سلمان يكفر لاستهزائه في اعتقاد عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقد جمع سلمان الرأي والسفه في هذا الباب ما بين الكفر والكذب حين زعم على صفحات موقعه في الإنترنت في معارضة الدعوة المهدية قوله التالي : أن اعتقاد عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الزمان ما هو إلا فكرة فاجرة أول من ادعاها عبدالله بن سبأ ، وأن من يدعي هذا ما هو إلا مهووس مجنون محله المصحات النفسية ، أو عاقل يبين له فإن أصر فلابد من محاكمته كما حاكم المسلمون القاديانية في باكستان وأصدروا فيهم حكما واضحا اهـ ( 1 ) .
يعرض هذا المنافق خبيث الفكر بمهدي الرحمن المبعوث بالحق وبأتباعه في قوله هذا ، وقد أطال اللف والدوران في مقالته تلك معارضا الدعوة المهدية بما زعم ، وأتى بتلك الأقوال بخليط عجيب من الجهالات والتلبيسات والكذبات التي تدل على مدى شدة جهله وجرأته على معارضة أمر الله تبارك وتعالى وتقديره ، تهورا بالجهل والتقليد الأعمى ، ومازال هذا الرويبضة دهرا ينطق بالجهل إلى أن أرداه الرأي وحب الظهور بمعارضة دعوة المهدي وبيانه للحق المبين فجنى على نفسه بما جنى وكفر بالله العظيم حين سخر باعتقاد وجوب عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الزمان كما فرض المولى عز وجل في كتبه ونص على ذلك جملة من رسله صلوات الله وسلامه عليهم ، تحقيقا لشهادته ومن معه من رسل الله ، لقوله تعالى : ﴿ ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ﴾ ( 2 ) . وقوله : ﴿ فكيف إذا جئنا مـن كل أمـة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ﴾ . رسل الله الذين أرجأ الله عز وجل بحكمته وعدله الفصل بينهم وبين أقوامهم إلى أن تقارب الدنيا على نهايتها ، فيكمل حينها بعودتهم كلماته ، ويتم نعمته على رسله والمؤمنين بتحقق وعده الذي قطعه على نفسه بقوله : ﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ﴾ ( 3 ) . وقوله : ﴿ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون . فتولى عنهم حتى حين . وأبصرهم فسوف يبصرون ﴾ ( 4 ) . وقوله : ﴿ فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين . ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا ﴾ ( 5 ) . والمراد بالمؤمنين هنا من يدرك التأويل من تلاميذ عيسى عليه الصلاة والسلام ( 6 ) , والمؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين قطع لهم جل وعلا الوعد بالتمكين والنصرة في زمان تحقق التأويل وذلك بقوله : ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ﴾ ( 7 ) . وهذا الوعد هو النبأ العظيم الذي خالف واختلف فيه أهل الكتاب اليهود أولا ومن ثم لحق بهم بقايا الرومان ولفيفهم من حثالة الشعوب والأمم ممن اعتنق عبادة المسيح عليه الصلاة والسلام وتسموا بالمسيحية كذبا وزورا ، وهم على الصحيح أهل وثنية يعبدون الصلبان والأصنام المعلقة عليها ، دينهم كلمة وإيماءة واحدة ألقاها الشيطان عليهم سذاجة فصدقوها ، وضرب لهم طريق التحرر من التكاليف الإلهية فسلكوها ، صفرا لا إله حق يعبد ولا شريعة تتبع إنمـا هي قوانين الملوك وسياساتهم ، واليهود يرقبون بخبث ودهاء . وجميع هؤلاء توعدهم المولى عز وجل بقوله : ﴿ قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين . إن هو إلا ذكر للعالمين . ولتعلمن نبأه بعد حين ﴾ ( 8 ) . وقال : ﴿ وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل . لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون ﴾ ( 9 ) وسماه في ( سورة عمَّ ) إجلالا له بالعظيم فقال : ﴿ عمَّ يتساءلون . عن النبأ العظيم . الذي هم فيه مختلفون . كلا سيعلمون . ثم كلا سيعلمون ﴾ ( 10 ) . وهذا وعيد شديد تعلقه بالعالمين وثيق ممن سيدرك تحقق تأويل كلمة الفصل والفرقان العظيم ، من جبابرة الأمم وعساكر القارات الذين طغوا وظنوا أن ليس لهم خالقا يوقف ظلمهم وينهي تجبرهم ويكشف عن حقيقة ضعفهم ، ويعرفهم أن ليس لقدرتهم مع قدرته أدنى مكنة للمواجهة والمقاومة ، هؤلاء الذين ظنوا أن الله لم يذكرهم ويتوعدهم بل تركهم هملا بلا رقيب ولا حسيب يفعلون ما يشاءون ، واليوم خاب ظنهم وكشف سترهم بحول الله وعلمه وحكمته وعدله وجاءهم ابتداء التأويل وصدق من قال : ﴿ أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين ﴾ ( 11 ) .
ذكر هذا في سورة الزخرف وهي من الحواميم السبع وستجد سورة الدخان تتلوها وفيها تفصيل خبر الدخان جاعلا ذلك من الذكر .
والقرآن مليء من ذكر هذا النبأ العظيم وتأويله الذي لن يكون تحققه إلا في آخر الزمان مثل قوله تعالى : ﴿ هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ﴾ ( 12 ) يريدون أن يردوا لحكم قبول التوبة والأعمال وقد أبرم رد القبول بتة ، ونص على ذلك في أكثر من آية سيأتي ذكرها . وقال : ﴿ فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين . ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا نُنجِ المؤمنين ﴾ ( 13 ) وقال : ﴿ جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ... إن كـل إلا كذب الرسل فحـق عقاب . ومــا ينظر هؤلاء إلا صيحة واحــدة ما لها من فواق ﴾ ( 14 ) وقال : ﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ﴾ ( 15 ) وسماه في سورة السجدة بالفتح فقال : ﴿ ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين . قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون . فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ﴾ ( 16 ) .
وقال سبحانه : ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين . ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ﴾ ( 17 ) .
وهذه فيمن ارتد عن الإسلام ولحق باليهود والنصارى إرضاءً لهم وتسليما لسلطتهم كما هو بين ظاهر في عصرنا .
ولما ذكر عز وجل قصة بني إسرائيل مع فرعون وجنوده في سورة الإسراء أعقب ذلك بقوله : ﴿ وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا . وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا . وقرآن فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا . قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلا عليهم يخرون للأذقان سجدا . ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ﴾ ( 18 ) .
إذا يتلى عليهم أخبار تحقق هذا الوعد وتفصيلاته في حق بني إسرائيل ومن سيشايعهم آخر الزمان من كفرة الشعوب وحثالة الأمم ، وقد جعل الله تعالى لتحقق هذا الوعد أجلا وميقاتا عودة بني إسرائيل لفلسطين أرض الأجداد الأوائل ، التي نفوا عنها عقوبة لكفرهم وصدهم عن سبيل الله وردهم لقضائه في بني إسماعيل أن يجعل فيهم بركة النبوة والكتاب كما جعل وقضى في بني إسحاق مثل ذلك ، إلا أن بني إسرائيل ردوا هذا القضاء وعصوه ، وكانت الموعظة تتوالى عليهم على ألسنة أنبيائهم ، وكانوا يخبرونهم بالقضاء المحتوم عليهم وما يكون آخر الزمان لمن رد هذا الوعد والتقدير الرباني ، وكان كل ما جاءهم نبي بأخبارٍ من ذلك يتلوها عليهم يزداد طغيانهم وكفرهم وردهم لذلك ، فمنهم من قتلوه أو أرادوا ذلك ، ومنهم من اضطهدوه وشردوه كما جرى ذلك على إشعيا وإرميا وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم جميعا ، بل إن شدة تمردهم على موسى عليه الصلاة والسلام وتكرير المماطلة في طاعته كان سبب ذلك ما قرر هنا .
وهذا الجلاء المشار إليه في سورة الإسراء مقدرا على بني إسرائيل وجعل مانعا لتحقق هذا الوعد والنبأ العظيم ، ومتى ما أراد الله تعالى تحقيق وعده وإنزال نقمته على بني إسرائيل وأعوانهم ، رفع هذا الشتات والجلاء المقضي عليهم وأعادهم إلى فلسطين كما ذكر ذلك في سورة الحشر بقوله : ﴿ ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار ﴾ ( 19 ) وقوله سبحانه : ﴿ فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ﴾ ( 20 ) ﴿ فإذا جاء وعد الآخرة ليسئوا وجوهكم ﴾ ( 21 ) ﴿ وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم ﴾ ( 22 ) . ولذا متى مازال الجلاء لزم العقاب وإنزال العذاب ، وحـرم عليهم دخول فلسطين إلا خائفين مضطهدين عقوبة لهـم ، أما أن يدخلوها أعـزاء قاهرين كما هو حالهـم اليوم فهذا منافي لسنة الله تعالى وقضائه فيهم ، ألم تقرءوا قوله تعالى فيهم : ﴿ أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ﴾ ( 23 ) وقوله : ﴿ أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ﴾ ( 24 ) وهذا وعد الله وقضاؤه على بني إسرائيل ، ويعد كل من يسعى لإقرار أمنهم في فلسطين اليوم مقابل إرضاء سادة العالم أو عرفات وحثالته من شعب فلسطـين ، بفتات أرض تستقطع هنا أو هناك ، مكذبا لله ووعده ساعيا في معارضة قضائه وقدره ، شاء أو أبى ، صدق أو كذب ، ملعونين جميعهم أين ما حلوا وخطبوا .
وهذا الخزي المنتظر آتٍ لا محالة فليس بعد تسلط بني إسرائيل في فلسطين برهانا أقوى على قرب تحقق ذلك ، ألا يكفي الناس أن المهدي بعث !! . قال ابن كثير رحمه الله : اختار العوفي وابن جرير أن الخزي على بني إسرائيل في الدنيا بخروج المهدي اهـ ( 25 ) .
وليكن بمعلوم الجميع أن بني إسرائيل يعون هذه الحقيقة جيدا وما طغيانهم على الله عز وجل ورسله إلا تجبرا وعنادا على هذا الأمر يدل على ذلك قوله تعالى : ﴿ ولو أنَّا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى ﴾ ( 26 ) فانظروا كيف إيمانهم بالقضاء عليهم بالذل والخزي ، ومن أجل قطع حجتهم هذه وإثبات سنته في إرسال الرسل قبل نزول العذاب كان بعث المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ، ويا ويل يهود وأعوانهم من هذا الوعيد : ﴿ إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين . كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ﴾ ( 26 ) . ﴿ جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب .... إن كـل إلا كـذب الرسـل فحـق عقاب . ومـا ينظر هـؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق ﴾ ( 28 ) .
إن الله منجز وعده لا محالة ومنتصر لرسله قطعا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، وها هي الصيحة بالحق شارفت على الإعلان وهم في غفلة عن أمر الله وضلال ، قال عز وجل متوعدا الجميع : ﴿ أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديثٍ بعده يؤمنون ﴾ ( 29 ) . ويعد هذا من أشد الوعيد للعالمين في القرآن إذ أخبر بتحقق النظر منهم في الملكوت الدال على قرب الأجل بعد ما صار تحقق النظر منهم ماضيا ، مع قوله في حال تحقق النظر منهم في الملكوت التالي : ﴿ قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون . فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين . ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا نُنْجِ المؤمنين ﴾ ( 30 ) .
وهنا نفى عنهم تحقق الإيمان وأثبت الوعيد بأن يصيبهم مثلما أصاب من سبقهم ممن استحق عذاب الله تعالى من كفرة الأمم السابقة ، وهذا من الوعيد مما لا يكون تحققه إلا في الدنيا من بعد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فالخطاب نزل عليه ولذا أمر بانتظاره معهم وهو داخل في جملة الرسل الذين قطع المولى بتحقق نجاتهم ومن معهم من المؤمنين حين تحقق الوعد كما جاء في هذه الآية .
هذا هو الحق لا كما زعم سلمان الرأي والسفه أن زمن تأويل تلك الآيات إنما يكون يوم القيامة كذبا منه على قضاء الله ووعده ، وفرارا من التزام دلالة أمره لرسوله بالانتظار بعد الخطاب ، والخبر بنجاة الرسل بعد تحقق ذلك الوعيد وذلك في قوله : ﴿ قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين . ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا نُنْجِ المؤمنين ﴾ وكذلك أمر بالانتظار في قوله تعالى جوابا على سؤالهم عن الفتح الذي سيكون فقال : ﴿ قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون . فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ﴾ والأمر بالانتظار هنا عائد على يوم الفتح وهو مما يكون في الدنيا لا القيامة كما يزعم سلمان ، يدل عليه نفي قبول الإيمان ، ويوم القيامة ليس زمان تكليف حتى ينفى قبول الإيمان والأدلة الكثيرة إنما جاءت بنفي قبول الإيمان في الدنيا لا الآخرة .
قال سلمان في زعمه الكاذب على الأمر بالانتظار ، فيما عده من الوعيد بانتظار العقوبة في الدار الآخرة ، فذكر آية الفتح وادعى أن هذا الفتح هو يوم القيامة وجعل الدليل على قوله ، نفي قبول الإيمان ولم يكتفي بذلك حتى زاد عليه تفسيرا لقوله تعالى : ﴿ .. يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون ﴾ ( 31 ) .
فقال : صح تفسير هذه الآية بأنه : طلوع الشمس من مغربها اهـ ( 32 ) .
وكذب الجاهل بل زمن تحقق تأويلها قبل ذلك والناس ما زالوا في الدنيا يمتحنون ويبتلون ، وما إعراضه عن اعتبار رواية مسلم في تفسير هذه الآية إلا تلبيسا منه وجهلا أن يخوض فيما لا يعلم أو ما لا يدركه عقله السفيه .
روى مسلم في الصحيح وأحمد في المسند عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ، طلوع الشمس من مغربهـا والدجـال ودابة الأرض " (33) .
وسيأتي لاحقا بحول الله زيادة في ذكر أحاديث الباب .
قال صاحب الفتح : أسند الطبري عن ابن مسعود أن المراد بالبعض ، يعني قوله تعالى : ( يوم يأتي بعض آيات ربك ) إحدى ثلاث الشمس أو خروج الدابة أو الدجال . قال الطبري : فيه نظر لأن نزول عيسى يعقب خروج الدجال ، وعيسى لا يقبل إلا الإيمان فانتفى أن يكون بخروج الدجال لا يقبل الإيمان ولا التوبة . قلت ـ الحافظ ـ : ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رفعه : " ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل: طلوع الشمس والدجال والدابة " اهـ ( 34 ) .
قلت : واستدراك الطبري في غير محله ومبناه على عدم قبول عيسى إلا الإيمان ، وهو فهم غير صحيح عليه الكثير من الناس ، يجزمون به على عيسى عليه الصلاة والسلام بقبول الإيمان من أهل الكتاب وفي هذا مخالفة صريحة لنصوص القرآن والسنة في نفي قبول الإيمان حين حلول العذاب والبأس . روى الإمام مسلم عن المستورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تقوم الساعة والروم أكثر الناس " ( 35 ) .
ورواه الإمام أحمد بأتم من هذا اللفظ وفيه أنه قال : " أشد الناس عليكم الروم وإنما هلكتهم مع الساعة " ( 36 ) .
وهذا يقينا قبل نزول عيسى عليه الصلاة والسلام ففتح رومية والقسطنطينية قبله ، وليس المراد بالساعة هنا نفخة الهلاك العام يقينا . وعن أنس رضي الله عنه قال : فتح القسطنطينية مع قيام الساعة ( 37 ) .
وما ذكره الطبري وعليه الكثير ، أن عيسى عليه الصلاة السلام يقبل الإيمان والتوبة من أهل الكتاب ، وهو اعتقاد باطل غير صحيح ، وعمدتهم فيه على قوله تعالى : ﴿ وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ﴾ ( 38 ) . وهذا سيكون من الإيمان الذي لا يقبل لقوله تعالى : ﴿ يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا﴾ ( 39 ) . ولقوله : ﴿ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ﴾ ( 40 ) .
وعودته لا تكون في زمن قبول الإيمان والتوبة ، ولا يفهم من قتله لمن يعبده قبوله الإيمان ، بل يهلك كل من لا يقر بأنه بشر كسائر البشر ويجد نَفَسَه ، أما من ينزع عن ذلك فلا يقبل إيمانه ولو أبقي لسبق الكتاب بذلك .
هذا التحقيق الصحيح والقول الفصل في معنى تلك الآية لا كما زعم سلمان الكذاب الذي علته فيما قال نفي أمرين عز عليه تصديقهما أو القدرة على إدراك حقيقتهما وهما :
الأول : عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحقق ذلك التأويل ولذا أمر بانتظار زمن ذلك كما جاء ذلك في سورة السجدة والأنعام .
الثاني : زعمه نفي عدم قبول العمل ما لم تطلع الشمس من المغرب ، أما قبل ذلك فيقبل العمل والتوبة . وكل ما جاء في كتاب الله تعالى وأقوال السلف يكذب زعمه هذا ويدل على أن تقحمه لنفي ذلك إنما هو جهل منه وجرأة في آرائه السفيهة يحكم فيها على أخبار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وللجواب عليه باختصار هنا أقول الآتي :
أولا : عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قدرها الله بحكمته ورضاه وأخبر عنها في كتبه المنزلة على رسله من ذلك زبور داود وإنجيل عيسى عليهما الصلاة والسلام ، وآخـر ذلك كتاب ربنا المنزل على قلب رسولنا صلى الله عليه وسلم وكل ذلك مما بسطت تفصيل الكلام عليه في بعض كتبي بل أفردت لإثبات صـدق هذا الاعتقاد العظيم كتابا أسميته : ( رفع الإلتباس في بيان أن المهدي محمد بن عبدالله هو النبي صلى الله عليه وسلم سيد الناس ) فهل اتعظ سلمان من تلك البراهين المتعددة في إثبات صدق ذلك الاعتقاد وبيان أن الله تعالى نص عليه في كتبه وأيدته رسله ، لا أبدا لم يتعظ بذلك وينقاد للحق متجردا من الهوى وحب الدنيا ومساوئ الجهل ، بل عارض هو وأقرانه من سفهاء هذا العصر هذا الاعتقاد وردوا دعوة المهدي وتصديق براهينها ، وزاد سلمان من بعد معارضة منافق بريدة الآخر عبدالكريم الحميد أن تهكم على هذه الدعوة بمقالاته تلك ووصم فيها عقيدة الانتظار العظيمة ( بالعقدة ) عاقدا على نفسه حب الظهور وسفاهة الرأي متنكبا طريق الفلاح وهو يزعم الإصلاح ، وكيف يكون وهو يخالف بآرائه أقوال الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويسخر منها وممن صدقها ، ومثل هذا لا يكون مصلحا بل مفسدا صادا عن سبيل الله تعالى .
وكيف لا يكون مفسدا وهو يكذب على أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويزعم أن أول من قال بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن سبأ ، وكذب عدو الله بل أول من نص على عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما بلغ بي العلم ، يعقوب عليه السلام حين جمع بنيه وأوصاهم بتقوى الله تعالى وتوحيده ثم أنبئهم بما يكون آخر الزمان ومن ذلك عودة رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى حسب ما ورد عند أهل الكتاب وقد جاءت الإشارة في كتاب الله إلى خبر هذه الوصية . وبعد يعقوب عليه السلام أشير للعودة في زبور داود عليه السلام ، وبعده أُكد أمر عودته في إنجيل عيسى عليه السلام ، وقطع عيسى في إنجيله بلقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وخدمته ودخوله في أمته هو وتلاميذه المقربين وقد جاء هذا مصرحا به في الإنجيل في قوله عليه السلام : ومع أني لست مستحقا أن أحل سير حذائه قد نلت نعمة ورحمة من الله لأراه ( 41 ) .
وعن تلاميذه قال : أيها الرب إلهنا إله إبراهيم وإله إسماعيل وإسحاق إله آبائنا إرحم من أعطيتني وخلصهم من العالم لا أقول خذهم من العالم ، لأنه من الضروري أن يشهدوا على الذين يفسدون إنجيلي ولكن أضرع إليك أن تحفظهم من الشرير حتى يحضروا معي يوم الدينونة يشهدوا على العالم وعلى بيت إسرائيل الذي أفسد عهدك ( 42 ) . هذا مع قوله في أخنوخ عليه السلام وهو إدريس أنه نقل إلى الفردوس وهو يقيم هناك إلى الدينونة ( 43 ) .
