الفصل الأول

رد شبهة عدم ثبوت صحة هذا الإنجيل

بدعوى أن مرجعه لنسخة وحيدة باللغة الإيطالية

هذا نص كلام مكذب ثبوت صحة إنجيل المسيح : هذا المخطوط هو النسخة الوحيدة المعروفة الآن في العالم وهي النسخة الإيطالية وهي التي نقل عنها هذا الإنجيل . ولغة سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام وحوارييه رضي الله عنهم كانت اللغة الأرامية . فلم تكن لغتهم لا العربية ولا الإنجليزية ، ولا الإيطالية المكتوب بها المخطوط الأوحد الموجود حاليا. واللغة الإيطالية مشتقة من اللغة اللاتينية ومتفرعة منها. أي أنها لغة حديثة وليست قديمة، مثلها مثل الفرنسية والإسبانية والبرتغالية اهـ .  

 

 أقول : كان معها " النسخة الأسبانية " والتي صـرح خليل سعادة مترجم الإنجيل للعربية من الإنجليزية أن بمقدمتها التصريح بترجمتها من النسخة الإيطالية وقد اندرست من الوجود لا يوقف لها في عصرنا على أثر ، وسأبين كذب دعواه هذا الأمر لاحقا إن شاء الله تعالى .

وبمثلها قال عن : إنجيل يسمى " الأغنسطي " طمست رسومه وعفت آثاره يبتدئ بمقدمة تندد " بالقديس بولص " ! وينتهي بخاتمة فيها مثل ذلك التنديد ، ويذكر أن ولادة المسيح كانت بدون ألم ولما كان كل ذلك في إنجيل برنابا فمن المحتمل أن يكون ذلك الإنجيل الأغنسطي أبا لإنجيل برنابا هذا وأن أحد معتنقي الإسلام من اليهود أو النصارى عثر على نسخة منه في اليونانية أو اللاتينية في القرن الرابع عشر أو الخامس عشر فصاغه في القالب الذي تراه فيه الآن فخفى بذلك أصله اهـ (1) .

قال هذا مـع تأكيده على أن القول : بانتحال أحـد كتاب القرون الوسطى لهذا الإنجيل برمته لا يخلو من نظر لأن نحو نصفه أو ثلثه على الأقل يتفق مـع مصادر أخـرى غير التوراة والإنجيل والتلمود والقرآن ، إذ فيه تفاصيل ضافية الذيول لم يرد لها ذكر في الأناجيل إلا على طريق الإقتضاب وليس لبعضها ذكر بالمرة وأن على كثير من هذه .. صبغة القدمية .

ويذكر التأريخ أمراً أصدره البابا جلاسيوس الأول الذي جلس على الأريكة البابوية سنة 492 يعدد فيه أسمـاء الكتب المنهي عن مطالعتها وفي عدادها كتاب يسمى ( إنجيل برنابا ) فإذا صح ذلك كان هذا الإنجيل موجودا قبل ظهور نبي المسلمين بزمن طويل . . اهـ (2) .

وهكـذا بات دأب مترجم الإنجيل في مقدمته أن يدلس ويشكك في صحة نسبة هذا الإنجيل للمسيح يسوع عليه السلام ، وبان سقوط ادعائه النزاهة في ذلك التحقيق فلم يكن منصفا ولا متجردا في تحقيقه وترجمته لهذا الإنجيل مـن الإنجليزيـة للعربية ، فأتى بتلبيسات وتخمينات ليضعف من مصداقيته حـتى تأثر بأكاذيبه هذا الناقل المقلد المعترض وغيره من متعصبة وضلال الصليبية الذين كشفت أباطيلهم بكشف الإنجيل الصحيح عن مدى زيف أناجيلهم المنحولة والمقتبس لها من إنجيل يسوع الصحيح الكثير والكثير وأضيف إليه الكثير أيضا من الكذب والتناقضات التي أظهروا فيها ما زعموا انه إنجيل المسيح .

سرقـة جلية بانت حقيقتها بعد الوقوف على مـتن الإنجيل الصحيح ليسوع المسيح عليه السلام ، المنقول منه جـل تفاصيل وردت بأناجيلهم ، ولطالما حرصـوا على إخفاء هذا الإنجيل بعيدا عن أعـين الناس حتى لا تتم فضيحتهم وتنكشف أسرار باطلهم ويعرف الخلق أن أناجيلهم مكذوبة حقا وعالة على ما كتبه برنابا رضي الله عنه .

وإذا نظر المحقق المنصف بعين البصيرة والتجرد الحقيقي في كليهما يجد أن من ذلك الإنجيل الصحيح كانت اقتباسات أناجيلهم بالفعل ليتسنى لهم البناء عليها بالكذب وادعاء الباطل ، وكم كانت تحريفاتهم السخيفة مكشوفة بعد ما حذفوا من الحق والصدق الذي نقله برنابا عن المسيح عن ربه وعن أسفار أنبيائه ما حذفوا ، وكذلك ما قصه من كلامه عن أحداث عاصرها أثناء التزامه المسيح في حياته الدعوية ما أنار له السبيل ومهد لقلمه القوة لتدوين ما دون ، وكان ذلك بوصية من المسيح نفسه وبأمر منه عليه الصلاة السلام ، فقد كان رضي الله عنه لا زال يكتب بين يديه وكان المسيح يفشي له بعض أسراره ويتعهده ليطمئن على نقل الإنجيل للناس من خلال هذا التلميذ البار الكاتب .

اقتبسوا ليطمسوا بشارة المسيح بمحمد المصطفى صلى الله عليه وسلم وحفيده المهدي عليه السلام وإعلانه حقيقة دعوته الممهدة لبعث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، ولأجل يزيفوا على الخلق حقيقة مهمته هذه ، وأنه لم يبعث إلا لأجل دعوة اليهودية للتوبة والرجوع إلى الله تعالى ، مع البشارة باقتراب تحقق بعث المسيا رسول الله المصطفى ، ومن بعده حفيده المهدي صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين ، وأن لا خلاص لهم ولجميع الخلق إلا باتباع رسول الله حين يبعثه الله تعالى ، وأن بذلك ستبارك قبائل البشر كما وعد الله تعالى سيدنا إبراهيم عليه الصـلاة والسلام ، وأن مـن لم يتبعه فسينتقم الله تعالى منهم ويسلط عليهم حفيده الذي سيكون ذا سلطان في وسطهم .

فلم يرضي ذلك اليهود فقاموا على حربه وطمس تلك العلائم في دعوة المسيح عليه الصلاة والسلام وتلك الحقائق التي بينها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما سيكون عليه أمره وأمر حفيده المهدي ، فكانت بدعة بولص لإدخـال كل من يؤمن بدعـوة المسيح الكفر الأكبر ، طمسا لهذه البشارة والدعـوة وعملا بتحقيق أهم شرط عند قراء اليهود وكهنتهم لتحقق بعث المسيا المخلص بحسب اعتقادهم .

فإن من أهم شـروط تحقق بعث المخلص عند اليهود كثرة الكفر في الأرض والتجديف على الله تعالى ، وخير وسيلة لنشر ذلك وتحقيقه كانت عن طريق نشر مذهب الصليبية في الأرض وقد تم لهـم ذلك ، فاليهود ليس من أصولهم نشر دين موسى بل نشر الهرطقة ليتحقق بعث مخلصهم ! ، فكل ما كثر الكفر والتجديف على العلي وعم الأرض كان ذلك إيذانا بتحقق بعث المسيا برأيهم ، فجاء بولص بكل حـرص وإخلاص يعمل على تحقيق هذا الشرط .

ولكم اجتهدوا ولا زالوا لمنع هذا الإنجيل من الظهور حتى لا تكشف الحقيقة تامة للناس ، وحتى لا تعرف مهمة المسيح كيف كانت على الحقيقة فيبطل بالعلم بذلك كل ما أسسوه في عبادة الصليب ورفعه من مقام النبوة للإلهية ، وسيبقون أبدا يشككون به بعد ما عجزوا عن طمسه وإخفائه عن أعين الناس مثل مـا فعلوا مع النسخة " الإنجليزية " ومـا سبقها كالإنجيل المسمى " الأغنسطي " على ما ذكره هذا المترجم الكذاب , كذلك بما فعلوا بالنسخة الأسبانية وغيرها مما لم نعلمه .

وكان على نهجهم هذا المترجم الصليبي مع دعـواه النزاهة بالتحقيق بمدى ثبوت نسبة هذا الإنجيل لتلميذ المسيح برنابا الصديق ، فانطلق من مبدأ التشكيك بها وإحالتها لأصل متخيل الوجود برأيه ، وهذا بحد ذاته فرية تنقض كل دعـوى له بالنزاهة ، فالإثبات لا يقوم على مجرد الخيالات والتصورات وهناك ما ينافيها وينقضها ، بل لابد من دليل يرتقي على كل تخمين وشك تقوى به ظنونه ولا دليل .

وكان من كذبه وشدة تدليسه نفيه فرضية أن لا أصل لهـذه النسخة الإيطالية مع دعواه أن النسخة الإسبانية مترجمة من النسخة الإيطالية ، من أجل أن يجزم تخرصا أن هذه النسخة الإيطالية إنما تعود لأصل عربي ولو لم يثبت الوقوع عليه ، وأعجزه الرد وهو يزعم هذا الزعم مع اعترافه أن كاتب هذا الإنجيل مطلع على أسفار الأنبياء وكتبهم اطلاعا بتمكن ، حتى أنه يعزو بعض شيء لسفر دانيال وهو من غير الموجود في نصه الحالي ، وهي قصة عن النبي هوشع وحجي .

كذلك إشارته لكتيب وجد عند رئيس الكهنة اليهود وفيه عن موسى عليه السلام ذكر المسيا هو غير موجود بين اليهود الآن ، ولا يمكن لمثل هذا أن يقع من كاتب وهو على ما زعم هذا المترجم الكذاب ، بل لا يكون هذا إلا ممن عاصر المسيح وكان له هذا الإطلاع النافذ ، حتى أن التحريف وقع بعده وإخفاء بعض النصوص كذلك ما يدل على سبقه لهم .

كذلك إيراد كاتب الإنجيل مـا فيه مخالفة لمـا تقرر بالقرآن وبعض الشريعة في الإسلام على ما سأبينه ما قبل نهاية هذا الفصل ، وكل ذلك يرد على مزاعم هذا الصليبي بأن كاتب الإنجيل مسلم .

وهكذا كانت تخرصات هذا المترجم وشدة كذبه حين جزم على مـا لم يقدر على إثباته وعده من أوثق شيء ولم يقدر على إبطال ما يناقضه ، فقال : إني أشد ميلا للاعتقاد بالأصل العربي من سواه ، إذ لا يجوز اتخاذ عدم العثور على ذلك الأصل حجة دامغة على عـدم وجوده وإلا لوجب الاعتقاد بأن النسخة الإيطالية هي النسخة الأصلية لهذا الإنجيل فإنه لم يعثر أحد قط على نسخة أخرى سوى النسخة الأسبانية والتي ورد في مقدمتها أنهـا مترجمة عن الإيطالية اهـ (3) .

عدم العثور على أصل لهذه النسخة عربي أو غيره لا يفيد بحال إلا أن يكون لها أصل بالعربية ، وقد أقر بنفسه قبل أو بعد بعدم وجود أي إشارة لوجود مثل هذا النص عند العرب أو المسلمين ، ولو كان لشاع ولثبت من غير أن يتكلف هذا الجائر الملبس ويتخرص بدعوى وجوده ولو لم يقع عليه أحد .

ثم زعمه بالكذبـة الأخرى أن النسخة الأسبانية إنمـا هي منقولة عن الإيطالية وأن الزمان انتهى بهـا للطمس فقال : وجد في أوائل القرن الثامن عشر نسخة أخـرى أسبانية جـر عليها الدهر ذيل العفاء فطمست آثارها ودرست رسومها اهـ .

وصرح أنه وقف على مجرد شذرات تم له مقارنتها بالترجمة الإنجليزية المنقولة عن النسخـة الإيطالية الموجـودة الآن في مكتبة بلاط فيينا فقال : وجـدت الأسبانية ترجمـة حرفية عن تلك ولم أر بينهما فرقا يستحق الذكر اهـ (4) .

وهـذا لا يقطع به بمجرد التخمين والوقوف على شذرات منها ، فقد تكون نسخة أخـرى نسخت من الأصل المنسوخ منه الإيطالية ، أو كتبت بالاستقلال للسان الأسبان من الابتداء ولا ارتباط بينها وبين الإيطالية على زعم هذا المترجم الكذاب الملبس الذي بلغ من تخرصه أن يحيل تلك النسخ وغيرها لنسخة عربية ولو لم يوجد لذلك أي حقيقة ، وهذا قول بغير علم .

كذلك شبه التطابق مـا بين النصين حـري يكون أقوى بالدلالة لمرجعيتهما لنص إنجيل واحـد وهو الصحيح ، فليس من الطبيعي أن تقلب دلالة شبه التطابق عن هذا لما قاله هذا المترجم الصليبي ، ولا أن تكون حجة في وحدة المرجعية لكليهما وهو الإنجيل الصحيح ، أما مجرد ادعاء كتابة شخص ما مجهول أن هذه النسخة نقلت من تلك ثم لا يقع دكتور سعادة إلا على بضع وريقات منها فيخول له ذلك الحكم بصدق مـا زعم الكاتب المجهول ، فهذا مجرد رأي لم يذكر دليله لا سعادة ولا من نقل قوله ورجحه لهوى في دينه الباطل لا يعول عليه ، بل الترجيح الأقرب أن تكون مرجعية النسختين للإنجيل الصحيح ولو تطابق في الكثير من النصوص فهما ترجمة لأصل واحد ومن الطبيعي أن يتم التطابق بينهما بالكثير مما ورد في النص .

وتبقى حقيقة أنهـم لازالوا في إرادة إخفاء هذا الإنجيل المبارك لا تفتر عزيمتهم عن ذلك أبدا لكن الله تعالى قدر خروجه لتتحقق نبوءة المسيح نفسه بالإنجيل ، أن مـن بعده سيطمس إنجيله ويدنس من الكفرة وأن الله تعالى سيقدر إخراجه وإعلانه وتطهيره من رجس هؤلاء الكفرة المشركين ، ومما قال عليه السلام في هذا الخصوص : لعمر الله الذي أقف في حضرته مع أني الآن أبكي شفقة على الجنس البشري لأطلبن في ذلك اليوم عدلا بدون رحمة لهؤلاء الذين يحتقرون كلامي ولاسيما أولئك الذين ينجسون إنجيلي (5) .

