بيان تجرده من الأمانة العلمية وشديد جهله بمعنى الرواية عن ابتعاث الدجاجلة

وثبت عليه الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم

 

هذا الراد متجرد من الأمانة العلمية وحين يكون المناقش والراد لنقض أمر ما يراه باطلا ثم لا يكون أمينا فلن يكون صادقا بديهة بدعواه نصرة الحق ولا التجرد برده لوجه الله تعالى لأن الحق لا ينصر إلا بالحق والصدق لا الكذب وقول الزور ، ولن يكون ذلك منه إلا مع الحيف وتعمد الباطل وقصد التلبيس كما هي العادة في جنود إبليس ، يعلنون ما يرون به نصرة أقوالهم ويتغافلون عما يناقض ذلك ثم لا يعتبرون ولا يهتمون لذلك ولا يجتهدون للتوفيق بين ما يعارض ما ذكروا واجتهدوا في بيانه ، على ما قرر من طريقة أهل الأهواء الإمام عبد الرحمان بن مهدي يقول : " أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم ، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم " .

وخلاصة طريق أهل الحق والصدق تحري كل ذلك واجتهادهم بأن لا يفوتهم من ذلك شيء إلا ما كان يسيرا غير مخل بنقلهم وأمانتهم وإحكام حجتهم وسلطانهم على نقض ما قصدوا لنقضه ، يتعاملون بالأمانة لطلب السلامة أمام الناس وأمام الله تعالى قبل ذلك فهو عليم بجميع أحوال العباد لا تخفى عليه خافية ، يفعلون ذلك ليقينهم إن لم يجيدوا ذلك ستكثر سقطاتهم وتنقلب عليهم مقاصدهم وبدل نصرة ما يعتقدون يخذلون فيتسببون بعكس ما يأملون وهم لا يحبون ذلك وينفرون منه أشد النفرة لأن الحق وبيانه ونصرته عندهم من أعز الأمور لأنفسهم ولا يتعاملو في ذلك كما هذا المنافق البليد ومن على شاكلته نواياهم دنية ومقاصدهم خبيثة غبية لا يبتغون بها وجه الله تعالى بالحقيقة ولو تظاهروا بخلاف ذلك ولن يكون ذلك إلا من شديد جهلم أو لقوة مادة النفاق في قلوبهم ، ولن تجدوا دائما المستهترين أمثال ذلك الراد الأحمق الغير مبالي في معارضة حق الله تعالى من حماقة أو لؤم ، فأولئك تيقنوا بأن القواصف لهم دوما بالمرصاد ، وحين يحسبون أنهم فازوا إذا هم في الفضح والعار والخسران .

وقد تميز بذلك هذا الجاهل على انفراد مشين ذلك المغتر والذي يبدو لي من البلادة أن خالف فيما سطر مخالفات جسيمة وقد فاته إستدراك الوقعات المشينة التي حصلت منه وهي كثيرة كما سترون وأشنعها برأيي حصول الكذب منه على النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد أمَّنه شيطانه حين حكمه من خلال جهله الشديد وغروره فسول له أن لا بحث سيتم به تتبع عثراته والكشف للناس عن شديد حماقاته وطمئنه كاذبا عليه أن المهدي لن يقدر على نزاله وأنه مما يسر له أن يفوته سلطانه ليقول عليه ما شاء وحسن بنظره لكن هيهات فقد سعت لحتفها عنز البين .

ولا أطيل وسأقرر بخصوص ذلك التالي ليدرك من سمع لهذا المنافق السفيه فوثق مما حقق وادعى أنها كواشف من هو ذلك المعتل ببيانه كما حلى له وصف المهدي بذلك ، العاجز عن إيصال مقصوده بأجزل عبارة وأشدها اختصارا مع تدقيق شامل واف عملا بالسنة المأثورة بالإقلال من الكلام ، فقط بما يفي بالحاجة للتعريف وإنما التشقيق الفارغ من سبل الشيطان وأوليائه .

فقال المنافق ( الشرقاوي العطاوي ) بمقدمة جمعه الكاذب الفاجر :

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الدجالين فقال : " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَث دجالون كذابون قَرِيبًا مِنْ ثَلاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ" متفق عليه . ولاحظ كلمة ( يبعث ) , ( يزعم أنه رسول الله ) فاللحيدي يزعم أنه رسول الله ، وأنه بُعث . فيستعمل الألفاظ نفسها التي عبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجالين .

ولم يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث كلمة " نبي " ، وإنما قال " رسول " ، فحذر من الدجالين الذين يزعم أحدهم أنه رسول الله ، وإن لم يَدَّعِ أنه نبي ، ولم يستثن أحدا ، ولم يبين أنه سيبعث فينا رسول بعده ، وفي هذا رد واضح على اللحيدي الذي يزعم أنه رسول وليس بنبي ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين لا خاتم المرسلين .

وروى مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون في آخر الزمان دجالون كذابون ، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكماهـ .

وأقول للرد على هذا المنافق الكذاب في دعواه هذا الكلام لأبين عن جهله المركب أو لؤمه ، بما يلي :

أولا : أمران مما أنكرهما الحميد أبو حصان على بعث المهدي عليه الصلاة والسلام من الله تعالى ، البعث منه عز وجل للمهدي ، وعلامة الدخان المنصوص عليها في القرآن ، فجاء هذا الأحمق ليزيد على ما قرر ذلك السفيه الهالك المخزي بهدم مسجده بعد مباهلة أتباع اللحيدي الذين يسفهم هذا المنافق المغرور ويطعن بدينهم عليه من الله تعالى سوء العاقبة وأشد اللعنات .

ومثل ما كان الحميد أبي حصان مغرورا بزهوه يوم المباهلة وأتباعه المغرر بهم معه ، نجد هذا المغرور الأحمق متحمسا جدا اليوم كما كان ذلك المغفل متحمسا ثم نكبه الله تعالى وأخزاه ، ومن شدة حمق الشرقاوي هذا وعظيم بلاهته أنه لم يعتبر بما حاق بالحميد أخيه بالباطل وجحد الحق فلم ير أي دلالة بهدم مسجد الحميد وبسلبه الإمامة بالمصلين من تلاميذه ومنعه من التدريس كذلك لا بمسجد ولا بأي مجلس خاص وأخذ عليه تعهدا بذلك ، ولو لم يكن إلا ذلك بعد تلك المباهلة لعرف العاقل المسلم أن ذلك المنافق ما حل به ذلك إلا عقوبة من الله عز وجل لما فعل من إنكار لأمر الله تعالى وجرأة في ذلك حتى انه طلب المباهلة على الكفر بذلك فجحد آيات الله تعالى فكان من الخاسرين وزيد عليه في الفضح والخزي ذلك المنافق القصيمي بأن رفعت قوامته على أهل بيته وسلبت منه الرعاية على أولاده إمعانا بإهانته وفضحه واظهارا لقبحه ، وما كان ربك بغافل عما يعملون وما ربك بظلام للعبيد .