وعلى هذا يفهم أن المراد بالدينونة هنا عقوبة الأشرار آخر الزمان .
وجاء في القرآن والسنة ما يشهد لصحة القول بعودة تلاميذ عيسى من ذلك قوله تعالى : ﴿ . . وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة . .﴾ ( 44 ) . والفوقية هنا غير محققة بعد رفع المسيح بل نالهم التكذيب والتطريد والتعذيب من اليهود ، فتعين أن مصداق خبر هذه الآية لا يكون إلا آخر الزمان عند عودتهم مع عيسى عليه السلام لتحقيق الشهادة ، وهو إختيار القرطبي ذكر ذلك في التذكرة في باب ما جاء أن عيسى إذا نزل يجد في أمة محمد صلى الله عليه وسلم خلقا من حواريه . وذكر فيه حديث عبدالرحمن بن سمرة الطويل وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " والذي بعثني بالحق ليجدن ابن مريم في أمتي خلقا من حواريه " ( 45 ) .
وأما بخصوص عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جاء القرآن بعد الزبور والإنجيل بتصديق ذلك كما سيأتي لاحقا بيان ذلك كله بحول الله وقوته ( 46 ) .
ومبنى دعوى هذا الكاذب المفسد المدعو سلمان بن فهد العودة فيما قال على التقليد الأعمى لما يردده البعض من غير تثبت وتحقيق ، وكان مما زاد على ذلك من جهالاته فيمن صدق بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : من يدعي هذا ما هو إلا مجنون . . ، أو عاقل يبين له فإن أصر فلابد من محاكمته كما حاكم المسلمون القاديانية في باكستان وأصدروا فيهم حكما واضحا اهـ . وهذا من أشد وأفسد أقواله الدالة على جهله وضلاله ، وأن من مباني عقيدته جواز التحاكم للمحاكم الطاغوتية الوضعية كما هو الحال عليه في باكستان وغير باكستان ، إذ عدمت المحاكم الشرعية التي تحكم بالعدل وشريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم في مسائل الإيمان والاعتقاد ، وما مطالبة هذا السفيه بمحاكمة من يعتقد بعودة رسـول الله صلى الله عليه وسلم إلا تشفيا من المهدي وأتباعه حربا وتنفيرا عن تصديقه إذ سجن سابقا بسبب دعوته ، وإلا في حقيقة الأمر لا وجود لمن يحاكم اليوم حتى يطالب بالمحاكمة ، وسلمان إنما يدل مطلبه هذا المنافي للواقع على سذاجته ومدى سفاهة رأيه وعقله ، أما إن كان مطلبه هذا موجها بعقيدة وجزم ما بعد السذاجة والسفاهة لواضع القوانين وعباد الدساتير ، فتلك وربي بلية عظمى من هذا الضال المضل ، ولا أبرِّؤه منها وهو يجيز دخول برلماناتهم .
هذا إن سلم له أن في هذا الاعتقاد مخالفة شرعية ولا مخالفة ، بل المخالفة محققة من هذا الضال نفسه إذ كذب المهدي وصد عن تصديق دعوته التي أخبر عنها المولى عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وبينا أمارات تحقق دعوته وزمن جيله على أكمل بيان ، وعرفنا بما لدعوته من برهان وسلطان على أتم ما تكون الأخبار ما يقطع به ضلالات هذا المفتري وأشباهه من سفلة وسفهاء هذا العصر من حنابلة السوء وغيرهم ، وما أحوج سلمان وزمرته للمحاكمة العادلة بين يدي المهدي غدا إحقاقا للحق وإظهارا لعدل المهدي المرتقب فيهم وفي أمثالهم من قراء السوء ودعاة النفاق . هذا كما قلت إن سُلِّمَ أن في هذا الاعتقاد مخالفة شرعية توجب قيام المحاكمة على يد السلطان الشرعي المؤهل للحكم بين الناس في مسائل الاعتقاد والإيمان إن وجد ، ولا وجود مطلقا لمثل هذا السلطان لتصح مطالبة سلمان .
وكم هو شديد التلبيس كاذب خسيس إذ استدل على قوله برهنةً بما فُعِلَ بالقاديانيين في الباكستان فقال : وأصدروا فيهم حكما واضحا اهـ .
فأقول : أخزى الله الباكستان والقاديان وهذا المنافق السلمان التائه وهو يحرف ما لا يعي ويخوض بما يجهل على الدليل والمدلول سواء مكبا على وجهه لا يكاد يقول قولا واحدا سليما في هذا الأمـر .
والحق في القادياني الملعون أنه لم يقل بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذاته كما هو مقتضى ما جاء في هذا من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما ذكره سلمان مثلا وتشبيها إلا جهلا منه وظلما وصدا عن سبيل الله تعالى ، ومثله كمثل من شبه مسيلمة الكذاب بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وإلا فرق ما بين دعوة المهدي وأقواله واستدلالاته وبين ما عليه القادياني أظهر من أن يدلل على ذلك وأمنع لمثل سلمان وغيره ممن ينتسب إلى الصلاح والعلم أن يجرؤ على التشبيه بين حاليهما ، إلا أن الجهل غالب على هؤلاء وقلة التقوى والإنصاف . وحقيقة أقوال القادياني وأتباعه على خلاف اعتقاد وجوب عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من رسل الله ليحققوا الشهادة على العباد ليتم الله بمقدمهم إلى الدنيا ثانية نعمته ووعده وظهور عدله ، معززين مكرمين منصورين ظاهرين على عدوهم كما وعد المولى عز وجل ، كما هو عليه اعتقاد المهدي واتباعه ، بل إن دسيسة الاستعمار الإنجليزي والمكر اليهودي ونتانة الشعب التافه الباكستان أنبتت هذا الخبيث الملعون ، ولا أخبث منه إلا من يشبه المهدي وأمره بهذا الضال الذي ما نبت مذهبه على يد من ذكرت إلا للصد عن سبيل الله وتحريف أمره ، والصد عن الجهاد ، والدعوة لحب الإنجليز وتحريف النبوءات حين زعم أنه هو المسيح المخبر بظهوره آخر الزمان لا عيسى ، ولم يكتفي بذلك حتى زعم أنه هو محمد وعيسى وإبراهيم وهو بنفسه سائر الأنبياء والرسل ونعمة الله بـه تجلت وتمت أعظم من هؤلاء جميعا ، فأخزى الله الباكستان وشعبها الذي يتشدق بموقفهم مع القادياني وبمحاكمتهم هذا السفيه ، وهم لم يبيدوا جمعهم ويقطعوا دابرهم على تلك الإعتقادات والأقوال ، ولو ما سفاهة وجهالة هذا الشعب ما خرج القادياني بأقواله تلك فيهم ، وكيف تصح مزاعم تلك المحاكمة المزعومة والمهزلة المحمودة عند سلمان وما زال القادياني وأتباعه يتمتعون بربوع أرض الباكستان كحياة الملوك وكثرة الغنى ، بل إن وزير خارجية الباكستان في أول زمنهم كان منهم قادياني المعتقد داعية لمذهبهم مؤيدا من أمريكا .
وما أعظم سذاجتهم في تلك المحاكمة المزعومة وهم يتنازعون أهم مسلمون أم لا على رغم تلك الأقوال التي يدعونها ، والتي منها جرأة هذا القادياني على أن زاد في تفضيل نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ جهله في حقيقة أمر المسيح والدجال ، لعنه الله . وقد بان من بعض أقواله وأتباعه أنه على معتقد النصارى في تحقق التعذيب والموت على عيسى عليه الصلاة والسلام لا شبيهه ، ذكر ذلك القادياني في كتابه الأول ( فتح الإسلام ) قال : أرسلت كما أرسل الرجل المسيح الذي رفعت روحه بعد تعذيب وإيذاء شديدين في عهد هيرودس اهـ ( 47 ) . وقال أحد أتباعه وهو محمد علي اللاهوري كما في كتابه ( بيان القرآن ) : لم يجرِ عليه القتل المجهز وبقي على الصليب ثلاث ساعات ولم تكسر عظامه وأبقاه الله حيا أو أحياه الله بعد موته اهـ ( 48 ) .
أقول : فهؤلاء نصارى على الصحيح تظاهروا بالانتماء للإسلام ليشككوا ويحاربوا العقيدة فيه مكرا من بين أتباعه ، وإلا لا يمكن أن تكون هذه أقوال واعتقادات من عرف القرآن والإسلام .
وما أجهل سلمان وأشد ضلاله بتحريفه للحقائق حين تشدق بتلك المحاكمة الباكستانية المزعومة ، وما درى من جهله فيما أثبتته وقائع التاريخ أن قادة الإسلام ! في باكستانه وزعماء الجمعيات حين اجتمعوا في يناير (1953) بمدينة كراتشي لم يخرجوا بقراراتهم بوجوب جهاد هؤلاء وإقامة حد الردة عليهم كما هو فعل الصديق رضي الله عنه وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بمسيلمة ومن معه ، بل خرجوا بتلك القرارات مطالبين الحكومة أن تعدهم أقلية غير مسلمة ، وأن تخصص لهم مقاعد في المجلس النيابي !! حسب النسبة العددية ( 49 ) .
هذا ما خرج به حمير الباكستان سُذَّجاً كسلمان ، يطالبون بهذا حكومة يعترف المودودي بنفسه أن زمن تلك المطالبة وما قبلها ما زالت الحكومة المطالبة من هؤلاء السذج وهي تبسط جناح عطفها وحمايتها على القاديانيين ، تقطعهم الأراضي الواسعة وتسند إليهم نصيبا وافرا مـن المناصب الحساسة في دوائرها ـ المدنية والعسكريـة ـ وأوضح مثال وزير الخارجية ظفر الله خان المدعوم من الإنجليز والأمريكان ، الذي كان يستغل منصبه في تدعيم أركان الخارجية والسفارات والمفوضيات في العالم بالقاديانيين وسلطهم على رقاب الموظفين المسلمين يتحكمون فيهم . ولما ثارت الدهماء في الباكستان من هذا الوضع واجهتهم الحكومة وأعلنت الحكم العرفي وشرعت تقمع الثورة بالحديد والنار وقتل الكثير وقبض على آلاف مؤلفة من علماء ومشيخة الباكستان ، وفي عدادهم المودودي نفسه وأقيمت لهم محاكم عسكرية ( 50 ) .
وهكذا ما بين سذاجة حمير الباكستان والقصمان يريد سلمان أن يحكم على دعوة المهدي بالبطلان ، وهيهات أن يشتبه أمر قادياني الباكستان بمهدي الرحمن الذي لو لم يكن من براهين على إثبات صدق بعثه وإرساله من المولى عز وجل إلا قوله تعالى : ﴿ بل هم في شك يلعبون . فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين . يغشى الناس هذا عذاب أليم . ربنا اكشف عنا العذاب إنّا مؤمنون . أنّى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين . ثم تولوا عنه وقالوا معلَّم مجنون . إنّـا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون . يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون ﴾ ( 51 ) والمراد بالمعلَّم هنا المهدي والآية ناطقة بإرساله آخر الزمان ويشهد لها ما جاء عن ابن أبي عتيق يحدث عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من نبي إلا في أمته معلَّم أو معلَّمان ، وإن يكن في أمتي أحد فابن الخطاب ، إن الحق على لسان عمر وقلبه" ( 52 ) . وعن عبدالرحمن بن عوف أنه كان يقول إذا خطب عمر رضي الله عنه : أشهد أنك معلَّم ( 53 ) .
وهذا الحديث يفيد في إثبات وجود معلَّمان في هذه الأمة لا نفي ذلك ، والآية قد صرحت بوجود الآخر آخر الزمان لذكر الدخان فيها الذي نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه يكون آخر الزمان .
أقول : لو لم يكن إلا هذا البرهان لكفى ، وسلمان لم ينتفع بذلك وطمست بصيرته حتى ما عاد قادرا على التمييز ما بين المهدي الصادق ، والدعي الكاذب القادياني . وهل يستوي لو ما جهل سلمان ، من صدق أخبار الله تعالى ورسله ، بمن كذب ذلك وحرف فيها وهي حقيقة أقوال أحمد القادياني ، الذي يزعم أنه أفضل من سائر الأنبياء ، ويحط على رسول الله عيسى عليه السلام ويتهمه بأشنع التهم ، بل يسخر من عقيدة رجوعه آخر الزمان ويقول هي عقيدة العامة الجهلة وأنه يستحيل رفعه وبقاؤه في السماء هذه القرون المتطاولة ونزوله ( 54 ) .
ومـن أقوال القادياني الـتي تفضح حقيقة عقيدته وأنه محـرف للنبوءات والأخبار ، قوله مخاطبا الإنجليز على ما ورد في كتابه ( ترياق القلوب ) : لا أزال منذ عشرين عاما أدعو المسلمين أن يكونوا أوفياء لهذه الحكومة ـ يريد الإنجليز ـ ويكفوا أيديهم عن الجهاد ، ويتخلوا عن فكرة الإنتظار للمهدي السفاح وما إلى ذلك من الظنون الواهية التي لا يمكن ثبوتها من القرآن أبدا اهـ ( 55 ) . وورد عنه في كتاب ( الرسالة ) قوله : إني لعلى يقين بأنه بقدر ما يكثر من أتباعي ، بقدر ما يقل المعتقدون بمسألة الجهاد المقدس ، فإن مجرد الإيمان بي كالمسيح والمهدي هو إنكار للجهاد اهـ ( 56 ) .
وقال أيضا في كتاب ( ترياق القلوب ) : كان هدفي دائما أن يصبح المسلمون مخلصين لهذه الحكومة وتمحى من قلوبهم قصص المهدي السفاك ، والمسيح السفاح ، والأحكام التي تبعث فيهم عاطفة الجهاد وتفسد قلوب الحمقى اهـ ( 57 ) .
هذه حقيقة مذهب غلام أحمد القادياني إنكار عقيدة المسيح والمهدي الحقة لا الإيمان بهما ، ومقصد هذا الملعون خدمة الإنجليز ولا يجوز القياس عليه وعلى اعتقاداته لا بحق مهدي الحق ولا أي دعي كاذب إذ أن هذا القادياني حقيقة أقواله وادعاءاته إنكار أمر المسيح والمهدي لا الإيمان بهما توهما من الشيطان أو تلبيسا منه ، ولذا وجد منه جرأة خبيثة في تجهيل الأنبياء والطعن بهم كقوله في المسيح عليه السلام : ما استطاع أن يقول عن نفسه أنه صالح لأن الناس كانوا يعرفون أنه خمار مفسد . ويقول : أنه كان ميالا للمومسات اهـ ( 58 ) .
عليه وعلى أتباعه اللعنة والعذاب إذ لا يقول هذا في المسيح عليه السلام إلا زنديق يعبد الشيطان أنهضه يحرف أخبار المصطفى في المهدي والمسيح وظهور الإسلام على سائر الملل آخر الزمان بسلطان الحق والعلم والجهاد ، وكان جل هم هذا القادياني تحريف حقيقة هذه النبوءات وتعطيل تلك المبشرات المتعلقة بالمهدي والمسيح كما يأمل الإنجليز واليهود .
فهل أدرك هذا السفيه سلمان حقيقة ومغزى الإنجليز واليهود وصنيعتهم في قاديان ، أبدا لم يدرك ذلك بل وقع موافقا للقادياني نفسه في إنكار انتظار المهدي السفاح بدعوى أن ذلك من الظنون الواهية التي لم تثبت مثلما زعم ذلك القادياني نفسه على حسب أقواله المذكورة سابقا .
قال سلمان في موافقة القادياني كما ورد في مقالاته المنشورة في الإنترنت : لا نجد نصا في القرآن أو السنة يضعنا على قائمة الإنتظار والترقب ، وربما حصل الشعور بالإحباط إثر فشل مشروع كبير في حجمه ، أو في الآمال المعلقة به كمشروع جهادي ، أو حركي تشرئب إليه الأعناق ، وتراه المنقذ من المحنة ، والمخرج من الفتنة ، فإذا ما أخفق هذا المشروع تحطمت تلك الآمال ، وأحبطت تلك النفوس . وجو الهزيمة والإخفاق والإحباط هو البيئة المثلى لرواج دعاوى المهدية ! ، والإنتظار ! ، خاصة لدى أولئك الذين لا يملكون برنامجا عمليا إيجابيا يملؤون به فراغ أنفسهم ويصرفون فيه طاقاتهم ، واليائس الذي لا يعمل شيئا ذا بال يخيل إليه أنه لا فائدة من العمل ، وأن الأمر أكثر من إمكانيات البشر ، ولهذا فلا حل ـ عندهم ـ إلا بتدخل إلهي غير خاضع للسنن المعتادة ينصب بموجبه مبعوث العناية الإلهية ، وهو المهدي ، فيثخن في الأعداء قتلا وتدميرا ، ويقود الأمة ويقضي على خلافاتها وجراحاتها ، وبهذا نعذر لأنفسنا ـ أيضا ـ بأن لا نقوم بعمل جاد مثمر ، ونقعد ونترك المدافعة التي أمرنا بها بحجة هذا الإنتظار الموهوم . وبعض الناس يترقبون مثل هذه الأشياء فيولد عندهم هذا الترقب نوعا من الكسل والخمول والإنتظار الذي يجعل الإنسان يشعر أنه أمام صمت مطبق وقعود مخذل اهـ .
وهذا عين ما قرره القادياني إلا أنه أصرح من سلمان في دعواه نفي الجهاد ، أما سلمان فلم يدعو لذلك صراحة إلا أنه يتلهى عن ذلك بسفاهاته وجهالاته الممجوجة بمثل قوله بإحياء الحوارات حول قضايا الأمة الكبيرة والحث على الإستماع ما بين الشباب والقيادات ومنها السياسية !! . وآخر ما أدخل في برنامجه المزعوم ، الحوارات الدولية أو ما يسمونه حوار الحضارات !! . وقوله بتشجيع برامج العمل الدعوية والتعليمية والإغاثية والقضاء على البطالة والإنحراف الفكري والسلوكي ، إلى غير ذلك من مهاتراته وترهاته التي أشبه ما تكون بضرطة عير في فلاة .
هذه آمال نابغة الرويبضات ومبدع سبيل النجاة لهذه الأمة ومعقلهم من الفتن ، أما سبيل الله ورسله وأفهام السلف الصالح في إيضاحه فتلك عند سلمان شذوذات ومنكرات وخزعبلات ما أنزل الله بها من سلطان . فقبح فكر سلمان وترهاته وما أعظم كذباته على الله تعالى وتقديره ، بزعمه أنه قادر بتلك الآراء تغيير الحال وتبديل مآلات الأقدار .
والحق أنه ليس بقادر مهما زخرف وبهرج ، وسيبقى ضال في سعيه غارق في جهله لم يصب الحق باتباعه ولن ينجح بتحقيق آماله مهما عرضها وزينها ، وهي أفكار لن تخرج إلى واقع الناس كما يأمل سلمان ، بل ستبقى مثلها المتخيلة لن تبرح رأسه الخرب من شدة سفاهة الرأي وتعاسة الإدراك . ولا أدري كيف يجرؤ هذا السفيه ويسخر من اعتقاد أن الله تعالى هو الذي سيخلص الأمة ويرفع عنها البلاء ولن يترك ذلك لا لسلمان ولا لحزبه أو غيرهما ، والأمة ما زالت وأوضاعها متردية ودين نبيها قد اندرس ، وما زالت لم تجد من يمد لها يد العون ويوحد شملها ويجمع أمرها على دين الله حتى أتاها سلمان الأمل فهو منقذها ببرامجه السفيهة ، ولا أدري من أين له هذا اليقين الجارف وهو يخالف سنن الله في إحياء الموتى ، فالأمة ما زالت ميتة ولن يحييها إلا محي الموتى ، وسلمان آثم ظالم لسخريته من هذا الإعتقاد الذي هو لازم للإيمان بوجوب خروج المهدي كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عند حلول الفتن وكثرة الشرور ودعاة الدجل من أمثال سلمان هذا الذي يجزم ببطلان ما يسميه ( الحل الإلهي ) فيقول ساخرا : لا حل إلا بتدخل إلهي غير خاضع للسنن المعتادة يُنَصَّبُ بموجبه مبعوث العناية الإلهية .. اهـ . إلى آخر كلامه الذي يدل على جرأته بالرأي وسفاهته على أمر الله العظيم .
