مقدمة الكتاب

 

 

 

 

 

 

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :

 

حين أراد الله تعالى خلاص نوح عليه الصلاة والسلام ومن معه قدر له وأمره بصناعة تلك السفينة ليكون لهم على ظهرها نجاة وخلاص من كل ما كانوا فيه من عناء وضيق وحرب إيمانية تنازع الكفر بالله وأشد ما كان من أقرب الناس إليه قومه وأهله ، وكان من أمر الله تعالى الذي قص في ذكر نبيه نوح عليه الصلاة والسلام ما كان .

 

ومما كان واشتهر في قصة النبي نوح أن أمر تلك السفينة كان للنجاة من الهلاك المحتوم على أهل الشر في زمانه ، وبالمثل ستكون هناك سفينة نجاة آخر الزمان قدر لها أن ترتبط مصيريا بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من خلال حفيد المصطفى المهدي عليهما الصلاة والسلام ، وصحيح أنها ركبت كما ركبت سفينة نوح عليه الصلاة والسلام من الخشب لكن شأنها مختلف تماما ، إلا أنها تطابقت مع سفينة نوح بأنهما سبيل نجاة رباني ، قدرت بعلمه ونفذت بأمره تعالى ، فاتفقتا على كونهما صنعتا من الخشب وجريتا بأمر الله تعالى وبعينه ، لكن افترقتا من حيث العظمة ، ومن أهم الفوارق بينهما أن سفينة نوح محدودة الحمل ولو أنها كونية ، أما سفينة النجاة الأخيرة فهي مما لا تقارن معها سفينة نوح من حيث كثرة ما ستتحمله من ناجين على مستوى كوكب الأرض كله ، إن عباده الناجين بفضل الله تعالى وحمده بواسطتها لا يحصون كثرة ، فما هي تلك السفينة المختلفة للنجاة ؟!

 

إنها تابوت الشهادة والعهد الذي صنع بأمر الله عز وجل علي يدي نبيه وكليمه موسى صلوات ربي وسلامه عليه .

 

تلك السفينة التي دبر الله تعالى أمرها من عهد موسى الكليم عليه الصلاة والسلام ، أمر نبيه بتركيبها وبالتفصيل كان أوحي له مخطط ذلك التصميم مثالا أراه إياه يقظة لا مناما وهو معه فوق رأس ذلك الجبل ، وأمره على وفق ذلك المخطط المثال أن يصنع على غراره ذلك التابوت السفينة ومتعلقاته بالتفصيل ، وسن لهم الشرائع المتعلقة به بالتفصيل الدقيق ، وكان معظما في بني إسرائيل للغاية شريعة وعقيدة ، مما رأوا من آيات ربهم فيه العجب العجاب ، وبلغ من تعظيم الأنبياء له أنهم حين أدخله النبي سليمان عليه الصلاة والسلام لجوف المسجد الذي بناه كانوا أدخلوه على الطريقة المبينة بهذا الأثر المنقول في ذلك ، إلى أن حل الغمام فوق ذلك االمسجد وبجوفه قدس الأقداس تابوت الشهادة : ( لَمْ يَكُنْ فِي التَّابُوتِ إِلاَّ لَوْحَا الْحَجَرِ اللَّذَان وَضَعَهُمَا مُوسَى هُنَاكَ فِي حُورِيبَ حِينَ عَاهَدَ الرَّبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ . وَأَصْعَدُوا تَابُوتَ الرَّبِّ وَخَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ مَعَ جَمِيعِ آنِيَةِ الْقُدْسِ الَّتِي فِي الْخَيْمَةِ ، فَأَصْعَدَهَا الْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ وَالْمَلِكُ سُلَيْمَانُ وَكُلُّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ الْمُجْتَمِعِينَ إِلَيْهِ مَعَهُ أَمَامَ التَّابُوتِ ، كَانُوا يَذْبَحُونَ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ مَا لاَ يُحْصَى وَلاَ يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ ، وَأَدْخَلَ الْكَهَنَةُ تَابُوتَ عَهْدِ الرَّبِّ إِلَى مَكَانِهِ فِي مِحْرَابِ الْبَيْتِ فِي قُدْسِ الأَقْدَاسِ ، إِلَى تَحْتِ جَنَاحَيِ الْكَرُوبَيْنِ ) .

 

وكانت كل الأضاحي والنذر والكفارات مقرر لها شرائع لا يؤدونها في شريعة الرب المنزلة على موسى عليه الصلاة والسلام إلا من خلال ذلك التابوت المقدس والمتعلقات من حوله ، كالمذبح وأواني البخور ، ومحرقة القرابين المعدة بجانبه لتلك الحاجة وغير ذلك .

 

وكان يقسم في أسباط بني إسرائيل بالآلاف لخدمته وما معه ، بحسب أعمارهم وبحسب قبائلهم ، ويبلغ بعض العمال والحراس لأحد أفرع تلك الخدمات بالآلاف .

 

وحتى منازلهم مقسمة بترتيب معين حسب جهات مجمع تلك المقدسات وخيمته الأربع ، كل بحسب خدمته وبحسب نصيبة من تلك المقدسات ، وقولهم التالي يبين معنى ذلك كما هو منصوص عليه بسفر العدد : ﴿ وَالرَّئِيسُ لِبَيْتِ أَبِي عَشَائِرِ مَرَارِي صُورِيئِيلُ بْنُ أَبِيَحَايِلَ يَنْزِلُونَ عَلَى جَانِبِ الْمَسْكَنِ إِلَى الشِّمَالِ ، وَوَكَالَةُ حِرَاسَةِ بَنِي مَرَارِي : أَلْوَاحُ الْمَسْكَنِ وَعَوَارِضُهُ وَأَعْمِدَتُهُ وَفُرَضُهُ وَكُلُّ أَمْتِعَتِهِ وَكُلُّ خِدْمَتِهِ وَأَعْمِدَةُ الدَّارِ حَوَالَيْهَا وَفُرَضُهَا وَأَوْتَادُهَا وَأَطْنَابُهَا . وَالنَّازِلُونَ قُدَّامَ الْمَسْكَنِ إِلَى الشَّرْقِ قُدَّامَ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ ، نَحْوَ الشُّرُوقِ ، هُمْ مُوسَى وَهَارُونُ وَبَنُوهُ ، حَارِسِينَ حِرَاسَةَ الْمَقْدِسِ لِحِرَاسَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَالأَجْنَبِيُّ الَّذِي يَقْتَرِبُ يُقْتَلُ .

 

ولا ندري الأجنبي هنا المقصود به أجنبي على دينهم وجنسهم ، أو أجنبي على تخصصهم في خدمتهم لقدس الأقداس من جنسهم وأهل دينهم ، والراجح المقصود من قومهم ممن يكون أجنبي عند تلك الخدمة المخصوص بها موسى وهارون وبنوه لما في سفر العدد :

 

وَقَالَ الرَّبُّ لِهَارُونَ : ﴿ أَنْتَ وَبَنُوكَ وَبَيْتُ أَبِيكَ مَعَكَ تَحْمِلُونَ ذَنْبَ الْمَقْدِسِ، وَأَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ تَحْمِلُونَ ذَنْبَ كَهَنُوتِكُمْ وَأَيْضًا إِخْوَتُكَ سِبْطُ لاَوِي ، سِبْطُ أَبِيكَ ، قَرِّبْهُمْ مَعَكَ فَيَقْتَرِنُوا بِكَ وَيُوازِرُوكَ ، وَأَنْتَ وَبَنُوكَ قُدَّامَ خَيْمَةِ الشَّهَادَةِ فَيَحْفَظُونَ حِرَاسَتَكَ وَحِرَاسَةَ الْخَيْمَةِ كُلِّهَا. وَلكِنْ إِلَى أَمْتِعَةِ الْقُدْسِ وَإِلَى الْمَذْبَحِ لاَ يَقْتَرِبُونَ، لِئَلاَّ يَمُوتُوا هُمْ وَأَنْتُمْ جَمِيعًا يَقْتَرِنُونَ بِكَ وَيَحْفَظُونَ حِرَاسَةَ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ مَعَ كُلِّ خِدْمَةِ الْخَيْمَةِ. وَالأَجْنَبِيُّ لاَ يَقْتَرِبْ إِلَيْكُمْ بَلْ تَحْفَظُونَ أَنْتُمْ حِرَاسَةَ الْقُدْسِ وَحِرَاسَةَ الْمَذْبَحِ، لِكَيْ لاَ يَكُونَ أَيْضًا سَخَطٌ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ هأَنَذَا قَدْ أَخَذْتُ إِخْوَتَكُمُ اللاَّوِيِّينَ مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَطِيَّةً لَكُمْ مُعْطَيْنَ لِلرَّبِّ ، لِيَخْدِمُوا خِدْمَةَ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَأَمَّا أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ فَتَحْفَظُونَ كَهَنُوتَكُمْ مَعَ مَا لِلْمَذْبَحِ وَمَا هُوَ دَاخِلَ الْحِجَابِ ، وَتَخْدِمُونَ خِدْمَةً. عَطِيَّةً أَعْطَيْتُ كَهَنُوتَكُمْ. وَالأَجْنَبِيُّ الَّذِي يَقْتَرِبُ يُقْتَلُ ﴾" العدد "

 

وقوله : ﴿ فَلاَ يَقْتَرِبُ أَيْضًا بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِيَحْمِلُوا خَطِيَّةً لِلْمَوْتِ ﴾ " العدد "

 

فيتبين بهذا أن خدمة المذبح وما هو داخل الحجاب مخصوصة بموسى وهارون وبنيهم لا يقرب هناك أحد إلا هلك .

 

وأيضا مما يدل على أن المقصود بالأجنبي من جنسهم ودينهم لكن يتعدى حدود تلك الشرائع والمقدسات فيهلك ، مثل النظر للتابوت من غير غطاء ، أو مسه ، أو أخذ مرفوعات وقرابين وكفارات غير مستحق له حسب أحكام الشريعة شيء منها ، فيهلك كذلك كما في هذا القول : ﴿ وَتَأْكُلُونَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْتُمْ وَبُيُوتُكُمْ، لأَنَّهُ أُجْرَةٌ لَكُمْ عِوَضَ خِدْمَتِكُمْ فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ ، وَلاَ تَتَحَمَّلُونَ بِسَبَبِهِ خَطِيَّةً إِذَا رَفَعْتُمْ دَسَمَهُ مِنْهُ. وَأَمَّا أَقْدَاسُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلاَ تُدَنِّسُوهَا لِئَلاَّ تَمُوتُوا ﴾" العدد "

 

وكانوا لما كثر فيهم الإهلاك جراء تلك المخالفات والتعدي على تلك المقدسات أنهم كلموا موسى عليه الصلاة والسلام ليتخلصوا من ذلك ، فكان أن شرع لهم التفصيل حتى ما يتعدوا فيهلكوا تعظيما لتلك المقدسات ويعرف كل منهم حدوده مع تلك الأقداس ، فقالوا كما ورد في سفر العدد : ﴿ فَكَلَّمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مُوسَى قَائِلِينَ: إِنَّنَا فَنِينَا وَهَلَكْنَا. قَدْ هَلَكْنَا جَمِيعًا ، كُلُّ مَنِ اقْتَرَبَ إِلَى مَسْكَنِ الرَّبِّ يَمُوتُ. أَمَا فَنِيْنَا تَمَامًا ؟ ﴾.

 

وهذا يحسم في أن القتل والموت جراء تلك التعديات كان فيهم لا في الأجانب على دينهم وجنسهم .

 

وكان من تقدير وتعظيم تلك المقدسات أن مجرد النظر بالعين للتابوت حتى من قبل خدامه أن جزاء من يفعل ذلك الموت الحتمي الفوري ، لهذا وجب عليهم ستره دائما ، غير مباح النظر له بتاتا إلا بحالات استثنائية جدا ، كالحال التي أتت به الملائكة تحمله ليوضع بين يدي خليفة الله تعالى الأول .

 

والأجنبي بمجرد اقترابه من محلة قدس الأقداس يجب بمقتضى أحكام الشريعة قتله ، على ما نقلت ذكره قبل .

 

بل هارون نفسه عليه الصلاة والسلام أكبر الكهنة ورأسهم من بعد موسى عليه الصلاة والسلام والخادم الأساس لذلك المقدس نهاه الرب عن كثرة الولوج إلى هناك ، وقتل ولدين له حين اقتربوا من التابوت ومسوه ، فماتوا من فورهم : ﴿ وقال الرب لموسى: كلم هارون اخاك أن لا يدخل كل وقت الى القدس داخل الحجاب أمام الغطاء الذي على التابوت لئلا يموت ، لأني في السحاب اتراءى على الغطاء ﴾" اللاويين "

 

وكل بكر من الدواب في بني إسرائيل ينحر في مذبحه وتقدم محرقته قربانا لله عز وجل ، والحمار يفدى عنه ويذهب به للصحراء وتكسر رقبته ، لأنه بكر ما يمكن تسخيره ولا تقديمه قربانا لله عز وجل فشرع في أمره ما ذكرت في دينهم .

 

وعن أبكارهم من البشر تقدم اضاحي عنهم ويكتبون خداما لقدس الأقداس ، في تفاصيل يطول بيانها ويكتفى بهذه الإشارة لها .

 

وبلغ الحد في ذلك إلى أن ينبأ حزقيال النبي عليه الصلاة والسلام بما سيفعل الخلق من تأدية تلك الشرائع المتعلقة بقدس الأقداس من فرائض وسنن مجددا آخر الزمان ، كما هو مبسوط في تفاصيل السفر الخاص به في كتابهم القديم ، كذلك ورد عن اشعيا ما يفيد العمل بموجب ذلك في نبوءاته عن آخر الزمان فقال : ﴿ وَتَكُونُ تِجَارَتُهَا وَأُجْرَتُهَا قُدْسًا لِلرَّبِّ ، لاَ تُخْزَنُ وَلاَ تُكْنَزُ ، بَلْ تَكُونُ تِجَارَتُهَا لِلْمُقِيمِينَ أَمَامَ الرَّبِّ ، لأَكْلٍ إِلَى الشِبَعِ وَلِلِبَاسٍ فَاخِرٍ ﴾ .

 

يريد للمقيمين أمام الرب أي خدام مقدساته كما كان يفعل في بني إسرائيل في قديم الزمان ، وتلك مكاسب تلك المدينة التي قدست لله تعالى فلا يحل منها إلا لخدام قدس الأقداس لا لغيرهم .

 

وبلغ من تعظيم شأن المحلة التي يوجد فيها قدس الأقداس ، أن ينفى عنها من بني إسرائيل النساء الحيض ومن مس ميتا ومن به برص ، كل أولئك يجب عليهم الخروج من ذلك المكان ، بعيدا يذهبون ومن زال عنه ذلك العارض عاد ، أو بقي مكانه لا يقرب المحلة التي تسكن فيها تلك المقدسات : ﴿ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى تَنْفُونَ ، إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ تَنْفُونَهُمْ لِكَيْلاَ يُنَجِّسُوا مَحَلاَّتِهِمْ حَيْثُ أَنَا سَاكِنٌ فِي وَسَطِهِمْ ﴾" العدد "   

 

ومن تعظيم شأن تلك المقدسات إذا كان المسير يجب أن لا يتقدمه أحد بل كلهم يسيرون خلفه : ﴿ وأمروا الشعب قائلين : عندما ترون تابوت عهد الرب الهكم والكهنة اللاويين حاملين اياه ، فارتحلوا من أماكنكم وسيروا وراءه ﴾ " يشوع "

 

﴿ هوذا تابوت عهد سيد كل الأرض عابر أمامكم في الاردن

 

كذلك بلغ من عظمة شأنه عند الله تعالى بما أراهم الرب تبارك وتعالى من آياته العظيمة تعظيما لشأنه في ذلك ، بما قاله في زبور داود عليه الصلاة والسلام : ﴿ عِنْدَ خُرُوجِ إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ مِنْ شَعْبٍ أَعْجَمَ ، كَانَ يَهُوذَا مَقْدِسَهُ ، وَإِسْرَائِيلُ مَحَلَّ سُلْطَانِهِ ، الْبَحْرُ رَآهُ فَهَرَبَ ، الأُرْدُنُّ رَجَعَ إِلَى خَلْفٍ ، الْجِبَالُ قَفَزَتْ مِثْلَ الْكِبَاشِ ، وَالآكامُ مِثْلَ حُمْلاَنِ الْغَنَمِ ، مَا لَكَ أَيُّهَا الْبَحْرُ قَدْ هَرَبْتَ ؟ وَمَا لَكَ أَيُّهَا الأُرْدُنُّ قَدْ رَجَعْتَ إِلَى خَلْفٍ ؟ ، وَمَا لَكُنَّ أَيَّتُهَا الْجِبَالُ قَدْ قَفَزْتُنَّ مِثْلَ الْكِبَاشِ ، وَأَيَّتُهَا التِّلاَلُ مِثْلَ حُمْلاَنِ الْغَنَمِ ؟

أَيَّتُهَا الأَرْضُ تَزَلْزَلِي مِنْ قُدَّامِ الرَّبِّ ، الْمُحَوِّلِ الصَّخْرَةَ إِلَى غُدْرَانِ مِيَاهٍ ، الصَّوَّانَ إِلَى يَنَابِيعِ مِيَاهٍ ﴾ .

 

عند خروجهم من مصر كان بيد موسى العصا وأمر بضرب البحر الأحمر بها فانشق عن طريق الخروج أمامهم ، وكان يتقدمهم عامود السحاب مثل الذي ذكره اشعيا أنه سيكون آخر الزمان في مصر مجددا ، وأن الرب سيجيء لمصر من خلاله ليرى مجده الخلق آخر الزمان وينشق مجددا البحر والنهر ، حين يأتي ليخلص عباده ويفديهم من أيدي الأعداء : ﴿ وَأَخَذَ مُوسَى عِظَامَ يُوسُفَ مَعَهُ ، لأَنَّهُ كَانَ قَدِ اسْتَحْلَفَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِحَلْفٍ قَائِلاً : إِنَّ اللهَ سَيَفْتَقِدُكُمْ فَتُصْعِدُونَ عِظَامِي مِنْ هُنَا مَعَكُمْ ، وَارْتَحَلُوا مِنْ سُكُّوتَ وَنَزَلُوا فِي إِيثَامَ فِي طَرَفِ الْبَرِّيَّةِ . وَكَانَ الرَّبُّ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ نَهَارًا فِي عَمُودِ سَحَابٍ لِيَهْدِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ ، وَلَيْلاً فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُضِيءَ لَهُمْ لِكَيْ يَمْشُوا نَهَارًا وَلَيْلاً ، لَمْ يَبْرَحْ عَمُودُ السَّحَابِ نَهَارًا وَعَمُودُ النَّارِ لَيْلاً مِنْ أَمَامِ الشَّعْبِ ﴾ " الخروج "

 

ومثله حين عبروا الأردن كان يتقدمهم تابوت العهد وتلك المقدسات ومعها العصا ، فانشق نهر الأردن من أمامهم فعبروه وأهل الخدمة يحملون تابوت الشهادة ، فانشق لهم النهر كما انشق لهم من قبل البحر الأحمر .

 

ونظير هذا تماما سيحصل آخر الزمان بين يدي المهدي عليه الصلاة والسلام حين يفتقد الرب عز وجل عباده كما سيمر معنا لاحقا ، فينشق البحر الأحمر لعبورهم ونهر العراق سينشق كذلك للعبور ، ليعبر تابوت العهد وتلك المقدسات مع مفديي الرب ، ويأتون من مصر والعراق يعبرون بآيات الله تعظيما لشأن ربنا وأمره حين يتكشف للناس ، ومثل ما تعظم في الناس أمره أولا في زمان موسى وبني إسرائيل وتفقدهم ، سيتعظم أمره ثانيا في زمان المهدي وتكون كل تلك الآيات ويعمل بكل تلك المقدسات : ﴿ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ .

 

مثل ما أوتيتم من فضل ومباركة ، وأن يحاجوكم بالبراهين والبينات كما هو حاصل ببعث المهدي وما سيؤتيه تعالى من حجج قاطعة من الله تعالى بالعصا بيده والتابوت بين يديه ، ما لا يسع يهود رده والتلبيس عليه أمام الخلق على ما اعتادوا في ذلك مع سائر ما قاله الأنبياء .

 

وعند ربهم تكون المحاججة بما بين هنا ومن على جبل أحد ، حين يحل المولى عز وجل عليه ويكون كل ما فصل هنا وبين بكتاب " يوم نطوي السماء .. " ، ولله الأمر في الأولى والآخرة .

