الفصل السابع

 

﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً

 

هو يوم يفصل الله تعالى ويفرق بين الحق والباطل ، بين الأخيار والأشرار ، فصلا أبديا لا يكون بعده اختلاط وتداخل والتباس أبدا ، فريق في الجنة وفريق في السعير ، أو مئاله للسعير والجحيم .

          

 وعده معلوم سبحانه لتقديره أنه سيخبر الناس عنه وعن علاماته بما سيوحي لهم من خلال الأنبياء والرسل ، وجعله موعدا للشيطان من الإبتداء ، بل نبأ ملائكته على ملأ منهم ومعهم الشيطان ومن اتبعه فقال تعالى : ( فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ، إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) . وذكره في قوله عز وجل كذلك : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) .

 

وكان معلوما لأولئك الملأ جميعهم ، حتى أقر الشيطان بأنه كان وعدا من الله تعالى بقوله : ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ) .

 

وهذا الفرقان ويوم الفصل ذكر صريحا بأنه ميقات في مواضع من القرآن محددة لمناسبات موافقة ذكرت بسياق آيات تلك السور مع تحقق ذلك التأويل ، منها سورة الدخان ومناسبة التوافق مع تحقق تأويل ذلك الفرقان ، أن بتلك السورة تفصيل أمر الدخان الذي سيكون العلامة الفارقة كذلك لتحقق بعث المهدي ومن الحتمي والمقدر بعثه وتمكينه في ذلك الوقت ليتحقق الفصل والفرقان بين الخلق ، وانبعاث ذلك الدخان ليدل عليه كما هو مفصل ببعض آيات تلك السورة ، لهذا كانت مناسبة ذكر يوم الفصل أنه ميقات لهم في تلك السورة مما يناسب ذلك .

 

 وعلى وفقه ستجدون لما ذكر تعالى تفصيل شأن الدخان وأهله أنه أعقب ذلك بذكر قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون ، للتأكيد على تلك المناسبة وأن بعث المهدي عليه الصلاة والسلام سيكون مشابها لبعث النبي موسى عليه الصلاة والسلام ، بأوجه فصلت على طول هذا الكتاب : " التابوت والعصا آيات الله في الأولين والآخرين " ، وبمواضع عدة في بيان أصول دعوتنا المباركة منها كتاب " طي السماء .. " وسيأتي قريبا العزو له .

 

قال تعالى بتلك السورة : ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ، إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ، يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ، إِلا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ . وفيها ذكر يوم الفصل بأنه ميقاتهم أجمعين ، يريد قرن الناس حينها الذين وافق قدرهم تحقق تأويل يوم الفصل بينهم ، وقد بين في الأنبياء وبالكتب التي أنزلت على بعضهم علامات تحقق تأويل ذلك في ذلك القرن مما يدل عليهم ويعرف بزمانهم ، وقد بسط بيان هذا في أصول دعوتنا المباركة ، مثل بلوغهم السماء فوق وتحقق استكشافهم للكثير سواء في السماء أو على وجه الأرض وباطنها .

 

وكذلك معرفة الكثير من أسرار الأنهر والبحار والمحيطات ، وقد بلغ هؤلاء من ذلك ما لم يبلغه أحد غيرهم من قبل قط ، مثل وصولهم للقمر ، أو أقله ثبوت دورانهم حوله بتلك المراكب الطيارة ، ومقدرتهم على ارسال كذلك مركبة لكوكب المريخ ، وغير ذلك مما انتشر لهم في السماء استكشافا كما أخبر تعالى أن ذلك لن يتحقق منهم إلا بسلطان وقد آتاهم الله تعالى بالعلم والاختراعات من الفتح ما تمكنوا معه من تحقيق تلك الأخبار فيهم ، وأخذوا يجولون مستكشفين بالأعلى حتى بلغت لهم مركبات طيارة حدودا بعيدة في السماء وعاينوا وصوروا الكثير من المجرات والكواكب والنجوم ، وهم من كان يعني تعالى بقوله التالي ضاربا لهم مثلا وللمهدي معاصرهم رسول الله عز وجل للفرقان والفصل ، فقال : ﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (1) .

 

ولقد زين لهم عملهم ذلك وافتتنوا فيه جدا استدراجا من الكريم المنان القوي ، ليسوقهم لتصديق أخباره وقضاء حكمه فيهم وما كتب عليهم وهم لا يشعـرون ، وليس أصدق في ذلك من صدق تحديه بأنهم لن يجدوا إلا ظلمة الكون ولن يستطيعـوا النفــــاذ منها مهما قدروا على الإرتقـاء وأين ما ذهبوا

 

لأي اتجاهات الكون الأربع اختاروا ، بل صرحوا مؤخرا بانتفاء الزمان هناك والحيز أو أن يجدوا حدودا لذلك الفراغ أو باستحالة استيعاب أركان ذلك بحسب عقولهم .

 

أقول : ومن المناسبات والموافقات في تلك السورة ، ذكره تعالى لشجرة الزقوم ﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ، طَعَامُ الأَثِيمِ ﴾ ، بعد كل تلك التفصيلات عن الدخان وما سيجري على أولئك القوم أصحاب الدخان ، وما جرى قبل مع الفرعون وبعث موسى إليه ليخلص بني إسرائيل من عذابه واضطهاده لهم .

 

 ومناسبة ذكر تلك الشجرة في تلك السورة بعد ذلك لأنها مصدرا لإنبعاث ذلك الدخان ، وعليها كان التنازع بين أصحاب الدخان على ذلك النفط الذي هو مصدرا للدخان واعمدة تلك النيران ، والنفط منبعه من باطن الأرض وتحديدا من الجحيم والتي هي بباطن الأرض ومادتها الأساس ذلك الزقوم الذي كما أكلوا من خيراته في الدنيا ، سيأكلون منه في الجحيم  في الآخرة ، عدل الله تعالى وعظيم تدبيره .