وأكثر ما يغيظني في هذا السفيه وهو يطرح هذه الآراء على أنه هو نفسه مبعوث رحمة ومجدد عتيد يحكم بآرائه ويزيف سخافاته متظاهرا بالإجتهاد وهو في حقيقة الأمر مقلد حقير لم يبلغ أدنى مراتب حسن التقليد ، وما أقواله إلا جهالات أطلقها بعض الهنود فتلقفها سلمان عنهم يرددها مخادعا نفسه وغيره على أنه هـو منشؤها . فمثل قوله : ولا يتوقف على خروجه أي شعيرة شرعية نقول إنها غائبة حتى يأتي الإمام المهدي , فلا صلاة الجمعة ولا الجماعة ولا الجهاد ولا تطبيق الحـدود ولا الأحكام ولاشيء من ذلك ..اهـ . هو قول أبو الأعلى المودودي ( 59 ) نقله عنه سلمان تقليدا آخذا في ترديده في الآونة الأخيرة على أنه من أقواله واجتهاداته وهو قول محدث خلاف ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الكف والإعتزال آخر الزمان عند حلول الفتن إلى أن يخرج المهدي أما قول سلمان في الحل الإلهي ومبعوث العناية الإلهية ، فهو عين قول محمد إقبال : عليك ألا تضيع فرصة الحياة في النظر إلى السماء بين حين وآخر تستمطر إلهاما وتستنزل نبيا اهـ ( 60 ) .
هذه بعض أقوال سلمان التي رددها في معارضة الدعوة المهدية تبين عند التحقيق أنه تلقفها عن بعض مشيخة الهند والباكستان تقليدا منه وجهلا أن يرددها من غير اعتبار لدلالاتها ومدى مصادمتها لما ورد في أخبار المهدي وذكره من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف الصالح ، يستكثر بها على الجهال من أتباعه يوهمهم أنه على شيء في هذه المعارضة وهو ليس كذلك .
والآن أعود من مطالبة سلمان بمحاكمة كمحاكمة القادياني وفكره ، وربطه بخبث ما بين ذلك واعتقاد وجوب عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الزمان ، مثلما ربط بخبث أشد من سابقه مـا بين ذلك وابن سبأ ودعواه كذبا أنه أول من قال بذلك ، سأعود بحول الله لأبطل هذا الزعم وأثبت أن ليس ابن سبأ هو أول من قال بذلك ، وقبل ذلك سأبطل دعوى سلمان طلب المحاكمة لمعتقد وجوب عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا على التسليم تجوزا كما قلت سابقا أن في ذلك مخالفة للكتاب والسنة ، وإلا الحق أن سلمان وكل من عارض وكذب هذا الاعتقاد هو المخالف للكتاب والسنة .
أولا : كما قلت سابقا لعدم وجود من هو أهلا لإقامة تلك المحاكمة .
ثانيا : أن هذا المطلب خلاف سنة الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه ، حين اجتمع السبئية بالمدينة ومعهم ابن سبأ يتظاهرون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويطلبون تقرير عثمان بما أخذوا عليه من مخالفات على حسب زعمهم ، وكان مطلبهم أن يتوب من ذلك أو ينخلع وليس بعد ذلك إلا القتل ، وقد انتسبوا في ذلك لأعيان من أهل المدينة منهم عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر ، واجتمع رأي المهاجرين والأنصار من حضر عثمان يومها على قتلهم إلا أن عثمان رضي الله عنه اعترض على ذلك وألحوا عليه إلا أنه أبى وقال : بل نعفوا ونقبل ونبصرهم بجهدنا ، ولا نحاد أحدا حتى يركب حدا أو يبدي كفرا ( 61 ) .
وذكر رضي الله عنه من أقوالهم وما ينقمون منه ولم يذكر قولهم بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشهور عنهم ، بل سكت عن ذلك حسب المروي عنه ، علما أنه استقصى أقوالهم ولم يذكر قولهم بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتج بقولهم ذلك عليهم . ومما ذكر من أقوالهم : إتمام الصلاة في السفر والحمى وجمع القرآن ورده للحكم واستعمال الأحداث وعطاء بن أبي سرح وحبه لأهل بيته وأعطياتهم ، وغير ذلك من معايبه التي يزعمون ، عددها كلها ورد عليها بحجته ولم يذكر في جملتها قولهم بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم من عقيدتهم ويرد عليها ويبطلها ويحتج بها عليهم ، وكيف ينشط لإبطال حججهم عليه ولا يرد بطلان قولهم بعودة المصطفى وهي أحق بالرد والتفنيد لو كانت عنده من الباطل ، وكان يحاججهم على قولهم بذلك وقولهم فيه ما قالوا ، ولم يسجنهم أو يقتلهم أو يحاكمهم كما هو مطلب سلمان اليوم ، وفي هذا عظة لقوم يعقلون .
فهذا موقف عثمان ممن ينسب لهم القول بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم السبئية أتباع ابن سبأ وحزبه لم ينبس بشفة معترضا على قولهم بذلك لو كان باطلا ، ومثله ابن مسعود رضي الله عنه وهو من أبرز خصوم السبئية وابن سبأ حين عارضهم وأنكر عليهم بعد إنكار سعيد ابن العاص والي عثمان على الكوفة قول ابن سبأ بظهور بني إسرائيل وإفسادهم ، فخطب ابن مسعود محذرا من السبئية وابن سبأ ، وكان مما قال : عليكم بهذا القرآن فإن فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وفصل ما بينكم ، إنه يهدي للتي هي أقوم ، وإياكم وكفرة أهل الكتاب لا تسألوهم عن شيء فقد طال عليهم الأمد ولن يهدوكم وقد ضلوا . وقد بلغ ابن مسعود أنهم يقولون : ينهوننا عن التوراة والإنجيل ، والله ليوشكن أن يكفروا بهما . فقام في الناس فقال : إن التوراة والإنجيل وصحف إبراهيم والزبور حق ، وإنه قد فسر لهم وجمع لنا كتابنا وبكل قد آمنا ( 62 ) . فهلاَّ ذكر ابن مسعود من أقوالهم وما اشتهر عنهم ، قولهم بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكرها أم تراه أعياه البيان والذب عن الحق ، حاشاه ، إلا أنهم سكتوا .
كذلك حين طاف ابن سبأ في الشام على أبي ذر وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت ، يتقصد من يجد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعديهم على عثمان رضي الله عنه وولاته يبث الفرقة بينهم وبين الناس ، حتى أن عبادة أمسك بإبن السوداء وذهب به إلى معاوية يخبره أن هذا من ألَّب عليك أبا ذر ، ولم يذكر حينها عنهم إنكار قوله بعودة رسول الله ص (63 ) .
بل إن ابن عباس روي عنه تشبيه ابن سبأ في هذه الأمة ببولس اليهودي وإفساده في النصارى ولم ينقل عنه إنكار قول ابن سبأ بعودة رسول الله ص ( 64 ) .
وأنا أدعو هذا السفيه سلمان وأمثاله أن يأتوا بهذا الإنكار عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
بل أزيد على كل ما سبق بأن ابن سبأ وقد اشتهر عنه القول بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ نزل مصر ، وهو ما زال يؤلِّبُ على عثمان وولاته وبعد ذلك يقاتل في معركة الجمل وغيرها مع علي رضي الله عنه ، ومن ثم يصاحبه ويأخذ عنه ، وما بلغنا إنكارا منهم لقوله بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخصوص ، فهل سلمان أبر من هؤلاء وأخلص لدين الله عز وجل حتى أنه يطالب بمحاكمة من يقول بذلك ، ومن هم بالحق أبر منه وأخلص مع ابن سبأ على ما ذكرت ، لم يحاكموا ولم يقتلوا ، فبئساً لسلمان ورأيه حين ادعى أنه أخلص من الصحابة وأبر وهم قد أدركوا من هو على زعم سلمان رأس من قالوا بهذا القول ومع هذا لم يطالبوا بقتله أو محاكمته .
وكل ما هنالك أن عدو الله اليهودي ابن سبأ وقع على نبأ هذا الأمر العظيم فوجده مسكوتا عنه في الصحابة فأعلنه ، ابتغاء الفتنة وادعاء المفهومية بتأويل القرآن ، ليصد الناس عن جماعتهم ويدعوهم لشق العصا والخروج على عثمان رضي الله عنه ، فكان مثيرا للفتن والشرور متعلقا لتحقيق غايته بقول الحق والباطل ، وما يدري سلمان وناصر العمر وأمثالهم من جهلة وسفهاء هذا العصر أن قوله بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباطل لا الحق ، ما المرجح في ذلك عندهم ، أهو التقليد ، أم الجهل ، أم ماذا ؟! ، إلا حثالة العقول وسفاهة الرأي التي مازال الناس يردون بها من الحق ما الله بها عليم حتى عاد الدين غريبا كما بدأ .
وإن من أقوال ابن سبأ كذلك أن ظهور بني إسرائيل وإفسادهم الثاني سيقع وليس هو ممـا مضى ، وكانوا ينكرون قوله هذا كذلك في وقته ويعظمون منه القول بظهور بني إسرائيل ويكذبونه ( 65 ) . وقوله حق لاشك في ذلك سواء في عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في ظهور بني إسرائيل ، فهل يرد الحق لقول ابن سبأ به ، ولا أدري ما الراجح عند سلمان في قول ابن سبأ بظهور بني إسرائيل وتكذيب المتقدمين له ، أهو الرأي كذلك أم لابد من اعتبار الأدلة الشرعية في ثبوت ونفي الأخبار ، والاحتكام إليها ، وأن لا يتخذ قول ابن سبأ بذلك دليلا على بطلانه ، هذا إن كان هو أول من قال بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف وسلمان كاذب في زعمه أنه أول من قال بذلك ، بل أكثر الصحابة كانوا على هذا الاعتقاد وهم أول من قال به في هذه الأمة لا ابن سبأ كما هو زعم هذا الجاهل وأمثاله من حثالة هذا العصر كناصر العمر وعبدالكريم الحميد أبي حصان وغيرهم ( 66 ) .
بل روي أنه قيل به في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينكر ذلك مما يعد إقرارا منه لذلك ، والرواية وإن كان في إسنادها مقال فلا شك بجواز الاستئناس بها في هذا الباب لعموم مـا ورد فيه من أدلة .
جاء عن عمر رضي الله عنه القطع بحضور النبي صلى الله عليه وسلمذلك الفتح آخر الزمان في ما رواه ابن سعد في الطبقات عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لمَّا حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إئتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " فقال عمر : من لفلانة ! وفلانة ! ، ـ مدائن الروم ـ ؟!! إن رسول الله ليس بميت حتى نفتتحها ، ولو مات لانتظرناه !! كما انتظرت بنو إسرائيل موسى ! . فقالت زينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تسمعون النبي يعهد إليكم ؟ فلغطوا ، فقال : " قوموا " ! فلما قاموا قبض النبي صلوات الله وسلامه عليه مكانه ( 67 ) .
قلت : قوله بالانتظار هنا أكدَّه بعد ذلك حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معه على ذلك أكثر الصحابة ( 68 ) .
وما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد تسليمهم للصديق أنه قبض ، وبقى قولهم بالانتظار لا يدعي رجوعهم وابن الخطاب عنه إلا كاذب ، والثابت أن رجوعهم كان عن قولهم بعدم وفاته .
وقد علل عمر في سبب الانتظار زيادة على ما ذكر في هذا الأثر ، تحقيق الله برسوله الإشهاد والظهور وقد أشير لذلك في الصحيح . ومما يشهد لهذا المعنى ما روى ابن اسحاق بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس قال : والله إني لأمشي مع عمر في خلافته وهو عامد إلى حاجة له وفي يده الدرة وما معه غيري , قال : وهو يحدِّث نفسه ويضرب وحشيّ قدمه بدرته , قال : إذ التفتَ إليَّ فقال : هل تدري ما كان حملني على مقالتي التي قلت حين توفي رسول الله ؟ . قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين , أنت أعلم ! . قال : فإني والله إن كان الذي حملني على ذلك إلا أني كنت أقرأ هذه الآية : ﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ﴾ فوالله إن كنت لأظن الرسول صلى الله عليه وسلمسيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها , فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت ( 69 ) . وقال في اعتذاره بين يدي الصديق في يوم أخذه البيعة لأبي بكر : كنت رجوت أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكون آخرنا ( 70 ) .
وقد كان عمر رضي الله عنه يجد في عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلهاما وتحديثا وهو من أكثر الصحابة الذين نقل عنهم في هذا الباب .
وهذا العباس رضي الله عنه في قصة اختلافهم على وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنعهم العمل بدفن جثمان المصطفى صلى الله عليه وسلم ، يقول ردا على من أنكر وفاته عليه الصلاة والسلام وكانوا أكثر الصحابة رضي الله عنهم وعلى رأسهم عمر بن الخطاب : قد مات , أي قوم فادفنوا صاحبكم فإنه أكرم على الله من أن يميته إماتتين , أيميت أحدكم إماتـة ويميته إماتتين وهو أكرم على الله من ذلك , فإن كان كما تقولون فليس بعزيز على الله أن يبحث عنه التراب فيخرجه إن شاء الله !! ( 71 ) .
وفي هذا أبلغ رد على من ادعى الإجماع على عدم عودة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا بعد قبضه إذ علق العباس تحقق هذا بالمشيئة على مرأى ومسمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يُدَّعى بعد هذا الإجماع على نقيضه , هذا لا يستقيم ، كما أن فيه أصدق برهان على كذب سلمان في زعمه أن أول من قال بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن سبأ ، وهذا الأثر عن العباس خلاف زعمه .
بل إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في حياته عليه الصلاة والسلام يزعمون أنه لن يموت قبلهم بل سيبقى آخرهم كما ورد ذلك فيما روي عن واثلة بن الأسقع قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " تزعمون أني من آخركم وفاة ألا وأني من أولكم وفاة وتتبعوني أفناداً يهلك بعضكم بعضاً " ( 72 ) .
يريدون بقولهم هذا بقاؤه عليه الصلاة والسلام في أمته ليحقق الإشهاد الذي نص عليه القرآن كما ذكر ذلك عن عمر وغيره حسبما ورد عنهم فيما رواه ابن سعد عن أبي سلمة بن عبدالرحمن أنهم قالوا ـ يريد أكثر الصحابة ـ : كيف يموت وهو شهيدٌ علينا , ونحـن شهداء على الناس , فيموت ولم يظهر على الناس ؟ لا والله ما مات ولكن رفع كما رفع عيسى وليرجعن ( 73 ) .
وفي هذا الأثر أيضا إبطال كذب سلمان في أن أول من قال بذلك ابن سبأ وما ذكر هنا يدل على أن أكثر الصحابة سبقوه في قول ذلك واعتقاده .
ولو لم يكن في إثبات صدق هذا الاعتقاد القاطع بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الزمان ليحقق الاشهاد على الناس ويدرك الوعد المنتظر مع إخوته من الرسل ممن نصت الأدلة على عودتهم ، ما سأذكره لاحقا عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لكفى فكيف وبسائر ما سقت من براهين دالة عليه مـن كتب الله تعالى وأقوال الصحابة رضي الله عنهم ، ألا يكفي كل ذلك في بيان صدق قولي وبطلان مزاعم سلمان وأمثاله .
قال تعالى في هذا الأمر : ﴿ فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون . أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون ﴾ ( 74 ) وقال : ﴿ وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ﴾ ( 75 ) وقال : ﴿ فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون ﴾ ( 76 ) مع قوله عز وجل في هذا الأمر : ﴿ وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ﴾ ( 77 ) .
وفي منطوق ومفهوم هذه الآيات دلالتين من القوة بمكان على إثبات صحة إعتقادي بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبطلان مزاعم سلمان وأمثاله من حثالة هذا العصر من حنابلة السفه في دعواهم بطلان ذلك :
الأولى : أن الله قطع على قدرته في أن يري رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وعد أهل الكتاب من إنزال العذاب والخزي عليهم وهو مما سبق وأثبت أنه آخر الزمان ، وكيف يمكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراه من غير تحقق عودته ، وتعليق المولى عز وجل تحقيق رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك الوعد على قدرته دال على جواز ذلك وإلا ما ذكره المولى عز وجل دليلا على القدرة ، وليستحي سلمان وأمثاله من حثالة هذا العصر أن ينسبوا لما يقول الله تعالى في إثبات قدرته لإبن سبأ ويستهزؤوا به وهو عين ما قرره عز وجل دليلا على القدرة ، ألا يكفي ذلك في الاستحياء ! .
وقال تعالى فيما يشهد للمعنى المذكور في هـذه الآيات السابقة : ﴿ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ..﴾ ( 78 ) .
روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : هذه مما كان ابن عباس يكتمها ( 79 ) . أي تفسير المراد منها . وروى بعضهم عن الحكم عن مجاهد في هذه الآية قال : يُرد إلى الدنيا حتى يرى عمل أمته ( 80 ) .
وابن عباس ما كان يكتم إلا هذا الإعتقاد , ولا وجه لكتمانه تفسير الآية إلا لعدم قدرته على البوح به خشية أن يكذب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من قوم تعجز عقولهم عن إدراك هذه الحقيقة .
الثانية : وصفه لقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ورد في تلك الآيات بـ ( التوفي ) ومجرد ( الذهاب ) ولم يصرح بالموت ، وكان سياق الآيات جميعها على وجه الخبر ، وفي هذا دلالة لا تخفى لمن هدي لإدراك ما دق من المعاني والحقائق .
وأزيد أيضا هنا في إثبات تناقض من رد هذا الأمر ، أن جمعوا ما بين تصديق عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم عيسى آخر الزمان مع قوله تعالى فيه : ﴿ إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ..﴾ (81) وقوله : ﴿ فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ..﴾ ( 82 ) لم يذكـر كذلك هنا في حق عيسى ( الموت ) ، فجمعوا ما بين إخبار الله تعالى بوفاة عيسى عليه السلام وجواز عودته آخر الزمان ، ومنعوا ذلك في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه قطع بالقدرة على أن يريه الوعد وزاد ذكر مجرد الذهاب مع ذكر التوفي في تلك الآيات المذكورة سابقا في حق رسولنا صلى الله عليه وسلم ، مثلما ذكر في حق عيسى عليه السلام التوفي والرفع ، وكل هذا مما يدل عل جواز وقوع ذلك للمصطفى كما سيقع لرسول الله عيسى عليه الصلاة والسلام ، فإن قالوا : الأدلة صريحة في عودة عيسى آخر الزمان ، قلنا : كذلك في حق المصطفى ، بل في حقه الأدلة أكثر وأصرح . وإن قالوا : أن عيسى رفع جسده إلى السماء أما المصطفى فجسده مدفونا في الأرض ، قيل : ولو دفن في الأرض فلا فرق بين وجوده في الأرض أو السماء إذا قدر الله عز وجل عودتـه ، فأجساد الأنبياء حرم على الأرض أن تأكلها .
هذا بخصوص ما فيه الكفاية من كتاب الله في إثبات صحة هذا الاعتقاد .
وأما ما ورد في سنة المصطفى ، ففيها ما يؤكد على المعنى المذكور في الآيات السابقة في جواز إدراك المصطفى عليه الصلاة والسلام تحقق الوعد آخر الزمان ، فيما روي عنه من تخيير ما بين البقاء لحين الوعد أو أن يقبض لجوار ربه ، جاء ذلك في جملة أخبار سأذكرها لاحقا بحول الله تعالى في تعليقي على الآية الثالثة المتعلقة بالوعد التي لبس على دلالتها على ذلك سلمان في معارضته ، ومنها ما روى أحمد والدارمي عن أبي مويهبة مولى رسول الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " إني أعطيت- أو خيرت- مـا فتح الله تعالى على أمتي من بعدي والجنة ـ أو لقاء ربي " قلت : يا رسول الله اخترنا , فقال : " لأن ترد على عقبيها ما شاء الله , فاخترت لقاء ربي " ، فما لبث بعد ذلك سبعا أو ثمانيا حتى قبض . وعند الدارمي في السنن وفيه ذكر الفتن فقال : " أقبلت كقطع الليل يتبع آخرها أولها ، والآخرة أشر من الأولى , أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة " (83) .
وعند الدارمي ما يعد تفسيرا لما سبق عن عمر بن قيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله أدرك بي الأجل المرحوم ، واختصر لي اختصاراً فنحن الآخرون ، ونحن السابقون يوم القيامة " ( 84 ) .