واليوم على منواله سار هذا المنافق الكذاب لكن زاد عليه أنه جاهل يستدل ولا يعي تناقضه ، بل يكذب ويتحكم بذلك ومن شديد غباوته أنه لا يدرك أن في ذلك أشد الثغرات وآكد السقطات على رأسه بقاصفة تثلغ ذلك الدماغ البارد والمخدر بسكرة الجهل والسفه .

ولقد أنكر بالمرة أن ذلك الخبر الذي أشار له قد ذكر فيه ادعاء الدجاجلة أولئك بـ "النبوة " وهذا من الكذب ، فالأخبار في ادعائهم ذلك كثيرة منها في الصحيحين عن ثوبان وجابر بن سمرة رضي الله عنهما ، أما في الخبر عن أبي هريرة رضي الله عنه فعند أحمد رحمه الله تعالى بلفظ أبلغ عن ادعائهم ذلك كما سيمر معنا ذلك قريبا .

لكن هذا البليد من جهله وشديد تلبيسه ادعى بالنفي على النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لم يقولوا بذلك في خصوص هذا الخبر الذي أشار له ولو كان يدرك ويعرف في علم رواية الآثار والأخبار أن الحكم على ذلك لا يتم بطريقته بل لا بد يحكم على الحديث بحسب مجموع ما يرد من خلال طرقه الكثيرة لكنه جاهل يخوض على ضلالة وسفاهة عقل ولهذا وقع بما وقع فيه .

وقد اتفق الشيخان على رواية الحديث من طريق أبي هريرة وجابر ابن سمرة وانفرد مسلم بروايته من طريق ثوبان رضي الله عنهم .

وكلهم أتت عنهم الروايات بذكره ادعائهم للنبوءة ، حتى عن أبي هريرة رضي الله عنه راوي ذلك النص الذي تشبث به بلفظه ذلك الجاهل قد روي عنه من وجه كما عند أحمد بادعائهم النبوءة ، بل ورد هناك أكثر تصريحا بذلك كما سيمر قريبا نقل نصه .

وعليه يكون في الصحيحين الرواية عن صحابي باللفظ الذي نفاه كذبا على النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الجاهل ، فرواه مع مسلم البخاري وأحمد وجماعة عن جابر بن سمرة رضي الله عنه بلفظ : " كلهم يزعم أنه نبي " . أو قريبا من هذا اللفظ ، لكن مسلم لما كان روى بعض تلك المتون اختصرها ففات ذلك الجاهل ادراك ذلك لجهله الشديد في هذا العلم أو لغلبة النية السيئة على طريقة أهل البدع والأهواء كما قاله الإمام عبدالرحمان في احتجاجهم بما لهم دون ما عليهم ، ولو كان من العارفين لأدرك أنه لا يلزم من ذلك جواز ادعاء الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل ذلك وقال به حين جرأ على ادعاء نفي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عنهم بذلك على ما هو ثابت من كلام هذا الكذاب الذي نقلته عنه . 

قال الحافظ ابن حجر في شرحه للبخاري باب : علامات النبوة في الإسلام :

أخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة الجزم بالعدد المذكور بلفظ :إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا كلهم يزعم أنه نبي " اهـ .

قلت : حديث جابر بن سمرة رواه مسلم رحمه الله تعالى في كتاب الفتن باب : لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ، فيتمنى أن يكون مكان الميت ، من البلاء .والحافظ لم يعول على اختصار مسلم حين عزاه له لإعتماده الحديث باعتبار متنه ولو اختصره مسلم ولم يمنعه ذلك من عزو الخبر له واعتباره من مصادره .

ومثله فعل ذلك في الخبر عن أولئك الدجاجلة من حديث ثوبان رضي الله عنه فقال رحمه الله تعالى في شرحه من كتاب الفتن للبخاري في باب : خروج النار . باب ثاني منه فقال هناك تعليقا على ما ذكر في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( قريب من ثلاثين ) :

وقع في بعض الأحاديث بالجزم وفي بعضها بزيادة على ذلك وفي بعضها بتحرير ذلك ، فأما الجزم ففي حديث ثوبان : وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي " . أخرجه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان وهو طرف من حديث اخرجه مسلم ولم يسقه جميعه اهـ .

وهذا مثل ما تقرر في حديث جابر بن سمرة فالعلماء يعتمدون ذلك دون اختصار الرواة في المصدر لبعض ألفاظه فالعمدة عندهم في ذلك على متن الخبر بجموعه من كافة طرقه خصوصا في معرض الإحتجاج واختصار من يفعل ذلك بلفظه لا يحيله لخبر آخر إلا عند هذا البليد وعليه دل فعله .

وبهذا يتبين الإتفاق ما بين خبر جابر وثوبان على أن ادعائهم إنما هو للنبوة ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه ولو اتفق الشيخان على إخراج لفظه بادعائهم الإرسال إلا أنه روي من وجه آخر عنه رضي الله عنه بالإتفاق مع ما روي عن جابر وثوبان ، وهذا باعتقادي لا يؤثر ولا هو من باب التناقض والتضاد ، بل المرجح عندي أن ذلك من أثر تصرف بعض الرواة على ما اعتاد بعضهم الرواية بالمعنى ، فتساهل البعض على هذه القاعدة وهذا مشهور معلوم عند من مارس هذا العلم ببصيرة أن يجد المتتبع من أكثرهم حصول ذلك وقليل منهم من يلتزم الرواية فيبلغها كما سمع على ما وصى بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم .

فقال بعض الرواة بادعاء أولئك الدجاجلة للرسالة وآخرون النبوة وقد تبين لاحقا من تأويل الخبر على بعضهم أن منهم من ادعى كذبا نزول الوحي عليه مثل مسيلمة والمختار ، وآخرون نسبوا للدجاجلة من غير ادعاء شيء من ذلك كابن سبأ وابن الكواء ، فيكون على ذلك العامل المشترك المؤكد السالم من اختلاف الروايات على المعنى هو الكذب وهو الذي وقع به هذا البليد ليشترك بأهم عامل يميز أولئك الدجاجلة وأنه حقا من حزب القراء الكذبة ادعياء الصلاح وهم من أفسد البشر وأشر الخلق غيروا ببدعهم وآرائهم وأهوائهم السنن وعارضوها بعقولهم السفيهة ولإنعدام تقواهم ، وآخر شيء عارضوا بعث الله تعالى لوليه المهدي وخليفته ورسوله ، فاشتركوا مع أولئك الدجاجلة على ذلك بأهم صفاتهم وأخصها وهي الكذب والقصد لتغيير السنن ، فمثلا حين يأمر النبي صلى الله عليه وسلم باعتزال الشر وأهله عند نزول الفتن هم ينكرون ذلك ، وبعضهم يكفر عليه .

