.......
المنافق الراد يكذب أيضا على المهدي اللحيدي
......

 

 

وبعد ما تبين كذبه على النبي صلى الله عليه وسلم حين نفى الرواية عنه في خبر الدجاجلة أنهم لا يزعمون النبوة ليلصق بالمهدي عليه الصلاة والسلام فرية ادعاء إرساله من الله تعالى بما أن الدجاجلة هم من سيدعون الإرسال لا النبوة ، وعليه رأينا كيف جرأ على الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( ولم يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث كلمة " نبي " ، وإنما قال " رسول " ، فحذر من الدجالين الذين يزعم أحدهم أنه رسول الله ، وإن لم يَدَّعِ أنه نبي ، ولم يستثن أحدا ، ولم يبين أنه سيبعث فينا رسول بعده ، وفي هذا رد واضح على اللحيدي ) اهـ .

وهنا كان كذبه على النبي صلوات ربي وسلامه عليه من وجهين :

الوجه الأول : دعواه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل في خبر الدجاجلة أنهم يدعون النبوة بل الإرسال فقط وكان ردي عليه في الفصل الأول لكشف كذبه في ذلك .

والوجه الثاني : كذبه على النبي صلى الله عليه وسلم بدعواه أنه لم يستثن أحدا في وصف الإرسال والبعث ، وهذا من الكذب أيضا على النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت عنه وصف المهدي بالمبعوث وأضاف ذلك لله تعالى ومن المعلوم شرعا أن البعث إذا أطلق مضافا لله تعالى في حق المهدي لا يصح حمله إلا على جنس بعث الأنبياء والرسل وأنه لن يكون ذلك إلا من أفعال الله تعالى الشرعية والقدرية التي لا مدخل لقدرة البشر في اكتسابها مثل قوله عز وجل :

﴿ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ﴾ . فالبعث هنا من أفعال الله تعالى المجردة لا مدخل لإرادة البشر في ذلك لأنها مضافه إليه تعالى سواء منها القدرية أو الشرعية ، ومثله بعث المهدي لأنه مضافا لله تعالى فلا مدخل لإرادة البشر في ذلك من أي وجه ولن يكون ذلك إلا منه عز وجل وفق علمه واختياره وتقديره ومرجعه له وحده في الزمان والمكان والأعيان .

ولما كان هذا البليد شديد الجهل وحقيقته ليس إلا مقلدا لغيره في إنكار الحق ببعث المهدي خليفة الله تعالى ورسوله فوجدته ممن لم يفطن لوجه الحجة الفاصلة التي قررتها بكتابي رفع الإلتباس في بيان براهين الحق في عودة المصطفى صلى الله عليه وسلم آخر الزمان ، حين قررت للناس هناك كافة أن المخبر عنه في سورة الدخان بالإرسال من الله تعالى إنما هو المهدي لا جده النبي المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وذلك لوصف الله تعالى له بـ " المعلم " وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في أخبار الأنبياء أن ما من نبي إلا وفي أمته يكون معلم أو معلمان وأنه سيكون في أمته من جنسهم ما يدل على أن المخبر عن إرساله في سورة الدخان هو المهدي ، وأن الدخان سيكون علامة لبعثه من الله تعالى وأن ممن سيدركه سيتولى عنه ويتهمه بالجنون ثم يعاقبهم الله تعالى لعدم انتفاعهم بالذكرى من بعثه بالبطشة ، وسماها الكبرى وهي الخسف الموعود بإيقاعه من ناحية المشرق ، فهل أدرك هذا المغفل ومن قلدهم وجه تلك الحقيقة الشرعية وآمن بها ؟

وأيقن بخبر الله تعالى أن أكثر الناس سيتولوا عنه ويتهمونه بالجنون ثم يعاقبون لجحد ذلك ، بل سخر منه بعيبه المهدي في قلة من اتبعه ورميه إياهم بالسفه والجنون منطق المتكبرين على الرسل وأتباع الأنبياء والرسل دوما على ما قاله تعالى :

﴿ فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ . قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾ . تلك القلة الناجية من عذاب الله تعالى ، فعاب من أثنى تعالى ورسله عليهم ، ومدح من سخط الله تعالى عليهم ورسله ، وهذا ليس إلا من بعض ما انقلب على هذا الأحمق المنافق ، وما أكثر الحقائق المنقلبة في دماغه وما أكثر إستدلالته الغبية في جهده للصد عن أمر الله تعالى ولإطفاء نور الله عز وجل ، فجازاه الله تعالى بأن عثره في أكثر ما قاله واستدل له كما رأيتم وسترون لاحقا إن شاء الله تعالى ما سيضحك عليه جراء ذلك وكثرته الخلق كل عمره ، وكل من سيقف على كشفي لحقيقته هنا وبياني لمدى ضحالة إدراكه وسفه عقله سيوقن بما قلت ، وحتى يدرك أن من أشد الأمور أن يعرض المرء عقله على العامة وهو من السفهاء لأن نكباته ستكون متيقنة الوقوع فالسفيه ليس له مكانة تلك المنزلة لأنه يعارض العقلاء بما أتوا به خصوصا لما يكون ما أتوى به من الحق المضاف لله عز وجل ، وأي حق ؟! ، حق الله تعالى ببعث المهدي .

وكيف لما يكون ذلك بحرب الحق وبذل الجهد لمجاهدة أمر الله تعالى في عاقبة الأمور كلها التي ستنتهي إليه سبحانه ، فإن ما نحن فيه هو النهايات في سبيل الله تعالى وصراطه المستقيم وكان أوصى بذكر ذلك من خلال الأنبياء والرسل بأن يبلغوا ذلك للخلق ، إلى أن بلغ هؤلاء السفهاء وستكون عاقبتهم للنار والخزي والفضيحة .

إنه الحق الذي يجب اتباعه وتصديقه فهل فعل هذا الجاهل ومن قلدهم ما يجب عليهم من التفكر بأمر الله تعالى وكتابه وما بلغ رسله الناس من قبل ، أبدا لم يفعل ذلك ؟

لم يوفقوا لها لأن الله تعالى لم يشأ يهديهم للحق المبين فأضلهم سبحانه جميعا جزاء على سوء نواياهم ، وعليه لا يكون الجحد للحق ببعث المهدي بإسقاط ذلك الحرف من قراءة أبي في ارسال المحدثين فيمن سبق فقط ، بل زادوا على ذلك جحدهم أو جهلهم لمعنى النص في تلك السورة من القرآن وفيه الخبر ببعث المحدث في هذه الأمة فأوقعوا أنفسهم من الضلال في ذلك حتى ما يمكن لأحدهم أن يؤمن به ولهذا كان قال ذلك المنافق البليد : ( ما يدعيه اللحيدي لا يمكن لعاقل أن يصدقه . ولهذا لم يصدقه بعد هذه المدة الطويلة ، والسنين الكثيرة إلا أفراد قلائل جدا ) اهـ .

وهل من العقل الإمتناع عن التوفيق بل جحد ما يوافق كلام الله تعالى كلام نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويتحد معه في تقرير حقيقة بعث المهدي وإرساله من الله تعالى آخر الزمان غياثا للأمة وكفا لشر الطواغيت عنها ، فالله عز وجل يخبر بإرسال "المعلم " آخر الزمان والنبي يصف المعلم بأنه غير النبي ، ثم يزعم أولئك الأشرار الجهلة أن من أخبر عنه تعالى في سورة الدخان ما هو إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا جحد صريح آن للناس أن يدركوا حقيقة وقوعه من هؤلاء الذين لا يغتر بجحدهم وكفرهم ببعث المهدي خليفة الله تعالى ورسوله إلا ممن ذهب بعقله حقا فصار من حزبهم حزب الشيطان .

وأقول بأن : هذا المنافق تطرف في جهله وعناده وجحده حتى ألجأته العصبية لباطلهم لأشد التطرف في النكران وهو الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك منتهى التطرف والعصبية والجحد والنكران .

وفي هذا الفصل الثاني من بعد ما تبين لكم كذب هذا المنافق على النبي صلى الله عليه وسلم سأقرر لكم بأن كيف لا يدعي الكذب على المهدي حفيده صلوات ربي وسلامه عليهما بعد ذلك ، فمن جرأ على الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم فهو لما دونه سيكون أجرأ وأشد خسة ، وبالفعل فقد قال ضمن أكاذيبه على المهدي ما يلي :

وقد قابلنا شابا - وكان لحيديا فتاب إلى الله – فذكر لنا أن اللحيدي يعتقد أن القرآن محرف ، وأنه سمعه بنفسه ينهاهم أن يقرؤوا قوله تعالى {حتى تستأنسوا } هكذا ، ويقول : هذه الآية خطأ ، وصوابها (حتى تستأذنوا ) .
وليس من مقصود هذا الكتاب الرد على افتراءات اللحيدي ، كما تقدم ذكره في المقدمة ، لكنني رأيت لابن حزم كلاما نفيسا يصلح أن يرد به على اللحيدي في احتجاجه بآية الرجم المنسوخة ، وآية الرضاع المنسوخة على ذهاب شيء من القرآن) اهـ .

وأول كذبه وإجرامه دعواه هنا على المهدي عليه الصلاة والسلام أنه يقول بتحريف القرآن هكذا بالجملة إمعانا بالتهويل في إنكاره للحق وقناعة منه شديدة بما قاله هنا أنه سيدعم المصداقية لتلك الأكاذيب وليمرر أحلى تلك الفرى بقلبه : أن من اعتقادات اللحيدي أن القرآن محرف . لهذا يصح اعتقاد أنه كفر وهل هناك أوجب لإستحقاق التكفير من اعتقاد أن القرآن كتاب الله تعالى محرف ؟!

وهكذا يتقحم من لا يخشى الله تعالى تلك الفرية الكبرى واللحيدي لو كان صدقا كما زعم هذا المنافق الكذاب لصاح بذلك ولما خشى أحدا ولإستدل له مثل ما استدل لكل قول واعتقاد يعتقده ، لكنه لا يعتقد بذلك وحاشاه وكل من يقرأ له سيعلم يقينا أن اعتقاد اللحيدي بريئ من ذلك أشد البراءة إنما يعتقد ذلك الزنادقة والذين يجحدون الإسلام برمته ، لأن القرآن إن وقع عليه التحريف جملة كما زان لهذا المريض الجاهل البليد أن يلصق ذلك باللحيدي وهيهات إنه مكر الشيطان وإن الله تعالى سيبطله ، فباعتقاد تحريف القرآن جملة وجوب اعتقاد لا إسلام ، إذا عن أي شيء يجاهد المهدي وأتباعه ؟!

وبأي شيء يستدل إذا كان جل استدلاله ومقدمته دائما في كل اعتقاد وكل مسألة أن يستدل من كتاب الله تعالى ، وإن كان كتاب الله تعالى جملة وقع فيه التحريف وبطل الإيمان بما فيه كما يحلو لهذا المنافق الكذاب أن يوهم الجهلة والسذج من حوله بذلك علينا ، واعتقد أن العقل هنا بتصديقه ذلك أنه أعلن موته فكيف بالعقل الذي يحاول يجعل من ذلك حقيقة ويوهم بها فهذا عقله لم يمت بالحقيقة بل انقلب من عقل بشري لشيطان مارد وهي حقيقة ذلك الملبوس القاطن بالساحل الشرقي ساحل مسيلمة الكذاب .

