المقدمــــة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسيد الأولين والآخرين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الصادقين ، وبعد .
ما أصاب الغرور في الدين أحد مثل ما أصاب من يسمون أنفسهم بأهل السنة ، وما خدع أحد مثل ما خدع هؤلاء في قوة ظنهم أنهم على الحق في مجمل الدين وتفاصيله ، وأعني بأهل السنة من مازالوا يحبون أن يلقبوا بـ ( أهل السنة ) أو ( أهل الحديث ) أو ( أهل السنة والجماعة ) ، وهذه المعاني مع أنها في أصلها صحيحة المدلول ، إلا أنها وظفت توظيفا خاطئا مغالطا حتى خرج عن جادة الحق والصواب وتحصلت في النهاية منه مغالطات عظيمة ، مازالت آثارها الوخيمة تجر أذيالها في ذاكرة الأمة ومخيلة الكثير من أبنائها .
وما زال آخرهم بغرور مستديم التوهم بصدق وجود وتحقق هذه المعاني الجميلة في حياتهم الدينية ! ، والحق أن السنة أميتت ، والجماعة انقرضت ، أما أهل الحديث فطواهم الفناء من قرون بعيدة ، ورغم هذا ما زالت تنادي في أذيال الخيبة هنا وهناك أفواه كاذبة أن لهذه المعاني حقيقة موجودة ! .
من يصدُق مع هؤلاء ويصرخ فيهم صرخة الإيقاظ ، ويهزهم من مرقدهم هزة الفزعان ، أن تداركوا أنفسكم : إنكم في سكرتكم تعمهون .
أنظروا معي لواحدة فقط ! ، فالمقام لا يتسع لجردها وسردها في مكان واحد ، وإنما يكفينا في هذه العجالة أن نقف مع واحدة منها ما زالت منطلية على هؤلاء قديما وحديثا ، ومن كل عقولهم تجدهم يصدقون بحتمية وجودها وبقائها ما بقت الدنيا من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى آخر فرد ينطوي تحت راية المهدي ومن ثم المسيح عليه السلام ، وأن كل هؤلاء داخلون في الطائفة المنصورة ، وهل جُرَ البلاء على آخر هؤلاء إلا بسبب هذا الوهم في اعتقاد حتمية وجود الطائفة المنصورة ، وأظهر من كرس سوء هذا المعتقد في زماننا ابن لادن ومن معه لاعتقادهم الجازم أنهم هم الطائفة المنصورة الظاهرة على عدوها لا محالة ، حتى قال خطيبهم على شاشة قناة الجزيرة : إن لم ينصرنا الله فمن ينصر ؟! .
وهل تحسبون هذا هو حد هذه الخديعة الكبرى ؟! ، أبدا ما زالت من قديم وهي بعينها التي ألجأت ابن تيمية الحراني رحمه الله تعالى للخبط عشواء في مسألة النزاع الذي جرى ما بين علي رضي الله عنه وبين معاوية بن أبي سفيان الأموي ، حتى ارتج عليه وصرح من غير مواربة أنها طائفة معاوية ومن معه !! ، وما ذلك إلا لوهمهم الكبير في حتمية بقاء الطائفة المنصورة ودوام وجودها إلى قيام الساعة .
وقد آن الأوان للرد على هذه الفرية الكبرى وإبطالها ، وهي من جملة فرى كثيرة منها ما قلت سابقا ، ظنهم وجود أهل الحديث والفرقة الناجية ! ، وكذلك الجماعة !! .
وما يعنيني هنا على الخصوص اعتقادهم دوام وجود الطـائفة المنصـورة ، فأقول :
قال إبراهيم الحربي رحمه الله تعالى في كتابه القيم غريب الحديث في شرح حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه : ( ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله ) . الظهور ، الظفر على العدوِّ ، وأظهرنا الله عليه . ونقل عن أبي زيد قوله : جاءَ فلان في ظِهْرِيِّهِ ، هم الذين ينهضُ بهم فيما يحزبُهُ . وعن الفراء قوله : الظهير الأعوان.
كما نقل عن الأصمعي : ظاهر فلان فلانا إذا مالأه وأعانه ، والظهير : العون اهـ ( الغريب 3/973 ) .
وهكذا لم يفهم من تقدم معنى الظهور في الحديث إلا على هذا المعنى ، وإنما وقع التأويل والتحريف للمعنى الصريح المراد من الظهور هنا في المتأخرين ، فلم يشترطوا لذلك وجود الطائفة الواحدة ، بل غلا بعضهم بالتأويل وأنزل المعنى على الفرد وجوز تفرقهم في الأنحاء والأزمان ، وكل ذلك من التأويل الفاسد والتحريف للمعنى المراد من صريح اللفظة على لغة العرب في ذلك .
وزاد المتأخرون على هذا فلم يشترطوا أن يكون الظهور بالسنان ! ، وألجأهم مخالفة واقع الحال لعدم هذا الشرط على التقييد ، لما رأوا من أحوال بعض من ظنوهم من الطائفة ولم يكونوا ظاهرين !! ، إلا أنهم اتفقوا وهنا البلاء ، على منع عدم الشرط للظهور على العموم ما لزم منه القول المنكر العظيم الذي صرح به ابن تيمية رحمه الله تعالى وعدَّ خلافه ناقض لأصل من أصول الإسلام مع أنه واقع الحال !! ، فكان التناقض والدليل الصارخ على تيه أفهامهم في إدراك المعنى المراد بالطائفة وظهورها وبقائها من عدمه .
Powered by Backdrop CMS