وحين يذم ولاة الشر آخر الزمان ويصفهم النبي صلى الله عليه وسلم على التمام حتى إذا ما تحقق تأويل أمرهم فكل عاقل مكلف سيدرك حينها أنهم هم هؤلاء بالفعل الذين كان يخبر عنهم صلوات ربي وسلامه عليه ، لكنا نجد أولئك القراء الدجاجلة الأشرار ينكرون ذلك ويقرون لهم بالطاعة ويلبسون ولاياتهم الشرعية كذبا على الله تعالى ورسوله ويعادون من يعاديهم ويبغضون من يبغضهم ويرون بذلك منتهى التقوى وأشد العصمة ، فيغيرون السنن بذلك ويثبتون شأن الأهواء والبدع وهم لا يشعرون لأنهم بلا تقوى ولا عقل ، وهذا الدجل الحقيقي لأنه عمل على تغيير الأمور وقلب حقائقها من الباطل للشرعية وهو من صميم فعل أولئك الدجاجلة بالعموم ، وذلك الوصف " دجالون " منطبق عليهم تماما ، ذلك الوصف الذي اجتهد بالكذب يلزقه هذا المنافق الجاهل بالمهدي وهو الأحق به هذا الشرقاوي الغير أمين ، على التحقيق المنصف وحسن النظر الصحيح الصادق الإستدلال .

وقد حصل ذلك بهذا وأمثاله وولاته وأمثالهم ، والله غالب على أمره ولو كره المنافقون والكافرون .

وقد بين المصطفى صلى الله عليه وسلم بالأخبار عما سيكون قرب الساعة في جنس هذا الملعون المنافق الكافر وأمثاله حين قال بحصول كثرة الكذب وقلة الأمناء آخر الزمان ، بل خص الكذب في جنسهم فقال أنه سيكثر " قراء كذبة وأمراء فجرة " ، وفي بعض ألفاظ الخبر عن الدجاجلة ورد أنهم يكونون آخر الزمان ، فحصل هنا الإتحاد على تأكيد الكذب في أولئك القراء والدجاجلة على السواء آخر الزمان ، فلما رأينا باليقين منه الكذب وعلى من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم لزم على ذلك اعتبار إن لم يكن من الدجاجلة فهو يقينا من القراء الكذبة الذين أخبر صلى الله عليه وسلم أنهم يكونون آخر الزمان فلا سلامة له من إحدى تلك الحفرتين ، وقد قيل بالمثل الدارج :من حفر حفرة لأخيه وقع فيها .

فإن سلم كونه من أولئك الدجاجلة فلا سلامة له من أخص صفاتهم وهي الكذب ، وأنه بذلك سيكون من قراء السوء الخوارج المراق الموصوفين هم كذلك بالكذب ، ويكفي في شرهم أن قال صلى الله عليه وسلم بشرعية قتالهم وقتلهم وأنهم أشر من تحت أديم السماء ، فهم شر الخلق والخليقة طوبى لمن قتلهم وقتلوه ، فهل ترون بذلك هناء ؟!
فانظروا لهذا البليد ودينه السخيف كيف يصيح وينذر ويتهم بالدجاجلة على ما فيه ، ومن المعلوم أن الدجاجلة أكبرهم فتنة وأعظمهم شرا الدجال الأعور الذي أنذرت شره كل الأنبياء وآخرهم المصطفى صلى الله عليه وسلم ، لكن هل هناك من هو أشر منه ؟!
فهل هناك من كان يتخوف المصطفى صلى الله عليه وسلم أكثر على أمته من الدجال ؟!
نعم هناك ، وهم ولاة هذا المنافق وفرقته على ما روي عن علي رضي الله عنه قال :
كنا جلوسا عند النبي وهو نائم فذكرنا الدجال فاستيقظ محمرا وجههُ ، فقال : " غير الدجال أخوف عندي عليكم من الدجال : أئمة مضلون " . " رواه احمد وأبو يعلى "
وروي معناه أيضا من حديث ثوبان و‏النواس بن سمعان وشداد بن أوس وأبي الدرداء وأبي ذر عند أحمد ومسلم والترمذي وأبي داود والدارمي ، ولفظ الخبر عن أبي ذر عند أحمد في المسند :
كنت مخاصر النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يوما إلى منزله فسمعته يقول ‏: " ‏غير ‏ ‏الدجال ‏ ‏أخوف على أمتي من ‏ ‏الدجال ‏" ، ‏فلما خشيت أن يدخل قلت يا رسول الله أي شيء أخوف على أمتك من ‏الدجال : "‏ ‏قال الأئمة المضلين " .

ولفظ ابن شداد : " وإني لا أخافُ على أمتي إلا الأئمةَ المُضِلين .. " . " رواه احمد في مسنده
لقد كان يبدي تخوفه على أمته أكثر من تخوفه عليها من الدجال نفسه أولئك الأئمة المضلين ، وذلك لدوام مدة فتنهم أكثر من مدة فتنة الدجال على عظمها ، ولعلمه بكثرة من سيضلون من الخلق أكثر من الذين سيضلهم الدجال بفتنته ، بل الدجال لن يضل إلا من لا خير فيهم ، ومع هذا نرى هذا المنافق البليد لا يقع منه كفر بهم وعداوة لأمرهم وانذار من شرهم كما كان يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وينذر عظم خطرهم على أمته ، وهذا النافق البليد نراه لم يتأسى بسنته ويعمل على وفق أمره ورغبته ، مع أنه عاصرهم وراى من حالهم ما كان يخبر صلوات ربي وسلامه عليه ، وبدلا من طاعة المصطفى والأخذ بما أمر وأرشد نرى هذا المنافق يعمل بالضد من ذلك فيقلب الحق لباطل والباطل لحق ، المهدي لدجال والدجاجلة لأئمة هداة مهتدين ، يعادي الحق وأهله وينسب لهم ما ينسب ، استبدل الإيمان بالكفر ووجوب العداوة والنذارة للطواغيت بالولاء والطاعة والمحبة ، مقلوب عليه قلبه منكوس مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما ركبه هواه ، فاستحق أن يكون في ذلك من زمرة الدجاجلة أو قراء الكذب والنفاق الخوارج دعاة النار أصحاب الرأي الذين أخبرنا خبرهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنهم يدعون للرأي ويقيسون الأمور بعقولهم التاقصة فيفتون الناس ويضلونهم عن سنن القرآن والنبي المختار صلوات ربي وسلامه عليه . 