وإن كان هذا المعترض المشكك بصحة إنجيل المسيح ومن قلدهم ليسوا ممن دنس هذا الإنجيل ، إلا أن لهم نصيب من احتقار كلام المسيح بإنجيله ، وعليه سيطلب المسيح من الله تعالى يوم القيامة كما وعد بأخذ حقه من هؤلاء وتعذيبهم لذلك ولن ينفعهم حينئذ دعواهم عدم قيام البرهان ! على صحته ، إذ أن الحق يلزم كل من بلغه ولو لم يتضح له أنه حق أو أن لا يكون ملتبس إذ لا زال الشيطان يلقي بوجه الحق شبهه ويحرف من خلال أعوانه معالمه فيكون من بعد الجلاء أخفى من دبيب النمل إلا على من هداه ، ولا عذر لهم يومها بذلك إلا أن يكونوا ممن بذل الوسـع والاستقصاء في تبين ذلك ثم لم يهتدوا له وهم لم يفعلوا ، وهذا قد يقال برسالة من رسول لأمير أو بورقة عفى عليها الزمان حتى كادت تضمحل وتهترئ من تعاقب طبيعته عليها ، ولا يقال مثل ذلك بوجادة لكتاب كامل المتن متناسق الفصول يذكر ما لا وجود لذكره من الزيادات في بعض أسفارهم الآن ، مثل قصة النبي حجي وهوشع في سفر دانيال على ما ذكرت قبل ، وكذلك كتيب يذكر عن موسى عليه السلام أنه رأى في منام لـه المسيا وذكر أنه من ولد إسماعيل عليه السلام ، كان وقع عليه أحد الكتبة ممن عاصر المسيح وجلس معه ، وجده عند رئيس الكهنة ولا وجود له بالعلن في ذاك الوقت وبعده .

فمثل هذا البلوغ بنص كتاب كامل تام متصل السياق بأعذب كلام وأصدق إنباء وأصرحه بياناً وإيماناً ، يدعو لتوحيد الله واجتناب الشرك به ، يحث على العمل وفق الخصال الحميدة ويشجع على إخلاص الدين لله تعالى الحق ، ثم يأتي الله تعالى على إخباره فيتم له التصديق ، فهذا لا شك يخسر من يكذبه مثل ما خسر من عمل على أن يدنسه ولا يألوا جهدا في سبيل تحقيق ذلك ، ولن تكون شفعة يوم الحساب يوم يتقابل الخصوم لمن فرط ولم يفحص بعين قلبه حتى يجد الحق بهذا الكلام النوراني ، والخسران حتمي لمن خاصمه رسول من أولي العزم .

قال عليه الصلاة والسلام :

 أمـــا من خصوصي فإني قد أتيت لأهيئ الطريق لرسول الله الذي سيأتي بخلاص العالم ، ولكن احذروا أن تغشوا لأنه سيأتي أنبياء كذبة كثيرون يأخذون كلامي وينجسون إنجيلي .

حينئذ قال اندراوس : يا معلم اذكر لنا علامة لنعرفه .

أجاب يسوع : إنه لا يأتي في زمنكم بل يأتي بعدكم بعدة سنين حينما يبطل إنجيلي ولا يكاد يوجد ثلاثون مؤمنا في ذلك الوقت يرحم الله العالم فيرسل رسوله الذي تستقر على رأسه غمامة بيضاء يعرفه أحد مختاري الله تعالى وهو سيظهره للعالم ، وسيأتي بقوة عظيمة على الفجار ويبيد عبادة الأصنام من العالم ، وإني أسر بذلك لأنه بواسطته سيعلن ويمجد الله ويظهر صدقي وسينتقم من الذين سيقولون أني أكبر من إنسان.

الحق أقول لكم  : " أن القمر سيعطيه رقادا في صباه ومتى كبر هو أخذه كفيَّـه " .

فليحذر العالم أن ينبذه لأنه سيفتك  بعبدة الأصنام ، فإن موسى عبد الله قتل أكثر من ذلك بكثير ولم يبق يشوع على المدن التي أحرقوها وقتلوا الأطفال لأن القرحة المزمنة يستعمل لها الكي .

وسيجيء بحق أجلى من سائر الأنبياء وسيوبخ من لا يحسن السلوك في العالم وستحيى طربا أبراج مدينة آبائنا بعضها بعضا فمتى شوهد سقوط عبادة الأصنام إلى الأرض واعترف بأني بشر كسائر البشر فالحق أقول لكم أن نبي الله حينئذ يأتي اهـ (6) .

وقال أيضا : عندما يأخذني الله من العالم سيثير الشيطان مرة أخرى هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عادم التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله فيتنجس بسبب هذا كلامي وتعليمي حتى لا يكاد يبقى ثلاثون مؤمنا حينئذ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الأشياء لأجله الذي سيأتي من الجنوب بقوة وسيبيد الأصنام وعبدة الأصنام وسينتزع من الشيطان سلطته على البشر وسيأتي برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به وسيكون من يؤمن بكلامه مباركا .

ومع أني لست مستحقا أن أحل سير حذائه قد نلت نعمة ورحمة من الله لأراه ! .

فأجاب حينئذ الكاهن مع الوالي والملك قائلين :

لا تزعج نفسك يا يسوع قدوس الله لان هذه الفتنة لا تحدث في زماننا مرة أخرى لأننا سنكتب إلى مجلس الشيوخ الروماني المقدس بإصدار أمر ملكي أن لا احد يدعوك فيما بعد الله أو ابن الله .

فقال حينئذ يسوع : إن كلامكم لا يعزيني لأنه يأتي ظلام حيث ترجون النور ولكن تعزيتي هي في مجيء الرسول الذي سيبيد كل رأي كاذب فيَّ وسيمتد دينه ويعم العالم بأسره لأنه هكذا وعد الله أبانا إبراهيم ، وأن ما يعزيني هو أن لا نهاية لدينه لأن الله سيحفظه صحيحا .

أجاب الكاهن : أيأتي رسل آخرون بعد مجيء رسول الله ؟

فأجاب يسوع : لا يأتي بعده أنبياء صادقون مرسلون من الله ، ولكن يأتي عدد غفير من الأنبياء الكذبة وهو ما يحزنني لأن الشيطان سيثيرهم بحكم الله العادل فيتسترون بدعوى إنجيلي اهـ .

وقال في موضع آخر من الإنجيل : فمتى جاء رسول الله يجيء ليطهر كل ما أفسد الفجار من كتابي اهـ (7) .

وقد تم ذلك بما أنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم من كلام الله تعالى الذي برَّأ فيه المسيح من تلك القتلة الشنيعة ، ونبأ الخلق أنه لم يمت بل رفع عند ربه وسيعود قبل نهاية الدنيا ، ومصداق ذلك أن بنَفَسهْ سيهلك الله كل من يزعم أنه إله أو ابن إله عند عودته ، وهي دعوى الملعون بولص وقد تنبأ المسيح نفسه بهـذا وأكده على الجـزم أن ذلك حاصل بعده : " سيثير الشيطان مرة أخرى هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عادم التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله فيتنجس بسبب هذا كلامي وتعليمي " .

وهذا من أهم الأنباء التي قالها بإنجيله وأصدقها تحققا بعده عليه الصلاة والسلام ، فقد زُعِمَ عليه ذلك ، وعادم التقوى يريد به ( بولص ) الملعون وهو بالفعل من روج لهذا الباطل بعد ما تأكد لدى رئيس الحاخامات وقراء اليهود دفع المسيح لهذا الاعتقاد وإنكاره أمام الجمهور وبحضرة كبار اليهودية أشد الإنكار ، لكنهم لاحقا بعد ما انقضى الأمر على ما انقضى عليه وكان يقينهم قد تم على معرفة كره المسيح لهذا الاعتقاد أن ينسب له ، حركوا تشفيا (عادم التقوى ) بعد علمهم بهذا كيداً منهم للمسيح ولما دعا له بأمر من كبار اليهودية بالمال ، بولص المرتزق المشاق لله ولرسوله استجاب لهذا المخطط الشيطاني فورا وادعى كذباً أنـه التقى بالمسيح من خلال الروح ، لينشر هذا الباطل ويلبسه لبوس الحق بحسب ما يستطيع لذلك سبيلا وادعاء على المسيح عليه السلام بحجـة أنه قابله ، فانطلت هذه الخدعة من كاذب على السذج والبسطاء من الناس ، فتم له ذلك على مذهب المقتبسة الكذبة المزيفة على حساب إنجيله الصحيح ، وإلا برنابا نبذه وأعلن البراءة منه ومما قاله لله ولرسوله ، فكان ذلك بقدر حتى يقضي الله أمراً مكتوباً عليهم جميعا (8) .

وتم ذلك أيضا ـ أعني تطهير إنجيله ـ : بإعلان هذا الإنجيل المبارك من خلال موقع المهدي عليه الصلاة والسلام حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم ليتحقق خبر المسيح بذلك ، وما كان لكل البشر ولو اجتمعوا لمنع ذلك أن يكون ، فإرادة الله تعالى قاضية على إرادات كل المخلوقات ولو راموا جميعا معارضته ومنع ما قدر له أن يتحقق .

وقبل التعليق على هذه النبوءات الإنجيلية لبيان وجه الحق في تأويلها ـ سيأتي التعليق عليها في الفصل التالي ـ أقول :

أنه على مثل هذه الإرادات الزائفة الباطلة درج هذا المعترض فيما قاله ساعيا للتشكيك بصحة نسبة هذا الإنجيل لكاتبه البار برنابا بحجة أن مرجعه لنسخة مترجمة باللغة الإيطالية وهي النسخة الوحيدة بالوجود التي يرجع لها الإنجيل ، وأن تلك اللغة الإيطالية الـتي يرجع لهـا هذا الإنجيل من اللغات المعاصرة ، وهي شبهة رددها قبله قساوسة من النصرانية المحرفة المشركة (9)

وهنا أقول للرد على ذلك :

أن هناك ما يسمى بترجمة النصوص من لغة لأخرى وكون الناس تجهل المصدر الأساسي المترجم منه نص النسخة الإيطالية لا يعني هذا بالقطع بطلان نص تلك النسخة الإيطالية المترجمة عـن إنجيل المسيح لعدم وقوف المتأخرين عليها وعدم العلم بالشيء ليس علما بعدمه ، وقد علم من تأريخ دعوة البار برنابا ومرافقه على ذلك في بدايات الأمر المتعجرف عديم التقوى " بولص " أن الأخير كاتب أهل روما وبأي لسان كاتبهم لأجل الدعوة فبرنابا نقل لهم الإنجيل بحسب ذلك ، ثم بعد ذلك ليترجم للغة الرومان الحديثة ويعدم ذاك الأصل دون الناس ، سـواء كان بلسان الرومان القديم أو بلغة اللاتين أو اليونان فلا فرق بعد ذلك ما دام التأريخ أثبت مكاتبة الرومان بأصول هذا الدين الجديد ممن قارب عصر المسيح عليه الصلاة والسلام وعاصر أقرب تلاميذه الصديق برنابا كاتب الإنجيل وناشره .

وقد تم لإبن تيمية رحمه الله تعالى النقل عن ابن البطريق وهو سعيد بن البطريق بطريرك الإسكندرية الطبيب والمؤرخ المصري صاحب كتاب " نظم الجوهر " ذكر فيه أخبار النصارى ومجامعهم واختلافهم ، ومما ذكره عنه شيخ الإسلام : أن بعد القيصر " طيباريوس " ولي اثنان في عهد الأخير منهم كتب " متى " إنجيله بالعبرانية في بيت المقدس ، وفسره من العبرانية إلى الرومية " يوحنا " صاحب الإنجيل .

قال : وفي عصر نارون بن قلوديوس القيصر كتب " بطرس " رئيس الحواريين الإنجيل ( إنجيل مرقس ) عن مرقس بمدينة رومية ونسبه إلى مرقس .

وقال أيضا : وفي عصر هذا الملك كتب " لوقا " إنجيله بالرومية ، إلى رجل شريف من عظماء الروم يقال له " فوفيلا " فكتب له أيضا الأبركسس الذي فيه أخبار التلاميذ (10) .

وهنا إخبار من رجل صليبي أن إنجيل لوقا كتب باللسان الروماني مع أخبار التلاميذ ، وكذلك إنجيل مرقس كتب بمدينة رومية مـا يعني أنه أيضا كتب باللسان الروماني ، كذلك إنجيل متى ترجم من العبرية للرومانية على يد " يوحنا " وهو ممن ينسب له إنجيل كذلك ، فلا يستبعد على هذا وللتلاميذ والأناجيل هـذا الاتصال باللسان الروماني أن يكون إنجيل المسيح الصحيح كتب هو كذلك باللسان الروماني أو ترجم له على النحو المذكور على يد سعيد بن البطريق صاحب كتاب " نظم الجوهر " ، والقوم أدرى بأخبارهم وأقرب ممن بعد عن ذلك ولو كانوا من أهل ملتهم .

ثم أقول أن هنا تدليس من المستشهد سواء كان " خليل سعادة " أو من قلده إذ لا يلزم من النسخة الإيطالية وأنها كتبت بلغة متأخرة أن لا تكون نقلت عن نص " يوناني " مثلا أو " لاتيني " أو روماني وهو الأقرب على ما مر معنا في خبر أناجيلهم المحرفة على ما ذكره صاحب " نظم الجوهر " ، فلابد أنَّ هذه النسخة منقولة عن لغة أخرى كتب بها الإنجيل ولا برهان عندهم قاطع أن لا تكون تلك اللغة لسان روما القديم المعاصر لدعوة برنابا ورفيقه السابق عديم التقوى بولص وبذلك يكون قد تحقق لتلك الترجمة أقصر طريق وأكثرها اختصارا من لغته الأصلية ، والناس قديما وحديثا تصالحوا على قبول النقل والترجمة من لغة للغة ، بل قد تتعدد على المرجع لغات كثيرة ومع هذا يقبل ذلك ثم ماذا ؟! ، أيعني هذا بطلان ترجمة بعينها ، مثل أن نقطع ببطلان الترجمة العربية المنقولة عن الإنجليزية لو ما خفت علينا تلك النسخة " الإنجليزية " ؟!.

