الفصل السابع والثمانون بعد المائة


ولما قال الكاتب الصالح هذا بكى كما يبكي النوتي إذا رأى سفينته قد تحطمت وقال : كان هوشع لما ذهب ليخدم الله أميرا لسبط نفتالي وكان له من العمر أربع عشرة سنة ، وبعد أن باع إرثه ووهبه الفقراء ذهب ليكون تلميذاً لحجي ، وكان هوشع مشغوفا بالصدقة حتى أنه كلما طلب منه شيء يقول: ( أيها الأخ إن الله منحني هذا لك فاقبله ) ، فلم يبق له لهذا السبب سوى ثوبين فقط أي صدرة من مسح ورداء من جلد ، وكان قد باع كما قلت إرثه وأعطاه للفقراء لأنه بدون هذا لا يجوز لأحد أن يسمى فريسيا ، وكان عند هوشع كتاب موسى وكان يطالعه برغبة شديدة ، فقال له حجي يوما ما : ( من أخذ منك كل مالك ؟ ) ، أجاب : ( كتاب موسى ) ، وحدث أن تلميذ أحد الأنبياء المجاورين أحب أن يذهب إلى أورشليم ولم يكن له رداء ، فلما سمع بتصدق هوشع ذهب ليراه وقال له : ( أيها الأخ إني أريد أن أذهب إلى أورشليم لأقوم بتقديم ذبيحة لإلهنا ولكن ليس لي رداء فلا أدري ماذا أفعل ) ، فلما سمع هوشع قال : ( عفوا أيها الأخ فإني قد ارتكبت خطيئة عظيمة إليك ، لأن الله قد أعطاني رداءا لكي أعطيك إياه فنسيت ، فاقبله الآن وصل إلى الله لأجلي ) ، فصدّق الرجل هذا وقبل رداء هوشع وانصرف ، ولما ذهب هوشع إلى بيت حجي قال حجي : ( من أخذ رداءك ؟ ) أجاب هوشع : ( كتاب موسى ) ، فسّر حجي كثيرا من سماع هذا لأنه أدرك صلاح هوشع ، وحدث أن اللصوص سلبوا فقيرا وتركوه عريانا ، فلما رآه هوشع نزع صدرته وأعطاها للعريان ولم يبق له سوى فرصة صغيرة من جلد الماعز على سوأته ، فلما لم يأت إلى حجي ظن حجي الصالح أن هوشع مريض ، فذهب مع تلميذين ليراه فوجده ملفوفا بأوراق من النخل ، فقال حينئذ حجي : ( قل لي الآن لماذا لم تزرني ؟ ) ، أجاب هوشع : ( إن كتاب موسى قد أخذ صدرتي فخشيت أن آتي إلى هناك بدون صدرة ) ، فأعطاه هناك حجي صدرة أخرى ، وحدث أن شابا رأى هوشع يطالع كتاب موسى فبكى وقال : ( أنا أيضا أود القراءة لو كان لي كتاب ) ، فلما سمع هوشع هذا أعطاه الكتاب قائلا : ( أيها الأخ إن هذا الكتاب لك لأن الله أعطاني إياه لكي أعطيه من يرغب في كتاب باكيا ) ، فصدّقه الرجل وأخذ الكتاب ) .