إخبار المسيح جملة تنبوءات
منها تطهير الله إنجيله على يد رسوله
كنت أوردت بعض اقتباسات من نبوءات يسوع المسيح عليه السلام بإنجيله في الفصل السابق ، يخبر فيها بأن هذا الإنجيل سوف يدنس بعده بالزعم عليه أنـه الله أو ابن الله ، وأن الله تعالى سيطهره بعد ذلك متى مـا بعث الله رسوله وهي :
أما من خصوصي فإني قد أتيت لأهيئ الطريق لرسول الله الذي سيأتي بخلاص العالم ، ولكن احذروا أن تغشوا لأنه سيأتي أنبياء كذبة كثيرون يأخذون كلامي وينجسون إنجيلي .
حينئذ قال اندراوس : يا معلم اذكر لنا علامة لنعرفه .
أجاب يسوع : إنه لا يأتي في زمنكم بل يأتي بعدكم بعدة سنين حينما يبطل إنجيلي ولا يكاد يوجد ثلاثون مؤمنا في ذلك الوقت يرحم الله العالم فيرسل رسوله الذي تستقر على رأسه غمامة بيضاء يعرفه أحد مختاري الله تعالى وهو سيظهره للعالم ، وسيأتي بقوة عظيمة على الفجار ويبيد عبادة الأصنام من العالم ، وإني أسر بذلك لأنه بواسطته سيعلن ويمجد الله ويظهر صدقي وسينتقم من الذين سيقولون أني أكبر من إنسان .
الحق أقول لكم : " أن القمر سيعطيه رقادا في صباه ومتى كبر هو أخذه كفيَّـه " .
فليحذر العالم أن ينبذه لأنه سيفتك بعبدة الأصنام ، فإن موسى عبد الله قتل أكثر من ذلك بكثير ولم يبقِ يشوع على المدن التي أحرقوها وقتلوا الأطفال لأن القرحة المزمنة يستعمل لها الكي .
وسيجيء بحق أجلى من سائر الأنبياء وسيوبخ من لا يحسن السلوك في العالم وستحيى طربا أبراج مدينة آبائنا بعضها بعضا فمتى شوهد سقوط عبادة الأصنام إلى الأرض واعترف بأني بشر كسائر البشر فالحق أقول لكم أن نبي الله حينئذ يأتي اهـ (1) .
وقال : عندمـا يأخذني الله من العالم سيثير الشيطان مرة أخرى هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عادم التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله فيتنجس بسبب هذا كلامي وتعليمي حتى لا يكاد يبقى ثلاثون مؤمنا حينئذ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الأشياء لأجله الذي سيأتي من الجنوب بقوة وسيبيد الأصنام وعبدة الأصنام وسينتزع من الشيطان سلطته على البشر وسيأتي برحمة الله لخلاص الذي يؤمنون به وسيكون من يؤمن بكلامه مباركا .
ومع أني لست مستحقا أن أحل سير حذائه قد نلت نعمة ورحمة من الله لأراه ! .
فأجاب حينئذ الكاهن مع الوالي والملك قائلين : لا تزعج نفسك يا يسوع قدوس الله لأن هـذه الفتنة لا تحدث في زماننا مـرة أخـرى لأننا سنكتب إلى مجلس الشيوخ الروماني المقدس بإصدار أمر ملكي أن لا أحد يدعوك فيما بعد الله أو ابن الله .
فقال حينئذ يسوع : إن كلامكم لا يعزيني لأنه يأتي ظلام حيث ترجون النور ولكن تعزيتي هي في مجيء الرسول الذي سيبيد كل رأي كاذب فيَّ وسيمتد دينه ويعم العالم بأسره لأنه هكذا وعد الله أبانا إبراهيم ، وأن ما يعزيني هو أن لا نهاية لدينه لأن الله سيحفظه صحيحا .
أجاب الكاهن : أيأتي رسل آخرون بعد مجيء رسول الله ؟ فأجاب يسوع :
لا يأتي بعده أنبياء صادقون مرسلون من الله ، ولكن يأتي عدد غفير من الأنبياء الكذبـة وهـو مـا يحزنني لأن الشيطان سيثيرهم بحكم الله العادل فيتسترون بدعوى إنجيلي اهـ (2) .
وقال في موضع آخر من الإنجيل : فمتى جاء رسول الله يجيء ليطهر كل ما أفسد الفجار من كتابي اهـ (3) .
لعمر الله الذي أقف في حضرتـه مع أني الآن أبكي شفقة على الجنس البشري لأطلبن في ذلك اليوم عدلا بدون رحمة لهؤلاء الذين يحتقرون كلامي ولاسيما أولئك الذين ينجسون إنجيلي اهـ
وهنا كما نرى حشد مبارك من هذه النبوءات الإنجيلية الظاهرة منها والخفية والتي قدر الله تعالى لهـا الشرح والبيان في هذا الكتاب بمناسبة رد مدعي الباطل على هـذا الإنجيل المبارك ، على لسان حفيد المصطفى المهدي صلى الله عليه وسلم ، والتي لم يسبق لأي أحد بيان تأويلها على وجه الحق وكشف أسرارها ولا حتى مقتبسة الكذب الذين لو ما جهلهم بهـذه النبوءة الإنجيلية المخفية في " القمر وفيئه " لنقلوها لأناجيلهم الكاذبة ولدمجوها بما نجسوا به إنجيله مثل ما فعلوا مع أغلب نبوءاته عليه السلام ، فهم أحوج ما يكونون لتقرير معناها لو بان لهم ، لكن الله أخفاها عنهم وعن غيرهم لحين تحقق تأويلها وحفظها من مس الشيطان من خلال هؤلاء الكفرة المعاندين ، فهي في صميـم اعتقاد الرفـع والعودة لمحمـد صلى الله عليه وسلم المسيا المصطفى ، الذي بنى عليه مقتبسة الكذب الأساس الأكبر في عقيدتهم الباطلة وهي رفع المسيح بعد موته بالقتل بحسب اعتقادهم الباطل والعياذ بالله تعالى ، تلك العقيدة التي لم يجدوا ما يتشبثوا بها استدلالا من بعد مـا قالوا بالخائن الممسوخ على صورة المسيح أنه هو المسيح نفسه ، لم يجدوا نقلا عن الإنجيل إلا هذه النبوءة الزبوريـة ليبنوا عليها باطلهم ذلك ، وهي النبوءة المذكورة آنفا : " قال الله لربي اجلس عن يميني . . " . لما رأوا من أمر الله تعالى العظيم في مسخ صورة يهوذا الخائن المنافق على صورة المسيح عليه الصلاة والسلام ، وهو كان من قبل يخبرهم أنه لن يموت إلا حين توشك الدنيا على النهاية ، حينها فقط يكون أجل موته قد اقترب ، أما قبل ذلك فلن يموت بل أخبر تلاميذه المقربين أنه سيرفع قريبا وسيعود آخر الزمان ، لكن مع ما حصل من فتنة الكهنة في إرادة قتله وخيانة السالك مع تلاميذه المخلصين الطامع في مال رئيس الكهنة مقابل تسليم يسوع لهم ، فكان أن عاقبه الله تعالى ومسخه وأوقعه بتلك البلية ، بسبب ذلك ارتـج على بعض التلاميذ الأمـر وفتنوا بضعف اليقين ، بل الشك بما قاله لهم من قبل يسوع عليه السلام .
فكان أمر الله تعالى وقدره فوق كل تصور ، وفتنته لا ترد عن القوم الظالمين ، فألجأ ذلك بحسب ما قاله برنابا بأسف شديد بعض التلاميذ لإخراج جسد يهوذا الأسخريوطي الخائن ترقيعا بحسب ظنهم لمـا كان أخبر من قبل يسوع أنه لن يمـوت وأنه سيرفع ، فقرروا بعملهم ذلك التغطية على هذا الخلف لكنهم زادوا بالفتنة وعملوا لإحكامها وهم لا يشعرون وفتحوا الباب على مصراعيه لتأويلات الملعون عادم التقوى بولص بعد ذلك ، وأخذا هذا الشيطاني يعبث ويقرر لمن خلفه ما يشاء من باطل وكفر فتنجس بسبب ذلك الإنجيل ، فادعى لنفسه النبوة وحلول روح القدس به وأخذ يزايد على سائر التلاميذ حتى بات هو الرأس والنبي الأول على ملة هؤلاء الصليبية ، وحلل لهـم الحرام وحرم عليهم الحلال وعاث في ملتهم الفساد وأكثر في الإنجيل الإفساد من بعد ما حرفه وأدخل عليه ما تنبأ المسيح عليه السلام عنه ، أنه سيزعم بأن يسوع الله وابن الله ، تعالى ربنا الله عز وجل عن باطلهم علوا كبيرا .
وكان من بدع وتأويلات هذا الكذاب الفاسدة أن حرف نبوءة الزبور والإنجيل برفع المصطفى صلى الله عليه وسلم للمسيح ، إثباتا لما رُجَّ عليهم والتبس .
ولو علموا بأن نبوءة فيء القمر الإنجيلية هي كذلك في صميم هذا الأمر لإقتبسوها وحرفوها لذلك هي أيضا وزيفوها كما زيفوا تلك النبوءة الزبورية الإنجيلية الأساس ، لكن الله لم يشأ ذلك فحجب معناها عنهم حتى باتت طلاسمَ على عقولهـم لا يقوون على فك رمزها وكشف كنهها فأهملوها ، وهي قوله عليه الصلاة والسلام : " أن القمر سيعطيه رقادا في صباه ومتى كبر هو أخذه كفيَّـه " .
وهذه من النبوءات المخفية التي لا يمكن لأي أحد معرفة ما تعنيه إلا من تعنيه هذه النبوءة وتدخل في تأويل أمره وهو الحفيد المنتظر بعثه على وفق ما تنبأ المسيح عليه السلام نقلا عن زبور داود عليه الصلاة والسلام والتي نقلها المسيح يسوع في إنجيله مقرا لها حين حاجج رئيس كهنة اليهود على مسمع من الناس في هيكلهم المقدس أعلا منبر ديني لديهم ، في إثبات نسب المسيا العائد لإسماعيل لا إسحاق ، وما كان جزاء يسوع لإعلانه تلك الحقيقة إلا الرجم لكن الله تعالى أخفاه عن أعينهم وسلمه ، وكشف إصرار اليهودية على الكفر برد أمر الله تعالى وتقديره ، وأنهم لن يقبلوا مطلقا أي رسول لله تعالى يخالفهم فيما يعتقدونه بهذا السبيل .
تلك النبوءة التي تقرر فيها وباتت أصلا في الإخبار برفع المصطفى صلى الله عليه وسلم وإرسـال المهدي حفيده بعده ، وسيأتي التعليق عليها مطولا في " الفصل الخامس " إن شاء الله تعالى .
ونرى هنا كيف دارت أخبار المسيح فيما اقتبست من إنجيله على هذا المعنى ، وكانت تلك النبوءات متصلة عليه بعضها على بعض ، تقرير رفع المصطفى وعودته وبعث حفيده المهدي بين ذلك ، فكانت نبوءة يسوع بـ " القمر وفيئه " وسط مجموع تلك النبوءات في هذا المعنى كنايـة عن وجهي القمر رمز تلك النبوءة ، الوجه البادي لكل الخلق ووجهه الآخر المخفي عن كل الخلق .
وقد استودع المولى عز وجل سر هذه النبوءة كذلك بالقرآن العظيم ـ سيأتي تفصيل ارتباطها بنبوءة المسيح في تعليقي على آيات سورة الدخان ـ في خبر انشقاق القمر ابتداء دعوة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فهناك كان المولى عز وجل لما طلب كفار قريش من النبي صلى الله عليه وسلم آية على صدق بعثه ، أعطاهم الله تعالى برهانا على ذلك ما يدل على هذا المعنى المراد بنبوءة يسوع عليه السلام في إنجيله ، فكان انشقاق القمر فوق رأس جبل بمكة ذهب أحد شقي القمر على يمين الجبل والآخر على يساره ، باديا لعيونهم في ذات الوقت وجه القمر وقفاه .
وسواء قلنا دلالة شقي القمر إنما هي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفيده ، أو أن كلا شقي القمر إنما يدل على بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم نفسه في أول الأمـر ، وعلى بعثه ثانية بعد رفعه ليعود فيلتقي بالمسيح عليه السلام ويصلي خلفه ، على ما نبأ بذلك المسيح نفسه بإنجيله أيضا ولم يخفه ، وأشار لذلك رسـول الله في بعض الحديث عنه في الصحيح وغيره ، قال يسوع عليه السلام في إنجيله بهذا الخصوص :
صدقوني إني رأيته وقدمت له الإحترام كما رآه كل نبي لأن الله يعطيهم روحه نبوءة ، ولما رأيته امتلأت عزاءا قائلا :
يا محمد ليكن الله معك وليجعلني أهلا أن أحل سير حذائك ، لأني إذا نلت هذا صرت نبيا عظيما وقدوس الله اهـ (5) .
ثم عاد وبلَّغَ أن الله تعالى قد أجاب أمنيته تلك بقوله :
ومع أني لست مستحقا أن أحل سير حذائه قد نلت نعمة ورحمة من الله لأراه اهـ (6) .
قال ذلك في سياق الإخبار عما يكون من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثه من بعده ، وفي هذا إشارة للقائه برسول الله حين عودته للدنيا ثانية ، ولا يمكن للمسيح أن يلتقيه إلا بهذا وهو مـا يدل على أن محمدا بن عبد الله الذي يعتقد المسلمون كافة أنه المهدي المنتظر المخبر ببعثه آخر الزمان على أنه حفيد رسول الله ، ليس هو مثل ما يعتقدون بل هو النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ولذا أخبر أن اسمه " محمد " ويعني نفسه ، لكن جمهورهم توهم في ذلك حتى هذه الساعـة ممن أدرك تأويل أمـر المهدي عليه الصلاة والسلام ، وهم بعد لم يعو حتى الآن ويهتدوا لهذه النبوءات وحقيقتها مع أنها حق وحفيده الحق قد بعث يصيح بهذا وينادي على بيانها ويعرفهم أدلة ذلك من الكتاب والسنة والنبوءات قبل ذلك ، لكنهم يأبون إلا الضلال وعمى القلوب ولا هادي لمن قدر الله له الزيغ عن الحق ، كما لا مضل لمن قدر له الهداية ، والله فعال لما يشاء سبحانه .
وللتأكيد على أن هـذا اللقاء سيتم لا بالروح والنبوءة ، بل باللقاء الحسي المباشر كان إذا ما ذكر عودته آخر الزمان وأكد على أنه سيكون معه آخرين من أنبياء بني إسرائيل ، نجده يبهم أحدهم ولا ينص على اسمه ولو كان المعني هنا أحد أنبياء بني إسرائيل لذكره مثل ما ذكر غيره بالإسم ، لكنه لما كـان يعني رسـول الله محمد بعودته الثانية وهي غيب من غيوب الله لم يشأ التصريح بها وكانت بنبوءة لم يحن الأوان حين ذاك لكشفها ، كان يبهم اسمه ولا يصرح به لأجل ذلك ، كما في قوله :
فأصيخوا لإستماع كلامي : إن أخنوخ خليل الله الذي صار مع الله بالحق غير مكترث بالعالم نقل إلى الفردوس وهو يقيم هناك إلى الدينونة لأنه متى اقتربت نهاية العالم يرجع إلى العالم مع إيليا وآخر اهـ (7) .
وفي موضع آخر قال :
لكني سأعود قبيل النهاية وسيأتي معي أخنوخ وإيليا ونشهد على الأشرار الذين ستكون آخرتهم ملعونة اهـ (8) .
وقوله الأخير هذا دالٌ على أنه لم يعنِ نفسه بالقول السابق ولو كان يعني نفسه لما كان هناك معنى لإخفاء اسمه بالكلام الأول ، فها هو عاد ليصرح عن نفسه بالرجعة ، بل لم يخف ذلك طوال دعوته وبين لتلاميذه أنه لن يموت إلا وشك النهاية ، وأنه سيرفع وقبل النهاية سيعود ، وعدد من سيكون معه بالإسم إلا واحادا منهم أخفى اسمه وهو محمد صلى الله عليه وسلم لأجل أن عودته كانت نبوءة مخفية لم يقدر الله تعالى كشفها وستبقى غير مكشوفة لحين يبعث الله تعالى خليفته ورسوله المهدي فيهديه لتقريرها وبيانها للناس لإرتباطها بأمره وبسرها يعرف سره .
ومع أن القرآن الكريم لم يغفل الإشارة لهـذه النبوءة العظيمة إلا أن تقدير الله تعالى بإخفائها هو الأغلب فلم يصل لبابها أي أحد إلا ما كان قد روي عن ابن عباس وأحد تلاميذه ، وما جرى للصحابة حين قبض المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ثم انتهى الأمر لنسيان كل ذلك وعده من الباطل أو المحال .
