بسم الله الرحمن الرحيم

 

المقدمة

الحمد لله الذي يحب من المؤمنين تصديق أخباره ، ويقينهم بتحقق وعده ونصره بظهور دينه على جميع الباطل وأنصاره ، هو الله الذي لا يخيب من آمن به على بصيرة وأخلص في طلب مرضاته ، وصدق في رفع دعواته وتزلف إليه بتضرعاته ، وهو الله الذي لا إله سواه معبودا بالحق ،  هاديا بالصدق  ، واعدا بالفرج ، وقادرا على إنجاز ما قطع على نفسه بالتمكين لمن جاهد فيه ، بالهداية والظهور على من عاند وجحد ، والصلاة والسلام على من صدّق مواعيد الله تعالى وقص منها مــا فصلت الأخبار عنه من غير ملل ولا كلل ،  للحد الذي يخطب فيهم في ذلك من بعد صلاة الفجر حتى مغيب الشمس ، يفصل لهم ما يكون إلى قيام الساعة  أما بعد :

لقد بعث المهدي وقضي الأمر الذي تتشوق لإعلانه أنفس المؤمنين الذين ضاقت بهم الأرض وتزاحمت عليهم رؤوس الشر من الكفر والنفاق يصيحون بهم من كل جانب يودّون لو لم يكونوا أبدا من خيفة تكاد تطير منهم بقية الصبر ، فالمهدي منهم وفيهم ، ضاقوا منهم لا يدرون متى وكيف ، وبله الناس في غفلة من هذا ، وصمصامة الصارم لهم بغتة ، قدراً من الذي أحاط بكل شيء علما وقدرة . 

هذا وما لابد منه عراكا كعراك المسيح عيسى صلوات الله وسلامه عليه مع قراء اليهود وأحبار السوء والسفه الذين كانوا يؤسسون أباطيلهم في جنبات الشعب اليهودي يحرفون الدين في غياب من السلطة الشرعية ، وعلى بسطة رومانية كافرة ، لا تعرف للدين السماوي قدرا ولا للحكم الرباني سلطة ، فهام معها أحبار اليهود تحررا من التكاليف وأمنة من المساءلة والتوقيف .

وما أشبه حال قراء السوء اليوم وحنابلة السفه منهم على الخصوص بحال قراء اليهود في ذاك العصر الروماني الذي بعث فيه المسيح عليه السلام ، لقد ذاق منهم جهدا جهيدا وتأسس على أباطيلهم ما يراع منه كل مؤمن فطن ، بل على تلك الأسس الباطلة كم من نبي قتل ودم زكي سفك ، كيف لا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا ذراعا حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم( 1 )  . 

وهذه سنة يهودية عرفنا شأنها وعركنا قعرها فتقا بحول الله وقوته .

ومن ظن أن المهدي إذا خرج سيلقى الترحاب من هؤلاء والموافقة على السواء فقد أخطأ ورمى بأمره بعيدا عن سنة الابتلاء ، وما كان الله تعالى ليكف أمر بعثه عنها فهو على سنة الأنبياء والمرسلين بهذا سواء بسواء ، ومن ظن غير هذا فقد وهم وجهل وحري بمن كان على هذا الفهم أن يسابق لعداوته ويظاهر على منازلته .

    وقد سبق في الأشهر الماضية عرض الدعوة المهدية وأصولها وشواهد صدقها في جزيرة العرب ، نصحا لوجه الله عز وجل وإقامة لحجته طمعا في تحقيق أهلها لسابقة التصديق والإيمان بتحقق التأويل ، فخاب بهم الرجى بعد أن بُلِغ معهم المدى ، ورموا الدعوة المهدية وبراهينها أول ما رموا بعجيبة الدهر ، لا أراكم الله عز وجل في معتقد حق عندكم ، بان لكم به البرهان مثل هول ذاكم المطلع المعترض ، خليط فريد من رواسب الجهالات متراكمة بعضها فوق بعض ، وكأن الدهر صبها كلها في رأس ذاك الغمر وحده ، يخيل لمن عرفه وهو لا يرى ركوب المراكب العصرية ولا التمتع بالمنافع الكهربائية أنه أمام رجل من القرن التاسع أو العاشر لا علاقة له بهذا الجيل البتة منفصل عنه شعوريا وحسيا ، بل قيل أنه كان يربط بعتبة بابه حصان أو جمل يمتطيهما في طرقات بريدة ، يكره البترول والكهرباء كرها تاما ويتعجل فناء كل منهما ، وبان من رده علي أنه من أنصار القائلين بفناء الحضارة شرطا لخروج المهدي * إذ أنه سيقاتل معه بالخيل والسيف ، ولعل هذا المعتقد داعيه لربط الحصان عند بابه حتى إذا خرج قفز له وأسرع بحصانه لنصرته ، فكيف لمن هذه حاله أن يصدق بتحقق بعث المهدي ولو جاءته كل آية .

   عجبا لأهل الجزيرة أتيناهم بالمهدية الحقة فتلقونا بماذا ؟! ، أمبالغ أنا إذا قلت عجيبة الدهر ، أكثرهم طلبا للشهرة والرياء وحب السمعة ، تدرج به إبليس اللعين من تقشفات متصوفة القرون السالفة أكثرهم رياءً ووسوسة إلى أن وجد غنيمته بمعارضة هذه الدعوة المباركة التي ما بعثت إلا بأمر الله عز وجل ، ومن سفهه أنه صدّق بتمكنه من إبطال براهين دعوة تدرجت رعاية الله وهدايته بصاحبها مـا يقارب العشر سنين ، فأراد هو أن يبطلها بأقل من شهر تهورا ورعونة ، وتقولا على الله تعالى وعلى مهديه بالكذب والبهتان ، وأعجب من هذا أنه يباهل بالمحالات ويرجو الباطلات .

 أيا  ابن صالح لا يجزك الله صالحا   ....   فإنك مثل التيس أخفق حالبه 

     من يعذرني من الجزيرة وقد دبت لي عقاربها ، وكم كان مناي حين ردوا دعوتي أن يرد عليها منهم رجل رشيد لعل الله برده يفتح عيونا عميا وينبه قلوبا غافلة ، فما عدم الرشيد من قول سديد أما وقد هجم عليها هذا المغمور ، بهذيان مغرور وكذب وفجور ، فلا بد مما لا بد منه حذو النعل بالنعل حربا كحرب المسيح عيسى عليه السلام مع قراء اليهود أعداء وعد الله وبشارة رسله ، وقد كان عليه السلام شديد التوبيخ لهم كثير التعريض بهم لا يجدون منه إلا الفضاضة والحدة لعداوتهم لكلمات الله وتمردهم على أمره ، فنعم السنة سنته وبورك في المسيح حدته نصرة للحق ورفعته ودحرا للباطل ونحلته .