 

وعليه نرى أن ذكر شجرة الزقوم لم يأت بالقرآن إلا في موضعين لا ثالث لهما في سورتين ، سورة الدخان وسورة الصافات ، ومناسبة ذكرها في سورة الصافات كذلك لأن الصافات هي تلك أعمدة النيران التي انبعثت من تلك الآبار وكانت مصدرا لذلك الدخان الذي غطا وجه الأرض وجعل نهارهم ليلا دامسا ، وبالليل حجبت النجوم وحجب ضوء القمر ، ومثل ما ذكر بسورة الدخان أن ذلك ليوم الفصل ، كذلك ذكر في سورة الصافات أنه ميقاتا للناس فقال : ﴿ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُون ﴾ ، ولما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يشير لهذا المعنى في الفصل تحديدا ، قال عند ذكره للفتن الثلاث التي ستقع آخر الزمان ومنها فتنتهم في التنازع على ذلك النفط التي ثارت فيها تلك النيران واعمدة الدخان ، أنه قال بعد ذلك وسمى فتنتهم تلك بـ ( فتنة السرى ) ، نسبة لسريان جيش العراق بليل فداهم أهل الكويت وهم نيام ، ثم قال المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد ذكره لتلك الفتن : حتى يكون الناس على فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه . وهو يريد ما يريده الله تعالى فيما فصل في كتابه ( الفرقان والفصل ) ، وهو اليوم كذلك الذي قال فيه تعالى : ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ ، وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُور ﴾ .  

 

يفرق الله تعالى بين الناس هذا مؤمن وذاك كافر ، وقد أتت أحاديث تدل على زمان تحقق تأويل ذلك ، فيعرف يقينا من مؤمن ومن كافر ، بتلك العلامات الفارقة ، حتى قيل يتنادوا كل بصفته ( يا مؤمن ويا كافر ) هكذا لعلمهم اليقين بذلك نتيجة تلك العلامات الفارقة والتي حينها مستيقنون الخلق أنها من عمل الله تبارك وتعالى مما لا يسعهم الجدال في ذلك .

 

وفي سورة الدخان يصف ذلك اليوم بأنه ميقات للجميع وفي الصافات توعد به من يكذب ذلك ، وكما قال عن المرسلات الملقيات للذكر ، هو كذلك يذكر في الصافات بأنهن للذكر على الناس تاليات ، فيقول : ﴿ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرا ﴾ ، والمعنى أن ذلك كله من تفاصيل الذكر (2) ، وعليهم التذكر بسبب تحقق تأويل ذلك ، لكن هيهات من أين تأتيهم الذكرى وقد تولوا عن رسول الذكر ولم يؤمنوا به ويصدقوه ؟!

 

وذكر ذلك اليوم يوم الفصل بأنه ميقات أيضا في سورة النبأ فقال تعالى هناك : ﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً ﴾  ، ومناسبة ذكر ذلك بتلك السورة التي بذلك الإسم قد سميت به تحديدا ، فكان بذلك سببا لذكره هناك أيضا فهو نبأ عظيم وميقات مبين حقا يفصل به تعالى بين العباد ويفرق فيه بالعدل بين أولياءه وأولياء الشيطان ولا أن يترك ذلك لما لا نهاية له في الدنيا ، ولأجل ذلك جعل للأمر ميقاتا وأشراطا تدل على قرب تحقيقه للفصل ، فذكر تلك الأشراط بكتابه المجيد تعريفا للناس وقتها لعلهم يؤمنون ويوقنون ويخشون عقابه .

  

وقد قامت هذه الدعوة المباركة بتجلية السواتر عن تلك الحقيقة على ما بين هنا وبطول وعرض تقريرات وأصول هذه الدعوة ، ومن ذلك الدخان والنار الصافات مصدره ، وتلك المرسلات عرفا ، وتلك الشجرة الزقوم مصدر النار والدخان ، وبينا حقيقة جهنم أين هي ومتى ستفتح أبوابها ومن أي مكان يكون ذلك ، تلك النار التي انتهوا لإستخراج قطرانها قدرا أخيرا ، وبلغوا المنتهى فـــــي ذلك كما كتب مولانا عز وجل عليهم ذلك ، وتمتعــــــوا بجيليهم منها حتى بلغوا وقـوع الذكر فأحدثه تعالى بينهم ليتم المقدر ويبلغوا المنتهى وكل تلك البينات تم شرحها وبيان ذكـــــــرها وبالتفصيل ، إقامة للحجة على من بلغه ذلك ومعذرة من أن نكون ممن يكتم العلم أو يشتري بــــه ثمنا قليلا كما فعل أولئك الكفرة الملاعين من اليهود ومن شايعهم .

 

ولما كان مراده عز وجل بهذا كله ذلك اليوم المؤقت لهم للفصل بين الأمم والشعوب ، بين الإيمان والكفر ، كان ما قبله وما بعده حين يذكره إنما يذكره بتلك السياقات للعلاقة الخفية التي تربط بين كل ذلك لكن لم يدرك معنى ذلك الخلق ، علمها الله وأشار لكل ذلك بكتابه المبين ، وجهل ذلك سائر الخلق لأن هذه مشيئته سبحانه بأن يأتيهم بغتة ذلك اليوم وتلك الأشراط بين يديه ، ولأجل ذلك كان هذا الأمر العظيم مبهما أو شبه مبهم على الأقل بحق الناس ومدى علمهم به ، وما ربك بظلام للعبيد .