أتى على ذكرها الله تعالى تلميحا بقوله : ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً ﴾ وفي هذا بيان من يكون الآخر في نبوءة الإنجيل حين الرجعة لإقامة الشهادة ، وها هنا التصريح بعودة المصطفى صلى الله عليه وسلم مصرح بها في القرآن لكن عمي عنه من عمي وهدى الله لعلمه من اجتبى من عباده وهو المهدي رسوله وخليفته آخر الزمان والله يفعل ما يشاء ويحكم لا معقب لحكمه سبحانه .
وعلى هذا وغيره أتى تفصيل أخبار القرآن من الله تعالى على ما سبق من ذكر للنبوءات مهيمنا ومـا نحن فيه هنا أدل شيء على ذلك ، وسنجد كتاب الله تعالى دائما يفسر أقوال من سبق ويكشف عن أسرار ذلك ومعانيه ﴿ ولا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ﴾ .
وكذلك أكدها بقوله : ﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ .
قد يتوهم متوهم من المسلمين وما أكثر ما وهموا على نبوءات القرآن والأنبياء حالهم حال غيرهم ممن اجتالتهم الشياطين وعبثت في عقولهم ليحرفوا النبوءات ويطمسوا معناها ، أقول قد يفهموا من هذا ما هم عليه في واقع اعتقادهم وقولهم أن ذلك يوم العرض الأكبر بعد القيامة حين يشهد الله أنبياءه على الكفار ، وهذا حق لكنه لا ينفي إقامة الله تعالى الإشهاد ببعض أنبياءه ما قبل انقضاء عمر الدنيا وهو ظاهر الإنجيل وظاهر القرآن في عودة المسيح عليه الصلاة والسلام ، إلا أن هؤلاء لم يقرو به بحق محمد صلى الله عليه وسلم مع أن الإنجيل لم يخفِ ذلك بل كشف حقيقته حتى أن الأمر فيه كان صريحا للغاية ولو كان على سبيل التلميح ، وبأدنى تفكر يدرك العاقل ما قاله يسوع عليه السلام بهذا الشأن لكن يبقى العامل الأساس في خفاء هذا الأمر على الناس خفاء الإنجيل أولا ، ثم عـدم إيمـان أكثر الخلق بأن هذا بالفعل إنجيله عليه السلام ، فحرموا بذلك بركة هذا النور وعلم هذا الكتاب المقدس ، ويكفي ضلالا عن الهدى وبعدا عن صراط الله المستقيم أن يكفر المرء بكتاب من كتب الله تعالى والعياذ بالله .
فقرر المسيح عليه السلام بانجيله : بأنـه رأى بالروح مثال المصطفى صلى الله عليه وسلم وسأل الله بعدها أن يكرمه بخدمة رسوله ، ثم عاد وأخبر أن الله عز وجل استجاب له في ذلك أي أنه سيلقاه ويخدمه ، وهذا يعني أنه سيتم لقاء ما بينهم على الحقيقة ، وقد أكد هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق غير مباشر حين أخبر بأن يسوع آخر الزمـان سيصلي خلف رجـل من أمته واسمه " محمد بن عبد الله " ولم يكـن يعني بذلك إلا نفسه صلوات ربي وسلامه عليه يوري بهـذه الحقيقة ، لكن لما كانت هذه النبوءة واجب إخفائها من زمن المسيح تم منه الإخبار بذلك على هذا الأساس ولم يفصل أكثر ويصرح بأكثر مما صرح ، وفي ذلك حكمة لله تعالى اقتضت أن يكون هذا الأمر مما يخفى حتى يباغت الذين ظلموا وجحدوا رسالته من أهل الكتاب والمشركين ، وقد أتى من آيات القرآن مـا يدلل على هذه الحقيقة على ما بينته وسأبينه لاحقا زيادة على ما ورد بالسنة ، علما بأني أفردت كتابا في إثبات عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليراجع للأهمية في معرفة سائر الأدلة في هذا الخصوص وهو كتابي المعنون بـ " رفع الإلتباس . . . " .
قال تعالى : ﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ . فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ ﴾ أي انتظر قضاء الله تعالى وفتحه على القوم الظالمين ، وانتظر حكمه الذي أخبرك ، ومن ينتظر لابد يصل له ما ينتظر ، إذا ما كان الآمر والقاضي والمخبر بذلك الله تعالى ، ثم إني لأحار كيف يغفل الناس عن دلالة تلك الآية وبها ذكر الجمع للفتح ، ثم في الأخرى ينص على أن يوم الفتح لا ينفع إيمان ولا هناك إنظار ، والأعجب أن يؤمر بالإنتظار ، وهل ينتظر يوم الحساب الأكبر والبعث بعد الموت ، فذاك يوم آت بلا انتظار من أحد إنما ينتظر يوم الرجعة دون ذلك مع بعض إخوانه من الأنبياء والرسل فهذا الذي يصح فيه الأمر بالإنتظار وهو من ألفاظ التكليف أما يوم القيامة الكبرى فلا تكليف بانتظار ذاك اليوم ، بل مجيئه بديهي قدري لا يتصور فيه انتظار أحد ولا هروبه منه .
وقال : ﴿ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ . فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ .
وبهـذا نرى أن القرآن ومن قبله الإنجيل اتفقا على ذكر هذه النبوءة العظيمة والجمع المنتظر ، ليفصل الله تعالى بين خلقه ويقيم شهادة الأخيار على الفجار الأشرار ، الذين ستكون خاتمتهم ملعونة واستعلائهم بالباطل مبتور ، لا يقبل منهم حينئذ إيمان بل ليس هناك إلا القتل أو الحبس أو التشريد .
وسينقطع مكرهم إلى ما لا نهاية ولن تقوم لهم بعده قائمة على أولياء الله تعالى وأصفيائه إلا ما سيكون من ثورة إبليس بهيكله الأعور ، ثم سراعا ما يخمد الله تعالى جذوته الخادعة وينتهي أمـره نهائيا في عداوة عباد الله تعالى الصالحين إلى أن يرحلوا عن دنيا الحثالـة بقية الأشـرار وعلى هؤلاء تقوم الساعة وتنتهي أعمار الخلق على وجه البسيطة .
وعودة يسوع المسيح عليه الصلاة والسلام ستكون بقوة جبارة من الله تعالى على المشركين لتحطيم الأشـرار والقضاء عليهم للأبد ، قال في ذلك عليه السلام :
متى جاء الله ليدين يكون كلامي كحسام يخترق كل من يؤمن بأني أعظم من إنسان اهـ (9) .
وهذا شبه سـلاح نووي إن لم يكن أفتك وأكثر فاعلية وأنسب شيء للتصدي لقوى الأشرار العصرية ورعاياهم الملاعين ممن آمن وصدق بأنه الله ، وموازين القوى التي نشاهد حاليا لهؤلاء الأشرار لن تقلب بالشيء الهين بل لابد يقابلها إعجـاز رباني يغلبها ، ولو سألتم مـا ستكون عليه الحال قبله وتمهيدا لعودته ومن معه من رسل الله صلوات ربي وسلامه عليهم جميعا ؟ ، لقلت لكم لعل ما سيكون قبله أدهى وأمر على الأشرار وذلك بما سيؤتي الله تعالى وليه وخليفته المهدي من قوة جبارة عظيمة جدا هو كذلك يهلك بها الله عز وجل الذين ظلموا ولا عقبى خير لهم ، وقد أتت إشارات لذلك منها هدم أسوار القسطنطينية بالتكبير ، وهذا لا شك وجه إعجازي وأمر خارق للعادة.
كذلك هناك نداء الحجر والشجر للمسلمين ضد من يحاربهم من اليهود آخر الزمان وهو أمر كذلك إعجازي وآية عظمى ، دالة وما سبق على أن الله تعالى سيجري من أمور السلطة ومقوماتها ما لم يعتاد عليه الناس بهذا الزمان ، مثل ما حصل من جنس ذلك في زمان موسى واليهود من قبل عليه الصلاة والسلام .
ومن ذلك أيضا البلاء الذي سيحل بمقاتليهم من الأعداء حين يضرب الله على أيديهم الوهن لا يقدرون يحركون أسلحتهم التي يحملون ، حتى أنهم يؤخذوا بعد ذلك يقتلون كالخراف أو الدجاج لا حول لهم ولا قوة .
وأثـر عند أهـل الكتاب حسب رؤيا " أخنوخ " أن عباد الله تعالى ستقاتلهم أصناف من " الطيور الجارحة " و " الوحوش الكاسرة " ، وقال بهذا الخصوص صاحب كتاب " محمد في الكتاب المقدس " : إن رؤيا باروخ ـ أخنوخ ـ وعزرا ( الكتاب الرابع لـ( إيزدراس ) في الترجمة المعتمدة لدى الكاثوليك VuIgate تتحدث عن ظهور إبن الإنسان الذي يقيم مملكة السلام القوية على أنقاض الإمبراطورية الرومانية . .
وإن سفر الرؤيا المختص إينوخ يتنبأ بظهور ( ابن الإنسان ) في تلك اللحظة التي تهاجم بها طيور جارحة تنقض من فوق على قطيع صغير من الغنم وكذلك ينقض عليها من الأرض وحش مفترس رغم دفاع الكبش بضراوة عن القطيع .
أما سيد القطيع وهو راع طيب فيظهر فجأة ويضرب الأرض بعصاه أو بسيفه فتنشق الأرض وتفتح فاها لتبتلع العدو المهاجم ويتابع الراعي مطاردته لقوى الشر ، من " طيور جارحة " و " وحوش ضارية " ليشتت شملها بعيدا .
ثم ختم كلامه عبد الأحد داود صاحب كتاب " محمد بالكتاب المقدس " بقوله :
إن الصولجان ( في اللغة العبرية يقال له ( شبت ) أو العصا أو الهراوة ) ما هو إلا شعار السلطة والتشريع اهـ (10) .
الصولجان هنا كناية عن حفيد المصطفى صلى الله عليه وسلم " المهدي " صرحت بذكر ذلك نبوءة الزبور المؤكدة بالإنجيل والقرآن وأعلنها من قبل يعقوب عليه السلام في وصيته المشهورة لأبنائه .
وهذا الصولجان أو القضيب أو العصا هو المعنى الذي سيؤتيه الله تعالى من قوة وسلطان يمهد به لرجعة جده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أتت بعض الرؤى والبشارات في أول مبعثه تشير إلى شيء من ذلك ، أن عصا ذات قوة جبارة ستكون معه ينزل بها المطر ويزلزل بها الأرض بإذن الله تعالى ، تتجمهر حوله الناس فيناديهم :
تريدوني أنزل المطر لكم من هذه السحابة بإذن الله تعالى ؟ فيقولون : نعم .
فيأمرها باسم الله تعالى فيكون مثل ما قال .
وأيضا يقول لهـم : تريدوني أزلزل لكم الأرض ؟ . فكان إذا وضع طرف عصـاه على الأرض تتزلزل ، وإذا رفعها يتوقف الزلزال ، كل ذلك يقوله بإسم الله القوي العزيز .
ولعل ما روي عن الدجال من مخاريق وتشبيهات ما هو إلا محاكاة لما سبق وحصل مما ذكرت مع المهدي عليه الصلاة والسلام فإنه قد روي مثل ذلك أنه يكون علي يدي الدجال فيما يظهر للناس ، فهذا من الباطل من الشيطان ، وما سيحصل للمهدي عليه السلام إنما هو من الله الرحمان ، وهذا من جنس إلقاء الشيطان في وجه الحق .
ويكون على هذا وجه من مطابقة الحال أيضا مـا بين الذي جرى في عصر موسى وقومه عليه الصلاة والسلام وما سيجري في عصر المهدي وقومه ، اعجازات الله تعالى وآياته التي تتجلى في كل عصر خلاصا للبشرية في وجه كل طغيان وكفر ، بقوة الله تعالى الجبار ليعطل مملكة الشيطان ويقيم على أنقاضها مملكة الله الحق والنور المبين .
بل هناك ما يشير إلى أنه سيؤتى بتلك العصا على مشهد عظيم من الناس والملائكة ينظرونه يتناولها من قمة جبل أحد في المدينة المنورة بهكذا أخبار وردت بعض المبشرات في بدئ أمره ، ولا أستبعد أن تكون تلك آية ملكه من الله تعالى ، وأن العصا ما هي إلا عصا موسى عليه الصلاة والسلام ، تأتيه الملائكة بها في تابوت موسى ومعها الألواح المقدسة التي كتبها الله تعالى بيده حتى توضع فوق قمة جبل أحد .
تلك التي ذهب بها بعد أو قبل تدمير الهيكل وتسليط نبوخذ نصر على اليهود ، فمن تلك الحادثة فقد التابوت والعصا والألواح لا يدرى أين ذُهب بها ، وقد وردت بعض آثار لا يعتمد عليها من حيث ثبوت السند أن المهدي سيؤتيه الله ذلك ، لكن بما قلت اطمأنت النفس إلى أن هذا ما سيحصل إن شاء الله تعالى ، يؤتي الله عز وجل المهدي هراوة موسى ذات السلطة الربانية ليتم له الشهادة على اليهود بها ، وأن الله تعالى بعثه ليحق الحق ويزهق الباطل وإن الباطل كان زهوقا .
أما الدكتورة " منى ناظم " فتشير في دراستها عن المسيح بالتأكيد على نبوءة " خنوخ " في حكم الأمم بـ " طيور مفترسة " التي ستضطهد شعب الرب ثم يشير السفر تقول الدكتورة ( خنوخ " اصحاحات 83 ـ90 " ) إلى قيام معركة حاسمة بين الأشرار والصالحين تقف فيها السماء وجنودها بجـوار الصالحين ثم يأتي راعي الغنم في يوم القضاء ويضرب الأرض بروح شريرة فتبتلع الحيوانات المفترسة ويبني ذلك الراعي بيتا للرب تدخله جميع الأغنام ثم يأتي المسيح ويحاكم الأمـم الشريرة وبعد فترة مـن الاضطرابات والحروب الطويلة يسود السلام إلى الأبد وينتهي الشر من العالم اهـ (11) .
وهنا بحسب هـذه الرؤيا المسيحانية عند اليهود التأكيد على تمهيد المهدي عليه الصلاة والسلام لعودة رسل الله يسوع وأخنوخ وإيليا وسيدهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم ليشهدوا على الأشرار في آخرتهم الملعونة وأن المهدي الذي هو بمنزلة عصا التأديب لمحمد صلى الله عليه وسلم ستكون مهمته عقاب الأشرار وردعهم بما يلزم بين يدي عودة رسل الله ، ولكل ذلك شهادة من نبوءة يعقوب عليه السلام ونبوءة الزبور والإنجيل وآخـر ذلك تأكيد القرآن المهيمن على إخبار من سبق ، على أن المسيح والنبي سيعودون آخر الزمان ، ولن يكون ذلك ما لم يبعث المهدي عليه السلام ليمهد ومن معه من عباد الله تعالى الصالحين الطريق لكل هؤلاء الرسل ليتم ما قدر الله تعالى .
كذلك نجد بهذه الرؤيا الخلاصية المنسوبة لنبي من أنبياء الله تعالى ذكره " الطيور المفترسة " وهذا الذكر منطبق انطباقا تاما على طائرات الأعداء اليوم من كفار العالم ومشركيه وملاحدته ، والذين هم بالفعل الآن كما نرى يقاتلون عباد الله تعالى بهـذه الطيور ذات الأسلحـة الفتاكة والقوة المدمرة ينقضون عليهم من السماء لا حول لهم عليها ولا قوة وبعضها تضربهم من جو السماء العالي جدا حتى أنه لا تدركها أي أسلحة عصرية إنها حقا مفترسة ، ومعها وحوشهم الأرضية التي تنفث الهـلاك والموت حيثما توجهت ، إني أرى هذه النبوءة منطبقة على واقع العراق وبلاد الأفغان أشد مطابقة وبذلك أوضح برهان على أنَّا في الوقت الذي أخبرت عنه هذه النبوءة وغيرها ، ونسأل المولى أن ينجز وعده لأنبيائه في إهلاك هؤلاء الأشرار بأن يؤتي عباده الصالحين قوة خارقة تضاد ما عليه هؤلاء الأشرار من قوى مدمرة أبيد وأهلك بواسطتها خلق وإعمار كثير (12) ومـن تلك القوة الربانية مـا سيهب الله لمسيحه يسوع ابن البتول عليهما السلام حين رجعته : " متى جاء الله ليدين يكون كلامي كحسام " . ومراده هنا بالإدانة " الدينونة " وهي تلك التي ينتظرها " أخنوخ " عليه السلام :
أخنوخ نقل إلى الفردوس وهو يقيم هناك إلى الدينونة (13) .