وفي ذلك من حاله تناقض بين سأتطرق له مطولا بذكر بعض الأخبار في حال أولئك الولاة الأشرار ، في جملة تناقضات شديدة صدرت منه بمعرض رده ، سيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى بالتفصيل في الفصل الرابع .

أقول : وهكذا تبين بأن تلك اللفظة من ذلك الخبر التي أراد جحدها ليستدل لكذبه بها على المهدي عليه الصلاة والسلام ، بان بأنها مشهورة عند أهل العلم حتى ما يسعهم تجاهلها والغفلة عنها فضلا على التلبيس عليها أو جحدها ، وكان منهم الحربي رحمه الله تعالى صاحب غريب الحديث المشهور لما أتى على شرح مفردات حديث ثوبان رضي الله عنه ما وسعه إلا أن ينبه عليها فقال رحمه الله تعالى في كتابه حين روى الحديث عنه أن قال :

زاد مسدد وعبيد الله بن عمر ـ التصحيح من المحقق وزعم أن بالأصل عبدالله بن عمرو ـ: ( وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعمُ أنه نبي ، وأنا خاتم النبيين ، لا نبي بعدي ) " . ( الغريب للحربي 3/957)

أما مسلم رحمه الله تعالى فرواه من حديث أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان مرفوعا بلفظ : "كلهم يزعم أنه نبيٌ " . على ما نقلته قبل عن ابن حجر .

وعند أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى فيما روى في مسنده عن أبي هريرة رفعه : " بين يدي الساعة قريب من ثلاثين دجالين كذابين كلهم يقول : أنا نبي ، أنا نبي " . ( قال ابن كثير رحمه الله تعالى اسناده جيد تفرد به أحمد . وصححه الألباني وزعم أنه على شرط الشيخين )

فانظروا من الكذاب الدعي المتقول على رسول الله تعالى النبي الخاتم .

وهل كان ذلك فقط بين يدي الدجال ؟!

أبدا،فعن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن أمام الدجال سنين خداعة يصدق فيها الكاذب ، ويكذب فيها الصادق ، ويخون فيها الأمين ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويتكلم فيها الرويبضة " . قيل : وما الرويبضة ؟

قال : " الفويسقة يتكلم في أمر العامة " . " رواه الإمام أحمد وغيره "

وعن عبدالله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا ظهر الفحش وقطيعة الأرحام وائتُمن الخائنُ وخُوِّنَ الأمينُ ، فقد اقتربت الساعة " . " رواه أبو الحسن ابن الحمامي وقريب من لفظه عند احمد والحاكم عن ابن عمرو "

فتلك من حقائق الفويسقة الكذب والتلبيس جندية إبليس عديمة الأمانة امتهنت الكذب وأي كذب أشره لأنه كذب على النبي صلى الله عليه وسلم بالتقول عليه ، يقول أنه لم يقل الشيء وهو قاله حقا ، لغلبة الحقد على قلبه ضد الحق فبغضه وتعصب عليه فحاربه بذلك فادعى عليه ما ادعى من كذب على نبي الله تعالى وعلى حفيده الرسول من بعده في هذه الأمة ، والكذب كما تعلمون يهدي للنار ، أما الصدق فيهدي للبر والبر يهدي للجنة ، فهل عهد أحدكم كذبة على المهدي عليه الصلاة والسلام إذا لأبدتها تلك الرويبضة الفويسقة أو أي أحد من رفاقه لو وجدوا ولن يجدوا فمن جاء بالصدق وزكاه تعالى فلن يكذب على الله تعالى ورسله ولا على الناس ، والرسل لا تُلَبِس ولا تكذب ولا تغش ولا تخادع ، وعمدتهم دوما قول الحق والصدق وهم أعلم الناس بمن سيلقون ويقفون بين يديه ، فمن منهم وحاشاهم أن يتحمل كذبة واحدة ليسأله الله تعالى عنها يوم القيامة ، ومن كذب على الله تعالى ورسوله فتيقنوا بأنه على الناس سيكون أكذب وأفجر .

وإذا فهمنا وأيقنا ثبوت الروايات في ذلك الخبر بإيراد كلمة " رسول " و " نبي " ، فما هو اختصاص أمر المهدي اللحيدي بما خصه به ذلك الجاهل دون المهدي الحق والذي لا أدري هو ممن يؤمن بوجوب تصديق خروجه آخر الزمان على ما أفادت ذلك الأخبار والآثار ، سواء قلنا بمعاصرته لولاته الأشرار أو أنه سيأتي الله تعالى بأمره على من يخلفهم من ذرياتهم ؟!

وأنا أجزم بأن هذا الطرح الأخير مع هذا المنافق وأقرانه وأشباهه ضائع لكن هكذا هو الأمر محاججة واستظهار ليتبين لمن يجهل حقيقة أمرهم ودينهم أنهم على الجحود لعقيدة بعث المهدي الحق من الله تعالى سواء كان هو اللحيدي أو غيره ممن سيأتي بعده ، ولا أدري أيضا كيف سيصدق هذا الكذب منهم شبه الخبال ، إذ أن كل علامات بعث المهدي الحق مما نصت عليه الأخبار قد تحققت اليوم ، فهل يعقل تحقق علامات بعثه من غير أن يكون له وجود وحقيقة لبعثه مع تحقق كل تلك العلامات والأشراط الدالة على بعثه ؟!

لكن هكذا هو جحد هؤلاء اليوم للحق المبين وهذه هي حقيقة خلافهم معنا ، أنهم لا يؤمنون ببعث المهدي من الله تعالى ولا أنه رسول لله عز وجل ، ألا ترون لهذا وما قاله : (ولم يبين أنه سيبعث فينا رسول بعده ) اهـ .

وهذه كذبة أخرى على النبي صلى الله عليه وسلم تمسك عليه ، فقد أخبر عن المهدي بصفة البعث وأضاف ذلك لله تعالى أيضا وبين أن مما سيكون عليه أمره أنه خليفة لله تعالى كما الحال في بني إسرائيل مع داود عليه الصلاة والسلام ومن سبق داود ، فإن الخلافة المضافة لله تعالى كما كانت في أمة بني إسرائيل سيكون مثلها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولن تكون من غير الله تعالى على ذلك فبوحيه وتعيينه سيكون ذلك ومنه لا من أي أحد سواه ، فقال تعالى في ذلك : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾ .

