الفصل السادس عشر بعد المائة

يجب على الإنسان أن يعيش في المدينة كما يعيش الجندي إذا كان حوله أعداء يحيطون بالحصن دافعا عن نفسه كل هجوم خائفا على الدوام خيانة الأهلين ، أقول هكذا يجب عليه أن يدفع كل إغراء خارجي من الخطيئة وأن يخشى الحس لأن له شغفا مفرطا بالأشياء الدنسة ، ولكن كيف يدافع عن نفسه إذا لم يكبح جماح العين التي هي أصل كل خطيئة جسدية ، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن من ليست له عينان جسديتان يأمن من العقاب إلا ما كان إلى الدركة الثالثة على أن من له عينان يحل به القصاص حتى الدركة السابعة ، حدث في زمن النبي إيليا أن إيليا رأى رجلا ضريرا حسن السيرة يبكي ، فسأله قائلا : ( لماذا تبكي أيها الأخ ؟ ) ، أجاب الضرير : أبكي لأني لا أقدر أن أبصر إيليا النبي قدوس الله ) ، فوبخه إيليا قـائلا : ( كف عن البكاء أيها الرجل لأنك ببكائك تخطئ ) ، أجاب الضرير : ( ألا فقل لي أرؤية نبي الله الذي يقيم الموتى وينزل نارا من السمـاء خطيئة ؟ ) ، أجـاب إيليا : ( إنك لا تقول الصدق لأن إيليا لا يقدر أن يأتي شيئا مما قلت على الإطلاق فإنه رجل نظيرك لأن أهل العالم بأسرهم لا يقدرون أن يخلقوا ذبابة واحدة ) .

فقال الضرير : ( إنك تقول هذا أيها الرجل لأنه لابد أن يكون قد وبخك إيليا على بعض خطاياك فلذلك تكرهه ) ، أجـاب إيليا : ( عسى أن تكون قد نطقت بالحق لأني لو أبغضت إيليا أيها الأخ لأحببت الله وكلما زدت بغضا لإيليا زدت حبا في الله ) ، فاغتاظ الضرير لذلك غيظا شديدا وقال : ( لعمر الله أنك لفاجر أيمكن لأحد أن يحب الله وهو يكره نبي الله انصرف من هنا لأني لست بمصغ إليك فيما بعد ) ، أجاب إيليا : ( أيها الأخ إنك لترى الآن بعقلك شدة شر البصر الجسدي لأنك تتمنى بصرا لتبصر إيليا وأنت تبغض إيليا بنفسك ) ، فأجاب الضرير : ( ألا فانصرف لأنك أنت الشيطان الذي يريد أن يجعلني أخطئ إلى قدوس الله ) ، فتنهد حينئذ إيليا وقال بدموع : ( إنك لقد قلت الصدق أيها الأخ لأن جسدي الذي تود أن تراه يفصلني عن الله ) ، فقال الضرير : ( إني لا أود أن أراك بل لو كان لي عينان لأغمضتهما لكي لا أراك ) ، حينئذ قال إيليا : ( اعلم أيها الأخ أني أنا إيليا ) ، أجاب الضرير : ( إنك لا تقول الصدق ) ، حينئذ قال تلاميذ إيليا : ( أيها الأخ إنه إيليا نبي الله بعينه ) ، فقال الضرير : ( إذا كان النبي فليقل لي من أي ذرية أنا وكيف صرت ضريرا ؟ ) .