ويفهم من هذا أن مرجع الرسل وقبله بعث المهدي ما هو إلا لتحقيق دينونة الله تعالى أو القيامة على مصطلح المسلمين ولو أنهم لم يعو حقيقة هذا بعد لكن هذا ما صرح به المسيح بإنجيله لقوله : متى ما جاء الله ليدين . وقوله : يكون كلامي كحسام . هو السلاح الفتاك الذي كما قلت يقابل قوة أسلحة الأشرار ، بين فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانا كافيا بقوله : ( لا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه ) (14) .
وقال يسوع عليه السلام : ما أشد دينونة الله على عبدة الأوثان . وصدق عليه السلام فإن كان نفسه هكذا يهلك منهم ، وتكبيرات المؤمنين تزلزل قلاعهم ، والشجر والحجر ينادي عليهم وأيديهم لا تقوى على حمل السلاح ، وما أخفي لهم بالمهدي خليفة الله تعالى ورسوله سيكون أشد وأدهى ، فبالتأكيد هؤلاء ستكون آخرتهم ملعونة وأمر الله عليهم شديد .
وقوله : ستكون لهم دينونة الله حين ينقضي العالم . أي حين ينتهي عمر الدنيا بآخر ما قدر لها ، يوم ذاك يرجع الأنبياء بعد تمهيد الله تعالى بالمهدي لمقدمهم وليحكم الله ويفتح بين الجميع بالحق ، وسمى ذلك اليوم بيوم " الفتح " و " النصر " و " الحكم " و " القضاء " و " كلمة الفصل " ولله الأمر من قبل ومن بعد وهو ولي المؤمنين ، وكل ما تقرر هنا بهذا الكتاب في شرح نبوءات الأنبياء إنما هو من هذا الذكر الذي سيخسر أشد خسارة من يعرض عنه ولا يبالي به .
قال عز وجل : ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً . الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً . وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً . يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنسَانِ خَذُولاً ﴾ وكم من جاهل لا يعلم حقيقة ذلك ، وحقيقته أن الله تعالى سيحكم في هذا العالم مثل ما كان حاكما في بني إسرائيل أيام التيه ، كان الله يكلم موسى في وسطهم من خلال الغمام الذي يرتفع وينزل على خيمة العهد المقدسة في وسطهم بوجود التابوت والعصا وموسى عليه الصلاة والسلام ، كل ما أراد الله تعالى منهم أمرا أو أرادوا من موسى أمرا لا مرجع له إلا لله تعالى ، خيم الغمام على تلك الخيمة وجاء موسى ليتلقى من ربه ما يوحى إليه جوابا على سؤالهم أو أمرا مبتدأ أمره من الله تعالى ، حتى قيل أن الغمام إذا ما ارتحلوا يسير مع الخيمة ولا ينجلي عنها إلا بالمقام الجديد .
ومثله ما نبأنا الله تعالى في هذه الآية أن الله تعالى سيحكم في آخر العالم مثل مـا كان يحكم سبحانه في وسط بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر ، ينزل الغمام ويكلم مـن يشاء من عباده عن أمـره ونهيه ، ويوم ذاك يعض الظالم على يديـه من الحسرة وشدة الندامة أنهم لم يتخذوا مع الرسول الذي بعثه الله تعالى في الآخرين بسبيل الرشد ويجتنبوا سبل الغواية وطاعة الشيطان الذي سيخذلهم خذلانا شديدا حين يحكم الله تعالى العالم ولن يكون له حولا ولا قوة بما كشف الله تعالى من حقائق وآيات .
وهنا أقول : بأن ليس هذا النص الإنجيلي سالف الذكر هو الوحيد في إبهام ذكر اسم المصطفى صلى الله عليه وسلم في الإنجيل ، ففي خبر الصيام أربعين ليلة كذلك أبهم ذكره ولم يصرح باسمه عليه السلام ، فقال :
أنا وموسى وإيليا وآخر لبثنا أربعين يوما وأربعين ليلة بدون شيء من الطعام (15) .
وقد تأيد هذا في إخبار رسولنا صلى الله عليه وسلم حين نهـى بعض أصحابه عن وصال الصوم اقتداء به ، فقال : ( إني لستُ مثلكم ، إني أظلُّ عند ربي يُطعمني ويسقيني ) (16) .
وقد فسر المسيح بإنجيله وجـه هذا ، على أنه بمنزلة صبر الملائكة عن الطعام يتعضون عن ذلك بالتسبيح والتهليل لله تعالى .
ومع جلاء هذه النبوءات وتأكيد الكتابين أمر هذه الشهادات آخر الزمان بهؤلاء الأنبياء على أعداء الله تعالى الأشرار ، نجد من طمس الشيطان لهذه النبوءات في عقول الناس وقلوبهم أن الكل يجهل حقيقتها ولا يؤمنون بما دلت عليه ، مع أنها بينةٌ في القرآن والإنجيل على ما فصلت هنا ، قال تعالى في القرآن : ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ ولا معاد إلا ما تقرر في كتاب الله تعالى نبوءة وبإنجيله من قبل ، ترجع فيه الرسل ويحكم فيه الواحد القهار .
وقوله كذلك عز وجل لنبيه تشبيها له بسفينة نوح التي قضى الله على متنها نجاة المسلمين حـين أراد أن يهلك الكافرين ، فشبه الله عز وجل حال رسوله بحال تلك السفينة بالقول : ﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ . يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنصَرُونَ . وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ . وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ .
وفي خبر سفينة نوح عليه السلام قال : ﴿ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ . تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ . وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ .
فهنا شبه أمر رسوله بسفينة نوح وأنهما بأعين الله تعالى كناية عن حفظه لأمر قدر على الكافرين فيه هلاكهم ، وكما كانت سفينة نوح آية لله عظيمة فمثلها سيكون أمر رسوله بحفظه لليوم الموعود وذلك آية عظيمة لكن لا مُّدَّكِرٍ ، مع أن الله تعالى يسر هذا القرآن للإشارة لتلك النبوءات وتصديقها علهم يتذكرون لكن لم يكن ! .
والأعجب من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كاد يفصح عن ذلك على ما سأذكره لاحقا ، لكن قبل أحب أوضح المعنى من أمر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يصبر لهذا الحكم الذي قدره ونبأه عن حقيقته ، يصبر له ويتعبد لله تعالى حتى يأتيه اليقين في ذلك ، بل نهاه عن التشكيك به ووعظه بشدة على ذلك في قوله عز وجل : ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ﴾ ﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ . وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ .
عد ذلك الحكم والقضاء آية من آياته سبحانه ، ونهاه عن الشك به وأن مكذب هذا الحكم إنما يكذب آيات الله تعالى ، ووعظه بأن لا يكون من مكذبي هذا الحكم والتقدير ، وهو الحكم الذي أمره بالصبر له في " سورة الطور " وأبدا إذا ما أمره به إلا ويوصيه بالعبادة ليستعين بها على الصبر لهذا الأمر ، قال له آمرا : ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴾ ونظيره قوله تعالى : ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ﴾ وسيأتي في " الفصل الخامس " إن شاء الله تعالى من هذا الكتاب زيادة بيان في هذا المعنى .
ومن قوله تعالى : ﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ اتخذ بعض مخابيل عباد الصليب حجة على عدم صحة اعتقاد تحريف التوراة والإنجيل لهذه الآية التي بحسب فهمهم الناقص أن الله تعالى عـد كتبهم الباطلة مرجعا عند الشك ، وليس الأمر كذلك والقرآن أثبت تحريفهم لكتبهم وما هم في هذا إلا مثل ما حكى الله تعالى عن ذلك الوجه من أوجه الكفر وهو الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه الآخر .
وهؤلاء آمنوا بزعمهم بهذه الآية ليضربوا بها آيات أخر أثبت الله تعالى فيها تحقق تحريف اليهود لكتب الأنبياء والصليبية على إثرهم في ذلك حرفوا الكتاب وأفسدوه بشهادة المسيح على ذلك قبل ما يكون ، ونبأ أن من بعده سيأتي من يحـرف كتابه وينجسه ، ورغم هذا يقول هؤلاء الكفرة منجسة الإنجيل ما يقولون تحريفا لمعنى الآية مثل ما حرفوا من قبل معاني آيات النبوءات كلها في بني إسرائيل .
والمعنى الحق في هذه الآية هو : أن اسأل من قرأ الكتاب من قبلك عن هذا الوعد ، الذي وجده من وصل له الإنجيل الصحيح للمسيح وبعض أسفار الأنبياء التي لم تطمس بعد وفيها تفصيل هذا الوعد والوعيد على ما فصلت لك ولأمتك ذكره بالكتاب الذي أنزلت عليك .
اسأل هؤلاء إن كنت في ريب وشك مما أخبرتك ، مثل النجاشي وورقة بن نوفل وغيرهم حتى حكي أن قيصر الروم كاد يسلم وأخبر بطارقته أن لعل هذا من ذكر خبره بالإنجيل (17) .
لكنهم امتنعوا من تصديق ذلك ، فكل هؤلاء وهناك مثلهم أيقنوا هذه النبوءات وآمنوا بها ، ولذا نرى ورقة والنجاشي من أول ما بلغهم خبر بعث محمد صلى الله عليه وسلم آمنوا به لسابق أثر عندهم وجدوه مما بقي من الأسفار الصحيحة ، وبها نبوءات النهاية والعودة واجتماع الشهداء آخر الزمان ، فهذا هو المعنى من تلك الآية لا كما فهم هؤلاء الكفرة المحرفة من الصليبية (18) .
أقول : ولما أراد الله تعالى هذا الأمر قلت أنه شبه أمر محمد صلى الله عليه وسلم بأمـر سفينة نوح عليه السلام التي كانت تجري بأعين الله تعالى وملائكته ، أي بأمره القدري المكتوب لميعاد الفصل والفتح ، وكذلك رفع المصطفى صلى الله عليه وسلم لما كان بأمر الله تعالى القدري لميعاد مكتوب قال بأنك بأعيننا أراد المعنى ذاته .
وقد قلت قبل أن المصطفى عليه الصلاة والسلام كاد يبوح بذلك أو فعل ذلك بالفعل لكن لم يتفطن أحد فقال : ( مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق ، ومن قاتلنا آخر الزمان فكأنما يقاتل مع الدجال ) (19) .
وهنا ذكر آل بيته بمنزلة ذكر المسيح عليه السلام في إنجيله " للآخر" ويريد رسـول الله نفسه ، مثله هنا هو يذكر " آل بيته " وإنمـا يريد نفسه وحفيده المهدي خليفة الله تعالى ورسوله ، لذا نراه عقب بـ ( مقاتلنا آخر الزمان ) ، وليس ثمة أحـد منهم هناك سوى نفسه والمهدي عليهما الصلاة والسلام .
بل هناك أكثر من هذا إذ شبه أمره بأمـر " حطة " بني إسرائيل وهل يعرف الكثير ما حطة بني إسرائيل على الحقيقة ؟! ، لا أعتقد .
قال : ( مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك ، ومثل باب حطة بني إسرائيل ) (20) .
وهنا أتى بالكناية عن ذبح الأعداء ، والقتل كما هو معلوم نزل على آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لا منهم في أول أمر الإسلام ، ولن يكون منهم على ما أشار هنا في عصاة الخلق وأشرارهم إلا آخر الزمان ، فَمَثلهم في بني إسرائيل بما جرى في قصة " حطة " حين أمر بني إسرائيل بالدخول من الباب ليقتصَّ موسى عليه السلام من الجناة الذين أشركوا ليطهرهم الله عز وجل ممن اغترفوا عمل الشرك بالعجل ، وسيكون في الآخرين من آل البيت مثل ذلك على من كفر وأشرك ، أما الأولين من أهل البيت فمعلوم بأن القتل وقع عليهم ظلما وجورا ، وشردوا على مـا ثبت من تأريخهم وتأريخ من عاداهم هذا ثبوتا ضروريا ، وإنما التشبيه هنا بحسب حال موسى وسيفه على الأشرار كناية عما يكون من رسول الله وحفيده المهدي على أعداء الله تعالى في هذه الأمة آخر الزمان ليس إلا .
وكتاب اليهود يشرح قصـة الباب والحطة لا كما فهم غيرهم ، فهم حين حصل منهم الشرك بعبادة العجل أمر موسى عليه السلام بإغلاق أبواب المحلة التي كانوا يسكنون بها ، وجعل على أبوابها حراسا وأمر المذنبين يمرون من خلال تلك الأبواب وأوقف عليها أتباعه من المخلصين الذين لم يتورطو معهم فيما تورطوا به من عبادة العجل ، وأمر كل منهم يقتل من المذنبين قريبه ، فكان يقتل الرجل أخاه وصاحبه وابن عمه حتى يغفر الله لهـم ويحط عنهم خطيئتهم الكبرى تلك ، حتى قالوا قتل منهم ثلاثة آلاف رجل ، وكان عليه السلام يسير فيهم وينادي يقول :
املئُوا أيديكم اليوم للرب ، حتى كل واحد بابنه وبأخيه فيعطيكم اليوم بركة .
وسيفعل الله تعالى بالفجار والكفرة مثل ما فعل على يدي موسى ومن معه من الصالحين ، برسوله محمد وحفيده المهدي آخر الزمان سيكون نظير ذلك ، حتى قال رسـول الله جـراء ذلك أنه سيسمى حفيده المهدي بـ " السفاح " وهذا نتيجة ما يسفك كثرة من دماء الأشرار المنافقين والمشركين أعداء الله تعالى وذلك تمهيدا لعودة الرسل وإقامة الشهادة لله تعالى على كل أعدائه قبل نهاية عمر الدنيا ، على ما بين بالإنجيل والقرآن .
والمتمعن في آيات الكتاب بطولها لا يجد قوله تعالى ﴿ بِأَعْيُنِنَا ﴾ تورد إلا في أربعة مواضع ، كلها في خبر سفينة نوح والرابع منها في خبر رسوله الذي ذكرت ولم يكن هذا لغير معـنى مراد لله تعالى وهو المعنى الذي بينته وقررت إعلانه بهذا الكتاب ، ويعد هذا من جملة " المثاني " المتشابهة (21) .
التي تقشعر منها جلود الذين آمنوا ، والله الموفق .
وقبل أن أشرع في بيان تصديقات العلي لجملة من أخبار إنجيل المسيح الصحيح عليه الصلاة والسلام وأكشف عن وجه ما خفى من معناها ، وأبين أن فيها التأكيد على أن هذا الإنجيل موحى من الله تعالى لا مرية في ذلك إلا على من لم يشأ الله تعالى هداية قلبه واتبعه الشيطان يصده عن الحق الذي بشر به المسيح عليه الصلاة والسلام .
ذلك التبشير المؤيد بآيات الله تعالى العظيمة التي أجراها على يدي المسيح عليه السلام ، حتى أنطق لتأييده الحجر وأوقف الشمس ، وأحيى الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص ، وخلق من الطين طيرا بإذن الله تعالى ، وحتى أن الله وهب على يديه لتلاميذه معجزات من بعده آيات تصديق له على أيديهم يشفي الله بهم المرضى ويخرجون الشياطين من الناس ، وكل هذه الآيات الباهرة لم تفد كبار اليهودية ومن اتَّبعهم من القراء والفريسيين بصدق دعوة المسيح وصحة مهمته التبشيرية ، بل ولم تفد كبار الصليبية وقسسها إلى يومنا هذا ، بل حرفت عليهم وباتوا من أشر الخلق وأشدهم ضلالا إذ تحملوا أمانة حرب هذا الإنجيل إلى وقتنا هذا والتشكيك به رغم ما أيد الله نبوءاته بالصدق من بعده عليه الصلاة والسلام ، جريا على سنة أسلافهم من اليهود ومؤسس ملتهم الشركية " بولص " الملعون عادم التقوى .
أقول : قبل الشروع بذلك الشرح أحب إظهار الحكمة من استخدام المسيح في نبوءته حقيقة وجود القمر وفيئه زيادة على ما مضى من كلامي ، فأقول هنا مبتدأ بهذا السؤال :
هل للقمر فيء بالحقيقة أم لا ؟ ، وما هو فيئُه ؟ وهل هناك فرق بين فيء الأجسام وظلها ؟ .
نعم ، فقد ثبت في لسان العرب وجود الفرق ، فهم يسمون بالظل ما كان متحركا من الأجسام ، ولا يصفون بالفيء إلا الثابت من الأجسام .
وعلى وفقه يكون فيء القمر وماهيته الحقيقية من المستحيل رؤيتها بالعيون البشريـة ! ، وليقف هنا إجلالا لهـذه النبوءة العظيمة في القرآن والإنجيل كل مؤمن يخشى الله تعالى ويرجو لقاءه ، من الذين هدى واجتبى .
والعرب لا تقول هذا فيء فلان ويريدون ظل جسمه ، بل يقولون ظله ، ويقولون فيء التلول ، وفيء المنزل لثبوت هذه الأشياء بغير حراك ، مع كبر حجمها .