هذا تخرص وكذب لا شك ، إذ أن من المعلوم استحالة نقل النسخة الإنجليزية عن لا نسخة ، ومثله يقال بالنسخة الإيطالية أنها حتما نقلت عن نسخة غيرها بلغة غير اللغة الإيطالية التي زعم المعترض أنها حديثة ، سواءً قلنا بقدمها أو بحداثتها هذا إن لم يكن كما قلت أن ابتداء تدوين هذا الإنجيل كان باللسان الروماني القديم لثبوت مراسلة " بولص " عديم التقوى لذلك اللسان وبهذا تأمين موثق لتمكين اللسان الروماني لما كان يريد قوله بولص وبرنابا ، كل عن دينه وبشارته التي يدعو لها ، كيف وقد ذكر ابن البطريق أن بعض الأناجيل وأعمال الرسل كتبت بيد التلاميذ أنفسهم للسان الروماني ؟ ، فما هذا التحكم الجائر الذي يمنع أن يكون إنجيل المسيح الصحيح بقلم برنابا كان قد نقل للسان الروماني مثل ما انتقل غيره ؟! .

فلابد من حصول ذلك ، وترجمة الكلام أو المعاني من لسان للسان أمر مشهور ومعلوم في البشر بديهة لكن هؤلاء المكذبة والذين أعماهم الكفر إلا يصرون على التشكيك بكلام الأنبياء متى ما أعلن للناس ، وإن قدروا أخفوه بالمرة وأبعدوه عن أعينهم ، وإلا بقوا يشككون فيه بقصد إضعاف يقين الناس به .

قال "عبد الأحد داود " كلداني وهو قس أسلم مطلع قوي بدراسة العهدين وعلى دراية واسعة في هذا الخصوص :

هناك نصان رئيسيان للعهد الجديد من النسخة اليونانية ، الأول باللغة " السريانية " والثاني باللغة اللاتينية . والنسخة الآرامية هي أقدم من الترجمة اللاتينية للكتاب " المقدس " ، ومما هو معروف بصفة عامة أن كنيسة روما ، وخلال القرون الأربعة الأولى ، لم يكن لديها كتب مقدسة ولا طقوس دينية باللغة اللاتينية ، ولكن ما توفر لديها كان باللغة اليونانية .

وقبل المجمع المسكوني المنعقد سنة 325 م لم يكن قد تم تجميع لائحة الأسفار المؤلفة لكتاب العهد الجديد ، وبالأحرى لم يكن قد وضع بعد .

وكان هناك العديد من الأناجيل والرسائل الإنجيلية تحمل أسماء مختلفة للأنبياء ولأصحاب المسيح ، والتي احتفظت بهـا بعض المجتمعات المسيحية كأسمـاء مقدسة ، ولكن المجمع المسكوني قد رفضها معتبرا إياها غير شرعية وزائفة .

ولما كانت الرئاسة أو المركز التعليمي للغة السريانية مقره في " أوراهي " أي " إيديسا " وليس في " أنطيوخ " ، فقد كانت نسخ العهد الجديد تترجم مـن الإغريقية في " إيديسا " وذلك بعد انعقاد المجمع الكنسي الشهير في " نيسيا " ( نيقية ) .

وبالدراسة الفاحصة العميقة للأدب والتأريخ المسيحي القديم ، يتبين بأن أوائل المبشرين بالإنجيل الجديد كانوا مـن اليهود الذين كانوا يتكلمون باللغة الآرامية أو باللغة " السريانية " القديمة .

فإن كان هذا الإنجيل وثيقة مكتوبـة أو كان عقيدة ، أو ديانة تدرس وتنشر سنويا ، فإن ذلك يعتبر تساؤلا قائما بحد ذاته ، وأنه يقع خارج نطاق موضوعنا الحالي ، ولكن أمرا واحدا مؤكدا ويقع حتما ضمن محيط موضوعنا ، هو أن أوائل المسيحيين كانوا يقومون بخدماتهم الدينية باللغة الآرامية فقد كانت هي الدارجـة الـتي يتحدث بهـا اليهود والسيريانيون والفينيقيون والكلدانيون والأشوريون ، وأصبح الآن واضحا بأن المسيحيين الذين ينتمون إلى القوميات التي تتحدث باللغة الآرامية ، كانوا حتما يفضلون أن يقرؤوا ويُصلوا بلغتهم الخاصة ، وبالتالي فإن الأناجيل المختلفة أو الرسائل أو كتب الصلاة أو الطقوس الدينية كانت جميعها مكتوبة باللغة السريانية حتى أن الأرمـن قبل اختراع الألف باء الأرمينية في القرن الخامس كانوا يستعملون الحروف السريانية اهـ (11) .

أقول : وقد روي أن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان أمر أحد الكتاب بين يديه وهو " زيد بن ثابت " بأن يتعلم السريانية فتعلمها في سبع عشرة ليلة قال أن رسول الله ذكر له : أن كتبا تأتيه من الناس ولا يحب أن يقرأها كل أحد ، فسأله هل يستطيع أن يتعلم كتاب السريانية ؟ ، فقال : نعم . فتعلمها لأجل ذلك (12) .

وفي رواية عنه قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم كتاب يهود ، فلم يمر بي نصف شهر حتى حذقته . فقال رسول الله : ما آمن يهُود على كتابي (13) .

وقال عبد الأحد داود : ومن ناحية أخـرى ، فإن الذين اهتدوا إلى الدين حديثا من اللاساميين ومن غير اليهود كانوا يقرؤون العهد القديم بلغته الإغريقية " السبعينية " وبطبيعـة الحـال فـإن علماء الفلسفة الإغريقية والقساوسة السابقين في علم الأساطير بعد أن تحولوا إلى العقيدة الجديدة بالإضافة إلى " السبعينيين " من قبلهم ، لا يجدون أية صعوبة في إنتاج " عهد جديد " كي يُتموا ما مضى من العهد القديم ، أو يستمروا فيه .

فكيف أصبح الإنجيل الناصري البسيط الذي أنزله الله مصدرا لإتجاهين فكريين قوميين ، أحدهما سامي والآخر إغريقي ؟ وكيف استطاع أخيرا الفكر المشرك الإغريقي أن يتغلب على العقيدة التوحيديـة السامية ، تحت سيطرة أعـتى وأطغى الأباطرة الإغريق واللاتينيين ، وتحت أعظم القساوسة تعصباً وتشاؤماً من أصحاب العقيدة الثالوثية في بيزنطة وروما ؟ .

تلك نقاط متطرفـة تستحق الدراسـة والتمحيص الدقيقين من قبل العلماء المسلمين الموحدين .

ثم هناك أيضا مسائل وحدة العقيدة والمذهب والنص المنزل ، ذلك لأنه قبل أكثر من ثلاثة قرون لم يكن لدى الكنيسة المسيحية أي " عهد جديد " كالذي نراه في صورتـه وشكله الحاليين ، وليس هناك كنيسة من الكنائس السامية أو الإغريقية ولا كنيسة من أنطاكية أو أديسا أو بيزنطية ولا روما ، تملك جميع أسفار العهد الجديد ، بل لم تكن تملك حتى الأناجيل الأربعة قبل انعقاد المجمع المسكوني في نيسيا ( نيقية ) .

وإني لأستغرب كيف كانت أو كيف يمكن أن تكـون عقيدة أولئك المسيحيين الذين لم يكن في حوزتهم غير إنجيل " لوقا " أو إنجيل " متى " أو إنجيل " يوحنا " فيما يتعلق بتعليم ونصوص القربان المقدس أو المعمودية أو التثليث أو المفهوم الخـارق المعجز للمسيح ، وكذلك لكثير من التعقيدات والمذاهب ؟ .....

وإن نسخة " البشيتا " السريانية لا تحتوي على ما يسمى " بالضروري " أو بالكلمات التأسيسية أو التنظيمية ، الباقية إلى الآن في إنجيل " لوقا " فإن آخـر اثنتي عشرة رسالـة من الفصل 16 من الإنجيل الثاني ، لم توجد في المخطوطات اليونانية القديمة ، وأن ما يدعى " بصلاة الرب " ( متى و لوقا ) ليست معروفة عند مؤلفي الإنجيل الثاني والرابع ، وفي الحقيقة إن الكثير من التعاليم الهامة الموجودة في إنجيل واحد لم تكن معروفة لدى الكنيسة ، ذلك أنها لم تكن تملكها وبالتالي لم تتحقق الوحـدة في طرق العبادة وفي الانضباط والسلطة والعقيدة وفي الوصايا والقوانين لدى الكنيسة الأولى ! ، كما أن الوحـدة في هذه الأمـور غير حاصلة في أيامنا هذه وجـل ما نستطيع أن نستخلصه من كتاب العهد الجديد هو أن الكتب اليهودية المقدسة كانت بمثابة الإنجيل للنصارى في عهد الحواريين ، بالإضافة إلى إنجيل يضم ما أنزل على عيسى بطريق الوحي ! .....

وفي هـذه اللحظة فإني أود أن أسأل جميع الكنائس المسيحية هـذا السؤال :

هـل كـان لدى جميع الكنائس المسيحية في آسيا وأفريقيا وأوروبا : الإنجيل الرابع قبل انعقاد المجمع المسكوني في نيقية ( بآسيا الصغرى عام 325 م ) ؟؟ .

فإذا كان الجواب بالإيجـاب فالرجاء أن تبرزوا براهينكم ، وإذا كان الجواب بالنفي ، عندئذ يجب الإقرار والاعتراف بأن قسما كبيرا من المسيحيين لم يعرفوا شيئا عن " باراكليت " الذي بشر به " يوحنا " فهو عندهم كلمة مبهمة لا تعني " الهادي " ولا " الوسيط " ولا أي شيء آخر .

وهذه جميعا بكل تأكيد هي اتهامات جد خطيرة ضد المسيحية اهـ (14) .

هذا رجل كان على دينهم يتهمهم بإلحاق إنجيل كامل بعد أن لم يكن ، إذ به يضاف لسائر الأناجيل مـا بعد ذلك المجمع بعد أن لم يكن لديهم ومع هذا يعترفون به وآخر تلحق به فصول أخرى ، فمن أين أتوا به ؟ ، ومن أي لغة ترجم وإلى أي منها ؟ ، هل من النص السِّرياني ترجم ؟ أو اللاتيني ؟ ، فمن أيها يكون لن نجد سائر العقلاء إلا يقرون بحاجة البشر لترجمة النصوص لتلقي ما فيها سواء كان أمرا دينيا نبويا أو مصلحة دنيوية ويعتمدون ذلك ، إلا هذا السطحي ومن قلدهم فهو لا يعي ذلك أو أنه يجحد ذلك أو يتعامى عنه لإبطال هذا الكتاب الحق إنجيل المسيح وتأريخ دعوته الصحيح .

مع أنا نجـد هنا المسألة إلحاقات وأناجيل كاملة تزاد وتقر وتقبل ولا بحث عن أصلها ومن أي لغة نقلت ومـا ذلك إلا لأنها من الباطل والباطل يستسهل أمره من الكثير بتسهيل الشيطان تصديقه ، أما الحق فهو المحارب والمنكر من الكثير على الدوام .

ومن أغرب المفارقات بهذا الخصوص ترجمة كتب " ابن سينا " للعربية من اللغة اللاتينية بعد أن كتبت في أصلها بالعربية ، ومع هذا معترف بها غير مشكك بمعانيها رغم ما قد يعتري الترجمات من خطأ أو نقص في نقل المعنى الصحيح لبعض مفردات النص المترجم منه ، لكن يبقى المبنى العام كما هو غير ملتبس المعاني ، وسياق هذا الإنجيل العظيم ونقله للمعاني أثبت على نحو رائع وسامي بشهادة مثل مترجمه للعربية " خليل سعادة " .

كذلك ترجمة أحد أسفار اليهود في كتابهم بالعهد القديم " سفر أيوب " فقد اعترف بعضهم بأنه ترجم للعبرية من لسان آخر كما سيأتي بيانه لاحقا ، ومع هذا قبل وضم لأسفارهم المعترف بها .

وفي هذه الوقفة مع مـا قاله القس كلداني عبد الأحد داود وهو من العارفين بتأريخ ملته وتأريخ كتبهم المقدسة : " هناك نصان رئيسيان للعهد الجديد من النسخة اليونانية ، الأول باللغة " السريانية " والثاني باللغة " اللاتينية " . والنسخة الآرامية هي أقدم من الترجمة اللاتينية للكتاب " المقدس " ، ومما هو معروف بصفة عامة أن كنيسة روما ، وخلال القرون الأربعة الأولى ، لم يكن لديها كتب مقدسة ولا طقوس دينية باللغة اللاتينية ، ولكن ما توفر لديها كان باللغة اليونانية " . أحب أوضح التالي :

هو أن أصل نسخ كتبهم المقدسة يرجع للسان اليوناني ، وهو كما عـرف اللسان الأول الذي اتصـل بـه المبشرون عن المسيح عليه الصلاة والسلام ، بل كان برنابا نفسه رجلا قبرصيا يعرف اللسان اليوناني ، هذا إذا ما قلنا باحتمال معرفته كذلك للسان الروماني ، ولم لا ؟ وهو من اتخذه المسيح كاتبا بين يديه يدون ما يقوله من الإنجيل وغيره مـن تفاصيل تأريخ دعوته للناس ، وقد أمره بفعل ذلك وإبلاغه الناس بعده ، وحثه على أن يفعل ذلك ويوصله لسائر الناس ليعرفوا حقيقة ما جرى خصوصا في قصة " يهوذا الأسخريوطي " يعرفهم كيف أنه هو المصلوب وليس يسوع نفسه .

فكاتب بمنزلة كتلك وهو بأصله يرجع لليونانية لا يستبعد منه معرفته باللسان الروماني وهو اللسان المتصل اتصالا مباشرا بالعبرية بحكم أن بلاد إسرائيل زمن المسيح كانت مستعمرة رومانية ، وانتقال الإنجيل إن كان كتب بالآرامية للسان اليوناني والروماني وسط هذا الوضع متيسر جدا ، إن لم نقل ونفترض أن برنابا أو من يعينه قد كتب هذا الإنجيل باللسانين من باب الحرص على إبلاغ ما فيه للناس كافة كما أمر المسيح برنابا نفسه ، ومن قال بمنع مثل هذا أن يكون فقد قال ما ليس له به علم يقيني ، والواقع يخالفه إذ سبق ونقل عن المؤرخ الصليبي ابن البطريق كتابة بعض الأناجيل وأعمال الرسل باللسان الروماني بيد بعض تلاميذ المسيح .