وأوصى من أدركه بأن يلزمه ومن لم يدركه زمان الفتن وولاة الشر وكثرة قراء السوء ودعاة النار والرأي بأن لا يتبع أحدا منهم ، لكن هؤلاء الكفرة عميت عليهم وطمست بصيرتهم عن أمر الله تعالى هذا فلن يؤمنوا به ، وكم صدق عليهم قوله تعالى وهم لا يشعرون : ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً

وقوله عز وجل : ﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ . أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ . أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ . وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾ .

إنهم لا يؤمنون بدلالة سورة الدخان ويكفرون كل من يعتقد أن الرسول المنصوص عليه في ذكر سورة الدخان أنه المهدي حفيد النبي صلى الله عليه وسلم لا النبي صلوات ربي وسلامه عليه ، وهذه حقيقة الخلاف بيننا وبينهم ولو لبس الحميد وأرجف الشرقاوي العطاوي وألحد الهالك الملعون ابن جبرين وغيرهم ممن تكلموا بإنكار بعث المهدي من الله تعالى واعتبارهم اعتقاد صدق ذلك ووجوب الإيمان به كفر من معتقده ، ولم يلتفتوا لآيات تصديق ذلك من الله تعالى كتواتر الزلازل وغير ذلك لأنهم أهل جحود وجهل وجرأة على إنكار دلالة ما ثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في إخباره عن المهدي وبيانه لعلامات أمر بعثه من المولى عز وجل ، وآخر من تذاكى على ذلك وهو أضل من حمار هذا المشرقي العطاوي حين زعم ما افترى على اللحيدي المهدي عليه الصلاة والسلام وعابه باعتقاد بعثه من الله تعالى زاعما الضال المنافق كذبا أن البعث من بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم إنما هو مخصوص وعلى الإطلاق بالدجاجلة الذين نقل في ذكرهم ما حرف وكذب على نبينا صلى الله عليه وسلم ولم يجعل لبعث المهدي من الله تعالى وانبعاث أولئك الدجاجلة أي فرق شرعي ، فلم يفرق ما بين بعث المهدي بالحق على ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر الله تعالى كما في سورة الدخان ، وبين ابتعاث الدجاجلة ودجالهم الأكبر ، وكما جهل ولبس وافترى في قصر ادعاء أولئك " الإرسال " دون " النبوة " كما مر معنا ، كذلك جهل في عدم تفريقه ما بين معنى " بعث الله تعالى للمهدي رسوله " و "انبعاث أولئك الدجاجلة من أنفسهم " ، أو أقله لم يدريه ويعلمه ذلك الجاهل الأحمق السفيه مدعي التحقيق وهو للجهل والضلال شقيق ، لا يدري في تلك المباحث ما عليه أهل النظر والتحقيق ، مقلد ولا يدري بأنه مقلد ومثل هذا جريرته على نفسه ستكون فضيحة ، وقصفه من كثر هفواته سيكون استعراض ، مجرد تفنن لمن عرف داخلته وخارجته من النفاق وضروب التلبيس ، كما أنا أفعل به ذلك الآن .

روى مسلم والترمذي من طريق عبدالرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

" لا تقوم الساعة حتى ينبعث دجالون كذابين قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله " .

وهذه الرواية مما تجاوز الجاهل السفيه الشرقاوي دلالتها بل لعله جحدها حين لم يفقه معناها وشديد اختلافها عن دلالة " يُبعث " التي قرر النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها في أخبار المهدي وأن بعثه سيكون من الله تعالى ، أما أولئك الدجاجلة فهم من سيبعث نفسه لدلالة قوله في ذلك الخبر عن أبي هريرة بـ " ينبعث " ، أي من ذوات أنفسهم الأمارة بالسوء والكفر ، فهل اعتبر ذلك الضال لهذا الفرق بدلا من أكاذيبه التي روج لها ، ورأى لزاما عليه شرح ذلك وبيانه على طريقة أهل العلم أهل المعرفة ، وفرض على نفسه الجمع بين مختلف الألفاظ ومتفرق الروايات ؟!

وما أحسب وهو بتلك المنزلة التي بانت لي مما خطته يمينه الآثمة من شديد جهله وسوء صنيعة بالتلبيس والكذب أنه سيقوى على الدراية بذلك بل لم يعلمه ، والحمد لله الذي قدر جنايته على نفسه أمام الخلق بما قدم واستقبل من أمره ظاهر البطلان ، وكتب عثرته من أول طلته كما ترون ، فكان جحده التعيس المخبول لخبر النبي صلى الله عليه وسلم ادعاء الدجاجلة أنهم أنبياء ثم ثنى بجهالته الفضيحة الأخرى ، ضلاله عن الفرق ما بين دلالة بعث الرسل والأنبياء والمهدي لا شك منهم وعلى سبيلهم ومن أنكر ذلك وجحده إنما ينكر على النبي صلى الله عليه وسلم وحي الله تعالى له بأنه سيبعث حفيده آخر الزمان ليمكن به للعدل وينشر الحق ويدحر الباطل ويزيل الظلم والجور ولم يكتف بالإخبار عن ذلك بمجرد قوله : ( يبعث ) . بل جعل ذلك مضافا لله تعالى فقال : ( يبعث الله تعالى ) . 

فجعل بعثه مضافا لله تعالى ، ثم يأتي هذا المنافق البليد ليعكس معنى ذلك النبأ ويبيح لنفسه بحجة إنكار أمر اللحيدي المهدي اليوم لأنه ليس مما يصدقه عقله ، فيعمد للتلاعب بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم ويجحد بالمطلق أن المهدي سيبعثه الله تعالى مثل ما بعث من قبله كل نبي ورسول ، وقد بين في أصول دعوته عليه الصلاة والسلام بما أعلن للناس بكل مسؤولية وصدق أنه ما خرج ولا بعث بهذا الدعوة المباركة والإيمان المبارك إلا من الله تعالى من خلال رؤيا مثال المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال : " من رآني في المنام فقد رأى الحق " . فكان السبيل ابتدأ بتلك الخطوة ثم تلاها ما ربط الله تعالى على قلبه ومن آمن معه به حتى أيقن مع الوقت أن لا سبيل لبعث الدين وعز الأمة إلا هذا السبيل ، وما كان من الله تعالى فسيظهره وسيكون عزيزا ، وما خالفه وعانده ستضرب عليه الذلة والمهانة . 