لكن للمعلومية هم لا يمنعون وصف الظل على الكل ، إلا أنهم لا يقولون بحال عن ظل الشخص المتحرك هذا فيء فلان ، وخصوصية الوصف بالفيء والله أعلم أتت من كبر ظل الأجسام مثل التلول والجبال والمنازل ، وأن حركته منضبطة لا بحركة تلك الأجسام ذاتها ، بل بحركة الشمس .
ولما كان تحرك القمر بالخلاف من حركة الأجسام الموصوف خيالها بالظل ومنها أجسام البشر ، كان إطلاق الفيء عليه هو الأنسب كيف لا وهو غير مرئي أصلا ، وهذا سر تعلق النبوءة به وصفا .
وهنا أسأل : كيف ينشأ فيء القمر ؟ . هل ينشأ بتوسطه ما بين الأرض والشمس ؟ ، وهنا إذا توسط على خـط مستقيم صرنا نحن في ليل وتعدت القضية هنا مسألة الفيء ، وسنصبح حينها في ليل دامس لا قمر ولا فيء قمر ، أما ما قبل وقوعه على خط الاستقامة ما بين الشمس والأرض فلن يرى القمر فضلا عن فيئه ! .
والصحيح أن الفيء إنما يكون لازما للقمر ما رأته أعين البشر ، فكلما رأيته يا الناظر أيقن أن له فيئا لكنه غير مرئي بالنسبة لمقدرة عينك المجردة فهو حاصل من جهته الأخرى ، لكن لا يستحيل على عقلك إدراك وجوده على الحقيقة ، ومن هنا أتى التشبيه البليغ ما بين نبوءة القرآن (22) .
والإنجيل معا ، وهذا هو فيء القمر .
وعلى وفقه ننطلق لفهم النبوءة الإنجيلية والقرآنية معا في آية انشقاق القمر وآيات سورة الدخان ، ومن هنا أتى سر ارتباط بعض رؤى مبشرات المؤمنين بالقمر في وقتنا الراهن دليلا على هذه النبوءات ، بل أكثرها اليوم يرمز للقمر لهذا المعنى ، وليتنبه لهذا .
بل ماذا أقول ؟ : إن آية الانشقاق العظيمة كانت تنبه لهذا يقينا حين طلب منه كفار قريش آية على ما ذكرته قبل ، فلم يعرض عليهم المولى عز وجل إلا في هذا المعنى آية انشقاق القمر ، فكل شق يمثل رسول من رسل الله تعالى وهما محمد صلى الله عليه وسلم وحفيده المهدي عليه السلام ، أي أراهم وجه القمر وفيئه لو كنتم تعلمون .
ومعنى النبوءة : أن القمر بدا بوجه ، وسيأتي يوم يتبدى الفيء لهذا القمر على آخر حتى تبلغ المشابهة والمطابقة كما وجه القمر الآن ، فيما لو استدار وبدا بدلا من جانبه الآخر جانبه الغير مرئي للبشر طوال الأزمان الماضية وهو عين ما عناه المسيح في نبوءته .
فهل لو انفتل القمر بإذن الله تعالى وصار ما كان في الجانب الآخر لجهتنا ، هل تراهم يفطنون ؟! فهذا هو المعنى من النبوءة .
وسر ارتباطها بنبوءة القرآن المؤيدة لها بالمعنى ، أنها تحكي عن رسول غير ما يتبادر لأذهان السامعين من الكلام وتقرر لديهم في الذاكرة المخدوعة.
ولنعد الآن لـ﴿ كُنَّا ﴾ في آيات سورة الدخـان المحاكية لهذه النبوءة الإنجيلية لنتبين سـر ذلك الترابط وأوضح مـدى علاقتها بهـذه النبوءة ، والتعريف بأنها تفسيرٌ لها .
وكِلا ﴿ كُنَّا ﴾ في تلك الآيات في ذات المعنى فالنذارة بأمر المهدي هناك ، والإرسال فيها كذلك للمهدي في تلك الآيات لا للمصطفى صلى الله عليه وسلم ، ومن هنا يأتي العجب في علاقة ﴿ كُنَّا ﴾ في تلك الآيات بهذا المعنى ، في كونها زائدة وليست غير ذلك ـ أي أصلية بالكلام ـ (23) .
وهنا أدعو العاقل لرفع ( كنا ) من تلك الآيات بالتلاوة وليرى بنفسه كيف سيكون المعنى ؟
لاشك سيجد المعنى : ( إنا منذرين ) و ( إنا مرسلين ) للمستقبل لا الماضي ولا الحـال ، خصوصـا في ( مرسلين ) ! ، ولو كان المراد بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم لما جاز لهذا الوجه أن يكون في هذا الخطاب والخبر ، فالإله الحق منزه خطابه على الإطلاق من أدنى زلل ، ولا يصح قوله والمراد المصطفى صلى الله عليه وسلم في : ( إنا مرسلين ) ، وهو قد أرسل بالفعل زمن الخطاب ، ومثله ( الإنذار ) ، فهي مقترنة هنا ، أي تضمن كل منهما معنى الآخر ، سنرسل وننذر ! ، والكلام خارج على وجه الخبر ، والخبر بالمصطفى صلى الله عليه وسلم ممكن هنا ، وذلك أن يقول : ( إنا أرسلنا ) ! .
فلا يستقيم بحال أن يقول ( إنا مرسلين ) والنبي من يتنزل عليه الخطاب قد أرسل ! ، فهذا لا يستقيم في خطاب العقلاء فكيف بالرحمن العليم الحكيم سبحانه ، فيجب تنزيه المعنى في خطابه هذا من فهمهم السابق لتلك الآيات .
فقوله : ( إنا مرسلين ) أي سنفعل ، ولم نفعل بعد ! ، فانظروا للعجب في أسرار القرآن .
وهنا يأتي تفسير قول من قال القرآن حمال أوجه حكاه أبو الأحوص عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أنزل القرآن على سبعة أحرف ، لكل حرف منها ظهر وبطن ) (24) .
وأنا أتحداهم أن يأتوا بالمنع لهذا الوجه الذي ذكرت في ﴿ كُنَّا ﴾ الزائدة من حيث اللغة والمعنى ، وهو أسلوب في القرآن ، ومثله قوله تعالى : ﴿ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً ﴾ . وهو أمامهم ، يمكنهم قول : ( كيف نكلم من في المهد صبيا ) ولا يُخل حذفها بالمعنى ، صحيح أنه يغيره نوعا ما لكن لا يخل به هذا الحذف ويمنعه من كل وجه ، ولذا سميت ( كان ) هنا الزائدة .
أما في سورة الدخان فهي كذلك ، لكن تغييرها للمعنى عجب عجاب ، وهو في تفسير وتفصيل نبوءة الإنجيل ، ومعناها ثابت في صحة اعتقاد أن المهدي مـا هو إلا هذا الرسول المذكور في تلك الآيات ، وهو المراد بنبوءة الإنجيل وآية انشقاق القمر رسول من رسل الرحمن عز وجل ، وصفة الإرسال لمـا كانت تقع عليه وعلى المصطفى صلى الله عليه وسلم لكن من غير علم ويقين الخلق كان هـذا التمثيل الغامض والخطاب الخفي عليهم ، وهكذا اقتضت حكمة الله تعالى وأتى الأمر بالواقع بمثابة وجه القمر وفيئه والذي لو استدار ما فطن أحد لذلك ، ومن هذا خرجت الحكمة بتشبيه تلك النبوءة الإنجيلية بفيء القمر والقصد إخفاء معنى النبوءة القرآنية الإنجيلية حتى لا يعلمها إلا الله تعالى ولن يكشف سرها إلا وقت تأويلها ، فسبحان الله علام الغيوب القادر الحكيم .
وليصدقني المؤمن أن ﴿ كُنَّا ﴾ حتى في إثباتها في سورة الدخان أصلية ، هي تأتي على وجه النبوءة كذلك على هذا المعنى ، لأن ( كنا ) في العربية تأتي على وجه الإخبار هي كذلك بما يكون ، وليس هنا وقت ذكر ذلك ومن ذكره من أهل العلم بالعربية .
والآن أتى دور الكلام على خصوص أنباء المسيح بالإنجيل عن الأمور المغيبة التي تحقق بعضها وبعضها سيتحقق لاحقا وجملتها ما يلي :
- أن مهمته التبشير برسول الله وحفيده المهدي ، والدعوة لتوبة اليهود لله وأن خلاصهم باتباع وتصديق بشارتـه لحين يبعث رسـول الله ثم عليهم الإيمان به واتباعه .
- إنذاره غش أنبياء الكذب بعده وأنهم سيكثرون وسيأخذون من كلامه متذرعين به لينشروا باطلهم وبذلك يتنجس إنجيله .
- إخباره عن " بولس" رأس الصليبية ومبدعها الذي وصفه بـ" عادم التقوى " مدعي الألوهية بالمسيح وبذلك تنجس إنجيله .
- إعلامه أن محمدا الرسول لا يأتي في زمنهم ، بل يأتي بعدهم بعدة سنين وعين جهته من الجنوب ، وبين أن ذلك لن يكون إلا بعد ما يبطل إنجيله على يد هؤلاء الأنبياء الكذبة .
- وأنه لا يأتي إلا على قلة من المؤمنين ، وأن لا نهاية ستكون لدينه لأن الله سيحفظه بمعنى أن لا دين سيكون بعده ، وأنـه سيمتد ليشمل العالم وأن هذا وعد الله لإبراهيم في أن يبارك بذريته الشعوب .
- وأنه سيظهر صدق يسوع إبن مريم .
- وأنـه سيأتي بقوة عظيمة على الفجار ويبيد عبادة الأصنام من العالم وسيفتك بعابديها ، وسينتقم من الذين سيقولون المسيح إله .
وهذا النبأ الأخير لا يمكن حمله على بداية بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، بل إما يحمل على الحال حين عودته ثانية بعد ما يمهد لرجعته حفيده المهدي عليهما الصلاة والسلام ، أو أن يكون المراد بتحقيق هذا على يد المهدي حفيده فهو الذي يصح القول بأنه سينتقم ممن يقول في المسيح أنه إله أو ابن إله ، فجده لم ينتقم من عباد الصليب بل أقرهم على شركهم مقابل أخذ الجزية منهم ، بل أمر تعالى في القرآن أن لا يجادلوا إلا بالتي هي أحسن وهذا خلاف معنى النبوءة الأخيرة للمسيح ، والتي لا يحمل تأويلها إلا على ما يكون في زمان المهدي عليه الصلاة والسلام ، ولاحقا بما يكون على يد جده صلوات الله وسلامه عليه حين عودته ، فهو حين عودته لن يقبل منهم ما كان يقبل من قبل ، مثل أن المسيح لما ينزل عليه لن يقبل منهم ما كان مقبولا منهم قبل ، ومما يدل على هذا وأن وقت تأويل ذلك آخر الزمان تنبوءاته التالية في جملة ما سبق :
- أن المؤمنين يقلون في ذلك الوقت فيرحم الله العالم فيرسل رسوله الذي تستقر على رأسه غمامة بيضاء يعرفه أحد مختاري الله وهو سيظهره للعالم ، هكذا هو نص النبوءة الإنجيلية .
وهذا إنمـا تحقق بحفيد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فهو الذي انطبق عليه تطهير إنجيل المسيح من تدنيس الكفرة الكذبة ، بإظهاره وإعلانه للعالم يقرؤون كامل متنه وفيه براءته من كل ذلك وبيان الصدق الذي كان عليه المسيح عليه الصلاة والسلام ، أعلن كله حتى صار يقرأ كلام المسيح بالكامل وعرف ما قاله وقرر فيه من حق بحسب ما هو مدون بهذا الإنجيل من خلال الموقع المبارك العائد للمهدي عليه الصلاة والسلام ولدعوته .
وأنه هو من سينتقم للمسيح ممن زعم عليه أنه إبن الله ، أو أنه الله نفسه تعالى الله عما يشرك الظالمون علوا كبيرا .
كذلك سينتقم من عبدة الأصنام وهذا مما لم يكن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بحق الصليبية ولا بحق عباد الأصنام من قريش ، إذ كان يحب تجنب إبادتهم وكان يعفوا عنهم إلى آخر ما يمكنه العفو حتى نادى في فتح مكة بالعفو العام عنهم وعن قادتهم كما هو معلوم لكل أحد ، أما هذا الذي يتنبأ بأمره المسيح فهو محارب مبيد لعباد الأوثان وعباد الصليب لا يقبل منهم ولا يتجاوز عنهم ولا يقر باطلهم بأي حال .
وآكد ما يدل على أن بعض تنبوءات المسيح هذه إنما تأويلها سيكون آخر الزمان قوله ما يلي :
وسيجيء بحق أجلى من سائر الأنبياء وسيوبخ من لا يحسن السلوك في العالم وستحيى طربا أبراج مدينة آبائنا بعضها بعضا فمتى شوهد سقوط عبادة الأصنام إلى الأرض واعترف بأني بشر كسائر البشر فالحق أقول لكم أن نبي الله حينئذ يأتي اهـ .
فمجيء أجلى من سائر الأنبياء غير عن مجيء نبي الله حينئذ ، فبالأول يعني رسول الله وبالأخير إنما يعني نفسه عليه السلام ، وجعل شرطا لمجيء الكل هنا سقوط عبادة الأصنام والاعتراف بأنه بشر وليس إله أو ابن إله ، وطرب أبراج آبائه ، فمتى حصل كل هذا سيكون مجيء رسول الله والمسيح ، فهذا ما تعنيه هذه النبوءة ، ولن يكون كل ذلك إلا في آخر الزمان لقرائن عدة وردت بنص هذه النبوءة :
أولها : النص على ذكر الأبراج . وهي هذه الأبنية العالية ذوات الأدوار الشاهقة بحسب ما هو مشاهد في عالم اليوم وهـو نمط للبناء غير مسبوق بكل القرون الماضية خصوصا منها البعيدة بالقدم مثل زمـن المسيح عليه السلام ، فقد كان البناء بوقتهم متواضعا جدا ولست بحاجة هنا لسرد كل النصوص عن رسولنا صلى الله عليه وسلم لبيان كيف أن ظهور هذه الأبراج العالية من أشراط الساعة وعلامات قرب وقوع الدينونة ، لكني سأنقل هنا بعضا منها وأبدأ بما روي عن رجل كان نصرانيا يتتبع الكتب والنبوءات حتى وقع على صدق ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فآمن به واتبعه وأخلص دينه لله تعالى حتى صار من خيرة أصحابه رضوان الله عليهم ، وهو سلمان الفارسي قال : " إن من اقتراب الساعة أن يظهر البناء على وجه الأرض " (25) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كيف أنت إذا أدركت ثلاثا ؟ أعيذك بالله أن تدركهن : طول البنيان وإمرة الصبيان وشدة الزمان ) (26) .
وكان خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهى رعيته عن إطالة البنيان ويقول : يا معشر العريب الأرض الأرض .. لا تطيلوا بناءكم فإن شر أيامكم يوم تطيلون بناءكم (27) .
وغير هذا كثير في كراهة إطالة البنيان وأنـه من علامات قرب قيام الدينونة أو الساعة على ما أشارت إليه نبوءة المسيح عليه السلام في إنجيله وصدقت ذلك أخبار رسوله بل القرآن كما سيمر معنا لاحقا .
ولما كانت إمرة الصبيان وكثرتها من علامات الساعة هي كذلك قرن بالذكر ما بين ذلك ، وكان سلمان يحذر منها بل دعا على من آذاه مرة بأن يدركها لما فيها من شر وعقوبة ، روى عنه ذلك إبن سعد في الطبقات بإسناده لمن قال : رأيت سلمان الفارسي بالمدائن في بعض طرقها يمشي فزحمته حِملةٌ من قصب فأوجعته فتأخر إلى صاحبها الذي يسوقها فأخذ بعضده فحرّكه ثم قال : لا مت حتى تدرك إمارة الشباب (28) .
وقريب منه عن معاذ قال لما تخوف الناس الطاعون في الشام : ولكن خافوا ما هو أشد من ذلك أن يغدوا الرجل منكم من منزله لا يدري أمؤمن هو أم منافق ، وخافوا إمارة الصبيان (29) .
وبهذا وغيره ندرك أن التطاول بالبناء من أشراط الساعة وهو مما يكون آخر الزمان ولم يقع مثله من قبل ، وأن زمان ذلك يعد من أشر الأزمان .
ومما يؤكد أن ذلك لا يكون إلا آخر الزمان حين يبلغ البناء غايته وتكون الساعة حين ذاك قد أوشكت على الوقوع ما روي عن علي رضي الله عنه وهو من أعلم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في أشـراط الساعة ، قال لما سألوه عن الساعة : لقد سألتوني عن أمر ما يعلمه جبريل ولا ميكائيل ولكن إن شئتم أنبأتكم بأشياء إذا كانت لم تكن الساعة كثير لبث ، إذا كانت الألسنة لينة والقلوب نيازك ، ورغب الناس في الدنيا وظهر البناء على وجه الأرض ، واختلف الأخوان فصار هواهما شتى ، وبيع حكم الله بيعا (30) .