 

وهذا عين ما يجدونه بنبوءات الأنبياء وينتظرونه أكثر من أي أحد من الخلق وهو ما قرر وبين لهم مجددا بكتاب الله عز وجل القرآن تصريحا منه في مواضع وتلميحا في أخر .

 

وأيضا بلغ من أمر تابوت الشهادة وتعظيم شأنه إذا دار على مدينة مستفتحا به أن تلك المدينة حتما ستفتح وتكون قدسا للرب عز وجل ، لا يبقى منها شيء كلها تقدس لله عز وجل ، كما هو مثبت في سفر يشوع عليه الصلاة والسلام فقالوا هناك : ﴿ فَدَعَا يَشُوعُ بْنُ نُونٍ الْكَهَنَةَ وَقَالَ لَهُمُ : احْمِلُوا تَابُوتَ الْعَهْدِ وَلْيَحْمِلْ سَبْعَةُ كَهَنَةٍ سَبْعَةَ أَبْوَاقِ هُتَافٍ أَمَامَ تَابُوتِ الرَّبِّ ﴾ .

 

وداروا على تلك المدينة كما تقرر لهم وفي الأخير انهدت أسوارها وهم يهتفون وفتحها الله تعالى لهم : ﴿ وَكَانَ فِي الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ عِنْدَمَا ضَرَبَ الْكَهَنَةُ بِالأَبْوَاقِ أَنَّ يَشُوعَ قَالَ لِلشَّعْبِ: اهْتِفُوا، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ الْمَدِينَةَ ، فَتَكُونُ الْمَدِينَةُ وَكُلُّ مَا فِيهَا مُحَرَّمًا لِلرَّبِّ ..

وَأَمَّا أَنْتُمْ فَاحْتَرِزُوا مِنَ الْحَرَامِ لِئَلاَّ تُحَرَّمُوا، وَتَأْخُذُوا مِنَ الْحَرَامِ وَتَجْعَلُوا مَحَلَّةَ إِسْرَائِيلَ مُحَرَّمَةً وَتُكَدِّرُوهَا ، وَكُلُّ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَآنِيَةِ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ تَكُونُ قُدْسًا لِلرَّبِّ وَتَدْخُلُ فِي خِزَانَةِ الرَّبِّ ، فَهَتَفَ الشَّعْبُ وَضَرَبُوا بِالأَبْوَاقِ . وَكَانَ حِينَ سَمِعَ الشَّعْبُ صَوْتَ الْبُوقِ أَنَّ الشَّعْبَ هَتَفَ هُتَافًا عَظِيمًا، فَسَقَطَ السُّورُ فِي مَكَانِهِ ، وَصَعِدَ الشَّعْبُ إِلَى الْمَدِينَةِ كُلُّ رَجُل مَعَ وَجْهِهِ ، وَأَخَذُوا الْمَدِينَةَ ، وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ ﴾ .

 

وتعلمون الآثار في فتح بعض المدن آخر الزمان على أيدي المسلمين القسطنطينية ومدن رومية تنهد أسوارهم ويقع بعضها كوم من الطوب والتراب ، والمسلمون يكبرون على أطرافها ، وقد يكون هذا من ذاك ، فكل السنن الربانية تلك سيعود عملها مثل ما كان ذلك في السابق : ﴿ لأَنَّ الرَّبَّ يَدِينُ شَعْبَهُ ، وَعَلَى عَبِيدِهِ يُشْفِقُ حِينَ يَرَى أَنَّ الْيَدَ قَدْ مَضَتْ ، وَلَمْ يَبْقَ مَحْجُوزٌ وَلاَ مُطْلَقٌ ... إِنِّي أَرْفَعُ إِلَى السَّمَاءِ يَدِي وَأَقُولُ : حَيٌّ أَنَا إِلَى الأَبَدِ ، إِذَا سَنَنْتُ سَيْفِي الْبَارِقَ ، وَأَمْسَكَتْ بِالْقَضَاءِ يَدِي ، أَرُدُّ نَقْمَةً عَلَى أَضْدَادِي ، وَأُجَازِي مُبْغِضِيَّ ﴾ " التثنية "

 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً

 

ولا يحاول يستولي على تابوت الشهادة إلا من تلم به الكوارث وتقع على رأسه المصائب المتعددة ، ومنها القلاقل والفتن ، ولهذا نرى لما باح الداعي في مصر لإستكشاف حقيقة وجود تابوت الشهادة في قبو تحت منزله واستفاض في الناس خبر ذلك ، أن مصر ابتليت بعد ذلك بالقلاقل والنزاعات على الملك وثارت فيها الفتن بين الناس وتضاربوا فيما بينهم ودار القتل على أشده بما لم تعهد مثله مصر في تأريخها المعاصر على الإطلاق وأمر ذلك مشهور معلوم ، حتى تبين وبيقين دوران الكثير من النبوءات حول ذلك عنهم ، بما استقر به اليقين لدينا لما نرى من تطابق معنى ذلك مع أحوال المصريين هناك ، فأصابهم ما أصاب الفلسطينيون قديما حين استولوا على تابوت الشهادة ولم يتوقف ذلك عنهم حتى أخرجوه بعيدا عنهم ، فسبحان الله ما أعظم تدبيره وخططه ليظهر أمره للملأ مجددا حتى يريهم العجب بآياته كما أراهم من قبل في زمان موسى عليه الصلاة والسلام .

 

بل إن المصري الداعي لذلك والزاعم أن تابوت الشهادة تحت منزله ، أخذ يقرر ذلك لهم على وفق رؤى رآها في منامه ، قال بأنها تواترت ورأى فيها جمهرة من الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم ، وكان مما جزم به غير هياب ولا متردد زمان ملك الحصني المصري الغير مبارك بل الملعون المطرح المنبوذ ، نص ذلك المصري على أن هذا الكافر الطاغي المتفرعن حليف الصهاينة والأمريكان وكل الغرب الكافر وكل وثنيي المشرق والمغرب ، أنه سيطرد من ملكه ولن يكون له سلطان بعد ذلك ولا لإبنه الذي كان يعد له التملك من بعده ، فحصل ما قال تماما ، وثارت الثورة عليه من وسط مصر ، والأعجب أنه قال : ولن يستتب الملك في مصر إلا لمن سيشهد له ما في التابوت بذلك ، يقول ذلك ولا زال جازما غير متردد ، ولا تعجبون ففي زمان الفرعون الأول من نطق الله على لسانه بما نطق فقال تعالى عنه :

﴿ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ، تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ، لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ، فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ .

 

فأخرج اليوم من بينهم من زعم في تابوت الشهادة ما زعم ، وقد فوض أمر صدق ذلك للرب عز وجل ، وهو يتوعد الجميع من مغبة مخالفة ذلك ، وأن الله قادم لحرب اليهود والأمريكان ، قادم ليحقق تطبيق شريعته ودينه ، وأن العزة ستكون لهذا الدين دين المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ، يصرح بذلك ولا يخفيه ، يجهر به في الملأ ولا يخاف تكذيبه ، ولن يكذب وله كل تلك الشواهد من الواقع ومن النبوءات قبل ذلك .

 

ومصداق ذلك في السابقين ما جر على أنفسهم الفلسطينيون حين استولوا على تابوت الشهادة وأخذوه من بين أيدي اليهود وقصة ذلك مشهورة مثبتة في كتاب اليهود وتأريخهم القديم : ( هرب اسرائيل امام الفلسطينيين وكانت ايضا كسرة عظيمة في الشعب، ومات ايضا ابناك حفني وفينحاس، واخذ تابوت الله ) " صموئيل الأول "

 

( وأخذ الفلسطينيون تابوت الله وادخلوه الى بيت داجون ، واقاموه بقرب داجون .. وفي الغد واذا بداجون ساقط على وجهه الى الارض امام تابوت الرب ، فاخذوا داجون واقاموه في مكانه .

وبكروا صباحا في الغد واذا بداجون ساقط على وجهه على الارض امام تابوت الرب ، وراس داجون ويداه مقطوعة على العتبة بقي بدن السمكة فقط ، لِذلِكَ لاَ يَدُوسُ كَهَنَةُ دَاجُونَ وَجَمِيعُ الدَّاخِلِينَ إِلَى بَيْتِ دَاجُونَ عَلَى عَتَبَةِ دَاجُونَ فِي أَشْدُودَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ ، فَثَقُلَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَى الأَشْدُودِيِّينَ ، وَأَخْرَبَهُمْ وَضَرَبَهُمْ بِالْبَوَاسِيرِ فِي أَشْدُودَ وَتُخُومِهَا .

ولما رأى اهل أشدود الامر كذلك قالوا : لا يمكث تابوت اله اسرائيل عندنا لان يده قد قست علينا وعلى داجون الهنا .

فارسلوا وجمعوا جميع اقطاب الفلسطينيين اليهم وقالوا : ماذا نصنع بتابوت اله اسرائيل؟ فقالوا : لينقل تابوت اله اسرائيل الى جت . فنقلوا تابوت اله اسرائيل .

وَكَانَ بَعْدَمَا نَقَلُوهُ أَنَّ يَدَ الرَّبِّ كَانَتْ عَلَى الْمَدِينَةِ بِاضْطِرَابٍ عَظِيمٍ جِدًّا ، وَضَرَبَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ ، وَنَفَرَتْ لَهُمُ الْبَوَاسِيرُ .

فارسلوا تابوت الله الى عقرون وكان لما دخل تابوت الله الى عقرون انه صرخ العقرونيون قائلين : قد نقلوا الينا تابوت اله اسرائيل لكي يميتونا نحن وشعبنا .

وارسلوا وجمعوا كل اقطاب الفلسطينيين وقالوا : ارسلوا تابوت اله اسرائيل فيرجع الى مكانه ولا يميتنا نحن وشعبنا ، لأن اضطراب الموت كان في كل المدينة ، يد الله كانت ثقيلة جدا هناك .

لأَنَّ اضْطِرَابَ الْمَوْتِ كَانَ فِي كُلِّ الْمَدِينَةِ يَدُ اللهِ كَانَتْ ثَقِيلَةً جِدًّا هُنَاكَ وَالنَّاسُ الَّذِينَ لَمْ يَمُوتُوا ضُرِبُوا بِالْبَوَاسِيرِ ، فَصَعِدَ صُرَاخُ الْمَدِينَةِ إِلَى السَّمَاءِ.

فدعا الفلسطينيون الكهنة والعرافين قائلين: ماذا نعمل بتابوت الرب؟ اخبرونا بماذا نرسله الى مكانه .

فقالوا : اذا ارسلتم تابوت اله اسرائيل ، فلا ترسلوه فارغا ، بل ردوا له قربان اثم. حينئذ تشفون ويعلم عندكم لماذا لا ترتفع يده عنكم .

وخذوا تابوت الرب واجعلوه على العجلة، وضعوا امتعة الذهب التي تردونها له قربان اثم في صندوق بجانبه واطلقوه فيذهب.

فَقَالُوا: وَمَا هُوَ قُرْبَانُ الإِثْمِ الَّذِي نَرُدُّهُ لَهُ ؟ فَقَالُوا : حَسَبَ عَدَدِ أَقْطَابِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ: خَمْسَةَ بَوَاسِيرَ مِنْ ذَهَبٍ، وَخَمْسَةَ فِيرَانٍ مِنْ ذَهَبٍ. لأَنَّ الضَّرْبَةَ وَاحِدَةٌ عَلَيْكُمْ جَمِيعًا وَعَلَى أَقْطَابِكُمْ .، وَاصْنَعُوا تَمَاثِيلَ بَوَاسِيرِكُمْ وَتَمَاثِيلَ فِيرَانِكُمُ الَّتِي تُفْسِدُ الأَرْضَ، وَأَعْطُوا إِلهَ إِسْرَائِيلَ مَجْدًا لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ يَدَهُ عَنْكُمْ وَعَنْ آلِهَتِكُمْ وَعَنْ أَرْضِكُمْ ، وَلِمَاذَا تُغْلِظُونَ قُلُوبَكُمْ كَمَا أَغْلَظَ الْمِصْرِيُّونَ وَفِرْعَوْنُ قُلُوبَهُمْ ؟ أَلَيْسَ عَلَى مَا فَعَلَ بِهِمْ أَطْلَقُوهُمْ فَذَهَبُوا ؟، فَالآنَ خُذُوا وَاعْمَلُوا عَجَلَةً وَاحِدَةً جَدِيدَةً وَبَقَرَتَيْنِ مُرْضِعَتَيْنِ لَمْ يَعْلُهُمَا نِيرٌ ، وَارْبِطُوا الْبَقَرَتَيْنِ إِلَى الْعَجَلَةِ ، وَأَرْجِعُوا وَلَدَيْهِمَا عَنْهُمَا إِلَى الْبَيْتِ ، وَخُذُوا تَابُوتَ الرَّبِّ وَاجْعَلُوهُ عَلَى الْعَجَلَةِ ، وَضَعُوا أَمْتِعَةَ الذَّهَبِ الَّتِي تَرُدُّونَهَا لَهُ قُرْبَانَ إِثْمٍ فِي صُنْدُوق بِجَانِبِهِ وَأَطْلِقُوهُ فَيَذْهَبَ .

ووضعوا تابوت الرب على العجلة مع الصندوق وفيران الذهب وتماثيل بواسيرهم ، فَاسْتَقَامَتِ الْبَقَرَتَانِ فِي الطَّرِيقِ إِلَى طَرِيقِ بَيْتَشَمْسَ ) " المصدر السابق "

 

وهذه قصة تابوت الشهادة مع الفلسطينيين لما استولوا عليه وفي قصتهم مصداقا لما يجري في مصر اليوم من ثوران تلك الفتن والازعاجات كما حصل مع أولئك السابقين تماما .

 

وفي قصة ذلك مع السابقين عجيبتان ، وهو أن من يستولي عليه تسلط عليه كذلك غير اثارة الخلافات والنزاعات والمقاتلة ، تهيج عليه الآفات المتنوعة كالفئران تأكل مزروعاتهم ، وأن من ينظر له مجردا غير مستور أنه يموت من فوره كما سيمر معنا غير ما ذكر قبل في خبر ابني هارون عليه الصلاة والسلام : ( وكان أهل بيتشمس يحصدون حصاد الحنطة في الوادي ، فرفعوا اعينهم وراوا التابوت وفرحوا برؤيته ، وَضَرَبَ أَهْلَ بَيْتَشَمْسَ لأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى تَابُوتِ الرَّبِّ ، وَضَرَبَ مِنَ الشَّعْبِ خَمْسِينَ أَلْفَ رَجُل وَسَبْعِينَ رَجُلاً فَنَاحَ الشَّعْبُ لأَنَّ الرَّبَّ ضَرَبَ الشَّعْبَ ضَرْبَةً عَظِيمَة ) " المصدر السابق "

 

وفي صموئيل الثاني قصة أخرى مات فيها من مس التابوت ونصها : ﴿ وَقَامَ دَاوُدُ وَذَهَبَ هُوَ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ مِنْ بَعَلَةِ يَهُوذَا ، لِيُصْعِدُوا مِنْ هُنَاكَ تَابُوتَ اللهِ ، فَأَرْكَبُوا تَابُوتَ اللهِ عَلَى عَجَلَةٍ جَدِيدَةٍ ، وَحَمَلُوهُ مِنْ بَيْتِ أَبِينَادَابَ الَّذِي فِي الأَكَمَةِ . وَكَانَ عُزَّةُ وَأَخِيُو ، ابْنَا أَبِينَادَابَ يَسُوقَانِ الْعَجَلَةَ الْجَدِيدَةَ ، فَأَخَذُوهَا مِنْ بَيْتِ أَبِينَادَابَ الَّذِي فِي الأَكَمَةِ مَعَ تَابُوتِ اللهِ. وَكَانَ أَخِيُو يَسِيرُ أَمَامَ التَّابُوتِ ، وَدَاوُدُ وَكُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ يَلْعَبُونَ أَمَامَ الرَّبِّ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الآلاَتِ مِنْ خَشَبِ السَّرْوِ، بِالْعِيدَانِ وَبِالرَّبَابِ وَبِالدُّفُوفِ وَبِالْجُنُوكِ وَبِالصُّنُوجِ ، وَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى بَيْدَرِ نَاخُونَ مَدَّ عُزَّةُ يَدَهُ إِلَى تَابُوتِ اللهِ وَأَمْسَكَهُ، لأَنَّ الثِّيرَانَ انْشَمَصَتْ فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى عُزَّةَ ، وَضَرَبَهُ اللهُ هُنَاكَ لأَجْلِ غَفَلِهِ ، فَمَاتَ هُنَاكَ لَدَى تَابُوتِ اللهِ ..  وَخَافَ دَاوُدُ مِنَ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ : كَيْفَ يَأْتِي إِلَيَّ تَابُوتُ الرَّبِّ ؟ ﴾ .

 

وهنا في قصة داود مع التابوت ذكرت عجيبة كذلك يجدر التوقف عندها بما أنها مثبتة في تأريخ اليهود بكتابهم ألا وهي نقل الوحي لداود عليه الصلاة والسلام عن طريق رائي يوجهه ، غير الرائي صموئيل الذي اختير داود خليفة لله تعالى من خلاله ، فقيل هناك بعد أن نقل داود عليه الصلاة والسلام تابوت الشهادة لمدينته واستقر به المقام هناك واستتب لداود الأمر في ولايته فقال للرائي يستشيره ما يلي : ﴿ وَكَانَ لَمَّا سَكَنَ الْمَلِكُ فِي بَيْتِهِ ، وَأَرَاحَهُ الرَّبُّ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِهِ ، أَنَّ الْمَلِكَ قَالَ لِنَاثَانَ النَّبِيِّ : انْظُرْ إِنِّي سَاكِنٌ فِي بَيْتٍ مِنْ أَرْزٍ ، وَتَابُوتُ اللهِ سَاكِنٌ دَاخِلَ الشُّقَقِ . فَقَالَ نَاثَانُ لِلْمَلِكِ : اذْهَبِ افْعَلْ كُلَّ مَا بِقَلْبِكَ ، لأَنَّ الرَّبَّ مَعَكَ. وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى نَاثَانَ قَائِلاً : اِذْهَبْ وَقُلْ لِعَبْدِي دَاوُدَ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَأَنْتَ تَبْنِي لِي بَيْتًا لِسُكْنَايَ؟ لأَنِّي لَمْ أَسْكُنْ فِي بَيْتٍ مُنْذُ يَوْمَ أَصْعَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ ، بَلْ كُنْتُ أَسِيرُ فِي خَيْمَةٍ وَفِي مَسْكَنٍ ، فِي كُلِّ مَا سِرْتُ مَعَ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، هَلْ تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ إِلَى أَحَدِ قُضَاةِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَمَرْتُهُمْ أَنْ يَرْعَوْا شَعْبِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً : لِمَاذَا لَمْ تَبْنُوا لِي بَيْتًا مِنَ الأَرْزِ ؟ ، وَالآنَ فَهكَذَا تَقُولُ لِعَبْدِي دَاوُدَ: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: أَنَا أَخَذْتُكَ مِنَ الْمَرْبَضِ مِنْ وَرَاءِ الْغَنَمِ لِتَكُونَ رَئِيسًا عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ ، وَكُنْتُ مَعَكَ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ ، وَقَرَضْتُ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ مِنْ أَمَامِكَ ، وَعَمِلْتُ لَكَ اسْمًا عَظِيمًا كَاسْمِ الْعُظَمَاءِ الَّذِينَ فِي الأَرْضِ ، وَعَيَّنْتُ مَكَانًا لِشَعْبِي إِسْرَائِيلَ وَغَرَسْتُهُ ، فَسَكَنَ فِي مَكَانِهِ ، وَلاَ يَضْطَرِبُ بَعْدُ وَلاَ يَعُودُ بَنُو الإِثْمِ يُذَلِّلُونَهُ كَمَا فِي الأَوَّلِ وَمُنْذُ يَوْمَ أَقَمْتُ فِيهِ قُضَاةً عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ وَقَدْ أَرَحْتُكَ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِكَ ، وَالرَّبُّ يُخْبِرُكَ أَنَّ الرَّبَّ يَصْنَعُ لَكَ بَيْتًا ، مَتَى كَمُلَتْ أَيَّامُكَ وَاضْطَجَعْتَ مَعَ آبَائِكَ أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ ، هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي ، وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى الأَبَدِ ﴾ .