ولقد أتى هذا المنافق الجاحد ليقلب كل ذلك تلبيسا ولربنا الحمد أنه عثر بذلك من البداية فانقلب عليه ما شبه به وكذب ولبس على ما رأيتم في تقرير ردي عليه في هذا الفصل الأول لنقض أكاذيبه بما قصفت أساساته تلك فتهاوت بحجج الحق وباهر التدقيق عليه ، وعلى ما قيل في المثل :
 

والضد يظهر حسنه الضد **** وبضدها تتبين الأشياء .


وعليه يدرك المرء بما قررت هنا أن دلالة إنبعاث الدجاجلة أنما منشأها من أنفسهم ، أما بعث الله تعالى لأنبياءه ورسله وفي جملتهم المهدي اللحيدي عليه الصلاة والسلام أنها من عند الله تعالى ، وفرق ذلك عن ابتعاث الدجاجلة لأنفسهم ظاهر لا يلتبس إلا على مثل هذا المنافق ونظرائه ممن يجحد اليوم الحق ويكفر بآيات الله تعالى المتواترة في تصديقه .

نعم : إن بعث الله تعالى لأنبياءه ورسله كائن من الله تعالى وحده ، وانبعاث الدجاجلة الأشرار إنما يبدأ من أنفسهم ومن لم يدرك ذلك الفرق ويعيه من الناحية الشرعية النقلية والواقعية فلا شك أنه جاهل ولا يدري فيما يخوض وحتما مثل ذلك الجاهل ومن علمه ستختلط عليهم الأمور وسيعجزون عن التمييز وإدراك الفرق في ذلك على ما بين بالمرويات الشرعية التي جحد بعضها هذا المنافق البليد وجهل دلالة بعضها الآخر كما في الإفادة التالية من قصة قاتل الناقة في ثمود وأن انبعاثه كان من نفسه ، ولهذا لما رأيت جهله الفاضح في ذلك أيقنت وبالدليل أنه قد لبس وخلط فيما قاله في ذلك الخصوص عصبية لملته الباطلة الغبية ولجهله المركب الذي قلد به أئمته للنار دعاة جهنم من الذين تشدق بفضلهم وهم لعلهم أشد جهلا منه ونفاقا وكفرا وضلالا ، وإلا لخرجوا من لم يقع بمثل تلك الجهالات والكذبات الفاضحة .

وأزيد هنا ببيان خلطه وعدم تمييزه ما بين دلالة وصف بعث الأنبياء والرسل بـ " يبعث الله " ، و بين معنى " انبعاث " الدجاجلة وأن ذلك إنما منشأه من عند أنفسهم .

فأقول : مما تقرر عند أهل العلم والمعرفة حين يختلف اللفظ بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهين فيأتي من يروي في خبر " الدجاجلة " أنهم يبعثون وهو اللفظ الذي تمسك به قصرا دون غيره هذا الملبس وطار به من بلاهة يحسب أنه قد فاز فوزا كريما وهو بالحقيقة قضى على نفسه وفضحها فضحا مبينا لا يدل إلا على شديد جهله وعظيم بلاهته في عدم تنبهه لدقيق المعارف والعلم ، وأي علم ؟!

أشرف العلوم وهو الفقه عن الله تعالى ورسوله فيما أخبرا عما سيكون .

فتقرر عند أهل العلم والمعرفة الصحيحة في ذلك الخصوص أن المرجح عندهم من الألفاظ بالأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الإختلاف أن ما كان موافقا لكتاب ربنا عز وجل هو الأصح بالإعتماد والأخذ به دون غيره ، والله تعالى قال في خبر الشقي عاقر الناقة من ثمود :

﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا . إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا . فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا . فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا . وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا

فوصف خروج الشقي هنا لعقر الناقة بالإنبعاث مثل ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم في خبر خروج الدجاجلة بالإنبعاث كما هو مثبت في صحيح مسلم والترمذي رحمهما الله تعالى ، عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه من طريق عبدالرزاق عن شيخه معمر .

ويجب حمل اللفظ المخالف على هذا المعنى الذي شهد له القرآن ، فإن يبعث لا تصح على غير معنى اللفظة القرآنية الواردة في قصة الشقي عاقر الناقة ، وأن انبعاثه لذلك الباطل إنما كان من عند نفسه ، ومثله أولئك الدجاجلة الذين نسب لهم هذا الدجال الملعون جهلا منه وكبرا وجحودا المهدي عليه الصلاة والسلام ، حين نصب نفسه حكما على خليفة الله تعالى ورسوله ، وهو بذلك الجهل وتلك البلادة . 

فمعنى لفظة " يُبَعث " : لا يجوز أن يحمل في خبرهم إلا على معنى اللفظة الأخرى الموافقة للقرآن على أن معنى ذلك أنه من أنفسهم لا من الله تعالى كما هو الحال مع الأنبياء والرسل ، وإذا وعى المرء هذا من حيث وجوب التزام المعنى من وراء المقولات الشرعية الخبرية فيبقى إدراك مرجع الخلاف على أمر المهدي عليه الصلاة والسلام بعد ذلك مع هذا المنافق وكل منافق يعارض أمر المهدي الحق اليوم خليفة الله تعالى ورسوله ، أن هل ثبت الخبر في بعث المهدي على المعنى الذي ورد بالسنة والقرآن وأنه لا يخرج عن معنى بعث الأنبياء والرسل ؟

أو هو على المعنى الذي أراد التلبيس به ذلك المعترض المنافق البليد الكذاب ، بأن المهدي لن يبعث من الله تعالى ولن يكون من المرسلين ؟

وأن من اعتقد بذلك عند ذلك المنافق الكافر الجاحد أنه لن يكون إلا كافرا خارجا من الملة الإسلامية القرآنية ، ثم أنه سيعلم بعد ذلك بديهة مدى غباوة هذا السفيه حين زعم قوله :

فيستعمل الألفاظ نفسها التي عبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجالين ) اهـ .

فهذا قوله وبيان كذبه في ذلك قد تم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم تقتصر الروايات عنه بأنهم يزعمون الإرسال فقط ، بل روي عنه أنهم يزعمون أنهم أنبياء وهذا مما تتبرأ منه عقيدة اللحيدي المهدي عليه الصلاة والسلام وعقيدة أتباعه والمنافق يعلم ذلك ولهذا لما كانت إرادته مركبه في تلك المعارضة والجحود على التلبيس ولما كان خاليا من الصدق والأمانة والتقوى اعتمد على قوله الذي قرر جاحدا ما ثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وكفى أثما بالمرء أن يكذب على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وقد ثبت الخبر عنه عليه الصلاة والسلام بأن من يكذب عليه سيتبوأ مقعده من النار ، وهذا كذب عليه بالنفي بأن قال ما قاله .