وفرق بين اعتقاد تحريف القرآن واعتقاد اسقاط حرف من القرآن ومن ثم إفسادهم تفسير المعنى الذي دل عليه ، ولا يلزم من اعتقاد ذلك ما ادعى هذا المنافق على المهدي عليه الصلاة والسلام ، فالخلاف على ذلك الحرف وبيان أن اسقاطه منكر عظيم وهو من جنس تحريف اليهود للكلم من بعد مواضعه وطمسا للمعنى الذي دل عليه ، وأن من زعم عليه أنه مما نسخ كاذب على الله تعالى ورسله ، وان ذلك مجرد وساوس وخطرات ليس لها برهان من الله تعالى ورسوله ، فذلك شيء ودعوى القرآن كله محرف كما أوهم هذا على المهدي شيء آخر مختلف بالكلية ، فليس ما كان عليه من الأقوال البراهين التي تعجز من ينكرها كالقول الباطل المردود بموازين الحق بديهة ، لكن من جرأ بالكذب على نبي الله تعالى كما قلت هو على من دونه سيكون أجرأ وأوقح . 

ولم كانت تلك كذبة كبرى ولو كانت غبية رأيته عمد لنشرها بين الحمقى والسخفاء من أدعياء طلب علم الحديث فنشر رده التافه بمنتدى بعض أولئك الأدعياء والمسمى بـ "ملتقى اهل الحديث " وهم أهل النفاق والجهل ولا أجهل وأحمق ممن يقر جحد أمر الله تعالى والكفر به ، بل الكذب الصريح على النبي صلى الله عليه وسلم وبتلك الطريقة والدعوى المكشوفة ، فهؤلاء أهل غباوة وضلال لهذا أقروا بذلك ولم يستدركونه عليه ويبينون نكارته ، فكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ليس ككذب على غيره .

ثم أقول بأن : قصة نزاع من جمع القرآن مع أبي بن كعب وابن مسعود رضي الله عنهما مشهورة ، واستنكار تلاميذ ابن مسعود ذلك حتى أنهم فارقوا الناس نتيجة ذلك وكان ابن مسعود يأبى عليهم دعواهم وغيرهم الخروج على عثمان رضي الله عنه بسبب تلك النزاعات .

فهل يصلح اتهام أولئك حين إنكروا طرح قراءة أبي وابن مسعود باللازم على ذلك أنهم يعتقدون بتحريف القرآن وأنهم على ذلك استحقوا التكفير على مذهب هذا التائه البليد ، لأن دعوى عدم شرعية الحروف المخالفة لما جمع الناس عليه في زمان عثمان رضي الله عنه وإسقاطها يلزم منه دعوى أن القرآن محرف ومنقوص على مذهب هذا الجاهل ، وإلا ما معنى انكار أولئك ذلك الفعل حتى دعي ابن مسعود لمنازعة عثمان والخروج عليه لذلك !!

لكن هذا لا يعتقد ولا يقول به ويجعله لازم للتكفير إلا هذا الملعون المنافق ، شرا ضربه جدلا مع الحق ليتنقص من أمر الله تعالى والله عز وجل مظهر أمره ومعلي كلماته ولو كره الكافرون والمنافقون .

ويبقى تقرير الكلام في الخلاف على حرف من القراءات أو بعض أحرف وقع الخلاف بينها وبين ما اتفق على جمعه شيء ، والقول بأن القرآن كله حرف واسقط شيء آخر لا يجرأ على نسبته لأحد من غير بينة صريحة إلا هذا الكذاب المنافق السفيه ، ومن حمقه ينسب ذلك لبعض فرق الضلال والزندقة وما وجدت بحسب علمي أحد يزعم ذلك على أي فرقة ولا ملة ممن تنتسب للإسلام لم يبلغني زعم أي فرقة أن القرآن كله حرف أو أسقط ، لكن هذا من شديد سفهه وارتفاع درجة غلوه جرأ على ذلك بالعموم واجتهد السفيه يلصقه بالمهدي اللحيدي عليه الصلاة والسلام ، وأقول له هنا :

يا كذاب خلك معنا بإسقاط قراءة حرف أبي بن كعب والتي أخذها عنه ابن عباس رضي الله عنهما ، فأنا اعتقد بان فعل ذلك من جنس تحريف اليهود في ابدال الكلم من بعد مواضعه وترتب عليه التلاعب بطمس المعنى ، وهذا ما نعتقده ونلتزم ما يترتب عليه امام رب الخلق وأمام الخلق كلهم ، أما سوى ذلك مما وقع فيه النزاع بين الناس ، فحالنا كحالهم نعتقد بسقوط أحرف والخطأ بأخر ، وما يلزم عليهم في ذلك يلزمنا وما لا يلزم عليهم في ذلك لا يلزمنا ، اما خصوص الحرف في قراءة أبي فهذا له شأن آخر نعتقد فيه ما نعتقد وندين به لله تعالى عقيدة وملة وهو الأصل الذي عليه مدار الإيمان والتصديق ببعث المهدي عليه الصلاة والسلام وأنه من الله تعالى لا من الشيطان ، وهو مما كفرت به أشد الكفر وجحده الجحد الذي نعتقد أنه مخرجا لك ولأمثالك من الملة مصيرك وهم خوارج كلابا للنار ودجاجلة كذبة اخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بخروجهم بين يدي المسيخ الدجال .

وهذا هو أشد ما وجدت على هذا المنافق من أصول الدعوة المهدية ، تقريرات المهدي عليه الصلاة والسلام في مسألة طرحهم الحرف الذي كان يقرأ به أبي وأخذ ذلك عنه ابن عباس رضي الله عنهما تمام الآية من سورة الحج قوله عز وجل :

 

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ولا محدث .. ﴾


أقول : من هنا الكلام ومبدأ النقاش بالتمييز ما بين اعتقاد الحق واعتقاد الباطل ، وقد استوعبت الرد في ذلك والتعليق على تلك الآية في ردي على المنافق الآخر عبد الكريم الحميد أبي حصان في كتابي " فتح المنان في رد أباطيل أبي حصان " يراجع هناك ليعرف المتابع مدى ثبوت قراءة ذلك الحرف ونسبته لكلام الله تعالى وأن من الإجرام طرحه ومن الكذب والجهل دعوى النسخ عليه كما سيمر معنى الرواية في ذلك ، والله أعلم بمدى ثبوتها عن الصحابي عبدالرحمان بن عوف رضي الله عنه ، أخرجها منسوبة له البيهقي في كتابه الإعتقاد .

وكيف يدعى بطلانها وأنها ليست من القرآن كلام الله تعالى وبعض الصحابة متمسك بها ولا زال يقرأها في صلاته ويراها من القرآن ؟!

بل كيف يفتي جاهل في وجوب ضرب من يقرأ بها عقوبة بحجة أنها غير مدونة ولا متفق عليها في المصحف الذي جمع عثمان رضي الله عنه الناس عليه ؟!

أقول : لا شك بأن هذا من الجهل المبين والضلال الكبير على كتاب الله تعالى وهو من جنس التحريف والتعطيل الذي وقع في بني إسرائيل قول الحق الذي أنكره هذا السفيه البليد ولم يستوعبه عقله الضعيف ويقوى على حمله قلبه عديم الإيمان ، فهو بلا عقل ولا قلب منكوس القلب مسلوب العقل ، ثم ظلوم غشوم حين يعمم الكلام على خصوص خلافنا معهم على هذا الحرف ليسحب ذلك على القرآن كله فيقول " اللحيدي يعتقد بتحريف القرآن " يخادع بذلك الجهلة من حوله ممن وصفت ، والكلام في خصوص هذا الحرف شيئ والزعم في عموم القرآن شيء آخر ، لثبوت الأدلة في شأنه وهو خلاف تضاد وليس هو من جنس الحروف التي تختلف بالحرف ولا تتضاد بالمعنى اللهم إلا القليل منها مما الخلاف فيه لا يضر ولا يعتبر من التنازع في الأصول مثل حرف أبي رضي الله عنه ، وأعني تحديدا هنا الخلاف على الحرف الذي أورده هذا الجاهل في كلامه على ما مر معنا قبل قليل حرف ( تستأنسوا ) و ( تستأذنوا ) وستأتي لاحقا مع هذا البليد مني وقفة هامة جدا حول ذلك إن شاء الله تعالى . 

ولا يخلط في ذلك ولا يميز الفرق ما بين تلك الإختلافات وما نحن فيه معهم في اسقاط حرف أبي رضي الله عنه وادعاء النسخ عليه ، إلا ملبس كذاب مادته الشيطانية قوية جدا كهذا المدعي كواشف وهي طوام وأكاذيب مكشوفة لكل عاقل بصير له أدنى دراية في اختلاف الصحابة حول قراءة بعض الأحرف ، ومسألة جمع الناس على مصحف واحد خشية ذهاب القرآن أو الإختلاف عليه كذلك .

وهل يقول عاقل ببطلان ما قرأ أبي وابن عباس رضي الله عنهما على أنه قرآن منزل من الله تعالى ، وهو الحرف الذي أنقصه من كلام الله تعالى من جمع مصحف عثمان للأسف قاله الكثير تقليدا وجهلا ليس إلا ، ويبقى الذي أنقص ليس كالذي أقر بما تلقى ولم يحد عنه والمثبت مقدم على النافي ، أما مدعي النسخ على ذلك فهو كاذب أيا كان لأنه من حروف الأخبار والأخبار لا يدخلها النسخ بحال ، كيف ينسخ الخبر ؟!

ثم إن جنس المعلمين أو المحدثين أولئك ثبت وجود نظائر لهم في هذه الأمة على ما ثبت ذلك عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في مناقب عمر رضي الله تعالى عنه ، وكذلك قوله لإبن مسعود رضي الله عنه : " إنك غلام معلم " . وأيضا سورة الدخان نصت على وجوده آخر الزمان حين تقع أظهر علامات الساعة وأشراطها وهي الدخان التي ستدل على تحقق بعث المهدي المعلم .

ومن الأخبار في ذكر ذلك ما روي عن عبدالرحمان بن عوف نفسه الذي يدعون عليه نسخ حرف " محدث " ، وهو خبر كما قلت والخبر لا ينسخ بحال زيادة على أن نص الآية على أن ذلك في أخبار السابقين لقوله تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ولا محدث ﴾ ، والآية تدل على تحقق ذلك فيمن سبق إرسال المحدث ، فهل نسخ ذلك من الممكن ؟!!

والخلاف حين يقع بين الصحابة على حرف فالمصير إلى الترجيح والتحقيق وإمعان النظر ، وبعد التحقيق وإمعان النظر وجدنا الأخبار تنص على بعث المهدي عليه الصلاة والسلام من الله تعالى آخر الزمان ولا معنى لبعثه إلا إرساله من الله تعالى بجزء الوحي المتبقي في هذه الأمة لا سبيل لذلك بغير هذا ولهذا تم الإخبار عن بقاء هذا الجزء في الأمة من أجزاء الوحي .

كذلك من يمكنه بعد ذلك أن لا يعد المهدي من المحدثين في هذه الأمة فمن ثبت له صفة الإرسال والبعث بنص القرآن فبديهة سيكون من المحدثين الذين كان جنسهم يرسل في بني إسرائيل ، لكن الجهل هنا والكذب هو ما حال بين الناس وبين اعتقاد هذه الحقيقة وإدراك شرعيتها من خلال ما ورد بالقرآن والسنة .

وإن ثبت ذلك للناظر ليبني على تلك المقدمة التفسير الصحيح لآيات سورة الدخان ثم لا ينسى أن الدخان قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أشراط الساعة وعلاماتها الكبرى الدالة على قرب وقوعها ، ومن فقد الإيمان بذلك فقد خسر خسرانا مبينا وجهل على أمر الله تعالى وما قدره جهلا عظيما . 