يريد بالساعـة هنا بالتأكيد نزول عيسى عليه السلام أو النداء من السماء ، بين ذلك في حديث آخر عنه في الهرج أنه لا ينتهي عن هذه الأمة حتى يكون النداء أو نزول إبن مريم ، روي حديثه عن القاسم بن محمد قال :
أن عليا مر على فتيين بالمدينة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وذلك قبل أن يبايع وهما يقولان : قُتل ابن بيضاء ومكانه من الإسلام والعرب ثم والله ما انتطحت فيه عنزان ! ، فقال علي : ما قلتما ؟! ، فأعادا عليه ، فقال :
بلى والله ! ورجال بعد رجال وكتائب بعد كتائب ، وزحوف بعد زحوف ، ورجال وكتائب ، وزحوف في أصلاب رجال ، حتى ينادى ! أو يخرج ابن مريم (31) .
وقد ظهر البناء على وجه الأرض ظهورا ما بعده ، فقد تجاوزت علواً بعيدا جدا حتى أن السحاب يمر من تحت بعضها وهذا لم يكن إلا لأعالي الجبال من قبل هذه البنايات ، وهذا هو الحد الأقصى والمعقول الذي يصح به تحقق تلك النبوءات ، وعلى قول علي رضي الله عنه ليست الساعة على هذا كثير لبث بعد ذلك ، وسيكون النداء قريبا باسم المهدي وبعده نزول المسيح إبن مريم عليه الصلاة والسلام .
بل أقول أكثر ممـا قلت قبل فأعلن أن القرآن ذاته أتى بتصديق نبوءة الإنجيل في ظهور هذا " البناء (الأبراج ) " لكنه أتى بتسمية ذلك بالجبال ـ سيمر بيان ذلك معنا لاحقا ـ لتغليب الوصف والتسمية بالمشابهة لا الإسم نبوءة ، وألمح عن علوها في السماء ، بل أقسم عز وجل بذلك تبارك اسمه وتعالى جده لا إله إلا هو ، يعلي الحق وهو أعلم بالمتقين ، فقال : ﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ . وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ . وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ .
فأضاف هنا بقسمه بروج العصر إلى السماء لعلوها وارتفاع رؤوسها الشاهقة التي بلغت عنان السماء ، وهو العلو الغير مسبوق كما هو ثابت ، والكل في وقتنا يدرك ذلك ويعلمه حق العلم ، حتى أن بعض تلك الأبراج الشاهقة جدا يمر من تحتها السحاب على ما قلت قبل أدرك ذلك الكثير من الخلق ، فكانت إضافتها للسماء نسبة لبعدها علوا في السماء ، حتى أن الناظر لن يُدرِكَ أعلاها ببصره إلا ولزامـا عليه النظر مع ذلك للسماء ، فأتت الإضافة بهـذا الإعتبار سماءٌ ذات أبراج ، وأتى القسم الرباني شهادة لصدق هذه النبوءات نبوءة الإنجيل ونبوءات المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وأن وقوع ذلك حق لا مرية فيه ، وعليه نراه عز وجل أردف بذكر اليوم الموعود بعد ذلك وهو ما أخبر عن تفاصيله رسوله المسيح في إنجيله ونبينا صلى الله عليه وسلم ، ومن أصدق منهما في الإنباء عن ذلك ، وليخسأ متنبئة الكذب مقتبسة الباطل على المسيح وإنجيله وليأتونا بمثل هذا الحـق وتلك النبوءات وتفسيرها إن كانوا صادقين .
كما أنه أردف بالذكر خبر أصحاب الأخدود مثل مـا أردف بالذكر بعد ذلك خبر فرعون وثمود ، وذكر البطشة ، وخبر جنود الباطل ، وأنه يبدئ ويعيد ، وأن قرآنه مجيد والرب بالكافرين محيط .
وكل هذا من الوعيد الشديد والتعريض والمقارنة بالذكر ، نسبة لما حصل على عباد الله تعالى اليوم من تنكيل وقتل وتشريد ، الأولون من فرعون وثمود وجنودهما ، والآخرين من هؤلاء الطواغيت وجنودهم ، وذكر بأن مثل ما يحصل اليوم قد كان حصل بالسابق بحق أصحاب الأخدود .
وهكذا بين تشابه أحوال المدركين لتلك البروج المشيدة العالية بأحوال من سبقهم ، أهل الحق بنظرائهم وأهل الباطل بأشباههم ، والله سيقضي بينهم بالحق ويجمع الشاهد والمشهود .
ولا يلتبس بهذا آيات سورة الفرقان والحجر فهي من الآيات المتشابهات التي تقشعر لها جلود الذين آمنوا ثم تلين لذكر الله وما أنزل من الحق ، فتلك بروج وهذه بروج وقد جعل بينهما حدا للبيان قوله تعالى : ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ﴾ ومعنى تشييد البرج إعلاء بناءه على وجه الأرض لا يريد هنا بروج السماء .
قال أبو عبيد : كل شيء رفعته فقد أشدته ولا أرى البنيان المشيد إلا من هذا ، يقال :
أشدت البنيان فهو مشاد ، وشيدته فهو مشيد إذا رفعته وأطلته .
وهنا يريد الله تعالى بهـم بلوغ الغايـة ، أي ولو بلغتهم من القوة أن تشيدوا البناء العالي فالموت والإهلاك مكتوب عليكم سيبلغكم ولو كنتم فيها تلك البروج المشيدة العالية ، حـتى أنَّا نراهم في بلاد اليابان يشيدون البناء على قواعد يرجون أن تعصمهم من الموت وما هي بعاصمتهم من أمر الله تعالى إذا جاء ولا هو مغني عنهم شيئا ، وسيرون .
وكما أن في السماء بروجا زينة للناظرين ، فعلى وجه الأرض بروجا ستكون لعنة للظالمـين وسحقا ولو اتخذوا منها زينة وفخرا وقد أتت بعض الأخبار في ذم الأعراب بأنهم سيتطاولون بالبناء وقت التأويل ونص على أن ذلك من أشراط الساعة .
وبهذه الآية الأخيرة أقسم الله تعالى على ظهور هذا البناء العالي وربط ذكره باليوم الموعود المنتظر ، أما بروج السماء التي هي مـن زينة الله تعالى للفضاء فلا رابط خاص لتلك يجمعها باليوم المنتظر ، مثل ما ربط الذكر بين ذلك في آيات سورة البروج ، ومثله في نبوءة المسيح عليه السلام حين ربط ما بين ظهور البناء وعودته وعد ذلك علامة لإتيانه ومن معه من رسل الله تعالى ، وهم لا يأتون إلا في يوم الدينونـة أي يوم القيامـة ، وها هو الشرط وبقي المشروط غير كثير لبث ، والحمد لله تعالى على نعمة الإيمان والهداية وسكينة العزلة والإنتظار كما كان ينتظر رسل الله تعالى ويوقنون .
ولم ينفرد المسيح بذكر الأبراج مـن بين أنبياء بني اسرائيل بل سبقه إشعيا النبي عليه الصلاة والسلام ونبأَّ هـو كذلك عنها ، بل نبوءته أتت بتفصيل أكثر ، وتواطؤ نبوءة القرآن معها تعد بشكل شبه كامل لينتج عن ذلك انكشاف خـداع أمريكا وحلفائها للمكر العصري ضد الإسلام والمسلمين ، وهو ما سيأتي تفصيله أكثر لاحقا عند التحدث عن بعض الأخبار عن رسولنا صلى الله عليه وسلم التي فيها ذكر زوال الجبال كناية عن هذه الأبراج ، يواطـئ صلى الله عليه وسلم بذلك نبوءة القرآن في زوال الجبال مكرا من الأشرار .
قال إشعيا عليه السلام : ويكون على كل جبلٍ عالٍ وعلى كل أكمة مرتفعة سواق ومجاري مياه في يوم المقتلة العظيمة حينما تسقط الأبراج ! ويكون نور القمر كنور الشمس ونور الشمس يكون سبعة أضعاف كنور سبعة أيام في يومٍ يجبر الرب كسر شعبه ويشفي رضَّ ضربه . هو ذا إسم الرب يأتي من بعيد غضبه مشتعل والحريقُ عظيم . . اهـ (32) .
يحكي عن سقوط أبراج ما يتبعها ظهور أمر المهدي والممثل عنه هنا بالقمر الذي بوقته سيكون نوره كقوة نور الشمس مما يفتح الله عليه ويثبت خروجه بآياته العظيمة ، والذي بعده سيكون رجوع المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو المكنى عنه بالشمس والذي سيكون أمـره حين ذاك أقوى كنور سبعة شموس .
وشاهد الصدق في هذه النبوءة مـا يسمونـه الآن بتأثير " البيوت الزجاجية " أي ارتفاع حرارة الأرض وما نتج عن ذلك بحسب رأيهم ازدياد الأمطار وكثرة الطوفانات والعواصف ، إنها عقوبة الله تعالى على الأشرار التي نص على خبرها الكثير من أنبياء بني إسرائيل ونبينا صلى الله عليه وسلم وهي على أولها الآن ، ومنها هذه النبوءة عن إشعيا عليه السلام التي أخبر فيها بكثرة الأمطار بثوران الأنواء الهائجة على رؤوس الأشرار ـ بحسب خبر إرميا ـ ، وحتى كعب الأحبار عن اليهودية كان يخبر بكثرة السيول آخر الزمان ، فالأمر أظهر شيء فما للناس عنه في عمى ؟! .
وقد وجدت القرآن ينص على أبراج النبي إشعيا عليه السلام لكن بالكناية لا التصريح باسمها فنطقها جبالا مراعـاةً لمبلغ علم الناس مـن قبل ومدى قوة استيعاب عقولهم لبعض ما يكون في آخر عمر الدنيا فرحمة بهم من ذلك ولحكمة إخفاء النبوءات لتكون غيبية سماها تعالى في كتابه الأخير بـ " الجبال " ، وهذه لوحدها استحقاق التصنيف المنفرد لبيانها لكن لا مناص من المـرور على ذكرها هنا للعلاقة الوثيقة في موضوعنا عن البناء وأنـه شرط للساعة ولعودة الأنبياء .
ولو كان قيل لأولئك بدلا عن الجبال بالذكر هـذه الأبراج لطلبت أفهامهم زيادة إيضـاح ولخرج النبأ من ضـرورة الإيجاز للتوسع والإطناب وانتفت بذلك الحكمة الـتي أوتيها رسـول الله صلى الله عليه وسلم وهي الإخبار بـ" مجامع الكلم " ثم لعل بذلك إن فعل خـروج للنبوءة من السر للعلن مسبقا ، فتفقد بذلك أهم أشـراط الساعة تخفيها المحكم ثم تنتفي بعد ذلك فجائية الساعـة على الكفار والمنافقين وعموم اللاهين والتي قدر لمجيئها الخفاء للإبتلاء والتمحيص ليهلك من يهلك عن بينة ، وينجي الله من كتب له النجاة .
قال تعالى في سورة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام : ﴿ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ . فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ .
وكم توهم على هذه النبوءة القرآنية الكثير من الخلق فحسبوا أن ما جاء فيها مـا هو إلا من ضرب الأمثال لا الحقيقة ، وليس بصحيح هذا الإعتقاد ، وقد أبْعَدَ أو أُبعِدَ من قال بذلك والقرآن عزيز لا يهدى لأسراره إلا من اجتبى سبحانه ، إنما المراد بذلك خبر عن حقيقة ستكون لا مجرد مثال لا حقيقة له من الواقع ، فالمكر لا يمثل له بزوال الجبال مهما بلغ من شدة وإتقان حبكة ، ويعد هذا من المبالغات والتعديات التمثيلية والله منزه عن مثل هذا ولا يقول إلا بالحق سـواء كان للحقيقة أو الأمثلة التي لها صورة من الحقيقة ، مثاله قوله تعالى : ﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ . وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ .
نراه صدر خبر هذه الآية على أنه مثال لكنه بالحقيقة هو واقع بدليل إرسال الرسـول إليهم ، وهو مثل لما سيجري على أهل الكويت من إلباس وعقوبة وإرسال المهدي إليهم ، وكل هذا يجـري عليه القرآن باسم الأمثال لكنه بذات الوقت إخبار وسيتحقق ، وإنما هي أمثال باعتبار دعوة الغير للتدبر والإعتبار بحالهم .
قال تعالى في شأنهم كذلك وشأن رسولهم : ﴿ وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ . وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ . وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ .. ﴾.
مراده بضرب الأمثال قوله ﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً . . ﴾ ثم أذاقها لباس الجوع والخوف . وهذا عين ما حصل ولذا قال هنا سبحانه بعد ما جاء العذاب وهو " البطشة " ﴿ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ ﴾ أي بالقرآن الذي يتلى فيه نبأكم وذكركم ، وكيف تكون أحوالكم الرغدة ، ثم يلبسكم الجوع والخوف وقد كان .
ومن ذكراهم وأمثالهم الدخان الذي قال فيه تعالى : ﴿ يَغْشَى النَّاسَ ﴾ . وأمره بإنذارهم مـن العذاب الآتي وهو عذاب البطشة ، لكنهم حين يأتيهم العذاب ويطلبون التأخـير لن يستجاب لهـم ، فقد طالبوا من قبل كشف العذاب وادعوا الإيمان ثم بان عـدم صحة دعواهم ، وحين يأتيهم العذاب النهائي يقال لهم : ﴿ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ ... وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ ﴾ من إلباس للجوع والخوف ﴿ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ ﴾ بالقرية وأحوالها فلم ينفع ذلك فلا إرجاع .
وعلى ذلك أقول : أهل هذا النبأ قصتهم باتت حقيقة وسينالهم ويجري عليهم ما قدر لهم ، وبالفعل كان ذلك وسيكون تمام ذلك ، ألا يرى العاقل كيف تطابقت الأحـوال المذكورة بالآية عليهم من كل وجه ، ومن شكك بذلك ما عليه إلا تفحص أخبار ما جرى لهم فلن يجد إدراك ذلك من المحال .
ثم نراه انتقل تعالى لذكر زوال الجبال فهو مكر عالمي على هذا ولا يستبعد منهم ذلك ففي الجميع التهمة وسوابق التواطؤ كثيرة ما بين المنافقين المحليين والكفار العالميين ، والقرآن يرمـي هنا باتهامهم في السياق جميعا ولو كان التنفيذ من البعض فالآخرين مشتركون بوجه ما من أوجه التواطؤ ولا شك ، فمن تأسيس التيار المزعوم المقاوم للسوفيت وعساكرهم ، إلى الإمداد بالمال والعتاد طوال تلك الفترات ، مع التهييج الخطابي لينقشع عنهم شباب التيه الإسلامي إلى أتون تلك المعامع والفتن والمحن ، حتى بلغوا ما قيل أن ابن لادن وقاعدته وراء تنفيذه في عاصمة الأمريكان الكفار وليس كما قالوا وقد شهد الله تعالى أن ذلك بمكر منهم : ﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ . يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ .
وقد ثبت أن هذا الأحمق نفى ذلك عن نفسه ثم عاد فأسلس لهم الإنقياد وراء خطتهم الجهنمية ومكرهم ، وكم شهد الكثير من عقلاء الصليبية بأن الأمر برمته فبركة من شياطين أمريكا ، وقامت شواهد عديدة على استحالة تنفيذ أولئك السذج البسطاء لهـذا العمل الرهيب ، ما كان بمقدورهم فعل ذلك ، والصحيح أنه فعل باسمهم مكرا كما بين الله تعالى وسواء قلنا تم ذلك بعيدا عن هؤلاء أو بوجودهم وهم لا يشعرون أو مأسورين ، ويكفي بذلك معرفة الحـق أن شهد القرآن ورسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الحدث .
رسولنا صلى الله عليه وسلم بالإخبار عنه ، وربنا سبحانه بإفشاء أنه مكيدة ومكر ، وكل مجريات هذا الحـدث تدل على صدق هذا النبأ وكفى بالله مخبرا عن ذلك ولو لم يقم لنا أي شاهد على أنهم وراء هذا الحدث لكفت شهادة الله تعالى ورسوله ، فكيف وشواهد التأكيد على أن بالأمر ما يريب ، ومن شـاء مراجعة تلك الشواهد عليه تتبع مضان نشرها ومن ذلك موقع المهدي على شبكة الإنترنت .
ودليل اتحاد الذكر هنا بالمكر تشابك أحوال الناس وتعاصرهم مع إتحاد مصالحهم على تحقيق ذلك فكلهم راموا حرب الإسلام وإبعاد أحكامه ونبذ دعاته والمتحمسين لتحكيمه فاجتمع على مصلحة ذلك عالم الغرب والشرق لا ينكر ذلك إلا من لا بصيرة له وكل زخم تبع ذلك الحدث إنصب على هذا الهدف حتى تجلت الهجمة الشرسة على الدين الإسلامي بشكل غير مسبوق وتواطؤ فريد انساق له من مدعي الإسـلام والمنتمين له اسما خلق كثير على رأسهم حكومات الشعوب ولا كأن الإسـلام دينهم وملتهم ، ومثل هؤلاء الأصل فيهم التهمة لا البراءة وهذه أفعالهم وهذه نتائج تحالفاتهم مع الغرب الكافر ، باتت حربهم للدين سافرة .