يريد بالاختصار قبضه إلى المولى عز وجل إلى حين الوعد ، خلاف لو اختار أن يبقى إلى حين الوعد ، هذا وجه الاختصار مما ترك من الحياة في تلك الأزمان من بعد قبضه إلى حين حلول الوعد .
وعلى وفق هذه الروايات يكون الأصل هو بقاؤه إلى وقت الوعد المنتظر , ليقوم بحق الشهادة مع إخوانه من الرسل الذين رفعوا إلى السماء لحين تحقق الوعد , وإجابة دعوته وتحقيق طلبه باختيار جوار ربه لا ينسخ هذا الأصل ويبطل حكمته بل هو الاستثناء والأصل بقاؤه لحين إدراك ما يفتح على أمته .
والمراد بهذا ما يكون من ظهور ونصر وتمكين آخر الزمان بتمكين حفيده المهدي المنتظر , فليفهم هذا المؤمن ويتمسك به ولا يفزعه عنه أيَّاً كان , فكلهم في الجهل سـواء وكلهم في الجهل خطباء .
وما جاز له بقاء الرسول صلى الله عليه وسلم حياً حتى يدركه جاز له عودته بعد وفاته ليحققه , ومن قال بانتفاء الحكمة والتقدير عن ذلك بعد وفاته مع التسليم به قبل وفاته وإجابة اختياره , لا شك أنه بحاجة للبرهان على صدق دعواه وهيهات أن يمكّن فيها من إقامة الدليل .
ثانيا : أما بخصوص زعمه نفي عدم قبول التوبة والإيمان والعمل به ما لم تطلع الشمس من مغربها ، فقد شغب هنا ردا لما وقع لنا من يقين أنها لا تقبل قبل ذلك على الصحيح ، حين يتحقق غير طلوع الشمس من المغرب من آيات الله وأشراط الساعة التي نص على ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كالدخان ويأجوج ومأجوج والدجال ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمر بانتظار ذلك إلا إشارة لعودته آخر الزمان بعد أن يتحقق بعض تلك الأشراط ، فعارض سلمان هنا لرد صدق اعتقاد ذلك ، وعارض أيضا بما قال لمخالفة هذا الاعتقاد مذهبه وعقيدته الفاسدة ، بوجوب العمل والدعوة والاصلاح ما لم تطلع الشمس من مغربها ولو اختلف الناس وتفرقوا ، وكثرت أهواؤهم وآراؤهم ، وظهرت فيهم الفتن العظيمة والبلايا ، فعلى سلمان الرويبضة وإن خلت الأمة من رأس يحملهم على الطاعة والتزام حـدود الله ، أن ينطق ويبقى ينطق ، ثم تأتي بعد ذلك السلامة ويرجو . وهيهات لمن خالف أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم السلامة ، بل والله الندامة والخيبة والخسران يوم لا غفران لمن لم يحيى بالقرآن والذكر الحكيم .
ومذهب عقيدة سلمان في قبول التوبة والإيمان يرجع في فساده لما تأصل في الأمة من قديم ويكاد يجمع عليه الكافة إلا من رحم ربي أن التوبة تقبل ويقبل الإيمان ما لم تطلع الشمس من مغربها ، ولو آمن اليهود والنصارى وعتاة منافقي الملة ومشركي العالم لقبل منهم ما لم تطلع الشمس من مغربها ، وظهور فساد هذا المعتقد أبين ما يكون في كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولكن أكثر الناس يجهلون . وهل يصدق إلا سفيه أن النصارى مثلا يبقون في كفرهم ينسبون لله الولد ويشركون به ويعرضون عن إتباع نبيه المصطفى ، بل ويصرون على تكذيبه والقرآن الذي أتى به من لدن الحكيم العليم ، ثم ما هو إلا أن يروا رسول الله عيسى صلى الله عليه وسلم ينزل بآياته الباهرات العظيمات ، فيؤمنوا حينها ويقبل منهم من غير عقاب وكأنهم لم يفرطوا في رد الحق وتكذيبه ولم يعاندوا ويعرضوا ، والحق أن الله تعالى قضى عليهم وأمثالهم بعدم الإيمـان قبل تحقق الوعد فكيف إذا ما تحقق وأتت آيات الله العظيمة فآمنوا أيقبل منهم حينها ، كلا وربي القائل وقوله حق : ﴿ وإنه لفي زبر الأولين . أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل . ولو نزلناه على بعض الأعجمين . فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين . كذلك سلكناه في قلوب المجرمين . لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم . فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون . فيقولون هل نحن منظرون . أفبعذابنا يستعجلون . أفرأيت إن متعناهم سنين . ثم جاءهم ما كانوا يوعدون . ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ﴾ (85) .
: ﴿ قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ﴾ ( 86 ) .
أي يؤمنوا بالوعد وصدقه وهو المتلو هنا لا القرآن ، وإنما القرآن نزل بعدهم وفيه تفصيل هذا الوعد ، وهم يعرفونه حق المعرفة ، قال تعالى : ﴿ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ﴾ ( 87 ) .
يعرفون خبر هذا الوعد المفصل أمره عند علماء بني إسرائيل الذين كانوا يتكاتمونه بينهم ويتواصون على ذلك حتى لا تعرف حقيقة هذا الوعد حسدا وتحريفا أن يعرف أنه في بني إسماعيل ، في محمد صلى الله عليه وسلم وحفيده المهدي . قال تعالى : ﴿ وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون ﴾ ( 88 ) وما زالوا يدعونه لأنفسهم وكانوا يستفتحون به على الناس قبل دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشف القرآن كذبهم في ذلك ، ومع ذلك لم ينتهوا وما زالوا يتبجحون في أنه عهد وميثاق من الله قطعه في آبائهم أن يجعله في آخر ذريتهم ، قال تعالى : ﴿ ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ﴾ ( 89 ) .
كفروا أن يقروا بحقيقته التي كانوا يكتمونها ، وأصروا على أنه فيهم وتواصوا على ذلك كما في قوله عز وجل : ﴿ ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ﴾ ( 90 ) .
لا توبة ، وعذاب الخزي لا يكون إلا عقوبة لازمة ، وقد لزم هؤلاء ومن تبعهم لإصرارهم على أن الوعد إن لم يكن لهم وإلا ما قبلوه وردوه على الله تعالى ، مع شركهم وظلمهم ، ولا يستثنى قوم وجب عليهم هذا العذاب إلا ما كان في قوم يونس عليه السلام في قوله تعالى : ﴿ .. إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ﴾ ( 91 ) .
أما أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومنافقي ملة الإسلام ، وسائر مشركي الملل في العالم فنص الكتاب أن لا استثناء ، وكل من زعم خلاف هذا فهو مكذب لكتاب ربنا وسنة نبينا .
وهذا الجزاء هو مقتضى عدل الله في الجاحدين المكذبين الرادين لحكمه ، وليذهب سلمان وزمرتـه الجاهلة لجهنم وبئس المصير ، فقد تجشموا عناء معارضة أمر لا يدركون مدى خطورة معارضته وجحده ورده ، إنهم يتعرضون لأمر عظيم ويدخلون فيما لا يعلمون .
والحق أن عذاب هؤلاء لا قبول توبتهم وعد قطعه الله تعالى على لسان موسى من قبل القرآن ، وما جاء القرآن إلا بتصديقه ، فعلاما هذا الجحود لكتب الله تعالى ، إلا سماعا لوحي الشيطان حليف اليهود . قال الله تعالى في خبر هذا الوعد بعذابهم : ﴿ وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد . وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد﴾ ( 92 ) .
وقد كفروا بالفعل ولزم العذاب . وجاء عن المولى عز وجل القطع بالخبر أنهم استحقوا العذاب لكفرهم وذلك في قوله :﴿ وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم ﴾ ( 93 ) ونظير هذا ما جاء في قوله تعالى : ﴿ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسئُوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ﴾ ( 94 ) والمبعوث هنا عليهم المهدي فهو الذي يرسل آخر الزمـان بعقوبتهم ، والآية هنا نص على أن خـروج المهدي آخر الزمان سيكون إرسالا من المولى عز وجل لقوله : ﴿ ليبعثن ﴾ والبعث من الله تعالى على الوجه الشرعي لا يكون إلا إرسالا . ومما يؤكد أن المراد هنا بعث المهدي أنه توعدهم ببعثه أيضا حين سألوا عن الوعد كما جاء في قوله تعالى : ﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين . فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ﴾ ( 95 ) والمزلف هنا المهدي ، وجاءت الإشارة لبعثه هنا وعيدا لهم لما سألوا عن الوعد ، فعلى يديه سيكون نزول العذاب بهم ، فهو الذي سيستخلف من المولى عز وجل آخر الزمان ، وقد سبق أن فصلت في هذه الحقيقة في عدة مواضع من كتبي ( 96 ) .
فأين التوبة وقبول الإيمان إذا جاءت آيات الله تعالى والفصل بأمره كما زعم هذا الضال سلمان وزمرته ، إنهم كذبة على الله تعالى وأنبيائه ، ألم يقرأوا أخزاهم الله تعالى أن هذا كما هو مذكور في كتاب ربنا ، كذلك صرح به موسى لهم ويجدونه في كتبهم اليوم ، فماذا يريد الناس بعد ذلك . قال موسى عليه الصلاة والسلام : إني عارف أنكم بعد موتي تفسدون وتزيغون عن الطريق الذي أوصيتكم به ويصيبكم الشر في آخر الأيام لأنكم تعملون الشر أمام الرب حتى تغيظوه بأعمال أيديكم ( 97 ) .
وهذا عين ما أخبر عنه الله تعالى في القرآن ونص على أنه تأويل الكتاب كما في قوله : ﴿ ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون . هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق ﴾ ( 98 ) وقوله عز وجل : ﴿ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ﴾ ( 99 ) أي يتحقق بهم الوعيد الذي يجدونه في كتاب موسى عليه السلام ، ذاك الكتاب العظيم الذي قضي فيه لبني إسرائيل ما يكون بعدهم إلى قيام الساعة قال في ذلك المولى عز وجل : ﴿ وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر ﴾ ( 100 ) ﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون﴾ ( 101 ) ﴿ قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ﴾ ( 102 ) آتاهم الله فيه علما عظيما ما أوتيه أحد من قبلهم ، وحملهم المولى أمانة تبليغه الناس وأن لا يكتمونه أو يحرفونه ، وكان ميثاق الله وعهده لهم على ذلك شديدا ، ومع ذلك نقضوه وعصوا الله فاستحقوا وعيده ، قال تعالى : ﴿ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا ﴾ ( 103 ) ﴿ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون﴾ ( 104 ) ﴿ بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين . وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ﴾ ( 105 ) قتلوا أنبياءهم لتكذيبهم وردهم للوعد الذي جاؤوا به ، أن البركة والفتح آخر الزمان إنما يكون في بني إسماعيل ، محمد صلى الله عليه وسلم وحفيده المهدي لا بني إسحاق ، فكفروا بذلك حسدا من عند أنفسهم أن يكون هذا الفضل في غيرهم ، وهذا ما كانوا يقتلون الأنبياء لأجله قال تعالى في ذلك : ﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ﴾ ( 106 ) والله أخذ عليهم في الإيمان بذلك وإعلانه وعدم كتمانه أشد المواثيق إلا أنهم كفروا بذلك ورفضوا قول أنبيائهم في تصديق ذلك من بعد كتاب موسى فمنهم من قتلوا ومنهم من اضطهدوا وشردوا وكان آخرهم عيسى صلوات الله وسلامه عليه أرادوا قتله فسلمه الله من دنسهم ، وتعد كل مخالفاتهم لهذا العهد نقضا لميثاقهم مع الله تعالى الذي به وبالعلم بتفاصيله فضلهم ربي على العالمين إلا أنهم لم يشكروا هذه النعمة فقدر الله عليهم ما يستحقون . وقال تعالى : ﴿ فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ﴾ ( 107 ) وقال : ﴿ إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون . ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ﴾ ( 108 ) ﴿ لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون .. وسواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون . إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم ﴾ ( 109 ) هم فريقان ، فريق كفر بالذكر وعمل على الصد عنه وهم اليهود والنصارى ومن اتبعهم اليوم في زماننا في الصد عن تصديق هذا الوعد والعمل على تكذيبه وتحريف حقيقته من قراء السوء وفقهاء الدجل والكذب العريض من ادعياء اتباع مذهب الإمـام أحمد بن حنبل رحمه الله وغيرهم من حدثاء السفه ، الذين ديدنهم اليوم على سنة اليهود في الصد عن هذا الأمر والدعوة لتكذيب مواعيد الله . وأما الفريق الآخر فهم من صدق بوعد الله وآمن بآياته واتبع الذكر الذي جاء بخبر بعث المهدي وتمكينه في الأرض تسليطا من الله جل وعلا لتعذيب اليهود كما في قوله تعالى : ﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون . إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين ﴾ ( 110 ) فالذين يؤمنون بالذكر وبما أتى به هم أهل المغفرة والأجر الكريم ، وعلى رأسهم اليوم المهدي نفسه ومن معه في ابتداء تحقق تأويل ما جاء في الذكر العظيم المنزل على بني إسرائيل .
وأما الذين كفروا في هذا الذكر وحقيقته من اليهود والنصارى ومن سار على سنتهم من قراء السوء فلا يستحقون المغفرة والرحمة بل هم كما قال الله تعالى فيهم : ﴿ كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين . أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ﴾ ( 111 ) إيمانهم في صدق خبر الرسول في الذكر إلى أن صرح عيسى صلى الله عليه وسلم لهم أنه من ذرية إسماعيل ، فعادوا يكفرون به ويحرفون ما يدل عليه في كتبهم طمسا للوعد أن يكون في بني إسماعيل ، ويدعون كذبا أنه في ذرية إسحاق ، فهؤلاء أنى لهم الإيمان أو قبول التوبة والله أنزل فيهم ما أنزل ومن ذلك قوله : ﴿ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم . أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار . ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ﴾ ( 112 ) لهم بدلا من الهدى الضلالة والمغفرة العذاب ، ولا يرجو لهم الهدى والمغفرة إلا ضال متبع نحلتهم كمنافقي الساسة اليوم ودجاجلة السلطات الكاذبة الزائفة ممن يدعو للتصالح والسلام ، أو ممن يدعو للتعايش والحوار معهم كهذا التائه سلمان وحزبه من ديدان القراء حثالة الخلف ( 113 ) .
ومما ذكر المولى عز وجل في خبر هذا الكتاب والذكر أيضا قوله : ﴿ ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب . هدى وذكرى لأولي الألباب . فاصبر إن وعد الله حق ﴾ ( 114 ) وهذه الآية نص صريح أن ما أنزل على موسى هو الذكر . وقال تعالى : ﴿ فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون ﴾ ( 115 ) أي نريك بعض ما وعدوا في الذكر من الوعيد ، وقد قطع في سورة المؤمنون أن يريه ما وعدهم فقال : ﴿ وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ﴾ ( 116 ) بل نهاه عن الشك في رؤية ما يصيبهم من وعيد الكتاب والذكر آخر الزمان وذلك في قوله : ﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل ﴾ ( 117 ) يريد لقاء وإدراك ما يلحقهم من الوعيد الذي يجدونه عندهم في كتاب موسى عليه السلام أنه سيصيبهم آخر الزمان ، وهنا ينبئ الله جل وعلا رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سيدرك بعضا من ذلك ، وقد جمع الله في هذا النبأ لنبيه ما ورد في هذه الآية قوله : ﴿ أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ﴾ ( 118 ) الشاهد هو المهدي يتلو محمدا صلى الله عليه وسلم في أمر التأويل المنصوص عليه في كتاب موسى عليه السلام ، وكلهم يؤمن به محمد صلى الله عليه وسلم والمهدي وقبلهم موسى عليه السلام ، أما أكثر الناس فلا يؤمنون به ومنهم الأحزاب الذين سيكونون آخر الزمان ، فقطعا هؤلاء سيكفرون به ولذا توعدهم الله بالنار وفي قوله : ﴿ جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب . كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد . وثمود وقوم لوط وأصحاب لئيكة أولئك الأحزاب . إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب . ومــا ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة مالها من فواق ﴾ ( 119 ) .
وسلمان ومن على شاكلته هم اليوم ماضون أيضا في تكذيب وعد الله المفصل في الكتاب ، وما عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث المهدي يبشر بذلك وينذر العذاب الآتي إلا لب هذا الوعد وحقيقته ، ويكفي في التعريف بعظم هذا الأمر عند الله تعالى وقدره أن أجرى النهي عن تكذيب هذا الوعد بنهي نبيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك ووعظه بعدم المرية في تصديقه ولقائه .
وكان حين قضى الله سبحانه الأمـر لبني إسرائيل وأنبأهم به أن ضرب لهم موعدا لحلوله وعلامات ، إذا ما جاء وقته وقع بهم ، وأما قبل ذلك فهم مؤجلون إبتلاءً لهم وامتحان ، قال تعالى : ﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب ) ( 120 ) ﴿ كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ﴾ ( 121 ) ﴿ ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم ﴾ ( 122 ) وقال : ﴿ إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين . يوم لا يغني مولا عن مولا شيئا ولا هم ينصرون . إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم ﴾ ( 123 ) إنما ينصر حين تحقق الوعد الأشهاد من الرسل ومن اتبعهم يومئذ من المؤمنين قال تعالى في ذلك : ﴿ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون . فتول عنهم حتى حين ﴾ ( 124 ) حتى يتحقق الوعد المنتظر ، وتكشف الحقائق وتزول الأكاذيب ، فبتأويل الكتاب يفصل بينهم ويقضى بالحـق ويصيبهم العذاب اللازم ، وسماه عذاب يوم عقيم ، وأليم ، العذاب الذي جعل له المولى عز وجل موعدا مسمى وأجلا محتوما لا فكاك لهم منه وقد أكثر سبحانه في تفصيل خبره من ذلك قوله : ﴿ حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة ﴾ ( 125 ) و ﴿ إما ﴾ هنا لتنوع الخطاب لا الشك ، لقوله سبحانه : ﴿ سيهزم الجمع ويولون الدبر . بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ﴾ ( 126 ) قطع هنا بسبق الهزيمـة والتعذيب قبل الساعة ، ويكون على هذا الوعيد بالأمـرين ، بالعذاب والساعة تتلوه . وبهذا يزول ما يشكل على الكثير ويقع لهم به اللبس من ذكر خبر الوعدين ، والفصلين ، والقضاءين ، والإشهادين ، فإن آخر الدنيا هي أول مراتب الآخرة في الفصل والحساب ، فجاء من الوعيد لهم بالعذاب بآخر الدنيا ويوم القيامة ، وبالفصل بينهم في آخر الدنيا وفي الآخرة ، وبالقضاء بينهم في آخر الدنيا وفي الآخرة ، والإشهاد مثل ذلك .
وقال تعالى : ﴿ أفرأيت إن متعناهم سنين . ثم جاءهم ما كانوا يوعدون . ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ﴾ ( 127 ) لن تغني عنهم يومها توبتهم ولا أعمالهم ، ونفى عنهم نفع الإيمان مع تأكيد حصوله منهم عند حلول العذاب الموعود فقال : ﴿ لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم . فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون . فيقولوا هل نحن منظرون ﴾ ( 128 ) ﴿ ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون . هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ﴾ ( 129 ) ﴿ بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ﴾ ( 130 ) ويقينا تأويله سيكون في الدنيا لقوله عز وجل بعد ذلك في سورة يونس : ﴿ وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون ﴾ ( 131 ) أي نريك عاقبتهم في الدنيا كغيرهم من الظالمين . ولقوله تعالى بعد ذلك : ﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ وهذا الاستفهام يقينا عما يكون في الدنيا من الوعد لذكر الله عز وجل رؤية نبيه عاقبتهم قبل التوفي ، ولو كان المراد بسؤالهم ما بعد البعث لما وقعت الرؤية قبل التوفي فافهم .
وإن مما يظن الكثير من الجهلة أن طلب الإنظار المذكور سابقا إنما زمنه ما بعد الحشر العام للخلائق بين يدي المولى عز وجل ، وليس بصحيح ، بل هو طلب منهم في الدنيا حين تيقنهم حلول العذاب الذي يسبق الساعة ، وهو طلب غير نافع بعد حلول البأس الذي هو أصلا لا يأتيهم إلا بغتة : ﴿ ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون ﴾ ( 132 ) ﴿ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ﴾ ( 133 ) ﴿ فهل ينظرون إلا سنة الأولين ﴾ ( 134 ) وكل هذا وغيره مما يؤيد أن تحقق التأويل في الدنيا .