أقول : فحرف " محدث " الذي كان يقرأ به أبي وأخذه عنه إبن عباس هو الذي عليه مدار التقرير في حقيقة اعتقاد المهدي عليه الصلاة والسلام في مسألة اسقاط حرف من القرآن وتحريف معناه بعد العمل على إسقاطه من القرآن لتعطل عقيدة إرسال المهدي من الله تعالى وأنه كائن من المحدثين الذين كانوا يرسلون فيمن سبق ، ونحن اليوم نرى ثمرات ذلك التعطيل والتحريف بما نرى من معارضات مثل الحميد أبي حصان وهذا الشرقاوي البليد مدعي الكواشف وهي الظلمات والكذبات على النبي صلى الله عليه وسلم وحفيده المهدي صلوات ربي وسلامه عليهما .

وبالرجوع لما قاله هذا المنافق :

وقد قابلنا شابا - وكان لحيديا فتاب إلى الله – فذكر لنا أن اللحيدي يعتقد أن القرآن محرف ، وأنه سمعه بنفسه ينهاهم أن يقرؤوا قوله تعالى {حتى تستأنسوا } هكذا ، ويقول : هذه الآية خطأ ، وصوابها (حتى تستأذنوا ) .
وليس من مقصود هذا الكتاب الرد على افتراءات اللحيدي ، كما تقدم ذكره في المقدمة ، لكنني رأيت لابن حزم كلاما نفيسا يصلح أن يرد به على اللحيدي في احتجاجه بآية الرجم المنسوخة ، وآية الرضاع المنسوخة على ذهاب شيء من القرآن) اهـ .

أقول : قد رأينا قبل وبالدليل من كلامه كذبه على النبي صلى الله عليه وسلم فهل سيتورع عن الكذب على حفيد النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ، وإحالته هنا على من زعم بأنه ممن ارتد عن أمر الله تعالى ببعث المهدي اللحيدي ولم يسمه دليل على أنه صاحب دعاوى مجرده من الصدق وإلا لسماه فما الموجب للستر عليه وهما بصدد مجاهدة أحد الدجالين باعتقادهم الكاذب الآثم ، ومن تمام التوبة البراءة من الذنب ومن كمال براءته إعلانها باسمه ، لكن الحق أن لا إسم وهذا المفتري الكذاب لم يتورع من الكذب على النبي الذي توعد من يكذب عليه بالنار فكيف لا يكذب على المهدي حفيد النبي صلى الله عليهما وسلم فيقول كيف ما يحلو له فهو مريض وبسبيل تدعيم باطله وأكاذيبه لا يتورع عن شيء ولو أن يكذب على النبي وهو من أشر الكذب وأشنعه ، كذلك هو جاهل لا يحسن يستدل بكل ما يقوله والخلل في إدراكه ظاهر ، والمعلوم عند العقلاء قاعدة سقوط رواية المجاهيل لأن بإمكان كل أحد أن يدعي باسم المجاهيل كل شيء على أي أحد ، لكن العاقل فقط من الناس من يتحدث بمسؤولية خصوصا وهو بصدد النقض بالحق على الباطل ومن صميم الحق تجنب الكذب واعتماد الصدق . 

ثم إن كذبته هنا تنم عن بلادة غريبة وسفه شديد والدليل على ذلك أنه لم يقدر أن يميز فرق ما بين الحروف في القراءات التي ولو اختلفت فيها لفظا لكنها تتحد بالمعنى فيتساهلون في ذلك ، كما قيل في جنس الإختلاف فيها أنها : " بمنزلة : أتى وأقبل" . كالقراءة بحرف " فاسعوا " وحرف " فامضوا " التي خالف فيها عمر رضي الله عنه رسم المصحف كما سيمر معنا ذكر الرواية بذلك مما لم يكن يعلمه هذا البليد وأشباهه وإلا لورطوا في الجواب عليه ، فهو مما خالف فيه عمر رسم المصحف الذي زعموا على ما لم يذكر فيه النسخ تلك الدعوى التي اعتمدت على كل ما طرح من المصحف المجموع جهلا منهم وتقولا بغير علم ويقين والتي انتهى بنا النقل لنقضها بقول عمر رضي الله عنه في ذلك الحرف ( فامضوا ) ، وسيقرر الكلام في هذا لاحقا .

أقول : ومن الغباء الشديد النزاع في الإختلاف على جنس تلك الحروف ، واعتبار أن لازم ذكره اعتقاد من يذكره أنه يعتقد تحريفهم للقرآن كما يدعي هذا المنافق البليد على المهدي عليه الصلاة والسلام بما ينسب له ويحرف أو يكذب ، إنما الذي يلزم عليه التحريف لشيء من القرآن من بعد مواضعه ، واعتقاد تبديل معناه أو الإنقاص منه هو ما حصل منهم في إنقاص ذلك الحرف " ولا محدث " من آية سورة الحج ففي ذلك الكلام وهناك الخلاف الأصولي العقدي ، لكن الدعي سحب ذلك بما افترى على القرآن كله وأن المهدي إنما يعتقد وأتباعه على الصحابة أنهم حرفوا القرآن كله لهذا ترونه يعمم في ذلك ويطلق في أكثر من موضع من رده أن المهدي يعتقد تحريف القرآن ، وهذا من الكذب والإفتراء العظيم والخلط لقصد التلبيس المتعمد وأتباع الحق براء من هذا الكذب ويلعنون من يعتقد بتحريف القرآن هكذا على الإطلاق من غير تقييد ذلك في الحرف المخصوص الذي بينت وفي ذلك الكلام والخلاف معهم على ذلك دون غيره مما يهاتر به ويكثر الكذب والجهل هذا المنافق البليد ، مع اعتقاد أن هناك ما ذهب من القرآن يقينا وبشهادة بعض الصحابة أنفسهم كما سيمر معنا قريبا مما لا يدريه هذا المغفل المنافق شديد البلادة وإلا ما جرأ على إلزاق القول تهمة بحق المهدي اللحيدي عليه الصلاة والسلام بذلك ثم يتبين للأحمق المتكلم بما لا يعي أن الصحابة كانوا يقولون بذلك ويقررونه ولا يخشون في ذلك مقولة أي أحد وهي حقيقة عندهم لا يتمارى بها عاقل بينهم ، إلى أن نشأ أخيرا مثل هذه النبتة الضالة ليقرر في ذلك ما يقرر وينقل تقليدا من غير تحقيق ولا بذل وسع يناسب تقرير الحق في هذا الباب ، فهو جاهل ويتحدث بما لا يقوى على علمه لشديد بلادته وضحالة علمه وعجز مقدرته على التحصيل ، ثم به داء النفاق العضال قاتل الإيمان والإخلاص .

أقول : أنه من المتيقن الآن لدي أن هذا الجاهل لم يدرك الفرق بعد بين هذا وبين القراءة بحرف " محدث " الذي شرقوا به وورطوا ورطتهم العظيمة حتى طرحوه ومن ثم ادعوا عليه النسخ غباوة فالأخبار على ما قلت مما لا يقع عليها النسخ بحال .

فجاء هذا الأحمق لعدم مقدرته على التمييز بين هذا وذاك فنسب للمجهول ما زعم في قراءة (تستأنسوا ) و ( تستأذنوا ) ، إلا أن المنافق هذا له مقصود ظالم هنا وهو المبالغة والإكثار على المهدي بالإدعاء عليه بتحريف القرآن لقوله في مقدمة ذكره لتلك الفرية : ( فذكر لنا أن اللحيدي يعتقد أن القرآن محرف ) . 

وهذا فضلا على أنه من الكذب البارد والذي لا يقدر يطلقه إلا من أمن عدم تعقبه ممن يثق به وإلا سيكون كشفه صريحا سريعا محرجا ، وأنا أدعوا كل عاقل بأن يتتبع كل ما ذكرت في اختلافهم على قراءات بعض الأحرف ، أو مما انفردت بتعقبهم عليه ، فهل سيجد أحد أني عولت على مثل تلك الإختلافات على بعض الأحرف وما أكثرها مما اختلفوا عليه حتى زاد بعضهم وأنقص آخرون مما يعد اختلافا على الحرف زيادة أو انقاص دون أن يختلف المعنى وهذا مما يتساهل به ، وهنا أذكر الرواية العجيبة في هذا المعنى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه أقرأ رجلا قوله تعالى : ﴿ إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ﴾ ، فقال الرجل ( طعام اليتيم ) ، فرددها عليه فلم يستقم بها لسانه ، فقال :

أتستطيع أن تقول طعام الفاجر ؟ ، قال : نعم . قال : فافعل . ! " أخرجه القاسم بن سلام في فضائل القرآن "

فهل يصح على إبن مسعود أن يقول مثل هذا المغفل الساذج عليه بعد ذلك أنه ممن يحرف القرآن ، إنها أحرف تختلف لفظا لكنها لا تتضاد معنى وفي مثل ذلك وقع الخلاف حتى كثر لكن لا يمكن أن يترتب على ذلك اعتقاد تحريف القرآن ، وكانت هذه الرواية معتمد من زعم على ابن مسعود اجازته القراءة بالمعنى ما رده ابن تيمية وأنكره انكارا شديدا ، لكن رواية ابن سلام لهذه الرواية دليل عليه إلا أنها استثناء بالحقيقة ، لكن يبقى تقرير الكلام هنا بتأكيد الفرق ما بين ايراد ما هو مما قاله تعالى وما قاله البشر ضروري .

وما استشهد به هذا المنافق محتجا ومكثرا لدعم أكاذيبه على المهدي زورا وظلما ، فكل ذلك مما لا يضر الخلاف عليه لكن اسقاط أحد الأحرف السبعة ليس هو من هذا الباب ، ومن فعل ذلك أوجب على نفسه تحريف الكلم من بعد مواضعه كما فعل اليهود على ما بينت ذلك في أكثر من موضع خصوصا كتابي " القول المبين في الختم بمحمد صلى الله عليه وسلم الأنبياء لا المرسلين " .

و مثله الإختلاف على قراءة ( ويعزروه ) بعضهم يقرأ ( ويعززوه ) .

أو قراءة قوله تعالى : ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ﴾ ، قرأ بها أبي رضي الله عنه على الخلاف فقال ( تنبئهم ) ، وفي هذا كلاما نفيسا لإبن سلام يحسن ذكره هنا ، قال :

فهذه الحروف وأشباهٌ لها كثيرة قد صارت مفسرة للقرآن وقد كان يُروى مثل هذا عن بعض التابعين في التفسير فيستحسن ذلك فكيف إذا روي عن لباب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثم صار في نفس القراءة ، فهو الآن أكثر من التفسير وأقوى .

وأدنى ما يستنبط من علم هذه الحروف معرفة صحة التأويل على انها من العلم الذي لا يعرف العامة فضله ، إنما يعرف ذلك العلماء وكذلك يُعتبر بها وجهُ القراءة ، كقراءة من قرأ ( ويقص الحق ) فلما وجدتُها في قراءة عبدالله ( يقضي بالحق ) علمت أنه إنما هي ( يقضي بالحق ) فقرأتها أنت على ما في المصحف ، واعتبرت صحتها بتلك القراءة .

وكذلك قراءة من قرأ ( تكلمهم ) لما وجدتها في قراءة أبي ( تنبئهم ) علمتُ أن وجه القراءة ( تكلمهم ) في أشياء من هذا كثير ، لو تُدبرت وُجدت فيها علم واسع لمن فهمهاهـ .

ومثل هذا كثير لو أتيت على سرده لطال بنا الكلام جدا لكن أهم ما في هذا الجنس من الإختلاف ويحسن الوقوف عنده لتعلقه في بيان زيف دعواهم النسخ على الحرف الذي قرأ به أبي بن كعب وأخذه عنه ابن عباس رضي الله عنهما ، وهو اختلاف عمر رضي الله عنه مع أبي على القراءة التالية حين رأى عمر رضي الله عنه مع خَرَشَة بن الحرّ لوحا مكتوباً فيه ﴿ إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ﴾ . فقال عمر رضي الله عنه لخرشة : من أقرأك أو من أمَلّ عليك هذا ؟ فقال : أبي بن كعب .