وفي قوله عز وجل في خبر زوال الجبال ﴿ فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ مع قوله قبل في دعواهم بعد نزول العذاب ﴿ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ﴾ دليل على المعاصرة وإدراك المخاطبين هؤلاء لفتنة زوال الجبال ، ودعوة الحق دعوة المهدي عليه الصلاة والسلام ، وهي دعـوة الله التي بعث بهـا المهدي ومن معه من الذي أرسلوا لأعيان الجزيرة العربية من أدعياء المشيخة والعلم ، وقد بلغهم خبر هذه الدعـوة فأنكروها وحين يرون العذاب سيقولون مع غيرهم من المكذبين مقولتهم تلك يوم وقوع الفوت الذي لا مرد لهم منه .
وقد عاب الله تعالى دعـوى معاصريه كذلك بعدم الزوال ، كيف ؟ والعذاب كان وعيدهم ولا أي عـذاب ، بل الإنتقام وهو الوصف الذي لم يذكر بالقرآن إلا ويكون المراد به عذاب الإستئصال والقطع الأبدي ﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴾ .
وهذه حقيقة تأويل تلك الآيات وهذا هو التفصيل الحق في نبأ هؤلاء الرسل ودعوتهم المضافة لله تعالى إضافة تشريف وتكريم , وبالفعل لم يكن ابتداء تلك الدعوة إلا من الله تعالى ، فكب بها هؤلاء وكان ذلك قدرهم فلم تنفعهم تلك الأمثال في القرآن .
أقول : ومثله الإخبار عـن زوال الجبال بآيات سـورة إبراهيم عليه السلام ، وهي جبال بالمثال فقط وإلا حقيقتها هذه الأبراج العالية علو الجبال وهي كذلك ستزول من مكر الأشرار ، وزوالها عين ما حصل بإسقاط جبلي نيويورك مكرا من الأشرار ضد الإسلام وأهل الإسلام ليألوا منه ومن المسلمين ، لأنه ما كان لهم ليفعلوا ما فعلوا بعد ذلك لو ما تلك القصة الملفقة والتي شهد بمكرها وأنهـا من عمل أيدي ساسة أمريكا ليتوصلوا بحجة تلك الحادثة لما وصلوا له بعد من حـرب للإسلام والمسلمين تمثل ذلك بكل ما حصل لاحقا بعد سقوط تلك الأبراج وشهد بهذا كثير من الخلق المطلعين والعارفين .
ومـا كان ليتم لأعداء الله الأشـرار ذلك إلا بإحداث هذه الزلزلة الرهيبة والتي ضخمت في وسائل إعلامهم حتى جعلته شبيه بيوم القيامة عند الصليبية لتعطي تلك الحادثة أقصى إثارة حتى يتسنى لهم شحن عواطف الناس وتقليب بصائرهم فيسهل لتنفيذ ما كادوه بالخفاء .
وما يدرينا لعل بوش والكثير من أغبياء العالم لا علم لهم بحقيقة ذلك ، فبالعالم دهاة شياطين يخططون دائما لأكبر الأحداث التي يساق لهـا الرعاع وهم عميان ، أولئك قادتهم المتخفين باطنية خلاف قياداتهم الظاهرية ، فكثير من الأحداث التي سيق لهـا رعاع الناس من غير وعي لا يعلم يقينا قادتها وأغلبهم في مرتبة المستشارية ولأولئك دوما يتجه سيل المصالح الخفية لتلك الوقائع ، مثل دعوى محارق اليهود على أيدي الألمان ، وأزيل بعدها هتلر عند نهاية تلك المسرحية وهو مهان حتى قيل لم يبقَ معه إلا بضع نفر وأكثرهم نساء ، قتل حتى يقطع حبل الصدق فلا يصل أحد للحقيقة مثل أي زعيم أخرق آخر تتم تصفيته بعد إنهائه المرحلة المرسومة له فيقضي بإتقان مثل ما نفذ من قبل لهم بإتقان وما زعيم المصرية والفلسطينية عنها ببعيد .
وكانت أكبر مصالح اليهود قائمة للصهاينة هناك وسط ذلك الحدث وهي إجبار رعاع اليهود على الهجرة لأرض فلسطين يعبونها وإلا فشلت كل مخططاتهـم تلك ، وكان ذلك أمـر حتمي وضروري جدا لتنفيذ الفكرة الصهيونية وإنشاء البلد اليهودي على تراب الأجداد ، فتعين إخافـة اليهود وإحداث ما يبرر ذهابهم لفلسطين بتلك الزلزلة الرهيبة حتى يهرب اليهود ولا يمكن فعل ذلك إلا ببعث أدولف هتلر ليضج بحـرق اليهود ثم يفزع الناس لتحقيق الحلم الممنوع عقيدة أصلا ، فمن المعلوم أن الدين اليهودي لا يسمح لأي يهودي بالرجـوع لأرض الأجداد ما لم يكن ذلك على يدي المخلص ، فأتت هذه الأفكار الشيطانية لتحقيق ذلك ولو كفروا بأهم عقيدة مسيحانية ربطت قلوب اليهود جميعهم إلى أن أتى زمن الصهاينة ، والمثل يقول من الثمار تعرف الشجرة ، والثمرة هي حشر اليهود ليس إلا ، ولذا لما انتهت الغاية صفي رأس ألمانيا ، وعليه يسع العقل الماكر اليهودي التضحية ببعض اليهود لتحقيق مصلحة كبرى وأي مصلحة ، فكل جريهم التالي لتنفيذ هذه الغاية ! ، ومن ضروريات هذه الغاية تحطيم العراق والذي لم يكن ليحصل لو ما وقعت تلك التمثيلية الماكرة ، حتى نادى كبار الدولة الصهيونية بوقتنا الحالي بأن تدمير العراق حقق الأمن لليهود بشكل غير مسبوق ! .
وما كان الله تعالى ليدعنا عند نص القرآن هذا لنختلف عليه ونتجادل حوله من غير حد ضابط يفصل بيننا ويعرفنا حقيقة ما نبأنا عنه القرآن هنا ، والمرجع لشرح ذلك وتبينه رسولنا الخاتم صلى الله عليه وسلم القائل : ( ألا إني قد حدثت ووعظت بأشياء هي مثل القرآن أو أكثر ) (33) .
وكما أنه كان يفسر بالسنن مبهمات القرآن التعبدية ، هو كذلك كان يفسر بأخباره مبهمات أخبار القرآن ومن ذلك خبر تلك الجبال التي نص الله عز وجل بالقرآن أنها ستزول من مكر الأشرار ، قال تزول ولم يقل كادت تزول وهو الأليق لو أراد التمثيل ، مع أن اللفظ الأخير بالقرآن مثبت على وشك حصول الفعل لكن لم يحصل ، مثل قوله تعالى :
﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ . . ﴾ . لكنها لم تتميز .
وقوله :﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً . تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً ﴾ لكنها لم تنفطر ولم تنشق الأرض وتخر الجبال لهذا القول .
ومثله قوله تعالى : ﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ . . ﴾ ولم يتفطرن كذلك .
لكنه في مكر الأشرار قال تعالى : ﴿ . . وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَالُ . . ﴾ وهذا خبر محض ، والله لا يخبر إلا بالحق والصدق ، والمكر لا يكون مكرا إلا إذا خفى ، أما بحال حصول نتيجته فذلك يكون حينها فعل والفعل المشين ولو كان قولا يأتي الله تعالى بالخبر عنه بـ" تكاد " سواء في السماء أو الأرض أو الجبال وهو لم يقل ذلك هنا ، لذا نرى من فر من السلف عن هذا الإشكال قرأ تلك الآية بـ ( وإنْ كادَ مكرهم لتزول منه الجبال ) ! .
وزوال تلك الجبال كان ثمرة مكرهم لا بمكرهم المجرد ستزول الجبال بل بنتيجة ذلك المكر من فعل تحقق زوالها ، ولذا نرى قراء القرآن قاطبة إلا ما قيل عن بعض أئمة الصحابـة أنه قرأ الآية على اعتبار تحقق زوال الجبال حقيقة ، إلا أن هذا لم يؤخذ به بالتلاوة من الأكثر ، فنراهم لم يأخذوا معنى الآية على الزوال الحقيقي ، حتى قال كبير المفسرين منهم وسيمر معنا : لو زالت لما رأيناها ثابتة حتى الآن . يريد الجبال الحقيقية ولا شعور له بأن الأمر مجرد تمثيل بحقيقة الجبال ويراد منها جبال مخصوصة وليس كل جبال الدنيا ، بل المراد غير ذلك ممـا لا يخطر على بال أحـد منهم طوال القرون السالفة كلها .
فليس عندهم أي معنى لزوال الجبال من المكر حتى يحملوا معنى الآية عليه على الحقيقة ، لذا قالوا هو مجرد تمثيل .
ولا عبرة بتحريف المعنى لا ممن قرأها على هذا الحرف ( كاد ) أو ممن زعم قراءة ( لِتزولَ ) بكسر اللام الأولى وفتح الثانية على معنى : " وما كان مكرهم لتزول منه الجبال " . حكاه " الطبري " في تفسيره وقال :
ولو كانت زالت لم تكن ثابتة ، وفي ثبوتها على حالتها ما يبين عن أنها لم تزُل . وأخـرى إجماع الحجـة من القرّاء على ذلك ، وفي ذلك كفاية عن الاستشهاد على صحتها وفساد غيرها بغيره اهـ (34) .
أقول : بل قراءتكم هي الفاسدة ، أفسدت هذه النبوءة بحسب الرأي لا أكثر ، والقول بالرأي في القرآن عليه الوعيد بالنار ، ويكفي لليقـين في فساد ما ذهبوا إليه خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبالا آخر الزمان ستزول على مراتبها ، فمالهم ولهذا حـتى يخوضوا فيه ، وهل لزاما خبر الله تعالى في تلك الآية أن يكون على سائر الجبال ، هي جبال مخصوصة تكون آخر الزمان أراد الله تعالى ورسوله التعريف بها باسم الجبال وحقيقتها أبراج عالية كالجبال في السماء أو هي أعلا من أكثر الجبال ارتفاعا ، ولن يستطيع أحد بيقين أن يثبت أن الله تعالى ورسوله لم يعنيا جبالا بعينها وأن تكون شبه جبال ، فبطلت بهذا الحجة التي زعم الطبري خصوصا أن رسول الله أخبر أن ذلك كائن آخر الزمان وهو مما لم يدركه الطبري ولا يصح حكمه على ذلك لعدم الإدراك ولا غيره من الصحابة ولا التابعين ولا أتباعهم إلى قريب من زماننا هذا الذي به تحقق زوال هذه الأبراج العالية على مراتبها .
والآن حان بيان معنى هذا الخبر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في خصوص هذه الحادثة ، فقوله : ( لا تقوم الساعـة حتى تزول الجبال من أماكنها ، وحتى تروا الأمـر العظيم الذي لم تكونوا ترونه ) هذا لفظ عبد الرزاق في مصنفه (35) .
ورواه جماعة منهم إبن أبي شيبة في مصنفه وأحمد في مسنده والبزار في صحيحه والطبراني في المعجم والحاكم في مستدركه كلهم من طريق ثعلبة بن عباد العبدي أنه شهد خطبة لسمرة بن جندب ، وألفاظهم مختلفة يسيرا إلا ما كان من قوله : ( وحتى تزول الجبال عن مراتبها ) . فقد رووها بألفاظ مختلفة لكنها متقاربة وأصحها عندي اللفظ الذي رواه الإمـام أحمد رحمه الله تعالى وهو قوله : ( وحتى تزول جبالٌ على مراتبها . . ) (36) .
وهو الأحق بالصحة والضبط لما سأبينه لاحقا في الفرق ما بين قوله : ( عن مراتبها ) . وقوله : ( على مراتبها ) . وما معنى المراتب ليعرف المراد من هذا الخبر على وجهه الصحيح الحق .
وقصة الحديث باختصار بحسب ما روى أحمد والطبراني مطولا أن سمرة حكى أنه أدرك يوما ارتفعت فيه الشمس من مشرقها حتى بلغت قيد رمحين أو ثلاثة في عين الناظر فاسـودت ، فقال لصاحبه انطلق بنا إلى المسجد فوالله ليُحْدِثنَّ شأنُ هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حَدَثَاً .
ثم ذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتلك الآية وبعد أن سلم خطب رسول الله فقال : ( أيها الناس أنشدكم بالله إن كنتم تعلمون أني قصـرت عن شيء من تبليغ رسالات ربي لَمَّا أخبرتموني ذاكَ ، فبلغت رسالات ربي كما ينبغي لها أن تُبَلَّغَ ، وإن كنتم تعلمون أني بلغت رسالات رَبِّي لمَّا أخبرْتُموني ذاك ) .
فقام رجـال فقالوا : نشهد أنك قد بلغت رسـالات ربك ونصحت لأمتك وقضيت الذي عليك ، ثم سكتوا .
ثم قال : ( أمـا بعدُ ، فإن رجالا يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر وزوال هذه النجوم عن مطالعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض وإنَّهم قَدْ كَذَبُوا ، ولكنَّها آياتٌ من آيات يَعتَبِرُ بها عبادهُ فينظر من يُحدِثُ له منهم توْبةً .
وَأيْمُ الله لقد رأيت منذُ قُمتُ أصلي مـا أنتم لاقُونَ في أمْـرِ دنياكم وآخرتكم ، وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا آخرهم الأعور الدجال ممسوح العين اليسرى .
وإنه متى يخـرج فإنه سوف يزعم أنه الله فمن آمن به وصدقه واتبعه لم ينفعه صالح من عمله سلف ، ومن كفر به وكذبه لم يعاقب بسيئٍ من عمله سلف ، وإنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس ، وإنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس فيزلزلون زلزالا شديدا ثم يهلكه الله وجنوده حتى إن جذم الحائط وأصل الشجرة لَيُنادِي : يا مؤمن يا مسلم هذا يهودي هذا كافر تعال فَاقْتُلْه .
قال : ولن يكون ذلك كذلك حتى تروا أُمُوراً يتفاقم شّأْنُها في أنفُسِكم ، وتَسَّاءَلونَ بينكم : هل كانَ نَبِيُّكم ذَكَرَ لكم منها ذِكْراً ؟ وحتى تَزُولَ جِبالٌ على مَرَاتِبِها ، ثم على أثَرِ ذلك القَبْضُ ) رواه أحمد مطولا بهذا اللفظ وقريبا منه لفظ الطبراني وابن أبي شيبة في مصنفه وابن حبان (37) .
زاد الطبراني بأحد طرقه تفسيرا عند ذكره القبض : ( وقبض أصابعه وأشار يمينا وشمالا ) (38) .
وعنده أيضا في تفسير " القبض ، القبض " عن إبن المبارك : أنه الموت (39) .
وليست هذه آخر إفادات الطبراني على هذا الحديث عليه رحمة الله تعالى مـا أنفع مصنفاته وزياداته على غيره من الرواة المحدثين ، فهو أنفعهم عندي على الإطلاق في هذا الباب وأكثرهم بركة علينا بالعلم .
ومـن هذه الإفادات في هذا الخبر عنه وصله إسناد الحسن البصري والذي نقلته آنفا عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عنه مرسلا ، فرواه من طريق عفير بن معد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بمثل لفظ عبد الرزاق .
فتحصل لنا ببركة هذا الإمام رحمه الله تعالى متابعا لـ " ثعلبة بن عباد العبدي " والذي لمز بإسناد هذا الحديث بعضهم بجهالة هذا الراوي مع أنه قيل له صحبة ! ، وقـد وثق من قبل إبن حبان وروى الحديث هذا من طريقه ، وكذلك الترمـذي روى حديثه وقال : حسن صحيح . وصححه الحاكم في مستدركه ووافقه الذهبي وقال ابن حجر ( مقبول ) وصحح حديثه في مختصر البزار والإصابة .
وسلم الحديث بهـذا من الغمز وقد اشتهى روايته كبار الحفاظ رواه منهم جماعـة عن سفيان رحمـه الله تعالى منهم إبن المبارك ووكيع وغيرهم ، كذلك رواه جماعة أصحاب السنن " الترمذي وابن ماجة والنسائي والدارمي وأبو داود " وغيرهم كثير ، رووه مـن طريق الأسود بن قيس عن ثعلبة بن عِبَاد ، رواه عن الأسود جماعة من الحفاظ منهم سفيان وزهير .
وأفادنا النسائي ومسلم رحمهم الله تعالى كذلك براوي آخر متابع لثعلبة وهو " حيان بن عمير " رواه عنه مختصرا النسائي في باب : التسبيح والتكبير والدعاء عند كسوف الشمس .