ومثله في انبعاث الدجاجلة من أنفسهم لا بعثهم من الله تعالى كما في حال الأنبياء والرسل ، ولما كان الخبر في المهدي بصيغة " يبعث " وورد مضافا لله تعالى فقال " يبعث الله " ، رام المنافق التلبيس حتى على هذا بدعوى أن استخدام المهدي اللحيدي لهذا الوصف على حاله أنه دليل على أنه شابه وطابق الدجاجلة ، والدجال تخدر وتبلدت أحاسيسه فعدم الإيمان فيها حتى جهل أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف المهدي بأن الله تعالى " سيبعثه " ، فهل لما المهدي الحق والذي يؤمن بخروجه آخر الزمان سيعتقد أن الله تعالى بعثه إيمانا بما ثبت من أخبار عن جده وبعض أصحابه ، أنه بذلك سيكون مطابقا ومستخدما لما وصف به الرسول صلى الله عليه وسلم حال الدجالجة ؟!

وإن لم يكن هذا من الكفر والجحود وأشد التلاعب والتلبيس على أخبار النبي صلى الله عليه وسلم فلا أدري ما التلبيس والتدليس والتلاعب ، بل هو وربي الكفر والجحود الصريح المجرد .

وأقول هنا : وعلى ذلك أن يدرك المرء المطلع المتابع بأن هذا أصل المسألة ومن هنا للعاقل الفاهم أن يورد الحكم ، فمن كان عنده علم بالنقض وقولا بالحق في المعارضة لأصول دعوتنا فليتكلم ولا يكتم ، ومن جهل مثل هذا المنافق وشقيقه الحميد قبله وملحدهم ابن جبرين الذي أنكر الحق في دعوة الله تعالى ببعث المهدي وهو لم ينطق بكلمة فصل ولا قول عليه نور فيما أنكر من بعث المهدي وتحقق علامات صدق إرساله من الله تعالى ، ومن سار على دربهم في الكفر والجحود لأمر الله تعالى هذا ، فهؤلاء عليهم أن ينخرسوا كالجمادات فإن العقل يتميز بما يستدل على وجوده من منطوق العاقل ، والسفيه الفويسقة يفقد ذلك مهما استطال وأكثر وأزبد .

وخلاصة البيان في هذا الفصل من تعقيبي المدخل على هذا المنافق الجاهل المعاند ، بالقول : 

أن الفراق والفصل حقا قد تم بين ملتنا وملة أولئك الكفرة ، فأصولنا فارقت أصولهم يقينا فهم على تكفير من اعتقد إرسال المهدي من الله تعالى كما قلت سواء كان تعيين المهدي على أنه اللحيدي الحسين بن موسى أو أنه أيا كان ممن تصالح نظرا أولئك الجهلة على أنه كائن لاحقا على ما وردت بذلك الأخبار واعتقده أهل السنة ، فهؤلاء الجهلة الكفرة لا يعتقدون بغير إكفار معتقد أن المهدي سيكون من رسل الله تعالى مبعوثا من الله عز وجل ، بمعنى أن اعتقادهم بهذا ليس مقصورا كما قد يتوهمه الجهلة ممن قلدهم على إنكار أمر بعث المهدي اللحيدي عليه الصلاة والسلام وهل أنه هو المهدي أو لا ، إنما مناط النزاع معنا هنا منهم على أن اعتقاد أن المهدي الذي وردت الأخبار في ذكره أنه رسول لله تعالى إنما هو كفر ممن يعتقد بذلك عندهم وأنه خروج من الدين ولهذا ترون جرأة المنافق على تكفيرنا بذلك وتكفير أتباع الحق من أولياء الله تعالى المخلصين المؤمنين ، ولا يغركم دعاوى التكفير بغير ذلك فكل ذلك من أكاذيبه وسائر أقاويله الملبسة التي لا يستند في إرسالها على حجة ولا بيان إنما هي مجموعة تلبيسات من لئيم حاقد جعل عقله حكما على دين الله تعالى ووعده وهو بلا عقل ولا بصيرة ، بل كافر جاحد منافق ولي للشيطان وأتباع الشيطان ، وسيأتي لاحقا بيان وجه ترهاته كلها والرد عليها إن شاء الله تعالى ونقضها . 

وعلى هذا سيكون الخلاف على تعيين المهدي بأنه اللحيدي حقا أو باطلا أنه تحصيل حاصل ونزاع فرعي في هذا الأمر والإعتقاد العظيم المبين الفاصل والفارق اليوم ما بين المؤمنين بأمر الله تعالى والمنافقين الجاحدين الكافرين له هو الذي قررت هنا ، ومنه قاعدة الأمر وتأصيل البيان في ذلك ، فلا يغرنكم كثرة إرجاف المنافقين ولا تلبيس الملبسين منهم ، فإن الملاحدة الزنادقة هؤلاء إنما يذهبون للإكفار باعتقاد الحق المرضي عند الله تعالى والذي نصت عليه جمهرة من أنبياء الله تعالى ورسله بأن المهدي سيكون مبعوث حق وخلاص من الله تعالى ورسول رحمة للمؤمنين ، وعزة للإيمان والإسلام ، لكن هؤلاء الزنادقة الملاحدة يكفرون معتقد ذلك وينفرون من أمره أشد النفرة ويلعنونه عليهم اللعن وسوء العاقبة ، وهل بقي بيننا رابطة إسلام وإيمان واعتقاد بعد ذلك ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه أن من كفر ما ليس بكافر أنه سيحور عليه ، فكيف بتكفير معتقد الإيمان ومصدق أمر الله تعالى وبشرى رسله ببعث ولي الله تعالى وخليفته ورسوله المهدي ، لا شك بأن كفرهم جراء ذلك هو الحق وخروجهم من ملة الله تعالى ورسله عليه اليقين وهو الحق ، وأن هؤلاء هم الذين أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم خبرهم بأنهم الخوارج المراق الذي يكثرون آخر الزمان ويشربون القرآن كشربهم الماء لا يدرون ما فيه ، وأنهم سيكونون في جثامين إنس لكن قلوبهم قلوب الشياطين وكما في الرواية في الصحيح أنهم سيقومون في زمن ولاة أشرار وكلهم وردت الأخبار وقرن سيرتهم الذكر الحكيم ، وهل ترون اليوم من أمر ولاتهم إلا ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم ؟

وهل ترون من أمر هؤلاء القراء الكفرة إلا ما ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم بحقهم ؟