 

قضاة إسرائيل يقصد مثل صموئيل الذي اختار الله تعالى به شاول ومن ثم داود للخلافة ، ومثل الرائي ناثان ، فكل أولئك كانوا يرون رؤى من الله تعالى يتصل من خلالهم الرب عز وجل بشعبه في ذلك الزمان ، ويعرفون مراد الله تبارك وتعالى من خلالهم ورؤاهم ، ومع هذا هم أنبياء بنص القرآن وبنص ما دون في هذا السفر حين يُعرف كاتب كتابهم ناثان بأنه نبي هكذا ينص على هذا الإسم عند ذكره لقصة الرائي ناثان مع نبي الله تعالى داود ، ويتذاكى كاتب عهدهم في موضع منه فيقول نصا التالي : ( فَعَادَ الْغُلاَمُ وَأَجَابَ شَاوُلَ وَقَالَ : « هُوَذَا يُوجَدُ بِيَدِي رُبْعُ شَاقِلِ فِضَّةٍ فَأُعْطِيهِ لِرَجُلِ اللهِ فَيُخْبِرُنَا عَنْ طَرِيقِنَا » .

سَابِقًا فِي إِسْرَائِيلَ هكَذَا كَانَ يَقُولُ الرَّجُلُ عِنْدَ ذَهَابِهِ لِيَسْأَلَ اللهَ : « هَلُمَّ نَذْهَبْ إِلَى الرَّائِي ». لأَنَّ النَّبِيَّ الْيَوْمَ كَانَ يُدْعَى سَابِقًا الرَّائِيَ ، فَقَالَ شَاوُلُ لِغُلاَمِهِ : كَلاَمُكَ حَسَنٌ . هَلُمَّ نَذْهَبْ ». فَذَهَبَا إِلَى الْمَدِينَةِ الَّتِي فِيهَا رَجُلُ اللهِ ) .

