الفصل الأول
﴿ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾
كلكم على علم بأن الأمة لا يمكن لها اعتقاد ارتباط تابوت الشهادة في عهد موسى عليه الصلاة والسلام بالمهدي وبعثه عليه الصلاة والسلام ، والتمكين له في الأرض .
نحن نعتقد بذلك موقنين والله أحب وأثنى على الموقنين بآيات الله تعالى وزكاهم في كتابه ، ويجب عليكم العلم واليقين هنا بأن المقصود بذلك المهدي ومن آمن معه بآيات الله تعالى ، ومنها ارتباط تابوت الشهادة في بني إسرائيل ببعثه والتمكين له في الأرض وإليه أتت الإشارة في آيات سورة الأنعام تلك : ﴿ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾
إن النفق المقصود بتلك الآيات ما خبئ لهم في تلك الأقبية التي سيخرج منها تابوت الشهادة بإذنه تعالى ، وهي الآيات التي سيجتمع الناس رغما عنهم جميعا على هداها والإيمان بها من الله عز وجل القاهر فوق عباده ، فمنهم حينها منتفع بإيمانه وهم الموقنون ، ومنهم مطرود مبعد لا ينفعه إيمان ولا يقين حين أتت آيات الله تعالى المبينة الفاصلة : ﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ، إِنَّ الَّذِينَ فَارَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ . وآية السماء الصيحة في تعيين المهدي عليه الصلاة والسلام ، كلها ستجتمع عليهم من الأرض كنوز تلك الأقبية ، ومن السماء النداء باسمه ليحكم بإسم الله تعالى ، وفي ذلك الفصل وجمع الناس على الهدى حين يشاء تبارك وتعالى أن يفعل ذلك .
وفي تلك السورة قال عز وجل : ﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ، وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ... وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ، قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ، بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ، وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ، فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ .
الإستجابة من الذين يسمعون أي يؤمنون ويوقنون بآيات الله تعالى ، والموتى قرنوا معهم بالذكر هنا لأنهم بسبيل واحد باليقين والإيمان وهم الرسل الذين سيبعثون للشهادة على أولئك الكفرة ، فهم قرناء مع المستجيبين من الأحياء ، وهذا سر جمع الذكر لأولئك الصنفين لأنهم بسبيل الله تعالى المستقيم الواحد هذا .
ووصفه لهؤلاء الذين لا يؤمنون بآياته تلك بالغافلين مستحق لهم عن جدارة إذ يقرر عنهم طلبهم للآيات وهو قد لمح عنها قبل ذلك ﴿ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ بقوله تعالى : ﴿ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ ، وهذه من أعظم آياته التي سيحققها بأمره تعالى هذا ، فكيف يعلمون بذلك ويؤمنون به وهم لا شعور ولا علم لهم بذلك ؟!
فبيانه مقدرته على إنزال الآية ردا عليهم لأنه سيفعل ذلك كما قرر هنا وفي غير مكان ، باستخراج تابوت الشهادة واعلان النداء من السماء باسم المهدي وتعريفهم بتمكينه في الأرض بإذنه تعالى الذي له الملك وهو على كل شيء قدير ومحيط .
أما كونهم صم وبكم فلأنه الوصف الخاص في المعاصرين كما بين للنبي صلى الله عليه وسلم على لسان جبريل الملك عليه الصلاة والسلام حين نبأه عن أشراط الساعة ، وكونهم في الظلمات التي كما بين من قبل ظلمات حسية وليست معنوية ، يراجع هذا العنوان في تقرير ذلك : أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ...
ولأنهم الجيل الأخير توعدهم بالساعة وهم أهلها ، وأنذرهم التوبة والرجعة إذا نزل بأسه فيهم وقد فعل ، وحين لم يفعلوا ما أمرهم به ونسوا ما ذكروا به فسيأخذهم بغتة ثم يبلسون .
وخبره بفتح كل شيء عليهم قبل انزال أمره مصرح به من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم عن أشراط الساعة ، حين يعطى الرجل مائة دينار فيتسخطها وقد حصل هذا ورأيناه وعلمناه بيقين ، حين فتحت على الناس الدنيا وفتح الدينار فكثر طمعهم وتحاسدهم وأخذوا يتوزعون المليارات بينهم وشعوبهم والناس لا ترضى ويسخطون على بعض كل يقول فلان أخذ أكثر مني .
ويظن الكثير من الجهال أهل الغفلة أن مثل كلام الله تعالى هذا بغير معنى وأكثر أحواله أنه مجرد أمثلة لا تعني شيئا في واقع الخلق ، ويجزمون أن مثل هذا الكلام لا صلة له بالأخبار إنما يردده تعالى وأنزله على عباده يتلونه هكذا بغير معنى متصل ، وهو أوثق شيء بأخباره ومن الامور المفعولة لديه عز وجل ، تبارك الله الحكيم العادل وقوله الحق الفصل .
Powered by Backdrop CMS