 

وللمناسبة أقول أنه ذكر في سورة النبأ قبل ذلك قوله تعالى : ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً ، لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً ، وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً ﴾ . ومراده تعالى ما سيسوقه لأرض جزيرة العرب لتحيا بعد موتا وتكسى بتلك الجنان التي ستكون مستقرا لعباده المفديين الذين سيجمعهم من مصر والعراق ومن اليمن وغير تلك البلدان ، فيستقرون بطيبة الخير والبركة بجنب الله عز وجل وبنيل شرف صحبته تبارك وتعالى .

 

أما رؤوس الأشرار وتلك الشيع الكافرة الملعونة ، حين يحشرون للحساب واقامة الشهادة عليهم حين ذاك ، سيكون مصيرهم دخول النار التي سيلقون أبوابها مفتحة لهم ما بين مكة والمدينة ، فيدخلونها داخرين وتكون لهم جهنم حصيرا ، ولما كان ذلك الدخول مؤقت ولا بد من خرجوهم منها بعد ذلك لكونهم حشروا بغتة وأدخلوا فيها وهم بالدنيا لم ينقض وقت الناس بعد ، كان ذلك الدخول مؤقتا بالأحقاب ، ثم يبعثون جميعا ويدخلونها مجددا خالدين فيها أبدا ، وعليه قال تعالى بعد تلك الآيات من سورة النبأ ما يلي : ﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً ، يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً ، وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَاباً (3) ، وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً (4) ، إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً ، لِلْطَّاغِينَ مَآباً ، لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً (5) ، لا يَذُوقُونَ فِيـــهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً ، إِلا حَمِيماً وَغَسَّاقاً ، جَزَاء وِفَاقاً ، إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً ، وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً ، وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً ، فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلا عَذَاباً ﴾ .

 

تفتح أبواب السماء بأمطار الخير لتحيي أرض الجزيرة العربية ، وتسير لها جبال الغيوم ، حين تبرز الجحيم للغاوين وتكون مرصادا لهم ومآبا للطاغين ، فيدخلونها لابثين فيها أحقابا كما بينت ، لأنهم لم يرجوا حساب الله ويخشونه ، وقد كتب عليهم بكتاب موسى عليه الصلاة والسلام كل تفاصيل أحوالهم التي ستكون ، نبأهم عنها قبل ما يخلقون ، لهذا نص على احصاء أمورهم بذلك الكتاب ، وعلى وفقه صح أنه كان ميقاتا لهم ومرجعا لربهم ليفصل بينهم في ذلك اليوم ، وتقوم على الطغاة تلك الشهادات من الله تعالى ومن كل هاد لقوم وأمه وجيل ، حتى أنه قسم الأشهاد على حسب الأجيال الماضية في بني إسرائيل وفي الأمم جميعها ، فكان ذلك كله من تدبير الحكيم العليم القوي القادر على كل شيء .

 

وعلى وفقه كان خبره في التوقيت لذلك الفصل بتوقيت أمر أولئك الرسل لذلك اليوم والميعاد فقال تعالى وهو الموضع الثالث كما في سورة المرسلات الذي يذكر تعالى بكتابه فيه خبر ذلك التوقيت : ﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ، فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ، وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ ، وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ، وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ، لاَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ ، لِيَوْمِ الْفَصْلِ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ ، ﴿ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ، وَيَقُولُونَ مَتَى هَـذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ، قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ .

 

ويحكم كل أمة بعث لها نذيرا وبشيرا ، فصل الله تعالى بينها وبين رسولها إذا ما كذبوه وتركوا دينه ثم لما جاء رسولا للبشر كافة وهو مصطفاه وخليله محمدا صلوات ربي وسلامه عليه ، رسولا للجميع وهم أمته في الدعوة ، ثم لا يفصل بينهم الله تعالى كافة ، يتركهم هكذا برأيكم هملا ولا يحد لمهلك من كذبه وكفر بدينه ، موعدا لإهلاك من يعاديه ومباركة من يباركه ؟!

 

تخادعون من أنتم ، بل تكفرون بمن ؟!

 

 

وإن من سنن الله تعالى لهلاك أي أمة وقوم يبعث لهم رسولا ثم لا يؤمنون به بل يعادونه ، إلا وجعل لهلاكهم موعدا ، والذين سيكفرون بمصطفاه ودينه جعل تعالى لهم موعدا ذلك اليوم يوم الفصل آخر الزمان : ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ، وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً ، وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُواً .

     وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً ، وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً ، وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً ﴾ .

 

ما لكم لا تعقلون ولا تؤمنون ، ما لكم لا تعون القرآن والأنبياء ، وتلك الكتب السابقة ، وما نص الله تعالى من البينات على ذلك ؟!

 

إنه يوم الفصل والميقات ليفصل بينهم جميعا وبين هاديهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذه هي حقيقة يوم الفصل والميقات به ، هذه قصته وهي بالتفصيل هنا ، فهل أنتم مؤمنون ؟!

 

إنه النبأ العظيم الذي نبأ خلقه عنه وآدم تراب ، هناك في الملأ قبل خلق الإنسان نبأهم عنه وضرب به موعدا للشيطان وللإنسان ، وهكذا جرت سنته سبحانه بأن لا بد أن يُعرف الله تعالى خلقه بالجملة والتفصيل عما سيكون فهذه سنته ، وعلى وفقها عرف بني اسرائيل من خلال رسله فيهم ما سيكون آخر الزمان من تلك النهايات ، فصل لهم عن تلك البينات بأدق التفاصيل عرفهم عليها على طول بعثه للأنبياء فيهم ، وكان يحرصهم وتكتب الأسفار بذكر ذلك وتدون وتحفظ .

 

 وأقول : ولم المرسلات بالذات ينص كذلك فيها على التوقيت بذلك اليوم ؟!