 وفي القرآن : ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ ﴾ ، والمراد الرائي صموئيل لأنه هو من عين لهم شاول ملكا بوحي الله تعالى . ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم داود من الأنبياء ومنزل عليه كتاب من كتب الله تبارك وتعالى ومع هذا كان التعامل معه كما شاول الخليفة الأول من خلال ذلك الرائي ، وهنا شابه حال المهدي كما هو ظاهر حال داود عليه الصلاة والسلام ومن قبله شاول الخليفة الأول المختار من الله عز وجل ، بأن كان التعامل معه لأجل تعيينه وبعثه من خلال رائي ، فتوافق ذلك مع ما كان يحصل في بني إسرائيل تماما ، ولا بد لذلك تفسيرا شرعيا ، ولا بد لذلك من مكان في ميزان الله تعالى وعدله وقواعد وحيه بطرق يعملها في الناس لإيصال مراداته لهم من خلال أجزاء الوحي المقيدة أعني لا المطلقة ، ويحضرني هنا أن من أرفع وأعلا أجزاء الوحي أن يأتي الإنسان ملاك الله تعالى جبريل كما كان يأتي للمسيح عليه الصلاة والسلام ، لكن كذلك تمثل لأمه مريم عليهما الصلاة والسلام وجائها بوحي من الله عز وجل وأي وحي ؟! فيه أعظم تكليف وأعظم آية من ربنا عز وجل ، ومع هذا لم يعدها بذلك الكثير من أهل الإسلام نبية ، بل منعوا النبوة في النساء مطلقا ، والحال مع مريم كما ترون ، والمكذبون المنافقون من قراء السوء يجادلون لهذه اللحظة في مبعث المهدي سواء قال بذلك من نفسه أو من خلال إنسان آخر رائي أن ذلك ادعاء نبوة ويمنعون من ذلك منعا مطلقا حذرا من التزام ذلك المحذور برأيهم ، رغم الحال مع مريم ومع أم موسى عليهما الصلاة والسلام وغيرهما من نساء في بني إسرائيل نص كتابه على أنهن كن يرين بل صرح كاتبهم للعهد القديم يشوع ، أن فلانة نبية . ورغم مطابقة الحال ما بين صموئيل وناثان وذلك الغلام الذي اختار الله تعالى من خلاله أن يكون تحقق رؤى المبشرات في بعث المهدي وتعيينه عليه الصلاة والسلام ، والذي ورد ذكره والتلميح له بنص انجيل المسيح كتاب ربنا تعالى فقال هناك لما سألوه عن مبعث رسول الله الذي كان يحدثهم عنه فقال في هذا الخصوص : ﴿ في ذلك الوقت يرحم الله العالم فيرسل رسوله الذي تستقر على رأسه غمامة بيضاء يعرفه أحد مختاري الله وهو سيظهره للعالم ، وسيأتي بقوة على الفجار ويبيد عبادة الأصنام من العالم ﴾ . فكان كل ذلك كما أخبر في الإنجيل ، عرَّف به ذلك الرائي ، واستقرت بالفعل غمامة بيضاء فوق رأسه ، وكل ذلك تم له من خلال الرؤيا بمثال المصطفى صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء كابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ، فرؤيا الغمامة كان الموعد لها من خلال مثال ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ، وأيضا من خلال رائي شاب آخر غير المقصود بقول المسيح هذا ، مما كان يطابق الحال مع القضاة في بني إسرائيل وتوجيهات الله عز وجل لداود من خلال تلك الرؤى . ولا بد لذلك من تفسير ومخرج شرعي كما قلت علمه من علمه ، وجهله من جهله من أمثال أولئك القراء المنافقين الذين قدر الله تعالى من عدله وحكمته لهم تلك الورطة ، حتى ما يخرجوا من نفاقهم إلا لزندقة كفرية وعناد بواح يردون به وجه ما قدر الله تعالى وشرع واصطفى ، ولله الحمد في الأولى والآخرة الفعال لما يشاء ، تبارك الله رب العالمين . ويحضرني هنا ما روي في فضيلة لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما اشتهر في دواوين الإسلام قوله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا يُوحى إليك . وعلي لا بد أنه كان يرى من المنامات ومبشرات الحق ، مما يجب حمل قوله فيه هنا على أكثر من مجرد رؤيا منام تقع له وتكون خاصة فيه ، وحتما النبي صلى الله عليه وسلم كان يعني بذلك ما كان يقع مثله لصموئيل وناثان في بني إسرائيل ، وهو الذي صرح وبالإتفاق على أنه لن يبقى بعده من أجزاء النبوة والوحي إلا " الرؤيا " وهي المبشرات أو الرؤيا الصالحة ، ووصفه لها هنا بأنها من الوحي يدل على أمر زائد بحقها في المنفي بكلام النبي صلى الله عليه وسلم عن علي رضي الله تعالى عنه ، وأنه في ذلك المانع له من أن يكون بمنزلة هارون من موسى صلى الله عليهما وسلم على التمام ، ولما كان في ذلك المعنى المقصود من كلامه ورد عين الخبر بلفظ آخر قوله : " إلا أنه لا نبي بعدي " . والمعنى وإلا كنت كمثل هارون مع موسى ، ما يعني اختلاف اللفظ هنا في هذا الحديث مبناه على المعنى لهذا تصرف بلفظه بعض الرواة ، بما يجب أن يكون المعنى المتفق عليه هنا هو المقصود ولو اختلف لفظه الخبر ، وأن البعدية المراد بها بالنفي هنا المجاورة والإتصال ، ويدل عليه قوله بالخبر الآخر أن العادة في بني اسرائيل أن تسوسهم الأنبياء - يريد القضاة مثل صموئيل وناثان - كلما هلك نبي خلفه آخر . ولما قالوا له صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله تعالى عنهم ، فماذا يكون بعدك ؟!قال : خلفاء .  وهذا يدل على معنى نفيه هناك بأن لا نبي بعده أي يخلفه ويكون على تلك الصفة ، يوحى إليه كما قال لعلي ، لا أنه نفي مطلق بعده لا يجب يخلص منه البعدية المطلقة إلا على وجه المجاورة والإتصال له صلوات ربي وسلامه عليه في قرنه الذي بعث فيه . وكونه أثبت بقاء جزء من أجزاء الوحي وهكذا سماه وحي بعده ، يدل على ذلك حتما ، للجمع ما بين نفيه للوحي بعده على العموم ، واثباته لبقاء ذلك الجزء من وحي النبوة بعده . هذا وليكن بعلمكم أن الوحي الخاص بهارون دون موسى عليهما الصلاة والسلام هو الوحي بالرؤيا كحال الرائين بعده صموئيل وناثان ، وهو عين ما حصل في مبعث المهدي عليه الصلاة والسلام من خلال تلك المرائي ، وما يدل على ذلك ما بكتاب اليهود مما ذكروا فيه عن مفاضلة الله تعالى ما بين وحيه لموسى وهارون ، أن لموسى التكليم بالوحي ولهارون وأشباهه من الوحي الرؤيا ، وعليه أقول أن المخرج والتفسير لما حصل ببعث المهدي والنفي بحق علي رضي الله عنه إما يحمل على ما قررت قبل ، أو على أن المقصود بالوحي مرتبة وحي الله تعالى لموسى الكليم ، وأن يرجع ذلك ويضبط حسب قاعدة كلية تفسر معنى ذلك وتترجم عنه . ويبقى هنا عليهم بحث ما قررت بأن لا بد من تبين وجه للحق في ذلك ، علمه من علمه وجهل حقيقة تأويله من جهله ، خصوصا على اعتبار من اعتقد ما نعتقد به دينا على وجه تفصيل معنى تميزه على غيره من الأنبياء بتسميته بـ ( أحمد ) ، وأن بذلك المعنى اجتماع ذكره مع ذكر حفيده بالأنبياء من قبله وبالقرآن ، فيفترقان من وجه ويتحدان من وجه آخر بأمرهم الأحمد ، على الوجه الذي يريد الله تعالى بالإنجيل المنزل على قلب مسيحه عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام وهو قوله التالي : ﴿ إن القمر سيعطيه رقادا في صباه ومتى كبر هو أخذه كفيه ﴾ . وقال عن الله تعالى : ﴿ رسولي هو القمر ﴾ .      يريد على اعتبار المعنى الذي قدره بأحمد كما وجهي القمر ، وذلك لب معنى بشارة المسيح بأحمد كما نص على ذلك الله عز وجل في القرآن ، وإلا نحن بعد وقوفنا على نص الإنجيل الصحيح لم نجد تصريحا هناك للمسيح هكذا إلا بإسمه المبارك محمد لا أحمد ، لكن وجدنا ما يدل على ذكر للحفيد مع ذكر الجد ، وعلى هذا الإعتبار أدركنا وآمنا بما آمنا به في معنى اسمه " أحمد " وبذلك المواطئة التي كان يعني عليه الصلاة والسلام في خبره عن المهدي بأن اسمه يواطئ اسمه عليهما الصلاة والسلام ، بل بلغ الأمر بورود بعض المرويات عنه صلى الله عليه وسلم ، أن أحمد شافع مشفع يوم القيامة ، ومراده نفسه بذلك وحفيده معه عليهما الصلاة والسلام .      المهم أن ثمرة هذا التقرير أن لا يمكن يندرج نفيه عن النبوة أو الوحي بعده بما روي عنه في ذلك النفي على وجه مطلق ولا بد من قيد شرعي لذلك ، وإلا لتعارض الحق وهذا مما لا يمكن أن يحصل ، فيجمع بذلك أن مبعث المهدي ولو حصل بتلك الطريقة الموافقة لما سبق من حال في بني إسرائيل كما حصل مع شاول وداود قبله صلى الله عليه وسلم ، ولو كان ذلك على وجه تواتر الرؤيا ، ولو كان ذلك متضمنا لتكليف شرعي وأخبار يجب التصديق بها والإيمان بمقتضاها ، مثل ما أنهم كما قلت لا يعتبرون مريم وأم موسى نبيتان مع ما ثبت بنص القرآن من حصول وحي رباني لهن وبتكليف عظيم ترتب عليه ما ترتب ، ورغم كل ذلك لم يعتقدوا بأنهن نبيات رغم كل ذلك ، ومثل ذلك حال أولئك الرائين في هذه الأمة والذين ارتبطت رؤاهم بأمر بعث المهدي عليه الصلاة والسلام ، فعليهم حل معضلتهم هذه مع أنفسهم ومع ربهم ، وإلا سيبقون بالشتات والتنافر والتناقض في دينهم ، ولا يمكنهم الجمع بين أوجه الحق في ذلك إلا على اعتبار ما هم عليه ، وجه منه كفر ، ووجه منه إيمان ، وفي ذلك قمة التناقض والتضاد والتنافر ، وهي الحال التي وصلوا لها والتي لا يمكنهم معها اعتقاد ارسال المهدي من الله عز وجل ولا تصديق ذلك ، لهذا لن تجدوا أمرهم بذلك الاعتراض والجحد إلا مضطربا وتصورات أذهانهم متنافرة مع كل ما يندرج في تدعيم ذلك من حجج نقلية ، وبراهين متواطئة بالحق على ذلك كله من رب العالمين ، على ما ذكره تعالى بكتبه القرآن والزبور والإنجيل في بينات بعث المهدي وإرساله من رب العالمين ، والوحي له وتوجيه الأوامر لشخصه وتعريفه بالأخبار النبوية كلها أو جلها ، من زمان بني إسرائيل إلى مبعث المصطفى صلى الله عليه وسلم وقوله في ذلك بما قال . وأعود للحديث مجددا عن أمر تابوت الشهادة وتلك المقدسات فأقول : بلغكم المثل في العرب : " يكاد المريب أن يقول خذوني " ؟!وستجدون على رغم كل ما ورد بعهدهم كتابهم القديم عن تفاصيل أمر تابوت الشهادة كما هو مثبت اليوم ومعلن مع حرصهم على نقل كل تلك القصص عنه والتي يظهر فيها مدى عظم مجد بني إسرائيل بواسطة تلك المقدسات الربانية ، إلا أنكم ستجدون مهما راجعتم نقولاتهم في ذلك على كثرتها إلا أنهم لم ينقلوا خبر ما نص الله تعالى على ذكره في سورة البقرة من بيان أنه كان وسيلة لتعيين أول خليفة لهم من قبل الله عز وجل حين طلبوا من نبيهم صموئيل أن يكون لهم ملكا كما الأمم من حولهم وكانوا قبل يحكمون بواسطة ما يسمونهم القضاة وهم أناس يختارهم الله عز وجل ليتحاكم إليهم اليهود فيقضون بينهم على وفق الشريعة   وبتوجيه رؤى من الله تعالى اختص بها أولئك الرجال ويلقبون بالرائين أو رجال الله عز وجل . وكان ذلك الإختيار والفصل قد تم بإرسال الله ملائكته لتأتيهم بالتابوت الآية تحمله لتضعه بين يدي من اختاره الله عز وجل دليلا على صدق أنه المختار من الله ليكون عليهم ملكا متوجا من الرب تبارك وتعالى ، وأنه ما كان يمكنهم اختيار ملكا لهم من دونه تبارك وتعالى ، وهم محكومون على وفق شريعته فلم يكن يمكنهم ذلك لا شرعا ولا قدرا من دونه سبحانه . وكما هي الحال مع هؤلاء المعاصرين اليوم لأمر بعث المهدي ، لا يمكنهم بأي حال الإجتماع على رأس يملكهم ويقودهم بالشريعة كأمة واحدة دينها واحد وشريعتها واحدة ، فلا يمكنهم بحال فعل ذلك لا قدرا ولا شرعا من دون الله تبارك العلي العظيم ولبقوا في شيعهم متناحرين متباعدين والأمم من حولهم بسلامة إلا هم سيبقون أبدا هكذا بتعاسة وذلة ومهانة تتوزعهم الطواغيت الذليلة الحقيرة كل بما لديه فرح ، فلم العناد والمكابرة ؟! ذلك لن يتم أبدا إلا بما يريد الله تبارك وتعالى وكتبه وقدره وأحب له هكذا يكون ، ليعلم الخلق جميعا أن مرد الأمر له يقضي به ويفصل ، حتى يعرفوا أنه عز وجل ما كان ليتركهم هملا بلا حسيب ولا رقيب ، كما حصل في السابقين تماما سيحصل مثله في الآخرين ، حذو القذة بالقذة كما قال تعالى : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ .       وبذلك الأمن ولا أمن لهم في غيره لا يهود ولا هؤلاء أذنابهم اليوم في السلطة العالمية ، لا أمن لكل أحد إلا بطريق الله تعالى هذا المفروض المقدر شرعا وقدرا ، ومن خالف استحق عدم الأمن أبدا .وعليه ترون ما ألم بهم من فتن وارهاب وعدم أمان في كل زاوية من الأرض اليوم ، ومردهم إلى الله تعالى ولن يكون إلا ما قدر وأمر به ، ولن يقدروا على منع ذلك ولو اجتمع كل أهل الأرض على ذلك كما قيل لهم على لسان موسى صلوات ربي وسلامه عليه ، وتلك من البينات التي أنزلها تعالى عليهم في بيان ما سيكون آخر الزمان فقال هناك : ﴿ وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ .  ﴿ إِنِّي أَرْفَعُ إِلَى السَّمَاءِ يَدِي وَأَقُولُ : حَيٌّ أَنَا إِلَى الأَبَدِ ، إِذَا سَنَنْتُ سَيْفِي الْبَارِقَ ، وَأَمْسَكَتْ بِالْقَضَاءِ يَدِي ، أَرُدُّ نَقْمَةً عَلَى أَضْدَادِي ، وَأُجَازِي مُبْغِضِيَّ  وهكذا هي السنة الربانية في استخلاف خلفاء الله عز وجل في الأرض من خلال ذلك التابوت الآية ، فيكون الحكم من الله العظيم ، وهي نعمة من الله مولاهم بها عليهم ومن عظيم قدرها جعلها تعالى قرينة الكتاب والنبوة على بني إسرائيل من قبل فقال عز وجل : ﴿ ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ﴾ . وهكذا يتفضل جل ثناؤه عليهم ويذكرهم بنعمه فعد من ذلك إتيانهم الحكم المقرون بالكتاب والنبوة ، وهو حكم خاص لا يكون إلا من الله تعالى ، تعيينا من خلال التابوت أو الرائين ، ولا يكون ذلك أبدا إلا بسبيل من سبل الوحي ، لذا جعله قرينا بالذكر مع  الكتاب والنبوة كما في قوله عز وجل : ﴿ أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة ﴾ ، وهو حكم خاص كما قلت يؤتى به العباد من لدن العلي العظيم كما يؤتى العباد الكتاب والنبوة ، فهل يمكنهم المجيء بكتاب من لدنه وتعيين نبي من دونه ؟! كذلك خليفته لا يمكن لأحد المجيئ به من دون الله تبارك وتعالى ، قال تعالى : ﴿ ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ﴾ . ولن يكون هذا الإستخلاف بهذا الحكم الخاص في هذه الأمة إلا من خلال تلك الوسيلة ، ولن يكون إلا للمهدي ولهذا تم اختياره من الله عز وجل ابتداءً من خلال رؤى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو القائل : من رآني فقد رأى الحق ، إن الشيطان لا يتمثل بي . وهذا من اللازم لذلك الأمر لأنه لا يمكن يتم إلا من خلال الوحي ولا يمكن للوحي أن يكون في هذه الأمة بعد نبي الله إلا بالرؤيا فهي الجزء الوحيد المتبقي من أجزاء الوحي بعد نبينا صلى الله عليه وسلم ، وهذا من أوجه المشابهة لأمر الله تعالى بالاختيار في ذلك ما بين هذه الأمة وبني إسرائيل ، فهناك كان الاختيار من خلال رائي - اختيار أول خليفة والثاني كذلك وهو النبي داود اختير من خلال الرؤى عند صموئيل - وكانت الآية على صدق ذلك الإختيار في تعيين الخليفة الأول مجيء الملائكة لهم بتابوت الله الآية ، وكذلك سيكون في هذه الأمة مثل ذلك فاختير الخليفة من خلال رؤى عنه صلى الله عليه وسلم تم فيها تعيين ذلك الخليفة بواسطة تلك الرؤى . والمعين في أمتنا للخليفة كذلك الله تعالى لكن من خلال مثال النبي صلى الله عليه وسلم لأنه غير موجود إلا بتلك الوسيلة ، ولهذا عصم النبي صلى الله عليه وسلم باليقظة ومن خلال مثاله بالمنام ، فقال بنفي أن يتمثل الشيطان بصورته عصمة لهذا السبيل وحفظا له من كل شيطان مارد ، وقد تم لتلك المرائي شواهد من الحق وقرائن صدق لا يمكن إلا أن يكون ذلك التعيين حقا من الله تبارك وتعالى وليس هذا مكان ذكرها ومن أحب الوقوف عليها ليراجع كتاب الإمام عليه الصلاة والسلام المهدي : ( من آيات صدق الدعوة المهدية ) . أقول : لن يكون ذلك التعيين إلا جريا على سنة من سبق ولهذا قال تعالى : ﴿ ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ﴾ ، أتى هنا بالكاف للتشبيه والتي تقتضي المشابهة بالصفة ، وهذا مما لم يقع من قبل وإنما هو أمر خاص وتمليك خاص لا يكون إلا لمهدي الله تعالى خليفته ورسوله ، ولا يكون إلا بوحي من الله تعالى والله قال : ﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ﴾ ، وقد ثبت بنص قرآني وحي الله تعالى لأتباع المسيح بقوله : ﴿ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ﴾ ، وثبت بالإنجيل الصحيح أن ذلك كان من خلال التكليم باليقظة لا المنام !! ولم يكونوا بذلك أنبياء ، فما بالكم بالرائي في تعيين مبعث المهدي خليفة الله تعالى ورسوله ؟!فلم يكن بذلك الوحي والتكليم المباشر أتباع المسيح أنبياء ، فمن باب أولى أن لا يكون نبيا من رأى تلك الرؤى في بعث المهدي ولو كثرت ولو كان بها تكليف بأمر شرعي ، لا على سبيل الإبتداء بالتشريع بل مجرد أوامر وأخبار على وفق أوامر شرعية سابقة على ذلك ، ويبقى سبيل الله تعالى سالما بذلك من كل لبس وإنكار من أي منافق في هذه الأمة يريد رد أمر الله تعالى وسنته هذه العظيمة يجادل ليدحض بجداله الحق المبين هذا ، فيسول له الشيطان الإجتهاد والمقدرة على تعطيل أمر الله تعالى وإعجازه في هذه الأمة ، كما كان سعي أسلافه في اليهودية من قبل حين اعترضوا على اختيار الله تبارك وتعالى لأول خليفة في اليهود ، بتلك الأعذار الواهية ، فكان أن جاء التابوت الآية من الله تعالى ليقطع للأبد تلك الأكاذيب والأمنيات الشيطانية . وأقول : بأن كل من كذب هذا الأمر فهو مكذب لله في خبره وراد عليه كاف التشبيه ، ومن أجل هذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم المهدي بالمهدي وأنه خليفة الله فأضافه إلى الله تعالى اضافة تشريف ، روي عنه ذلك في المهدي في أكثر من حديث ، منها حديث ثوبان رضي الله تعالى عنه يرفعه : إذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله تعالى المهدي . " يراجع فتح المنان في رد أباطيل أبي حصان ص 38 " وسماه الله تعالى وعدا بكتابه (1) ، ومن أصدق من الله تعالى في مواعيده ؟!
 أقول : لم يذكروا علامة ذلك التعيين بتلك الآية الباهرة العظيمة في كتابهم وعهدهم الكاذب ، لسبب بسيط وهو يقينهم وعلمهم بأن فرض ذلك سيكون في الآخرين كما فرض ذلك في السابقين حسب ما يجدونه مدونا عندهم بأسفار الأنبياء على ما بين هنا وبالتفصيل ، وذكر لهم هناك أنه لن يكون فيهم ، ولما جاء المسيح عليه الصلاة والسلام ، أكد لهم أنه لن يكون فيهم بل ببني إسماعيل ، لذا غضبوا عليه وسعوا لقتله فنجاه الله تعالى منهم وطهره ، ورفعه إليه لحين يأتي زمان تحقيق ذلك فيرجعه ، ويكون ضمن تلك الأمة وداخل في جملتها ، مبارك معهم ومنصور على من عاداه وكذب عليه . ولما أيقن يهود ذلك وأنه لن يكون فيهم أبدا إلا من أحسن وسلم لله تعالى أمره فحينئذ يجب عليه الدخول تحت لواء الله عز وجل وراية خليفته منطويا تحتها مسلما لله كما سلم الأنبياء والمؤمنون بذلك ، لكنهم أبوا من قرون ذلك وأصروا على جحده والكفر به ، ومكروا مكرهم لطمس خبره فيهم حتى إذا ما وقع لو بينوه صريحا فتلزمهم الحجة أمام كافة الخلق بذلك ، ويدرك الناس حينها ومن قبل المرجع لأي من النصوص في كتابهم فيتبين حينئذ جليا أن هذا المختار الذي اختاره الله تعالى على العالم الذي ذكرت الأنبياء خبره من قبل ، كما الإختيار في زمان شاول والذي ردوه وتذمروا عليه وعابوه وأخفوا ذكر خبر الوسيلة في تعيينه تنقصا له وللسبب الذي يقرر هنا حتى ما تلزمهم الحجة ويتضح تفاصيل ذلك وهم يرون الأنبياء ذكروا ذلك في سلسلة بيناتهم المثبتة في الكثير من أسفارهم . أبو على شاول ذلك التعيين لكن الله تعالى فرضه عليهم رغما عنهم ، وكذلك الإختيار الثاني سيرد من قبلهم بل ردوه مسبقا وتذمروا منه وبشدة فقابلوه بالكفر والجحود الأبدي ولن ينفعهم ذلك أيضا ، ولو اجتهدوا لطمسه والتملص من الزاماته هم وكل أهل الأرض ، ولن يفيد ذلك أبدا لأنه أمر الله تعالى والعصا ستكون حاضرة ، ولن ينفعهم كل تحريفاتهم وطمسهم لن يفيد معها ، وهذا قدره عليهم أن يبهتوا حين تأتيهم بغتة ، على ما صاح به النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام في وجوههم فقال : ﴿ لذلك يكون لكم هذا الاثم كصدع منقض ناتئ في جدار مرتفع ، يأتي هذا بغتة في لحظة ﴾ ، ﴿ قَدِّسُوا رَبَّ الْجُنُودِ فَهُوَ خَوْفُكُمْ وَهُوَ رَهْبَتُكُمْ ، وَيَكُونُ مَقْدِسًا وَحَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ لِبَيْتَيْ إِسْرَائِيلَ ، وَفَخًّا وَشَرَكًا لِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ ﴾ . أو قول حجي عليه الصلاة والسلام : ﴿ والآن فاجعلوا قلبكم من هذا اليوم فراجعا ، قبل وضع حجر على حجر في هيكل الرب ﴾ .  