وثقه ابن حبان وابن سعد وقال النسائي : بصري ثقة (40) .
كما أفاد الطبراني بأن للحديث كذلك طريقا آخر غير مـا ذكرت ، فرواه من طريق خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن سمـرة بن جندب ، فتحصل بهذا رواية الخبر عن سمرة من أربعة رجال وهم :
- الحسن البصري
- حيان بن عمير (41) .
- وثعلبة بن عباد
- وسليمان بن سمرة
ومن مجموع ألفاظ هذا الخبر المبعثرة تحصلنا على فوائد ، منها التي من طريق سليمان بن سمرة ، قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما رأيتم في شيءٍ من الدنيا له لونٌ ، ولا نبئتم به في الجنة ، ولا في النار ، إلا وقد صور لي في قُبُلَ هذا الجـدار منذُ صليت لكم صـلاتي هذه ، فنظرت إليه منظورا في جدار المسجد ) (42) .
وعند النسائي من طريق عائشة رضي الله عنها أنه قال : ( رأيت في مقامي هـذا كل شيء وُعِدْتُمْ ، والله لو تعلمون مـا أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ) (43) .
وهذا مـن أعظم آيات الله تعالى لرسوله ، وقد بان عظم هذا الإنباء وأهميته عند الله تعالى ورسوله أن يُحدِّثَ له تعالى مثل هذا ويهيئ له بكسوف الشمس التي هي كذلك من أعظم آيات الله تعالى .
ثم أن لا يكون بحياتـه غير هذا الكسوف للشمس فهذا أيضـا من عجائب آياته المؤكدة على عظيم منزلة مـا أخبر رسـول الله الناس به ذاك الوقت ، ومـع هذا نرى بعض المحدثين ويا للأسف يتجاهلون أهمية هذا كله ويختزلون الحديث من باب الاختصار على مـا جرت عليه عـادة أكثرهم فيقطعونه تقطيعا مشينا حتى اختصره بعضهم على فقط التأكيد أنـه لم يجهر بتلك الصلاة متجاهلا كل ما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم من تفاصيل هذا النبأ العظيم الذي أراد الله تعالى له أن يعلن ، وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول : ( نضر الله إمرءاً سمـع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمعها ، فرب مبلغ أوعى من سامع ) (44) .
وعلى العكس من هذا كان فعل أكثر المحدثين مثل مـا سيرى المتتبع لألفاظ هذا الخبر في بطون المراجع أن تلاعبوا به وأخفوه ، وكأن رسولنا لم يوحى له إلا ليبلغ عن سنن العبادات وكشف مبهمات القرآن فيها ، ولا كأنه بعث أيضا ليوحى له كذلك بتفسير مبهمات أخبار القرآن ومن ذلك هذا النبأ العظيم في زوال الجبال التي نص عليها القرآن المهيمن على ما سواه ، وهو القائل صلوات ربي وسلامه عليه ما يلي في هذا الخصوص : ( ألا إن رحى الإسلام دائرة ) . قال : فكيف يصنع يا رسول الله ؟ قال : ( اعرضوا حديثي على الكتاب فما وافقه فهو مني وأنا قلته ) (45).
وقريب منه ما روي عن أبي هريرة رفعه : ( ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله ) (46) .
يريد هذا المعنى المقرر هنا ، أن يعرض خبره على خبر كتاب الله تعالى ليفسره ، أو يفسر الكتاب السنة ليتضح المعنى وتعرف حقيقة النبوءات فيهما .
وروى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ألا إنهـا ستكون فتنة ) . فقلت : ما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : ( كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم ) (47) .
وعن حذيفة وسأله أبو سعيد قال : حدثنا عن رسول الله في الفتنة ؟ قال : قال رسول الله : ( دوروا مع كتاب الله حيث ما دار ) (48) .
وعن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا إن رحى بني مرج قد دارت ، وقد قتل بنو مرج ، ألا وإن رحى الإيمان دائرة فدوروا مع الكتاب حيث مـا دار ، ألا وإن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب ، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم إن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم ) (49) .
وهنا نرى عود دوران رحى الكتاب والإيمان عند تحقق هذه الفتن والتي منها سقوط البرجين الأمريكيين وقتل بني مرج وهم الذين اقترن خبرهم بهذه النبوءات إقتران العين بالحاجب ، لا ينظر امرأٌ بعينه إلا وفوقها الحاجب ، وقد دارت رحى حربهم ومعها دارت بالتلازم رحى الإسلام والإيمان والكتاب ، وقد جعل الله تعالى لكل ذلك في كتابه ذكرا ، ألا يرى العاقل في قوله تعالى : ﴿ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ . فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ ذكر زوال الجبال ثم نص بعد ذلك على أنه لن يخلف وعده رسله ، وفي سورة الروم قال تعالى : ﴿ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ كما أنه في سورة البروج قال سبحانه : ﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ . وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ﴾ أقسم بهذا الوعد وبهذه البروج ، وما هو إلا ذات الوعد وذات الأمر في كل تلك الآيات ، فليعتبر أولي الألباب ولينتهوا عن الصـد والإعراض وعن التذكرة كالحمر المستنفرة .
ذلك مع قوله تعالى : ﴿ فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ﴾ وقوله : ﴿ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ ﴾ .
ومع قوله تعالى على لسانهم : ﴿ أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ﴾ يريدون دعوة المهدي عليه الصلاة والسلام التي اعرضوا عنها وكذبوها ، فهو ودعوته من تصح لهما الإضافة للمولى عز وجل إضافة التشريف والتكريم ، والرسل المراد بهـم هنا كما قلت المبعوثين في ابتداء أمـره لإبلاغ بشارته والوعيد بأمره لأعيان من أهل الجزيرة .
وكل هذا الذكر مرده للقرآن وآياته التي تنبئ الناس عما يجري في زماننا ، وكل تفاصيل فتنهم هذه التي يدورون معها بان أنها هي التي قرر خبرها الله تعالى ورسوله ، وما على المؤمن ليوقن ذلك إلا أن يرد الحديث للقرآن كما أمـر رسولنا صلى الله عليه وسلم ليفهم ، ويرد القرآن للسنة ليجد كل ذلك يفسر بعضه بعضا ، وما التوفيق إلا من لدن الله تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء عن صراطه المستقيم : ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ . أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ ﴾ ! .
وأعود لأقول في تصرف أهل الحديث : أنهـم أهملوا حمل بيان هذه الأخبار وتصرفوا في روايـة متنها عنه على سبيل اليهود في تحريف المعنى وطمس النبوءات وهم لا يشعرون ، لكن نحمد الله تعالى الذي أبقى بأمة نبيه من يحفظ الله به لهـا الذكـر العظيم وينأى به عـن جهل الجاهلين وطمس المستثقلين إبلاغ ما استؤمنوا على إبلاغه للناس .
وهذا من فعلهم في متن الخبر نفسه ، أمـا في سنده فلهم عجائب من ذلك فعل بعضهم مع إسناد هذا الخبر ، لا يبالون في ذكر متنه تاما مع التفريط بنقل سنده كذلك تاما مثل ما حصل عند عبد الرزاق عن معمر إذ لم يصل إسناده بل تركه يهوي وهي عادة له ولغيره ، ذكر ذلك عنه على الخصوص أحمد رحمه الله تعالى فقال :
معمر يحدث حفظا فيحذف منها ..(50) .
يريد أنه يحذف من سندها على سبيل الاختصار ، وثبت بأن هذا من أنكر التقصير بحق إبلاغ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكم من حديث رواته ثقات انتهى بسبب مثل فعل معمر إلى أن يقال لم يروه إلا المجهول فلان أو فلان مثل ما عملوا مع حديث سمرة هذا من طريق ثعلبة بن عباد ! ، فنجد في المتأخرين مثلا ـ محققي مسند أحمد ـ من قال عن إسناد هذا الخبر العظيم : " إسناده ضعيف لجهالة ثعلبة " (51) .
وما كلفوا أنفسهم بتتبع طرقه ومعرفة أن له متابع على رواية هذا الخبر الهام جـدا في باب النبوءات ، وهم الحسن البصري وأحـد أبناء سمرة بن جندب .
وحتى الحسن رحمه الله تعالى ليس ببعيد عن عمل معمر لكن من حفظ الله تعالى أن ساق لنا الطبراني هذا الوجه من الإسناد ليبين مدى ثبوت سنده ووصله عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلا مـا كنا لنجد ذلك عند غيره مسندا عن الحسن البصري ، فيكون بذلك قد لحقه خطلا من خطلهم الذي قلت ولو سماه بعضهم خوفا وورعا فهو ليس كذلك ، ولو مـا أن الطبراني وصله مـن غير طريق معمر عن قتادة عن الحسن ، فتحمل تبعة ذلك الفعل معمر وهي عادة له كما قاله أحمد ، ولا لوم في ذاك التقصير من الحسن إلا أن الطبراني لما رواه من طريقه لم يذكر لفظه تاما ولا أدري من قصر بذلك عنده هل هو الحسن أم غيره ، وقد خلص الطبراني ذمته وساق لفظه تاما من غير الوجه المروي عن الحسن البصري الذي ثبت عنه هو كذلك مـا يزعم بأنه تورع عن رفع بعض الحديث (52) .
ومن فوائد الألفاظ عند الطبراني لهذا الخبر من طريق خبيب عن والده سليمان بن سمرة عن سمرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سوف ترون قبل أن تقوم الساعة أشياء تستنكرونها عظاما تقولون هل كنا حُدثنا بهذا ؟ فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله تعالى واعلموا أنهـا أوائل الساعة ! ) .
وفي لفظ : ( وسوف ترون جبالا تزول قبل حَقِّ الصَّيْحةِ ) (53) .
فقوله : ( أنها أول الساعة ) . وقوله : ( سوف ترون جبالا تزول قبل حق الصيحة ) . مع قوله بحسب هذا الخبر أن ذلك لن يكون إلا قبل نزول المسيح وقتاله الدجال ، حتى ينادي الشجر والحجر يا مسلم هذا يهودي تعال فاقتله .
يدل على أن حصول هذه الأمور العظيمة إنما هو أول الساعة ، والتي تدعو العقلاء للتفكر هل كان أخبر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتي منها سقوط أبراج نيويورك وغزو الصليبية العالمية ( الروم ) لجزيرة العرب ، ونزولهم عند ( مرج التلول ) ! وغير هذا من أنباء نص عليها القرآن الكريم ، وأن نزول المسيح وما يسبقه من هذه الأمور المذكورة إنما تكون والساعة قد قامت بالفعل وهي أولها ، وأن الصيحة من الساعة من أول أمرها مثل نزول المسيح وخروج الدجال وسقوط تلك الأبراج كل ذلك من الساعة بحسب ما أفاده هذا الخبر العظيم الكاشف عن الحقائق التي نراها ماثلة أمامنا اليوم .
والآن أقول بأهم ما ورد في هذا الخبر وفيه اختلاف نقلهم عن رسولنا صلى الله عليه وسلم في زوال هذه الجبال هل قوله :
( تزول على مراتبها ) وهو لفظ رواية أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في مسنده .
أو ( تزول عن مراتبها ـ أماكنها ـ ) لفظه عند الطبراني وابن أبي شيبة .
أو ( تزول من أماكنها ) عند عبد الرزاق في مصنفه .
أو ( تزول عن مراسيها ) عند الحاكم في مستدركه ، وعند ابن خزيمة ( عن مراثيها ) في صحيحه . وهذا والذي قبله أراه تصحيف من النساخ ، أو الطابع العصري .
وحين اعتبار حادثة سقوط تلك الأبراج في نيويورك والتي تبعها القبض حقا وصدقا مثل ما أخبر رسولنا صلى الله عليه وسلم ، يشهد لذلك كل ما فعلته أمريكا بحق شباب الإسلام من قتل وقبض لمن سلم من القتل في كل أصقاع الدنيا ، يمسكون من شُرَط العالم بكل مكان ثم يسلمون لهم للعذاب أو الموت بعد العذاب ، فهل يسعى أحدٌ عاقل أن ينكر هذا أنه حصل بالفعل بعد سقوط تلك الأبراج بالمكر والخديعة التي كشفها الله تعالى وفضحها قبل قرون طويلة ، حين كان يتلو صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : ﴿ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ . فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ .
ولا زال يتلى هذا الكشف قرآنا على مر الأزمان ، على ألسنة خلق من المسلمين لا يحصيهم إلا الله تعالى ، وفيه أن هذا السقوط سيكون مكرا من الأشرار ، لكن الجهل لما كان من أشراط الساعة تثبيته ، والعلم من أشراط الساعـة رفعه ضاعت هذه الحقيقة فلم يدركها الناس لا في السابقين ولا في الآخرين إلى أن قدر الله تعالى أن يبعث رسوله المهدي ليكشف الله تعالى به هذا للناس ، فهو من عنده علم الكتاب ومنه يخرج الله حقيقة أسراره ، وهذه من أسراره .
وإنه لأعجب شيء أن تسقط هـذه الأبراج وتزول هذه الجبال على مراتبها أو أماكنها ، مثل ما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسبق لي أن قلت : مثلت هذه الأبراج بالجبال لطولهـا الشاهق كالجبال في السماء ، ولمراعاة مدارك الناس الذين أول ما نزل القرآن نزل عليهم ، فهم لا يعرفون ما يعلو في السماء إلا هذه الجبال المعهودة من حولهم وما كان لهم من علم أو قوة تصور بأن يدركوا أن الناس في الآخرين ستصل أبنيتهم لهذا الحد من الطول وارتفاع المراتب ، والحكمة تحديث الناس بما يعقلون حتى لا يكذب الله تعالى ورسوله .
وها نحن اليوم من أدرك إنكشاف هذه الحقيقة ، وها هي الجبال المخبر عنها تنهار على مراتبها أو أماكنها أو مراسيها لا يمنة ولا يسرة مثل ما أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق ، فسبحان الله الذي أحاط بكل شيء علما ونبأ عبده ورسولـه بالحق هذا قبل ما يكون ، فعرفه كيف سيكون .
ولمـا كان صلى الله عليه وسلم قد أوتي مجامع الكلم فيخرج منه لفظ الخبر على عدة أوجه وأينما يدار قوله لا يجده المؤمن إلا على وجه الحق ، فقوله :
( على مراتبها ) . إن نظرنا لواقع الحادثـة وجدنا المعتبر سقوط تلك الأبراج على أساساتها إن كان المعنى بالمراتب القاعدة ، وإن حسب ذلك على معنى الإنتصاب ، فهي كذلك إنهارت على قوامها ، كما أنه إن اعتبر ذلك على درجاتها وهي أدوارها وطبقاتها ومنازلها ، فهي كذلك على ذلك سقطت ، فسبحان الله تعالى ما أصدق خبره ورسوله .
ثانيهما : سقوط عبادة الأصنام إلى الأرض . وهذا مما كان بعضه في مكة وسائر جزيرة العرب وهو من أكبر البراهين على صدق ما ورد بإنجيل المسيح الصحيح ، وقد تحقق بعضه وسيتحقق أتمه بعد تمكين المهدي وحين يرجع سيد الأنبياء ومن معه من رسـل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ولو لم يكن هذا الإنجيل يقول الحـق ويخبر بالصـدق لما تحقق ذلك من بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلم من سيرته علما يقينيا ضروريا لكل البشر .
ثالثهما : الإعتراف بالمسيح أنه من البشر وليس إله أو ابن إله . وهذا والذي قبله حصل بعضه وسيتم الله تعالى له بعد بعث المهدي بشكل أتم وأشمل يعم الدنيا كلها ، أما عند مبعثه صلى الله عليه وسلم فقد حصل هذا على سبيل محدود جدا لم يتعدَ جزيرة العرب وبعضا ممـا جاورها ، والمسيح هنا يتكلم على مستوى العالم والأرض كلها وهو مما سيكون آخر الزمان بعد أن يظهر الله تعالى دينه على سائر الأديان بالحجة والسلطان .
رابعهما : عودة نبي الله ويريد نفسه هنا ، لأنه ذكر ذلك بعد تحقق كل ما فات ومنها مجيء من هو أجلى من سائر الأنبياء ، ويعني بذلك رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، أما بالأخير فإنما يريد نفسه بعد مـا تطرب أبراج مدينة آبائه وهو بين من سياق الكلام على ما قررته سابقا ، وهو الخبر الذي لم يحن بعد وأبشر الصليبية متى ما وقع بالإهلاك الأكيد بِنَفَسهِ عليه السلام لكل من يقول أنه إله أو ابن إله .
وقد شهد القرآن لرجوعهما وأكد أن ذلك حق .