وهذا الجاهل وأمثاله يفترون على الله عز وجل في زعمهم قبول التوبة والأعمال ما لم تطلع الشمس من المغرب ، فأين السنة وأين البأس ، وأين جزاء المكذبين لآيات الله الذين حق عليهم أن لا يؤمنوا حتى يأتيهم العذاب ويومئذ لا ينفعهم إيمانهم جزاءً وفاقا لظلمهم وإعراضهم ، وفي هذا يقول جل وعلا : ﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون . قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون . أثم إذا ما وقع آمنتم به ءآلأن وقد كنتم به تستعجلون ﴾ ( 135 ) وهذا أيضا مما يدل على أن تحقق الوعيد في الدنيا لذكره الليل والنهار موعدا له وهذا لا يكون إلا في الدنيا ، ونظيره في قوله : ﴿ حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يؤمنون ﴾ ( 136 ) كذلك عاد لذكر الليل والنهار هنا ، وأحق ما تزخرفت به الأرض وتزينت في وقتنا هذا ، عصر ( الإزفلت ) والمنارات العظيمة والموانئ الغنية والقصور الوردية والشرف البهية ، أرض ظاهرها الجمال وباطنها السواد ، فهي أحق اليوم ما تكون بتحقق الوعيد ، إذ أنهم باتوا يظنون أنهم قادرون عليها .
وهؤلاء لن يكونوا عند الله أكرم من نبيه وهو يقول له : ﴿ ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين . إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون ولـو جـاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ﴾ ( 137 ) ومن العذاب الأليم أن لا يجدُ نفس عيسى صلى الله عليه وسلم حين ينزل من يقول أنه ابن الله إلا هلك ، فكيف يزعم قبول توبتهم وإيمانهم عند نزول عيسى عليه السلام ، وفي قوله : ﴿ ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون ﴾ و ﴿ لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم . فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون ﴾ دليلا على انتفاء الجهل والغفلة بحلول العذاب الموعود ، وبانتفاء الجهل والغفلة ينتفي قبول الإيمان والعمل والتوبة ، وفي هذا أبلغ برهان على إبطال زعم الجاهل سلمان أن التوبة تقبل ما لم تطلع الشمس من المغرب ، ومع أنه خلاف النقل ، كذلك علم يقينا أن حلول العذاب والنقمة على هؤلاء واقع قبل طلوع الشمس من المغرب ، فتعين بهذا أن المراد ببعض الآيات التي يمنع وقوعها قبول العمل والتوبة ، غير طلوع الشمس من المغرب ، فقبلها تنتفي الغفلة بحصول اليقين بالحق بنزول عيسى صلى الله عليه وسلم وتحقق غيره من الآيات التي تسبق طلوع الشمس من المغرب ، وإليها أشار المولى بقوله : ﴿ يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا . قل انتظروا إنّـا منتظرون ﴾ وقد أكد حصول الإيمان مع عدم القبول في قوله : ﴿ ربنا اكشف عنا العذاب إنّا مؤمنون . أنّى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين . ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون . إنّـا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون . يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون ﴾ ( 138 ) وسماه الفتح كما في قوله : ﴿ قـل يوم الفتـح لا ينفـع الـذين كفـروا إيمـانهم ولا هـم ينظـــرون . فأعـرض عنهـم وانتظـر إنـهـم منتظـرون ﴾ ولا يعلم إلا المولى عز وجل سبحانه ما الذي يقع به الوعيد من الآيات تحت قوله : ﴿ بعض آيات ربك ﴾ ما يوجب الحذر والخشية العظيمة من هذا الوعيد .
وجاء عن ابن مسعود وأبي هريرة ما يفيد أن بأولهـن لا تقبل التوبة ، قال ابن مسعود : التوبة معروضة ما لم يخرج إحدى ثلاث ، الشمس أو الدابة أو يأجوج ومأجوج ( 139 ) . وعن أبي هريرة : خمسا لا أدري أيتهن أول الآيات ، وأيتهن جاءت لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ، طلوع الشمس ، والدجال ، ويأجوج ومأجوج ، والدخان ، والدابة ( 140 ) .
وكان قتادة يفسر الآية بحديث أبي هريرة : " بادروا بالأعمال ستا " ( 141 ) . رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بادروا بالأعمال ستاً : الدجال ، والدخان ، ودابة الأرض ، وطلوع الشمس من مغربها ، وأمر العامة ، وخويصة أحدكم " ( 142 ) . وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ، طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ودابة الأرض " ( 143 ) . قال ابن كثير : رواه أحمد عن وكيع به ، وعنده : " والدخان " ( 144 ) .
وما ورد في هذه الآثار يفسر المعنى المراد في تلك الآيات التي نص المولى فيها بانتفاء نفع الإيمـان حين حلول الأجل بالعذاب الموعود ، والأمر بين في ذلك لمن هداه الله تعالى للحق وعرف أن كل ذلك مما يكون قبل طلوع الشمس من مغربها لا كما زعم هذا السفيه متقولا على الله تعالى أن التوبة مقبولة ما لم تطلع الشمس من مغربها ، رادا كتاب الله تعالى في ذلك وأخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم وأقوال من ذكرت من أصحابه معتمدا في كل ذلك جهلا منه على لفظ من اختصر رواية أبي هريرة في قبول التوبة ما لم تطلع الشمس من مغربها ، وأيضا تقليدا لما قاله محمد بن جرير الطبري وابن عطية وغيرهم معتمدين بإعتقادهم هذا على بعض آثار رويت في هذا الباب لا تعتمد في معارضة كتاب الله تعالى . وسبق نقل كلام الطبري واستدراك الحافظ ابن حجر عليه بحديث أبي هريرة المرفوع ( 145 ) .
قال ابن عطية تعليقا على حديث أبي هريرة المرفوع : " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون ، فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها " ( 146 ) : في هذا الحديث دليل على أن المراد بالبعض في قوله تعالى :﴿ يوم يأتي بعض آيات ربك ﴾ طلوع الشمس من المغرب ، وإلى ذلك ذهب الجمهور اهـ ( 147 ) .
قلت : هذا فيه نظر ، والثابت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عدم قبول التوبة قبل ذلك ، ولا ينافي هذا ما جاء في هذا الحديث على الصحيح الذي مفاده تأكيد عدم قبول التوبة عند طلوع الشمس من مغربها حين يرونها ويؤمنوا بها جميعا ، لا نفي عدم قبول التوبة قبل ذلك ، والحديث لا يدل على ذلك البتة .
قال الطيبي : وقد ظفرت بفضل الله على آية أخرى تشبه هذه الآية ـ يريد قوله تعالى : ﴿ يوم يأتي بعض آيات ربك ﴾ ـ وهي قوله تعالى : ﴿ ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون . هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ﴾ ( 148 ) يظهر منه أن الإيمان المجرد قبل كشف قوارع الساعة نافع ، وأن الإيمان المقارن بالعمل الصالح أنفع ، وأما بعد حصولها فلا ينفع شيء أصلا والله أعلم ( 149 ) .
وعد من أمارات حصولها الدخان والنار ، ومن أمارات قربها الدجال ونزول عيسى والخسف ، وهذا غير صحيح فالنار والدخان أول الآيات وهي دالة على قرب الساعة لا حصولها ، وإنما تقع الساعة بصيحة العذاب على جميع كفار المعمورة ، والتي سيكون بها تعيين المهدي كذلك ، هكذا سيكون قدر الله وتدبيره في إجراء نهاية الأمر وخاتمة الأمم والملل ، والطيبي وأكثر هذه الأمة يخلطون في الأمر ولا يعرفون ما يدل على قربها أو حصولها .
فالصيحة وآية السماء كعدم قبول التوبة والإيمان والعمل به هي متعلقة كذلك بتحقق الوعد وحلول العذاب على أهل الكتاب وكفرة سائر الملل ، لقوله تعالى : ﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . مـا ينظرون إلا صيحـة واحـدة تأخذهـم وهـم يخصمون﴾ ( 150 ) ﴿ واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين ﴾ ( 151 ) وهذا يقينا قبل البعث من الموت لانتفاء الغفلة قبل ذلك وتحقق إيمانهم الذي لا يقبل لقوله سبحانه : ﴿ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ﴾ ( 152 ) ﴿ لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم ﴾ ( 153 ) فالضمير في ﴿ به ﴾ عائد على الوعد والمهدي فهو المحور الذي تدور عليه رحى الوعد المنتظر وهلكة أهل الكتاب ، وقد سبق الكتاب العزيز بافتائهم بذلك لقوله تعالى : ﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين . فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ﴾ ( 154 ) فالمزلف هنا المهدي فإن مفعول أزلف لا يقع إلا على الذوات لقوله تعالى : ﴿ وأزلفت الجنة للمتقين ﴾ ( 155 ) , لا يقع على غير الحسي . ولما كان اليهود يدعون أمر المهدي فيهم كما بينت ذلك سابقا وأنهم كانوا يزعمون أنه سيكون من ذرية نبي الله داود ، فكان جواب الله على سؤالهم أن أكذب دعواهم تلك وتوعدهم بحلول السوء عليهم وجاء المعنى نفسه مفسرا في أول سورة الإسراء قوله عز وجل : ﴿ فإذا جاء وعد الآخرة ليسئُوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علو تتبيرا ﴾ ( 156 ) ومن أجـل تأكيد هذا المعنى أتى بذكر الوعد هنا في سورة الإسراء .
ومن أهم ما يتعلق بتحقق هذا الوعد العظيم ولا تجد سلمان وأمثاله إلا فارين من اعتقاد صدقه فرار الحمر المستنفرة ، عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما منعهم من تصديق ذلك إلا الجهل وعمى التقليد وقد فاتهم التعقل في إدراك الآيات الدالة على ذلك من كتاب الله تعالى وأخبار رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولن تجد المولى عز وجل إلا دائم الربط ما بين ذكر هذا الوعد في كتابه وأمره لنبيه بانتظاره معهم ، وهذا مما لا يكون من غير مقتضى لموجب الخطاب ، فالمولى عز وجل لا يقول ويخبر إلا بالحق ، وهذه بعض تلك الآيات :
الآية الأولى : ﴿ فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين . ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين ﴾ ( 157 ) وهذه الآية مما ذكر سلمان العودة في معارضته الدعوة المهدية ونقر عندها بمنقار جهله ومسطور خبله كاشفا عن تلبيسه وضلاله على كتاب الله مدعيا أن ما فيها من وعيد إنما هو على العموم مستدلا الجاهل بذكر قصة هود عليه السلام وقومه حين جادلوه بشركهم ردا لتوحيد الله تعالى فقال لهم : ﴿ فانتظروا إني معكم من المنتظرين ﴾ ( 158 ) وكان هود عليه السلام على ما أمره المولى عز وجل بتوعدهم بالعذاب والفصل وانتظاره لذلك الوعيد معهم ، وبالفعل تحقق الوعيد وجاء الفصل وصدق الله . وإني لأصيح هنا على جهال وضلال هذا الزمن وفي جملتهم سلمان الذي عمد للتلبيس على وعد الله يستدل بسفاهة بما هو عليه ناقضا معارضته وهو لا يشعر ، اعتقاد عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدرك الوعيد في خصومه كما أدرك ذلك هود عليه السلام في خصومه ، وكلاهما أمر بانتظار ذلك ، وهؤلاء جميعا حثالة هذا العصر لا يمكنهم إنكار ذلك في حق هود وقومه فكيف يسعهم إنكار ذلك في حق رسولنا وخصومه إلا أن يزعموا أنه مما مضى تحقق الفصل به فليدلونا حينها على ذلك ولن يجدوا ، فإن ذلك مما لم يقع له مثيل ، بل أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن ذلك مما يكون آخر الزمان وأنه سيقع فيهم في ذلك الوقت الخسف والقذف والمسخ . وكم هو ضال من يزعم في تأويل هذه الآية أنه يقع في الآخرة بعد البعث العام من الموت .
وحقيقة أقوال هؤلاء في كتاب الله عند النظر الصحيح والتحقيق منتهاها أن الله يقول في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما لا يريد حقيقته والعياذ بالله ، مع أن الخطاب في الآية غير مختص بهم .
وإني لأدعو سلمان هنا أيضا إيضاح ما وجه نجاة الرسل والمؤمنين بعد هذا الوعيد العام على فهم سلمان العودة ، أن هذا الوعيد إنما هو في عقوبات الدنيا والنوازل والمصائب ، فليبن ما وجه انتظار الرسل والمؤمنين للنجاة بعد تلك المصائب والنوازل إن كان الأمر على هذا النحو على حسب زعم سلمان ، فإنه لا يسعه التملص من ذلك فإن الله أورد في الآية : ﴿ ثم ﴾ في خطابه بهذا الخبر التي تفيد المتابعة ، أليس كذلك يا سلمان ؟! .
والحق إن شاء الله ما عمي عنه سلمان وزمرته وأن الله إنما يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بانتظار هذا الوعيد ومن معه من رسل الله الذين سبقت كلمة الله بنصرهم وظهورهم على أعدائهم من كفرة العالمين وأشرار الملل ، وهم عيسى وإدريس وإيليا ، وهؤلاء الذين من أجل هذا الأمر رفعوا ليعودوا حين تحقق الوعد .
الآية الثانية : ﴿ يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا . قل انتظروا إنّـا منتظرون ﴾ ( 159 ) وعلى هذه الآية لبس سلمان كذلك في مقالاته حين زعم قوله : صح تفسير هذه الآية أنه طلوع الشمس من مغربها ، إذ مع طلوعها لا ينفع نفسا إيمانها . ـ وادَّعى الكاذب ـ : أن ليس معنى الانتظار هنا أن تضع خدك على يدك تنتظر شيئا وتترقبه ، بل معناه أن تسارع وكأنك تسابق شيئا تخشى أن يقع اهـ . منزلا هذا الوعيد الرهيب جهلا منه على العموم حتى أنه قلب الاستدلال بمفهوم الآية وحرف معناها إلى أنه في الحض على العمل والاصلاح نصرةً لمذهبه الفاسد في ترك الإعتزال عند حلول الفتن والاختلاف .
والصحيح أن ما ورد في الآية خبر مجرد ووعيد شديد لمن يدرك الوعد آخر الزمان ولا مدخل لذلك لجميع الناس حتى يعمم مفهوم الآية ثم يقلب إلى أنه حث على العمل . والأخبار يجب تصديقها لا تكذيبها وتحريفها بإسم التأويل والتفسير الفاسد كما هو الحال التي انتهى إليها سلمان العودة ، حين نفى عدم قبول الإيمان والكسب فيه عند تحقق بعض الآيات ، وانتهى إلى عكس المقصود في تلك الآية ليستدل بها على فساد مذهبه وعقيدته نعوذ بالله تعالى من الخذلان وانقلاب البصائر وسبق وأن بينت كذبه في تفسير الآية ونقلت ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن مسعود وأبي هريرة في أن معنى الآية ليس مقصورا على طلوع الشمس من مغربها ، بل الأمر في رد الإيمان وقبول العمل به كائن قبل ذلك .
قال سلمان : نجد الآية دعت إلى العمل والإيمان والإصلاح قبل أن يحال بين الإنسان وبينه بالقيامة الكبرى أو الصغرى اهـ . يريد بالكبرى طلوع الشمس من المغرب وبالصغرى حضور الموت وبلوغ روح الإنسان الغرغرة ، وفي هذا مبلغ علم هذا الدعي الجاهل ومنتهى تلبيسه حين قصر رد الإيمان والعمل على ما ذكر مضادة لخبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وتكذيبا لهما ، يدل على ذلك ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رد الإيمان والعمل في غير ما ذكر
سلمان ، قوله : " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ، طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ودابة الأرض " . وروي من وجه آخر وفيه : ( الدخان ) بدلا من : ( الدجال ) وقوله : " بادروا بالأعمال ستاً : الدجال ، والدخان ، ودابة الأرض ، وطلوع الشمس من مغربها ، وأمـر العامة ، وخويصة أحدكم " ( 160 ) . وعنه : " بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجـل مسلما ويمسي كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا " ( 161 ) .
ومفهوم الخبرين المبادرة بالإيمان والعمل ما لم يقع المذكور فبوقوعهما لا ينفع الإيمان والعمل ، هذا هو المفهوم الصحيح لنص الحديثين . ومما يدل عليه أيضا تزامن الأشراط والفتن وهذا مما يفر من تصديقه سلمان وزمرته وسبق لهم تكذيب قولي بتحقق الفتن المنتظرة وما تحقق بهما من أشراط ، كالنار والدخان وخروج يأجوج ومأجوج ـ وهم التحالف الأمريكي ومن ناصرها من الدول ـ ، ومن شاء الوقوف على زيادة تفصيل وإثبات صحة هذا فليراجع كتاب ( وجوب الإعتزال ) .
وكان أبو هريرة رضي الله عنه راوي هذه الأخبار يفتي بزمانه ويقول : موتوا قبل أن تدركوا مـا لا يستطيع المحسن أن يزيد إحسانا ، ولا يستطيع المسيء أن ينزع عن إساءته ( 162 ) . ومثله عن عابس الغفاري حين تمنى الموت بالطاعون فأنكر عليه فقال : إني أبادر خلالا سمعتهن من رسول الله تكون في آخر الزمـان يتخوفهن على أمته فيقول : " بادروا بالموت ستا إمرة السفهاء ( 163 ) وكثرة الشرط وبيع الحكم واستخفافا بالدم وقطيعة الرحم ، ونشو يتخذون القرآن مزامير يقدمونه يغنيهم وإن كان أقل منهم فقها " ( 164 ) . وهذه الست من أمارات الزمن الذي تتحقق به الفتن المنتظرة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمبادرة بالموت والأعمال قبلها وما ذلك إلا لعظم خطرها فلذا أمـر بالمبادرة بالأعمال قبلها كما أمر بذلك قبل أشراط الساعة سواء ، وهذا ما فهمه أصحابه ولذا روي عنهم ما روي .
وهذا معاذ رضي الله تعالى عنه يروى عنه عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم : " خمس إذا أدركتموهن فإن استطعتم أن تموتوا فموتوا ، إذا تهون بالدم ، وبيع الحكم ، وقطعة الرحم ، وكثر الشرط ، واتخذت الأمانـة ميراثا " ( 165 ) . وجميع هذه الصفات المذمومة في الأخبار هنا تحققت في زماننا ما يدل على أنه هو المراد بها وأخصها بالوقوع كثرة إمرة السفهاء والشرط والقراء السفهاء الحدثاء أعاذنا الله منهم ومن شر زمانهم المبغوض المكروه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين كانوا يتخوفون هذا العصر وإدراكه حتى أنه بلغ بسلمان الفارسي أن يدعوَ على من آذاه أن يدرك هذا العصر فقال لمن أوجعه في الطريق بحملة من قصب : لا مت حتى تدرك إمارة الشباب ( 166 ) .
لعلمه ما يكون من شر بعصرهم .
وهاهم أمراء ورؤساء اليوم يتحالفون مكرا على أولياء الله تعالى من أتباع المهدي وغيرهم يضطهدونهم في الجزيرة واليمن سجنا ومنعا لحرية اعتقاد صدق الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما أخبرا ، أسأل الله تعالى أن يعجل بفضيحتهم ونزع سلطتهم وقهرهم لأوليائه .
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون في آخر الزمان ديدان القراء فمن أدرك ذلك الزمان فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهم الأنتنون ، ثم تظهر قلانس البرد فلا يستحى يومئذ من الزنا ، والمتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمرة ، والمتمسك يومئذ بدينه أجره كأجر خمسين " قالوا : منا أو منهم ؟ قال : " بل منكم " ( 167 ) . وفي هذا الحديث ذكر صفة القراء وصفة من يعاصرهم من عسكر الطواغيت وجيوش الظلمة ، ويعد ما ورد في لفظ هذا الحديث زيادة على ما سبق من تعيينات دالة على زمننا الذي نعيش فيه أصدق برهان على صحة القول في تعيين زماننا بأنه المراد بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلمالكثيرة التي أتت على وصف وأخبار هؤلاء ، فمن ينكر اليوم أن قلانس البرد من لباس عسكر زماننا ، وكانت الجيوش قديما يضعونها على الرؤوس اتقاء ضربات السيوف وتصنع من المعدن وما عرف على مدى التاريخ وضع عسكر الجيوش القلانس على الرؤوس إلا بالصفة التي ذكرت ، أما أن تكون من القطن فهذا مما لم يقع أبدا إلا في عساكر طواغيت هذا العصر مما يعد هذا أشهد ما يدل على صدق هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لصدق مطابقته لصفة هؤلاء ، وهو زيهم المشهور يعرفه كل أحد ، يضعون على رؤوسهم هذه القلانس القطنية ويسمونها عندنا ( بريهة ) ، تجدها على رؤوس الجيوش قاطبة وبعض رجالات الشرط ، إلا ما كـان من شرطة آل سعود فهم كذلك يلبسون قلانس البرد كالجيش .