وفي التوراة نبأهم بالمصير المحتوم هذا وأعلمهم مسبقا بالقضائين بحقهم بعد إفسادين يكون منهم ، وما يهمنا ذكره هنا افسادهم الثاني والقضاء الثاني بعده ، وهو بالتمكين للمهدي عليه الصلاة والسلام وبيده العصا وبين يديه التابوت ، فقال هناك : ﴿ أَحْجُبُ وَجْهِي عَنْهُمْ ، وَأَنْظُرُ مَاذَا تَكُونُ آخِرَتُهُمْ ، إِنَّهُمْ جِيلٌ مُتَقَلِّبٌ ، أَوْلاَدٌ لاَ أَمَانَةَ فِيهِمْ ، هُمْ أَغَارُونِي بِمَا لَيْسَ إِلهًا ، أَغَاظُونِي بِأَبَاطِيلِهِمْ ، فَأَنَا أُغِيرُهُمْ بِمَا لَيْسَ شَعْبًا ، بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُهُمْ ﴾ " التثنية " وتم بالفعل حجب وجهه عنهم بحجب تلك المقدسات وتلك العقوبة النازلة في القضاء الأول بعد الإفساد الأول ، ثم يكون بالقضاء الثاني بعد الإفساد الثاني رجوع وجهه من خلال الكشف عن تلك المقدسات مجددا ليغيظهم بتلك الأمة التي ليست شعبا بحق فهم كما ترون اليوم لا تجمعهم رابطة واحدة إلا رابطة انتسابهم لهذا الدين لكن لا فكرة لهم بتاتا بكل ما سيجري وبكل تلك التفاصيل لا علم لهم بها لهذا هي أمة غبية وأناس مشتتون كثير بحقهم الوصف أنهم شعبا . قال تعالى ملمحا إلى رجعة تلك المقدسات مرة أخرى في البشرية كما في سورة البقرة : ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ . أي مصيرهم للقاء وجهه بتحقق التأويل في إخراج التابوت وتلك العصا للحساب والفرقان ، فكان حجب عنهم كما ذكر بالتوراة حسب النص المذكور قبل وسيأتي إيراد المزيد منها في ذلك الخصوص في الفصل الخامس من هذا الكتاب ، وسأتطرق هناك لمزيد تفصيل في بيان معنى التمثيل بتلك المقدسات والتابوت بوجه الله عز وجل . سيعود تعالى ليكشف لهم عن وجهه ثانية ومسكن قدسه في آخر الزمان ، ليحاسبهم ويكشف كل أكاذيبهم ويخزيهم ويعذبهم ، وينصر من يشاء حين تمتد يد العدو في أولئك المفديين فيخلصهم بذلك السبيل ، وهذا أيضا تقرر في التوراة وصدق الله عز وجل حين قال بأنه مكتوب بذلك الكتاب تفصيل كل شيء : ﴿ لأَنَّ الرَّبَّ يَدِينُ شَعْبَهُ ، وَعَلَى عَبِيدِهِ يُشْفِقُ حِينَ يَرَى أَنَّ الْيَدَ قَدْ مَضَتْ ، وَلَمْ يَبْقَ مَحْجُوزٌ وَلاَ مُطْلَقٌ ، اُنْظُرُوا الآنَ أَنَا أَنَا هُوَ وَلَيْسَ إِلهٌ مَعِي ، أَنَا أُمِيتُ وَأُحْيِي. سَحَقْتُ ، وَإِنِّي أَشْفِي ، وَلَيْسَ مِنْ يَدِي مُخَلِّصٌ ، إِنِّي أَرْفَعُ إِلَى السَّمَاءِ يَدِي وَأَقُولُ : حَيٌّ أَنَا إِلَى الأَبَدِ ، إِذَا سَنَنْتُ سَيْفِي الْبَارِقَ ، وَأَمْسَكَتْ بِالْقَضَاءِ يَدِي ، أَرُدُّ نَقْمَةً عَلَى أَضْدَادِي ، وَأُجَازِي مُبْغِضِيَّ ﴾ .أقول : الحاصل أنهم دائما تبعا للشيطان وقد ورطهم بجريمته النكراء الأولى رد ما يقضي به الله عز وجل ، بل العالم كله سيتورط معهم في آخر الأمر ولن تكون الورطة ليهود وحدهم ، فكلهم للنهاية في رد قضاء الله تعالى وأمره هذا ، وستكون تلك العصا وذلك التابوت في وجه الجميع ، كل من رد قضاء الله تعالى وعمل بالعكس من تدبيره ، سيجد نفسه أمام الله تبارك وتعالى مهزوما مدحورا مطرودا ، كما طرد داعيهم الأول إبليس : ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ، وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ . ومن مقولاتهم فيه كما في صموئيل الأول : ( كَيْفَ يُخَلِّصُنَا هذَا ؟، فَاحْتَقَرُوهُ وَلَمْ يُقَدِّمُوا لَهُ هَدِيَّةً ) (2) . وهذه الآية عينها ستأتي في استخلاف الخليفة الأخير في أمة محمد صلوات ربي وسلامه عليه حتما لقوله تعالى في سورة النحل : ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ، فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ . وهو من الوعيد المستقبلي ، ووجود الملائكة حتمي في ذلك لأنهم سيحملون تابوت الشهادة ليظهر الله عز وجل مجده وبهائه أمام كل الخلق ، ولا تنزل الملائكة إلا وقضي الأمر : ﴿ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ ﴾ . وهو كرسيه ووجهه تبارك وتعالى ومستقر جلوسه للقضاء آخر الزمان كما سيمر معنا الإشارة لذلك لاحقا إن شاء الله . وتعتبر آيات سورة الأنعام مفصلة لذلك لقوله عز وجل فيها :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ﴾ . وكما ترون المجيء ليس مقصورا على الملائكة ولا على تلك الآيات ، بل الرب عز وجل يتوعدهم بأنه سيأتيهم كذلك بنفسه ، ولما كان من المحتوم مجيء الملائكة لتحقيق مجيء التابوت ، كذلك من الحتمي مجيء الرب عز وجل لما يقضي بمجيء التابوت ، لأن مجيئه للناس لا يكون إلا بوجود ذلك المقدس وذلك الغمام ، مثل ما كان حصل في زمان موسى عليه الصلاة والسلام وقص تفصيل ذلك بكتابهم في أكثر من موضع . ولما كان ذلك مراد الله عز وجل بما قال في سورة الأنعام وسورة النحل قال تعالى في سورة البقرة بأكثر تصريح في ذلك ، ما يلي :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ﴾ .  فذلك الغمام المصاحب لتابوت الشهادة وقدس الأقداس ، نظير ما كان حصل في بني إسرائيل من قبل : ﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ، وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ .. وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ ، ﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ﴾ . فالغمام يقترن بالتابوت وتلك الأقداس حين يريد الله تعالى أن يكلم عباده ويتواصل معهم مباشرة ، وكونه سيكون آخر الزمان وأنه من الوعيد ، دل ذلك على اليقين بأن الله تعالى سيفعل ذلك وسيكلم الله عبده ووليه وخليفته ورسوله المهدي عليه الصلاة والسلام كما فعل مع موسى وبني إسرائيل وفي زمان شاول وسليمان عليه الصلاة والسلام ، وهذا أمر عقيدة بُينَ برهانها في القرآن كلام الله تبارك وتعالى ، ولا يرد ذلك إلا من هو على خطر عظيم وكفره قد يكون مستبين حين يرد كلام الله تعالى وأخباره تلك ويرفض تصديق ذلك والإيمان به والله أوجب الإيمان بالغيب وبالكتب السابقة بالجملة ، وبتفاصيلها إذا ما وافقها القرآن بتفاصيله واتفق معها على معنى ذلك . ولأنه تعالى يريد ذلك وأنه سيفعله آخر الزمان قال كما في سورة فاطر ما يلي : ﴿ اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ﴾ . ويلزم من عدم تصديق ذلك وأنه سنة لله عز وجل وكائن في آخر أمة محمد صلى الله عليه وسلم وبحفيد المصطفى صلى الله عليه وسلم لصالح أمته ضد غيرهم ، تصديق ما يعتقده اليهود ضمنا في دينهم المحرف وأكاذيبهم المستمرة على الله تبارك وتعالى وما بعث به رسله ، إذ يتناقلون بكتابهم المنشور بين الناس من قديم قول نبي الله تعالى إرميا عليه الصلاة والسلام والذي تناقل بعضا منهم قوله في قصة اخفاء معدات قدس الأقداس وأن الله تبارك وتعالى سيبقي كل ذلك طي الخفاء لحين يقرر جمع شعبه مجددا على تلك المقدسات وأن الغمام سيكون مجد غطاءٍ لتلك المقدسات مثل ما كان في زمان موسى وسليمان عليهما الصلاة والسلام ، وقد سبق ونقل كلامه هذا في ذلك (3) ، وهذا النبي بعينه الذي قال ذلك نُقل عنه قوله : ﴿ وَيَكُونُ إِذْ تَكْثُرُونَ وَتُثْمِرُونَ فِي الأَرْضِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ، يَقُولُ الرَّبُّ ، أَنَّهُمْ لاَ يَقُولُونَ بَعْدُ : تَابُوتَ عَهْدِ الرَّبِّ ، وَلاَ يَخْطُرُ عَلَى بَال ، وَلاَ يَذْكُرُونَهُ وَلاَ يَتَعَهَّدُونَهُ وَلاَ يُصْنَعُ بَعْدُ ، فِي ذلِكَ الزَّمَانِ يُسَمُّونَ أُورُشَلِيمَ كُرْسِيَّ الرَّبِّ ﴾ . يريد بأورشليم المدينة المنورة طيبة السلام وهم يريدون بذلك مدينة داود كما يزعمون ويعينون في فلسطين ، وأن التابوت حين اخراجه آخر الزمان سيعبر به محمولا من مصر لطيبة وحين يمـر ويعترضه البحر الأحمر ، سينشق له البحر بأمر الله عز وجل مثل ما حصل معهم حين انشق نهر الأردن من أمامه لأنه لا يعترض مسير تابوت الله تعالى من بحر ولا نهر إلا وانشق أمامه ، سنة الله تعالى ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا . وفي السابق انشق البحر بضربة من عصا موسى عليه الصلاة والسلام بإذن الله تعالى ، كذلك سينشق بعصا الله بيد المهدي مجددا من أمام تابوت الرب حتى يعبر من مصر للمدينة طيبة السلام ، لأن خروجه من هناك سيكون ، وسيصل للمدينة وبرفقتهم عامود السحاب ، وكما فضحوا قبل في دعوى خروجهم لصحراء سيناء ثم تاهو هناك وعادوا بعد ذلك لأكاذيب عبور نهر الأردن ، هم يعودون للكذب مجددا في قصة الخلاص الأخير ليزعموا ثانية انشقاق البحر الأحمر أمامهم ولا بحر أحمر هناك ، وليكن خروجهم مرة ثانية لصحراء سيناء ثم لأورشليمهم ولا بحر أحمر بينهما لينشق ، إنما البحر الأحمر يفصل ما بين مصر والجزيرة العربية ومن هناك سيشق الله تعالى البحر الأحمر لعباده المفديين (4).      وبحسب نص تلك النبوءة سيكون بدلا من تابوت الشهادة والعهد الحق الصادق تلك المدينة كلها مسكنا وكرسيا للرب عز وجل ، وسيستقر به المطاف بتلك المدينة ويحمل على معنــــى ذلك نصوصا عديدة ، سواء مما رويت عند اليهود ، أو في كتاب ربنا تعالى القرآن ، مثل قوله عز وجل : ﴿ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ . وجنبه يريد بذلك جواره بالمدينة حين يتراءى الرب عز وجل بدلا من أن يكون ذلك من فوق التابوت لكثرة الخلق يومئذ ، فيتراءى لهم من فوق ذلك الجبل المقدس في جانب مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم . ومثله قوله تعالى : ﴿ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ ﴾ . يصحبون ويجاورون حضور الله عز وجل كما كان في بني إسرائيل من قبل ، هذا مقصد كلام ربنا هنا تبارك وتعالى ، وذلك هو السبيل الذي من فات عليه ولم يكرم به ، سيكون ندمه عظيما ولما كان لا ينال إلا باتباع المهدي الرسول الخاتم وبالتصديق والإيمان بما جاء به ، كان ما قاله تعالى في هذا الخصوص في سورة الفرقان : ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً ، الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً ، وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً ، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً ﴾ . ويرجع بنا هنا إلى ذكر الغمام المصاحب لتلك المقدسات لأن الله تعالى سيكون حالا فوقها وفوق الجبل المقدس ، وهذا لازم لذلك الحضور كما قال النبي سليمان عليه الصلاة والسلام بأن الله يسكن في الضباب أو الدجن . ﴿ يَسْقُطُونَ وَيَهْلِكُونَ مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ ، لأَنَّكَ أَقَمْتَ حَقِّي وَدَعْوَايَ ، جَلَسْتَ عَلَى الْكُرْسِيِّ قَاضِيًا عَادِلاً ، انْتَهَرْتَ الأُمَمَ أَهْلَكْتَ الشِّرِّيرَ ... أَمَّا الرَّبُّ فَإِلَى الدَّهْرِ يَجْلِسُ ثَبَّتَ لِلْقَضَاءِ كُرْسِيَّهُ ﴾ " الزبور " أقول : ومن لم يؤمن بهذا ويصدق به ، يلزم عليه جراء هذا الكفر والعناد والجهل والضلال المبين عن أمر الله تعالى هذا ، أن يسلم لليهود كذبهم بأن هذا كائن فيهم لا محالة وليس في آخر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وعليه ترون كل أولئك الخونة من عرب وعجم ممن سالم اليهود وتصالح معهم اليوم خصوصا فراعين مصر الكفرة ومن سايرهم من قبل وفي الآخر كأمراء الخليج ومن شابههم من حثالات العرب والعجم ، إنما يفعلون ذلك على أصول تلك الأكاذيب والإقرار لليهود بذلك تصريحا أو ضمنا ، إعلانا أو بالخفاء : ﴿ مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ﴾ . وعليه ترونهم يتواطؤون مع اليهود اليوم والمكر العالمي للتمكين لهم في فلسطين على أساس مكان تأويل كل ذلك هناك ، فباركوا اليهود على أكاذيبهم ومكرهم مواطأة على مخالفة أمر الله عز وجل وما قدر موافقة لعباد الصليب والمكر الدولي اليوم ، لكن ستكون مغبة ذلك وخيمة عظيمة عليهم جميعا : ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ﴾ ، ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ ، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ .وسيكون التكليم خاص بأصحاب تابوت الشهادة ، ومن سيلتف حول ذلك الجبل المقدس ، وما سواهم للعنة والطرد وتواتر الكربات والآفات والفضح ، ولا نقول لهم إلا ما قاله مؤمن آل فرعون : ﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ . ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ .. لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ . ومر معنا قبل نقل الكلام عن الفلسطينيين حين ابتلوا بأخذ التابوت لبيت أصنامهم وحبسه هناك وماذا قالوا عما أصابهم جراء فعلتهم تلك ، وكيف أنهم لما استشاروا كهنتهم في ذلك شاروا عليهم بأن يتعلموا مما فعل المصريون حين ابتلوا بتلك المحن وأجرى عليهم الله آياته هناك ، فقاسوا لرد النقمات عنهم كما رد عن المصرين ، بأن يتركوا اليهود وشأنهم ، ولا يتعرضوا لمقدساتهم ، وهذا نتيجة انتشار تلك الأخبار والوقائع واستفاضتها بين الناس حتى بلغت الناس في كل مكان ولما وراء نهر الأردن ، ويؤكد النبي يشوع خليفة موسى عليه الصلاة والسلام على ذلك بقوله :﴿ تُعْلِمُونَ بَنِيكُمْ قَائِلِينَ : عَلَى الْيَابِسَةِ عَبَرَ إِسْرَائِيلُ هذَا الأُرْدُنَّ ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ قَدْ يَبَّسَ مِيَاهَ الأُرْدُنِّ مِنْ أَمَامِكُمْ حَتَّى عَبَرْتُمْ ، كَمَا فَعَلَ الرَّبُّ إِلهُكُمْ بِبَحْرِ سُوفٍ الَّذِي يَبَّسَهُ مِنْ أَمَامِنَا حَتَّى عَبَرْنَا ، لِكَيْ تَعْلَمَ جَمِيعُ شُعُوبِ الأَرْضِ يَدَ الرَّبِّ أَنَّهَا قَوِيَّةٌ ، لِكَيْ تَخَافُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ ﴾ . وكان أخبرهم قبل المسير للنهر كيف سيصنع الله تعالى به لعبورهم فقال : ﴿ ويكون حينما تستقر بطون اقدام الكهنة حاملي تابوت الرب سيد الارض كلها في مياه الاردن ، أن مياه الاردن ، المياه المنحدرة من فوق ، تنفلق وتقف ندا واحدا ﴾ ، ﴿ فكان لما صعد الكهنة حاملو تابوت عهد الرب من وسط الاردن ، واجتذبت بطون اقدام الكهنة الى اليابسة ، أن مياه الاردن رجعت الى مكانها وجرت كما من قبل الى كل شطوطه ﴾ . وهكذا كان فعل الله تعالى العجب لعبور شعبه وعبور تابوت عهده وشهادته ، وبلغ الناس هذا كله مثل ما بلغهم نبأ عمله مثل ذلك بالبحر الأحمر مرة ثانية حين يتعظم الله بنفسه وبمقادسه أمام العالم كله ، حين يأتي لخلاص شعبه لخلاص مسيحه المختار ، مثل ما فعل في السابقين سيفعل في المتأخرين ، والنصوص في ذلك كثيرة متواترة ومنها ما قاله اشعيا النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ لأَنَّهُ كَالثَّوْبِ يَأْكُلُهُمُ الْعُثُّ ، وَكَالصُّوفِ يَأْكُلُهُمُ السُّوسُ أَمَّا بِرِّي فَإِلَى الأَبَدِ يَكُونُ ، وَخَلاَصِي إِلَى دَوْرِ الأَدْوَارِ . اِسْتَيْقِظِي ، اسْتَيْقِظِي الْبَسِي قُوَّةً يَا ذِرَاعَ الرَّبِّ اسْتَيْقِظِي كَمَا فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ ، كَمَا فِي الأَدْوَارِ الْقَدِيمَةِ ، أَلَسْتِ أَنْتِ هِيَ الْمُنَشِّفَةَ الْبَحْرَ مِيَاهَ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ ، الْجَاعِلَةَ أَعْمَاقَ الْبَحْرِ طَرِيقًا لِعُبُورِ الْمَفْدِيِّينَ ؟ وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى المدينة بِالتَّرَنُّمِ ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ فَرَحٌ أَبَدِيٌّ ، ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ يَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ ﴾ . وماذا فعلت في الأيام القديمة إلا ما فصل لكم هنا ، ولهذا يؤكد النبي بكلامه بعد ذلك بالتذكير بانشاف مياه البحر ليعبر عباده المفديين ، وقرن ذلك من قوله مع ما سيفعله المفديين بالأخير بعد التذكير بما ذكر دليلا على أنه سيكون ذلك كما في أيام القدم . وفي موضع آخر من سفره يقول ذلك بصراحة أكثر مما قاله قبل وبزيادة أيضا إذ ذكر نهر أشور مع بحر مصر فقال : ﴿ وَيُبِيدُ الرَّبُّ لِسَانَ بَحْرِ مِصْرَ ، وَيَهُزُّ يَدَهُ عَلَى النَّهْرِ بِقُوَّةِ رِيحِهِ ، وَيَضْرِبُهُ إِلَى سَبْعِ سَوَاق ، وَيُجِيزُ فِيهَا بِالأَحْذِيَةِ ، وَتَكُونُ سِكَّةٌ لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ أَشُّورَ ، كَمَا كَانَ لإِسْرَائِيلَ يَوْمَ صُعُودِهِ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ ﴾ . ومثله النبي هوشع عليه الصلاة والسلام يجمع في ذلك ما بين ذكر مصر وأشور فيقول : ﴿ يُسْرِعُونَ كَعُصْفُورٍ مِنْ مِصْرَ ، وَكَحَمَامَةٍ مِنْ أَرْضِ أَشُّورَ ، فَأُسْكِنُهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ ﴾ . فكل أولئك سيعبرون بآيات الله العظيمة ليتمجد ربنا تعالى بقوته ويريهم بره ، ويرفع يده المقتدرة على ما خلق ، فيعبرون سالمين أرض باطن البحر من مصر ، وباطن النهر من أرض العراق ، فيأتون لبيوتهم بمدينة طيبة المقدسة كالعصافير والحمام . وقال مثلهم النبي ميخا عليه الصلاة والسلام : ﴿ هُوَ يَوْمٌ يَأْتُونَ إِلَيْكِ مِنْ أَشُّورَ وَمُدُنِ مِصْرَ ، وَمِنْ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ ، وَمِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ ، وَمِنَ الْجَبَلِ إِلَى الْجَبَلِ ، وَلكِنْ تَصِيرُ الأَرْضُ خَرِبَةً بِسَبَبِ سُكَّانِهَا ، مِنْ أَجْلِ ثَمَرِ أَفْعَالِهِمْ . اِرْعَ بِعَصَاكَ شَعْبَكَ غَنَمَ مِيرَاثِكَ ﴾ . وقال : ﴿ كما في أيام خروجك من أرض مصر أريه معجزات ﴾ . وقال النبي زكريا صلى الله عليه وسلم مثلهم في ذلك :﴿ أَصْفِرُ لَهُمْ وَأَجْمَعُهُمْ لأَنِّي قَدْ فَدَيْتُهُمْ ، وَأُرْجِعُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ ، وَأَجْمَعُهُمْ مِنْ أَشُّورَ ، وَآتِي بِهِمْ ، وَيَعْبُرُ فِي بَحْرِ الضِّيقِ ، وَيَضْرِبُ اللُّجَجَ فِي الْبَحْرِ ، وَتَجِفُّ كُلُّ أَعْمَاقِ النَّهْرِ ، وَتُخْفَضُ كِبْرِيَاءُ أَشُّورَ ، وَيَزُولُ قَضِيبُ مِصْرَ وَأُقَوِّيهِمْ بِالرَّبِّ ، فَيَسْلُكُونَ بِاسْمِهِ ، يَقُولُ الرَّبُّ ﴾ .وليس ببعيد عنهم النبي حزقيال عليه الصلاة والسلام إذ قال عن نفس الأمر هذا التالي : ﴿ حَيٌّ أَنَا ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ ، إِنِّي بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وَبِذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ ، وَبِسَخَطٍ مَسْكُوبٍ أَمْلِكُ عَلَيْكُمْ وَأُخْرِجُكُمْ مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ ، وَأَجْمَعُكُمْ مِنَ الأَرَاضِي الَّتِي تَفَرَّقْتُمْ فِيهَا بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وَبِذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ ، وَبِسَخَطٍ مَسْكُوبٍ ، وَآتِي بِكُمْ إِلَى بَرِّيَّةِ الشُّعُوبِ ، وَأُحَاكِمُكُمْ هُنَاكَ وَجْهًا لِوَجْهٍ كَمَا حَاكَمْتُ فِي بَرِّيَّةِ أَرْضِ مِصْرَ ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأُمِرُّكُمْ تَحْتَ الْعَصَا ، وَأُدْخِلُكُمْ فِي رِبَاطِ الْعَهْدِ ، وَأَعْزِلُ مِنْكُمُ الْمُتَمَرِّدِينَ وَالْعُصَاةَ عَلَيَّ ، وَلاَ يَدْخُلُونَ أَرْضي ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ ﴾ . إنه المجد العظيم والبهاء المقدس الذي وعد المولى على لسان نبيه حجي عليه الصلاة والسلام بأن يكون أعظم من المجد والبهاء والتقديس الذي سبقه فقال : ﴿ وأجعل مجد هذا البيت الثاني أعظم من مجد البيت الأول ﴾ . وكما ترون قد تواترت النبوءات على أن الله عز وجل سيعود ليفعل نظير ما فعل بمصر ، بل أكثر من ذلك في آخر هذه الأمة ، وكان الأنبياء يلهجون بذكر ذلك وكل ما ذهب نبي خلفه آخر فيأتيهم بذكرٍ منه ولو كان ذلك لا يرضي جمهورهم ولا قادتهم من الكتبة والكهنة ، وكان من شدة رفضهم لذلك وتذكيرهم بما سيكون من نقمة ستحل بهم آخر الزمان ، ونعمة ستكون من نصيب غيرهم من بني إسماعيل ، حتى أن تلك المقدسات وذلك البر والبهاء لن يكون فيهم ولا في أرضهم ، فيزداد غضبهم وطغيانهم للحد الذي استباحوا بسببه قتل من قتلوا من الأنبياء وعليه كان قول المسيح في إنجيله مثلا كيف أنهم قتلوا النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام لأجل ذلك فقال : ﴿ اشعيا كانت نبوءاته توبخهم ولهذا قتلوه ﴾ . بل هو نفسه عليه الصلاة والسلام لما صاح بوجوههم عن البركة تلك فيمن ستكون وأخذ يبشر بالمصطفى وحفيده عليهما الصلاة والسلام ، وأن تلك الخواتيم خيرها إنما هو لصالح ذلك النبي وأمته ، وأن المسيح المبارك سيكون من ذرية اسماعيل لا إسحاق ، صاحوا ضده واتهموه بأنه اسماعيلي وطلبوا قتله يؤلبون الناس ضده ومن أقواله التي كان يفضحهم فيها : ﴿ لم يقل الله بلا سبب على لسان اشعيا النبي : ( يا شعبي إن الذين يباركونك يخدعونك ) . ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون ويل لكم أيها الكهنة واللاويون لأنكم أفسدتم ذبيحة الرب حتى أن الذين جاءوا ليقدموا الذبائح يعتقدون أن الله يأكل لحما مطبوخا كالإنسان ، لأنكم تقولون لهم : احضروا من غنمكم وثيرانكم وحملانكم إلى هيكل إلهكم ولا تأكلوا الجميع بل أعطوا نصيبا لإلهكم مما أعطاكم . ولكنكم لا تخبرونهم عن أصل الذبيحة أنها شهادة الحياة التي أنعم بها على إبن أبينا إبراهيم ، حتى لا ينسى إيمان وطاعة أبينا إبراهيم مع المواعيد الموثقة معه من الله والبركة الممنوحة له . ولكن يقول الله على لسان حزقيال النبي : ابعدوا عني ذبائحكم هذه إن ضحاياكم مكروهة عندي . لأنه يقترب الوقت الذي يتم فيه ما تكلم عنه إلهنا على لسان هوشع النبي قائلا : إني أدعو الشعب غير المختار مختارا .