 

أقول : المناسبة لذكر ذلك جاءت مع خبره بإرساله للرياح آخر الزمان ، تعذيبا ورحمة وأمرها من أشراط الساعة ، فقال تعالى قبل ذلك وبافتتاح آيات تلك السورة : ﴿ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفا ، فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً ، وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً ، فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً ، فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً ، عُذْراً أَوْ نُذْراً ﴾ .

 

وكل ذلك من علامات تحقق ذلك اليوم ومن أشراطه ، فيرسل تلك العواصف للعذاب كما هو حاصل اليوم ومن سنين وهو من الثابت الذي لا يسع أحد إنكاره متى قامت الحجة عليهم في بيانه ، يجهل أمره نعم لكن أن ينكر بعد بيانه فهذا مما لا يمكن لأحد ، وإلا كان الكفر والجحد والعناد ، وعليه وصف تلك العواصف بملقيات للذكر ، لأن أمرهن ذاك مما ذكر بكتب الله عز وجل وعلى ألسنة رسله كما هو مفصل في الزبور مثلا .

 

كذلك انطماس النجوم من أثر تلك الأدخنة ولاحقا أدخنة أبواب الجحيم وثوران ألسنتها تنادي الغاوين ، وتنسف عن فتح أبوابها تلك القمم من الجبال ، فيخرج من باطنها الزفت ليلطخ به تلك الوجوه البائسة فتكون زرقا ، ثم بكما لا ينطقون ، وكل ذلك علامات وأشراط لقرب تحقق ذلك اليوم ومنها بعد تحققه ، وللمناسبة ذكرت بالتفصيل قبل وبعد تعيين ذلك اليوم وأولئك الرسل الموقتة رجعتهم لذلك اليوم ، وهم الذين إن جاؤوا بجمعهم لا تتأخر أممهم عن الشهادة والحساب .

 

وأيقنوا بأن كل حرف وكل كلمة وكل جملة لا توضع في القرآن ولا تتصل اتصالا لا انفصال قطع يكون فيه ، إلا لمعنى متحد يفسر بعضه بعضا ، وحين يأتي واقع تأويل ذلك سيكون جليا ، لمن علمه قبل ولمن لم يعلمه ، فسبحان الله رب العالمين ، الذي أحاط بكل شيء علما وقدرة .

 

هذا وقد علمتم من قبل ما نقل عن بعض الأنبياء في البيان عن زمان تحقق هذا الفصل وذلك اليوم الرهيب وأبرز علامات ذلك ، كقول النبي حزقيال عليه الصلاة والسلام : ﴿ يَا ابْنَ آدَمَ تَنَبَّأْ وَقُلْ : هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ : وَلْوِلُوا : يَا لَلْيَوْمِ ، لأَنَّ الْيَوْمَ قَرِيبٌ ، وَيَوْمٌ لِلرَّبِّ قَرِيبٌ ، يَوْمُ غَيْمٍ يَكُونُ وَقْتًا لِلأُمَمِ ، وَيَأْتِي سَيْفٌ عَلَى مِصْرَ ﴾ ، ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً ، الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً ﴾ ، ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ﴾ .

 

وكما أنذر تعالى على لسان أولئك الأنبياء ذلك اليوم ، كذلك في القرآن حذر من ذلك في أكثر من آية فالقرآن مهيمنا على ما سبقه ومصدقا له ولا شك ، فقال تعالى في ذلك أيضا : ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ، فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ .

 

وقال أيضا : ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ﴾ .

 

وهنا الخطاب لمن سيعاصر تحقق تأويل ذلك اليوم وأولئك من يصح بحقهم انتظار تحقق ذلك التأويل ، وأما في عموم الناس فلا معنى لذلك لأن يوم الحساب العام لكل ما خلق الله تعالى لا يصح بحقه قول ذلك ، انما ينتظر تحقق تأويل ذلك اليوم الأخير من يدرك زمانه ويمكنه رؤية علاماته وأشراطه .

 

ويقول النبي صفنا عليه الصلاة والسلام عن ذلك اليوم : ﴿ إِنَّ يَوْمَ الرَّبِّ الْعَظِيمِ قَرِيبٌ ، وَشِيكٌ وَسَرِيعٌ جِدّاً ، دَوِيُّ يَوْمِ الرَّبِّ مُخِيفٌ ، فِيهِ يَصْرُخُ الْجَبَّارُ ، يَوْمُ غَضَبٍ هُوَ ذَلِكَ الْيَوْمُ ، يَوْمُ ضِيقٍ وَعَذَابٍ ، يَوْمُ خَرَابٍ وَدَمَارٍ ، يَوْمُ ظُلْمَةٍ وَاكْتِئَابٍ ، يَوْمُ غُيُومٍ وَقَتَامٍ ، يَوْمُ دَوِيِّ بُوقٍ وَصَيْحَةِ قِتَالٍ ضِدَّ الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ وَالْبُرُوجِ الشَّامِخَةِ ﴾ .

 

       ولما كان تحقق ذلك مما يتعلق بابراز تابوت الله عز وجل الآية للناس آخر الزمان كما فصل قبل لتحقيق تعيين المهدي وإعلان تمكين الله عز وجل له في الأرض ليحكم الناس بكتاب الله تعالى ويؤيد وينصر بقوة الرب تبارك وتعالى ، صرح أحد الأنبياء على ما نقل قبل مرارا وتكرارا وهو اشعيا عليه الصلاة والسلام بقوله : ﴿ وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ : هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ ﴾ . ليغشى التابوت وبذلك يتجلى لهم الرحمان عز وجل بقدرته كما وعد وأنذر بالنصوص المنقولة قبل ، ولما كان التابوت مخفيا في أرض مصر كان الغمام متوجها لها حين تحقق تأويل ذلك فيخرج التابوت بإذن الله ويتم المقصود في ذلك اليوم الموعود المؤقت للجميع .