فقال عمر : إن أُبيا كان أقرأ للمنسوخ . اقرأ ( فامضوا إلى ذكر الله ) اهـ . " أخرجه ابن سلام في فضائل القرآن "

فهل أدرك هذا الشرقاوي المنافق البليد ما الطامة هنا على مذهبهم في دعوى النسخ على بعض الحروف من القرآن ، وعدم التغيير والتبديل والإسقاط ، فالإشكال هنا ليس وقوع مجرد الخلاف في قراءة حرف ما اختلف لفظه ولم يختلف معناه ، لكن المصيبة أن الحرف الذي أنكره عمر رضي الله عنه هنا على أبي وادعى عليه النسخ ولا أدري ما وجه دخول النسخ هنا على حرف ( فاسعوا ) أو ( فامضوا ) ، فذلك ليس مما يصح دعوى النسخ عليه بحال مثل ما أن دعوى النسخ لا تصح على حرف أبي ( محدث ) ، لكن الخطأ وارد هنا في هذا الحرف أقله بحسب رأي ابن مسعود رضي الله عنه ، ومثله حرف (تستأذنوا ) الذي لزقه بالمهدي تهمة هذا البليد الشرقاوي المبتعث لنفسه لحرب الحق من أرض مسيلمة الكذاب ، وسأبين لاحقا من بعد ما قررت الكلام على أن هذا مجرد كذب على المهدي أحال ذكرها هذا الكذاب إلى مجهول ، والمجاهيل لا يقبل الرواية عنهم إلا مثل هذا الجاهل ، وبحال ألزم نفسه بصدقها تعين علي نقها عليه هي الأخرى على هذه الحقيقة قبوله ذلك من المجهول الذي اعتمد روايته كما سيمر معنا لاحقا إن شاء الله تعالى .

والأنكر الذي جاء في معنى الحرف الذي أنكره عمر رضي الله عنه هنا أنه هو المعتمد برسم المصحف الذي أقره عثمان رضي الله عنه فيما بعد في الأمة وفرض اتباعه على الجميع ، وقد كان ابن مسعود يستنكر ما أثبتوا ويؤيد ما قرأ به عمر رضي الله عنه فيقول :

" لو كانت فاسعوا لسعيت حتى يسقط رداءي " .

وتأولها الحسن البصري رحمه الله تعالى فقال : أما والله ما هو بالسعي على الأقدام ، ولقد أمروا بأن يأتوا الصلاة وعليهم السكينة والوقار ، ولكنه السعي بالنية والإخلاص لله عز وجل . 

فهل هناك أنكر من ذلك أن يدعى النسخ على مثل هذا ؟! ، لكنه الإختلاف فحسب ، ولا أقول هنا إختلاف بالحرف نطقا فقط بل كما هو ظاهر اختلاف على الحرف نطقا ومعنى .

وما هو مستنكر ومنسوخ عند عمر رضي الله عنه مما لا مدخل للنسخ عليه ، أصبح لاحقا هو القراءة المعتمدة والمثبتة في المصحف الذي جمع عليه الناس ، وأنا سبق لي تقرير أني لا أحبذ التوسع بالإستدلال في هذا الخصوص حتى لا يؤخذ ما أقرره بالإحتجاج من بعض أهل الكفر وملل الزنادقة فيفطنوا له اليوم ليحتجوا به على السلف ، لكن هذا المنافق الشرقاوي لم يدرك حقيقة ما قلت ويعلم أني رجل صاحب حق ودعوى صدق وأستدل بما لا أسمح باستغلاله على السلف ما وسعني ذلك ، لكن لما يأتي بليد مثل هذا الشرقاوي فيجادل وهو جاهل لا يعي حقيقة ما يخوض فيه ، ويتشدق ليبطل الحق وهو الزاهق وأكاذيبه لا تحتمل فأعتقد أن الجاني عليهم سيكون هو لا أنا ، فالحق أحق بأن يتبع ويقال وينادى به ليعلمه الخاصة والعامة بعد ذلك ، وقد كان عمر يقال عنه ترحمه على من يهديه ذنوبه أو يوجهه فيما يخطئُ فيه ، لكن التقليد والتعصب يعمي ويصم عن الحق واتباعه لهذا صد هؤلاء عن التزام الحق ومعرفته .

وقد تعددت الروايات في بيان زيف اعتقاد البعض منهم النسخ على بعض أحرف القرآن أو بعض آيات من القرآن كما آية الرجم والرضاعة ، ورحم الله تعالى ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول :

" لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله ، وما يدريه ما كله قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن قد أخذتُ منه ما ظهر منه " .

وهذا عن إبنه أما عن عمر رضي الله عنهما ففي قصصه مع أبي على ذلك الكثير ومما روي في ذلك ما يلي :

أنه مر على رجل يقرأ في المصحف ( والنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أبوهم) . فقال عمر : لا تفارقني حتى نأتي أبي بن كعب ، فأتياه فقال : يا أبي ألا تسمع كيف يقرأ هذا هذه الآية ؟!

فقال أبي : كانت فيما أسقط . قال عمر : فأين كنت عنها ؟

قال : شغلني عنها ما لم يشغلك اهـ .

يريد ما أسقط من الجمع الأول .

ومثله بين عمر وعبدالرحمان بن عوف رضي الله عنهما حين قال عمر له : ألم نجد فيما أنزل علينا ( أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة ) فإنا لا نجدها ، قال : أسقطت فيما أسقط من القرآن .

قال أبو عبيد القاسم بن سلام تعليقا على الروايتين الأخيرتين ما يلي :

هذه الحروف التي ذكرناها في هذين البابين من الزوائد لم يروها العلماء ولم يجعلوا من جحدها كافرا ، إنما تقرأ في الصلاة ، ونحكم بالكفر على الجاحد لهذا الذي بين اللوحين خاصة وهو ما ثبت في الإمام الذي نسخه عثمان بإجماع من المهاجرين والأنصار ، وإسقاط لما سواه ثم أطبقت عليه الأمة وتوارثه القرون بعضها عن بعض ويتعلمه الولدان في المكتب وكانت هذه إحدى مناقب عثمان العظام ، وقد كان بعض أهل الزيغ طعن فيه ثم تبين للناس ضلالهم في ذلك اهـ .

لا شك بأن فعله عظيم ومنقبته ظاهرة ولا يمكن تصور الحال من دون فعل ذلك وكيف سيكون اشتداد الخلاف على كلام الله تعالى لو لم يكن ذلك الإجتماع والإتفاق حتى أن ابن مسعود رغم معارضته لذلك العمل أبى أن يخالف عثمان في ذلك وأبلغ ما عمله رفضه تسليم مصحفه ليمزع وأوصى بأن يغل كل من عنده مصحفه واحتج بأن الغال سيأتي يوم القيامة بما غل ، لكنه لم يعارض ولم يبد عداوة .

لكن هذا من عثمان رضي الله عنه لا يبرر اسقاط أي حرف من الحروف السبعة وهو مما يعتقد المهدي عليه الصلاة والسلام أن من تلك الحروف الحرف الذي كان يقرأ به أبي وعنه أخذ ذلك ابن عباس رضي الله عنهما ، قوله تعالى " ولا محدث " ، فإقرار الحق واجب في كل شيء ومنه ذلك أيضا .

ثم إن عثمان رضي الله عنه وهو صاحب ذلك الأمر وناصر ذلك الرأي رخص آخرا بأن يقرأ المسلم ما يؤمن به من تلك الحروف ، وهذا أمر من خليفة راشد واجب الطاعة فلا يمكن أن يصح منه المنع من قراءة حرف من الحروف السبعة ، وأقصى ما هنالك من عمله بالجمع خشيته الخلاف والتفرق على كلام الله تعالى ، لكن ضخم ذلك متعصبة بني أمية بعده ومقلدة جهال حتى حرقوا ما حرقوا ومزعوا ما مزعوا ليندرس العلم بمراجع تلك الحروف ومنها ذلك الحرف جراء فعلهم هذا ، وهذا مني بالإنكار بخصوص إسقاط الحرف الذي يهمنا هنا ونعتقد بأنه من الحروف السبعة جزما ويوقينا وأن كل من زعم عليه بالنسخ انه كذب وقال بما لا علم له به ولا يقين ، وهو من تلك الحروف التي في إنكارها أو الإختلاف عليها ما يغضب الله تعالى ورسوله أشد الغضب ولمن أخطأ من السلف في إسقاط ذلك بعد اجتهادهم وتحريهم الصواب نصرة لله تعالى ودينه ورسوله دعواتنا بالرحمة والغفران لنيتهم الطاهرة وقصدهم الحسن في حفظ كتاب الله تعالى من شر الإختلاف والتنازع والإندراس ، لا مثل ما يحاول يوهم هذا المنافق البليد بأنا نزعم عليهم ونزعم ، بل هو فعل جرى به الخطأ ننقده ونعقب عليه ونقول بأنه من جنس فعل اليهود في تحريف الكلم من بعد مواضعه ووهو من تحريف كذلك المعنى وهو عين ما جرى منهم في ذلك الجمع مع تنحية ذلك الحرف ، وقولنا بهذا واعتقاده مقيد في خصوص ذلك الحرف لا ندعي في غيره مما ضربنا له بعض الأمثلة من قبل فيما يختلف حرفه ولا يتناقض معناه أو ينقص نقصا مخلا، وحتى فيما اختلفوا عليه بالحرف والمعنى كما مر معنا في قراءة عمر (فاسعوا ) وقراءة ابن عباس ( تستأذنوا ) ، يبقى الكلام في تقرير الخلاف الأصولي بين المهدي وبين الأمة فيما قاله بالمشابهة مع اليهود بالتبديل والتحريف مقيدا بخصوص الخلاف على الحرف الذي كان يقرأ به أبي رضي الله عنه وأخذه عنه ابن عباس ، أما غيره فلا يجوز سحب كلام المهدي واعتقاده في ذلك عليه مهما كان بأي حال من الأحوال على ما أحب فعل ذلك والإيهام به هذا المنافق البليد وليخسأ فسيرد الله تعالى كيده لنحره وأجعل المنان الحنان الكبير المتعال بأن يجعل عاقبته آية وعبرة لكل من يكذب على الحق وأهله ويروم رده بالباطل والأكاذيب .