 

وكما يقول في حزقيال النبي : سيعمل الله ميثاقا جديدا مع شعبه ليس نظير الميثاق الذي أعطاه لآبائكم فلم يفوا ، وسيأخذ منهم قلبا من حجر ، ويعطيهم قلبا جديدا .وسيكون كل هذا لأنكم لا تسيرون الآن بحسب شريعته وعندكم المفتاح ولا تفتحون بل بالحري تسدون الطريق على الذين يسيرون فيها ﴾ . وهذا كمثال أنقله على منهج الأنبياء معهم كيف كان في بيان هذا الأمر ، فلم يكن المسيح صلوات ربي وسلامه عليه يداهنهم في ذلك حاشاه ولا يخافهم حين يبلغهم بتلك الحقائق الإيمانية الربانية ، وما سيكون عليهم قريبا وبعيدا ، حتى كان أعظم تهمهم بحقه أنه اسماعيلي وينفي البركة المنتظرة وذلك المفتاح أن يكون فيهم بل بغيرهم ، وجراء ذلك كانت عداوتهم له كما عادوا بسبب ذلك من قبله من الأنبياء حتى فحش قتلهم للأنبياء واشتهر وعرف من تأريخهم لكن ليس كثير أحد يعرف السبب ، والسبب أن البركة المنتظرة وذلك الإستفتاح على سائر الخلق يعتقدون أنه كائن بهم ببني إسحاق ، ولكن كل ما جاء نبي نفى هذه الأكاذيب وقرر بمن سيكون ذلك الفتح والبركة ولصالح من ، وهكذا دار مصيرهم على وفق ذلك حتى لعنوا ونبذوا وحجب الرب عز وجل وجهه عنهم ، ولعن هيكلهم وجردوا من مقدساتهم التي سيظهرها الله عز وجل للقوم الذين كانت الأنبياء تخبر العامة من سيكون أولئك القوم ومن نسل من . وكان مما قاله لهم في هيكلهم وعلى مشهد من كبار كهنتهم وبحضور عتاة الكتبة والفريسيون : ﴿ وأنت يا رئيس الكهنة إني أعلن لكم ما قال الله لكم على لسان نبيه اشعيا : ربيت عبيدا ورفعت شأنهم أما هم فامتهنوني . إن الملك لهو الهنا الذي وجد اسرائيل في هذا العالم مفعما شقاء فأعطاه لعبيده يوسف وموسى وهارون الذين اعتنوا به وأحبه إلهنا حبا شديدا حتى أنه لأجل شعب إسرائيل ضرب مصر وأغرق فرعون وهزم مئة وعشرين ملكا من الكنعانيين والمدينيين وأعطاه شرائعه جاعلا اياه وارثا لكل تلك البلاد التي يقيم فيها شعبنا ، ولكن كيف تصرف اسرائيل ؟كم قتل من الأنبياء كم نجس من نبوءة كيف عصى شريعة الله ، كم وكم تحول أناس عن الله لذلك السبب وذهبوا ليعبدوا الأوثان بذنبكم أيها الكهنة ، فلكم تمتهنون الله بسلوككم والآن تسألونني : ماذا يعطينا الله في الجنة ؟!فكان يجب عليكم أن تسألوني : أي قصاص يعطيكم الله إياه في الجحيم وماذا يجب عليكم فعله لأجل التوبة الصادقة ليرحمكم الله ؟فهذا ما أقوله لكم ولهذه الغاية أرسلت إليكم .لعمر الله الذي أقف في حضرته أنكم لا تنالون مني تملقا بل الحق ، لذلك أقول لكم توبوا وارجعوا إلى الله كما فعل آباؤكم بعد ارتكاب الذنب ولا تقسوا قلوبكم ﴾ . وهكذا كانت الحقيقة صراع دائم بين الرسل وبين أولئك وأكاذيبهم وأمانيهم الزائفة وعداوتهم للحق الدائمة ، حتى يأتي الله تعالى بمجده وبره فتكون نهايتهم الحاسمة واتباعهم الصريح للشيطان بواسطة مثاله الدجال الأعور وما علمتم من قصص ذلك ، وأن الله سيهلك على يدي المسيح ومن قبله المهدي كل من يزعم أن المسيح أكبر من إنسان تلك الجريمة النكراء العظيمة جدا والتي أول من بثها الرومان الملاعين الوثنيين على المسيح بين الناس ، وسوسة من خلال الشيطان وأولئك الجند الرومان وسط فلسطين ، ورد في الإنجيل لما رأى الخلق مقدرة المسيح على شفاء المرضى وطرد الشياطين من أجساد بعض المسكونين : أخذت الجنود الرومانية في أورشليم بوسوسة الشيطان تثير العامة في ذلك اليوم قائلين إن يسوع إله إسرائيل قد أتى ليفتقد شعبه اهـ . ويرد سؤال هنا مهم جدا فحواه : غير ما نقل عن الأنبياء في ذلك الخلاص وتلك التفاصيل عن التأويل فيه ، وما تأولنا من بعض آيات القرآن ، هل ورد عن السلف شيئا من ذلك ولو اشارة عابرة لا تصريح فاصل ؟ فالجواب : نعم ، وردت اشارات مهمة جدا إن جمعت لما سبق تفصيله سيخرج العاقل بدلالة حتمية أن ذلك من الحق ولو جهله الكثير من الناس ، أو كتمه من كتمه !      عن علي رضي الله عنه أتت اشارة تكاد تكون صريحة وصارخة في الأمر ، وعلي من علمتم مكانته من النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستبعد حصول اطلاع خاص له على بعض أخبار ، ومثل هذا حصل منه بعض الشيء بالنسبة له ولأهل بيته ، مثل ما قال لإبنته فاطمة رضي الله تعالى عنها حين أسر لها ما أسر عند قرب قبضه عليه الصلاة والسلام ، ونظير ذلك وقع لعلي نفسه ولغيره من الصحابة ، حتى ثبت عن مثل حذيفة رضي الله تعالى عنه يخبره النبي صلى الله عليه وسلم بنبأ فيقول له حذيفة : أسر يا رسول الله أو أعلن !! وحذيفة نفسه رضي الله تعالى عنه اشتهر عنه أنه كاتم سر النبي صلى الله عليه وسلم ، وما ذلك إلا لأنه قد يخبر بالخبر ويوصي من يبلغه أن لا يبوح ، كما حصل مع حذيفة نفسه في أسماء المنافقين . قال علي رضي الله تعالى عنه : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتعطفن هذه الآية عليكم عطف الضرُوس على ولدها : ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِين ِ، نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ، إِنَّ فِرْعَوْنَ علا فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ، وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . " رواه علي بن الجعد في مسنده "  وهذا بائن من قسمه على قطعه بتحقق تأويلها في هذه الأمة ، وأن مراده المطابقة والمشابهة ما بين الحالين ، ومن ذلك بالطبع تحقق آيات الله تعالى في الخلاص الأول ، وأن مثله سيكون في آخر هذه الأمة ، ولما كان ذلك اعتقاد عنده يوجب التصديق والإيمان أقسم على ذلك . بل هناك أعجب من ذلك فعن ابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما الذي عرف عنه كتمانه تفسير آية خبر الله تعالى أنه سيأتيهم بالغمام ، كان يكتم تفسير ذلك ومعنى تأويله ، رواه عنه أبو صالح أنه كان يقول في تلك الآية : هذا من المكتوم الذي لا يفسر . " تفسير القرطبي 2/26 " وليس هذا فقط ، بل في قوله تعالى : ﴿ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ﴾ ، كان لا يفسرها حكاه القرطبي في تفسيره عن قتادة عنه : أنه كان يكتم تفسيرها . تجدون تفصيل معنى الروح في الآية في كتاب " " وجوب الاعتزال 2/117 " . وكان كذلك يكتم تفسير قوله تعالى : ﴿ يتنزل الأمر بينهن ﴾ . ويقول : لو أخبرتكم بتفسيرها لرجمتموني بالحجارة . " مسائل أحمد لإبن هانئ ص 160 ورواه الحاكم في المستدرك " فما الداعي له أن يكتم معنى مجيئ الرب عز وجل بظلل من الغمام ؟! ولو كان تأويل ذلك بما تعارف على تفسيره الكثير أن ذلك مما سيكون يوم الحساب حين يحشر الله تعالى كافة الخلائق ، وهو اعتقاد السلف وكل أئمة الحديث ، لما كان هناك موجب على ابن عباس كتمان معنى ذلك وهو مفسر في عقائد السلف وأنه تعالى سيأتي حقيقة كما يشاء في ردودهم على الجهمية وسائر فرق الضلال المنكرين تأويل ذلك ومتأولين ذلك على مجيء أمره ، وإن كان الأمر كذلك فما سبب كتمانه لو لم يكن الأمر على غير ذلك النحو وأنه مجيء لا يتصوروه الناس ولا يظنونه ؟ بل لو قاله لعلهم يكفرون بإنكاره ويقعون بالتكذيب لما أخبر تعالى عن نفسه وأفعاله لهذا رأى نفسه مضطرا لكتمان ذلك حتى لا يكون ذلك فتنة لهم . وكون ذلك سيحصل مثل ما فصل هنا وفي غير مكان في بيان أصول دعوتنا المباركة ، وأنه مجيء يكون آخر الزمان ، كمجيئه تعالى في بني إسرائيل على ما فصل هنا ، وبين عن الأنبياء وعن الله عز وجل ، في القرآن والكتب السابقة ، فلا حاجة لإبن عباس لكتمان ذلك وهو قد جاء في الغمام قبل وسيجيئ بعد ، وكان الأمر بغاية الوضوح وأسهل شيء على الذهن استيعابه والقلب والإيمان به لمن وفق ، ولا حاجة ليكتم تفسير معناه ابن عباس مثل ما كتم في الروح وتنزل أمر الله تعالى ما بين السماء والأرض ، فهو لم يكن أمرا غيبيا محضا ، لا يمكن مشاهدته وإدراك حقيقته بحال ، بل له تأويل خاص به ، كان يراه البشر من قبل ويدركون كنهه ومعناه ، وسيكون في المتأخرين مثل ذلك حين تحقق تأويله مرة ثانية ، مثل ما كان سيكون ، ولما تكرس في الأمة  مثل هذا الجهل صار الأغبياء اليوم لا يمكنهم يؤمنوا بمجيء للرب عز وجل كما كان في بني إسرائيل . وهذا استطراد مني في بيان أن في أمتنا من كان يدرك وجه تحقق ذلك كلن بطريقته الخاصة ، ولم ينقطع عن إدراك ذلك ويحجب الإيمان به عن عقله وقلبه إلا هؤلاء الخلوف الذين ضاعوا وضيعوا ، وقضوا على أنفسهم أن لا يأتيهم هذا المجد والبهاء والبر إلا وهم غافلون ثم ينبذون فلا يصحبون ، ولا يكلمون ولا يزكيهم الله تعالى ، ويلعنهم مع كل ملعون أسود وجه ، موسوم على الخرطوم ، إنه وعد الحق الذي فيه يمترون : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ . فاجمعوا هذه للتي تكلم عنها علي رضي الله عنه لتدركوا أن الحال اليوم متجه لتحقق التأويل لا محالة ، وهن من نبأ ما سيكون آخر الزمان وداخلات في عموم ما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن ما كان في السابقين سيكون في هذه الأمة مثله ، وسيحمل أمر شرار هذه الأمة وخيارها على ما حمل عليه شرار وخيار من سبق ، ورد ذلك في أكثر من خبر . ولا فرعون علا واستضعف العباد وجعلهم شيعا مثل فرعون هذا القرن " أمريكا " الملعونة ، فقد فعلت بأهل الإسلام وغيرهم الأعاجيب من بعد غزو بريطانيا وفرنسا لهم ، يتناوبون التسلطن على عباد الله ويستعبدونهم كما حكي تماما في زمان المسيح عليه الصلاة والسلام عن استعباد روما لليهود في فلسطين ، وحين    انتهوا لأمريكا في ذلك انتهوا لأشر خلق الله تعالى وأكثرهم قوة وجبروت : ﴿ لَيْسَ مِنْ شُجَاعٍ يُوقِظُهُ ، فَمَنْ يَقِفُ إِذًا بِوَجْهِي ، مَنْ تَقَدَّمَنِي فَأُوفِيَهُ ، مَا تَحْتَ كُلِّ السَّمَاوَاتِ هُوَ لِي ﴾ " أيوب عليه الصلاة والسلام "وهم اليوم من أشر المفسدين في الأرض بعسركهم ومدنييهم ، وسيمن الله على عباده بإهلاكهم وحلفاءهم كما أهلك الفرعون وجنوده من قبل وما فراعين مصر اليوم إلا تحت ظل أولئك الملعونين بكتب الله عز وجل ، وسيورث الرب عباده الأرض كما وعد على انقاض دولة هذا الفرعون الطاغوت المتجبر ، وكما كان موسى عليه الصلاة والسلام ينادي من قبل بقوله:﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ . ونحن اليوم ننادي بها كما نادى موسى من قبل صلوات ربي وسلامه عليه ، ولن يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون . وكان ذلك الاستخلاف بواسطة ذلك التابوت الإلهي ، وسيكون مثل ذلك كما وعد تعالى على ما بين وشرح في الكثير من كتب هذه الدعوة المباركة المهدية وتفاصيل أصولها العظيمة ، وها نحن نشاهد ونرى ثبوت ارهاصات قرب تحقق ذلك ، حتى أن تابوت العهد والشهادة بدأت تطل الأخبار من مصر على أنه قد عين مكانه وتم التحقق بالكشف عن ذلك من قبل السلطات في مصر من زمان الحصني الفرعون الغير مبارك ، وسيأتي إن شاء الله تفاصيل عن ذلك بعد هذه المقدمة تمهيدا لنشر كتاب " التابوت والعصا .. " .الحاصل ، أن اليهود لما أتتهم البينات في ذلك وقص عليهم رسلهم ما قصوا من ذلك نقموا عليهم فشردوا من شردوا وقتلوا من قتلوا ، حتى انفصل عنهم آخر الأنبياء ما قبل الشتات والسبي ، وهو إرميا عليه الصلاة والسلام بعد ما أخذ معه تلك المقدسات وأخفاها عنهم إلى يوم الوقت المعلوم ، وكل ذلك حصل منهم بحق الأنبياء نقمة عليهم لإخبارهم عن ذلك ، وأن الله تعالى قدر أن يكون ذلك في سواهم حين يفسدون الإفساد الثاني ، فيجتبي تعالى من يشاء من عباده من غيرهم ويمكن لهم بواسطة ذلك التابوت وتلك الشهادات ومنها العصا ، فكرهوا قضاء الله تعالى بذلك أشد الكره وحصل منهم ما حصل على كل الأنبياء وآخرهم المسيح ومحمد صلوات ربي وسلامه عليهم ، وسيلحقون بهم المهدي طبعا لكن استثناء المهدي عن كل من سبق أن بيده العصا حين يمكن والتابوت سيكون بين يديه وبه تلك الأسفار شهادة عليهم ، فأين الخلاص ليهود والفضيحة بذلك ستكون مشهودة عالميا ، كل حبال أكاذيبهم ستنقطع بذلك للأبد ولهذا سيركبهم خزي عظيم وتسوء وجوههم جراء انكشاف تلك الحقائق التي لا يمكن بحال التلبيس عليها ، ولن يبقى زمان مديد ليراهنوا على نسيان الناس ، انتهى الأمر ولا مخرج صدق ولا كذب سيكون لهم إلا مخرجا واحدا وهو اتباع الدجال والعياذ بالله من سوء المصير . ومن خبث اليهود وكراهتهم الشديدة لهذا الأمر أن يكون في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، انظروا ما فعلوا بأولئك الأوباش حين فرقوهم وجعلوهم أحزابا وسلطوا عليهم عساكر أشرارا أو أمراء جهلة فجارا ، وركبوا لهم شعوب الفسيفساء الصم البكم العمي ، وضحكوا عليهم أنهم ممالك وأمم بل جمهوريات مجد وعظمة ، وتمموا ضحكهم على أولئك الملاعين الكفرة بأن أنشأوا لهم رابطة سموها " جامعة الدول العربية " ، وحقيقتها حظيرة لبنات آوى والضباع والكلاب المسعورة ، وتلك أعظم المهازل الأضحوكة الكبرى عليهم من بين الشعوب ، وذلك ليقين اليهود  بالرابطة الربانية الآتي ابتدائها من مصر ، فرضوا لهم مكرا تلك الرابطة الملعونة بديلة عن ذلك القدر الآتي المحتوم تلبيسا منهم على ذلك الأمر وما قدر تعالى ضدهم ، وليقينهم وعلمهم بما سيتحقق هناك قرروا مقر تلك الرابطة الملعونة إلا تكون من مصر ومكر أولئك هو يبور ، ووطأوا مصر وأذنابها ليكونوا عكازة شر وكفر ونفاق لليهودية العالمية ، من بعد ما تم لهم السيطرة على العالم كله وتلك الخراف الداجة بلا راعي ، فوجد اليهود الأذلاء غنيمتهم بتلك البهائم فسيطروا عليهم ومن ثم تم لهم الزحف على أولئك العريب ومن سبقهم من كلاب العرب ، ففتوا لهم يغذونهم بتلك الحظيرة حتى سلموا لهم بكل شيء ، لكن خسارتهم محتومة وسيفقدون كل من عزوهم ليحموهم ، ومكنوا لهم ليكونوا لهم درعا وتشويشا وبلبلة ، كل ذلك سيفقد وسترتد نصرتهم لليهود الذين رجوهم ولذلك أسسوهم ، على وجوه الجميع ، الكل سيخسر والكل سيفضح ، كل من تابع فراعين مصر على ذلك معهم سيخسرون وهذا أمر حتمي لا بد منه أخبرت كل الأنبياء عنه وكتبوا تفاصيله ، ومن أبرزهم النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام والذي يكاد يكون كإرميا متخصصا بنهايات الشعوب ، وخص مصر بالذات بالكثير من تفاصيل نبوءاته ومنها قوله عنهم وعن حلفاؤهم اليهود ما يلي :﴿ إِنَّكَ قَدِ اتَّكَلْتَ عَلَى عُكَّازِ هذِهِ الْقَصَبَةِ الْمَرْضُوضَةِ عَلَى مِصْرَ ، الَّتِي إِذَا تَوَكَّأَ أَحَدٌ عَلَيْهَا دَخَلَتْ فِي كَفِّهِ وَثَقَبَتْهَا ، هكَذَا فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ لِجَمِيعِ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ ﴾.

 

واقرأوا لحزقيال ماذا قال في ذلك صلوات ربي وسلامه عليهما : ﴿ وَيَعْلَمُ كُلُّ سُكَّانِ مِصْرَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ ، مِنْ أَجْلِ كَوْنِهِمْ عُكَّازَ قَصَبٍ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ ﴾ . ألم تفضحهم هذه النبوءات وتكشف سترهم حين سعوا من سنين كثيرة طويلة لتقنين سلامهم المزعوم يتوارثونه عساكر الفراعين فرعون بعد فرعون عسكري بعد عسكري ، وكل ذلك لتكون مصر عكازة شر يعتمد عليها أهل الشر ، لكن الله تعالى كتب كل خياناتهم وخداعاتهم بكتابه ونبأ عنها وبالتفصيل رسله ، حتى إذا ما عاينوا نتائج أعمالهم وكفرهم يعلمون حينها أنه كان بكل شيء عليم ومحيط : ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ﴾ ، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً ، وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً ، وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً ﴾ ، ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ ، ﴿ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ ، يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ .

 ﴿ اكْتُبِ الرُّؤْيَا وَانْقُشْهَا عَلَى الأَلْوَاحِ لِكَيْ يَرْكُضَ قَارِئُهَا ، لأَنَّ الرُّؤْيَا بَعْدُ إِلَى الْمِيعَادِ، وَفِي النِّهَايَةِ تَتَكَلَّمُ وَلاَ تَكْذِبُ. إِنْ تَوَانَتْ فَانْتَظِرْهَا لأَنَّهَا سَتَأْتِي إِتْيَانًا وَلاَ تَتَأَخَّرُ ﴾ " حبقوق عليه الصلاة وااسلام " ﴿ فَإِنَّ مِصْرَ تُعِينُ بَاطِلاً وَعَبَثًا ، لِذلِكَ دَعَوْتُهَا « رَهَبَ الْجُلُوسِ » ، تَعَالَ الآنَ اكْتُبْ هذَا عِنْدَهُمْ عَلَى لَوْحٍ وَارْسُمْهُ فِي سِفْرٍ ، لِيَكُونَ لِزَمَنٍ آتٍ لِلأَبَدِ إِلَى الدُّهُورِ ، لأَنَّهُ شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ، أَوْلاَدٌ كَذَبَةٌ ، أَوْلاَدٌ لَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْمَعُوا شَرِيعَةَ الرَّبِّ ، الَّذِينَ يَقُولُونَ لِلرَّائِينَ : « لاَ تَرَوْا » ، وَلِلنَّاظِرِينَ: « لاَ تَنْظُرُوا لَنَا مُسْتَقِيمَاتٍ كَلِّمُونَا بِالنَّاعِمَاتِ انْظُرُوا مُخَادِعَاتٍ ، حِيدُوا عَنِ الطَّرِيقِ مِيلُوا عَنِ السَّبِيلِ اعْزِلُوا مِنْ أَمَامِنَا قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ ، لِذلِكَ هكَذَا يَقُولُ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: « لأَنَّكُمْ رَفَضْتُمْ هذَا الْقَوْلَ وَتَوَكَّلْتُمْ عَلَى الظُّلْمِ وَالاعْوِجَاجِ وَاسْتَنَدْتُمْ عَلَيْهِمَا ، لِذلِكَ يَكُونُ لَكُمْ هذَا الإِثْمُ كَصَدْعٍ مُنْقَضٍّ نَاتِئٍ فِي جِدَارٍ مُرْتَفِعٍ، يَأْتِي هدُّهُ بَغْتَةً فِي لَحْظَةٍ﴾ " اشعيا عليه الصلاة والسلام "انظروا كل شيء من أمره تعالى هذا مدون لديهم ، رهب الجلوس مقتلة رابعة ، وها هم يفضحهم تعالى بنهي ذلك المصري عن رؤاه في تعيين التابوت ، لا يريدون ذلك السبيل ولا اعلانه وانكشافه ، لأن به القداسة ولعلمهم فيمن ستكون ، كرهوا ذلك وقيل بأن لهم سعيا حثيثا الآن ليستولوا على ذلك التابوت حتى يمكنهم برأيهم يطموا أمره ويخفوه عن العالم فلا يعلن فيه أمره ، هكذا يمنون أنفسهم واشعيا النبي فضحهم من قبل بأنهم سيسعون لعزل تلك المقدسات . وهذا النبي ارميا عليه الصلاة والسلام ينبئهم بما سيكون ويؤمر بأن يكتب ذلك في سفر ، فيقول :﴿ هكَذَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ قَائِلاً : اكْتُبْ كُلَّ الْكَلاَمِ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ إِلَيْكَ فِي سِفْرٍ ، لأَنَّهُ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي ، يَقُولُ الرَّبُّ ، وَأَرُدُّ سَبْيَ شَعْبِي ، يَقُولُ الرَّبُّ ، وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُ آبَاءَهُمْ إِيَّاهَا فَيَمْتَلِكُونَهَا ﴾ .ثم يختم سفره ذاك بالنص على أن ذلك مما سيحدث آخر الأيام فيقول : ﴿ لاَ يَرْتَدُّ حُمُوُّ غَضَبِ الرَّبِّ حَتَّى يَفْعَلَ ، وَحَتَّى يُقِيمَ مَقَاصِدَ قَلْبِهِ ، فِي آخِرِ الأَيَّامِ تَفْهَمُونَهَا ﴾ . ويقول اشعيا النبي متحديا أن ينظروا وقتها في الأسفار وسيجدون كل ذلك مدونا لا يفقد منه شيء : ﴿ فتشوا في سفر الرب واقراوا واحدة من هذه لا تفقد ، لا يغادر شيء صاحبه ، لأن فمه هو قد أمر ، وروحه هو جمعها ﴾ . وها هو النبي إرميا يجمع خبر كل تلك الزبالات ويخبر أنها سترجم بعضها على بعض ثم تطرح بعيدا للعنة وسوء العذاب والعقاب فيقول : ﴿ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ الرَّبُّ وَأُعَاقِبُ كُلَّ مَخْتُونٍ وَأَغْلَفَ ، مِصْرَ وَيَهُوذَا وَأَدُومَ وَبَنِي عَمُّونَ وَمُوآبَ ، وَكُلَّ مَقْصُوصِي الشَّعْرِ مُسْتَدِيرًا السَّاكِنِينَ فِي الْبَرِّيَّةِ ، لأَنَّ كُلَّ الأُمَمِ غُلْفٌ ، وَكُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ غُلْفُ الْقُلُوبِ ﴾ . كل شيء مدون في أخبارهم هناك وسيجدون تلك الأسفار محفوظة بتابوت الشهادة ، لتمام الشهادة عليهم ، هكذا قدر تعالى وهكذا دبر ، سبحان المحيط بهم ، سبحان عالم الغيب والشهادة . وسأعطيكم لمحة هنا سريعة عن كيف يواطئ الأنبياء قول بعضهم البعض لبيان مقصد واحد ، وهو التعريف بنهاية هؤلاء المعاصرين لنا من الأشرار . فما معنى قصة الشعر تلك التي ذكر النبي ارميا عليه الصلاة والسلام في صفة أولئك ؟ ومن المؤكد أنها صفة تعرف بهم ، ولفهم ما يعنيه النبي ارميا عليه الصلاة والسلام وادراك أنه يصفهم هنا بصفة خاصة لا تعرف ولا تنتشر إلا في الجيل المعنى بتلك اللعنات والذي قبله ، فلم يعرف قص الشعر والتمثيل به كما في هذا الجيل والذي سبقه وقبل الناس يطيلون شعورهم عادة فيهم ، ولا يعرفون هذا القص والتمثيل بشعر الرأس ولا اللحية ، وأخطر ما في الأمر هنا بالنسبة للمسلمين أنهم لا يعلمون ويدركون أن الشرك الأكبر داخلهم من خلال ازالة الشعر وهم لا يعلمون وعليه كان قال صلى الله عليه وسلم ما معناه : الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل .  ويعني الأكبر لا كما فهم الجهال الشرك هنا على أنه الشرك الأصغر ولهذا دب فيهم دبيب النمل ، بل يعني الشرك الأكبر بقوله هذا ، وهو ما أخذ يفعله طواغيت العصر باتخاذهم تلك الأوثان الأعلام الرمزية كل على نظام دولته (5) ، فيعبـــــــدون الناس لتلك الأوثان التي ترمز لدولهم ، يقفون لها صغارا وكبارا ، عسكرا ومدنيون ، كما يقف الناس لرب العالمين في الصلوات ، وتلك عبادتهم لتلك الأوثان التي أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن نساءهم ستلتف عليها للعبادة ، وبالفعل التفوا عليها صغارا وكبارا ، رجالا ونساء ، عسكر ومدنيين ، بالمدارس المدنية والعسكرية ، وبتراتيب معينة يتخرج بها عساكرهم ، يتسلمون تلك الرايات بكل تبجيل ، يضعونها بين أيدي الجدد يسلمونها للأقدم ، بطقوس يتبعون بها عباد الصلبان والمشركين من الوثنين ، مشهورة معلومة في عالمنا اليوم . ولتلك الرايات شرعوا قوانين يضعون من خلالها شعورهم خصوصا بالدورات العسكرية ، وتلك عبادة لا تجوز إلا لله تعالى بالنسك المتعلقة بالبيت الحرام ، ومن صرفها لغير الله تعالى فقد كفر وأشرك .   محلات حلاقة الشعر باتت كثر التراب ، وتنوع التمثيل بالشعر لا يحصى ، وكثر الخبراء على ضلالتهم تلك ، من تركيا ولبنان والباكستانيون باتوا موضة قديمة ، هذا فيما يخص الرجال ، أما النساء فحدث ولا حرج ، ولو أن مقصودنا جنس الرجال هنا ، إلا أنهن لهن نصيب من الضلال واللعن هنا ، إذ امتهن اكثرهن التشبه بالرجال من خلال بعض قصات التمثيل بالشعر ، والبعض منهن تبدي شعرها المتمايل كما وصف المصطفى صلى الله عليه وسلم : كأنهن أسنمة بخت مائلة . تراهن بالأسواق وبكل مكان ، ملعونات على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، بل أمر بإبلاغهن : أنهن لا تقبل لهن صلاة . هذا إذا كن يصلين . والتمثيل بالشعر بالنسبة للرجال وقصه كما وصف النبي هنا ارميا عليه الصلاة والسلام ، هي أخص صفة للخوارج الذين أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أنهم يخرجون آخر الزمان ، وقد غلط الجميع في فهم ذلك على أنها صفة مخصوصة بالمتنطعين في الدين ، والصحيح أنها صفة لأغلب البشر اليوم ، متدينوهم وغيرهم ، فكل من مثل بشعره وقصه من غير العمل المشروع المرخص به ، فهو يحمل صفة الخوارج وحين يلبسون الثياب البيضاء مع ذلك فهنا انطبقت عليهم صفة الخوارج على الحق آخر الزمان تماما ، وهي الثياب التي يشتهر بارتدائها شعوب الجزيرة والخليج على الخصوص ، ما يدل على أنهم هم المقصودين خصوصا من بين الناس ، لأنه حين أخبر عن خروجهم بسبب اعتراض ذلك المتنطع على قسمته فقال صلى الله عليه وسلم أن من ضئضئه سيخرج الخوارج آخر الزمان ، وكان من وصف أصحاب النبي لذلك الرجل أنه مطموم الشعر ويلبس البياض ، ومعنى مطموم الشعر محلوقه ، كما هي صفتهم اليوم بحسب ما أخبر النبي إرميا عليه الصلاة والسلام ، وأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم في صفة الخوارج يحلقون الرؤوس ويلبسون الثياب البيضاء وهو الزي المشهور فيه أهل الخليج ومدن وقرى جزيرة العرب . ولما يكون أحدهم بتلك الصفات متدينا ، فالطامة هنا كبرى وقد التبس بصفاتهم التي ذكر الأنبياء على التمام إلا ما شاء ربكم وقليل ما هم . وحين يكون من محاربي الحق ودعوة الحق المهدية اليوم ، فهؤلاء هم من قال فيهم على الخصوص دون العموم المشار إليه : لأن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد . والخبر مشهور في ذكر الخوارج ، وتعد كلمته تلك فيهم وهو مخبر أنهم يخرجون آخر الزمان ، من التلميحات إلى عودته آخر الزمان ، لأن احتمال إدراكه لهم لا يمكن إلا برجعته ليصح يدرك منهم بعضهم فيقتلهم قتل عاد . وفي الصحيحين ذكر عن علي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما من أخص صفاتهم ، حداثة أسنانهم ، وسفه أحلامهم ، وأنهم يخرجون آخر الزمان ، وما أكثرهم اليوم بتلك الصفات ممن التبس بالدين والدين منهم بريئ ، ويلعنهم الأنبياء وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، فسبحان من يضل ويهدي الفعال لما يشاء ، ولو كانت سرائرهم سليمة مع الله تعالى ودينه لسلمهم من تلك الشرور وذلك النفاق ، لكنهم ساءت دواخلهم ، فبان على ظواهرهم كل تلك العيوب . على العموم وصف أولئك بالخوارج هو وصف عام يدخل به كل هؤلاء ممن اتبع تلك الطواغيت وخنع لتلك الأوثان الملونة البهية بعيونهم الملعونة بعين الله عز وجل ، مرقوا بذلك من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ونحن حقا نرى ذلك اليوم وقد اتبعوا تلك الطواغيت شعوبا وقبائل ، ولحقوا بهم وهم بدورهم لحقوا بالغرب الكافر ، ردتهم العامة سافرة ونواقض الإسلام فيهم لا تحصى كثرة ، حتى كما قلت دب فيهم الشرك الأكبر دبيب النمل ، كثرة وخفاء ، يحرمون الحلال ويحلون المحارم ، فخرجوا من الدين أفواجا أفواجا ، ولن يعودوا له وبهم ذلك القص للشعر الذي في حينه تكون حلت بهم لعنة الله عز وجل وسيطردون من رحمته وصحبته وجواره ، بحسب كلام الله تعالى ورسله . ولما كانت تلك الصفة علامة لأهل اللعنة أجيال الأشرار نزل النهي عن فعلهم قص الشعر بالتوراة شريعة موسى فقال هناك : ﴿ لا تحلقوا رؤوسكم حلقا مستديرا ولا تقلم جانبي لحيتك ﴾ " اللاويين "  ومن شديد ضلال المطاوعة فيهم نجد أكثرهم يحلقون رؤوسهم ويقلمون جوانب لحاهم ، ومن تمدن منهم زيادة حلق شاربيه زيادة على ذلك وقد روي عن حلق الشوارب أنها أيضا صفة للخوارج ، روي ذلك عن عائشة رضي الله تعالى عنه قالت : ما يمنعني ما بيني وبين علي أن أقول الحق : سمعت النبي يقول : تفترق أمتي على فرقتين تمرق بينهما فرقة محلقون رؤوسهم يحفون شواربهم . " فوائد ابن مندة 1/129 " عن محمد بن هلال : أنه رأى سعيد بن المسيب وعمر بن عبدالعزيز والقاسم بن محمد وسالما وعروة بن الزبير وجعفر بن الزبير وأبا بكر بن عبدالرحمان وعبيد الله بن عبدالله لا يأخذون شواربهم جدا ، يأخذون منها أخذا حسنا . " معجم شيوخ ابن الاعرابي 134 "