وبهذا يتضح أن انتقال الإنجيل الصحيح لكل من اللسان الروماني واليوناني وغيرها أوثق وأسـرع من انتقال كتبهم الملفقة المسروقة مـن إنجيل المسيح الصحيح ، إذ أن أصل وجود المحرفة باللسان اليوناني على مـا بينه القس ( ديفيد كلداني داود ) الذي أسلم وهو من دارسي اللاهوت في الصليبية سابقا ومتبحر بها جدا ، فقد صرح بعدم وجود أصل لها بغير اللسان اليوناني ما قبل القرون الأربعة من بعد رفع المسيح يسوع ، ثم ترجمت فيما بعد عنه للاتينية والسريانية ، وقـد بقت الكنيسة الصليبية لأربعة قرون بعد رفع المسيح لا تملك أي كتاب مقدس ولا طقوس دينية مقدسة باللسان اللاتيني وهو ما بعد اليوناني اللسان الذي وجد به أصل كتبهم المقدسة ، لم تكن تملك من ذلك شيء إلا باللغة اليونانية .

ولنفترض أن أصل الترجمة الإيطالية كما يقول هذا المنافق ، من اللسان اليوناني بغض النظر عن تلك الإيطالية هل هي قديمة أو حديثة فكلداني يقول : لم يوجد بالكنيسة الرومانية لأربعة قرون نص كتاب مقدس عندهم إلا باللغة اليونانية وهذا حكمه على النسخ المزورة المنتحلة بعض نصوصها كذبا وزوار من برنابا ، ورغم هـذا فقد يكون الإنجيل الصحيح موجودا لديهم باللسان الروماني لكنهم لم يقروا به وأخفوه فلم يشتهر أمره من ذاك الوقت ، وحين ذاك لم يكونوا قـد أقروا لهم كتابا مقدسا رسميا بعد وإن كان فهو باللسان اليوناني ، وعليه فحكم إنجيل برنابا لا وجه لاعتبار المصداقية من حيث اللغة والترجمة لغيره دونه على هذا ، ولا تستبعد بعد ذلك صحة ثبوت هذا الإنجيل بهـذا من باب أولى على غيره ، لإتصال كاتبه بهذا اللسان وهو من قبرص وكذلك لإتصال اللسان العبري أصلا باللسان الروماني على ما بينت سواء قيل ترجم للرومانية من اليونانية أو من الآرامية مع أن النقولات عن ابن البطريق تثبت انتقال الإنجيل مباشرة للسان الروماني وبيد بعض التلاميذ وفي هذا ما يكفي ، وأين ما يدور الناظر إلا يجد التوثيق أولى بكاتب إنجيل المسيح برنابا من سائر الأناجيل المنحولة والمكذوبة المقدسة ظلما وزورا في الصليبية كلها مع تكذيبهم هذا الإنجيل الصحيح المقتبس منه أكثر نصوص مكذوباتهم تلك ، واعتبار الصحة لتلك المزورة على قول الصليبية أو على قول علماء وفقهاء المسلمين على إقرار بتحريف بعض نصوصها إما حرفا أو معناً دون الحرف رغم انعدام أصلها الآرامي ! ، ما هي بالأولى بذلك من إنجيل برنابا وأن لا يعول على وجود أصله الآرامي مثل ما يريد هذا المكذب مثل عدم التعويل على وجود أصل آرامي لتلك المحرفة ، خصوصا مع ثبوت حقيقة أن تلك المحرفة تعد عالة على الإنجيل الصحيح ، وبأدنى مقارنة بين ما تقرر بإنجيل المسيح وبينها سيتضح هذا جليا من غير إلتباس .

ويجدر هنا الوقوف مع تفصيل مهم حول هذا الأمر لإمام جليل يعد من أبرز من جادل الصليبية حول معتقداتهم وتم له الرد على ضلالاتهم بكتابه القيم " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " قال :

المسيح عليه السلام كان لسانه عبريا وكذلك ألسنة الحواريين الذين اتبعوه أولا ، ثم إنه أرسلهم إلى الأمم يخاطبونهم ويترجمون لهم ما قاله المسيح ، فإن قالوا : " إن رسل المسيح حولت ألسنتهم إلى ألسنة من أرسل إليهم " .

قيل : هذا منقول في رسل المسيح ، وفي رسل محمد صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم إلى الأمم ، ولا ريب أن رسل رسل الله كرسل محمد صلى الله عليه وسلم والمسيح عليه السلام إلى الأمم لابد أن يعرفوا لسان من أرسلهم الرسول إليهم ، أو أن يكون عند أولئك من يفهم لسانهم ولسان الرسول ليترجم لهم ، فإذا لم يكن عند من أرسل المسيح إليهم من يعرف بالعربية ، فلابد أن يكون رسوله ينطق بلسانهم .

وكذلك رسل النبي صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم إلى الأمم ، فبعث إلى ملوك العرب باليمن والحجاز والشام والعراق وأرسل إلى ملوك النصارى بالشام ومصر : قبطهم ورومهم وعربهم وغيرهم ، وأرسل إلى الفرس المجوس : ملوك العراق وخراسان .

ثم ذكر عن الشعبي من عدة أوجه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : ( أئتوني بأجمعكم بالغداة ) . وكان إذا صلى الفجر يجلس في مصلاه قليلا يسبح ويدعو ، ثم التفت إليهم فبعث عدة إلى عدة ، وقال :

انصحوا في أمر عباده ، فإن من أخبر عن شيء من أمور المسلمين ثم لم ينصح حرم الله عليه الجنة ، انطلقوا ولا تصنعوا كما صنعت رسل عيسى بن مريم فإنهم أتوا القريب وتركوا البعيد فأصبحوا وكل منهم يعرف بلسان القوم الذين أرسل إليهم . فقال : هذا أعظم ما كان من حق الله عز وجل عليهم من أمر عباده .

والتوراة إنمـا أنزلت باللسان العبري وحـده وموسى عليه الصلاة والسلام لم يكن يتكلم إلا بالعبريـة وكذلك المسيح لم يكن يتكلم بالتوراة والإنجيل وغيرهما إلا بالعبرية وكذلك سائر الكتب لا ينزلهـا الله إلا بلسان واحد : بلسان الذي أنزلت عليه ولسان قومه الذين يخاطبهم أولا ، ثم بعد ذلك تبلغ الكتب وكلام الأنبياء لسائر الأمم :

إما بأن يترجم لمن لا يعرف لسان ذلك الكتاب ، وإما بأن يتعلم الناس لسان ذلك الكتاب فيعرفون معانيه ، وإما بأن يبين للمرسل إليه معاني ما أرسل به الرسول إليه بلسانه وإن لم يعرف سائر ما أرسل به .

وحينئذ فإن شرط التكليف تمكن العباد من فهم ما أرسل به الرسول إليهم وذلك يحصل بأن يرسل بلسان يعرف به مراده ثم جميع الناس متمكنون من معرفة مراده بأن يعرفوا ذلك اللسان أو يعرفوا معنى الكتاب بترجمة من يترجم معناه وهذا مقدور للعباد ، ومن لم يمكنه فهم كلام الرسول إلا بتعلم اللغة التي أرسل بهـا وجب عليه ذلك فإن مـا لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .

وجمهور الناس لا يعرفون معاني الكتب الإلهية التوراة والإنجيل والقرآن إلا بمن يبينها ويفسرها لهم ، وإن كانوا يعرفون اللغة فهؤلاء يجب عليهم طلب علم ما يعرفون به ما أمرهم الله به ونهاهم عنه ، وهذا هو طلب العلم المفروض على الخلق ممن يعرفه إذ كان معرفة ذلك لا تحصل بمجرد اللسان ! .

فالحجة تقوم على الخلق ويحصل لهم الهدى بمن ينقل عن الرسول : تارة بالمعنى وتارة اللفظ ، ولهذا يجوز نقل حديثه بالمعنى ، والقرآن يجوز ترجمة معانيه لمن لا يعرف العربية باتفاق العلماء اهـ (15) .

أقول : فهل لا يجـوز ذلك ولا يصح ولو لم يعد ذلك قرآنا متلواً ، وكذلك الترجمة عنه ؟! ، هذا سخف وقول ساقط وحجب للعلم المبلغ بقدر الإمكان .

أو هل يقال هذا غير معتمد لإنتفاء وجود أصله ، فترجمة معاني القرآن دون التزام حرفه هنا غير عن القرآن في أصله ؟ ، مـع أن الممكن المستطاع هذا النقل لمانع ما ، ومع هذا أقر به العلماء بالإتفاق وجوزوه ، وفي هذا ما فيه من حجة على من منع قبول وتصديق إنجيل برنابا مترجما من لغة ما حتى يعلم ويوقف على الأصل الأول المترجم عنه وهذا تلبيس وتدليس يراد منه تعطيل الحجة ببلوغ هذا الإنجيل للناس ، وعدم العلم بالشيء ليس علما بالعدم وعدم الوجدان لا يستلزم عدم الوجود ، وهذا أمر الترجمة عن القرآن لا للحرف بل للمعنى ماثلة حقيقته أمام القارئ ومع هذا جُوز ولم يمنع بحسب ما حكاه هذا العالم الرباني .

وما حكم وجود القرآن لمن هذا مقدوره إلا بحكم العدم فهو لم يصل لحرفه بل لبعض معناه مترجما عن لغته الأصلية للغة أجنبية ، ولن يخلوا هذا من بركة وحجة على من بلغه ، لكن منعه والسعي لإسقاط فائدته أو حجته مجرد هراء لا يلجأ إليه عاقل بل هو سفسطة ما لم يقم برهان بين على بطلان ذلك النص المترجم حرفا أو معنا ، أقلها لمن آمن به وصدقه وطلب بركته ولو لم يقف على رسمه ، لكن للكفر طرائق وللتكذيب سبل إلا أن هذا ليس منها ، وكذلك قبول إنجيل برنابا الصديق ليس من طرائق الكذب بل علامات التصديق عليه بادية ، بل علامات سرقة أناجيل الكذب في النصارى منه أكثر جـلاء في الحـرف والمعنى لمن لازال عنده عقل مدرك يعرف الصادق من الكاذب السارق ، بعلامات يبديها الله تعالى على كل منهما وبأدنى مقارنة ما بين ما ورد بالإنجيل الصحيح وما بين اقتباس الكذبة يدرك هذا لأي أحد بل ويجده من نفسه ضروريا بالفرق .

وعلى قول سعادة مترجم الإنجيل : القول بانتحال أحد كتاب القرون الوسطى لهذا الإنجيل برمته لا يخلو من نظر لأن نحو نصفه أو ثلثه على الأقل يتفق مع مصادر أخرى غير التوراة والإنجيل والتلمود والقرآن اهـ .

أزيد بالقول : لو كان موضوعا بحق على هذا الجمع والإتصال لما تأتى منه الزيادة على ما في تلك الأناجيل المكذوبة ما يدل على أنهم اقتبسوا منه ولم يكن هو المقتبس منهم ، ومن خالف هذا الإعتقاد فليقارن قبل مـا يفترض الباطل ، أو يأتي بما يثبت بطلان هذا القول مما ورد في هذا الإنجيل ويكون بطلانه بينٌ ، فما الذي يدعو مـن وضـع هذا الإنجيل أن يتحرى بالإقتباس ليركب لهذا الإنجيل مبناه من سائر تلك الأناجيل المكذوبة ؟، ولا يراعي ويتتبع مـا في القرآن ليقتبس منه على زعم مترجم الإنجيل أن واضعه من المسلمين .

فهو لم ينقل أهم وأخص ما ذُكرَ بالقرآن من أخبار المسيح عليه السلام ، أغفل الكثير الأهم من ذلك :

-     ذكر نزول المائدة من السماء .

-     أو تكليم المسيح الناس وهو بالمهد .

-     أو خلق الطير من الطين بإذن الله تعالى .

فما بال هذا الكاتب يجتهد يقتبس من الأناجيل المحرفة ليبني عليها كتابه المزعوم على رأيهم ، ثم لا نجد له أي همة في تتبع ما ورد في القرآن عن المسيح ويستقصيه ليبني عليه ما كتب ؟، بل وجد فيه ما يخالف ما عند المسلمين سواء في القرآن أو الشريعة ولم يتحاشى من ذكره ، ما يدل على أن هذا الكاتب كتب ما كتب وهو لم يدرك نبي الإسلام والإسلام ليعلم ما أنزل فيه .

ومما خالف فيه ما في الإسلام ما يلي :

أولا : أن المسلم لا يقبل أبدا أن يركع أحد الصديقين لغير الله تعالى ، وقد ورد في هذا الإنجيل أن مريم العذراء وتلاميذ المسيح ركعوا أمام الملائكة المقربين . وهذا لا يسمح أن يكون كاتب إنجيل برنابا مسلما ذا دراية بالقرآن الكريم .

ثانيا : منها أنه يصف الصيام بأنه غير محدود الأيام ، وأنه من نجمة الصباح إلى نجمة المساء ، بينما في الشريعة الإسلامية قد فرض الصوم شهرا كاملا ، من الفجر إلى المغرب .

ثالثا : أن برنابا يأمر في إنجيله بقتل القاتل والسارق والزاني ، أما في الشريعة الإسلامية فهي تنص صراحة على قتل القاتل عمدا وقطع يد السارق ، ورجم الزاني المحصن ، وجلد الزاني غير المحصن .

رابعا : يذكر برنابا في الإنجيل : " إن الله لم يرسل رسولا للجن " . وهذا يصدق قبل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لا بعدها ، لأنه صلى الله عليه وسلم ثبت أنه بعث إلى الثقلين الإنس والجن ، قال تعالى ﴿  وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ . . ﴾ .

خامسا : ذكر في الإنجيل أن الله أمر الملائكة بأن يسجدوا لآدم قبل أن ينفخ فيه الروح ، والقرآن إنما يصرح بأنهم أمروا بالسجود بعد نفخ الروح فيه ، قال تعالى :﴿  فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ (16) .

وهذه جملة نقاط دالة على أن كاتب الإنجيل لم يبنِ بتاتا ما كتب على وفق القرآن فكيف يصح بعد ذلك ادعـاء أن كاتبه ممن أسلم بحجة تصريحه باسم محمد صلى الله عليه وسلم ونسبته العهد لبني إسماعيل ، وأن مسيا ما هو إلا النبي محمد صلوات ربي وسلامه عليه ، وأنه من إسماعيل لا بني إسحاق وغير هذا من دعاوى وتخرصات لا دليل عليها أشار لبعضها الصليبي خليل سعادة مترجم الإنجيل للعربية آخذا من تصريح الإنجيل باسم النبي صلى الله عليه وسلم دليلا على نسبته لمن أسلم من الصليبية أو اليهودية غاضا الطرف مع دعـواه الإنصاف بالتحقيق عن مـا وجـد في الإنجيل مخالفا لما تقرر في المسلمين بديهة ، وكم هو صادق في هذا الصليبي قول محمد علي قطب :

ومن عجب أن المترجم الدكتور سعادة يرى في هذا التوافق دليلا على أن محرر إنجيل برنابا إنما هو مسلم نصراني أو يهودي أسلم ، فهو يميل بالدليل إلى غير وجهته وحقيقته ، والأولى أن يقول بوحدة المصدر ، فالمسلم لا يمكن إطلاقا عرفا وشرعا أن يذكر الروح الأمين جبريل عليه السلام مجردا من غير إضافةٍ تكريميةٍ واجبة .