والمنافق الجاهل الجاحد لبس هنا وخلط عن قصد متعمد وعمم لغاية يريد يخدع بتقريرها كحقيقة على المهدي الجهلة ممن يسمعون له ويقرأون لكن لا يفحصون عن ذلك ويحققون ليميزوا ما بين الصدق والكذب ، والحق والباطل ، ولو كان واقع الحال يناقض ذلك ويأباه ، فما كتبه المهدي لا يعنيهم بشيء ولا يهمهم ما قاله بتاتا ولو رد عليه من مثل هذا المفتري ، ولو نقل لهم فهم قد أصلوا باطلا واعتمدوه عليه مثل الذي كان بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم يوصى باغلاق أذنيه بالقطن حتى ما يسمع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه حدث نفسه بالثقة بنفسه والمقدرة على التمييز كغيره ولما رفع عن أذنيه القطن هدي وانشرح صدره لما تبين له من الحق ، فأنى لهؤلاء السماع والإيمان القطن لا زال والقلوب عليها الران والأعين مغشية ، ومن يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وقال تعالى :
 


﴿ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ . يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ . إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ . الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ . أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾


أقول : ومن حق المهدي عليه الصلاة والسلام الشرعي النقاش في ذلك إذا تبين له أن نقده حق واستأنس عليه الهداية والتوفيق من الله تعالى ، فمن حقه اعتقاد ذلك بعد ذلك ولا يحق لأي منافق ولا بليد كهذا الشرقاوي أن يلزمنا بما لم نلتزمه على وفق ذلك ، ولا أن يقرر لنا اعتقاد من ذات نفسه نحن لم نقرره بل ذكرنا خلافه ، ثم يبالغ ويتطرف بإلزام المهدي ومن يؤمن بدعوته بمذاهب بعض أهل الباطل كالرافضة الباطنية أو إخوانهم القاديانية وغيرهم ممن تولد عنهم من فرق الضلالة ودعاويهم الكاذبة السخيفة في ذلك كثيرة مشهورة وقد فندت شيئا من ذلك على القاديانية والبهائية في ردي على أحد دجاجلة القراء المدعو سلمان العودة بكتابي " كشف اللثام عن جهل سلمان العودة على أمر مهدي الإسلام " وتوسعت هناك بشرح معاني الأخبار في انبعاث الدجاجلة والذي يعد هذا منهم ، فإن أصل باطلهم الكذب وأخص صفاتهم الكذب على الله تعالى ورسوله وقد اشترك معهم هذا في أصل باطلهم حين كذب على الله تعالى ورسله ، على الله تعالى بإنكار أمره العظيم وجحد آياته ، وعلى رسله بما كذب على النبي صلى الله عليه وسلم وحفيده المهدي .

ثم يأتي المنافق الشرقاوي ليروج رغم كل ذلك لأقوال تلك الفرق الباطلة بالمقارنة مع اعتقاد المهدي وهو يكفرهم ويتبرأ من باطلهم ونقده لا يشابه بحال ما قالوا من كفر في ذلك بل نقد مبناه على العلم والفقه الصحيح الموفق من الله تعالى المبني على اعتقاد الحق ببعث المهدي من الله تعالى وأنه رسول محدث وذلك أصله وقاعدته الربانية ، أما أولئك فأقوالهم من السخف حتى يدرك كذبها وضلالها الطفل في المسلمين ثم يعمد هذا الجاهل المنافق برده وجحده لمقارنة ما لا مقارنة صحيحة بينهما بحال ، ويكفي تكفيرنا لهم والبراءة من أقوالهم وثبوت ردتهم عن الإسلام تلك فرق الزندقة والضلال المبين ولو كان يخشى الله تعالى ويتقيه فيما يقول وينسبه لنا لكن من جوره أن يستميت في أن يجعل اعتقاد المهدي عليه الصلاة والسلام في ذلك وما قرره وقاله أنه من جنس أقوال أولئك الضلال الزنادقة وتعميمهم على فعل عثمان ومن أيده من السلف في ذلك الجمع أنه من جنس قول المهدي واعتقاده ، وهذا تجني وظلم كبير جدا سينال مغبته هذا الملعون إن عاجلا أو آجلا وسترون بإذنه تعالى ، والله بما يفترون ويكذبون محيط سبحانه ، وهو الحكم العدل لا تخفى عليه خافية .

في كتاب المصاحف لإبن أبي داود أخرج المؤلف هناك رواية تفيد سماح عثمان رضي الله عنه بالقراءة على غير المثبت في مصحفه ويريد أكيد بذلك السماح بما صح به النقل ، ذلك حين حاججه الوفد المتمرد الخارجي حين نقموا عليه ما نقموا وكان أرسل لهم عليا رضي الله عنه يفاوضهم ومما قالوا أنهم ينقمون عليه : ( محوه كتاب الله ) بزعمهم .

فكان رده رضي الله عنه بما يلي :

أما القرآن فمن عند الله ، إنما نهيتكم لأني خفت عليكم الإختلاف فاقرأوا على أي حرف شئتم .. " اهـ .

وهذا فيه معارضة لمن ادعى النسخ على بعض أحرف القرآن ومن أخصها وأهمها بالذكر حرف أبي " ولا محدث " الذي افترضت عليه الأمة أنه منسوخ وهي دعوى كاذبة آثمة ، وقد مر معنا ما انقلب عليهم في اثبات بطلان الإسترسال بتلك الدعوى حين أنكر عمر رضي الله عنه قراءة لأبي أنها من المنسوخ وهي مما أثبت في المصحف الذي جمعوا عليه الناس لاحقا وهذا من التناقض ولا شك ، وغير ذلك مما ادعي عليه النسخ وهو ليس كذلك على ما روي عن المسور بن يزيد الأسدي قال :

شهدت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فترك شيئا لم يقرأه ، فقال رجل : يا رسول الله تركتَ آية كذا وكذا !

فقال عليه الصلاة والسلام : " فهلا أذكرتنيها إذا " . قال : كنت أراها نُسخت . " رواه ابن قانع في معجم الصحابة "

ورواه أبو نعيم رحمه الله تعالى في معرفة الصحابة بإسناده عن مسور بن يزيد الكاهلي قال :شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة فترك آية فقال رجل : يا رسول الله تركت آية كذا وكذا ، فقال له صلى الله عليه وسلم : " فهلا أذكرتنيها إذا " " ، قال : كنت أريها نسخت ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " لم تنسخ " .

وهذا مما يدل على أن منهم من نفسه يظن بنسخ بعض الأحرف لسبب ما وهي بالحقيقة ليست منسوخة كما حصل مع عمر رضي الله عنه في ذلك الحرف الذي أنكره وزعم عليه في جملة المنسوخ ورغم تأييد ابن مسعود لما اختاره وترجيح الحسن البصري له ، وجدنا رغم كل ذلك أن ما خالفه عمر وابن مسعود واختاره الحسن البصري هو المثبت في المصحف ، رحماك ربي ما أشد هذا الخلط على كتابك .

ولو لم يكن في نكارة ما فعلوا هنا إلا معنى هذا الخبر التالي الذكر فيكفي ، فكيف وقد ثبت عليه صحابي زكاه الله تعالى ورسوله فيما حوى قلبه من القرآن وأخذ ذلك عنه صحابي مشهود له بالعلم والفقه وهو ابن عباس .

قال أبو جهيم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ، وإياكم والمراء في القرآن فإنه كفر " . " رواه ابن قانع وغيره "

وهذا لم يقله إلا حين وقع منهم الخلاف على قراءة الحروف بين التمام والنقص ، وحين ارتاب بعضهم وشكك جراء ذلك كان قال ما قاله ووصف ذلك بالمراء وأنه كفر وأنذر منه أشد الإنذار ، وسيمر معنا إن شاء الله نقل بعض تلك الآثار في ذلك وبيان سبب قوله صلى الله عليه وسلم ذلك .

ولا شك بأن ما فعل بذلك الحرف من المراء وهو كفر كما أفاده هذا الخبر ومن هنا جاء الإهتمام بالتجلية عن هذا الأمر والإنذار منه ، خصوصا وأنه متعلق بأصل عظيم من أصول الإيمان وهو صدق الله تعالى ورسله فيما أخبروا عن بعث المهدي وبيان صفاته وأن أخص الخصائص في أمره أن بعثه من الله تعالى وأنه بذلك سيكون رسولا من رسله ، لكن هذا الكافر الجاحد المنافق البليد يخلط في ذلك ويوهم ولا يوهم إلا السفهاء أمثاله من المتعصبة في رد الحق الذي يغالون برده اليوم ويجحدونه جحدا لا أمل في إيمانهم معه ، ذلك بسبب مولاتهم لأهل الباطل من سلاطين الجور والظلم والكفر والنفاق ومن داهنهم من قراء الكذب والنفاق ، والذي باتت لهم تلك الموالاة اليوم من أشد فتنتهم عن أمر الله تعالى ، لهذا ترون تحقق التضاد التام في أنفسهم ما بين وجوب اليقين بأمر الله تعالى ووجوب تصديق آياته اليوم ، وبين اعتقاد وجوب طاعة ولاتهم الأشرار ومن والاهم من القراء والفقهاء الكذبة ، لأن لازم التصديق ببعث المهدي والإيمان بأمر الله تعالى الذي قدر به وإيجاب الله تعالى ورسوله طاعته واتباعه ، لازم ذلك القضاء المبرم على ما هم فيه من باطل وإيمان زائف ، ولما لم يؤمنوا بذلك ضلوا من بعد ما عزموا على الكفر ورد الحق وجحد آياته مهما تواترت وصدقت من الله تعالى كما هو واقع عمل هذا الجاحد البليد الشرقاوي الذي تجرأ في مكابرته ونكرانه للحق حتى لجأ لتدعيم مزاعمه بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كما مر معنا بيانه في الفصل الأول ، غير مبال بوعيده بالنار لمن يكذب عليه ، وزاد حر قلبه ولهيب جمر الغيظ في صدره إعلان المهدي الحرب والفضح بحق سلاطينهم وقراءهم حتى أخذ يعدد ما عدد برده من عناوين مقالات وأسماء كتب للمهدي تصادم هواه وتقصف أساسات أباطيلهم ، وورد ببعضها أسماء قراء دجاجلة من زمرة كلاب النار من الذين يحبهم ويقدس ذكرهم قلبه المريض المنتكس لأنه من جنسهم ومتلون بألوانهم ، حرباء تتوافق مع أغصانها ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من يقاتل آل البيت آخر الزمان فهو بمنزلة من يقاتل مع الدجال ومعلوم امر البيت آخر الزمان لن يكون إلا بالمهدي :

روى سعيد بن المسيب عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق ومن قاتلنا في آخر الزمان كان كمن قاتل مع الدجال " . (1) 

هذا وقد وردت عدة أخبار بالأمر بقتال هؤلاء المنافقين الخوارج الدجاجلة الملاعين الكذبة وأن من الحل للمهدي قتلهم قراء الردة والمروق عن الإسلام ، بل أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه صلوات ربي وسلامه عليه أن لو أدركهم لقتلهم قتل عاد ولم عاد ؟!

لأن الأشقى الذي انبعث من نفسه للشر كان منهم ، وأمر الشر أصلا مقدر في هؤلاء ومشهور بأنه سيكون فيهم من غير ذكر الدجاجلة أولئك ولو خشية أن أخرج عن مقصودي بالنقض على هذا المنافق لسردت مجموعة أخبار في ذكرهم ووصفهم بالحداثة والسفه وذهاب العقل ، بل تشبيههم ببهائم الأنعام التي لا تعقل ، وأعتقد أني أتيت على جملة منها بكتابي الأول " وجوب الاعتزال " يراجع ذلك الموضع .

أخرج عبدالرزاق في مصنفه عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة يخبر : أن ذكر شيء عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ذاك عند نسخ القرآن " ، فقال رجل كالأعرابي : ما نسخ القرآن ؟

فسكت النبي ساعة وقال : " مثل هذا ، يذهب أمته ويبقى قوم طوال الأعناق هكذا ـ وجمع يديه ثم مدهما وأشار ـ كالأنعام " ، قالوا : أولا نُقرئه أبناءنا وأزواجنا ، قال :

قد قرأت اليهود والنصارى " .

أقول أني : أعتقد أن أوان ذلك حين لا يفقهون ما في القرآن على ما روي معناه عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 

يخرج أقوامٌ من أمتي يشربون القرآن كشربهم اللبن " . 

وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثم يبقى قوم يقرؤون القرآن لا يدرون ما هو " . " رواه أبو يعلى رحمه الله تعالى في مسنده "

وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال : تعلموا القرآن فسلوا به الله تعالى قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا ، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة ، رجل يباهي به ، ورجل استأكل به ، ورجل يقرأه لله تعالى .