وقد أتى غير هذا الخبر بصفة من صفاتهم الخاصة أيضا وهو حديث يروى عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلمقوله : " إذا مشت أمتي بالمُطيطاء وخدمها أبناء الملوك أبناء فارس والروم سلط شرارها على خيارها " هذا لفظ الترمذي ، وعند غيره :" خدمتهم فارس والروم ، سلط بعضهم على بعض " ( 168 ) .
ومعنى المطيطاء في المشي نسبة إلى مد اليدين ، قال الجوهري : التبختر ومد اليدين في المشي .
قلت : وفسرها المتقدمون على أنها مشية المتكبرين المفتخرين وجاءت إليها الإشارة في القرآن في قوله تعالى : ﴿ ثم ذهب إلى أهله يتمطى ﴾ ( 169 ) وعلى هذه الصفة في مد اليدين أثناء المشي عساكر اليوم وهم يسيرون في طوابيرهم على تلك الصفة المخصوصة ومن لم يلتزم بها يعد مخلا بالنظام العام ، وهذا منهم معروف غير خافٍ .
والرسول صلى الله عليه وسلم ما قرن بالذكر والوصف ما بين هؤلاء العسكر وزيهم وأخص صفاتهم وديدان القراء إلا إشارة لتعاصرهم وكثرتهم وسوء حالهم وحال عصرهم ، وجعلهم علامة له تعريفا بهم جميعا وإنذارا من خطرهم ، وعلى سلمان أن يجتهد لإستثناء نفسه وزمرته من جملة ديدان القراء الأنتنون هؤلاء الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمننا وعرف حالهم ، ويستثني أيضا أهل جيله أمراءهم وعسكرهم وعامتهم من عموم توصيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ، وهم اليوم جميعا بمطابقة أحوالهم لتوصيف رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون على صدق هذه الأخبار .
وحديث أنس رضي الله عنه روي من غير هذا الوجه مختصرا بلفظ : " يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر" ( 170 ) . وروي في المعنى عن أبي ثعلبة الخشني مطولا قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : ﴿ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ﴾ ( 171 ) فقال : " ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً ، وهوى متبعاً ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت أمراً لا يدان لك به - أو قال : لا يد لك به ـ فعليك بنفسك ودع العوام ، فإن من ورائهم أيام الصبر ، الصبر فيهن مثل قبض على الجمر ، للعامل منهم أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله " . قال أبو عمر ابن عبد البر : وللحديث تتمة وهي قوله : قيل يا رسول الله منهم ؟ قال : " بل منكم " . وهذه اللفظة : ( بل منكم ) سكت عنها بعض رواة الحديث ( 172 ) .
قال الترمذي : حديث حسن صحيح . وتناكد الألباني مع حديث أبي ثعلبة هذا وأورده في الضعيفة لزعمه معارضة وجوب القيام بالأمر والنهي وحثه على الإعتزال وترك العامة وعامة أمورهم ، كما فعل ذلك من قبل مع حديث عبد الله بن عمرو وإنكاره ما روي عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره عند الفتن قوله : " إلزم بيتك واملك عليك لسانك " ( 173 ) .
وهؤلاء جميعا ينكرون من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على الإعتزال عند الفتن كما يجحدون ما دلت عليه تلك الأخبار من أمارات واقعية ظاهرة في عصرنا وما ذلك إلا إمعانا في إنكار تعيين زمانهم وجيلهم أنه المراد في كل أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم وليتملصوا بعد ذلك من تبعات ما أوجب عليهم صلى الله عليه وسلم من البراءة وإنكار الشر والأشرار في جيلهم ، واعتزالهم .
وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أيضا في معنى هذه الآية وقيل له : لو قمت إلى هذين الرجلين ـ لرجلين يتشاجران ـ وأمـرتهما ونهيتهما ، فقال رجل : عليك بنفسك ، قال عز وجل :﴿ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ﴾ فسمع ذلك ابن مسعود فقال : لم يجيء تأويل هذه الآية بعد ، فما دامت قلوبكم واحدة ، وأهواؤكم واحدة ، لم يلبسكم شيعا ولم يذق بعضكم بأس بعض ، فأمروا وانهوا ، فإذا اختلفت قلوبكم وأهواؤكم وألبسكم شيعاً ، وأذاق بعضكم بأس بعض ، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية ، فامرؤٌ ونفسه ( 174 ) .
وبعد كل هذه المرويات وغيرها في التعيين يأتي هذا السفيه سلمان العودة ويهزأُ من اعتقاد وجوب الإعتزال والعمل به ، واعتقاد عدم نفع العمل ، مضادا لخبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بحجة ما يدعيه من عمل وإصلاح مزعوم ينقذ به الأمة ، وكذب السفيه لو كان للإسلام أمة اليوم لإعتز وعلا بل هي أمم الهوى وحثالة الشعوب .
وما زال هذا التائه يمني نفسه أنه يعمل ويصلح أعوج القلب والعينين ، وأول من يكذب دعواه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخباره وصحابته رضي الله عنهم فيما رووا عنه ، هذا لو كان صادقا في دعواه العمل والاصلاح لصالح الدين والإسلام والحق أنها مجرد دعاوى زائفة كاذبة وأماني سفيهة جلها بدع وضلالات مبناها على أصول فاسدة وآراء مخادعة ما وجدنا منتهاها إلا إلى تكذيب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما أخبرا ، ولو كان ملتزما ما فرض الله في التغيير لقتل يقيناً ولم يترك منعما في بريدة يتشدق في نصرة الدين والدعوة له ، ومما عرفته أنه لم يسجن إلا بسبب دعوة المهدي وعرضها عليه ، واليوم سيترك لمنهجه الفاسد وسيبقى على أمره طليقا هنا وهناك فالأمر لا يتعدى التشدق بالجهالات .
روى الحاكم عن أبي الطفيل عن محمد بن علي قال : كنا عند علي ، فسأله رجل عن المهدي فقال : هيهات ، ثم عقد بيده سبعا ، فقال : ذاك يخرج في آخر الزمان ، إذا قال الرجل : الله الله قتل ! ، فيجمع الله له قوما قزع كقزع السحاب ، يؤلف الله بين قلوبهم ، لا يستوحشون إلى أحد ، ولا يفرحون بأحد ، يدخل فيهم على عدة أصحاب بدر ، لم يسبقهم الأولون ، ولا يدركهم الآخرون ، وعلى عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر . قال أبو الطفيل : قال لي محمد أتريده ؟ . قلت : نعم . قال : فإنه يخرج من بين هاتين الخشبتين قلت : لا جرم والله لا أريمهما حتى أموت . فمات بها ـ يعني مكة ـ ( 175 ) .
فهكذا ستكون الحال قبل التمكين للمهدي ، عجز عن العمل للتغير الحق الواجب وليس إلا القتل لمن أراد ذلك والواقع شاهد بذلك ، أما سلمان وزمرته فلينقروا ما شاؤوا ، فليس إلا نقر الخشب وتشدقات السفهاء .
وروى الأعمش عن إبراهيم عن الحارث عن علي قال : ينقص الدين ( 176 ) حتى لا يقال : الله الله ، ثم يضرب يعسوب الدين بذنبه ، ثم يبعث الله قوماً قزعاً كقزع الخريف إني لأعرف اسم أميرهم ومناخ ركابهم . قال وكيع : لم أسمع في المهدي بحديث أصح من حديث الأعمش ( 177 ) .
ومعنى قوله : لا يقال الله الله .أي حتى لا ينكر منكرا ويؤمر بمعروف ، جهلا من الضال وعجزا من المهتدي.
وذكر مثله حذيفة فقال : أو أردتم رد هذه الفتنة ، فإنها مرسلة من الله ترتع في الأرض حتى تطأ خطامها ليس أحد رادها ولا أحد مانعها وليس أحد متروك يقول الله الله إلا قتل ! ، ثم يبعث الله قوماً قزعاً كقزع الخريف ( 178 ) .
وعن عبادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ستكون فتن لا يستطيع المؤمن أن يغير فيها بيد ولا بلسان " ( 179 ) . وهذه الفتن هي التي تكون قبل التمكين للمهدي . وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا رأيتم أمرا لا تستطيعون تغييره فاصبروا حتى يكون الله الذي يغيره " ( 180 ) .
ويشهد لنفي القدرة على التغيير كما جاء في هذين الخبرين ما ورد في حديث أبي ثعلبة الخشني سابقا قوله : " ورأيت أمراً لا يدان لك به - أو قال : لا يد لك به ـ" .
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" يأتي على الناس زمان يخير الرجل فيه بين العجز والفجور ، فمن أدرك ذلك ، فليختر العجز على الفجور" ( 181 ) .
فهذه الحال التي سيكون عليها أولياء الله آخر الزمان عند حلول الفتن التي لن ترفع إلا بالتمكين للمهدي لا بتشدقات هؤلاء ولي الألسن بالمدح والثناء بعضهم على بعض وهم الأنتنون الحثالة والرويبضات السفهاء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم على حسب ما جاء في الأخبار عنه .
بل ورد عن أصحابه الأمر بالنهي عن التغيير صراحة كما جاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سترون أمورا تنكرونهـا ، فعليكم بالصبر ، ولا تغيروا ولا تقولوا نغير ، حتى يكون الله تعالى هو المغير .( 182 ) . وعن ابن مسعود : إنكم في زمان القائل فيه بالحق خير من الصامت والقائم فيه خير من القاعد ، وإن بعدكم زمانا الصامت فيه خير من الناطق والقاعد فيه خير من القائم ( 183 ) .
وجاء عنه ما يفيد أن زمننا هذا هو المقصود بخيرية الصمت لقوله : يوشك أن يأتي زمان قليل فقهاؤه كثير خطباؤه كثير سؤاله قليل معطوه ، يحفظون الحروف ويضيعون الحـدود والهوى فيه قائد للعمل . قيل : متى ذلك الزمـان ؟ قال : إذا أميتت الصلاة وشيد البنيان وظهرت الأيمان واستخف بالأمانة وقبلت الرشا ، فالنجاة النجاة . قال : فأفعل مـاذا ؟ قال : تكف لسانك وتكون حلسا من أحـلاس بيتك ( 184 ) ( 185 ) .
فمن ينكر أن زمننا هو هذا الزمن ، ألم يعلو فيه البنيان ، ألم يكثر فيه القراء الذين يحفظون الحروف ويضيعون الحدود ، ألم يجوروا في الحكم ، ألم يقبلوا الرشا ، إلا أنهم لم يطلبوا النجاة ، فقاتل الله الجحود وأهله .
وكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه عصرنا ويخبرهم أن علامته طول البنيان وإمرة الصبيان كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم منكبي ، فقال : " يا أبا هريرة كيف أنت إن أدركت ثلاثا ، وأعيذك بالله أن تدركهم " قلت : ما هي بأبي أنت وأمي ؟ قال : " طول البنيان ، وإمـارة الصبيان ، وشدة الزمـان " ( 186 ) .
وكان عمر رضي الله عنه يعد الأيام التي يطيلون فيها البناء وهي أيامنا هذه من شر الأيام ، وكان يخشى أن يقع ذلك في عصره حتى أنه كتب لعماله منكرا حين بلغه أن بعضهم أخذ يطيل البناء ، على ما روت أم طلق أنه قال : يا معشر العريب الأرض الأرض ، إنه لا إسلام إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمارة ، ولا إمارة إلا بطاعة ، لا تطيلوا بناءكم فإن شر أيامكم يوم تطيلون بناءكم ( 187 ) . وعن عبدالله: إن شـر الليالي والأيام والشهور والأزمنة ، أقربها إلى الساعة ( 188 ) .
وهذا أبو ذر يشترط لدوام أخوة أبي هريرة معه أن لا يطيل البناء ، فقد لقاه يوما أبو هريرة فالتزمه وقال : مرحبا بأخي . فقال أبو ذر : إليك عني ، هل كنت عملت لهؤلاء ؟ قال : نعم . قال : هل تطاولت في البناء أو اتخذت زرعا أو ماشية ؟ قال : لا . قال : أنت أخي أنت أخي ( 189 ) .
وعن محمد بن علي لما ذكر له المهدي قال : قبل ذلك فتنة شر فتنة ، يمسي الرجـل مؤمناً ويصبح كافراً ، ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً ، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله تعالى وليحرز دينه ، وليكن من أحلاس بيته ( 190 ) .
وهذا كله مأخوذ من أمر النبي صلى الله عليه وسلم عند الفتن أن يكف يده ولسانه ويلزم بيته كما روي عنه قوله صلى الله عليه وسلم : " إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ، القاعد فيها خير من القائم ... " قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : " كونوا أحلاس بيوتكم " ( 191 ) .
وغير هذا مما فيه مدح التارك المعتزل عند حلول الفتن آخر الزمان ، كقوله : ( خير الناس فيها الغني الخفي ) . وقوله : ( خير الناس مؤمن معتزل ) . وسلمان يخالف كل هذا سفها من نفسه الضالة ، ويزعم أنه ضلال ويهزأُ ممن عمل به ، فمن يلومني بعد ذلك في سلمان ، لا بارك الله في سلمان قاربه الله بالحق فباعد عنه في ضلاله .
بل أزيد هنا على ما سبق ذكره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الأمر بالإعتزال آخر الزمان عند حلول الفتن ، في بيان أن هذا الإعتزال عند كثرة الشرور ، هو أصل عظيم قرر في وحي الأنبياء ما قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بتأكيده وستجد هذا مقررا عند أهل الكتاب فيما ينسبونه لكتب أنبيائهم ، من ذلك المنسوب لزبر داود عليه السلام : طوبى للأمة التي الرب إلهها . الشعب الذي اختاره ميراثا لنفسه . . لن يُخلص الملك بكثرة الجيش الجبار لا ينقذ بعظم القوة . باطل هو الفرس لأجل الخلاص وبشدة قوته لا ينجى . هو ذا عين الرب على خائفيه الراجين رحمته ( 192 ) . وقال زكريا : لا بالجيش ولا بالقوة لكن بروحي ! ( 193 ) . وقال هوشع : سوف أخلصهم بقوة رب الجنود . ولن أنقذهم بالقوس ولا بالسيف ولا بالحرب ولا بالخيل ولا الفرسان !! ( 194 ) . وقال أيضاً النبي ميخا : كما في أيام خروجك من أرض مصر أريه معجزات . فترى الأمم ويخزون من قوتهم كلها ويضعون أيديهم على أفواههم وتصم آذانهم ( 195 ) .
الآية الثالثة : ﴿ ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين قل يوم الفتـح لا ينفـع الـذين كفـروا إيمانهم ولا هـم ينظـــرون . فأعـرض عنهـم وانتظـر إنـهـم منتظـرون ﴾ ( 196 ) والمعنى في هذه الآية كسابقتها في نفي قبول الإيمان حين تحقق الآيات التي تكون آخر الزمان ، وكما أمر بالانتظار هناك أمر به هنا كذلك . ومما أفاده خبر الآية السابقة في نفي الإيمان عند تحقق الآيات ، أن زمن الفتح في هذه الآية الثالثة هو آخر الزمان كذلك لدلالة نفي قبول الإيمان في خبر الآيتين ، فاتحاد المعنى في خبر كليهما دال على اتحاد زمن تأويلهما الذي هو الحد الأقصى لحصول إيمانهم الذي لن يقبل لقوله تعالى كذلك : ﴿ لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم ﴾ فيكون على هذا وقوعه حين لا يقبل وحده حين يروا العذاب .
وكعادته في التلبيس حرف سلمان في معنى الآية هنا وادعى أنها في عقوبة الكافرين في الدار الآخرة ، واختار أن المقصود بالفتح في الآية يوم القيامة ، فقال : والدليل قوله تعالى : ﴿ لا ينفـع الـذين كفـروا إيمانهم ولا هـم ينظـــرون﴾ اهـ . فجعل نفي قبول الإيمان دليلا على زعمه ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر هنا بانتظار ما وعدوا به من البعث ، والجزاء ، والحساب .
والقول في رد جهله هنا على هذه الآية كسابقه على الآية الأخرى ، أن الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته في عدم قبول الإيمان والعمل به في الدنيا قبل طلوع الشمس من مغربها ، فلا يصح على هذا زعمه الدليل على دعواه أن الوعيد في هذه الآية إنما يقع بعد البعث من المـوت لعدم قبول الإيمان ، ولا دليل له غير هذا على مـا زعم إلا تقليده لما نقل عن مجاهد في الآية قوله : أنه يوم القيامة ( 197) . وهناك من خالفه وقال : المراد فتح مكة . وقد رد هذا القول الأخير ابن كثير وشدد في ذلك فقال : من زعم أن المراد من هذا الفتح فتح مكة فقد أبعد النجعة ، وأخطأ فأفحش ، فإن يوم الفتح قد قبل إسلام الطلقاء وكانوا قريبا من ألفين ولو كان المراد فتح مكة لما قبل إسلامهم ، وإنما المراد الفتح الذي هو القضاء والفصل . وذكر رحمه الله أن معنى الانتظار المأمور به في الآية : إنتظارا للنصر الموعود والعاقبة بالظهور والتأييد ، وأن أعداءك سيجدون غب ما ينتظرونه فيك وفي أصحابك من وبيل عقاب الله لهم ، وحلول عذابه بهم اهـ ( 198 ) .
قلت : لو اختار ابن كثير أن هذا الفصل والقضاء بالظهور والنصر كائن آخر الزمان وأن في ذلك الوقت يكون الفتح لأصاب على التمام في تفسير الآية ، إلا أنه أفسد كلامه فيها حين قصر ذلك على زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكفار وقتهم ممن قاومه ، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفيد أن زمن الظهور والنصر إنما يكون آخر الزمان ، فإن كان المراد بالفتح في الآية النصر والظهور على ما اختار ابن كثير فلا شك أن وقت ذلك آخر الزمان وهو عين ما أقرره في اعتقادي وخالفه سلمان العودة ، يدل عليه ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى " فقلت : يا رسول الله ! إن كنت لأظن حين أنزل الله : ﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحـق ليظهره على الدين كله ولو كـره المشركون ﴾ ( 199 ) أن ذلك تام , قال : " إنه سيكون من ذلك ما شاء الله , ثم يبعث الله ريحاً طيبة تتوفى من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان , فيبقى من لا خير فيه , فيرجعون إلى دين آبائهم " ( 200 ) .
وسبق لي تعليق على هذا الحديث ذكرته في كتابي ( رفع الالتباس ) في إثبات عودة سيد الناس صلى الله عليه وسلم ونصه :
قلت : ما أشكل على عائشة هو عينه ما أشكل على الكثير من أصحابه رضي الله عنهم عند وفاته ودينه لم يظهر بعد على جميع الأديان كما سأبينه لاحقا في الفصول التالية إن شاء الله . والرسول صلى الله عليه وسلم أتى بجوابه على قولها وهو يصرح بتعيين هذا الظهور أنه آخر الزمان مع إغفاله الجواب على أصل الإشكال عندها وهو تمام الدين لبعثه وظهوره على جميع الأديان , فبين لها أن الظهور سيكون كما ورد في الآية إلا أنه آخر الزمان , ولم يكشف لها أن ذلك سيكون بوجوده عليه الصلاة والسلام وأن ظاهر الآيات المذكورة سيصدق حينها بتمامه , وتعد هذه الآية من النبوءات المخفية كغيرها من النبوءات اهـ ( 201 ) .