 

ومما يدل على ارتباط ذلك المصير بأرض مصر ما قاله النبي اشعيا كذلك : ﴿ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَا ﴾ .

 

وقد بين هذا في أكثر من موضوع في موقع المهدي المبارك عليه الصلاة والسلام ، وفصل أكثر في مقدمة هذا الكتاب .

 

وقال النبي اشعيا بتلك النبوءة أيضا : ﴿ فَيَكُونُ عَلاَمَةً وَشَهَادَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ فِي أَرْضِ مِصْرَ لأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمُضَايِقِينَ ، فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُخَلِّصًا وَمُحَامِيًا وَيُنْقِذُهُمْ ، فَيُعْرَفُ الرَّبُّ فِي مِصْرَ ، وَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ الرَّبَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ ، وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً ، وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْرًا وَيُوفُونَ بِهِ ﴾ .

 

علامة وشهادة لأنه لتعيين المهدي ولأنه مقترن بخروج تابوت الشهادة وتلك العصا ، وعليه يكون معنى كلام هذا النبي هو ذلك ، فكل الشهادات ستقوم في ذلك اليوم كما وعد الرحمان عز وجل .

 

ويقول عليه الصلاة والسلام عائدا للتأكيد على ارتباط أرض مصر وشعبها بذلك المصير : ﴿ وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ السَّيِّدَ يُعِيدُ يَدَهُ ثَانِيَةً لِيَقْتَنِيَ بَقِيَّةَ شَعْبِهِ ، الَّتِي بَقِيَتْ ، مِنْ أَشُّورَ ، وَمِنْ مِصْرَ ﴾ .

 

وأيضا : ﴿ فَأَيْنَ هُمْ حُكَمَاؤُكَ ؟ فَلْيُخْبِرُوكَ لِيَعْرِفُوا مَاذَا قَضَى بِهِ رَبُّ الْجُنُودِ عَلَى مِصْرَ ﴾ .

 

كلهم يربطونه بمصر : ( يَوْمُ غَيْمٍ يَكُونُ وَقْتًا لِلأُمَمِ ، وَيَأْتِي سَيْفٌ عَلَى مِصْرَ ) " حزقيال "

 

ويقول الرب على لسان ميخا عليه الصلاة والسلام في اشارة لوجود ظلل الغمام فوقهم يومئذ عند عبورهم من مصر للمدينة الطيبة دار السلام ومحل كرسي الرب في ذلك اليوم : ﴿ وَيَجْتَازُ مَلِكُهُمْ أَمَامَهُمْ ، وَالرَّبُّ فِي رَأْسِهِمْ ﴾ .

 

ويقول نبيه زكريا عليه الصلاة والسلام : ﴿ وَيُرَى الرَّبُّ فَوْقَهُم ﴾ . وكل هذا معناه معاينة تجلي لله عز وجل فوقهم من خلال ذلك الغمام فوق التابوت ، ولا نجد الأنبياء إلا تواطأوا على بيان هذا الأمر بيانا كافيا شافيا ، فيه تعريف الخلق بهذه العقيدة وذلك الإيمان العظيم وما سيحصل عند تحقق تأويل ذلك اليوم وذلك اللقاء .

 

واشعيا النبي عليه الصلاة والسلام فهو يعد بحق من أصرح الأنبياء في ذلك إذ قال : ﴿ رُقَبَاؤُكِ قَدْ رَفَعُوا صَوْتَهُمْ مَعاً وَشَدَوْا بِفَرَحٍ ، لأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عِيَاناً رُجُوعَ الرَّبِّ ﴾ . لنعرف من خلاله بكل جلاء معنى قوله تعالى في القرآن أنه سيجيء في ظلل من الغمام ، وأن ذلك كائن وهم في الدنيا لا ما عليه فهم أمتنا للأسف واعتقادهم المغالطة في ذلك حين قيدوا بما يكون بعد بعث كافة الخلائق وكذبوا على ربنا وما قدره في ذلك فهذا كائن قبل ذلك والجيل والقرن الأخير بعد لم يمضي والعالم لم ينتهي ، سيحصل ذلك مثل ما كان ذلك في بني إسرائيل في زمان موسى وهارون صلوات ربي وسلامه عليهما حين نزل من السماء وجاء ليفصل بينهم فيحق الحق ويذل الكافرين بنصر عباده واصطفائهم في العالمين ، والذي يؤكد عليه قول النبي هنا : ﴿ لأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عِيَاناً رُجُوعَ الرَّبِّ ﴾ . رجوعه ، أي عودته لفعل ذلك على غرار مثال سابق ، وهو عين ما يقرر هنا من اعتقاد وهو أصل من أصول دعوتنا المباركة ، وقد تقرر بيان ذلك في أكثر من كتاب ومقال ومن ذلك كتاب : " طي السماء .. " يراجع ذلك هناك وستجدونه بسط شرحه في ثنايا ذلك الكتاب .

 

والزبور كتاب الله تعالى ليس ببعيد طبعا في تقرير حقيقة ذلك الإعتقاد فيما سيعاينه الناس في ذلك اليوم الفصل عند مجيء الرب عز وجل مرة ثانية ليرى عباده مجده فينصر من يشاء ويعذب ويذل من يشاء ، بيده الخير وهو على شيء قدير .