فقولوا بربكم لي : مثل هذا المنافق البليد المعترض وأقرانه كيف ترون حالهم اليوم ، هل يتعلمون ويسلكون حين يتخرجون من مفاقسهم تلك لطلب الدنيا برواتب الطواغيت والرباط بمكاتبهم ومؤسساتهم ؟!

أم ترونهم تقاة ورعين يتأجلون أجره ولا يتعجلونه ؟! 

إنهم أشباه البهائم قراء النفاق حين يكثرون مع كثرة السلاطين السفهاء ، وأبرز علامات الصدق في تعيين وجودهم أنهم حين يكثرون جميعا لزاما سيكثر المطر الغير مبارك والواقع يشهد بذلك على مستوى العالم كله وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك أنه حين يكثر الأمراء والقراء سيكثر المطر ، شهادة حق من الله تعالى وعلامة ربانية لبيان الحق في تعيين زمان تحقق تأويل أمر هؤلاء ، فانظروا بحالهم جيدا لتصدقوا وتوقنوا بأن قراءتهم له نفاق وأنهم حقا يشربونه كشربهم الماء أواللبن يمرقون منه مروق السهم من الرمية على ما تمت الأخبار في ذلك ، ولهذا نرى كيف تعذر عليهم الإيمان بوعده ووعيده ، ثم يقول البليد الشرقاوي الدجال :

ما يدعيه اللحيدي لا يمكن لعاقل أن يصدقه . ولهذا لم يصدقه بعد هذه المدة الطويلة ، والسنين الكثيرة إلا أفراد قلائل جدا ، لا يخلو أكثرهم من مرض نفسي أو سفه في العقل ) اهـ .

وهل بقي فيكم عقل ورشد وحتى إيمان لتقبلوا هذا الحق المكنون الذي قدر عز وجل بأن لا تمسه إلا القلوب الطاهرة الطائعة الموفقة من لدنه سبحانه ، لقد كفانا تعالى ورسوله في خبركم وبيان حقيقتكم واعمى القلب معدوم البصيرة من جهل أمركم :

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً ﴾ .

فإذا قدر تعالى على قلوبكم الأكنة والوقر على آذانكم ثم إذا ما دعيتم لا يمكنكم الإستجابة ، فما يفيدك التذرع بالعقل وأنتم أصلا بلا عقول ولا قلوب ولا آذان تسمع ولا عيون ترى اليوم أثر آيات الله تعالى في الأرض والسماء على صدق هذا البعث وتحقق خروج الخليفة المنصور ، ثم من يهديكم بعد الله تعالى ؟!

وأما رسوله فالأخبار التي ذكرت والتالية في بيان سوء حالكم واللعنة في عاقبتكم يا أشرار ، وهي كثيرة جدا ، ومنها : "ليأتين على الناس زمان يتعلمون القرآن ويعلمونه ويقرءونه ويقولون : قد علمنا وقرأنا فهل أحد خير منا ؟ فهل فيهم خير ؟"

قالوا : لا يا رسول الله ، من أولئك ؟ ، قال : " أولئك منكم ، أولئك هم وقود النار " . "رواه أبو يعلى عن العباس رضي الله عنه " 

وفي الخبر المشهور المروي معناه عن أكثر من صحابي قولهم :

" ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ستا أخشى أن يدركني بعضهن : بيع الحكم ، وإضاعة الدم وإمارة السفهاء وكثرة الشرط ، وقطيعة الرحم ، وناس يتخذون القرآن مزامير يتغنون به" .

وفي لفظ : " ونشئ يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحسنهم صوتا وأقلهم فقها " .

بربكم : ألا ترون كيف أن ظهور إمارة السفهاء الحدثاء باتت تغطي وجه الأرض حقا ؟!

و كثرة الشرط أعوان الظلمة ؟!

و كثرة أولئك المزمرة كما أخبر عنهم صلى الله عليه وسلم فنراهم بالمنابر والإذاعات والقنوات التلفازية ، وملئت بأصواتهم الأشرطة الصوتية يتنافس الناس على الإستماع لهم حتى أنشئ لبعضهم قنوات تلفزيونية تبث على مستوى العالم كله ، ويترنح أحدهم برأسه وكأنه مغنية تنشد أطرب الألحان وهو من أجهل الناس بالقرآن يقيم حروفه وقد ضيع حدوده .

وبذلك نوقن المصداق على تحقق أمر أولئك الدجاجلة والقراء الكذبة المنافقين ومنهم ذلك الكافر الجاحد فرخ مفقسات آل طرطور لعنه ولعنهم الله تعالى جميعا فهم كلاب النار الذين توعد بقتلهم صلوات ربي وسلامه عليه إن أدركهم قتل عاد ، وقال سيبقون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال ، وهم الدجاجلة وأئمتهم أولئك المعدودين الذين أخبر بخروجهم عليه الصلاة والسلام بين يدي المسيح الدجال .

ومن المفارقات العجيبة هنا أن هذا الخبيث ومن شابه قلبه بالكفر والجحود ورأسه بالجهل والسفه ، أنا نجدهم يستبعدون جدا قرب تأويل أمر المسيخ الدجال فضلا عن أمر المهدي وبعضهم يشترط لتحقق ذلك فناء الحضارة التي نرى اليوم ، ثم يقفز بعضهم بين الفينة والأخرى ليصيح باللحيدي أنه من الدجاجلة المعدودين وقد علم العارفون بأن أمر هؤلاء لن يكون إلا بين يدي خروج المسيخ الدجال وقريب من خروجه مقدمة له ، وهم إن افتروا قالوا بقرب ذلك فقط للطعن بالمهدي ، وإن تعلق كلامهم بالدجال الأعور التزموا بعد تحقق ذلك وقال بعضهم لن يكون إلا بعد فناء الحضارة التي يشهدون ، أما فيما هم فيه من معارضة الحق الذي بعث به المهدي عليه الصلاة والسلام نراهم يتناسون ذلك ويقاربون الأمر جدا ، وهذا من التناقض الذي أوقعوا أنفسهم به جحدا للحق واستكبارا عن قبول الهدى الذي كتب الله تعالى وردا لتصديق الآيات البينات عليه ، تحكما على غيب الله تعالى ورجما عليه بالكذب ، فكانوا هم الدجاجلة حقا ومقدمة خروج الأعور الملعون يقينا .

نعم ، هم لا يؤمنون بتحقق بعث المهدي ولا بقرب تأويل أمره بتاتا على أي وجه كان ذلك البعث ويتصورون لتحقق ذلك أمدا بعيدا جدا ويوقنون على أنه لن يدركهم ذلك ولربما لسابع جيل من ذرياتهم ، المهم أنهم لا يرغبون بذلك طويل أملهم بالدنيا شديد عماهم عن رؤية علامات الساعة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، واليقين بتحقق تلك الأشراط من أمر الدخان والنار والروم وغير ذلك من تواتر الزلازل والمحن والهرج والمصائب العديدة التي وردت بذكرها الأخبار ورغم أنهم باتوا وسط تحقق كل ذلك لكنا لا نجد أشد منهم ضلالا وإضلالا للبشر عن العلم بكل ذلك ، في حين أخبر حذيفة رضي الله عنه عن حال المؤمن آخر الزمان أن مما سيتمنى تحقق خروج الدجال تصوروا ؟ ، على عكس حال هؤلاء فهم من أشد الناس كراهة لتحقق خروج المهدي ولا أقول الدجال ، يكرهون تحقق بعثه عليه الصلاة والسلام ولا نراهم عليهم اللعنة من زنادقة مكذبة لله تعالى ورسله إلا وأصلوا الباطل ابتداءً بمجرد سماعهم بتحقق بعث المهدي الحق ، ودائما يؤصلون الباطل بزعم فلانا المهدي ولا أدري بأي برهان سيوقنوا بتحقق بعثه بعد ذلك ، إلا أن حقيقة إيمانهم في ذلك التعطيل لا غير وقد لبس عليهم وهم لا يشعرون ويحسبون انهم محسنون وهم قد ضلوا ضلالا بعيدا .

قال شهر بن حوشب : كان عبدالله جالسا وأصحابه فارتفعت أصواتهم ، قال : فجاء حذيفة فقال : ما هذه الأصوات يا ابن ام عبد ؟ قال ذكروا الدجال وتخوفناه ، فقال حذيفة :

والله ما أبالي أهو لقيت ام هذه العنز السوداء ، فقال له عبدالله : لم ؟ لله أبوك ، قال حذيفة :

لأنا قوم مؤمنون وهو امرؤ كافر ، وإن الله سيعطينا عليه النصر والظفر ، وأيم الله لا يخرج حتى يكون خروجه أحب إلى المرء المسلم من بردة الشراب على الظمأ ، فقال عبدالله : لم ؟ ، قال : من شدة البلاء وجنادع الشر " رواه ابن أبي شيبة في مصنفه "

وهل تدرون لم لن يتمنى هؤلاء لا لقاء الدجال ولا المهدي ؟!

لأنهم دجاجلة ارتضوا دجاجلة مثلهم واكتفوا وما هم بحاجة للقاء أحد ، ومثلهم أسوأ من مثل من سيتبع الدجال وهو يعلم أنه دجال ، أما هذا البليد المنافق فهو مؤمن بالدجالين حقيقة سلاطين وأعوان ظلمة لهم من قراء وفقهاء الكذب وما أكثرهم اليوم ، وارتضاهم وزكاهم ومن السلاطين يتكسب الريال ، ومن أعوانهم القراء يتكسب الثناء ورضاهم دخوله في جمعهم الملعون .

عن عبيد بن عمير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليصحبن الدجال قوم يقولون إنا لنصحبه وإنا لنعلم أنه كذاب ، ولكنا إنما نصحبه لنأكل من الطعام ونرعى من الشجر " . "رواه ابن أبي شيبة "

وقال ابن مسعود رضي الله عنه لمن رغب أن يخرج الدجال حتى يرميه بالحجر : والذي لا إله غيره لو سمعتم به ببابل لأتاه أحدكم وهو يشكو إليه الحفا من السرعة . " ابن أبي شيبة "



وأختم هذا الفصل بالتنبيه على عجيبة في الموافقات تعلقت بحال هذا المنافق الشرقاوي حين ربط علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتال حفيده للخوارج الكفرة آخر الزمان فعين مكانهم ديار هذا الجاحد البليد الشرقاوي نسبة للمنطقة الشرقية اليوم من الجزيرة العربية وهي معقل للرافضة المجوس اليوم ، وما يدرينا لعل هذا المنافق في باطنه رافضيا خبيثا فحقده على أمر الله تعالى وبعث وليه المهدي آخذ بتلابيب قلبه ، والرافضة كما عهد عنهم على طول تأريخهم قد يتلبسون بمذاهب السنة كاليهود حين يتلبسون بأديان الناس للحاجة لحربهم من الداخل ، ثم يتبين أخيرا أنهم كانوا منافقين أدعياء ادعوا ما تظاهروا به لغاية سيئة وهي حرب الملة التي يعلنون اعتناقها ، فقال أحدهم لما انتهى علي رضي الله عنه من قتال الخوارج : لا خوارج بعد اليوم . فسمعه علي فقال ما معناه :

إنهم في أصلاب الرجال وسيبقون يخرجون حتى يخرجون في أرضك يا يمامي بين أنهار ، فيخرج لهم رجل من ذريتي فيقتلهم .

فقال الرجل : ليس بأرضننا أنهار . قال علي : ستكون .

وقد كنت ذكرت هذا الأثر سابقا ولم استطع حتى الآن أن أهتدي لمكانه من كتبي أو مقالاتي ، ووجدته مرفوعا للنبي صلى الله عليه وسلم ما يؤكد على أن الأخبار عما سيكون التي يذكرها علي رضي الله عنه إنما أخذها من النبي صلوات ربي وسلامه عليه .