وقد سمى هذا الغبين المدعو عبدالكريم بن صالح الحميد كتابه بالحق المستبين في بيان ضلالاتي زعم ، وهو في حقيقة الأمر مليء بالجهالات والتخمين والضلال المبين ، وقد عثره الله عز وجل في مبدأ التعويل على الوساوس والتفتين ، حين زعم نقض دعوى أن المهدي رسول الله فأتى بتقريره بصلف وهذيان ما سبقه إليه أحد لا في قديم ولا حديث الأزمان ، لوحده غولة البين مسياح الشر .

والعجب من هذا المغرور أنه يقول في ذلك : فتكلم اللحيدي على قوله تعالى : ﴿  أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين . ثم تولوا عنه وقالوا معلَّم مجنون ﴾ ( 2 )  بكلام خطير بل هو أخطر ما تكلم به وأكذب ما ادعاه ، ولذلك بدأت به لأنه الأساس المنهار الذي بنى عليه بناءه لينهد ويسقط بنيانه من أساسه وأركانه حيث ادعى أن المهدي رسول الله وأنه هو المهدي ، وقد اعتقد في ذلك على هذه الآية التي بزعمه وجزمه أنها تخبر عن دخان بترول الكويت الذي حرقه جنود صدام عام )1411( هجرية في غزوه الكويت وأن السماء أتت بالدخان المبين الموعود وأن معنى قوله تعالى : ﴿  وقد جاءهم رسول مبين ﴾  المهدي الذي هو نفسه وأنه رسول ففهم من هذا المجيء بفهمه القاصر أنه مجيء حي معاصر ، والحقيقة أن اللحيدي جاء بصفقة خاسر ، وأنه لا يدعي هذه الدعوة إلا كافر!! . فالمجيء للرسول المذكور في هذه الآية هو مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم  ولا يلزم من ذلك شخصه الكريم ولذلك يقول كل أهل عصر ونحن نقول في عصرنا هذا : جاءنا رسول من ربنا !! اهـ   ( 3 )   .

هذا قوله في هذا الأمر العظيم الجلل نقلته عنه بالنص لتتضح لكل مؤمن حقيقته ويعرف إفلاسه حين أنزل خطاب الرحمن وخبره في سورة الدخان عمّا لم يأتِ بعد بمنزلة ذكره لأخبار بني إسرائيل وقصصهم الماضية يقينا مـن مثل قوله تعالى : ﴿ ولقد جاءهم موسى بالبينات ﴾ ( 4 )  وهذا لا شك عند العقلاء هذيان وتخليط ، ولقد جرأ هذا السفيه على القول بتأويل القرآن بجهالة غريبة ونادرة فريدة حين جمع بين اعتقاد أن تأويل آيات سورة الدخان آخر الزمان وبين اعتقاد أن الرسول المذكور بالآيات هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا لم يجرؤ عليه أحد لا في السابقين ولا في غيرهم ويعد هجومه على هذا الأمر دليلا على جهله ورعونته وأنه لا يعي ما يقول ويهذي بغير معقول ، فلا يمكن بحال أبدا الجمع بين جمعه والتفريق فيما ادعى تفرقه ، وأقوال الصحابة معروفة في تأويل الآيات فمن انتهى منهم إلى أن تأويلها لم يأتِ بعد وأنها كائنة آخر الزمان لم ينقل عنه قط الخوض في خبر الرسول المذكور فيها وسلّموا لظاهر القرآن تسليم المصدق وأتحدى الحميد ومن يصدقه في هذا التفريق أن يثبت عنهم أن المراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسكوتهم عن الخوض فيها سكوت تسليم لا جهل وموافقة لما قال هذا الزنيم ، وكلامي أنا فيها إيمان وتصديق لا كما زعم هذا العتل أنه ضلال وكفر ، بل هو الكافر اللعين حين نسب الكفر لما يحب الله ورسوله من إرسال المهدي آخر الزمان ، والنص في إرساله ثابت ثبوتا قطعيا بتواتر الكتاب والسنة على ذلك .

 ومن قال بالإكفار لـمعتقد إرسال المهدي من الله تعالى آخر الزمان فهو الكافر المطرود من رحمة الله ، فعليه هو لعنة الله ورسله وسائر المؤمنين لتقحمه هذه الضلالة العمياء والجهالة الصماء ، حين كذَّب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في خبرهما ولم ينتهِ إلا إلى التكفير بذلك نعوذ بالله من الجهل والزيغ ، ويكفي مدى ضلال قوله وفظاعته عند أدنى تصور صحيح معقول ، فكيف إذا ما واجه حقيقته وأدرك جريرته ،  فأعوذ بوجه الله من مصيره ونتيجته .

والنص في إرسال المهدي وبعثه من الله جل ثناؤه ثابت ثبوتا قطعيا بتواتر الكتاب والسنة على ذلك ، فأما الكتاب فآيات سورة الدخان قاطعة فيه ، وأما السنة فكما ورد في حديث علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا ( 5 )  وإدخال اللام هنا على بعث لتأكيد تحقق البعث من الله عز وجل ، وهذا من لطائف التأييد هنا . وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : " يصيب الناس بلاء شديد حتى لا يجد الرجل ملجأ ، فيبعث الله رجلا من عترة أهل بيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ( 6 )   .

وقال ابن عباس : إني لأرجو أن لا تذهب الأيام والليالي حتى يبعث الله منا أهل البيت غلاما شابا حدثا ، لم تلبسه الفتن ولم يلبسها يقيم أمر هذه الأمة ( 7 )  .

فهل ابن عباس كافر على وفق مذهب الحميد ومن على شاكلته لاعتقاده الإرسال والبعث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، لا شك أن الحميد كافر بالله العظيم لا ابن عباس المؤمن بأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وليستنجد الحميد بمن شاء من حنابلة السفه ، هل هم مخرجوه من هذه الورطة التي أوقع نفسه فيها ، فإن البعث كما عرف في لغة العرب معناه الإرسال وقد  أضيف على ما ورد في هذه الأخبار إلى المولى عز وجل ولا يكون على هذا الوجه إلا وهو البعث والإرسال الشرعي كما قال عز وجل عن نبيه : ﴿  هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ﴾ ( 8 )  أي أرسله فيهم . قال في المختار : بعثه وابتعثه أي أرسله ( 9 ) .

وفي الصحيحين عن حذيفة قال : جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ابعث إلينا رجلا أمينا ، فقال : " لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين " قال : فاستشرف لها الناس . قال : فبعث أبا عبيدة بن الجراح . وفي صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي قال لي علي : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ، فأمرني ألاّ أدع قبرا مشرفا إلا سويته ، ولا تمثالا إلا طمسته .

 وغير هذا كثير مما يفيد أن البعث والإرسال معناهما واحد ، ومن رام دفع دلالة سورة الدخان على إرسال المهدي آخر الزمان كأبي حصان هذا ويركب الجهالة عنادا كما فعل فليذكر دائما وأبدا أن بعثه وإرساله نص عليه كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخباره ، ومن فرق ما بين الكتاب والسنة لا جمع الله تعالى عليه أمره وشتت عليه مجتمعه ، وأما من كفر باعتقاد ذلك فعليه لعنة الله إلى يوم الدين ، فهو تكذيب لخبر الله ورسوله وتكفير لما يحب الله ورسوله ، وسيأتي في آخر هذه المقدمة زيادة تفصيل بحول الله وفتحه على إرسال المهدي وما يتعلق في ذلك من أمور عظيمة وأحكام جليلة .