وهنا لفتة على كذب ادعـاء من قال أن كاتب الإنجيل قس أسلم ثم كتب ما كتب نكاية بالصليبية ، فهل يدلونا على مسلم قال بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نصدق أن كاتب إنجيل برنابا مثل ما زعموا ؟ ، أبدا لن يجدوا ما يدل على أنهم كذبة وأن هذا الإنجيل حق وقد قرر اعتقاد الحق في عودة المصطفى صلى الله عليه وسلم آخر الزمـان وليس هناك أي مسلم يقول بهذا ، حتى بقي هذا الإعتقاد من مخفيات الشريعة وأسرارها إلى أن كشف الله تعالى حقيقتها لحفيد المصطفى صلى الله عليه وسلم " قضيب الحق " فأعلنه شهادة للإنجيل أنه حق وأنه وحي الله تعالى لعيسى لا ريب في ذلك .
كذلك مما يثبت أن كاتب هذا الإنجيل ليس هو ممن أدرك الإسلام ، نفيه الحركة عن المولى عز وجل نفيا صريحا وبألفاظ عجيبة ليس هنا محل ذكرها (54) .
إحداهـا بمنطق غريب لا يقوله مسلم أدرك مبحث هذا الباب وخاض في مدارس المنطق والجدل ، ونبي الإسلام أقر بالحركة والإنتقال لله عز وجل بل ماذا أقول أتى القرآن بذلك صريحا في قوله سبحانه : ﴿ وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّا ﴾ وهذا في ظاهره يخالف ما ورد في الإنجيل ، ولو كان الكاتب مسلما على زعم مترجم الإنجيل للعربية الكذاب ، لما حصل منه هذا التجاوز وغيره مما ذكرته قريبا وقبل في الفصل الأول في مجموعة مخالفات لما ورد في شريعة الإسلام ، ومع ذلك أوردها كاتب الإنجيل وهذا قاطع في أن كاتبه ليس كما زعم المترجم .
وفي ختام هذا الفصل أقول : أن بتحقق جملة من هذه الأخبار لأكبر الدلالات على صدق ما ورد بهذا الإنجيل وأن في ذلك البينات على أنه وحي من الله تعالى لا كما زعم شياطين عباد الصليب أنه من وضع البشر ، بل هو كتاب من كتب الله تعالى أنزله على قلب عبده ورسوله المسيح صلوات ربي وسلامه عليه وقد أتى من بعده رسول الله وأنزل عليه كتاب من الله آخر شهد له وفسر بعض نبوءاته ، والله تعالى لا يصدق إلا ما كان من وحيه لا وحي الشيطان عليه لعنة الله تعالى .
فها نحن نعلم بالضرورة أن مؤسس دين عباد الصليب هو " بولص " الشرير ، وأن الكثير أتوا بعده أو معه أو هو نفسه ليكتب تلك الأناجيل اقتباسا مما كتبه برنابا الصديق رضي الله عنه ، ثم ينسبوا ذلك لإنجيل يسوع المسيح عليه السلام ، وكل ما ركبوا من باطل ألصقوه به حتى كما قلت قبل تعددت لذلك الأناجيل وقد تدنس بهذا إنجيله بعد ما غيب ولم يُبقَ إلا على هذه الأكاذيب التي سواء قلنا كتبها بولص الشرير عادم التقوى أو غيره لنصرة ما قرره لهم من أكاذيب وزيوف انتهى بها المسيح عندهم ليكون ابن الله أو هـو الله لعنهم الله مـا أكذبهم ، وحـرف كلام المسيح عن مواضعه الصحيحة في رسـول الله من بعده وحفيده معه ليكون عندهم كل ذلك في أسس معتقدات بولص الباطلة ومن اتبعه في هذه الصليبية ، تحريفا منهم لما جعل الله من فضل وكرامة لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وحسدا منهم مثل ما حسدوا أن يكون اجتباء وكرامة لوالده من قبله إسماعيل عليه الصلاة والسلام ، ومثل ما حسدوا والدته من قبل " هاجر " عليها السلام يقدمون عليها " سـارة " ليبطلوا بذلك نبوءات الله تعالى لوليه الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ومثله في جحد ما أنزل الله من خير على إسماعيل ليجعلوه في " إسحاق " عليهما جميعا الصلاة والسلام ، إلى غير ذلك من أكاذيبهم التي لعنهم الله تعالى عليها وقضى عليهم الهلاك يوم الدينونة وحين يردون إليه أشد العذاب .
كذلك صـدق الله الإنجيل بانتشار دين الله ومجيء رسوله من الجنوب حقا بعد ما رفع مسيحه عليه السلام ، وثبت بالضرورة أن دينه الذي أنزله الله عليه لم تنسخ شريعته وأنه بالفعل آخر الأنبياء وخاتمهم مثل ما أورد الله مصداق ذلك بالقرآن وثبته الواقع تصديقا لمـا ورد بإنجيل المسيح الصحيح الذي كتبه تلميذه البار برنابا رضي الله عنه ، فالمصطفى صلى الله عليه وسلم طوال هذه القرون وإلى يومنا هـذا لم يبعث بعده نبي وقد نص إنجيل المسيح على أنه خاتم الأنبياء وأن ليس لدينه نهاية ، وكل ذلك وغيره صدق بالقرآن وبسيرته عليه الصلاة والسلام خير تصديق ما يثبت به بلا شك أن ما ورد بهذا الإنجيل حق وأنه كتاب لله تعالى لا يشك في ذلك ويكذبه إلا آكلة السحت من وثنيي بقايا أمم الشرك عباد الأصنام الذين ستكون كما أخبر المسيح عليه السلام آخرتهم ملعونة ، ولا نقول لهم إلا كما قال تعالى : ﴿ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ﴾ .
-------------
(1) إنجيل المسيح الصحيح ( 72/10 ص 130) .
(2) إنجيل المسيح الصحيح ( 96/9 و 97/1 - 10 ) .
(3) إنجيل المسيح الصحيح ( 124/10ص192 ) .
(4) إنجيل المسيح الصحيح ( 58/11 ص 115 ) .
(5) إنجيل المسيح الصحيح ( 44/28 ) .
(6) إنجيل المسيح الصحيح ( 97/1 ) .
(7) إنجيل المسيح الصحيح (144/6 ) .
(8) إنجيل المسيح الصحيح ( 52/15 ) .
(9) إنجيل المسيح الصحيح ( 93/11 ص 154 ) .
(10) محمد بالكتاب المقدس 232 ـ 261 .
(11) المسيح اليهودي ص 114 .
(12) وها هم آخر ما فكروا به تطوير أسلحتهم للقوى المسماه ( النانوية ) وهي تقنية لإبتكار أسلحة حديثة ذات وسائل جديدة تقاس أبعادها بالنانومتر ، وهو جزء من المليون من الميليمتر . وهو مشروع يهودي والقائم عليه " بيريز " الأب الروحي لمفاعل ديمونا النووي وتوقع بيريز ظهور النماذج الأولية لهذه الأسلحة الجديدة خلال ثلاث سنوات ، وألمح مؤخراً في محاضرات عامة إلى عدد صغير من مشاريع هذا التطوير السري لهذه التقنية الجديدة ، مثل ( لآلئ الحكمة ) : وهي عبارة عن ( مجسات حساسة ومتناهية الصغر يمكن نشرها في مناطق العدو لرصد تحركاته ) و ( دبور الذكاء )، وهو طائرة صغيرة من دون طيار يمكن وضعها في الأزقة الضيقة لتشويش الاتصالات والتقاط صور تجسسية تنقل مباشـرة إلى قاعدة مراقبة وتوجيه ، وحـتى قتل المسلحين ، بالإضافة إلى تطوير مجسات لرصد الاستشهاديين يمكن وضعها في الأماكن العامة بحيث يكون بإمكانها تحديد الاستشهادي برصد الرائحة والحرارة والوزن .
ويتم كذلك تطوير ( قفاز ستيف أوستين ) الذي يعطي مستخدمه قوة ( رجل خارق ) يرتديه الجندي لتتعاظم قوة يده بشكل كبير للغاية ليتمكن مثلا من اقتحام أبواب ورفع أجسام ثقيلة واستشعار الاستشهاديين ،== ==بالإضافة إلى تطوير ( بدله مصفحة ) تصنع من المواد المصفحة والخفيفة الوزن في الوقت ذاته ويمكنها حماية الجندي الذي يرتديها من الرصاص وشظايا القذائف .
وبيريز يسعى حاليا للحصول على مئات ملايين الدولارات من أجل تمويل تطوير هذه الأسلحة ، كما أنه عرض جزءا من تلك الأفكار على كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية ودعاهم للتعاون مع إسرائيل في تطوير هذه الأسلحة .
وقد شكل بيريز طاقماً خاصاً لتطوير هذه الأسلحة بالتقنية "النانوية " ويضم 15 من كبار المفكرين في مجالات الأمن وعلوم الكمبيوتر والأكاديميين ما أصبح يعرف باسم ( طاقم بيريز ) اهـ ." السفير 18/11/2006 "
(13) إنجيل المسيح الصحيح ( ص 218 ) .
(14) روي عن النواس بن سمعان كما في صحيح مسلم .
(15) إنجيل المسيح الصحيح ( 83/12 ص 144 ) .
(16) رواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة ( 5/355 ) .
(17) روي عن دحية الكلبي قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر بكتاب فأتيته فقلت لحجابه : استأذنوا لرسول رسول الله ، فأتي قيصر فقيل له : بالباب رجلا يزعم انه رسول رسول الله ، ففزعوا لذلك فقال : أدخله . فدخلت عليه وعنده بطارقته فأعطيته الكتاب فقرئ عليه فإذا فيه : " بسم الله الرحمان الرحيم ، من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم . فنخر ابن أخ له أحمر أزرق سبط ، فقال : لا تقرأ الكتاب اليوم بدأ بنفسه ، وكتب صاحب الروم ، لم يكتب ملك الروم . فقرئ الكتاب حتى فرغ منه ، ثم أمرهم فخرجوا من عنده ، ثم بعث إلي فدخلت عليه ، فسألني فأخبرته ، فبعث إلى الأسقف فدخل عليه وكان صاحب أمرهم يصدرون عن رأيه وعن قوله ، فلما قرأ الكتاب قال الأسقف :==
==هو والله الذي بشرنا به موسى وعيسى الذي كنا ننتظر ، قال قيصر : فما تأمرني ؟ قال : أما أنا فإني مصدقه ومتبعه فقال قيصر : أعرف انه كذلك ، ولكن لا أستطيع أن أفعل ، إن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم . " المعجم الكبير للطبراني 4/225 " .
وليس هذا بأول مؤمن من النصارى بالنبي صلى الله عليه وسلم لما بعث ، فقد روي أن أمير قبطي لما بلغه بعث رسول الله قام فأرسل هدية جاريتين أختين وبغلة ، فكان يركب تلك البغلة وسماها ( دُلْدُلُ ) وتسرى بإحدى الجاريتين وأنجبت له ولده إبراهيم عليه السلام الذي كان في بعض دخلاته جبريل يناديه به براءة من الله تعالى لعرض أم إبراهيم القبطية ." الطبراني الأوسط 37"
وهنا أقول لهؤلاء المكذبة بأي لسان قرئ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قيصر روما ، فمثله قرأ الرومان كتاب إنجيل المسيح ، سواء قيل من خلال الترجمان باللسان أو القلم ، فإنجيل المسيح يقينا ترجم إما باللسان أو القلم ، إما بلسان برنابا عن طريق آية وبمثله شهدت أناجيل الصليبية المحرفة أن المسيح أعطى آية لتلاميذه يتكلمون بلسان الأمم ، أو عن طريق مترجم عرف لسان المسيح ولسان الرومان فترجم لهم هذا الكتاب العظيم .
(18) حكاه عنهم الإكليريكي سامح كمال في كتيبة "الرد على الكتاب المسمى إنجيل برنابا ص 42 " .
(19) رواه الطبراني في الكبير .
(20) رواه الطبراني في الكبير والصغير .
(21) ومن زعم أن القرآن كل آياته من المتشابه فقد جانبه الصواب ، والحق أنها سبع آيات متشابهات من المثاني لا غير .
(22) أعني قوله تعالى في سورة الدخان : ( إنا كنا مرسلين ) . ووقت هذا الخطاب كان رسول الله مبعوثا بالحقيقة ولو كان المعني بذلك ذاته لقال تعالى : "إنا أرسلنا " . أي سنفعل ولم نفعل بعد .
(23) سبق ونشر بيان هذا المعنى وارتباط النبوءتين بعضهما ببعض على وفقه في مقالة بعنوان : " الكلام حول نبوءة الإنجيل ( فيء القمر ) وعلاقتها بـ( كان ) العربية " في موقع المهدي على شبكة الإنترنت تراجع هناك .
(24) ذكره صاحب المطالب العالية (4/67) عن البزار ، وقال : إسناده حسن في مختصره للبزار .
(25) مصنف ابن أبي شيبة ( 8/663 ) وفيه " وان تقطع الأرحام ويؤذي الجار جاره " .
(26) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب قصر الأمل ص 178 راجع كتاب " كشف اللثام ص155" .
(27) رواه الدارمي في السنن (1/79) راجع زيادة في تخريج الأثر " كشف اللثام ص 155 " .
(28) الطبقات لإبن سعد ( 4/65 ) .
(29) رواه أبو نعيم في الحلية عن طارق بن عبد الرحمن . يراجع كتابي ( وجوب الاعتزال 1/17 ) وكتابي ( كشف اللثام عن جهل سلمان العودة على أمر مهدي الإسلام ص 155 ) .
(30) مصنف ابن أبي شيبة ( 8/663 ) .
(31) رواه سيف التميمي في كتاب الردة والفتوح .
(32) الإصحاح ( 30 / 25 ) .
(33) رواه عن العرباض بن سارية أحمد بن عمرو ابن أبي عاصم الضحاك في كتابه الآحاد والمثاني ص 260 .
(34) تفسير الطبري ( 13/291 ) .
(35) رواه عبد الرزاق في مصنفه عن الحسن مرسلا ( 11/374 ) .
(36) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ( 8/657 ) وابن خزيمة في صحيحه ( 2/326 ) والحاكم في المستدرك ( 2/476 ) .
(37) المسند ( 33/346 ) ورواه أبو داود والنسائي وابن حبان وغيرهم .
(38) المعجم الكبير ( 7/191 ) .
(39) المعجم الكبير ( 7/188 ) .
(40) التهذيب لإبن حجر ( 3/62 ) .
(41) هذا الرجل على الصحيح يعتبر متابع لثعلبة بن عباد والذي حـاول بعضهم الطعن بخبر سمرة من أجله ، وقـد أخطأ مثل النسائي وغيره رحمهم الله تعالى حين رووا الخبر من طريقه على أنه من رواية عبد الرحمن بن سمرة وهو صحابي آخـر غلطوا بجعل الحديث من مروياته حتى أنهم أوردوه كما عند النسائي بقولهم : قال بينما أنا أترامى بأسهم لي بالمدينة إذ انكسفت الشمس . . اهـ . " سنن النسائي 3/124 " وهذا إنما هو لفظ الخبر عن سمرة لا عبد الرحمن بن سمرة وهو من أهل مكة ، وسمرة بن جندب من أهل المدينة وكان يومها غلاما ، أما عبد الرحمن فرجلا كبيرا .
روى خبر سمرة أحمد فقال فيه : بينما أنا وغلام من الأنصار نرمي في غرضين لنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . . الحديث .==
==وسبب غلط من غلط بهذا والله أعلم من يكون بعد عمير فإني لم أتفرغ لبحث ذلك ، هو انقلاب كنية سمرة أبي عبد الرحمن عليهم فعدوها إسم للصحابي وهي كنية لسمرة .
(42) المعجم الكبير للطبراني ( 7/261 ) .
(43) السنن للنسائي ( 3/131 ) .
(44) رواه قريب من هذا اللفظ أبو عمر في كتاب " بيان العلم وفضله 1/177 " وجمع للباب أحاديث عدة تراجع هناك .
(45) الموطأ (1413) والطبراني في الكبير (2/94) .
(46) تاريخ يحي بن معين (2188) .
(47) الترمذي ( 5/172 ) .
(48) مستدرك الحاكم ( 2/148 ) .
(49) يراجع كتابي وجوب الاعتزال ( 1/54 ) للوقوف على شرح هذا الحديث وبيان كيف أن تأويله حصل بما وقع على أهل الكويت في غزو جيش العراق لهم .
(50) مسائل أحمد لإبن هانئ ( 2/207 ) .
(51) المسند ( 33/349 ) .
(52) العلل ومعرفة الرجال لأحمد ( 2/26 ) .
(53) المعجم الكبير ( 7/265 ) .
(54) في كتابي الجديد " المقدمة الذهبية لتقويم اعتقاد أهل الحديث . . " وهو لم يعلن بعد ، سأذكر إن شاء الله تعالى حقيقة صفات الرحمان عز وجل وأبين حقيقة التوافق ما بين اعتقاد المسيح والمصطفى صلوات الله وسلامه عليهم في ذلك وما حصل من غلط في مذاهب أهل الحديث ولبس في هذا الباب .