فقال أحد الصحابة : خرج النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الخوارج فقال : " يا يمامي أما إنهم سيخرجون في أرض بين أنهار " . قلت : يا رسول الله ، والله ما بأرضنا أنهار .

قال : " إنها ستكون " . " معجم الصحابة لإبن قانع "

وروى معناه أبو نعيم رحمه الله تعالى في معرفة الصحابة عن الصحابي ضمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

يخرج حرورية بين انهار باليمامة " قلت : ليس بها أنهار ، قال : " إنها ستكون " .

وأرض اليمامة كما علمتم هي منطقة هذا البليد الشرقاوي فسبحان الله وليست هذه بأغرب الموافقات لحال هذا المنافق ، بل الأغرب من ذلك أن منطقته اليوم هي أرض مسيلمة الكذاب أيضا أحد الدجاجلة الذين يطعن بذكرهم هذا المنافق مهدي الله تعالى وخليفته ورسوله ، فسار لها بعد ارتدادهم بأمر مسيلمة الصحابة وقاتلوا قومها وأخبارهم مشهورة .

وكما كان نقم مسيلمة الدجال الكذاب على أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى طمع يشركه معه به فكان أن أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بخبره وأنه أحد الكذابين الدجاجلة ، واليوم نرى يخرج ناقما على أمر المهدي الحق هذا اليمامي الشرقاوي وهو دجال كذاب وأصرح ما عيب على أولئك الدجاجلة كذبهم على الله تعالى وشريعته وهذا الملعون كذب كذبا صريحا على النبي صلى الله عليه وسلم بأن زعم عليه ما بينته في الفصل الأول ، وهي أخص صفات الدجاجلة فهم كذبة على الله تعالى ورسوله ولو أن الأخبار وصفتهم بدعوى النبوة أو الإرسال فلأنهم شديدي الكذب على الله تعالى ورسوله وهذا ما لم يفقه حقيقته هذا البليد ومعناه وهو الفهم الذي كان عليه الصحابة علي بن أبي طالب وابن عمر ، فعلي حين رد على ابن الكواء قال بأنه أحد الدجاجلة أولئك الكذابين مع أن ابن الكواء لم يدعي لا نبوة ولا إرسال .

ومثله إبن عمر رضي الله عنه حين سأله أحدهم عن متعة النساء وهل دام على فعلها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رد عليه بقوة ابن عمر وربط من سأله بذكر أولئك الدجاجلة الكذابين وبيان النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الحذر منهم ، ما يفيد أن العامل المشترك بين هؤلاء جميعا ومن شابهم الكذب على الله تعالى ورسوله وذلك أخص بهم من أن يكون أمرهم صريحا بادعاء النبوة أو الإرسال ومقصورا على ذلك ، وكونهم وصفوا بذلك مع الكذب لأن دعواهم مبنية على ادعاء قيامهم بالنصح للخلق والدلالة على الحق والخير وهم كذبة بدعواهم ذلك وأنهم يوهمون بأنهم إنما يفعلون ذلك كما يفعله الأنبياء والرسل لهذا نسبوا لإدعاء ذلك وصحيح بأن منهم من سيدعي بأنه يوحى له كذبا وزورا كحال مسيلمة والمختار إلا أن الذي يغلب على هؤلاء الكذب خصوصا من سيكون منهم آخر الزمان بين يدي خروج المسيخ الدجال ، والذي يدعم هذا التفسير لحال أولئك الدجاجلة أن إبن الكواء لم يدعي لا النبوة ولا الإرسال ومع هذا رماه علي رضي الله عنه بأنهم من أولئك الدجاجلة ، ومثل ذلك رميه لإبن السوداء بذلك ، ومثله من سأل ابن عمر عن متعة النساء فرماه بذكر أولئك الدجاجلة الكذبة ، وكل هؤلاء أخذ عليهم الكذب ولم يدعي احد منهم لا النبوة ولا الإرسال كما قلت ، وفقه معنى الأخبار فيهم أولى يؤخذ عن الصحابة لا عن الجهلة الذين لعل بعضهم من جنس أولئك الدجاجلة الكذبة .

وبمراجعة ردي على الأحول الدجال سلمان العودة " كشف اللثام .. " ستجدون هناك توسعي بتقرير الكلام على معنى الأخبار في أولئك الدجاجلة فليراجع .

وقد ذكر الحافظ ابن حجر في معنى بعثهم قوله بأن : المراد يبعثهم إظهارهم لا البعث بمعنى الرسالة 

قلت : الصحيح ما قررته أخذا بالمعنى في رواية مسلم رحمه الله تعالى عن أبي هريرة أنهم "ينبعثون " من أنفسهم فلا حاجة على ذلك للتأويل على ما قاله الحافظ وغيره ، والظهور عامل مشترك يدخل به من يبعث بالحق والباطل على هذا ، لكن ان يختص أهل الحق ومبعوثي الله تعالى ببعثه هو ، واهل الباطل والدجال بانبعاثهم من أنفسهم كما وصف الله تعالى بشقي ثمود عاقر الناقة ، فهذا هو الفارق الحق وعليه الرواية التي يجب المصير إلى معناها دون غيره مما روي وتمسك به ذلك المنافق البليد ليلصق ذكر الحق ببعث المهدي من سيرة أولئك الدجاجلة فعثره الله تعالى وهكذا يعثر كل من يعارض الحق ليعلي الباطل ووساوس الشيطان من رأسه .

وللتأكيد على أن أمر الخوارج مما سيكون من ناحية هذا المنافق ما رواه علي رضي الله عنه قال :

إذا حدثتكم عن رسول الله حديثا فلان أخر من السماء أحبُّ إلى من أن أكذب عليه ، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإنما الحرب خدعةٌ ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

يأتي في آخر الزمان قوم حديثوا الأسنان سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لا يجاوز إيمانهم تراقيهم ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجرٌ لمن قتلهم يوم القيامة " . 

الحديث متفق عليه ورواه احمد وابو داود وجماعة وفي بعض ألفاظه أن خروجهم من المشرق ناحية هذا المنافق البليد شديد العداوة للحق ، ولتأكيد تفنني في نقض استدلالاته الحمقاء والكاذبة على السواء ، فسأعكس عليه هنا وفي غير هذا الموضع ألوان من الإستلال للنقض عليه بالمفاهيم المستقيمة الحقة لا مثل ما فعله هو بحشد الأكاذيب والسخافات التي عند احسان النظر وتدقيق الإعتبار لن يجدها العاقل إلا مضحكات ويعجب كيف تخرج من متسمت بالدكتوراء وهو أبله عار على تلك المفقسات أن تكون فراخها بهذه الغباوة والسفه .

فمثلا : أستدل عليه هنا ونظرائه ممن اتهمونا بمذهب الخوارج بأنهم هم الخوارج حقا لإنطباق معاني بعض ألفاظ الأخبار عليهم ، وهذا الإستدلال من جنس استدلاله الكاذب الذي مر معنا قبل حين قرر في خصوص " البعث " أو " الإرسال " أن ذلك منطبقا على اللحيدي لإستخدامه ما وصف به النبي صلى الله عليه أولئك الدجاجلة ، وليقل لنا رأيه في هذه قوله في الخبر الأخير عن علي رضي الله عنه : " يقولون من خير قول البرية" ، فهل هذا مما ينطبق على حال المهدي اليوم ومن اتبعه ؟ 

أو حاله هو ومن على شاكلته ؟

فهم يعتقدون جزما بأن ما قاله المهدي يعد من شر قول البرية وأنه كذب بين يجب الحذر منه ، أما قولهم هم فهو عند أنفسهم ومن قلدهم واغتر بهم أنه من خير قول البرية على أنه الأصل من الدين وما عليه جمهور الأمة دين الإلف والعادة ، وإذا تبين له وجه الإستدلال هنا ليوقن بأنه مقتول وأن بقتله نصرة للحق أجرٌ عظيم ، وأن قتالهم سيكون حقا على كل مسلم على ما أخبر عن ذلك المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه .

ونظير هذا الإستدلال عليه : قلب الدلالة على رأسه بما احتج علينا بخصوص اتهامه لنا بأمر الدجاجلة أولئك ، حتى بالغ السفيه ونسبنا للشياطين التي أوثقها سليمان عليه الصلاة والسلام في البحر وأنها توشك تخرج آخر الزمان فتقرأ القرآن على الناس ، فقال اللعين الكذاب ما يلي :

وروى مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما أنه قال : " إِنَّ في الْبَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ فَتَقْرَأَ على الناس قُرْآنًا" ، وهاهو اللحيدي .. يزعم أن القرآن محرف ، وأنه مرسل ليطهر القرآن من التحريف ، وصار يغير في كتاب الله ، فيظهر أن تلك الشياطين التي أوثقها سليمان عليه السلام خرجت ، ووجدت بغيتها في اللحيدي ، فقرأت عليه قرآنا ، وأمرته أن يغير به كتاب الله عز وجل ) اهـ .

ومن شديد بلاهته أن يستدل بهذا وقد صاح على نفسه أنه قليل علم بالأخبار وليس له كثير عناية بالبحث عنها خشية ان يستدل بشيء ثم ما يلبث فيريه خصمه أن في ذلك ما سينقلب عليه ويصبح ضده بدلا من أن يكون معه ، وفعل ذلك به المنتهى على شديد حمقه وأني لم أظلمه بهذا الوصف فهذا مستحقه وتلك حقيقة فرخ مفقسات آل طرطور ، وما أكثر الحمقى بينهم أمثال هذا السفيه الجاهل ، وأقول :

بأن من تمام ألفاظ ما روي في خبر الشياطين التي قيدها سليمان عليه الصلاة والسلام في البحر ، ما رواه ابن وضاح رحمه الله تعالى في كتابه في البدع وأهلها بإسناده عن ابن عمرو بن العاص قوله :

يوشك أن تظهر شياطين يجالسونكم في مجالسكم ويفقهونكم في دينكم " .

وروى أيضا عن سفيان حين قيل له عن ابن منبه قوله : " سياتي على الناس زمان يجلس في مساجدهم شياطين يعلمونهم امر دينهم " . قال سفيان : " قد بلغنا ذلك عن عبدالله بن عمرو أنه قال :

" سياتي على الناس زمان يجلس في مساجدهم شياطين ، كان سليمان قد أوثقهم في البحر يخرجون يعلمون الناس امر دينهم " .

وذكر ابن وضاح أيضا عنه ـ سفيان ـ أنه قال : يعلمون الناس فيدخلون في خلال ذلك الاهواء المحدثة فيحلون لهم الحرام ويشككونهم في الفضل والصبر والسنة ، ويبطلون فضل الزهد في الدنيا ويامرونهم بالإقبال على طلب الدنيا ، وهي رأس كل خطيئة اهـ . 

فانظروا بربكم لهذا المغفل كيف نقل برده علينا وحقيقته على رأسه والأخباث فريقه ، ونحن لله الحمد والمنة لم نجالسهم في مساجدهم لا هم ولا عامتهم ، بل تبرأنا منهم ومن كل مجامعهم ومن مساجدهم الضرار ، وإن كان هناك حقا شياطين موثقة فعلا بالبحر من سليمان وقد آن لها الخروج كما يحلو بالإستدلال الفاشل من هذا الأحمق ، فما هم وربي إلا هو وحزبه من خريجي تلك المفقسات تلبستهم الشياطين فهم رواد المساجد لا نحن فنحن أطعنا الله تعالى ورسوله واعتزلناهم ولو كان الخبر في ذكر تلك الشياطين أن غاراتهم على بيوتات الناس لكان لإستدلاله وجه ، أما وقد قيد ذكرهم ذلك بالمساجد فهذا الضال المنافق من أهلها ، وهو أحق بها .