ومن العلماء السابقين ابن كثير رحمه الله تعالى فصل في آيات سورة الدخان وأطال في الإيضاحات حتى رد قول ابن مسعود وضعّفه ولم يجرؤ أبدا على ما جرأ عليه صعلوك بريدة هذا ، بل إن شيخه رحمه الله إمام الأئمة وقد عُرف عنه طول التفصيل وكثرة التقرير في كل ما يسيل به قلمه وتأتي به ذاكرته في تقرير مسائل الدين إذا أتى على ما يدعو للكلام على سورة الدخان أو أنها مما تحقق أول الإسلام أحجم ونأى بلسانه بعيدا عنها مهابة لها وحذرا من الخوض فيما لا يقدر عليه ، وأدعو الحميد أن يدلني على كلام لابن تيمية يخوض في تأويل سورة الدخان ويأتي بما يخالف كلام تلميذه ابن كثير ، وأنا على يقين أن ابن كثير منه أخذ ما قرره في التفسير ، فهو معلمه ومرجع حكمته .

وابن تيمية رحمه الله تعالى ذكر في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ثم طلبوا تعجيزه بأن يستفزوه ويخرجوه ، حتى يعجز عن تبليغ رسالة ربه ، ولو كان ذلك لعاجلهم الله بالعقوبة ، أسوة من تقدمه من الرسل ، فإن الله كان إذا أراد إهلاك أمة ، أخرج نبيها منها ، ثم أهلكها ، لا يهلكها وهو بين أظهرها ،  فلما خرج من بينهم بالهجرة أتاهم الله بعذاب أليم يوم ( بدر ) وغيره اهـ  ( 10 ) .

وهنا لم يأتِ رحمه الله على ذكر سورة الدخان البتة ما يدل على أنه اختار أن تأويلها آخر الزمان و لم يذهب لقول ابن مسعود فيها كما فعل مثله تلميذه ابن كثير في تفسيره بل زاد عليه تلميذه تضعيف قول ابن مسعود رضي الله عنه وأنه مخالف للخبر المرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فهل قال الحميد بقولهم ولزم الصمت كما لزموا ، أو عارض بقول ابن مسعود وأتى بالخلاف على وجهه ليستقيم معه الكلام ويرد عليه بقول ابن كثير ونحوه ، لكن الأمر مع أبي حصان والجمل الوجام من غير خطام ولا زمام ، فانفرد بمقولته الردية وفكرته المخزية ، ولم يفرق بين ما ورد في القرآن خبرا عما مضى وعُرف أنه انقضى ، وبين ما سيق خبرا عما لم يأت .

وأسخف من هذا إنزاله ما ورد في سورة الدخان منزلة تخاطب أهل النار مع ملائكة الرحمن قولهم : ﴿ قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا ﴾ ( 11 )   فجعل جاءنا هنا مثل قوله تعالى في سورة الدخان : ﴿  أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ﴾  ( 12)  

أرأيتم كيف أن مثل هذا صار حكما عدلا على الدعوة المهدية وهو لم يقدر على التفريق ما بين حقيقة الخطابين ومآل الخبرين ، وإن لم يكن هذا مستحقا للوعيد في النهي عن القول بالقرآن بالرأي فمن المستحق إذا ؟ ، هذا وقوله لو كان يحتمل في الرأي ، فكيف بتخاريف الحميد هذا التي اضطررت للرد عليها حتى لا يغتر بقوله السفلة أنه على شيء من العلم فيتطاولون على من هو أعلى منهم قدرا وأرفع منزلة ، قوم حباهم الله تعالى من العلم والإخلاص ما نالوا به هداية الله تعالى وانشراحة الصدر للحق المبين ، ولولا هذه الحكمة المتوخاة لما استحق الحميد هذا الرد على ترهاته وسخافاته إذ هي ظاهرة البطلان لكل حكيم عاقل ولو غرت أقواله كل زنيم جاهل ، وإنما استحقاقه أن يمكن منه الحصان ليطأ منه البطن حتى يفرج لأهله وذريته ، فقد حرمهم نعمة الكهرباء وبارد الماء حرمه الله تعالى نعمة الجنة ، إذ باهل بالباطل وكفر بما قدر الله ورضاه .

  وقد اتفق العلماء من الصحابة وغيرهم على أن ما ورد في أول سورة الدخان خبر ، فمن قال وهو قول ضعيف جدا أنه مما وقع على أهل بدر تأويله حمل ذكر الرسول في الآيات على رسـول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن خالف هذا القول وهم الأكثر قالوا أنه مما يقع آخر الزمان لما ثبت عن رسول الله في خبر الدخان ، وهؤلاء لم ينقل عنهم الخوض في خبر الرسول المذكور في الآيات تركا للقول بما لا علم لهم به ، وقد كذب على هؤلاء جميعهم الحميد حين زعم أنهم يعتقدون اعتقاده في حقيقة آيات سورة الدخان ، فهو كاذب في نسبة هذا المعتقد لهم وأدعوه إن كان صادقا أن يأتي عن واحد منهم يزعم زعمه هذا ، وإنما غر الحميد سكوتهم عن الخوض في هذا ونسي أنه لم ينقل عنهم عكس قولي ولا أدري كيف يجعل سكوتهم حجة لقوله لا قولي ، ولا أدري أين وقف على المرجح في ذلك ، والحقيقة أن المرجح عائد إلى مخيلته هو ، وبئس تلك المخيلة حين انتهت إلى التكفير بالمعتقد الذي أخبر عن وقوعه رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الزمان كما مر معنا سابقا ، فبئس تلك المخيلة مبعرة الشيطان .

       ولا يغتر إلا جاهل بتمويهات الحميد وتلبيساته حين ساق كلامه في آيات سورة الدخان وما دلت عليه في جملة آيات أخر ، ثم هوّل بقوله : السلف فسروا الآيات كلها وبينوا معانيها ولم يقولوا ما قال اللحيدي ، ومن شاء فلينظر تفاسير السلف إن كان في شك ، والصحابة كان اهتمامهم بالمعنى أعظم فهل ذكروا ما قاله اللحيدي ، لقد لبس على هذا الرجل ووقع في أمر خطير اهـ  ( 13 )   .

 ويقال :  بل أنت ملبوس عليك وزعمك أنهم فسروا معانيها ، إن كنت تعني سورة الدخان فأنت كاذب في زعمك هذا ، فالأمر على ما بينته سابقا ليس فيها إلا قول ابن مسعود وهو قول ضعيف مخالف لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبر الدخان أنه كائن آخر الزمان ، أما غير ابن مسعود فلم ينقل عنه القول فيها على التفصيل والبيان ولا يمكن لهـذا الكذاب أن ينسب قوله في تأويلها لهؤلاء ويثبت ذلك .