 

قال في الزبور : ﴿ عَلَيهم جَلاَلُهُ وَقُوَّتُهُ فِي الْغَمَامِ ، مَخُوفٌ أَنْتَ يَا اَللهُ مِنْ مَقَادِسِكَ ﴾ . طي السماء ص 18

 

ويقول أيضا : ﴿ طَأْطَأَ السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ ، وَضَبَابٌ تَحْتَ رِجْلَيْهِ .. جَعَلَ الظُّلْمَةَ سِتْرَهُ حَوْلَهُ ، مِظَلَّتَهُ ضَبَابَ الْمِيَاهِ وَظَلاَمَ الْغَمَامِ ﴾ . تماما مثل ما حصل في بني إسرائيل : ﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ .

 

إن أمتنا في كارثة تعيسة وهي تجهل هذا الإعتقاد وتضل عن هذا الإيمان العظيم ، ليكون لهم في ذلك رجاء وأمل ، وأي شوق سيكون للإنسان الصالح في لقاء غير هذا اللقاء ؟!

 

وأي عاقبة ترجى أفضل وأبرك من هذه العاقبة بالله عليكم ؟! ( ارتجي الله ، لأني بعد أحمده ، لأجل خلاص وجهه ) " الزبور " .

 

تمعنوا بكل هذا التواتر ولعلي لم أحصيه كله ، أو لم أنقله كله ، ففي الزبور من ذلك أيضا قوله : ﴿ إنك أمرت بالقضاء ، فلتحط بك جماعةُ الأُمم وَعُـدْ فَوقها إلى الأَعالي ﴾ . يؤكد على عودة لذلك كما مر معنا قريبا ، والمراد عوده ليفعل ذلك على مثال سابق وهو ما حصل في زمان الخلاص الأول في عهد موسى وهارون صلوات ربي وسلامه عليهما ، والقضاء مما هو كائن آخر الزمان في يوم الفصل الذي فيه قال تعالى : ﴿ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ ﴾ .

 

يريد بالأنبياء الأشهاد كالمسيح وإيليا وإدريس ومحمد المصطفى وغيرهم ، صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين .

 

وها هو في الزبور يفصل عن ذلك فيقول : ﴿ اللهم فاحكم عليهم وليسقطوا في مؤامراتهم ولكثرة معاصيهم أقصهم فإنهم قد تمردوا عليك ، وليفرح جميع المعتصمين بك وليرنموا إلى الأبد وأنت مُظللهم وليبتهج بك الذين يحبون اسمك ، فإنك أنت تبارك الصديق يا ربُّ وتكتنفُهُ برضاك مثل الترس ﴾ .

 

أقول : ولا مبالغة لما أقول لا مقارنة ما بين التمكينين والخلاصين ، لأن الله تعالى نفسه نفى جواز المقارنة على لسان أحد أنبياءه وهو حجي عليه الصلاة والسلام فقال : ﴿ مَنِ الْبَاقِي فِيكُمُ الَّذِي رَأَى هذَا الْبَيْتَ فِي مَجْدِهِ الأَوَّلِ ؟ وَكَيْفَ تَنْظُرُونَهُ الآنَ ؟ أَمَا هُوَ فِي أَعْيُنِكُمْ كَلاَ شَيْءٍ .

تَشَدَّدُوا يَا جَمِيعَ شَعْبِ الأَرْضِ ، يَقُولُ الرَّبُّ وَاعْمَلُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ ، حَسَبَ الْكَلاَمِ الَّذِي عَاهَدْتُكُمْ بِهِ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرَ وَرُوحِي قَائِمٌ فِي وَسَطِكُمْ ، لاَ تَخَافُوا ، لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ : هِيَ مَرَّةٌ ، بَعْدَ قَلِيلٍ ، فَأُزَلْزِلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَالْيَابِسَةَ وَأُزَلْزِلُ كُلَّ الأُمَمِ وَيَأْتِي مُشْتَهَى كُلِّ الأُمَمِ ، فَأَمْلأُ هذَا الْبَيْتَ مَجْدًا ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ : مَجْدُ هذَا الْبَيْتِ الأَخِيرِ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ مَجْدِ الأَوَّلِ ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ ، وَفِي هذَا الْمَكَانِ أُعْطِي السَّلاَمَ ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ ﴾ .

 

ولم ينفك كذلك هذا النص والسياق من إلماحة لرجعة الأشهاد ، فهم من سيمكنهم معاينة مجد الله تعالى آخر الزمان مثل ما عاينوا مجده بزمانهم ، فقال : ﴿ مَنِ الْبَاقِي فِيكُمُ الَّذِي رَأَى هذَا الْبَيْتَ فِي مَجْدِهِ الأَوَّلِ ؟ وَكَيْفَ تَنْظُرُونَهُ الآنَ ؟ أَمَا هُوَ فِي أَعْيُنِكُمْ كَلاَ شَيْءٍ ﴾ . وهذا لا يصدق إلا مع رجعة الأشهاد الأولين فهم من عاين مجد الله تعالى بوقتهم وسيعاينون مجد الله عز وجل الثاني ، فأتت تقرر هذه النبوءة نفي المقارنة ما بين المجدين حتى أن الأول سيعد لمن عاين الأول وسيعاين الثاني كلا شيء الأول تبطل المقارنة .

 

 

 وفي الختام أقول :

 

لقد ضلت أمتكم ضلالا مبينا في عدم تصديق هذا الوعد أنه لعباده المتقين آخر الزمان ، مخصوص لهم من دون الناس ، وعدهم تعالى بأن  يستخلفهم استخلافا يكون قرينا للأمن ، يفعل ذلك  بقوته وعظيم آياته وبرحمته ، كما فعل مع السابقين سيفعل مع المتأخرين ذلك تماما وهذا معنى وعده لعباده بقوله عز وجل : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .

 

استخلاف وأمن وهذا ما أخطأت الأمة بحق الإيمان به وتصديقه وانتظاره بشوق ويقين وإخلاص ، فإن الله عز وجل موفيهم حقه ومنجز وعده في ذلك لا محالة ولو ضل الجميع عن فهم ذلك والإيمان به وتصديقه .