والمسلم أيضا لا يمكن أن يذكر لفظ الجلالة من غير أن يقرنه بقوله ( تعالى ) اهـ (17) .

قال تعالى :﴿ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ . . ﴾ وقال سبحانه : ﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ . . ﴾ .

وقال سبحانه : ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ . ومما ثبت على وفق هذه الآيات وانبنى من حكم جليل يدريه أهل العلم ، ويجهله أهل الحمق الخائضون بغير عقل في هذه المباحث الجليلة ، فقالوا :

أن القول في الإنجيل كالقول في التوراة وأن كثيرا من نسخ التوراة والإنجيل متفقة في الغالب ، إنما تختلف في اليسير من ألفاظها ، فتبديل ألفاظ اليسير من النسخ بعد مبعث الرسول ممكن ، ولا يمكن أحد أن يجزم بنفيه ، ولا يقدر أحـد مـن اليهود والنصـارى أن يشهد بأن كل نسخة في العالم بالكتابين متفقة الألفاظ إذ لا سبيل لأحـد إلى علمه ، والإختلاف في ألفاظ هذه الكتب موجود في الكثير من النسخ ، كما قد تختلف نسخ بعض كتب الحديث أو تبدل بعض ألفاظ بعض النسخ ....

وكان اليهود عندهم نسخ كثيرة من التوراة وكذلك النصارى عندهم نسخ كثيرة من التوراة ، ولم يتمكن أحد من جمع جميع هذه النسخ وتبديلها ، ولو كان ذلك ممكنا لكان هذا من الوقائع العظيمة التي تتوفر الدواعي على نقلها ، وكذلك في الإنجيل .

ومن قوله تعالى : ﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ . . ﴾ علم أن في هذا الإنجيل حكما أنزله الله تعالى ، لكن الحكم هو من باب الأمر والنهي . وذلك لا يمنع أن يكون التغيير في باب الإخبار ، وهو الذي وقع فيه التبديل لفظا ، وأما الأحكام التي في التوراة ، فما يكاد أحد يدعي التبديل في ألفاظها اهـ (18) .

أقول : وقد تقرر في كلام فقهاء المسلمين أن التبديل الحاصل في كتب أهل الكتاب إنما حصل على وجهين كل وجه قال به نفر من علماء المسلمين :

الأول : أن التبديل وقع على بعض مواضع فيها مـن ألفاظ الأخبار ومعانيها ، لا الأوامر والنواهي .

الثاني : أن التبديل إنما وقع في المعاني لا الألفاظ .

والأخير ممن ذهب إليه الإمام البخاري رحمة الله عليه .

وذكر إبن تيمية رحمه الله تعالى أن : طائفة من العلماء تأولوا قوله تعالى : ﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ . . ﴾ على أنه خطاب لمن كان على دين المسيح قبل النسخ والتبديل ، لا للموجودين بعد مبعث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهو القول المناسب لقراءة حمزة ( وَلِيحْكُمَ ) بكسر اللام فإن هذه لام كي ، فالمعنى وآتيناه لكذا وكذا ، وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ، وهذا يوجب الحكم بمـا أنزل الله في الإنجيل الحـق ، لا يدل على أن الإنجيل الموجود في زمن الرسول هو ذلك الإنجيل .

قال : وأما قراءة الجمهور ) وَلْيَحْكُمْ ( فهو أمر بذلك . فمن العلماء من قال :

هو أمر لمن كان الإنجيل الحق موجودا عندهم أن يحكموا بما أنزل الله فيه ، وعلى هذا يكون قوله تعالى ( وَلْيَحْكُمْ ) أمر لهم قبل مبعث محمد .

وقال آخـرون : لا حاجـة إلى هذا التكلف ، فإن القول في الإنجيل كالقول في التوراة ﴿ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ . . ﴾ فهذا صريح بأن أولئك الذين تحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مـن اليهود عندهم التوراة فيها حكم الله ، ثم تولوا عن حكم الله وقال بعد ذلك : ﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ . . ﴾ وهذه لام الأمر ، وهو أمر من الله أنزله على لسان محمد ، وأمر من مات قبل هذا الخطاب ممتنع ، وإنما يكون الأمر أمرا لمن آمن به من بعد خطاب الله لعباده بالأمر ، فعلم أنه أمر لمن كان موجودا حينئذ أن يحكموا بما أنزل الله في الإنجيل ، والله أنزل في الإنجيل الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، كما أمر به بالتوراة ، فليحكموا بما أنزل الله في الإنجيل مما لم ينسخه محمد ، كما أمر أهل التوراة أن يحكموا بما أنزله مما لم ينسخه المسيح..

﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ  . . .﴾ . وعلى كل قول فقد أخبر الله عز وجل أن في التوراة الموجودة بعد المسيح عليه السلام حكم الله ، وأن أهل الكتاب تركوا حكم الله الذي في التوراة مـع كفرهم بالمسيح ، وهذا ذم من الله لهم على ما تركوه من حكمه الذي جاء به الكتاب الأول ولم ينسخه الرسول الثاني . وهذا من التبديل الثاني الذي ذموا عليه ، ودل ذلك على أن في التوراة الموجودة بعد مبعث المسيح حكما أنزله الله أمروا أن يحكموا به ، وهكذا يمكن أن يقال في الإنجيل اهـ (19) .

قال عز وجل : ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ... ﴾ . ففي هذه الآية وما سبق يفهم أنه من المتعين لتحقيق هذا الأمر القرآني القول بوجوب أمـر الله على أهل الكتاب في إقامة حكم التوراة والإنجيل ، ولا محالة لمن أنكر ثبوت هذا الإنجيل عن المسيح من أحد هذين الإختيارين :

- إما بقول وجوب هذا الأمر وتنفيذه بما يزعم النصارى الآن وقبل أنه الإنجيل الصحيح .

- أو أن الإنجيل الذي كتبه برنابا رضي الله عنه هو الذي كان واجبٌ عليهم الحكم بما فيه على وفق هذا الأمر ولو على خاصتهم الذين أخفوه .

فلا بد من القول بوجود إنجيل توجه أمر الله تعالى إليهم بإقامة حكمه ، ولزاما على مثل هذا المنكر لصحة إنجيل المسيح أن يختار أحد هذين الخيارين حتما وإلا عدنا للقول بأن الأمر الرباني إما كان محال التطبيق لإنعدام وجود الإنجيل ، أو أنه متجه الأمـر للعمل بهذه الأناجيل المحرفة وهذا قول لا شك ببطلانه .

أو أن يزعموا أن الأمر متجه لها ما قبل التحريف ، وهنا يلزمهم بيان المرجح لثبوت هذه الأناجيل وصحتها ما قبل التحريف ، دون إنجيل المسيح الصحيح والذي كتبه تلميذه البار برنابا رضي الله عنه .

وبافتراض أن هذا المنكر المعترض بالدعوى التي ذُكرت أول هذا الفصل مـن المسلمين ، وإن كـان منهم فهو مـن أهل البدع والأهواء والضلالات فيهم ، لا من أهل الصدق والتقوى متحروا العلم على ما مر معنا في مقدمة هذا الكتاب في ذكر أخباره والكشف عن حقيقته التي حرص أن يخفيها عنا ، لكن الله فضحه وكشف ستره !.

وعلى هذا المنكر تقليدا لغيره مـن باب أولى لو كان واعيا أن يشغل نفسه بحق إن كان طالبا للحق وما أبعده عن ذلك ، بأي القولين يتعين عليه أن يدين لله تعالى في أمره النصارى بتحكيم الإنجيل وإقامته ، فأي إنجيل عليه أن يؤمن أن الله تعالى أمر بالحكم فيه هل هو إنجيل برنابا الصحيح ؟ ، أو أناجيل الصليبية المحرفة ؟! ، بدلا من التلاعب وإيهام الذات أنها على شيء وحقيقة الأمر أنها ليست على شيء بتاتا ، بل هي على الباطل الخطير فإنكار كتاب من كتب الله تعالى فيه الهلكة ، وقد وقع بهذا وأضرابه من صليبية أو منافقة ملية ينتسبون للإيمان والإسلام وما أبعدهم عن الإسلام والإيمان الذي أمر الله تعالى فيه بتصديق الإنجيل لا تكذيبه .

أو أن يكون صليبي لعاب يأخذ من كلام هذا ليضرب به هذا ، ويخادع بما يوهم أن ظاهره متناقض أو ملتبس ليعبث باعتقادات الناس ويرمي الشبه في وجه الحق ليصد عن السبيل المستقيم البين غير الملتبس ليوهم الجهال بأنه ملتبس ثم لا يسلمون معه للحق بالصحة والصدق ، مثل ما عمل باعتراضه على صحة ثبوت إنجيل المسيح عليه الصلاة والسلام .

ومما لا شك فيه إن كان صليبيٌ أنه سيبادر للقول بأنه يتعين الإيمان على هذا بأن حكم الله تعالى إنما هو بأناجيل الصليبية المحرفة التي هي الآن بين يديهم ومعترف بهـا من كبار عباد الصليبية فيهم قديمـا وحديثا ، وبعدها سيكون عليه كلامنا في نقض صحة تلك الأناجيل وأنه مبطل هو وملته كلها ، وأن كل مـا أوردته في هذا الكتاب إنما هو في إعتراض دعواهم صحة تلك الأناجيل ، مـع اعتقادهم بطلان وكذب صحـة نسبة إنجيل برنابا للمسيح يسوع عليه الصلاة والسلام .

وإن كانَ في حقيقة باطنه مبتدع تائه منتسب للمسلمين لكن على سبيل البدع والضلال جاهل أحمق يهرف بما لا يعرف ولا يدرك مآل ما يقول وما يلزم عليه من اعتقادات ، فهذا كما قلت يتعين عليه اعتقاد ما الذي يجب عليه العمل في تأويل تلك الآيات التي نصت على الأمـر بالحكم بالإنجيل وإقامته ، ولا بد أن يكون لهذا الإنجيل وجودا حقيقيا ليصح هذا التكليف الرباني ، فأي الأناجيل يختص به هذا الأمر الرباني في تلك الآيات عند هذا المعترض ؟! .

فلا مناص له من هذا الإختيار إمـا أناجيل الصليبية الكاذبة المعهودة لديهم الآن وقبل ، أو إنجيل المسيح الذي كتبه تلميذه البار برنابا رضي الله عنه ، ليصح توجيه التكليف من الله تعالى في الحكم بالإنجيل ، وقد أدرك العقلاء أن الله تعالى لا يكلف إلا بالمستطاع لا المحال أو ما به مشقة .

أما اعتقادنا نحن أهل الحق والتصديق والإيمان هو :

أن هذا الإنجيل هو الذي أمر الله تعالى بالحكم به وإقامته وأن وجوده الآن شرعي واجب التصديق ، قادر على ذلك كل أحد بعد ما رفع وأعلن للخلق كافة من خـلال موقع المهدي عليه الصلاة والسلام ، وأن الله تعالى أوجب عليهم إقامته ولو أخفوه سابقا ، ومن باب أولى إيجاب ذلك عليهم بعد ما أعلن وخرج من حبسهم ، بل بظهوره يصبح الأمر بذلك آكد وأوجب.

وبخصوص قول ابن تيمية رحمه الله تعالى أن التبديل الحاصل بالإنجيل من ناحية الإخبار لا الأمـر والنهي ، فهو رد وقد سلم الله تعالى إنجيل المسيح وخلصه من أن يحرفوه ، بل لم يقووا على ذلك بحمد الله تعالى إلا ما كان من إخفائه زمان ثم خلصه الله تعالى وأظهره برحمته للناس من خلال بعضهم ، وقد اجتهدوا على طمسه والحيلولة دون إعلانه للناس كافة بعد ما أعلنت بينهم تلك النسخ المحرفة واطمئنوا على عدم خروج الأصل " الإنجيل الصحيح " ، لكن الله تعالى لطف وقدر خروجه منهم وإعلانه للناس من خلال هذا الموقع المبارك ليرفع عن المسيح الزيف ويتمكن الناس كلهم من الوقوف على نصه كاملا حتى يوقنوا أن ما كان يزعم أنه إنجيله مجرد أكاذيب متعارضة متناقضة لا نور عليها بل تغشاها ظلمات إبليس اللعين وأعوانه المخلصين المحرفة ، فكان بذلك الإعلان أصدق البراهين وأكثرها إثباتا على أن نبوءات إنجيل المسيح هي التي تحققت على عكس أناجيل الكذب الممتلئة بنبوءات الدجالين ، فهو الذي تحققت نبوءاته وأخباره على ما سأبينه في هذا الكتاب طولا وعرضا ، ومن أظهرها إعلانـه ورفعه للناس ليتم مـا أخبر به أن الله تعالى سيطهر سيرته عليه الصلاة والسلام من كل تدنيسهم وأكاذيبهم التي ألصقوها به هؤلاء الملاعين الكفار ، ولم يتم تمام ذلك إلا بهذا الإعلان عن إنجيله .

ولكم هال الصليبية هذا الإعلان للإنجيل وهذا الكشف للناس كافة حتى قاموا بإنشاء مئات المواقع على شبكة الإنترنت لحرب هذا الإنجيل ومعارضته بشتى الوسائل الممكنة ، وأخـذوا مجددا بطرح الكثير من الشبه والتلبيسات بوجه إعلانه بعد أن حسبوا أن قد مات ذكره ولن يلتفت له أحدٌ أبدا ، وإذا به يخرج لهم بالعلن تاما من غير نقصان يقدر كل أحد على الوقوف على متنه ، فأخافهم ذلك على باطلهم أن لا يبقى متماسكا بعد نشر هذا الإنجيل وتصديق الكثير لما ورد فيه .

ومـن تلك الشبه مـا ردده هذا الأحمق الضال المهذار ، وسيرد الله كيدهم في نحورهم ، والشمس إذا ما أشرقت واستنارت عينها لم تكن حاجتها رؤية العميان بل يهدي الله بها من له عينان سالمتان .