وهذا بخصوص آيات سورة الدخان ، أما إدراجه لقوله هذا بعد ذكره لآيات سورة الدخان ومن ثم قوله تعالى : ﴿ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ﴾ ( 14 ) وقوله  : ﴿ ويوم نبعث في كل أمـة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ﴾ ( 15 )  وأيضا قوله تعالى : ﴿ وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ﴾ (16 )  فكل  هذا من تلبيسه وكذبه ، وهو منقطع النظير في هذا الباب ، أبدا لا أجده إلا ملبسا على الجهال أو كاذبا عليهم ، ولبيان ذلك أقول :

 أولا :  أما الكلام في الإشهاد فقد سبق لهذا الخبيث المنافق الوقوف على كتابي العظيم في عودة النبي عليه الصلاة والسلام ليشهد على أعمال أمته ، ولقد صك هذا الكتاب فؤاد هذا الرجل وعقله فأفقده صوابه على ما يبدو حتى أخذ يهذي بالمغالطات ويأتي بالمحالات ويجحد عليّ الثابتات ، ولم يصدق بقوله في هذا الباب أن السلف لم يقولوا بقولي ، بل قالوا به وتكلموا على معانيها وعملوا بمقتضاها على حسب ما ظهر لهم وكل هذا جحده عليّ الحميد ظلما وجهلا ولا أبين من موقفهم عند قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قلت شيء حين منعوا من دفنه لإدراكهم ويقينهم وقتها أن الإشهاد لم يتحقق وأنه كائن في الدنيا لا الآخرة ، وزعم الحميد الكاذب أنه أفقه منهم في وقتهم حتى أنهم لم يدركوا أن الإشهاد إنما يقع في الآخرة فأدرك هو بفطرته السليمة ما خفي عليهم إدراكه .

 والحق أن فطرته فاسدة مما اكتنزت من جهالات وأغلوطات متشابكة عصت على الحل فبقي هو وأمثاله مرضى بداء الجهل ، المرض الروحي المروّع الذي بلغ مداه في أدعياء الدين والصلاح في زماننا المفسدين لكل شيء يقاربونه ، حتى القرآن لم يسلم من إفسادهم ألا تراه لا يعمل في الناس أثرا ، كيف يكون وهم حملته ، لا والله ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عزاً للقرآن آخر الزمان على يد المشايخ ولا العلماء إنما هي كذبة حنبلية الريال ولا صرافة لها إلا في عقولهم الخربة ، إنما يحمل القرآن ويفتح عليه به من عارضه الحميد وكذبه مشايخ السفه هؤلاء ، ووالذي نفسي بيده ما بعث إلا بحربهم وفضحهم ورفع جهالاتهم كلها ولا عز للدين وأمة الإسلام ولهؤلاء عزة ولجهالاتهم تمكين ، وكل باطل قبل دحر باطلهم سليم ، وكل ضلال بعد تسلط ضلالهم مكين .

وهكذا اقتضت مشيئة الله أنهم الخط الأول في وجه الدعوة المهدية ومن لم يصدّق كلامي هذا فليراجع أخبار نبيه فلن يجد إلا ذم القراء والفقهاء والحدثاء السفهاء ، لن يجد علمانية ولا دنيوية إنما  هؤلاء ، وليصدقني المؤمن إني له ناصح لن تقوم للدين الحق قائمة ولهؤلاء بالدين سلطة ، وليطمئن قراء السوء فلن يزالوا بكثرة السلاح ولا باللجاجة وكثرة الصياح ، إنما هما اثنان ، الله تعالى ثم المهدي ، فانظروها واسمعوها مصبحة أو ممسية .               

روى ابن سعد عن أبي سلمة بن عبدالرحمن أنهم ـ أكثر الصحابة ـ قالوا : كيف يموت وهو شهيد علينا ونحن شهداء على الناس فيموت ولم يظهر على الناس ؟ لا والله ما مات ولكن رفع كما رفع عيسى وليرجعن  ( 17 ) .

وفي المغازي لأبي الأسود : أنّ أكثر الصحابة على أن رسول الله لم يمت ( 18 )  . والذي دعاهم لهذا الاعتقاد الذي أنا عليه الآن وأدين به لله حقا ثابتا عليه الكتاب والسنة وكل من يعارضني في زعم بطلانه لن يأتي بشيء وأكذبهم هذا الحميد حين ادّعى أن الصحابة لم يقولوا في هذه الآيات بقولي هذا وقطعه أن تأويلها مما يكون يوم القيامة ، وما نقلته عنهم في كتابي ( رفع الالتباس ) يدل على كذبه وبهتانه لي بهذا الأمر ، وهذا عمر فيما روي عنه ينزع كما نزع أكثر الصحابة على أن قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يعارض قوله تعالى : ﴿ وكذلك جعلناكم أمـة وسطا لتكونوا شهـداء على الناس ويكـون الرسـول عليكم شهيدا ﴾ ( 19 ) فقال : فوالله إن كنت لأظن أن يبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها ، فإنـه للذي حملني على ما قلت  ( 20 )  .

ومثله ما ورد في البخاري عنه في هذا الأمر العظيم قوله حين رد تصديق وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولكني قد كنت رجوت أن يعيش رسول الله حتى يكون آخرنا  ( 21 )  .

وأصرح شيء ورد عنهم في ذلك قول العباس على مرأى ومسمع أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام : قد مات ، أي قوم فادفنوا صاحبكم فإنه أكرم على الله من أن يميته إماتتين ، أيميت أحدكم إماتة ويميته إماتتين وهو أكرم على الله من ذلك ، فإن كان كما تقولون فليس بعزيز على الله أن يبحث عنه التراب فيخرجه إن شاء الله  ( 22 )  وقول العباس هنا واعتراضه بنفي وقوع الإماتتين مثل ما كان يعتقد الصديق حين قال : لا يجمع الله عليك موتتين ، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها ( 23 )  . 

كله في معارضة سائر الصحابة الذين قالوا بعدم وفاته ليحقق الإشهاد .