فهذا هو الظهور والنصر والفتح الذي أمر عليه السلام بانتظاره ، فيه يعز الدين على سائر الملل ويكبت أعداء المصطفى المكذبين لدينه ودعوته من اليهود والنصارى ، ويذل المنافقين من أدعياء ملته ، لتركهم دينه ونصرته . وهذا هو الفتح الحق على الصحيح لا كما زعم سلمان تقليدا لمجاهد أن ذلك إنما يكون يوم القيامة ، وهو تقليد يدل على سفه هذا الرويبضة وأنه ينطق بما لا يدرك ويهرف بغير وعي حين صدّق في أن له الحق أن يخوض ويفتي فيما لا يقوى على تحقيق النظر الصحيح في إدراك حقيقته ، وإلا فليُجب ما الدليل المنفصل غير ما ذكر من قوله سابقا وأبطلته يدل على أن هذا الفتح إنما يكون يوم القيامة دون سائر الفتوح المذكورة في غير هذه الآية من كتاب الله تعالى ، كقوله : ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين . ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ﴾ ( 202 ) فلم يقل أحد أن هذا الفتح يوم القيامة مع ذكر المولى عز وجل إحباط العمل عنده وهو أشد من عدم قبول الإيمان لو يعي سلمان وحزبه .
وكذلك قوله عز وجل : ﴿ وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين﴾ ( 203 ) فهل قال أحد أن هذا الفتح هو يوم القيامة .
وخلاصة الكلام فيما دل عليه خبر هذه الآية أن هذا الفتح المذكور إنما هو وعد قطعه الله تعالى على لسان سائر أنبيائه ورسله أن يظهر دينه ورسله آخر الزمان على سائر أعدائهم وأعدائه ، وقدر سبحانه بعلمه وحكمته عودة بعض رسله لتحقيق هذا الوعد والفتح العظيم ، ومن أجل ذلك كان رفع إدريس وإيليا وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وكان من تقدير المولى سبحانه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم حين يعودون لتحقيق الإشهاد على أممهم ، وإلى ذلك أشار المولى عز وجل في قوله : ﴿ ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ﴾ ( 204 ) وقوله تعالى : ﴿ فكيف إذا جئنا مـن كل أمـة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ﴾ ( 205 ) وقال في ذلك أيضا : ﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ﴾ ( 206 ) ﴿ يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا ﴾ ( 207 ) .
وروى أبو داود في سننه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إقرأ علي سورة النساء " قال : قلت أقرأ عليك وعليك أنزل . قال : " إني أحب أن أسمعه من غيري " قال : فقرأت عليه ، حتى إذا انتهيت إلى قوله : ﴿ فكيف إذا جئنا مـن كل أمـة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ﴾ ، فرفعت رأسي فإذا عيناه تهملان ( 208 ) . وفي البخاري قال لي : " كف أو أمسك " ( 209 ) . ورواه مسلم عن مسعر عن مَعْن عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عند ذلك : " شهيدا عليهم ما دمت فيهم ، أو ما كنت فيهم " شك مسعر ( 210 ) . ورواه ابن المبارك في الزهد والطبري في تفسيره عن ابن عيينة عن مَعْن من غير شك ، فقال : استعبر رسول الله ثم قال : ﴿ شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ﴾ ( 211 ) . ينزع لقوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام يوم القيامة : ﴿ وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ﴾ ( 212 ) يريد بهذا أن يطابق ما بين حاله وحال عيسى عليه الصلاة السلام ، إذ أعقب الله شهادته الأولى بعودته ، وكذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم ستعقب شهادته الأولى عودته ، وهذه الموافقة سبب نزعه لتلاوة هذه الآية .
وروى ابن أبي حاتم والطبراني عن يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ظفر ومعه ابن مسعود ومعاذ وناس من أصحابه رضي الله عنهم ، فأمـر قارئا فقرأ فأتى على هذه الآية :﴿ فكيف إذا جئنا ..﴾ فبكى حتى اضطرب لحياه ووجنتاه ، فقال : " يا رب ، هذا على من أنا بين ظهريه فكيف بمن لم أره " .
قلت : استشكل الحافظ ابن حجر في شرح حديث ابن مسعود ما ورد في حديث ابن فضالة ، لظنه استشكال النبي صلى الله عليه وسلم شهادته على من لم يدركه من أمته ، والصحيح أن الإشكال في فهم الحافظ ابن حجر لمراد النبي صلى الله عليه وسلم ، وسبب وقوعه في ذلك إغفاله حين شرح حديث ابن مسعود في فتح الباري ، رواية سفيان بن عيينة ومسعر المذكورة سابقا وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم يستدل بقول الله تعالى : ﴿ فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ﴾ وفي هذا الجواب على الخطأ في فهم ابن حجر على مراد النبي صلى الله عليه وسلم، فالإشهاد إنما يكون لمن حضر يفيده كلام الله على لسان عيسى في الآية التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لم يحضرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تشهد عليهم ملائكة الله وجوارحهم وقبل ذلك الله شهيد ورقيب عليهم . قال تعالى : ﴿ وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون ﴾ فبعد توفي النبي صلى الله عليه وسلم الله هو الشهيد ، أنسي الحافظ ما يقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند الحوض حين يذاد عنه بعض أصحابه فيقال له : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . ولو كلف نفسه الحافظ بإيراد رواية سفيان ومسعر لحديث ابن مسعود بتمامها ( 213 ) لزال عنه الإشكال ، إلا إنه وللأسف أورد بدلا من ذلك ما أثر عن سعيد بن المسيب قوله : ليس من يوم إلا يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم . فلذلك يشهد عليهم . قال الحافظ بعد ذلك : ففي هذا المرسل ما يرفع الإشكال الذي تضمنه حديث ابن فضالة اهـ ( 214 ) .
قلت : وقوله هذا اتباعا لما قرره القرطبي في تفسيره حين استدل بأثر سعيد وعده تفسيرا لمعنى تلك الآية ( 215 ) ، وهو ما ذهب إليه قبل ذلك في تذكرته ، وسبق الحافظ ابن حجر الإمام ابن كثير في ذكـر أثر سعيد في تفسير هذه الآية إلا أنه لم يوافق القرطبي فيما قبله من تفسير للآية بهـذا الأثر وقال : فيه انقطاع ، راويه عن المنهال بن عمرو مبهم لم يسم ، وهو من كلام سعيد بن المسيب لم يرفعه اهـ ( 216 ) .
والصحيح فيما ذكر بحديث ابن فضالة أن هذا إنما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم تعظيما لعودته ليكون شهيدا على من يدركه في آخر أمته ، ولما ناسب إنفعاله لسماعه تلك الآية من سورة النساء حتى أنه بكى وأطال البكاء تأثرا لما ورد فيها ، قال ما قال إشارة منه لمكتوم إعتقاده ! .
ولما كان هذا الإشهاد من الفتح الموعود المحتوم وكان يدرك صلى الله عليه وسلم أنه واقع لا محالة كعيسى وغيره من رسل الله ممن جاء
الذكر بعودتهم آخر الزمان ، لما كان قدرا محتوما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين البقاء في الدنيا لحين تحققه أو أن يقبضه الله لجواره حتى إذا حضر زمنه أعاده الله جل وعلا كما وعد في قوله : ﴿ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد﴾ (217 ) فاختار عليه الصلاة والسلام جوار ربه بدلا من أن يخلد في الدنيا لحين تحقق الوعد ، وقد صحت أحاديث عدة في إثبات هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه ونحن في المسجد عاصبا رأسه بخرقة حتى أهوى نحو المنبر فاستوى عليه واتبعناه ، فقال : " إن عبدا عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخـرة " ثم هبط فما قام عليه حتى الساعـة ( 218 ) .
وعند مسلم : " عبد خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين مـا عنده فاختار ما عنده " ( 219 ) .
ومن ألفاظه عند أحمد عن أبي المعلى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب يوما فقال : " إن رجلا خيره ربه عز وجل بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش فيها ، يأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل منها ، وبين لقاء ربه عز وجل ، فاختار لقاء ربه " ( 220 ) .
قلت : كيف لا يختار ما اختار الله تعالى لعيسى وإدريس وإيليا صلوات الله وسلامه عليهم ، وما كان ليختار إلا ما اختار الله لرسله .
وجـاء عن أبي مويهبة مولى رسول الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " يا أبا مويهبة ، إني قـد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة ، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي " فقلت : بأبي أنت وأمي خذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة . قال : " لا والله يا أبا مويهبة ، لقد اخترت لقاء ربي " ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف . فبدء رسول الله بوجعه الذي مات فيه (221 ) .
ورواه الخطيب في التاريخ وفيه : فما لبث بعد ذلك سبعا أو ثمانيا حتى قبض ( 222 ) . وفي مصنف عبدالرزاق عن طاووس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل ، فاخترت التعجيل " ( 223 ) . وفي الدارمي عن عمر بن قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله أدرك بي الأجل المرحوم ، واختصر لي اختصاراً " ( 224 ) . عد قبضه لحين تحقق الوعد إختصارا للزمن ما بين بعثه الأول وعودته ليرى وعد الله فيهم . وعن عبد الرحمن بن جبير قال : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : خـرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً كالمودع فقال : " أنا محمد النبي الأمي - ثلاثاً - ولا نبي بعدي ، أوتيت فواتح الكلم وجوامعه وخواتمه ، وتُجوِّز بي ، فاسمعوا وأطيعوا مـا دمت فيكم ، فإذا ذهب بي ، فعليكم بكتاب الله ، أحلوا حلالـه وحرموا حرامـه " ( 225 ) .
والمعنى في ( تجوِّز بي ) هنا في الحديث كالمعنى في قوله : ( واختصر لي اختصاراً ) المذكور في الحديث الذي قبله ، فمعنى التجوز التخفيف ومنه قوله : ( تجوزوا في الصلاة ) أي خففوها . فقد خفف عنه بقبضه ، عناء مكابدة الحياة الدنيا لحين الوعيد .
فهذا هو الفتح والوعد العظيم المبين المنصوص على خبره في كتاب ربنا وفصل أمره عند أهل الكتاب يجدونه في نبوءات أكثر الأنبياء ، في توراة موسى وزبور داود وأسفار إشعيا وزكريا وإرميا وحزقيال وغيرهم ، وكان أهل الكتاب من اليهود يؤمنون بهذا الوعد والفتح إلا أنهم ما زالوا يجحدونه على أنبيائهم ويأبون إلا أن ينسبونه لبني إسحاق وأنه في ذرية داود سيكون ومن أجل هذا كان قتلهم للأنبياء واضطهادهم كما قتلوا إشعيا وزكريا وطلبوا قتل عيسى صلوات الله وسلامه عليهم جميعا ، كل هذا إمعانا منهم مع الإصرار على تكذيب وعد الله تعالى ورد حكمه قال تعالى : ﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ﴾ ( 226 ) . ﴿ آمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون . ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنت تعلمون ﴾ ( 227 ) .
وقال : ﴿ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قـد جـاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويـخرجهم من الظلمات إلى النـور بإذنه ويهديهـم إلى صراط مستقيـم ﴾ ( 228 ) .
وما زالوا يدعـون هذا فيهم ولن يزالوا حتى يأتيهم الأمر بغتة كما أخبر بهـذا المولى عز وجل ، والقرآن حـوى بين دفتيه الكثير من الإشارة لهذا الأمر تلميحا وتصريحا يطرح تكذيبهم لهذا الأمر ويرد عليه كقوله تعالى : ﴿ ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ﴾ ﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين ﴾ ﴿ ويقـولون متى هــذا الوعــد إن كنتم صادقين . ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ﴾ وجاء ذكر هذا الوعد كذلك في قوله : ﴿ وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ﴾ وفي قوله : ﴿ فإذا جـــاء وعد الآخرة ليسئوا وجوهكم ﴾ وكذلك في قوله : ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ﴾ يريد الفتح الآتي والتمكين الموعود الذي ما زال اليهود ينكرونه على المسلمين ويدعونه لأنفسهم وهم يجدونه مفصلا في كتبهم ، وما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بتصديقه وتفصيله قال تعالى في ذلك : ﴿ وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين . أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين . بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كـذلك كــذب الذين مــن قبلهم فانظــر كيف كـان عاقبة الظالمين ... وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون ﴾ ( 229 ) .
وقال تعالى : ﴿ ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقـوم يؤمنون . هل ينظرون إلا تأويله﴾ (230) يريد تأويله بتحقق الوعد الذي سيصيبهم آخر الزمان ، ذاك الوعد الذي قطع لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يريه إياه فيه يحل العذاب على أهل الكتاب والمشركين وأشياعهم من منافقي ملته ، وتنصر به أمته ودينه ويفتح لها باب على جميع هؤلاء كما في قوله عز وجل : ﴿ فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون ﴾ وقال : ﴿ وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ﴾ وقال : ﴿ أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون ﴾ وقال : ﴿ قل ربِ إما تريني مــا يوعدون . ربِ فلا تجعلني في القوم الظالمين . وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ﴾ خمسة مواضع يؤكد فيها سبحانه على رسوله صلى الله عليه وسلم أن يريه هذا الوعد فهل انتفع هذا الجاهل سلمان وأمثاله من هذا التأكيد في كتاب الله تعالى أبدا ، إنها البلادة ، إنها السفاهة نطق أهلها في زمان التأويل كذبا وشرا .
خمسة مواضع والسادس قوله تعالى : ﴿ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ﴾ والسابع في الآية التالية .
الآية الرابعة : ﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل ﴾ ( 231 ) وهذه الآية داخلة في المعنى الذي دلت عليه الآيات السابقة وهو الأمر بالانتظار من النبي صلى الله عليه وسلم لحين تحقق الوعد ، فاللقاء المأمور بعدم المرية فيه هنا لم يقع بعد فتحتم أنه من المنتظر إلى الآن ، فإن لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم تحقق تأويل ما في كتاب موسى لم يقع بعد بنص كتاب ربنا وذلك في قوله : ﴿ هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ﴾ ( 232 ) .
فهذا يقينا مما يكون في الدنيا وليس الآخرة فرسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هو ممن يشك في أمر الآخرة وحاشاه أن يقع له الشك في أمر الآخرة حتى ينهاه ربه عن المرية فيها لو كان هذا اللقاء مما يكون في الآخرة بعد البعث . أقول هذا حتى لا يفكر سلمان أن يختار أن اللقاء مما سيكون في الآخرة وهو ديدنه الذي سار عليه في زعمه تأويل بعض الآيات السابقة أن كل ذلك مما يكون في الآخرة ، ولن يبقى له إلا أن يزعم ما ذهب إليه قتادة حين جعل الضمير في لقائه عائداً على موسى وأن ذلك تحقق في ليلة المعراج , وهذا قول باطل إذ لا ينفك الأمر عن أن تكون الآيات هنا نازلة قبل المعراج أو بعده , فإن كانت قبله فلا يستقيم أن يوعظ بعدم الشك وهو لم يره بعد ، وإن كانت ممـا نزل بعد المعراج فهل يستقيم افتراض ورود الشك على الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض ما ورد أنه رآه في المعراج هذا لا يستقيم , وهو كفر ممن قاله لقوله تعالى : ﴿ ما كذب الفؤاد ما رأى ﴾ ( 233 ) .
والحق إن شاء الله تعالى أن الموعظة في عدم الشك بلقاء التأويل وإدراكه , لا لشكه وعدم تسليمه عليه الصلاة والسلام حاشا لله أن يكون هذا منه , وإنما الأمر خرج مخرج التعظيم لهذا الاعتقاد والتصديق الذي هو من الثقل على نفسه الكريمة للحد الذي كان يقول فيه : " لو تعلمون مـا أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً " . وعلى هذا يستقيم النهي عن الشك في التصديق بما يقع آخر الزمان من تأويل كتاب موسى دون النهي عن الشك عما رآه بالفعل كما ذكر ذلك عن قتادة , كما أنه من الباطل افتراض أن النهي عن المرية كما قلت سابقا في يقينه بما يكون من تأويل ما بعد البعث والحشر العام ، وهذا لا يجوزه على رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الخطاب إلا كافر جاحد ، والله تعالى إنما أثبت المرية للكفار في تحقق هذا الوعـد ، وإن صح عند الله تعالى نهي نبيه عن المرية فيه أن لا يقع منه ، فلا يكون ذلك إلا تنزيها له من أن يكون مثلهم لا أنه وقع منه ، قال تعالى عنهم : ﴿ ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ﴾ .
وهذه الآية الأخيرة لم يوردها سلمان في رده على الدعوة المهدية مع دخولها دخولا أوليا في المعنى الذي أفادته الآيات الأخرى وفيها أمره بالانتظار ، إذ أن نهيه عن الشك في اللقاء أبلغ في المعنى من مجرد الانتظار إذ يتضمن المعنى من الانتظار وزيادة باليقين بتحقق داعي الانتظار ، وسلمان لم يوردها مع تشدقه بقوله : هذا الموضوع دعاني إلى مراجعة كلمة الانتظار في القرآن الكريم . واعتقد أن هذا مسلك حسن ، أن نراجع كتاب الله تعالى ، الذي فيه الهدى والنور كلما وقعت واقعة من مثل هذه القضايا ، أو تداعت إلى النفوس أو ظهرت ظاهرة تحتاج إلى علاج . . فنظرت في الآيات التي ذكر فيها لفظ : الانتظار ، أو ما يماثلها مثل : التربص ، ونحوها اهـ ( 234 ) . وكذب هذا الدعي في زعمه المراجعة والنظر في القرآن إذ لم يورد هذه الآية ، بل هو أغفل ذكر كل أدلتي في إثبات عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الزمان غير تلك الآيات على عادة أهل البدع في معارضة الحق على ما قال عبد الرحمن بن مهدي : أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم ، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم . وقال ابن تيمية : أهل العلم والحق يقبلون الصدق وإن كان فيه شبهة وإشكال ، وقد يحتج به المنازعون لهم ( 235 ) .
------------------
( 1 ) موقع ( الإسلام اليوم ) مقالة بعنوان ( الانتظار عقدة أم عقيدة ) تاريخ (1/11/2001) .
( 2 ) سورة النحل ( 88 ) .
( 3 ) سورة المجادلة (21) .
( 4 ) سورة الصافات (171-175)
( 5 ) سورة يونس (102 – 103) .
( 6 ) راجع ( ص79 ) من هذا الكتاب .
( 7 ) سورة النور (55) .
( 8 ) سورة ص (86-88) .
( 9 ) سورة الأنعام (66-67) .
( 10 ) سورة عم (1-5) . ونس (102 – 103) .
( 6 ) راجع ( ص79 ) من هذا الكتاب .
( 7 ) سورة النور (55) .
( 11 ) سورة الزخرف (5) .
( 12 ) سورة الأعراف (53) .
( 13 ) سورة يونس (102-103) .
( 14 ) سورة ص (11- 15) .
( 15 ) سورة يس (48) .
( 16 ) سورة السجدة (28-30) .
( 17 ) سورة المائدة (52-53) .
( 18 ) سورة الإسراء (104-108) .
( 19 ) سورة الحشر (3) .
( 20 ) سورة الإسراء (104) .
( 21 ) سورة الإسراء (7) .
( 22 ) سورة الأعراف (167) .
( 23 ) سورة البقرة (114) .
( 24 ) سورة المائدة (41) .
( 25 ) التفسير (1/218) .
( 26 ) سورة طه (134) .
( 27 ) سورة المجادلة (20-21) .
( 28 ) سورة ص (11-15)
( 29 ) سورة الأعراف (185) .
( 26 ) سورة طه (134) .
( 27 ) سورة المجادلة (20-21) .
( 28 ) سورة ص (11-15)
( 29 ) سورة الأعراف (185) .
( 31 ) سورة الأنعام (158) .
( 32 ) موقع ( الإسلام اليوم ) مقالة بعنوان ( الانتظار عقدة أم عقيدة ) تاريخ (1/11/2001) .
(33) رواه مسلم (2/195) شرح النووي ، وأبو يعلى (11/31) ، والطبري في التفسير (8/103) ، والترمذي (5/264) قال : حسن صحيح .
( 34 ) الفتح (11/353) .
( 35 ) مسلم (18/22) ونعيم في الفتن (2/480) .
( 36 ) رواه أحمد في المسند (29/551) قال الهيثمي : فيه ابن لهيعة وفيه ضعف وحديثه حسن ، وبقية رجاله رجال الصحيح .
( 37 ) رواه الترمذي (4/510) والداني في الفتن من وجهين (5/1129) .
( 38 ) سورة النساء (159) .
( 39 ) سورة الأنعام (158) .
( 40 ) سورة غافر (85) .
( 41 ) الإنجيل الصحيح (ص160) .
( 42 ) الإنجيل الصحيح (ص 285) .
( 43 ) الإنجيل الصحيح (ص 218) .
( 44 ) سورة آل عمران (55) .