أم لعلكم رأيتم من قام فيهم غير هؤلاء ، لقد تولوهم وادعوا الشرعية لأمرهم وهم الباطل بعينه ومن خلالهم كثر الشر وراجت الفتن ودعي للفحش والفجور وقد كان قال المصطفى صلى الله عليه وسلم عنهم : " يكون أمراء فجرة وقراء كذبة " . وغير هذا من الأخبار التي قرنت بالذكر ما بين هؤلاء مع بيان كثرتهم آخر الزمان ، وبين ذكر أولئك المنافقين الذين سيقومون فيهم مع كثرتهم كذلك ، والحال اليوم غير خافية في ذلك فهم بتحالف على الشر والكفر والجحود والعناد ، غير ما اقترن من علامات دالة على زمانهم وأشرت له هنا ، فقد استوفيت ذكر ذلك وبيانه في كتابي الأول " وجوب الاعتزال" وغيره من كتب ومقالات لي ولله الحمد أحتسب في كل ذلك جهادهم وفضحهم والله تعالى أمر من قبلنا بالقول :
 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ . يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ


ومما ينقم علينا هذا المنافق جهادنا للمنافقين أصحابه ومشائخه وغلظتنا عليهم ، وهل هذا إلا مطلب أسمى لكل مؤمن مخلص ، وأن الجهاد بالبيان في زمان الفتن والشرور من أقرب القربات لله تعالى ولا يقدم عليه إلا كل ذي حظ عظيم ، وقد بلغ الجحود والكفر وعمى البصيرة أن ينقل هذا المنافق براءة أخينا الشيخ العقيل من ولاته الكفرة الأشرار وإعلان إيمانه بمهدي الله تعالى وتصديقه لدعوة الحق ، ثم هو يشمت بذلك طير الخشاش ويتفاخر بالطعن في تلك البراءة لله تعالى المدوية بقلب وأسماع كل منافق مثله ، ولأنهم كفرة أتباع كفرة فهم لا يدركون معنى تلك الشمائل العلية ولا الهمم الموفقة الربانية ، وكل إناء بما فيه ينضح ، وفاقد الشيء لا يعطيه .

وهذا بحد ذاته إنما يدلنا على صدق ما أخبر بعض الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم أن الفصل حتمي والفرقان لا بد يكون بين أتباع الحق والإيمان آخر الزمان ، وأولئك الكفرة المنافقين ، ولا رأيت هذا تحقق بغير أولئك الفريقين ، فريق الجنة وفريق السعير .

عن ابن عمر رضي الله عنه قال : كنا عند رسول الله فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس فقال قائل : يا رسول الله وما فتنة الأحلاس ؟ قال : " هي هرب وحرب ، ثم فتنة السرى دخنها من تحت قدم رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني إنما أوليائي المتقون ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع ، ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة ، فإذا قيل انقضت تمادت يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافراً حتى يصير الناس إلى فسطاطين : فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه ، فإذا كان ذلكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده " اهـ . " رواه أحمد وأبو داود والبغوي في السنة وجماعة "

وعن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا عمت الفتنة ميز الله أولياءه " . وفي لفظ : " يميز الله أولياءه حتى يطهر الأرض من المنافقين " . " راجع تخريج تلك الآثار والتعليق عليها من كتابي وجوب الاعتزال الفصل الثاني " 

وقال في هذا الخصوص أحد أنبياء الله تعالى في بني إسرائيل واسمه " ملاخي " صلوات ربي وسلامه عليه :
 

" لقد اشتدت علي أقوالكم إنكم قلتم عبادة الله باطلة وما المنفعة في حفظنا محفوظاته وفي مشينا بالحداد أمام رب الجنود ، والآن فإنا نغبط المتكبرين فإن صانعي النفاق قد ابتنوا جربوا الله ونجحوا .
حينئذ تكلم خائفوا الرب الواحد مع صاحبه وأصغى الربُّ وسمع وكتب كتابُ تذكرةٍ أمامهُ لخائفي الرب المتفكرين في اسمه .
إنهم سيكونون خاصَّةً لي قال رب الجنود يوم أعمل وأشفق عليهم كما يشفق الإنسان على ابنه الذي يخدُمُهُ ، فتتوبون وتميزون بين الصديق والمنافق ، بين الذي يعبد الله والذي لا يعبده ..
فإنه هوذا يأتي اليوم المضطرم كالتنور فيكون جميع المتكبرين وجميع صانعي النفاق عصافة فيحرقهم اليوم الآتي قال رب الجنود حتى لا يستبقي لهم جرثومة ولا أفنانا .
وتشرق لكم أيها المتقون لإسمي شمس البر والشفاء في أجنحتها فتسرحون وتطفرون كعجول المعلف ، وتطأون المنافقين وهم رمادٌ تحت أخامص أقدامكم يوم أعمل أنا قال رب الجنود "

والله عز وجل قال :
 ﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ . أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ 
وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" تكون في آخر الزمان فتنةٌ يُمحصُ الناسُ فيها كما يمحَّصُ ذَهَبُ المعدن " . وأجاب ابن قتيبة على معنى الحديث بقوله :

أي يختبَرُ الناس فيها كما يختبر الذهب بالنار فيفرق جودته من رداءته ومنه قول الله تعالى :﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ . " المسائل والأجوبة "

ولما كان المعنى في التمحيص هنا يراد به المهدي ومن آمن معه عليه الصلاة والسلام قال في ذلك نبي الله تعالى البار أيوب عليه الصلاة والسلام ما يلي :
 وأعرف كلمات إجابته وأتفهم ما يقول لي . أبعظمة جبروته يحاجني لا بل يعطف عليَّ ، إذن لحاجه المستقيم فنجوت من عند قاضيَّ فائزا

لكني أسير شرقا فلا يوجد وغربا فلا أشعرُ به ، يعمل في الشمال فلا أدركه ويستترُ في الجنوب فلا أبصره ، أما هو فيعلم سبيلي وإذا ابتلاني برزتُ كالذهب ، لأن قدمي آخذةٌ في أثره وقد لزمت سبيله فلم أعدل ، ووصية شفتيه لم أتخطَّهَا وقد جعلتُ حفظ أقوال فمه من فروضي ، لكنه هو القيوم فمن يردهُ إنه ما أحبت نفسه فعل ، فهو يقضي ما رسم علي ولذلك عنده نظائر كثيرةٌ ، لذلك أتأمل فأتفرغ منه أتحير بحضرته ، فإن الله أوهن قلبي والقدير روعني ، فإني لم أهلك من قبل الظلام ولا من الدُّجى التي تُغشي وجهي "