الفصل السادس والسبعون

إني أضرب لكم مثلا ، كان لرجل ثلاثة كروم أجَّرها لثلاثة كرَّامين ، ولما لم يعرف الأول كيف يحرث الكرم لم يخرج الكرم سوى أوراق ، أما الثاني فعلَّم الثالث كيف يجب أن تحرث الكروم ، فأصغى لكلماته وحرث كرمه كما أرشده فأتى كرم الثالث بثمر كثير ، ولكن الثاني أهمل حراثة كرمه صارفا وقته في التكلم فقط ، فلما حان الوقت لدفع الأجرة لصاحب الكرم قال الأول : ( يا سيد إني لا أعرف كيف يحرث كرمك لذلك لم يكن لي ثمر هذه السنة ) ، فأجاب السيد : ( يا غبي هل تسكن العالم وحدك حتى أنك لم تستشر كرامي الثاني الذي يعرف جيدا كيف تحرث الأرض ؟ فيتحتم عليك أداء حقي ) ، ولما قال هذا حكم عليه بالإشتغال في السجن إلى أن يدفع لسيده الذي رحم غرارته فأطلقه قائلا ( انصرف فاني لا أريد أن تشتغل بعد في كرمي ويكفيك أن أعطيك دينك ) ، وجـاء الثاني الذي قال له السيد : ( مرحبا بكرامي أين الثمار التي أنت مديون لي بها ، ومن المؤكد أنك لما كنت تعلم جيدا كيف تهذب الكروم فلا بد أن يكون الكرم الذي أجرتك إياه قد أتى بثمار كثيرة ) ، فأجاب الثاني : ( يا سيد إن كرمك آخذ في الإنحطاط لأني لم أشذب الشجر ولا حرثت الأرض والكرم لم يأت بثمر فلذلك لا أقدر أن أدفع لك ) ، ثم دعا السيد الثالث وقال له بإنذهال : ( لقد قلت لي أن هذا الرجل الذي أجرته الكرم الثاني قد أتم تعليمك حراثة الكرم الذي أجرتك إياه ، فكيف يمكن أن لا يأتي الكـرم الذي أجرته إياه هو بثمر مع أن التربة واحدة ؟ ) أجاب الثالث : ( يا سيد إن الكرم لا يحرث بالكلام فقط بل على من يريد استئجاره أن ينضح منه كل يوم عرق قميص ، وكيف يأتي أيها السيد كرم كرامك بثمر وهو لا يفعل سوى إضاعة الوقت بالكلام ؟ ، ولا ريب أيها السيد في أنه لو عمل ما قال لأعطاك أجرة الكرم لخمس سنين لأني أنا الذي لا أقدر على الكلام كثيرا أعطيتك أجرة سنتين ) فحنق السيد وقال للكرام بازدراء : ( إذاً أنت قد عملت عملا عظيما بعدم زبر الأشجار وتمهيد الكرم فلك إذاً علي جزاء عظيم ! ) ، ثم دعا خدمه وأمر بضربه بدون رحمة ، ثم وضعه في السجن تحت سيطرة خادم جاف كان يضربه كل يوم ، ولم يرد مطلقا أن يطلقه لأجل شفاعة أصدقائه .