 

وانظروا لقوله تعالى في السابقين بخصوص ذلك المعنى ، الإستخلاف والأمن : ﴿ فَتَعْمَلُونَ فَرَائِضِي وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَهَا لِتَسْكُنُوا عَلَى الأَرْضِ آمِنِينَ ، وَتُعْطِي الأَرْضُ ثَمَرَهَا فَتَأْكُلُونَ لِلشِّبَعِ ، وَتَسْكُنُونَ عَلَيْهَا آمِنِينَ ﴾ " اللاويين "

 

فلما يقول تعالى في القرآن : ﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً . يجب أن تصدقوا ذلك وتؤمنوا به على هذا النحو ، أنه استخلاف وأمن مثل ما كان في زمان موسى عليه الصلاة والسلام تماما ، بل والأرض تعطي خيراتها ، بالمثل على التمام .

 

وانظروا لتأكيد هذا المعنى في الزبور كذلك : ﴿ وَسَاقَ مِثْلَ الْغَنَمِ شَعْبَهُ ، وَقَادَهُمْ مِثْلَ قَطِيعٍ فِي الْبَرِّيَّةِ ، وَهَدَاهُمْ آمِنِينَ فَلَمْ يَجْزَعُوا ، أَمَّا أَعْدَاؤُهُمْ فَغَمَرَهُمُ الْبَحْرُ ، وَأَدْخَلَهُمْ فِي تُخُومِ قُدْسِهِ ، هذَا الْجَبَلِ الَّذِي اقْتَنَتْهُ يَمِينُهُ ، وَطَرَدَ الأُمَمَ مِنْ قُدَّامِهِمْ وَقَسَمَهُمْ بِالْحَبْلِ مِيرَاثًا ، وَأَسْكَنَ فِي خِيَامِهِمْ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ ﴾ .

 

 

تمعنوا : من مصر للمدينة واورثوا مدن الجزيرة ، وكانوا هناك آمنين ، وبالمثل في المتأخرين من مصر للمدينة ويرثون مدن العالم كلها لا الجزيرة فقط ولا القرى عبر الأردن فقط .

 

وفي صموئيل الأول قالوا : ﴿ فارسل الرب يربعل وبدان ويفتاح وصموئيل ، وانقذكم من يد اعدائكم الذين حولكم فسكنتم آمنين ﴾ . وغير هذا كثير مبثوث في كتابهم القديم ، وهذا فيما كان أما فيما سيكون آخر الأيام على ما وعد تعالى في هذه الأمة وخطفه كذابوا بني إسرائيل وزعموه آخرا لهم ، وأعانت أمتكم الغبية الضالة في تثبيت هذه المزاعم اليوم ، لأنهم ضلوا عن العلم به ومن ثم الإيمان به وتصديقه ، ضلوا عنه ضلالا مبينا فلا يعلمونه ولا يصدقون به اليوم ، مع أن النصوص عن الله تعالى ورسله أبين شيء في ذلك ، لكن ما أقول إلا سبحان من يهدي للحق ويضل عنه من يشاء من عباده .

 

﴿ فَأُخَلِّصُ غَنَمِي فَلاَ تَكُونُ مِنْ بَعْدُ غَنِيمَةً ، وَأَحْكُمُ بَيْنَ شَاةٍ وَشَاةٍ ، وَأُقِيمُ عَلَيْهَا رَاعِيًا وَاحِدًا فَيَرْعَاهَا عَبْدِي ، هُوَ يَرْعَاهَا وَهُوَ يَكُونُ لَهَا رَاعِيًا ، وَأَنَا الرَّبُّ أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا ، وَعَبْدِي رَئِيسًا فِي وَسْطِهِمْ . أَنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ ، وَأَقْطَعُ مَعَهُمْ عَهْدَ سَلاَمٍ ، وَأَنْزِعُ الْوُحُوشَ الرَّدِيئَةَ مِنَ الأَرْضِ ، فَيَسْكُنُونَ فِي الْبَرِّيَّةِ مُطْمَئِنِّينَ وَيَنَامُونَ فِي الْوُعُورِ ، وَأَجْعَلُهُمْ وَمَا حَوْلَ أَكَمَتِي بَرَكَةً ، وَأُنْزِلُ عَلَيْهِمِ الْمَطَرَ فِي وَقْتِهِ فَتَكُونُ أَمْطَارَ بَرَكَةٍ ، وَتُعْطِي شَجَرَةُ الْحَقْلِ ثَمَرَتَهَا ، وَتُعْطِي الأَرْضُ غَلَّتَهَا ، وَيَكُونُونَ آمِنِينَ فِي أَرْضِهِمْ ، وَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ عِنْدَ تَكْسِيرِي رُبُطَ نِيرِهِمْ ، وَإِذَا أَنْقَذْتُهُمْ مِنْ يَدِ الَّذِينَ اسْتَعْبَدُوهُمْ ، فَلاَ يَكُونُونَ بَعْدُ غَنِيمَةً لِلأُمَمِ ، وَلاَ يَأْكُلُهُمْ وَحْشُ الأَرْضِ ، بَلْ يَسْكُنُونَ آمِنِينَ وَلاَ مُخِيفٌ ، وَأُقِيمُ لَهُمْ غَرْسًا لِصِيتٍ فَلاَ يَكُونُونَ بَعْدُ مَفْنِيِّي الْجُوعِ فِي الأَرْضِ ، وَلاَ يَحْمِلُونَ بَعْدُ تَعْيِيرَ الأُمَمِ ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ مَعَهُمْ ، وَهُمْ شَعْبِي ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ ﴾ " حزقيال عليه الصلاة والسلام "