 ولم يتفطن جهال الأمة أن حقيقة النزاع هنا المهول على الإشهاد الذي كان أكثر الصحابة يرون تحققه مانعا لوفاته فضلا عن دفنه ، ولو كان من الجهل والخطأ ظن الإشهاد أنه يقع في الدنيا وأنه من المقطوع به أنه مما يقع يوم القيامة لصاح العباس والصديق بوجه القوم وردوا هذا الاعتقاد الجاهل على ظن الحميد خيب الله ظنه ورد كيده في نحره ، وأتحداه يورد عنهم  ما يثبت هذا ولن يجد ، بل أقصى ما احتج به معارضتهم أنه لن يجتمع عليه موتتين ولم ينقل عنهم تسفيه هذا الاعتقاد وعده من الجهل ، بل إن العباس من أبرز معارضيهم تنزل لهم فقال : فإن كان كما تقولون فليس بعزيز على الله أن يبحث عنه التراب فيخرجـه إن شاء الله . فقوله : كما تقولون . على أي وجه يحمله الحميد وجهال عصره ، أعلى الضلال والزيغ كما يدعونه بوجهي اليوم ، إذاً هم ينسبون الضلال للعباس وقد أقره الصحابة على قوله هذا وقد علقه بالمشيئة ، ولو كان باطلا كما زعم ضلال هذا الجيل ومنهم صاحب الحصان للزم من هذا نسبة الإقرار للباطل من الصحابة على قول العباس هذا ، بل إنه توسل بقوله هذا ليقنعوا ويسمحوا بدفنه عليه الصلاة والسلام .

والصحابة رضي الله عنهم من أعلم الناس وأعقلهم وأكثرهم حكمة وفطنة في الشرع المنزل ، وما بدر منهم هذا بعاطفة صبيانية جاهلة ولا عقول كليلة حائرة ، بل أرادوا تبين أمر وحقيقته ، أشارت إليه ظواهر بعض النصوص الشرعية والأخبار الإلهية ، وأبى الله جل ثناؤه إلا أن يكون الأمر هذا خفيا عليهم عصيا فيهم إدراكه رحمة بهم وبالأمة تقديرا منه بالحكمة وتيسيرا بالعدل ، فما كان الأمر يعنيهم ولا تأويله بمغنيهم شرعا ، إذ لا تعلق لإرادتهم الشرعية به بأي حال من الأحوال ولذا أخفي عنهم التصريح به إلا من فلتات التورية القريبة من التصريح تارة والبعيدة تارة أخرى ، ومن وصل له من أصحابه إنمـا وصل له بالفهم لبعض ظواهر الآيات في كتاب الله تعالى ، ولا يكون إخفاء هذا الأمر عن هذه الأمة مع التصريح به عند غيرهم إلا لحكم جليلة الله تعالى قدرها في هذه الأمة ، منها أن التأويل لهذا الأمر متعلق بقدرها ومصيرها خلاف من سبقهم ولذا جاء فيهم التصريح به .

       ومن فلتات الحميد أخزاه الله إنكاره خفاء هذا الأمر لو كان حقا على الصحابة ويعلمه اللحيدي كما ورد هذا في أقواله ، وهذا دليل على جهله وتأصيله الباطل في أن هذا لا يمكن أن يكون حقا ، ونسي أنـه لا يلزم الصحابة علم الغيب ولا يقدح فيهم جهل حقيقته ، كما أنه لا يقدح في الشرع الكناية عنه والتورية في حقيقته وهذا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة ، مثل توريته عليه الصلاة والسلام في أول نسائه لحاقا به ، قال : " أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا " قالت عائشة رضي الله عنها : فكن ـ أي نساء النبي ـ يتطاولن أيتهن أطول يدا ، قالت : فكانت أطولنا يدا زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق ( 24 ) .

قال النووي رحمه الله : ظنن أن المراد بطول اليد طول اليد الحقيقية وهي الجارحة فكن يذرعن أيديهن بقصبة فكانت سودة أطولهن جارحة وكانت زينب أطولهن يدا في الصدقة وفعل الخير فماتت زينب أولهن ، فعلموا أن المراد طـول اليد في الصدقة والجود  ( 25 )  .

أما علم اللحيدي بهذا وغيره مما انفرد به فليس مرجعه لزيادة علم وذكاء أو ما شابه وإنما مرد ذلك لفضل الله وحده حين أدرك الناس التأويل وحان تحقق مخبوءات التنزيل اختار الله عز وجل عبده بعدله وعلمه ورحمته ، فوفقه وسدده وألهمه معرفة ذلك بلطف عجيب وتدبير عظيم لا يوصف يقلبني فيه ليلا ونهارا ، ولو خليت لنفسي الضعيفة لفررت منه فرار أبي حصان وأكثر ، إلا أن لله قدرة وقضاء لا يرد فأنزل عليّ ما أنزل على غيري من موجبات تحقق صدقه وصدق أخبار رسله وإن أبى الحميد ذلك وكـل منافقي الأرض ، فأمر الله نافذ وكلماته كلها صادقة .

       الحاصل أن الخلاف الذي وقع بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في وفاته ذاك الخطب العظيم في وقته ، ولا يستهين بهذا الخلاف وينسبه إلى الضلال والكفر إلا من هو مقارب لإبليس في كفره وضلاله في اعتراضه على الله جل ثناؤه أن يفعل ما يشاء ويدبر كيفما يريد سبحانه ويختار .

والعجيب أن الحميد الملعون يزعم عليّ أني أدعي كل شيء لأمري وأتأول كل شيء عليه ، ولو تيقن هذا اللئيم أن وراءه من يقرأ ويفهم ويتتبع الأمور فاحصا مسترشدا لما جرأ على كذبه عليّ خشية الفضيحة ، وإلا فالإنجيل الصحيح ورد فيه التصريح بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الزمان ، فهل أنا من وضع الإنجيل على عيسى برأي أبي حصان ، إنه الحق يا أوباش إن كنتم بشرا تعقلون وما أظنكم إلا من أحلام بني آدم صفراً ، دواب في صورة البشر .

هذا وفي ثبوت ما نقلت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  في هذه الآيات ما ينفي كذب الحميد عليّ وزعمه أن الصحابة تكلموا في معانيها وأتوا بأقوال لم أذكرها ، وهو بهذا كاذب عليّ و على الصحابة أيضا إذ أنهم تكلموا بما قلته وزعموا ما قررته بكتابي ، وكل من قال أنهم رجعوا عن قولهم ذاك فهو كاذب على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف بمن ينفي أصلا أنهم قالوا ما قلته ، كالحميد هذا اللعين فلا شك أن هذا هو شيخ الكذابين وإمام المفترين في عصره .    

ثانيا : قوله تعالى : ﴿ وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمهـا رسولا ﴾  (26 )   في جملة الآيات السالفة التي ساقها الحميد زاعما أني قلت فيها على غير أقوال السلف ، وقوله فيها من جنس أقواله السابقة واللاحقة أكاذيب وجهالات وتلبيسات يموّه بها على الجهال من حوله يتظاهر بها أنه على شيء وهو أضل من حمار وأروغ من ثعلب ، وما أوردت أنا هذه الآية إلا فرعا على أصل تقرر في جميع كتبي ، والحميد قبحه الله تعالى وعى هذا الأصل جيدا حتى قال فيه قوله : ولذلك بدأت فيه لأنه الأساس المنهار الذي بنى عليه بنائه لينهد ويسقط بنيانه من أساسه وأركانه حيث ادعى أن المهدي رسول الله اهـ  ( 27 )   .

وقال في موضع آخر من رده : اعتقاد رسول الله بعد محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين كفر ، والمهدي الحق يتبرأ ممن يدّعي إرسال رسول بعد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ويكفره !! اهـ  ( 28 )  .