( 45 ) التذكرة (ص 718) والتفسير (9/388) . والحديث رواه الحكيم الترمذي في ( نوادر الأصول ) وأبو نعيم وله شاهد عن علي رضي الله عنه وابن عباس وأنس .
( 46 ) في الفصل الثالث .
( 47 ) المقال الثاني لأبي الحسن الندوي عن كتاب ( القادياني والقاديانية ) (ص190) إعداد عبدالماجد الفوري
( 48 ) المقال السابع لأبي الحسن الندوي عن كتاب ( القادياني والقاديانية ) (ص247) .
( 49 ) المقال الثاني للمودودي عن كتاب ( القادياني والقاديانية ) (ص46) .
( 50 ) المقال الثاني للمودودي عن كتاب ( القادياني والقاديانية ) (ص46) .
( 51 ) سورة الدخان (9-16) .
( 52 ) الطبقات لإبن سعد (2/255) .
( 53 ) المرجع السابق .
( 54 ) المقال الثاني لأبي الحسن الندوي عن كتاب ( القادياني والقاديانية ) (ص184) .
( 55 ) المقال الثاني أبو الأعلى المودودي عن كتاب ( القادياني والقاديانية ) (ص69) .
( 56 ) المرجع السابق .
( 57 ) المقال الرابع لأبي الحسن الندوي عن كتاب ( القادياني والقاديانية ) (ص213) .
( 58 ) ذكره عنه إحسان إلهي ظهير في المقال الثالث كما في كتاب ( القادياني والقاديانية ) (ص 308 و 309) .
( 59 ) ذكره في المقال الثاني قال : لا توجد عقيدة من عقائد الإسلام تختص بالمهدي اهـ . عن كتاب ( القادياني والقاديانية ) (ص 115) .
( 60 ) المقال الثامن لأبي الحسن الندوي عن كتاب ( القادياني والقاديانية ) (ص264) .
( 61 ) كتاب ( الردة والفتوح ) لسيف بن عمر التميمي (155) .
( 62 ) كتاب ( الردة والفتوح ) لسيف بن عمر التميمي (58) .
( 63 ) كتاب ( الردة والفتوح ) لسيف بن عمر التميمي (105) .
( 64 ) كتاب ( الردة والفتوح ) لسيف بن عمر التميمي (136) .
( 65 ) كتاب ( الردة والفتوح ) لسيف بن عمر التميمي (57) .
( 66 ) يدخل في عداد هؤلاء الجهلة ، كتاب الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب ، إذ عدوا في جملة إعتقادات السبئية الموضوعة لتحريف أصول الدين ، القول برجعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وزعموا أن ابن سبأ أول من وضع لأهل هذه الملة القول بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ( الموسوعة الميسرة ص 1067 إشراف د . مانع بن حماد الجهني ) .
( 67 ) الطبقات لإبن سعد (2/118) . في إسناد هذه الرواية كلام والقصة المذكورة فيه رويت في الصحيح ما عدا قول عمر : ليس بميت ، ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى . وهو عين ما قاله والكثير من الصحابة بعد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس هذا ما ينكر في الرواية المذكورة بما أنه ذكر في غيرها ، وإنما الأهم عندي أن عمر رضي الله عنه ذكر ما ذكر على حسب هذه الرواية ورسول اللهصلى الله عليه وسلم يسمع !! ، ولإن كانت هذه الرواية وقعت فعلا ، فلا شك أن في ذلك إقرارا من النبي صلى الله عليه وسلم ، خصوصا أنه جاء عن رسول الله أنه لم يقبض إلا بعد ذلك بثلاثة أيام ، ولا يجوز تأخير البيان والحاجة مقتضية له. ومما يثبت سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عما قال عمر رضي الله عنه في ذلك المجلس ، أن عمر بقى عليه وقاله بعد قبضه . وكما عد سكوت النبي عن عمر رضي الله عنه لما قال في تلك القصة يكفينا كتاب الله ـ يريد عما كان سيكتبه رسول الله ـ إقرارا ، فلا شك أن ما قلته في شأن الانتظار يعد إقرارا كذلك لأنه صلى الله عليه وسلم سكت ولم يعقب .
( 68 ) ذكره ابن سعد عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن بعض الصحابة . الطبقات لابن سعد (2/271) . وأبو الأسود في المغازي ذكره عنه في الفتح .
( 69 ) السيرة لابن هشام ( 4/ 286 ) .
( 70 ) رواه البخاري ، وابن سعد ، والبيهقي في الاعتقاد (343) ، وغيرهم .
( 71 ) رواه الدارمي (1/39) .
( 72 ) الهيثمي (7 /309) .
( 73 ) طبقات ابن سعد (2/271) .
( 74 ) سورة الزخرف (41-42) .
( 75 ) سورة الرعد (40) .
( 76 ) سورة غافر (77) .
( 77 ) سورة المؤمنون (95) .
( 78 ) سورة القصص ( 85 ) .
( 79 ) راجع تفسير ابن كثير ( 3/444 ) , والفتح لإبن حجر (8/510) . وكان أيضاً يكتم تفسير قوله تعالى : ( ويسألونك عن الروح ) لتعلقه بالتأويل آخر الزمان .
( 80 ) راجع ميزان الاعتدال للذهبي ( 2 / 640 ) , واللسان ( 4 / 42 ) . قلت : رواه عبد الواحد بن زياد عن أبي مريم عن الحكم به , وكذّب عبد الواحد بن زياد أبا مريم على هذه الرواية , ووافقه أبو داود على هذا التكذيب , وهو تكذيب مجرد عن البرهان مبني على إعتقاد مظنون .
( 81 ) سورة آل عمران (55) .
( 82 ) سورة المائدة (117) .
( 83 ) أحمد في المسند (25/374) والدارمي في سننه (1/216) والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (8/222) .
( 84 ) رواه الدارمي في سننه (1/200) .
( 85 ) سورة الشعراء (196-207) .
( 86 ) سورة الإسراء (107-108) .
( 87 ) سورة البقرة (146) .
( 88 ) سورة البقرة (76) .
( 89 ) سورة البقرة (89) .
( 90 ) سورة المائدة (41) .
( 91 ) سورة يونس (98) .
( 92 ) سورة إبراهيم (6-8) .
( 93 ) سورة الأعراف (167) .
( 94 ) سورة الإسراء (7) .
( 95 ) سورة تبارك (25-27) .
( 96 ) ( فتح المنان في رد أباطيل أبي حصان ص 9) و ( عمد النار والدخان ص24) و ( الأجوبة الشرقية على التساؤلات اليمنية ص 13) و ( التفصيل النفيس في ص39) و ( نثر الدرر ص 46) و (حصار العراق ص 19) .
( 97 ) التثنية (31/26) .
( 98 ) سورة الأعراف (52-53) .
( 99 ) سورة الأعراف (37) .
( 100 ) سورة القصص (44) .
( 101 ) سورة القصص (43) .
( 102 ) سورة الأنعام (91) .
( 103 ) سورة البقرة (93) .
( 104 ) سورة آل عمران (187) .
( 105 ) سورة البقرة (90-91) .
( 106 ) سورة البقرة (87) .
( 107 ) سورة المائدة (13) .
( 108 ) سورة يونس (96-97) .
( 109 ) سورة يس (7-11) .
( 110 ) سورة الأنبياء (105-106) .
( 111 ) سورة آل عمران (86) .
( 112 ) سورة البقرة (174-176) .
( 113 ) كلمتهم بعنوان ( على أي أساس نتعايش ) مقال نشر في موقع الإسلام اليوم على الانترنت إعداد سلمان وزمرته من دعاة الضلالة ونار جهنم ، وعملهم هذا مصدقا أخبار نبينا فيهم أنهم من دعاة جهنم .
( 114 ) سورة غافر (53-55) .
( 115 ) سورة غافر (77) .
( 116 ) سورة المؤمنون (95) .
( 117 ) سورة السجدة (23) .
( 118 ) سورة هود (17) .
( 119 ) سورة ص (11-15) .
( 120 ) سورة هود (110) .
( 121 ) سورة طه (129) .
( 122 ) سورة الشورى (21) .
( 123 ) سورة الدخان ( 40-42) .
( 124 ) سورة الصافات (171-174) .
( 125 ) سورة مريم (75) .
( 126 ) سورة القمر (45-46) .
( 127 ) سورة الشعراء (205-207) .
( 128 ) سورة الشعراء (201-203) .
( 129 ) سورة الأعراف (52-53) .
( 130 ) سورة يونس (39) .
( 130 ) سورة يونس (46) .
( 132 ) سورة العنكبوت (53) .
( 133 ) سورة غافر (85) .
( 134 ) سورة فاطر (43) .
( 135 ) سورة يونس (48-51) .
( 136 ) سورة يونس (24) .
( 137 ) سورة يونس (95-97) .
( 138 ) سورة الدخان (11-16) .
( 139 ) ذكره في الدر المنثور عن عبد بن حميد والطبراني (3/111) ، وروى البيهقي في الاعتقاد عن ابن مسعود رضي الله عنه : مضت الآيات غير أربع طلوع الشمس والدجال والدابة ويأجوج ومأجوج ـ قال ـ وبها تختم الأعمال قال ثم قرأ ( يوم يأتي بعض آيات ربك ) (ص 217) ، ورواه نعيم في الفتن (2/663) .
( 140 ) نعيم بن حماد في الفتن (2/653) .
( 141 ) أخرجه عبد ابن حميد ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ عن قتادة ، ذكره السيوطي في الدر (3/110) .
( 142 ) أحمد في المسند (2/337 و372) وشرح النووي (18/87) .
( 143 ) رواه مسلم (2/195) شرح النووي ، وأبو يعلى (11/31) ، والطبري في التفسير (8/103) ، والترمذي (5/264) قال : حسن صحيح .
( 144 ) تفسير ابن كثير (2/217) .
( 145 ) راجع ( ص60 ) من هذا الكتاب .
( 146 ) رواه الإمام أحمد (2/530) والبخاري (13/156) ومسلم (1/137) .
( 147 ) الفتح (13/157) .
( 148 ) سورة الأعراف (52-53) .
( 149 ) الفتح (13/162) .
( 150 ) سورة يس (48-49) .
( 151 ) سورة الأنبياء (97) .
( 152 ) سورة غافر (85) .
( 153 ) سورة الشعراء (201) .
( 154 ) سورة الملك (24-26) .
( 155 ) سورة ق (31) .
( 156 ) سورة الإسراء (7) .
( 157 ) سورة يونس (102 – 103) .
( 158 ) سورة الأعراف (71) .
( 159 ) سورة الأنعام (158) .
( 160 ) سبق تخريجه والذي قبله .
( 161 ) رواه مسلم في باب ( الحث على المبادرة على الأعمال قبل تظاهر الفتن ) (1/102) .
( 162 ) رواه الحاكم في المستدرك (4/508 ، 552) .
( 163 ) رواه الطبراني في الأوسط بلفظ : ( إمرة الصبيان ) وفيه : ( ونشو يتخذون القرآن مزامير يقدمون الرجل ليس بأفقههم ، ولا أعلمهم ولا بأفضلهم ، يغنيهم غناء ) (1/393) ، وهذه الرواية تفيد أنهم مع كونهم حدثاء فهم سفهاء العقول كذلك ، ومن العجيب أن جمعت هذه الصفات لهؤلاء الولاة ولدعاة الضلالة ، مع كونهم يخرجون في وقت واحد ، ويعد اقتران وجودهم في هذا العصر من أكثر العلامات المؤكدة على تحقق الأحاديث في وقتنا .
( 164 ) ذكره بهذا اللفظ الهيثمي (2/319) ، والحديث رواه الطبراني في الأوسط (1/393) ، وأحمد في المسند ذكره في نهاية الفتن ، قال تفرد به أحمد (1/27) ، وصححه أبو عمر في التمهيد (18/147) ، ولفظ الأوسط : إمرة الصبيان .
( 165 ) رواه الطبراني في مسند الشاميين (1/445) ، ورواه الحاكم بلفظ : ( أن يظهر التلاعن على المنابر ويعطى مال الله على الكذب والبهتان وسفك الدماء بغير حق وتقطع الأرحام ويصبح العبد لا يدري أضال هو أم مهتد ) (4/423) .
( 166 ) ابن سعد في الطبقات (4/65) .
( 167 ) رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ذكره عنه القرطبي في التذكرة تحت باب : أمور تكون بين يدي الساعة ( ص666 ) .
( 168 ) رواه الترمذي في الفتن (4/456) وابن المبارك في الزهد والبيهقي في الدلائل (6/525) وأخرجه الداني من وجه آخر في السنن (2/289) عن يحي بن سعيد عن يحنس مولى الزبير عن رسول اللهصلى الله عليه وسلم وله شاهد عن أبي هريرة أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ذكره الهيثمي (10/237) وقال : إسناده حسن .
( 169 ) سورة القيامة (33) .
( 170 ) رواه الترمذي (4/456) .
( 171 ) سورة المائدة (105) .
( 172 ) التمهيد (20/250) ، والحـديث رواه أبو داود (4/123) ، والترمذي (5/257) ، وابن حبان كما في الإحسان (1/301) ، وغيرهم .
( 173 ) أورده الألباني في سلسته الصحيحة برقم (205) وراجع تعليقي على هذا الحديث في كتاب ( وجوب الاعتزال 1/27 ، 126) .
( 174 ) نعيم (1/28) ، والداني (3/645) .
( 175 ) رواه الحاكم في المستدرك (4/554) وقال : صحيح على شرط البخاري ، ووافقه الذهبي .
( 176 ) أخرجه الداني بلفظ : ( لتملأن الأرض ظلما وجورا ، حتى لا يقول أحد : الله الله ، حتى يضرب الدين بجرانه ) الفتن للداني (5/958) ، قال ابن الأثير : الجران باطن العنق ، أي قر قراره واستقام .
( 177 ) رواه عبد الله بن أحمد بإسناده إلى وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن الحارث عن علي رضي الله عنه . كتاب العلل (2/346) ، ورواه أبو عبيد عن أبي النضر عن أبي خيثمة عن الأعمش به . راجـع الغريب لأبي عبيد (3/440 و 1/185) ، ورواه نعيم في الفتن عن الأعمش عن إبراهيم عن أبيه عن علي (1/390) ، ورواه عبد الرزاق من غير هذا الوجه باختصار شديد (11/373) .
( 178 ) المستدرك (4/503) وفي هذا شاهد لحديث علي وأن خروج المهدي سيكون عند الفتنة .
( 179 ) رواه الطبراني في الشاميين (1/386) ، والداني في الفتن (1/222) ، وفي إسناده عند الداني قصور .
( 180 ) الفتن لنعيم (1/186) وابن عدي في الكامل (5/381) .
( 181 ) رواه نعيم في الفتن (1/188،190) وفي (1/191) عن حذيفة مثله . ورواه عن أبي هريرة في أحمد في المسند (2/278 ، 447 ) ، والحاكم (4/438) ، وأبو يعلى (11/288) .
( 182 ) الفتن لنعيم (1/186) .
( 183 ) الحاكم في المستدرك (4/431) .
( 184 ) الحلس : هو كساء على ظهر البعير يلزمه . ويقال : حلس بالشيء لا يكاد يبرحه . وقال أبو علي إسماعيل القالي في الأمالي : قيل له حلس للزومه الظهر . والعرب تقول فلان حلس بيته إذا كان يلزم بيته
(2/292) . وفي مختار الصحاح : حلس البيت كساء يبسط تحت حر الثياب ، وفي الحديث ( كن حلس بيتك ) أي لا تبرح (63) .
( 185 ) رواه ابن بطة في الإبانة بإسنادين (2/591) ، وذكر الحسني في الإشاعة أن ابن أبي الدنيا رواه بلفظ : كان ابن مسعود يقول كل عشية خميس لأصحابه : سيأتي على الناس زمان تمات فيه الصلاة ويشرف فيه البنيان ..الخ . الإشاعة (ص145) ورواه عبدالرزاق في المصنف باختصار (2/382) ، وأشار إلى خطبة ابن مسعود هذه ابن وضاح في البدع (24) ، وأبو عمر في بيان فضل العلم (2/181) ، والداني (2/231) ، (3/675) .
( 186 ) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب قصر الأمل تاما (ص 178) ، وذكره إبراهيم بن أحمد بن شاقلا البغدادي في نقولاته من كتاب الضعفاء للساجي ، وقد طبع مع تعليقات الدار قطني على المجروحين لإبن حبان (293) محذوفا منه ذكر : ( إمرة الصبيان ) ، وهذا من تصرفات بعض المحدثيين السيئة في أخبار المصطفى .
( 187 ) رواه الدارمي في السنن (1/79) وبيان فضل العلم لإبن عبد البر (1/62) وأشار إليه الحافظ ابن حجر في الإصابة (8/424) وقال رواه ابن سعد . قلت : ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب قصر الأمل (ص182) والبخاري في الأدب المفرد (452)
( 188 ) نعيم (1/45) والخطيب في تاريخه (6/374) .
( 189 ) رواه ابن سعد (4/174) .
( 190 ) رواه الداني (2/369) .
( 191 ) أبو داود (4/101) ، والحاكم (4/451) ، ونعيم (1/171) ، وغيرهم .
( 192 ) المزمور (23/12 ، 16) .
( 193 ) زكريا (4/6) الكاثوليكية .
( 194 ) هوشع (1/7) الكاثوليكية . وقد ذكر كتبة العهد اليهودي هنا آل يهوذا إلحاقاً للنبوءة من باب الإدعاء فلا يلتفت لدعواهم وجميع هذه النصوص في الخلاص ليست فيهم ، وكل ما جاء فيها يشير لهم فاعلم أنه مدسوس على النبوءات .
( 195 ) ميخا (7/15) .
( 196 ) سورة السجدة (28-30) .
( 197 ) ذكره القرطبي في التفسير ورجحه (7/111) .
( 198 ) التفسير (3/512) .
( 199 ) سورة التوبة ( 33 ) .
( 200 ) رواه مسلم وأبو يعلى والحاكم .
( 201 ) رفع الالتباس (21) .
( 202 ) سورة المائدة (52-53) .
( 203 ) سورة الصف (13) .
( 204 ) سورة النحل ( 88 ) .
( 205 ) سورة النساء ( 41 ) .
( 206 ) سورة غافر ( 51 ) .
( 207 ) سورة الأحزاب ( 45 ) .
( 208 ) رواه أبو داود في السنن (4/247) .
( 209 ) رواه البخاري في فضائل الأعمال وغيره .
( 210 ) رواه مسلم (1/461) .
( 211 ) الزهد (359) والطبري في تفسيره ، ورواه الحميدي في مسنده مختصرا (1/56).
( 212 ) سورة المائدة (117) .
( 213 ) لم يروها أحمد وأصحاب الستة إلا ما كان من مسلم رواها عن مسعر مختصرة وعلى الشك من مسعر ، مع ما لها من أهمية .
( 214 ) الفتح (10/122) .
( 215 ) تفسير القرطبي (5/198) .
( 216 ) التفسير (1/546) .
( 217 ) سورة القصص ( 85 ) .
( 218 ) متفق عليه ورواه الإمام أحمد والدارمي واللفظ له .
( 219 ) مسلم (4/1478) .
( 220 ) المسند (25/266 ) .
( 221 ) أحمد في المسند (25/374) والدارمي في سننه (1/216) .
( 222 ) التاريخ للخطيب البغدادي (8/222) .
( 223 ) المصنف ( 11 / 99 ) .
( 224 ) رواه الدارمي في سننه (1/200) . وأشار إلى هذا الحديث ابن كثير في تاريخه من وجه آخر عن هشام بن عمار وفي لفظه تحريف ، ومما ورد فيه : (..وأخذني لقربه ) . ومعنى الاختصار هنا صريح في عودة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا وجه لاختصار المدة إلا أن يكون المراد بذلك عودته . البداية والنهاية (3/275) .
( 225 ) أحمد في المسند (5/179) .
( 226 ) سورة البقرة (87) .
( 227 ) سورة البقرة (41-42) .
( 228 ) سورة المائدة (15-16).
(229) سورة يونس (37-46) .
(230) سورة الأعراف ( 52 – 53 ) .
( 231 ) سورة السجدة (23) .
( 232 ) سورة الأعراف (53) .
( 233 ) سورة النجم (11) .
( 234 ) موقع ( الإسلام اليوم ) مقالة بعنوان ( الانتظار عقدة أم عقيدة ) تاريخ (1/11/2001) .
( 235 ) الجواب الصحيح (6/343) .