 

وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم في الشارب أن يحف كما في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما واختلف عليه في لفظه فقيل : ( احفوا ) وقيل : ( أنهكوا الشوارب ) ، وفي صحيح مسلم رحمه الله تعالي في سنن الفطرة ، ومنها : ( وقصّ الشّارب ) ، وفي مسلم وابن مندة لما رد على المجوسي الحالق لحيته والمطيل شاربه قال : في ديننا نجز الشوارب ونعفي اللحية . وفي رواية : قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم خالفوا أهل الكتاب .وهذا الراجح فلم يوصف النبي صلى الله عليه وسلم بحلق الشارب قط ، بل روي عنه أنه كان يقصه على السواك وهذا مناف للحف والذي معناه الإزالة فلم يكن عليه الصلاة والسلام يزيل شعر الشارب بل كان يقصره ، خلاف شعر اللحية التي أمر بتوفيره وإعفائه . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يخرج ناس من قبل المشرق ويقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه . قيل ما سيماهم ؟ قال : سيماهم التحليق أو قال التسبيد . وفي رواية قيل : يا رسول الله ألهم آية - أو علامة - يعرفون بها ؟ قال : نعم التسبيد فيهم فاش . " غريب الحديث لابن سلام 1/267 " وفي رواية عن أنس عند أبي داود قال : سيماهم التحليق والتسبيد ، فإذا رأيتموهم فأنيموهم . قال أبو داود : التسبيد استئصال الشعر . وقال عبدالرزاق : قلت لإبن جريج : ما التسبيد ؟ فقال : هو الرجل يغتسل ثم يغطي رأسه فيلصق شعره بعضه ببعض . " مصنف عبدالرزاق 5/37 " وهذا عين ما يفعله أولئك اليوم في صالونات الحلاقة ، يقصون شعورهم ويلطخونها بانواع الكريمات ليلمع ما تبقى من شعرهم يبتغون التزين واللماعات كالنساء ، فيلتصق شعرهم كما وصف ابن جريج ، فيكون مستدير الهيئة . وفي الحديث : يتيه قوم من المشرق محلقة رؤسهم . " مسند ابن أبي شيبة 1/66 " وكان أبو عوانة يقول : لا يحلق قفاه إلا مخنث . وقال عمر رضي الله عنه : نهى رسول الله عن حلق القفا إلا للحجامة . وفي الحديث : لا توضع النواصي إلا في حج أو عمرة . وفي رواية : لا توضع الا لله في حج أو عمرة . " ابن الجعد 253 "وعند قرب نهاية تقرير تفاصيل هذه المقدمة أقول : حقا يكاد المريب أن يقول خذوني . لقد جحدوا ذلك التعيين من خلال تابوت الله للسبب الذي بينت ، بل إنهم نصوا بنقولاتهم وزادوا على جحدهم له ، أن تنقصوا من اختاره الله تعالى من خلال تلك الوسيلة  وعينه بذلك كما ذكرت قبل ، زادوا أنهم كانوا لم يتعهدوا التابوت ولم يقوموا بالواجبات تجاهه في عهد شاول بالذات ، عيبا في حقه وتنقصا له وما ذلك إلا لأن الله تعالى عينه من خلال ذلك التابوت ، فقالوا : ( فَنُرْجعَ تَابُوتَ إِلهِنَا إِلَيْنَا لأَنَّنَا لَمْ نَسْأَلْ بِهِ فِي أَيَّامِ شَاوُلَ ) " أخبار الأيام الأول "         يعني جحدوا ذكر تعيينه من خلال ذلك وزادوا بجحدهم التأكيد أنه بعهده فيهم لم يسأل عنه ويهتم لأمره ، هكذا يكاد المريب أن يقول خذوني ، ويكفي لأهمية هذا الأمر أن الله تعالى نص عليه بكتابه وأظهره للخلق يتلى لقيام الساعة ، فلن يفيد اليهود طمسهم وجحدهم للحق لإرتباطه بوجه ما في هذه الأمة ، لأن الله تعالى بينه وسيجري نظيره : ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ، وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ .  قدس الله وقدس الكذابين اليهود والمسلمين (6) : سميت بقدس الكذب تلك المدينة العريقة قالوا وتعد أقدم مدن العالم ، ومـا ذلك إلا لقدسية نالتها بحلول ذلك التابوت قدس الرب عز وجل ، ومع تجوزنا لصحة تعيينها بذلك بعصرنا الحديث ، أعني جغرافيا لا معنويا ، وإلا هي ادعت بقداسة كاذبة بل هي أكبر كذبة بتأريخ المسلمين واليهود من قبلهم ، نالت القداسة قبل بحلول تابوت اللـــه تعالى ثم زالت عنها تلك القداسة بزواله عنها بحجبه عنهم ، أين ما يكون تعيينها على الصحيح ، نالت تلك القداسة بذلك التابوت قدس الله تعالى بل هو قدس الأقداس ، وزالت عنها بزواله عنها ، ذلك التابوت وقدس الأقداس الذي عده تعالى مثالا عن وجهه ومحل كرسيه ، وأين ما يكون تكون القداسة ويكون كرسي الرب عز وجل ، فإن حل بمحراب كانت القدس هناك ، وإن حل فوق جبل كان القدس هناك كما سيحصل آخرا مع جبل الرب في طيبة دار السلام ، ويكون هناك قدس الرب ووجهه ومحل سكناه ، تبارك الله رب العالمين ، وإنما القداسة نالها التابوت من حلول الغمام فوقه ونزول الملائكة هناك ، ليكلم الرب تعالى من يشاء من عباده : فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ : ﴿ لاَ تَخَافُوا ، لأَنَّ اللهَ إِنَّمَا جَاءَ لِكَيْ يَمْتَحِنَكُمْ ، وَلِكَيْ تَكُونَ مَخَافَتُهُ أَمَامَ وُجُوهِكُمْ حَتَّى لاَ تُخْطِئُوا . فَوَقَفَ الشَّعْبُ مِنْ بَعِيدٍ ، وَأَمَّا مُوسَى فَاقْتَرَبَ إِلَى الضَّبَابِ حَيْثُ كَانَ اللهُ ﴾ . وهذا المعنى مما أكد عليه في انجيل المسيح الصحيح عليه الصلاة والسلام : ( إنك لفي ضلال يا متى ولقد ضل كثيرون هكذا إذ لم يفقهوا معنى الكلام ، لأنه لا يجب على الإنسان أن يلاحظ ظاهر الكلام بل معناه ، إذ الكلام البشري بمثابة ترجمان بيننا وبين الله ، ألا تعلم أنه لما أراد الله أن يكلم أباءنا على جبل سينا صرخ أباؤنا : كلمنا أنت يا موسى ولا يكلمنا الله لئلا نموت ) . أقول : الكذبة هم الذين أثبتوا القداسة لتلك المدينة أبدا وهذا خلاف ما شرع الله عز وجل ، إنما تشرع القداسة للمحل بحلول التابوت فيه كالمسجد الذى بناه النبي سليمان عليه الصلاة والسلام ويسمونه هيكل سليمان ، وحين زالت تلك القداسة سلط على ذلك المسجد التدمير والهدم والحرق ، وحين عادوا أنشأوا تلك القداسة المزعومة الكذابة ، عاد المسيح فقرر لهم أنها أكبر كذبة وأنهم وقداستهم مستحقون للعن وأنه سيهدم ثانية ، وبالفعل تحققت نبوءته فيهم بعد سبعين سنة ، فهدم الهيكل المزعوم له القداسة هدما ، وتفرقوا عنه شذرا ، حتى عادوا فلم يباليهم الله تعالى باله ، وتركهم لكذبهم لحين يكشفه نهائيا ويمحق الله الكافرين : ﴿ لو لم يفسد كتاب موسى مع كتاب أبينا داود بالتقاليد البشرية للفريسيين الكذبة والفقهاء لما أعطاني الله كلمته ، ولكن لماذا أتكلم عن كتاب موسى وكتاب داود ، فقد فسدت كل نبوءة حتى أنه لا يطلب اليوم شيء لأن الله أمر به ، بل ينظر الناس إذا كان الفقهاء يقولون به والفريسيون يحفظونه ، كأن الله على ضلال والبشر لا يضلون .فويل لهذا الجيل الكافر لأنهم سيحملون تبعة دم كل نبي وصديق مع دم زكريا بن برخيا الذي قتلوه بين الهيكل والمذبح . أي نبي لم يضطهدوه ، أي صديق تركوه يموت حتف أنفه ، لم يكادوا يتركوا واحدا !! ، وهم يطلبون الآن أن يقتلوني يفاخرون بأنهم أبناء ابراهيم وأن لهم الهيكل ملكا !!لعمر الله إنهم أولاد الشيطان فلذلك ينفذون ارادته ولذلك سيتهدم الهيكل مع المدينة المقدسة تهدما لا يبقى معه حجر على حجر من الهيكل ﴾" فصل 189 "  ﴿ كيف صارت القرية الامينة زانية ! ، ملآنة حقا ؟!! . كان العدل يبيت فيها، واما الآن فالقاتلون﴾ " اشعيا "وهذا نبي الله تعالى ارميا عليه الصلاة والسلام من أنبأهم بلعنة الله تعالى التي ستحل على هيكلهم فقال فيه عن الله تعالى :﴿ لذلك ها أنذا انساكم نسيانا ، وارفضكم من أمام وجهي ، انتم والمدينة التي اعطيتكم وآباءكم اياها ، لأن هذه المدينة قد صارت لي لغضبي ولغيظي من اليوم الذي فيه بنوها الى هذا اليوم ، لأنزعها من أمام وجهي ﴾ . وكانوا أخبروا عن هذا القضاء من قبل على لسان نبيه موسى صلوات ربي وسلامه عليه فقال : ﴿ أَحْجُبُ وَجْهِي عَنْهُمْ ، وَأَنْظُرُ مَاذَا تَكُونُ آخِرَتُهُمْ ، إِنَّهُمْ جِيلٌ مُتَقَلِّبٌ ، أَوْلاَدٌ لاَ أَمَانَةَ فِيهِمْ ﴾ . وغير ذلك في معناه مما سيخصص له تفصيلا في الفصل الخامس من كتاب " التابوت والعصا " ، فلم الكذب ؟  ولم أنجرت وراء كذبهم هذا الأمة الغبية ؟! وكما قال المسيح قبل عن مزاعمهم بالهيكل ، هم اليوم كذلك في دعوى ملكيتهم للهيكل وأرض الهيكل ليبنوه هناك مجددا ، وطاوعهم العالم كله على ذلك تقريبا ، إنما ينفذون بذلك إرادة الشيطان ، وهو قائدهم والمسول لهم قديما وحديثا ، وهو أبوهم وهم أبناءه البررة . أقول : إن نسبة الهيكل لذلك المكان ودعوى قدسيته ضرب من أباطيل اليهودية اليوم ، هي كذبة كبرى على الله تعالى والأنبياء ، وقالوا هيكل سليمان صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو هيكل الله تعالى ذلك التابوت وتلك المجسمات بالأجنحة - يسمونها الكروب أو الكروبيم - وتلك الأغطية ، فأين ما حلت تلك المقدسات كان هناك الهيكل بتلك المجسمات والتابوت ، وعليها يحل الرب ويغشاها الغمام لحضور الرب عز وجل وملائكته ، ولا هيكل ولا مقدس بغير ذلك ، ومن قال بالقداسة لأي مكان في شرعة اليهود السابقة لغير هذا فهو كذاب ، ولو كانت القداسة بذلك لا زالت في فلسطين أو بأي مكان لنكشف الأمر وبانت الحقيقة ، لكن هيهات وقد علمتم ما يلزم على ذلك كما حصل مع الفلسطينيين الوثنيين في القديم لما احتفظوا بتابوت الشهادة ماذا حصل معهم وانتشر وظهر أمره وإلا النية كانت ابقائه هناك طي الكتمان حتى يندرس ذكره ، لكن الله تعالى لم يمكنهم من ذلك ، وهنا يجدر العود للتأكيد مجددا على ما يلي : التابوت المقدس ما كان يحفظ فيهم إلا بما كان يسمى قدس الأقداس ، وسأشرح سبب حمل الملائكة له :الأمر الأول : حرمة مسه في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام ، وحين يمسه أحد يهلكه الله عز وجل كما حصل لعُزَّةُ ابْن أَبِينَادَابَ ومر ذكر ذلك . وكما حصل لإبني هارون عليه الصلاة والسلام نَادَابُ وَأَبِيهُو حين دخلوا لقدس الأقداس وعبثوا هناك بمناسكه فأهلكهم الله تعالى من فورهم : ﴿ مِجْمَرَتَهُ وَجَعَلاَ فِيهِمَا نَارًا وَوَضَعَا عَلَيْهَا بَخُورًا ، وَقَرَّبَا أَمَامَ الرَّبِّ نَارًا غَرِيبَةً لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِهَا ، فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ وَأَكَلَتْهُمَا ، فَمَاتَا أَمَامَ الرَّبِّ ، فَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «هذَا مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ قَائِلاً: فِي الْقَرِيبِينَ مِنِّي أَتَقَدَّسُ، وَأَمَامَ جَمِيعِ الشَّعْبِ أَتَمَجَّدُ». فَصَمَتَ هَارُونُ ﴾ " اللاويين " ولا يجوز يقربه بقدس الأقداس للضرورة إلا من أقره الله تعالى كاهنا لخدمة تلك المقدسات وفق شروط مقررة بالشريعة مثل المنع من دخول الكاهن وقد شرب خمرا فيهلكه الله تعالى من فوره لو فعل ذلك ، أو أن يخرج من مكان قدس الأقداس أثناء وقت الخدمة وعليه ثياب التقديس الممسوحة بدهن القداسة ، فيهلكه من فوره إذا لم ينزع تلك الثياب عنه . ولكل تلك الاعتبارات كان حمل الملائكة له المذكور وسيكون مثل ذلك على هذا الأساس ، استحالة مسه أو النظر إليه أو الإحتفاظ به دون تلك الفروض والواجبات ، لهذا حملته الملائكة قديما وستحمله آخر الزمان دون الناس لتلك الحقائق ، فهي من يقربه دون الناس إن لم يكن هناك كهنة تقوم بخدمته المفروضة ، ولا كهنة له آخر الزمان يقومون بخدمته ما قبل اظهاره وعليه يقينا من يقربه من غير الملائكة ومن غير أن يكون كاهنا مرتبا من الله عز وجل لخدمته سيهلك وينزل به ضرر عظيم ، كما حصل مع الفلسطينيين على ما مر معنا تفصيل ذلك قبل ومع ابني هارون وغزة ، وعليه لن يؤتى به آخر الزمان إلا محمولا من الملائكة كما المرة الأولى ، وإلا من سيمسه من البشر أو الجان ليأتي به ويوصل لتلك العصا ؟! الأمر الثاني : صمت مطبق عن ذكره بعد تدمير الهيكل في بني إسرائيل (7) ، ويقينا لم يحصل عليه نبوخذ نصر ، لأن لو كان ذلك لإشتهر أمره ولأتلفهم الله تعالى جراء ذلك كما حصل مع الفلسطينيين لما سلبوه من اليهود ، فضربهم الله عز وجل بالآفات حتى ارجعوه لهم .        ولا يمكن افتراض تحفظ بني إسرائيل عليه لحرمة مسه في الشريعة وهم يعلمون ذلك جيدا ، فكيف التعامل معه مع هذه الحال والحكم ، هذا وجهه . والوجه الآخر سلب الله تعالى منهم القداسة فلا يمكن يبقى بينهم على ذلك . الحاصل لو أنه لا زال فيهم من ذاك الوقت لما وسعهم كتمان خبره لا من الخاصة ولا الجمهور ، فيقينا أن الله تعالى ذهب به تحمله الملائكة عنهم لما قدر عليهم ما قدر من تدمير ونفي وخزي حسب القضاء الأول ، وهم من خزي لخزي أكبر منه ولا شك . ولا يبقى إلا تقرير الحق الذي سطر هنا ، أنه عند الله عز وجل وسيأتي به للمهدي اثباتا لملكه أنه من الله عز وجل وبعثه أنه من الله عز وجل ، فيجعل ذلك التابوت وتلك العصا شهادة على ذلك ، ولهذا لن يسع أي أحد رد ذلك لا من يهود ولا نصارى ولا مسلمين ولا حتى أهل الأوثان ، فالكل سيسلم ويصمت صمت الحجر حينئذ وستتزلزل الأرض من قدامه تبــــــــارك وتعالى حينيجلس على قدسه ويتقدس بذلك : ﴿ اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ تَرْتَعِدُ الشُّعُوبُ هُوَ جَالِسٌ عَلَى الْكَرُوبِيمِ تَتَزَلْزَلُ الأَرْضُ الرَّبُّ عَظِيمٌ فِي المدينة ، وَعَال هُوَ عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ . يَحْمَدُونَ اسْمَكَ الْعَظِيمَ وَالْمَهُوبَ ، قُدُّوسٌ هُوَ ، عَلُّوا الرَّبَّ إِلهَنَا ، وَاسْجُدُوا عِنْدَ مَوْطِئِ قَدَمَيْهِ .. دَعَوْا الرَّبَّ وَهُوَ اسْتَجَابَ لَهُمْ ، بِعَمُودِ السَّحَابِ كَلَّمَهُمْ حَفِظُوا شَهَادَاتِهِ وَالْفَرِيضَةَ الَّتِي أَعْطَاهُمْ .أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا ، أَنْتَ اسْتَجَبْتَ لَهُمْ، إِلهًا غَفُورًا كُنْتَ لَهُمْ ، وَمُنْتَقِمًا عَلَى أَفْعَالِهِمْ ، عَلُّوا الرَّبَّ إِلهَنَا ، وَاسْجُدُوا فِي جَبَلِ قُدْسِهِ ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَنَا قُدُّوسٌ ﴾ " الزبور "   ﴿ طَأْطَأَ السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ ، وَضَبَابٌ تَحْتَ رِجْلَيْهِ ، رَكِبَ عَلَى كَرُوبٍ وَطَارَ ، وَهَفَّ عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيَاحِ ، جَعَلَ الظُّلْمَةَ سِتْرَهُ حَوْلَهُ ، مِظَلَّتَهُ ضَبَابَ الْمِيَاهِ وَظَلاَمَ الْغَمَامِ ﴾ , ﴿ يَسْقُطُونَ وَيَهْلِكُونَ مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ ، لأَنَّكَ أَقَمْتَ حَقِّي وَدَعْوَايَ ، جَلَسْتَ عَلَى الْكُرْسِيِّ قَاضِيًا عَادِلاً ، انْتَهَرْتَ الأُمَمَ أَهْلَكْتَ الشِّرِّيرَ ... أَمَّا الرَّبُّ فَإِلَى الدَّهْرِ يَجْلِسُ ثَبَّتَ لِلْقَضَاءِ كُرْسِيَّهُ ﴾ " الزبور " وسيأتي لاحقا إن شاء الله تعالى في الفصل الخامس التطرق لمعنى الكروب أو الكروبيم وما علاقة ذلك بتابوت الشهادة أو قدس الأقداس ، وما معنى أنه كرسي الله عز وجل أو مثالا عن وجهه . ومن العجب في شأن التابوت أن قدر الله تعالى على من سلب منهم تلك القداسة ونجسها أعني جيش العراق الأول زمان نبوخذ نصر ، أن يقدر على جيش العراق نظيره أن يدمر لما يحين وقت رجعة القداسة ببعث المهدي والتمكين له ، لهذا عليكم تدركوا الحكمة من ارتباط تدمير جيش العراق من بعد غزوه محل سكنى المهدي ، أن بذلك ارتباطا قدريا ربانيا ، والله يحب أن يبدئ ويعيد هكذا هي سنة من سننه تبارك وتعالى ، اقداره بانتظام وأعماله مرتبة مقدرة مكتوبة غالبا على المماثلة والمشاكلة , ومن ذلك أمره صنع التابوت من أعواد شجر مرج كاظمة محل سكنى المهدي ، ليكون قدرا لموسى ثم للمهدي ، ومثل ذلك تحطيم الهيكل المقدس قبل بجيش عراقي ثم يكون جيش عراقي ثان يثير علامات الخلاص الثاني وابتداء تحقق تأويل المقدس الثاني على يدي نظير الجيش الذي على يديه حطم المقدس الأول . وقد فصل أحد الأنبياء عن ذلك تفصيلا عجيبا شبه صريح مع ما أجرى ربنا تعالى من تقدير على جيش العراق مؤخرا ، وهو إرميا عليه الصلاة والسلام ، فقال : ﴿ لِذلِكَ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي وَأُعَاقِبُ مَنْحُوتَاتِ بَابِلَ ، فَتَخْزَى كُلُّ أَرْضِهَا وَتَسْقُطُ كُلُّ قَتْلاَهَا فِي وَسْطِهَا ، فَتَهْتِفُ عَلَى بَابِلَ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَكُلُّ مَا فِيهَا ، لأَنَّ النَّاهِبِينَ يَأْتُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشِّمَالِ ، يَقُولُ الرَّبُّ ، كَمَا أَسْقَطَتْ بَابِلُ قَتْلَى إِسْرَائِيلَ ، تَسْقُطُ أَيْضًا قَتْلَى بَابِلَ فِي كُلِّ الأَرْضِ ﴾ , ﴿ وَيَسْقُطُ أَشُّورُ بِسَيْفِ غَيْرِ رَجُل ، وَسَيْفُ غَيْرِ إِنْسَانٍ يَأْكُلُهُ ، فَيَهْرُبُ مِنْ أَمَامِ السَّيْفِ ، وَيَكُونُ مُخْتَارُوهُ تَحْتَ الْجِزْيَةِ ، وَصَخْرُهُ مِنَ الْخَوْفِ يَزُولُ ، وَمِنَ الرَّايَةِ يَرْتَعِبُ رُؤَسَاؤُهُ ، يَقُولُ الرَّبُّ الَّذِي لَهُ نَارٌ وَلَهُ تَنُّورٌ فِي أُورُشَلِيم ﴾ " اشعيا " ذكر نار المدينة وتنورها لتعيين تلك الأحداث أنها ستكون آخر الزمان حين بعث المهدي والتمهيد لتمكينه في الأرض ، وأن الجيش الذي سلب بني إسرائيل تلك القداسة ، آخرهم سيدمر تمهيدا لرجعة القداسة الربانية لأهلها في النهاية . ويقول في وصف هروب جيش صدام من أمام جيوش التحالف بقيادة الولايات المتحدة ما يلي : ( وَتُوَلِّي جُيُوشُ بَابِلَ الأَدْبَارَ حَتَّى يَنْهَكَهَا التَّعَبُ ، عَائِدِينَ إِلَى أَرْضِهِمْ كَأَنَّهُمْ غَزَالٌ مُطَارَدٌ أَوْ غَنَمٌ لاَ رَاعِيَ لَهَا ، كُلُّ مَنْ يُؤْسَرُ يُطْعَنُ ، وَمَنْ يُقْبَضُ عَلَيْهِ يُصْرَعُ بِالسَّيْفِ ، وَيُمَزَّقُ أَطْفَالُهُمْ عَلَى مَرْأى مِنْهُمْ ، وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ ، وَتُغْتَصَبُ نِسَاؤُهُمْ ﴾ . فما أشد انطباق هذا الوصف على ما جرى عليهم ، حقا فروا ودمروا ورجعت بقيتهم لديارهم ، وعثت ببقيتهم بنات آوى والذئاب أذناب المجوس ، ولا زالت تجري على بقيتهم الويلات والمحن ليومنا هذا . ويقول باروك بن نيريا في ذلك : ﴿ ويل للمدن التي استعبدت بنيك ويل للتي أخذت أولادك ، فإنها كما شمتت بسقوطك وفرحت بخرابك ، كذلك ستكتئب عند دمارها ، وأبطل مفاخرتها بكثرة سكانها وأحول مرحها إلى نوح ، لأن نارا تنزل عليها من عند الأزلي إلى أيام كثيرة وتسكنها الشياطين طول الزمان ﴾ اهـ ( النقل من كتاب طي السماء بتصرف )ونعود لإشعيا النبي صلى الله عليه وسلم ليحد لنا علامة بالتعيين على ذلك التأويل لا يخطئها من آتاه الله تعالى بصيرة فآمن بأخبار الله تعالى الصادقة ، ألا وهي الدخان ، مع تصريحه بأن ما تم على بابل إنما هو انتقام من الله عز وجل جراء ما وقع من أسلافهم حين دمروا مقر هيكل الله تعالى وقدس أقداسه ، فقال :﴿ اهْرُبُوا مِنْ وَسَطِ بَابِلَ وَلْيَنْجُ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَيَاتِهِ ، لاَ تَبِيدُوا مِنْ جَرَّاءِ إِثْمِهَا ، لأَنَّ هَذَا هُوَ وَقْتُ انْتِقَامِ الرَّبِّ ، وَمَوْعِدُ مُجَازَاتِهَا ، كَانَتْ بَابِلُ كَأْسَ ذَهَبٍ فِي يَدِ اللهِ ، فَسَكِرَتِ الأَرْضُ قَاطِبَةً ، تَجَرَّعَتِ الأُمَمُ مِنْ خَمْرِهَا ، لِذَلِكَ جُنَّتِ الشُّعُوبُ ﴾ . وقد هوجمت وربي من كل جانب وحل جيشها ، وبالفعل جُنَت الشعوب والحكومات من فعل متغطرسها صدام حين مكر به واعدت لرجله الشبكة فسقط فيها المغفل ووقع المقدر المكتوب وبالتفصيل كما هو ظاهر . ﴿ اهْجُرُوهَا وَلْيَمْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا إِلَى أَرْضِهِ ، لأَنَّ قَضَاءَهَا قَدْ بَلَغَ عَنَانَ السَّمَاءِ ، وَتَصَاعَدَ حَتَّى ارْتَفَعَ إِلَى الْغُيُومِ ، قَدْ أَظْهَرَ الرَّبُّ بِرَّنَا ، فَتَعَالَوْا لِنُذِيعَ مَا صَنَعَهُ الرَّبُّ إِلَهُنَا ، إِذْ وَطَّدَ الْعَزْمَ عَلَى إِهْلاَكِ بَابِلَ ، لأَنَّ هَذَا هُوَ انْتِقَامُ الرَّبِّ ، وَالثَّأْرُ لِهَيْكَلِهِ ، انْصِبُوا رَايَةً عَلَى أَسْوَارِ بَابِلَ ، شَدِّدُوا الْحِرَاسَةَ ، أَقِيمُوا الأَرْصَادَ ، أَعِدُّوا الْكَمَائِنَ ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ خَطَّطَ وَأَنْجَزَ مَا قَضَى بِهِ عَلَى أَهْلِ بَابِلَ ، أَيَّتُهَا السَّاكِنَةُ إِلَى جُوَارِ الْمِيَاهِ الْغَزِيرَةِ ، ذَاتُ الْكُنُوزِ الْوَفِيرَةِ (8) ، إِنَّ نِهَايَتَكِ قَدْ أَزِفَتْ ، وَحَانَ مَوْعِدُ اقْتِلاَعِكِ .  قَدْ أَقْسَمَ الرَّبُّ الْقَدِيرُ بِذَاتِهِ قَائِلاً : لأَمْلأَنَّكِ أُنَاساً كَالْغَوْغَاءِ فَتَعْلُو جَلَبَتُهُمْ عَلَيْكِ ﴾ . (9) جعل ارتفاع الدخان لعنان السماء حتى بلغ الغيوم ، أبرز علامة على المقصود هنا وأن  ما قدر تعالى عليهم هم وسبب فتنتهم المدينة الغنية الساكنة بجانب المياه ، تلك التي بسببها تبلبلة الأمم والشعوب من شدة فتنها ، وعد ذلك ما هو إلا انتقاما منه لتدمير أسلافهم محل الهيكل المقدس من قبل ، وكان نص القرآن على أن الدخان ذاك من علامات بعث رسوله المهدي عليه الصلاة والسلام : ﴿ وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون . لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون , ﴿ قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً ، وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً .  من الموجودات مع التابوت :  سبق ذكر روايتهم كما في الملوك الأول عما كان في التابوت عند ادخال النبي سليمان عليه الصلاة والسلام له في المسجد : ( لَمْ يَكُنْ فِي التَّابُوتِ إِلاَّ لَوْحَا الْحَجَرِ اللَّذَان وَضَعَهُمَا مُوسَى هُنَاكَ فِي حُورِيبَ ) . ومعنى هذا الكلام إما بقاء العصا والتوراة والقسط من المن ، فيما بقي مع خيمة الإجتماع وتلك الستائر والألواح الخشبية المغلفة بالذهب ، أو أن الراوي هنا يدعي بما لم تره عيناه ، والعلم عند الله عز وجل . ومن المتيقن أن مع التابوت العصا ولوحي الشهادة ونسخة من التوراة ، وذلك المقدار من المن وهو الخبز السماوي الذي رزقهم الله تعالى طوال تلك السنين قبل ما يعبر من عبر منهم نهر الأردن .وهنا أذكر ما روي فيما كان مع التابوت : ﴿ خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب الهكم ، ليكون هناك شاهدا عليكم ﴾ " التثنية " ﴿ وتضع في التابوت الشهادة التي أعطيك﴾ " الخروج "