هذا قوله في الأصل العظيم في هذه الدعوة الذي سيرديه في هذه الدنيا في عار الجهالة والضلالة ومن ثم يهوي به في جهنم وبئس المصير إن شاء الله تعالى ، إذ عمد وأطلق حكم التكفير على خبر نص عليه المولى عز وجل ورسوله الكريم كما سبق وبينت ، وقد عميت بصيرة الحميد وتهور في إطلاق هذا الحكم ، وكذب ورب الكعبة في زعمه أن المهدي على معتقده في هذا ، بل لعنه الله تعالى رد على المهدي تصديقه في هـذا وكفَّره به وجحد عليه براهينه وآيات صدقه ، وسأرى غدا بحول الله تعالى من يجرؤ ويخرج الحميد الضال مما أوقع به نفسه وليستنجد بمن شاء من ضلال الحنابلة وغيرهم على السواء ونرى من أكثرنا حجة ونور مبين ، ووالذي نفسي بيده ما زاد الحميد الحق إلا جلاء وقوة ، والبيّنة إلاّ ظهورا ورفعة ، وقد ألزم نفسه وغيره وهو لا يشعر بالإقرار بتحقق الإرسال بعد النبي صلى الله عليه وسلم الذي يلزم منه تلقي الوحي وتحقق تأويل آيات سورة الدخان ، أو أن يصر ويجحد ذلك ويعاند في الإكفار ولا يقر له حينها بذلك من في قلبه مثقال حبة من إيمان ، إذ أن تكفير الرسول هو الكفر بعينه ، وما أخبر بالبعث والإرسال للمهدي إلاّ هو عليه صلوات الله وسلامه .

       أما إذا عاد الحميد وأصاب الرشد وتاب لربه من مغبة ما رمى نفسه به فحينها يعرف أني ما أوردت هذه الآية إلا على صحة بعث المهدي وإرساله آخر الزمان ، وقد عُرف من سنة الله تعالى أنه ما يعذب القرى التي قضى عليها العذاب إلا بعد إرسال الرسول ، فإن صح إرسال المهدي جاز أن يكون تأويل الآية هذه في عصره ، وأما إن لم يصح جواز إرساله آخر الزمان فلا ، فيعود الكلام على الآية على وفق ما يتحصل في الاعتقاد في إرسال المهدي نفيا وثبوتا .

وأنا كما قلت ما سقت تلك الآية إلاّ على وفق ذاك الأصل العظيم ، فحاد الحميد ووهم أنه هدّ ذاك الأصل فطمئن نفسه وهو ظالم لها أن كل ما بني على ذاك الأصل منهد بالتبعية والحق أن ضلال الحميد هو الذي انهد على رأسه وما عاد إلاّ بتكفير نبي الله صلى الله عليه وسلم ويكفي هذا كل مسلم لمعرفة مدى ضلال هذا الرجل وتهوره بالدين والأحكام .

وأقول هنا للحميد : لقد اتهمتني ظلما وبهتانا أني أصرف كل شيء على أمري وقد وهمت كثيرا في هذا أبا حصان ، فكما أن الإنجيل الصحيح جاء مصرحا بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الزمان ولا يمكنني عند كل عاقل أن أتّهم أني طوعت الإنجيل قسرا على هذا إذ أنه طبع ونشر بالعربية في السنة التي ولدت فيها ، إلاّ أن تقول أني من ساعة ما ولدت لففت عليّ إزاري وسارعت بطبعه ، هذه واحدة والثانية أن القرية التي بعثت فيها هي أم القرى فعلا يا الحميد وما عليك إلاّ مراجعة التاريخ لتحصّل علما نافعا بدلا من جهلك المطبق والعياذ بالله فالله تعالى يقول : ﴿ وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا . كان ذلك في الكتاب مسطورا ﴾  (29)  والقبلية  في هذه الآية صريحة فأين الرسول وأين القيامة يا الحميد والله جعل من سنته التي لا تتبدل إرسال الرسول قبل العذاب .

وقد سبق وأن أوردت هذا الإلـزام والإشهاد في كتابي الكبير (30)  على صحة اعتقاد إرسال المهدي آخر الزمان ولم يجب الحميد بجواب علمي عليه وإنما حاد وراغ عن أن يناقش هذا نقاشا علميا واقتصر على النفي المجرد والتستر وراء دعواه عدم قول الصحابة في معناها مثل قولي وهذا جهل منه ، فتأصيلي وتفصيلي مرده لعلم الله تعالى وفتحه لا لعلم الصحابة وغيرهم ولو كان الحميد على علم ورشاد لناقش قولي نقاشا علميا بدلا من دعواه الكاذبة وجهالاته الفارغة .

وبالعودة إلى الكلام على ما بدأ به قبل تفصيلا لآيات سورة  الدخان أقول : قد خبأ الله عز وجل العلم بتأويلها لصاحب الشأن تقديرا منه وحكمة وعلامة على تعيينه إذ وفّق لفهم معانيها وإدراك مراميها ونصر على إيمانه بها وتصديقه لتأويلها ، وقوله تعالى في سياق الآيات : ﴿  أنّى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ﴾ هو في سياق الخبر حكاية عن لسان حال هؤلاء القوم المعنيين الذين يقع لهم تفاصيل ما ورد في تلك الآيات ، ولا يمكن بحال حمل الخطاب إلاّ على التعيين سواء بسواء في ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أو هؤلاء ، والحميد هنا أتى بهذيانه رادا لإبطال ما ذكرت في تأويل سورة الدخان على هؤلاء بقوله : ﴿  يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة ﴾  ( 31 )   فخاطبهم سبحانه بقوله : ﴿ فقد سألوا موسى أكبر ﴾ فإذا قيل يفهم من السياق أو المعنى العام أن المراد أوائلهم الذين عاصروا موسى . قيل : كذلك الرسول المذكور في آيات سورة الدخان إنما جاء أسلافهم وهم تبع لهم ، والذين أخذتهم الصاعقة وهم ينظرون هم الأسلاف ولم يمنع مجيء الخطاب لهؤلاء هكذا ولا أنكروه اهـ  ( 32 )  . 