ولم ترض نفسي إلا أن أختم هذه الإستدلالات الإنقلابية بقلب استدلاله أيضا علي فيما قاله مدعي به نقلا عن مجهول زعم أنه ممن ارتد عن أمر المهدي اللحيدي عليه الصلاة والسلام ، فتشدق شديد البلادة بقوله التالي :

( وأنه سمعه بنفسه ينهاهم أن يقرؤوا قوله تعالى {حتى تستأنسوا } هكذا ، ويقول : هذه الآية خطأ ، وصوابها (حتى تستأذنوا ) . وليس من مقصود هذا الكتاب الرد على افتراءات اللحيدي ، كما تقدم ذكره في المقدمة ) اهـ .

يزعم ذلك من أكاذيبي وهو الكذاب الدجال في هذه وفي غيرها مثل زعمه علي بقوله :

يدعي اللحيدي أنه رسول الله ، وأنه مُحَدَّث معصوم ) اهـ .

وهذا كذب في كذب من دجال امتهن الكذب وجرأ يتفوه به على النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بمن هو دونه ، وحقا انطبق عليه أخص صفات الدجاجلة أولئك الذين من جنسهم إبن الكواء وإبن السوداء ، وهل هناك حرفا مما كتبت وأعلنت للناس يدل على ذلك باني معصوم ؟!

ولو وجد لطار به هذا البليد ، ووالله لو اجتهد أحد يجدها للنبي صلى الله عليه وسلم ما وجدها ، وهذا الملعون المفتري ينسبها بكل برودة وحمق للمهدي عليه الصلاة والسلام وهو لا يعلم لأنه جاهل وعلى طريقته بالإستدلال فيما ينقلب عليه عند التحقيق فيصبح ضده لا معه ، لأن دعوى العصمة هذه لا يمكن يقولها عاقل وبالنسبة لدين المهدي وعقيدته وفقهه فهو في جملة عقيدته عدم عصمة الأنبياء ويدرك ذلك تحقيقا لا كما هي حال هذا السفيه المنافق ، يدرك بأن هذه المسألة عند أهل السنة دون غيرهم من مسائل الخلاف ، وأن الذي ترجح لدينا عدم العصمة للأنبياء أمام الله تعالى لا قبل مبعثهم بالحق ولا بعده ، ثم يجرأ هذا التائه فيدعي على المهدي عليه الصلاة والسلام ما يدعي هنا ، وأين معصية آدم في أكله من الشجرة التي نهي عن الأكل منها ، ولعل هذا السفيه سيقول ذلك قبل ما يكون نبي ، والحق أن آدم من خلق كان نبيا مكلما ، بل أزيد بما لن يجده بغير هذا الرد والنقض والقصف لأساساته أن من المشهور المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه أكد على أنه كان نبيا وآدم مجندل في طينته ، ومع هذا قدم له الطعام المنحور لصنم وأكل منه وهو بمكة قبل بعثه بالحق ، وكل ما ثبت في القرآن من استغفار لنبي فهو جار على هذا الأصل المؤكد عليه بالأدلة التي ذكرت وغيرها ، أن الأنبياء ليسوا معصومين إلا بما يبلغونه عن الله تعالى أما بحياتهم الخاصة وتحت طبائعهم البشرية فلا عصمة لأحد منهم أمام الله تعالى ، لكن لا يعني هذا نقصانا من طبيعتهم البشرية والله أعلم حيث يضع رسالته ، فهم من أكرم البشر وأحسنهم أخلاقا وأكرمهم وأزكاهم ، بل اجتباهم ربنا تعالى لذلك الشرف العظيم قبل ما تخلق أجسادهم وقبل ما تخلق أرواحهم ، وكانوا في جملة ما قدر ثم خلقهم .

وعودا لما قصدت له آخرا بنقض كذبته في نسبة ذلك الخلاف على ذلك الحرف (تستأنسوا ) و ( تستأذنوا ) ليقرر ما في نفسه ضد المهدي ويوهم بأن هذه من شناعاتي على القرآن وكفرياتي فأقول :

الخلاف على هذا الحرف مشهور يدريه أهل العلم والتحقيق لا البليد الغافل ، ومن الفضيحة نسبته للمهدي وجهل أن القائل به صحابي لم يدر بخلد هذا البليد أن من مثله سيقول بما استشنعه ونسبه للمهدي عليه الصلاة والسلام ، لكن الجهل آفة أما البلادة فأشد منه ، لا طب لها .

روى الحاكم رحمه الله تعالى بإسناده عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ .

قال : أخطأ الكاتب حتى تستأذنوا اهـ . 

أي انقلب عليه الرسم من " تستأذنوا " إلى " تستأنسوا " ، طبعا مثل هذا الأحمق السفيه سيفاجأ بهذا حين يتبين له أن ما أنكره على المهدي واجتهد ينسبه له أنه بالحقيقة قولا لصحابة وسيبهت الذي كفر ولا شك من ذلك ، لأن ما قاله ابن عباس على خلاف ما رسم بمصحفهم وفي هذا أبلغ رد على ما تقلده هذا البليد عن ابن حزم حين استدل لحفظ مرسومهم بذلك المصحف بنسبته لحفظ الله تعالى ونزع بقوله تعالى : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ . وهذا كذب من الإستدلال ، فالمراد بالذكر هنا تحقق تأويل أمر الله تعالى آخر الزمان الذي فيه عاقبة الأمور وخواتيمها ، وعهد الله تعالى بحفظ ذلك من عبث اليهودية وطلاسم الصليبية وسفه الإسلامية ، فكل أولئك مهما وقع منهم على ذلك أن يحرفوه ويطمسوه فلن يقدروا لأن الله تعالى فيما بلغه الناس عن طريق أنبياءه ورسله تعهد بحفظه ولن يكون ما قدر في العواقب وانتهاء الأمور إلا ما شاء حصوله ، لن يكون الحكم في ذلك إلا له عز وجل .

وقال تعالى : ﴿ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ... ﴾ . أي حاملا له لا أنه هو الذكر المتعهد بحفظه ، وكما حمل الذكر ناموس موسى وصحف إبراهيم قبله وزبور داود بعده وإنجيل المسيح أيضا ، فكذلك القرآن حمل ذلك الذكر المتعهد بحفظه إلى حين تحقق تأويله ، لا يمكن طمسه ولا تعطيله بحال .

ولا يحسب الجاهل على جرأة ابن عباس الخطأ ، بل حقا اخطأوا بإثبات ذلك الحرف على ما هو مرسوم فيه إلى وقتنا هذا ، لأن ما فطن له ابن عباس لن يفطن له أي أحد والمثبت خطأ بالمعنى لا بالحرف فقط ، وكلام الله تعالى منزه عن مثل هذا الخلل ، فإن الإستئناس لا يصح مقدمة بحال للإستئذان لأن من تطلب منه الإذن بالدخول لن تتلقى منه استئناسا ما لم يبلغه طلبك ، وكيف يبلغه ذلك أصلا وأنت لم تبلغه استئذانك بالطرق على بابه أو بالنداء بالسلام أو يا أهل الدار ، وحين تُبلغه استئذانك يمكن أن تستأنس منه الرخصة ، أو عدم الرخصة بأن لا يرد عليك حين تستأذنه ثلاثا ، وهذا من الفقه ليشد به وثاقه الجاهل حتى ما يستطيل على ابن عباس كما استطال على المهدي من شديد ضلاله وجهله والله المستعان على كل بطال دجال كذاب يهرف بالكلام ولا يدري عواقبه ولا يحيط بمخارجه ، وعواقب جهله في ذلك ها هي تصب على رأسه السخيف بما أقصف به أساسات ما زعم على المهدي أنها كواشف وهي هواتف شيطانية أو كسراب بقيعة : ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً .. ﴾ .

وقد تناكد صاحب المحتسب أبي الفتح عثمان بن جني وعد قراءة ابن عباس هنا من الشواذ رغم بهائها الغالب لما اثبتوا في المصحف ورغم اقراره أنها قراءة كذلك لعبدالله بن مسعود رضي الله عنه وأيضا قراءة لأبي بزيادة فقال ( حتى تُسَلموا أو تستأذنوا ) ، وقال بأن ابن عباس كان يقرأ ( تستأذنوا ) ، ومع هذا عد ذلك من الشواذ تقليدا لما أجمع عليه بالمرسوم واعتمد ولو كان به خطأ ولو خالفه من خالفه من الأصحاب كأبي وابن مسعود وابن عباس ، وقبله في حرف (فامضوا ) عن عمر ، فلا يلتفت لذلك عندهم ، وهذا خلاف مذهب عمر رضي الله عنه بقبول الحرف بشاهدين وهؤلاء ثلاثة من خيرة صحابة محمد صلى الله عليه وسلم منهم اثنان من القراء الأثبات العدول واقرارهم بخطأ الناسخ لذلك الحرف واثباتهم الصحيح في ذلك ما يعد تركه تناقضا منهم ومخالفة صريحة لما ذهب إليه عمر رضي الله عنه في قبول الحرف من القرآن أو الآية بشاهدين ، وبهذا يتضح لكل عاقل أن هذا المنافق المعثور لما جاء يجتهد يثبت على المهدي عليه الصلاة والسلام بالكذب ليلزق به معرة ذلك الحرف أن قلب الله تعالى عليه تلك المعرة وعلى أمته التي تركت ذلك الحرف من قراءة الأصحاب المذكورين واعتمدت بدلا منه خطأ الناسخ بحرف ( تستأنسوا ) رغم الذي قررته هنا ، وفي هذا منتهى اليقين بضلال هذا وتيهه الشديد واقترانه بالكذب والخطأ اقترانا طبيعيا يليق بمن هو بمنزلته من الجهلة بل البلداء ومن الله تعالى وحده التوفيق والستر .

هذا وإني لأعتذر من كل قارئ لنقضي هذا على هذا الجاهل المنافق أني أطلت في هذا الفصل مما تداخل من كلامي فيما يتعلق بالإختلاف على بعض حروف القراءات مضطرا للتفصيل في ذلك للكشف عن شديد جهل هذا المنافق وبيان أنه يقول ما لا علم له به في ذلك ، وأنه مجرد مقلد لم يذق طعم التحقيق ولم يمارسه وإلا ما وقع بكل تلك الهفوات والزلات ، وما تركت ذكره أكثر مما أتيت عليه وقد أحلت الإطالة الحقيقية في تفصيل الكلام حول بعض الإختلافات على حروف من القرآن في الفصل التالي حين أتقدم لمناقشة ما نقل عن ابن حزم محتجا بما قاله عن حروف القرآن وجمع المصحف وما خالف ذلك ، وهو النقل الوحيد الذي أرى أنه استحق مني المناقشة والنقض ، أما غير ذلك مما نقله من كلام الناس فلن ألتفت له لأنه لا طائل من مناقشته مثل ما أورد من كلام ابن حزم فهو في صميم الأمر واستحق المناقشة : ﴿إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ .

والمهدي من عقيدته أن جهاد المنافقين واجب وحربهم عند المقدرة حتم وقطع دابرهم من أعظم النصرة لدين الله تعالى وكتابه وشريعته .

...............

(1) رواه الطبراني والبزار وأعل اسناديه الهيثمي وتبعه تلميذه ابن حجر رحمهم الله تعالى لكن خالفهم السخاوي وحسنه بمجموع أسانيد للخبر رويت عند أبي يعلي وفي المعجم لإبن الأبار وأمالي الشجري وفي مشيخة قاضي المارستان وعليه قال السخاوي : هذا حديث حسن وطرقه بعضها يقوي بعض ولذلك حسنته . وقلد المنافق الألباني الهيثمي وابن حجر فضعفه ، وما قال به السخاوي أولى بالصواب . 
 
 
 
...يتبع