظهور الفتن قبل المهدي .

( 303 ) رواه مسلم (12/215) شرح النووي ، وذكره  الهيثمي (5/215) .

( 304) شرح النووي (1/164) ، والفتح لابن حجر (1/123) .

( 305 ) مسلم (18/100) ، وأبو يعلى (2/93) ، ونعيم (1/157) ، وتهذيب الكمال للمزي (10/313) ، والتاريخ لإبن كثير (7/293) .

( 306 ) رواه الترمذي (4/486) ، وأبو يعلى (2/95) وأبو داود من غير ذكر فتنة عثمان (4/99) وهو حديث صحيح ورواه غير هؤلاء . وبتمام الحديث قوله : أرأيت إن دخل على بيتي وبسط يده ليقتلني ؟ قال : ( كن كابن آدم ) ويشهد له ما في حديث أبي موسى وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة : ( كسروا فيها قسيكم وقطعوا فيها أوتاركم ، والزموا فيها أجواف بيوتكم وكونوا كابن آدم ) رواه الترمذي (4/491) وقد صح عن أبي موسى أن هذه الفتنة إنما تكون آخر الزمان .روى حديثه ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان (35) ، وروى أبو داود وغيره عن هذه الفتنة أنها تكون في أيام الهرج  . وفي هذا يعرف وهم سعد حين ظن بعد مقتل عثمان أن هذه الفتنة وقعت . كما أنه يعرف من هذه الأحاديث أن أيامنا هي أيام الهـرج ويجب الآن أن نعمل كما عمل سعد فراراً من الفتن وأهلها ، والأمر أظهر من أن أتكلف تقريره تكراراً ، لو لم يكثر في الناس الجهل والغفلة .

( 307 ) رواه أبو داود (3/5) .

( 308 ) تاريخ يحيى (2/219) .

( 309 ) ابن سعد (7/142) ، والإبانة لابن بطة (595)  .

( 310 ) التمام لأبي يعلى الفراء (1/306) .

( 311 ) التاريخ لابن كثير (10/351)  .

( 312 ) التاريخ لابن كثير (10/180) ، وتذكرة الحفاظ للذهبي (1/212) .