لأنه خطاب للجنس وهم اليهود في سياق أخبارهم السالفة فكيف ينكرونه وهو لم ينسبه لذواتهم الحية المعاصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا من الحميد خليط من الهذيان مقصوده التلبيس على صدق تحقق التأويل عامله الله بما يستحق ، وقد خابت أمـة يروج عليها مثل كلام الحميد هذا وقـد اجتهد قبحه الله تعالى تجنيدا من إبليس اللعين وُسْعَه ليبطل القول بتحقق تأويل آيات سـورة الدخان وأتى بعجائب  ( 33 )   مثل قوله على قوله تعالى : ﴿ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ﴾ لا يلزم منها وجود النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان كذلك للزم أن يكون صلى الله عليه وسلم رأى أصحاب الفيل حيث قال تعالى : ﴿ ألم ترَ كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ﴾  ( 34 ) فجعل ﴿ فارتقب ﴾ هناك بمنزلة ﴿ ترَ ﴾ هنا. ومثله قوله في قوله تعالى : ﴿ ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتـم ظالمون ﴾  ( 35 )  مثل ذكر مجيء الرسول في آيـة سورة الدخـان حيث بين بني إسرائيل وبـين نبيهم موسى القرون الطويلة ومـا منع ذلك من خطابهم بهـذه الصيغة اهـ  ( 36 ) .  هذا هو التفسير المنطقي المعقول الذي هو أبعد شيء عن الأفهام الفاسدة والتفسير بالرأي والهوى كما اتهمني بذلك الحميد كله ، والحق أنه لعنه الله تعالى عبث بتفسير آيات الله تعالى بفهم فاسد ورأي كاسد وهوى متبعا ، وملعون كل من يقبل سمعه هذا التفسير ولا تشمئز نفسه وتنفر فطرته ، وهذا الحميد مثال سيئ على ما بلغه أدعياء العلم والمشيخة ، ويعد إقرارهم لقوله هذا في القرآن أكبر عار على رؤوسهم إلى يوم الدين .      أما هذا الخاسر الذي تعد معارضته من أكبر المكاسب للدعوة المهدية ولو انطلت زيوفه على كل حائر بائر ، وخامل جاهل ، إذ أورد في رده من تهافت الجهالات ما لا يقبله أهل المعقولات الذين حباهم الله تعالى بالأفهام السليمة والعقول الحكيمة من مثل إمام الأئمة رحمه الله تعالى حين فسر قوله تعالى : ﴿ وإذ قلتم  يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله  جهرة ﴾ ( 37 )  .  قـال : الخطاب لجنس بني إسرائيل ، وإن كان الذين عاينوا ذلك ماتوا ( 38 )  .قلت : ومن أنزل الخطاب في سورة الدخان منزلة الخطاب لجنس بني إسرائيل في هذه الآية فهو من أضل البشر وأكثرهم جهلا في كتاب الله تعالى وخطابه للناس ، والحميد جاء لرد الدعوة المهدية بأقوال يستحي من ذكرها في كتاب الله عز وجل من له أدنى مسكة من عقل ، ولولا ذهاب العلم وأنصار كتاب الله تعالى لضرب على أقواله بالجريد والنعال في طرقات بريدة ولم يقر على ذلك ، والمانع لصحة قوله هذا محذوران لا ينسبهما لجنس أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلاّ زنديق حاقد ، وهما التولي والاتهام بالجنون كما ورد بنص آيات سورة الدخان ، ومع أنه لا يمكن صحة هذا القول بحال ولا يمكن لا لزنديق ولا لغيره تصديق إمكانية تحققه إلا أن الحميد قال به ولم يع لوازمه فهل مـر عليكم بالله عليكم مثل الحميد غباء وتياسة ، ولمن يتوهم أني أبالغ عليه ليقرأ هـذا من قوله في قوله تعالى عن تخاطب ملائكـة الرحمن لأهل النار : ﴿ سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير . قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا ﴾   ( 39 )  .قال : فأجابوا بـ( جاءنا ) مع أن القليل هم الذين عاصروا الرسل منهم وأكثر الكفار لم يعاصروهم ولم يروهم لكن دعتهم ورثة الرسل !! بدعوة الرسل فكان هذا معنى مجيء الرسل إليهم !! اهـ  ( 40 ) .  وكذلك الرسول المذكور في سورة الدخان إنما جاء أسلافهم وهم تبع لهم  ( 41 )  . ويقول سفيق الوجه : فذكر الرسـول في آية سـورة الدخان لم يشكل على أحد فهم المراد منها وأن هذا الخطاب تخاطب به عموم الأمة الذين سمعوا الرسول والذين جاؤوا بعد موته إلى يوم القيامة ( 42 )  . فادّعى هذا الضال أن هذا التفسير ليس مشكل ، أما أنا فقولي في فهم النصوص على مقتضى ادّعائي وأني لا ألوي على شيء غير مرادي . مع قوله في موضع آخر الآتي ردا على إلزامي أن من قال من الصحابة أن تأويلها آخر الزمان فعليه اعتقاد وجود رسول صلى الله عليه وسلم  آخر الزمان ، قال : هذا إلزام باطل فنحن نقول في هذا الزمان : جاءنا رسول وأتانا رسول ، ويقول من قبلنا من الأمة ، كذلك من بعدنا إلى يوم القيامة اهـ  (43 ) .انظروا كيف جعله خطاب عام لجنس الأمة وأني لم أفتر عليه ، فانظروا وتحسروا على أمة يفرح بها بهذا الكلام في وجه التأويل الحق الذي ارتضاه الرحمن عز وجل وهو حققه بنفسه سبحانه . ووالله لم أبالغ أيضا حين قلت عنه : عجيبة الدهر ، كيف لا وقد نسب لجنس الأمة توليها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتهمة له بالجنون وهذه الأخيرة كفر أكبر ممن قالها في رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وحري  بمن لا يعي لوازم ادّعائه وأقواله في كتاب الله تعالى وهي عائدة عليه وعلى الأمة بالتكفير أن يكون قد رفع عنه القلم .        والعجيب أن أصحابي وجدوا منه إصرارا على عجيبته هذه حين تعالم عليهم وتظاهر أمام رفقائه أنه على شيء من العلم وهو يقرأ مسودة رده عليّ ، فأوقفه أحدهم وقال لا يمكن حمل الخطاب هنا على الجنس يمنعه ذكر الله تعالى أنهم تولّوا عنه وقالوا معلَّم مجنون ، فقال : معناه تولوا عن سنته !! . وجعل مثل هذا جائز في جنس الأمة من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة أيضا من أبطل الباطل كما هو ظاهر فالكثير والكثير في هذه الأمة تولوا عن سنته ، ومع هذا من الظلم إنزال الخطاب عليهم لأنه لا يلزم من التولي عن السنة اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم  بالجنون ، والأمر بيّن البطلان حتى أنه لا يستحق الرد على الحقيقة لولا اغترار بعضهم بهذا الحميد وعدّه من أهل العلم والمعرفة بالشرع وهو أجهل من حصانه .       