 

﴿ فاكتب على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الأولين اللذين كسرتهما ، وتضعهما في التابوت ﴾ " التثنية "   وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى : ﴿ رُدَّ عَصَا هَارُونَ إِلَى أَمَامِ الشَّهَادَةِ لأَجْلِ الْحِفْظِ ، عَلاَمَةً لِبَنِي التَّمَرُّدِ ، فَتَكُفَّ تَذَمُّرَاتُهُمْ عَنِّي لِكَيْ لاَ يَمُوتُوا ﴾" العدد "وَقَالَ مُوسَى : ﴿ هذَا هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ الرَّبُّ. مِلْءُ الْعُمِرِ مِنْهُ يَكُونُ لِلْحِفْظِ فِي أَجْيَالِكُمْ ، لِكَيْ يَرَوْا الْخُبْزَ الَّذِي أَطْعَمْتُكُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ حِينَ أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ .وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ : خُذْ قِسْطًا وَاحِدًا وَاجْعَلْ فِيهِ مِلْءَ الْعُمِرِ مَنًّا ، وَضَعْهُ أَمَامَ الرَّبِّ لِلْحِفْظِ فِي أَجْيَالِكُمْ .كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى وَضَعَهُ هَارُونُ أَمَامَ الشَّهَادَةِ لِلْحِفْظِ ﴾" الخروج " وكان الله تعالى كشف لنبيه موسى في الوقت الذي صعد للجبل ليكلمه الله عز وجل عن تفاصيل صنع تلك المقدسات ومعها التابوت ، أراه ذلك مثالا أمامه وأمره يصنع مثل ما أراه ، وهذا النص في ذلك : ﴿ فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِسًا لأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ بِحَسَبِ جَمِيعِ مَا أَنَا أُرِيكَ مِنْ مِثَالِ الْمَسْكَنِ ، وَمِثَالِ جَمِيعِ آنِيَتِهِ هكَذَا تَصْنَعُونَ .فَيَصْنَعُونَ تَابُوتًا مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ ، طُولُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ ، وَارْتِفَاعُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌوَتُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ خَارِجٍ تُغَشِّيهِ ، وَتَصْنَعُ عَلَيْهِ إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهِ.وَتَسْبِكُ لَهُ أَرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ ، وَتَجْعَلُهَا عَلَى قَوَائِمِهِ الأَرْبَعِ عَلَى جَانِبِهِ الْوَاحِدِ حَلْقَتَانِ ، وَعَلَى جَانِبِهِ الثَّانِي حَلْقَتَانِ.وَتَصْنَعُ عَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِذَهَبٍ .وَتُدْخِلُ الْعَصَوَيْنِ فِي الْحَلَقَاتِ عَلَى جَانِبَيِ التَّابُوتِ لِيُحْمَلَ التَّابُوتُ بِهِمَا .تَبْقَى الْعَصَوَانِ فِي حَلَقَاتِ التَّابُوتِ لاَ تُنْزَعَانِ مِنْهَا.وَتَضَعُ فِي التَّابُوتِ الشَّهَادَةَ الَّتِي أُعْطِيكَ. وَتَصْنَعُ غِطَاءً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ طُولُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفوَتَصْنَعُ كَرُوبَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ. صَنْعَةَ خِرَاطَةٍ تَصْنَعُهُمَا عَلَى طَرَفَيِ الْغِطَاءِوَتَجْعَلُ الْغِطَاءَ عَلَى التَّابُوتِ مِنْ فَوْقُ، وَفِي التَّابُوتِ تَضَعُ الشَّهَادَةَ الَّتِي أُعْطِيكَ. وَأَنَا أَجْتَمِعُ بِكَ هُنَاكَ وَأَتَكَلَّمُ مَعَكَ ، مِنْ عَلَى الْغِطَاءِ مِنْ بَيْنِ الْكَرُوبَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى تَابُوتِ الشَّهَادَةِ ، بِكُلِّ مَا أُوصِيكَ بِهِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ . 

 

الفصول

 

----------------------

(1) في الفصل السابع الأخير من هذا الكتاب يراجع هناك تفصيل كون ذلك ميقاتا للخلق .

(2) وشابهت حالهم مع خليفتهم الأول حال الأمة اليوم مع خليفة الله فيهم كما الأولين ، يتنقصون أمره ولا يستسيغون سماع أخباره بتاتا ، لا هو من سلالة حاكمة ليستحق الملك على قطر من أقطارهم التافهة ، فضلا عن أنه يدعي بالملك على الأمة كافة ، بل كل شعوب الأرض ، ثم من هو ليتحقق نصر الأمة على يديه ؟! وأيضا ليس هو من الأغنياء ليمكنه يملك ، فمن يرجو مثل هذا ؟!

إلى آخر تلك الدعاوى فضلا عن التكذيب وسائر التهم التي يكيلها أعداء أمر الله تعالى اليوم له ، مما لا يعد معه الحال في بني إسرائيل إلا سطرا من كتاب .

(3) نقل ذكر ذلك في الفصل الثاني : وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين .  

(4) يراجع لزيادة شرح في هذا الخصوص كتاب مجد طيبة الفصل السادس : المدينة المقدسة في النبوءات من منظور جغرافي . 

(5) هناك مقال طرح في منتديات موقعنا المبارك تطرق لبيان هذه المسألة تحت العنوان التالي : (أنظر من هنا الشرك الأكبر في بلاد آل طرطور) .

(6) سبق وطرح بموقعنا المبارك تحت العنوان التالي : قدس سليمان أكبر كذبة في الإسلام ... . التنبيه على أن هذا الإدعاء من الباطل وهنا أعيد التأكيد على ذلك والتنبيه عليه مجددا ، فإن من أعظم الفرى ما كان افتراء على غيب الله تعالى وشريعته .

(7) سيمر معنا في التمهيد والفصل الثاني نقل الكلام عن ارميا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أمر بإخفائه عن الناس لحين يقع تأويله آخر الزمان ، وعليه نرى عدم اعتراف أكثرهم بتلك النبوءة ، لأنهم يريدون اخفاء هذا الأمر عن الناس ليمنعوهم من اعتقاد رجعة الله تعالى به لأمة غيرهم ، بل سيكون ضدهم في ذلك ، فقررت شياطينهم اخفاء ذكر كل ذلك حتى ما يعلمه الناس ، ولعلهم يسعون الآن لبناء هيكلهم الكاذب مرة أخرى ، ثم يدبرون التابوت تأويلا وكذبا وما أكثر كذبهم على الله تعالى وعلى دينه ، ولن يهم حين ذاك تخلف الغمام ، أو عدم مجيء الرب ، فلكل أمر تأويل ولكل آية تفسير ، فهناك الحرفي وهناك المعنوي ، وهكذا باب التلبيسات والأكاذيب واسع ، لكن الله تعالى لن يمدهم إذا جاء أمره وقضى بالفصل ، حينها يظهر الحق ويضمحل الباطل وينقطع .

(8) صدر تقرير عن مجموعة بوسطن الاستشارية ، التقرير التالي :

ان الكويت شغلت المركز الثاني خليجيا والثالث عالميا في قائمة اكبر 15 دولة من حيث الثروات العائلية للمليونيرات ممن تبلغ ثرواتهم مليون دولار فأكثر وذلك بالنسبة لعدد السكان.

وقد بلغ عدد المليونيرات في الكويت 63 الف عائلة في 2012 بنسبة %11.5 أي ان نسبة كثافة عائلات المليونيرات 115 عائلة بين كل 1000 عائلة.

وتم حساب البيانات على أساس ان عدد السكان 2.9 مليون نسمة أي ان الأرقام بخصوص العائلات الثرية تشمل الوافدين والكويتيين.

واوضح التقرير ان من بين اغنى العائلات في الكويت عائلتي الغانم والخرافي.

(9) يراجع تفصيل أكثر حول دمار بابل وبيان معنى ذلك في الفصل الثالث من كتاب مجد طيبة دار السلام .