وإني لأعجب من حال هذا النكرة المنكر صحة ثبوت الإنجيل بحال أنه ممن ينتمي للإسلام بحـق ، ويقر لعلماء الإسلام أفهامهم واعتقاداتهم بهذا الخصوص ويأخـذ دينه عن طريقهم ، ومثل ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو المتقدم في هذه المباحث يقول :

" إن ما وقع من التبديل على هذه الكتب قليل والأكثر لم يبدل " .

ورجح رحمه الله تعالى هذا الوجه بكتابه الجواب الصحيح (20) .

وقال : " والذي لم يبدل فيه ألفاظ صريحة يتبين بها المقصود من غلط ما خالفها ولها شواهد ونظائر متعددة يصدق بعضها بعضا ، بخلاف المبدل فإنه ألفاظ قليلة وسائر نصوص الكتب يناقضها " !! .

هذا مع اعتباره : أن ذلك لم يقع إلا بما يتضمن الإخبار لا الأوامر والنواهي . فتلك لم يعتبر قد حصل فيها تحريف .

ثم يقول رحمه الله تعالى مع هذا : بأن المسلمين لا يدعون أن كل نسخة في العالم من زمن محمد صلى الله عليه وسلم بكل لسان من التوراة والإنجيل والزبور بدلت ألفاظها ، فإن هذا لا أعرف أحدا من السلف قاله ! ، وإن كان من المتأخرين من قد يقول ذلك ، كما في بعض المتأخرين من يجوز الإستنجاء بكل ما في العالم من نسخ التوراة والإنجيل ، فليست هذه الأقوال ونحوها من أقوال سلف الأمة وأئمتها . وعمر رضي الله عنه لما رأى بيد كعب الأحبار نسخة من التوراة قال :

يا كعب إن كنت تعلم أن هذه هي التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى بن عمران فاقرأها . فعلق الأمر على ما يمتنع العلم به ولم يجزم عمر بأن ألفاظها تلك مبدلة لما لم يتأمل كل ما فيها .

والقرآن والسنة المتواترة يدلان على أن التوراة والإنجيل الموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فيهما ما أنزل الله عز وجل ، والجزم بتبديل ذلك في جميع النسخ التي في العالم متعذر ، ولا حاجة بنا إلى ذكره ولا علم لنا بذلك اهـ (21) .

وهنا أقول : يكفي من العلم بأن هذا أنجيل المسيح الصحيح ، أنه قال بأخبار غيبية فتحققت مثل ما أخبر كما أنه خالف عقائد اليهودية والصليبية أشد الخلاف مع موافقته للإسلام في الكثير مما أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، مع ثبوت تداول مـن كان على غير ملة الإسلام قبل الإسلام دهرا لهذا الإنجيل ، مع عدم ذكر لمن أمكن له الوقوف على تمامه في المسلمين أو بعضه ، ولا حتى قبل الإسلام من العرب من صح وصول نسخة له من هذا الإنجيل ، بل لا زال متداولا بعيدا عن الجميع إلى ما بعد مبعث المصطفى صلى الله عليه وسلم بسنين كثيرة ، إلى أن قدر الله تعالى أن يخرج من وسط الصليبية بعيدا عن الإسلام والمسلمين ويعلن عنه بعضهم ، ما يدل على أنه لا زال بعيدا عن الإسلام وبقي كذلك إلى أن أخرجـه الله تعالى على يد بعض الصليبية ، ففجع الأشرار من ذلك حينها وأخذوا يتصايحون بالدعاوى على هذا الإنجيل ونسبته لغيرهم من المسلمين كذبا وزورا من أجل إبطاله بما أن الذي ورد فيه يخالفهم ويكشف عن حقيقة عقيدتهم الباطلة ، يهود وصليبية .

لكن نحن أهل الإسلام والإيمان الواجب بما سبق رسولنا من كتب منزلة ، نعتقد صحة هذا الكتاب ونرى من الواجب علينا الإيمان به وتصديقه لما فيه من أخبار صدق وحق ، مطابقة لما أخبر الله تعالى عن بشارة المسيح وأن فيها ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه ، وحين نظرنا لمتنه وجدنا ما به يصدقه القرآن ويؤيده لا يناقضه بعامة ، ولم نرَ بغيره مما يُزعم عندهم أنه إنجيل المسيح ذكـرا لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا التبشير ببعثه بعد المسيح عليه السلام وبيان أنه سيكون سببا لخلاص البشرية ، بل حرف ذلك المعنى وغيَّر وجهته للمسيح نفسه يسوع ما يدل على التحريف والتحوير المقصود .

كذلك وجدنا به من تعظيم الله تعالى وإعلان ذكره الكثير والتأكيد على توحيده ونبذ الشرك به في هذا الإنجيل الكثير مما هو أليق بكتاب من كتب الله تعالى لا بكتاب من تصنيف البشر وتلفيقاتهم ، ولو وقف على نصه عمر أو غيره من السلف رضي الله عنهم لآمنوا به وأيقنوا أن هذا الإنجيل الذي أمـر الصليبية بالحكم به وإقامته ، وبأي إنجيل بعد هذا يؤمن المسلم ويصدق كتاب الله تعالى بما أخبر عن المسيح عليه الصلاة والسلام ؟ .

ثم إن كان مـا قاله ابن تيمية وعليه إجمـاع السلف الذي ينزله على أناجيل الصليبية المحرفة فعلا والمقتبسة من إنجيل المسيح الصحيح بعد تحريف ذلك وتحويله مـن بعد مواضعه ، فما القول بإنجيل المسيح الصحيح الذي لم يقفو على نصه بتاتا مثل ما وقفنا نحن عليه وهذا النكرة ، كيف يمكن أن يقال في حقه على خلاف ما قاله ابن تيمية والسلف على ما ذكرَ عنهم رحمه الله تعالى وهي المحرفة حقا ! ، إن إنجيل المسيح الصحيح أحق أن يصدق ما به ويطمئن المسلم لسلامته من التحريف ، لا تلك التي يقال أن ما حرف بها يسير وأنه واقع على بعض الإخبار لا الأوامر والنواهي فيها ، مع أني ذكرت قبل أن مرجعها للسان اليوناني ولم يكن لدى رأس الصليبية في روما لأربعة قرون أي نسخة من العهد الجديد بلسان غير اللسان اليوناني ، لم تكن لديهم لا باللسان الآرامي ولا غيره أي نسخ بكتب عقيدتهم الباطلة ، حتى أنها ترجمـت مـن اليونانية لاحقا للسريانية واللاتينية ، وهـذا أقصى مرجعية لأناجيلهم المحرفة تلك .

وبينت على هذا أن إنجيل المسيح عليه الصلاة والسلام أثبت على هذا في البلوغ منها إن لم يكن مساويا لها وهو بعيد ، لما سبق تقريره من أن برنابا نفسه كان قبرصي الأصل متمكن من اللسان اليوناني ، فإما أن يكون قد كتب هذا الإنجيل لأهل روما وهم محل وهدف بشارة المسيح من خلال رسله ومن لحق بهم مثل " بولص " عادم التقوى ، وهو من أكثر من نشط عليهم بالبشارة ذلك الدجال الملقب كذبا عند الصليبية رسول فقد كانت روما مقصد أكثر نشاطه وحتى غيره من تلاميذ المسيح على مـا ذكره المؤرخ الصليبي ابن البطريق ، وليس برنابا ببعيد عنهم في ذلك .

وعليه أقول : إمـا كُتِبَ لهـم الإنجيل الصحيح باللسان اليوناني فيتساوى مع أناجيل الكذب على هذا في المصدر والمرجعية ، أو أنه كتب لهم بالروماني وغير مستبعد هذا لأنه لا زال يحارب ويقصى ومن الطبيعي أن يعدم أصله والحال على هذا ، وقد يكون هو الأكثر تداولا في روما وغيرها ما قبل أن يقرر هؤلاء الكذبـة على الله ورسوله أي الأناجيل المحرفة تقبل وتضفى عليها القداسة وما الذي يقصى ولا يقبل ، وكان قبل ذلك يتداول إنجيل المسيح على نطاق واسع قبل ما يحكم عليه بالإبعاد .

ثم قلت قبل أن اليهودية والقبرصية وإنطاكيا كانت مستعمرات رومانية واللسان الروماني غالب عليها ويسهل التوصل له من خلال الترجمة أو من خلال معرفـة الكاتب نفسه باللسان الروماني أو اليوناني وهذا غير مستبعد على وفق ما تقرر سابقا بنقل بعض الأناجيل وأيضا على وفق حال الكاتب نفسه برنابا وتمكنه من الكتابـة باليونانية ولذا اختاره لهـذه المهمة المسيح يسوع عليه الصلاة والسلام ، وبكل الأحـوال قلت أن إنجيل المسيح عليه الصلاة والسلام بقلم تلميذه البار برنابا هو أكثر توثيقا ومصداقية وثبوتا من أناجيلهم المحرفة الكاذبة ، لا في المرجعية ولا بذات النصوص .

وهو أحق بالتصديق كذلك بالنسبة للمسلم على اعتبار ما قاله إبن تيمية وعده المذهب لما عليه سلف الأمة وأئمتها وهو نفي القول بانعدام أي نسخة للإنجيل في العالم كله سلمت من التبديل ! ، مع إقرارهم بالمحرفة أن فيها أصل الإنجيل وأن التبديل إنما أتى على اليسير من نصوصها ! ، وهل على هذا يصح اعتقاد أن الإنجيل ليس أحق بالإعتراف بصحته وصدقه ممـا سواه ؟ ، ماله هذا المنافق الشرير يزعم بالبطلان على كامل متن هذا الإنجيل المبارك من غير أي اعتبار له مع هذا القول عن السلف ؟ .

فهذا مجرم بالتكذيب ، منافق بالإنكار إذ خالف ما عليه سلف الأمة ونهج أئمتها الذين أقروا للمحرفة بما أقروا ، وهو أتى ليبرم أمر هذا الإنجيل الصحيح الحق ويطويه على التكذيب جملة وتفصيلا بحجة عدم وقوفنا على نسخة له وأصل باللسان العبري ، وهل وجدوا للمكذوبة غير اللسان اليوناني وهي المرغوبة ؟! ، ومع هذا لم نجد في الأمة من أنكرها جملة وتفصيلا مثل ما فعل هذا الضال الأحمق ، سواء من سلف الأمة وسائر أئمتها ، ومن باب أولى ممن آمن بها وصدق ما فيها .

وليس من العدل وتلك الأناجيل تَقتَبس قصص المسيح ومـا حصل بتأريخ دعوته من هذا الإنجيل المبارك ، ثم ينكر هو من بينهم ويقر للمحرفة بالمصداقية أما إنجيل المسيح المبارك فيعدم منها لكن المحرفة يقر بها مع دعوى تحريف اليسير من ألفاظها بحسب ظن من سلف على قول بعضهم ، والبعض الآخر يقر لها بعدم التحريف حرفا لكن باليسير منها معنا ، والحق أن كل أناجيلهم محرفـة مقتبس أصلها مـن إنجيل المسيح عليه الصلاة والسلام ولم يصلوا لتأريخ دعوته وقصصها إلا من خلاله ولذا نرى انعدام أي نسخة لهم في أكاذيبهم تلك مرجعيتها للسان الآرامي ، عدمت من ذلك لإنعدامه هو من ذلك بسبب اخفائهم له طوال سنين كثيرة جـدا ، فهم الفروع عليه وهو أصلهم .

وهنا أود التنبيه على مـا قد يكون سبيلا لوصول الإنجيل الصحيح للسان الرومان أو اليونان غير ما قررت سابقا ، وهو ما أشير له بالأثر المنقول الذي ذكره إبن تيمية رحمه الله تعالى عن الشعبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدة أوجه أنه قال لأصحابه : " . . ولا تصنعوا كما صنعت رسل عيسى بن مريم فإنهم أتوا القريب وتركوا البعيد فأصبحوا وكل منهم يعرف بلسان القوم الذين أرسل إليهم ! . هذا أعظم ما كان من حق الله عز وجل عليهم من أمر عباده " .

وبرغم أني أشك بثبوت هذا عن المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا أنه يصلح بما أنه روي عنه والله أعلم بمدى ثبوته ، أن يكون وجها من أوجه وصول الإنجيل الصحيح من خلال تلك الألسن الآية ، والذي يدعوني للشك بثبوت هذا عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه مما فصل في أخبار الدجال عادم التقوى بولص ( أعمال الرسل الفصل الثاني ) بناءً على اقتباس سرقوه من الإنجيل الصحيح وحرفوه بالزيادة عليه كعادتهم ليبرروا دعـوى رسولية بولص بحلول روح القدس فيه ، مثل ما حلت بسائر التلاميذ حسب ادعائهم توسعا وزيادة على ما ورد في إنجيل المسيح الصحيح من هبة الله تعالى لتلاميذه يسوع المخلصين آيات تشهد بصدق بشارته عليه السلام وسأذكر نصها قريبا ، لكن هؤلاء زادوا على ذلك حتى بلغوا هذا الحـد في قول كاتب أعمال رسلهم :

فحدث بغتة صوت من السماء كصوت ريح شديدة تعصف وملأ كل البيت الذي كانوا جالسين فيه ، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار فاستقرت على كل واحـد منهم ، فامتلئُوا كلهم من الروح القدس وطفقوا يتكلمون بلغات أُخـرى كما آتاهُم الروحُ أن ينطقوا ، وكان في أورشليم رجال من اليهود أتقياء من كل أمة تحت السماء ! اهـ .

وقالوا أيضا : " فدهشوا وتعجبوا قائلين . . فكيف يسمع كلٌ منا لغته التي ولد فيها ، نحن الفرتيين والماديين والعيلاميين وسكان ما بين النهرين . . والغرباءَ من رومية ! " اهـ .

والشاهد قوله : " وكان في أورشليم رجال من اليهود أتقياء من كل أمة تحت السماء " .