 

﴿ فَلاَ يَكُونُ بَعْدُ سُلاَّءٌ مُمَرِّرٌ وَلاَ شَوْكَةٌ مُوجِعَةٌ مِنْ كُلِّ الَّذِينَ حَوْلَهُمُ ، الَّذِينَ يُبْغِضُونَهُمْ ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا السَّيِّدُ الرَّبُّ ، هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُ : عِنْدَمَا أَجْمَعُهم مِنَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ تَفَرَّقُوا بَيْنَهُمْ ، وَأَتَقَدَّسُ فِيهِمْ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ ، يَسْكُنُونَ فِي أَرْضِهِمِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَم ، وَيَسْكُنُونَ فِيهَا آمِنِينَ وَيَبْنُونَ بُيُوتًا وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا ، وَيَسْكُنُونَ فِي أَمْنٍ عِنْدَمَا أُجْرِي أَحْكَامًا عَلَى جَمِيعِ مُبْغِضِيهِمْ مِنْ حَوْلِهِمْ ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ ﴾ " حزقيال "

 

﴿ وَيَكُونُ الرَّبُّ مَلِكًا عَلَى كُلِّ الأَرْضِ ، فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ الرَّبُّ وَحْدَهُ وَاسْمُهُ وَحْدَهُ ... فيسكنون فيها ولا يكون بعد لعن فتعمر اورشليم بالأمن ﴾ " زكريا عليه الصلاة والسلام "

 

﴿ وَأَقْطَعُ لَهُمْ عَهْدًا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مَعَ حَيَوَانِ الْبَرِّيَّةِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ وَدَبَّابَاتِ الأَرْضِ ، وَأَكْسِرُ الْقَوْسَ وَالسَّيْفَ وَالْحَرْبَ مِنَ الأَرْضِ ، وَأَجْعَلُهُمْ يَضْطَجِعُونَ آمِنِينَ ﴾ " هوشع عليه الصلاة والسلام "

 

﴿ هأَنَذَا أَجْمَعُهُمْ مِنْ كُلِّ الأَرَاضِي الَّتِي طَرَدْتُهُمْ إِلَيْهَا بِغَضَبِي وَغَيْظِي وَبِسُخْطٍ عَظِيمٍ ، وَأَرُدُّهُمْ إِلَى هذَا الْمَوْضِعِ ، وَأُسَكِّنُهُمْ آمِنِينَ ، وَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا ، وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا وَطَرِيقًا وَاحِدًا لِيَخَافُونِي كُلَّ الأَيَّامِ ، لِخَيْرِهِمْ وَخَيْرِ أَوْلاَدِهِمْ بَعْدَهُمْ ، وَأَقْطَعُ لَهُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا أَنِّي لاَ أَرْجِعُ عَنْهُمْ لأُحْسِنَ إِلَيْهِمْ ، وَأَجْعَلُ مَخَافَتِي فِي قُلُوبِهِمْ فَلاَ يَحِيدُونَ عَنِّي ، وَأَفْرَحُ بِهِمْ لأُحْسِنَ إِلَيْهِمْ ، وَأَغْرِسَهُمْ فِي هذِهِ الأَرْضِ بِالأَمَانَةِ بِكُلِّ قَلْبِي وَبِكُلِّ نَفْسِي ﴾ " إرميا عليه الصلاة والسلام "

 

 

  فانظروا الآن من الأسوأ ؟!

 

من يسرق هذا الوعد الحق ويضعه في غير أهله ؟

 

أو من يميته بالكلية وينقله من وعد ووعيد للواحد القهار يعمله في الدنيا آخر الزمان ، فيصرفه عن ذلك بالتأويل والتعليم الفاسد لجنة الفردوس ، تعطيل كامل لحكمة الله تعالى وقدرته وعدله والصدق بوعده ووعيده ، يعطل كل ذلك بزعمه أنه يدرك عن الله تعالى مراده وعلمه وقدره ، فلا شك أن هذا هو الأشر والمعطل لله تعالى وأسمائه وصفاته ، والمحرف والكاذب على الله تعالى الكذب القبيح .

 

﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ، وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ

           

فياله من أمر عظيم فوق الخيال ولا يطال إلا بالإيمان والتسليم بتحقق التأويل وصدق الله عز وجل في وعده ، وتصديق ما قاله رسله من قبله : ﴿ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ، فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ، إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ، وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ، وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ، وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ، حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ، وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ ﴾ ، ﴿ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ، فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ، وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ... فَيَوْمَئِذٍ لا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ، وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ ، كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ، فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ﴾ .

 

 

 

 

-------------          

(1) يراجع في موقعنا المبارك تفسير تلك الآية ، وستجدون هناك مباحث وتوثيقات تبين تحقق تأويل ذلك بالفعل ، وكيف أن الظلمات المقصودة من كلام الله عز وجل أنها حسية وليست معنوية كما عليه فهم أكثر الناس ، إلى غير ذلك من فوائد تجدونها ضمنا مشروحة تحت عنوان ذلك الملف : ﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ﴾ .

(2) يراجع من هنا كتاب : " بل عجبت ويسخرون وإذا ذكروا لا يذكرون " .

(3) بسط ما تحت العنوان التالي في بيان معنى تفتح أبواب اسماء هنا : لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء .

(4) وفي بيان معنى الجبال هنا تجد تحت العنوان التالي الإستطراد في شرح ذلك : هل وقعت القارعة ؟ وقفة مع ذكر الجبال وأحوالها في القرآن من خلال سورة (القارعة) .

(5) في تفسير قوله تعالى ( لا تفتح لهم أبواب السماء ) تم بيان معنى قوله عز وجل ( لا بثين فيها أحقابا ) يراجع هناك .