فليكن من أولئك رومان يعرفون اللسان الآرامي ولسان الرومان ، فينقلون لقومهم نص إنجيل المسيح الصحيح ، أو أن يكون على ما ذكروا هنا وأتت له الإشارة بتلك الرواية عن الإمام الشعبي رحمه الله تعالى ، أن الصديق برنابا ممن حلت به الروح القدس وتمكن من اللسان الروماني لينقل لهم نص هذا الإنجيل المقدس بحسب ما ورد في هذه الرواية من ذكر الغرباء من روما وقد صار يتحدث بلسانهم بعض التلاميذ ، وهذا ممكن إلا أني استبعد ثبوته بما أن كاتب أعمال عادم التقوى زعم ذلك وهم الذين من عادتهم الاقتباس من الإنجيل الصحيح والزيادة عليه لتثبيت مقاصدهم الباطلة ، وإلا فأصل هذا الحدث مروي بالإنجيل الصحيح لكن بغير زياداتهم هذه وسأذكره لاحقا بعد ذكر الإشارة لهذه القصة في الإنجيل المضاف لـ " متى " حكاية عن المسيح نفسه عليه الصلاة والسلام أنه قال :

ها أنا مرسلكم مثل خراف بين ذئاب فكونوا حكماء كالحيات وودعاء كالحمام ، احـذروا من الناس فإنهـم سيسلمونكم إلى المحافل وفي مجامعهم يجلدونكم ويقودونكم إلى الولاة والملوك من أجلي ، شهادةً لهم وللأمم ، فإذا أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بماذا تتكلمون فإنكم ستُعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به ، لأنكم لستم انتم المتكلمين لكن رُوح أبيكم هو المتكلم فيكم ، وسيسلم الأخ أخـاه للموت والأب ابنـه ويقوم الأولاد على والديهم ويقتلونهم ، وتكونون مبغضين من الكل من أجل اسمي والذي يصبرُ إلى المنتهى فذلك يخلص ، وإذا اضطهدوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى أخرى . الحق أقول لكم إنكم لا تُتِمُّـون مُدُنَ إسرائيل حتى يأتي ابْنُ البشر اهـ (22) .

من يقارن ما بين المذكور هنا والمذكور بالإنجيل الصحيح حسب ما سأذكره لاحقا يدرك بيقين من المقتبس من الآخر ومن الكذاب والصادق ، ولحسم هذه الملاحظة يكفي بالمرء يقينه بكذب هذا النص المدون بحسب متى لقوله : ( الحق أقول لكم إنكم لا تتمون مُدن إسرائيل حتى يأتي ابنُ البشر ) .

وهذا هراء وكذب مفضوح بغض النظر عمن يكون " ابن البشر " هذا على وجه الحق والصدق ، فهذا الخبر مما لم يحصل خصوصا على جزم الصليبية أن المسيح يعني نفسه هنا بهـذا الوصف " ابن البشر " ، ولكم سخر منهم القس كلداني الذي هداه الله تعالى للإسلام وعرف مدى سوء ملتهم وكثرة كذبهم وتلفيقهم حول هذه النقطة ومن يكون " ابن الإنسان " ، وعلى قولهم إنه المسيح يسوع لم يحصل هذا قط وقد خرجوا من اضطهاد اليهودية لرومية ولم يأت " ابن الإنسان " !! ، ومما قاله كلداني بهذا الخصوص :

لا أعتقد انه يوجد مسيحي واحد في كل عشرة ملايين لديه فعلا فكرة دقيقة أو معرفة محددة عن أصل الإصطلاح ( ابن الإنسان ) ـ ابن البشر عند متى ـ ودلالته الحقيقية !! . .

وجميع الكنائس وكافة الشارحين فيها دون استثناء سيقولون لك إن ( إبن الله ) قد اتخذ اسم ( ابن الإنسان ) أو ( بارناشا ) بدافعٍ من التواضع ولين الجانب ، ولم يعرفوا قط أن أسفار الرؤيا التي آمن بها عيسى وتلاميذه إيمانا تاما لم تتنبأ بمجيء إبن الإنسان الذي سيكون لين الجانب متواضعا وليس لديه مكان يضع فيه رأسه ، ويُسلم لأيدي الأشرار ويُقتل ، ولكنها تتنبأ برجل قوي ذي عزيمة وقدرة خارقة على تدمير وتشتيت الطيور المفترسة والوحوش الشرسة التي كانت تفتك بخرافه وحُملانـه ، وأن اليهود الذين سمعوا عيسى يتكلم عن إبن الإنسان كانوا يعرفون حق المعرفة إلى من كان يشير ، ولم يكن اسم ( برناشا ) أو ( ابن الإنسان ) من مخترعات عيسى بل استعاره من أسفار الرؤيا اليهودية مثل سفر " أينوخ " ، والأسفار السبلينية ، ورقع موسى ، وسفر دانيال ، . . إلخ . اهـ (23) .

يرمي إلى كذب ما دون هنا بهذا الإنجيل ويُزعم على لسان المسيح ما لم يقله حقا ، وبالفعل فقولهـم هـذا ظاهر الكذب ويبدو أنه كتب لتخفيف العذاب النفسي والجسدي عمن نالهم العذاب من أتباع هذا الكذب المتصل الغير منقطع على المسيح عليه السلام ، كل مـا استجد لهم شيء واهتزت عقيدة أتباعهم لفقوا لهم إنجيلا وحرفوا فيه من الأقوال الكاذبة ليثبتوهم على الباطل ، ثم إن كشف كذبهم عادوا ولفقوا آخر وآخر وبسبب ذلك كثرة أناجيلهم بكثرة المناسبات التي تحتاج لأقوال جديدة على لسان المسيح ، حتى دون ما سمي بأعمال الرسل وحشي به من الكذب لهذه الغاية الكثير ، ومثل رؤيا يوحنا وغيره كثير بحسب الحاجة لتثبيت الرعاع الهمج .

ومن المعلوم أن الكتاب المقدس إذا مـا ثبت عليه كذب أن المفروض يبطل ويقصى بعيدا ، ولا يعد بعد ذلك مقدسا صادقا قاله نبي أو ابن إله ـ تعالى الله عن باطلهم ـ إلا في ملة هـذه الجموع الضالة الملعونـة بلعنة الله لمؤسس ملتهم المشركة بولص .

والآن أريكم فرق ما بين قول الصدق وقول الكذب الذي يفترون ، بالوقوف على نص برنابا في هذه الحادثة ، وهي كما يلي :

وبعد أن جمع يسوع تلاميذه أرسلهم مثنى مثنى إلى مقاطعة إسرائيل قائلا : " اذهبوا وبشروا كما سمعتم فحينئذ انحنوا فوضع يده على رؤوسهم قائلا : باسم الله أبرئوا المرضى اخرجوا الشياطين وأزيلوا ضلالة إسرائيل في شأني مخبريهم ما قلت أمام رئيس الكهنة " . .

فذهبوا في كل اليهودية مبشرين بالتوبة كما أمرهم يسوع مبرئين كل نوع من المرض حتى ثبت في إسرائيل كلام يسوع " أن الله أحد ، وأن يسوع نبي الله " ، إذ رأوا هذا الجم يفعل ما فعل يسوع من حيث شفاء المرضى .

ولكن أبناء الشيطان وجدوا طريقة أخرى لإضطهاد يسوع ، وهؤلاء هم الكهنة والكتبة ، فشرعوا من ثم يقولون أن يسوع طمح إلى ملكية إسرائيل ولكنهم خافوا العامة فلذلك ائتمروا عليه سرا اهـ (24) .

وكما هو ظاهر من هذا النص لم ترد معجزة التحدث بأي لغة للغرباء ، إنمـا اقتصرت المعجزة عليهم بشفاء المرضى وطرد الشياطـين مـن أجساد الممسوسين ، وأن كل ما يرمي إليه مقتبس هذه القصة ولأجل ذلك زاد عليها ما زاد اعتماد سكنى روح القدس بأجساد بعض التلاميذ ليتوصلوا بذلك إلى ادعاء النبوة لهـم وقد قالوا بذلك ، بل زادوا لعنهم الله تعالى في ادعاء ذلك لدجالهم بولص فزعموا أن قد حلت بـه روح القدس مثل مـا حلت بسائر التلاميذ ، باتوا بذلك أنبياء وفيهم بولص نبيا محرف البشارة وطامس نور الإنجيل ومنجسه بدعوى يسوع أنه ابن الله .

     بل بالغوا في الثناء على هذا الدجال زورا وبهتانا بالنقل عن وثنيي بعض الأمم أنهم حسبوه إلها ، غلواً وتشهي لرفعه من مقام النبوة إلى مقام الآلهة فذكر كاتب أعمال هؤلاء الدجاجلة ما يلي على لسان بعض الوثنيين قولهم : " اتخذت الآلهة صورة بشر ونزلوا بيننا " اهـ (25)  .

يثنون على هذا الدجال الملعون على لسان المسيح عليه السلام ، حتى يُتَّبَع بطاعة وتصديق مطلق وهو ما حصل وكان نتيجته هذه الملة المسخ ، لا هي يهودية ولا قابلة لإتباع المسيا إذا ما بعث وهذا هو الأساس الذي بنيت عليه عقيدة بولص الملعون نشر الكفر والهرطقة على الله تعالى ، وهو المطلب الأسمى لليهودية الكهنوتية المُحرفة الإبليسية ضد بشارة المسيح يسوع عليه الصلاة والسلام والتي تلخصت بالنقاط التالية وعليها مدار إنجيله المقدس :

-     دعوة يسوع إسرائيل للتوبة من آثامها ومن تحريفات الكهنة مثل ما دعاها حزقيال النبي من قبل وبشر ، وغيره من أنبياء كـ( إشعيا ) و ( إرميا )  و ( دانيال ) و ( زكريا ) .

-     دعوتهم إلى أن الله أحد ، وأنه نبي لله تعالى .

-     بيانه تحريفهم للعهد الموعود به إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ، والتأكيد على أن هذا العهد إنما يصنع بمحمد صلى الله عليه وسلم وحفيده المهدي ، وأنهما من ذرية إسماعيل لا إسحاق .

-     التهيئة لبعث محمد صلى الله عليه وسلم وبشارة الناس أنه سيأتي بالخلاص العام الشامل للعالم بشرط الإيمان به .

-     بيانه فساد هذا العالم ومن يتعلق فيه بمراضي غير مراضي الله تعالى وشهادته على ذلك .

-     إخباره الناس أنه سيعود قبيل نهاية العالم ليشهد على من زعم عليه أنه ابن الله أو الله ، وأن من يعتقد ذلك سيلعن للأبد .

وقد أعطى الله تعالى بعض تلاميذه آيات معجزة بحياته لبث شهاداته تلك بين اليهودية ، حتى يوقن الناس أن ذلك من العلي القدير زيادة على ما حصل على يديه عليه السلام .

وهنا أحب أنهـي هذا الفصل بذكر تحقيقات عالم يهودي في الفلسفة والجدل وهو " سبينوزا " ، وتشكيكه بمرجعية بعض أسفار العهد القديم وهي شهادة من أهل اليهودية نفسها وهو يعد عَلَم كبير في مجاله عندهم من أعلام الفلاسفة المحدثين وناقد توراتي هز أركان الديانـة اليهودية في زمنه والمعترف بقوله :

" أن ليس للعهد الجديد نصوصـا أصلية وتلك الأسفار بلغتهم الأم العبرية " اهـ . وأكد على أنها منقولة من اللغة اليونانية كلها ! ، وفي هذا تأييد لما نقلته قبل من قول القس الكلداني ديفيد بنجامين ، فتحصل لنا بهذا شهادتين من أهل تلك الملتين .

وقال الفيلسوف سبينوزا عن كتب العهد القديم أيضا لليهود وسماها بـ " المقننة " :

الموجودة الآن قد اختارها فريسيو المعبد الثاني مـن بين كثير غيرها وذلك بقرار منهم فحسب ، وهؤلاء هم أيضا واضعوا صيغ الصلاة . وعلى ذلك فإن من يريد إثبات سلطة الكتاب عليه أن يثبت سلطة كل سفر . ولا يكفي إثبات المصدر الإلهي لأحد الأسفار كي نستنتج المصدر الإلهي للأسفار كلها ، وإلا لكنا نسلم بأن الفريسيين لم يكن من الممكن أن يرتكبوا أي خطأ في اختيارهم للأسفار .

وهذا ما لا يستطيع أحد إثباته مطلقا .. أما السبب الذي يجعلني أسلم بأن الفريسيين وحدهم هـم الذين اختاروا أسفار العهد القديم ووضعوها في المجموعة المقننة ، فهو :

أولا : نبوءة سفر دانيال (إصحاح أخير /2ـ 48 ) ببعث الموتى ، وهو البعث الذي رفضه الصدوقيون .

ثانيا : مـا أشار إليه الفريسيون أنفسهم بالتحديد في التلمود ، فنحن نقرأ في رسالة السبت ( فصل 2 ورقة 30 ص2 ) قال الحبر يهوذا المسمى " ربي " :

أراد الأذكياء إخفاء سفر الجامعة ! لأن أقوالهم متناقضة لأقوال الشريعة ، ولكن لماذا لم يخفوه ؟ لأنه يبدأ طبقا للشريعة وينتهي طبقا للشريعة . ويقول بعد ذلك بقليل :

وأرادوا أيضا إخفاء سفر الأمثال . . إلخ

وأخيرا نقرأ في نفس الرسالة ( الفصل الأول الورقة 13 ص 2 ) : كان هذا الرجل المدعي نيخونيا بن حزقيا مشهورا بحرصه وعنايته ، إذ لولاه لإختفى سفر حزقيال لأن أقواله تناقض أقوال الشريعة .

ومن ذلك نرى بوضوح تام أن رجالا متفقهين في الشريعة قد اجتمعوا ليقرروا أي الأسفار يجب وضعها بين الكتب المقدسة ، وأيها يجب إستبعادها . وإذا فمن يريد التأكد من سلطة جميع هذه الأسفار عليه أن يضع نفسه في هذا المجلس وأن يبدأ المداولات مطالبا بمعرفة أحقية كل منها بأن تكون له هذه السلطة .

ثم ختم قوله هذا بما يلي :

والآن ، حان الوقت لفحص أسفار العهد الجديد على نفس النحو غير أني أعلم أن رجالا على قدر كبير من العلم ، وخاصة في علم اللغات قد قاموا بهذا العمل من قبل . أما أنا فليست لدي معرفة كاملة باللغة اليونانية كي أخاطر بمثل هـذا العمل . وأخيرا فليست لدينا النصوص الأصلية للأسفار المعروفة بالعبرية . لذلك أفضل ألا أخوض في هذا المجال اهـ (26)  .

أقول : مـن هذا ندرك حقيقة منهج الصليبية في إنكار صحة إنجيل المسيح عليه الصلاة والسلام أنه جارٍ على منهاج اليهود في إخفاء ما يتعارض مع أقوالهم مما يُنقل عن الأنبياء من قبلهم ، فهم المثبتة لما يشاءُون والملغين ما يشاءُون وليست المسألة هنا راجعة لتقوى الله تعالى والحرص على إثبات ما يقوله عن طريق أنبياءه ، بل الأمر عائد في اليهود لما يرونه هم أجدر بالتثبيت وبالطبع الميزان في ذلك ما يعتقدونه ويقولون به ولو خالف ما قاله الله تعالى بوسيلة كلام الأنبياء المدون بأسفارهم وقد رأينا بحسب ما ذكر برنابا مدى شدة جحودهم لما قاله المسيح وهو بين ظهرانيهم وعلى رغم ما آتاه الله تعالى من تأييد رباني وآيات عظام تصديقا له من الله تعالى ، ومع هذا كان جحدهم لما قال يتعدى حدود المعقول والمنطق الطبيعي ، ما نعرف به أن للأمر ضوابط عندهم وقيود هي التي تحكم لا ما يقوله الأنبياء عن ربهم ، وعليه من البديهي أن نجد هذا الرفض لإنجيله ما دام كان رفضهم لما قال وهو حي بينهم بتلك الجرأة والمضادة لله تعالى .

ونظيرهم الصليبية مقلدة اليهود في هذا وبمنهجهم اقتدوا حين نحوا كتاب المسيح ، بل لتشابه النهجين بهذا القدر من المطابقة ما يؤكد على أن الفاعل ينطلق عمله المنكر هذا من نفس الشعور والقاعدة ، ومن نحى المسيح عن العامة بحياته قادرا على أن ينحي إنجيله الصحيح بعده ويثبت بدلا منه أناجيل متعددة مكانه لعدم نظيره من بعد مـا اقتبسوا من نسخته الوحيدة الفريدة بالصدق ما يريدون تدعيم كذبهم به وأن ما يقدمون إنما هو الإنجيل الذي تكلم به ، لم يكتفوا بواحد حـتى جعلوا إنجيله متعدد متضاد في ذات الوقت ، وفي هذا أوثق عرى الصـدق في كشف الباطل والأكاذيب بأن يتعارض ويتضاد فيها ما ينسبونه لدعوته وتأريخه عليه السلام ، ويبقى إنجيله الصحيح أصدق وأبعد عن الكذب والتناقض .

قدمـوا المزيفة وأخفوا النسخة الحقيقية الوحيدة ولا يسعهم إلا فعل ذلك ، على سنة اليهود والأمر أظهر شيء والخير والصدق ما شهد به هؤلاء الذين هم أدرى بدين أهل ملتهم ، وأنا حرصت على النقل من هؤلاء حتى لا يكون قولي من باب قول الخصماء بعضهم ببعض ، بل نقلت قول من هم أعرف بملتهم وفي عدادهم كانوا ، نقلا لعله يفي بالمقصود ويكشف عن مدى سوء حقيقتهم سابقا ولاحقا التي قد تخفى على مثل هذا الجاهل الغر ليتعلم أن لا يرمي بالشكوك قول الصدق والحق ومن ورائهم الباطل أولى بالرمي والشك والطرح لعدم أي مصداقية لما أثبتوه ، وأن من كانت حقيقته بهذا السوء لن يكون حكما على الحق وأقوال الأنبياء ، ما يثبت منه وما لا يثبت .

ولأجل يدلل سبينوزا على حقيقة مفادها : " إخفاء بني قومه وملته بعض أسفار الأنبياء سرا لديهم ، وإبداء بعضا منها مقننة " قال :

لقد كانوا خليقين بأن يفعلوا ذلك لو لم يجـدوا بعض الفقرات التي يوصي فيها ـ يريد سفر أمثال سليمان ـ بشريعة موسى ، والحق أنه لمن المؤسف أن الأشياء المقدسة والأفضل من بينها كانت متوقفة على اختيار أناس كهؤلاء ، صحيح أنني أحمد لهم تفضلهم بنقل هذه الأسفار إلينا ، ولكن لا أجد مع ذلك مفرا من التساؤل عما إذا كانوا نقلوها بكل الأمانة والنزاهة اللازمين ، وإن كنت لا أود مع ذلك أن أفحص هذه المسألة فحصا دقيقا ! .

أنتقل إذا إلى أسفار الأنبياء وعندما أفحصها أجد أن النبوءات التي جمعت فيها قد أخذت من كتب أخرى ورتبت ترتيبا معينا لم يكن دائما هو الترتيب الذي سار عليه الأنبياء في أقوالهم أو في كتاباتهم ، كذلك فإن هذه الأسفار لا تتضمن جميع النبوات ، بل بعض النبوءات التي أمكن العثور عليها هنا وهناك . وإذن فليست هذه الأسفار إلا مجرد شذرات من الأنبياء اهـ (27) .

وهذا عين ما حصل من أتباعهم وعجب ذنبهم ، وهذه العصية من تلك الحية طمس وإخفاء ، وتزييف وإبداء لغير الحـق يخادعون الله تعالى والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وقريبا إن شاء الله تعالى سينالون جريرة أفعال أسلافهم وتفضح شهاداتهـم الباطلة لكل الزيوف السابقة التي أسسها أئمة الكفر فيهم المنبوذين مـن رحمـة الله تعالى ، وكما قال المسيح عليه الصلاة والسلام في إنجيله : " ستكون آخرتهم ملعونة " .

ويقول الفيلسوف اليهودي أيضا :

أما سفر " هوشع " فإننا لا نستطيع أن نقول عن ثقة أنه كان أطول مما هو عليه الآن في السفر الذي يحمل اسمه ، ولكني أعجب حقا من أننا لا نعرف شيئا أكثر من هذا عن رجل استمرت نبوته أكثر من أربع وثمانين سنة ، كما يشهد الكتاب نفسه . ولكنا على الأقل نعلم بوجه عام أن من قاموا بتدوين أسفار الأنبياء لم يجمعوا نبوات جميع الأنبياء ، كما لم يجمعوا كل نبوات من نعرف مـن الأنبياء ، فنحن مثلا لا نعلم شيئا عـن الأنبياء الذين استمرت نبواتهم تحت حكم منسى ، والذي وردت إشارات عامة إليهم في سفر أخبار الأيام الثاني (33/10، 18 ، 19 ) كما أننا لا نعلم شيئا عن نبوات الأنبياء الإثني عشر المذكورين في الكتاب ، فلا يذكر عن يونس إلا نبوءاته عن النيناويين مع أنه كان أيضا نبيا للإسرائيليين ، كما نرى في الملوك السفر الثاني ( 14/25 ) .

أما عن سفر أيوب وعن أيوب نفسه فقد دارت مناقشات طويلة بين الشراح في هذا الصـدد . . ذكر ذلك قولا عن بعض الأحبار في التلمود ، كما يذهب إبن ميمون في كتابه " موريح نبوخيم " إلى مثل هذا الرأي ـ اعتبار القصة كلها مثلا للموعظة فقط ـ ، والبعض الآخـر يعتقد أنها قصة حقيقية ـ وهذا ما أكده القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ـ .

وفي مقابل ذلك قال ابن عزرا مؤكدا في شرح له على هذا السفر : " أنه ترجم إلى العبرية من لغة أخرى " !! . . .

وربما كنت أميل إلى الإعتقاد مع ابن عزرا بأن هذا الكتاب مترجم عن لغة أخرى ، لأنه يذكرنا بشعر غير شعر اليهود اهـ (28) .

فما لنا ولأسفارهم القديمة سآتيكم بآخر أسفارهم وكلام آخر أنبيائهم وهو دانيال ولنقرأ ماذا يقوله هذا اليهودي بخصوصه :

الإصحاحات السبعة الأولى لا أعلم مصدرها ، ولما كانت باستثناء الإصحاح الأول مكتوبة باللغة الكلدانية فيمكننا أن نفترض أنها أخذت من كتب الأخبار الكلدانية ، ولو أمكن إثبات ذلك بوضوح ، لكان شاهدا قويا على صحة الفكرة القائلة بأن الكتاب مقدس من حيث أننا نعرف عن طريقه معاني الأشياء الـتي يدل عليها ، لا من حيث أننا نعرف الكلمات أي اللغة والعبارات التي استعملها في التعبير عن هذه الأشياء ، وبأن كتب العقائد أو التأريخ التي تحتوي على تعاليم طيبة تكون أيضا مقدسة ، أيا كانت اللغة التي كتبت بها ! ، والأمة التي خاطبتها ! .

وعلى أية حال نستطيع على الأقل أن نذكر أن هذه الإصحاحات قد دونت بالكلدانية وأن ذلك لم يقلل من قدسيتها ! إلى الأسفار الأخرى في التوراة اهـ (29) .

وقوله هنا أشبه بما قرره إبن تيمية رحمه الله تعالى المذكور آنفا :

فالحجة تقوم على الخلق ويحصل لهم الهدى بمن ينقل عن الرسول : تارة بالمعنى وتارة اللفظ ، ولهذا يجوز نقل حديثه بالمعنى ، والقرآن يجوز ترجمة معانيه لمن لا يعرف العربية باتفاق العلماء اهـ .

وعليه أقول هنا لأختم هذا الفصل :

أن الإنجيل الصحيح نقل ولله الحمد بالحـرف والمعنى بدليل أن كل اقتباساتهم التي سلبت للأناجيل الكاذبة إنما تم نقلها على سبيل الحرف والمعنى ، إلا أنهم حرفوا المعنى إلى غير وجهته الصحيحة ، ولو لم يقفوا عليها بالإنجيل الصحيح لاستحال عليهم الإتيان بمثلها فما زالت اليهودية على حالها إلى أن بعث الله تعالى بها المسيح عليه السلام وقال بما قاله من أنباء ووصايا وأمر تلميذه البار برنابا بتدوينها وإبلاغها للناس مـن بعده ، ومـا نقلهم تلك الأكاذيب المحرفة إلا من ذاك الإنجيل ومن دونه ما كانوا ليجدوها ، وفعلهم هذا للناظر المدرك صحيح المقارنة لأكبر دليل على صحة ما ورد في إنجيل المسيح وهو من أوثق النقل حتى يستغنى به عن الحصول على نسخة تكون له أصلا من الآرامية والتي لم تتحصل بتاتا بشهادة العارفين بهذه الملة لسفر دانيال وهو حديث العهد بالمسيح وأقرب لتأريخه من تأريخ أي نبي قبله ، ومع هذا بشهادة هذا العارف لم يوجد بلغة اليهود الأصلية بل باللغة الكلدانية ورغم ذلك لم تسقط شرعيته واعتبار قدسيته ليومنا هذا عند اليهود كلهم والنصارى ، واللسان الكلداني أبعد عن العبري مـن لسان رومـا للعبرية ، سواء قلنا بانتقال الإنجيل لهـم بالعبرية أو أن برنابا كتبه لهـم بلسانهم هم لا اللسان العبري .

وقل مثل ذلك مثل ما مر معنا بالنسبة للعهد الجديد الذي صرح سبينوزا بأن لا أصل له " بالعبرية " قط .

-------

(1) مقدمة سعادة للإنجيل الصحيح ( ص 27 ) .

(2) المرجع السابق .

(3) مقدمة سعادة للإنجيل الصحيح ( ص 23 ) . 

(4) مقدمة سعادة للإنجيل الصحيح ( ص 18 ) . 

(5) إنجيل المسيح الصحيح ( 58/11ص115 ) .

(6) إنجيل المسيح الصحيح (72/10 ص130 ) . 

(7) إنجيل المسيح الصحيح (124/10 ص192 ) . 

(8) قال ابن حزم الأندلسي وهو من العلماء الذين ناقشوا هذه الأديان الباطلة وفندوا أكاذيبها : وفيما سمعنا علماءهم يذكرونه ولا يتناكرونه معنا ، أن أحبارهم الذين أخذوا عنهم دينهم والتوراة وكتب الأنبياء اتفقوا على أن رشوا بولس البنياميني لعنه الله تعالى وأمروه بإظهار دين عيسى عليه السلام وأن يضل أتباعهم ويدخلهم إلى القول بإلاهيته . وقالوا له : نحن نحتمل اثمك في هذا ففعل وبلغ من ذلك حيث قد ظهر ... وهذا أمر لا نبعده عنهم لأنهم قد راموا ذلك فينا وفي ديننا ، فبعد عليهم بلوغ اربهم من ذلك ، وذلك بإسلام عبدالله بن سبأ المعروف بابن السوء اليهودي الحميري لعنه الله تعالى ليضل مـن أمكنه من المسلمين فنهج لطائفة رذلة كانوا يتشيعون في علي رضي الله عنه أن يقولوا بإلاهيته على نهج بولس مع أتباع المسيح ، وهم الباطنية والغالية إلي يومنا هذا وأخفهم كفرا الإمامية على جميعهم لعائن الله تترى اهـ " الفصل 1/221 " .

(9) قال الاكليريكي سامح كمال : النسخة الأولى التي وجدت منه باللغة الإيطالية وأول ما اكتشف عام (1907) . وزعم نقلا عن "مجلة الكرازة عدد 9 عام (1975) ص4 " أن كاتبه هو الراهب الإيطالي فرامارينو المعاصر للبابا سكتس الخامس سنة (1575 ) اهـ من كتيب قدم له الأنبا غريغوريوس أسقف عام باسم ( الرد على الكتاب المسمى بـ انجيل برنابا ) .

(10) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ( 4/182 ) .

(11) محمد في الكتاب المقدس ص 157. 

(12) رواه أبو بكر عبدالله بن أبي شيبة في مسنده (1/110) والطبراني في الكبير (5/155) .

(13) المرجع السابق .

(14) محمد في الكتاب المقدس .

(15) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ( 2/59 ) .

(16) التحريف والتناقض ص 195 لسارة حامد العبادي .

(17) نظرات في إنجيل برنابا ص 85 .

(18) الجواب الصحيح بتصرف يسير ( 2/422 ) .

(19) الجواب الصحيح ( 2/422 ) . 

(20) الجواب الصحيح ( 2/420 ) . 

(21) الجواب الصحيح ( 2/447 ) . 

(22) متى ( 10/16 ) . 

(23) محمد في الكتاب المقدس ص 232 . 

(24) إنجيل المسيح الصحيح ( 126/1 ) .

(25) الأعمال ( 14/10 ) . 

(26) رسالة في اللاهوت والسياسة ص 325 . 

(27) رسالة في اللاهوت والسياسة ص 310 . 

(28) رسالة في اللاهوت والسياسة ص 314 .

(29) رسالة في اللاهوت والسياسة ص 314 .