وكل ما أتى به الحميد وتقوله على كتاب الله تعالى ردا لما جاء في سورة الدخان باطل وجهل وهو من القول في القرآن بالرأي ، مثل قوله أيضا على آية سورة الفيل : ﴿ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ﴾  فجعل ( ترَ ) هنا بمنزلة ( فارتقب ) في سورة الدخان ليتوصل إلى عدم اشتراط وجود الرسول في زمن الدخان ويعني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وهذا من التدليس والتلبيس على كتاب الله عز وجل ، ولا يجعل الخطابين هنا مخرجهما واحد إلا ضال جاهل لا يستحيي أنه جاهل فيتجاسر على أن ينشر جهله في كل الأمـة ، وقوله تعالى هنا : ﴿ ألم  تر﴾ بمنزلة قوله : ﴿ وترى الناس سكارى ﴾  ( 44 ) . وقوله : ﴿ وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ﴾  ( 45 )والمراد في كل ذلك العلم لا الرؤية الحسية ، على عكس ما ورد في سورة الدخان فالرؤية هناك حسية والآية خبرية ، ولو لم يكن الأمـر على هذا النحو لما صح طلب الترقب وامتنع تحقيقه ، والخطاب إنما توجه للمهدي المدرك للآية وليمت الحميد بغيظه وإنكاره فهو ليس على طريقة أهل العلم في فهم كتاب الله تعالى .       قال القرطبي في قوله تعالى : ﴿ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ﴾ أي ألم تخبر . وقيل ألم تعلم . وقـال ابن عباس : ألم تسمع ؟ واللفظ استفهام ، والمعنى تقرير . والخطاب للنبي ولكنه عام ، أي ألم تروا ما فعلت بأصحاب الفيل ، أي قد رأيتم ذلك ، وعرفتم موضع منتي عليكم ، فما لكم لا تؤمنون اهـ ( 46 )وقال في قوله تعالى : ﴿ وترى الشمس ﴾ أنك لو رأيتهم لرأيتهم كذا ، لا أن المخاطب رآهم على التحقيق ( 47 )ومن جهله كذلك زعمه في قوله تعالى : ﴿ يا معشر الجن والإنس ألم يأتكـم رسـل منكـم يتلون عليكـم آياتي وينذرونكم لقاء يـومكـم هــذا ﴾  ( 48 )  . فجعل ﴿  يأتكم ﴾ بمنزلة ﴿ وقد جـاءهم رسـول مبين ﴾  ( 49 ) تلبيسا وتدليسا ولا يخادع إلا نفسه بهذا الجهل وطغمته الضالة من حوله ، ومن له أدنى بصيرة في فهم كتاب الله تعالى يعرف أن هذا ضلال مبين وتقول على كتاب الله عظيم ، فقوله في هذه الآيات : ﴿ وينذرونكم لقاء يومكم هذا ﴾ أي يوم القيامة ولذا أتى باسم الإشارة هذا ويريد يوم القيامة زمن هذا الخطاب ، وهذا ليس من جنس الخطاب في آيات سورة الدخان ، فهنا خبر لم يأتِ بعد ، وهناك خبر عما مضى وهو من جنس الخطاب في ذكر ما وقع من بني إسرائيل عما مضى التي أوردها الحميد كما ذكرته عنه سابقا ، وما أوردها إلا تمويها على الجهّال وتحريفا لكتاب الله عز وجل ، وما الأمر إلاّ ما ذكرت تلبيس جندي من جنود إبليس اللعين تحريفا لوعد الله وأخبار رسله . قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : اسم الإشارة هذا ، وهؤلاء ، وأولئك ، إنما يدل في كل موضع على المشار إليه هناك ، فلابد من دلالة حالية أو لفظية تبين أن المشار إليه غير لفظ الإشارة ، فتلك الدلالة لا يحصل المقصود إلا بها وبلفظ الإشارة ، كما أن لام التعريف لا يحصل المقصود إلا بها وبالمعهود ، ومثل هذه الدلالة لا يقال : إنها مجاز ، وإلا لزم أن تكون دلالة أسماء الإشارة بل والضمائر ولام العهد وغير ذلك مجازا ، وهذا لا يقوله عاقل !! ، وإن قاله جاهل !! دل على أنه لا يعرف دلالة الألفاظ !! ، وظن أن الحقائق تدل بدون هذه الأمور التي لابد منها في دلالة اللفظ اهـ  ( 50 ) .ويبقى الحميد مهما لبس تعييه كلمة : ﴿ تولوا عنه ﴾ الواردة في آية سورة الدخان ، وزعمه أن التولي هنا هو التولي عن سنته ، أنا أقطع بأنه لم يقتنع بها ولذا لم يوردها في رده سترا على نفسه ولا يمكن كما قلت سابقا إلا أن تحمل هذه الكلمات على التعيين المعاصر ولا يعقل اعتبار التولي نص عام لعموم الأمة من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى قيام الساعة كما هو لازم اعتقاد الحميد في تلك الآيات لقوله : هذا الخطاب تخاطب به عموم الأمة الذين سمعوا الرسول والذين جاءوا بعد موته إلى يوم القيامة اهـ  ( 51 ) . ولا يفيده إبطال لازم قوله زعمه عدم اللازم في ذلك حين قال فـرارا منه : لا يلزم منها ـ أي الآيات ـ وجود النبي صلى الله عليه وسلم  اهـ  ( 52 )  .  فهذا مشتهاه خيب الله تعالى مسعاه ، وهيهات في إدراك العقلاء أن يفيده هذا النفي . ويقال أيضا هنا لهذا الأبله : من تولى على ظاهر تلك الآيات وقال عنه مجنون ؟ أجب لعنك الله وأخـزاك يا كاذب على كتاب ربنا ، فإن قلت : هم كفار قريش ، قلنا : عاد القول في تأويل الآيات لاختيار ابن مسعود وهو ضعيف مخالف لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن الدخان آخر الزمان ، ولم يبقَ للحميد أبي حصان إلاّ اختياري وهو يفر منه فرار الحمر المستنفرة كما هو ثابت عنه في رده عليّ ، وليخبرني كل عاقل منصف الآن ماذا بقي له في تعيين التولي ، لا شك إنه لم يبق له إلا ما قررته من لازم اعتقاده في ذلك ، وهو الاعتقاد المكتنز في تلك المخيلة المبعرة فليخرجه الحميد ، فليخرجه الحميد ، لتصك نتانته أقصى الدنيا ، وهذا من أوائل مكنوزات حنابلة السوء التي أسأل الله بحوله وقدرته أن يعينني على إخراجها لكل الناس واحدة واحدة ، والحميد من الذين لهم مكنوزات كثيرة !! منها حكم ولاة جزيرته في معتقده ، وحكم الاعتزال الصحيح في مجتمعه ، وهذا مما أعرض عن ذكره وضرب صفحا عن جرحه أو مدحه ولا أدري شغل عن بيان أمره أم له خبيئة سوء فخشي كشف عواره .      ومما يقال له هنا أيضا : مـا قولك في قوله تعالى عن بني  إسرائيل  :  ﴿  فإذا جاء وعد الآخرة ليسئُوا وجوهكم ﴾ ( 53 ) . فهل هو مجيء ماض أو آت ، فإن اختار أنه مما لم يقع على خلاف تفسير من قال هذا  حصل بعد زمـان يحيى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم  ( 54 )  , فيقال له عندها : على أصولك في التفسير كيف يستقيم إثبات أنه خبر آت ، فما يقرر هنا ، يقرر في آيات سورة الدخان ، ففي كل منهما وعد بالمجيء وخطاب الله واحد في كليهما . فإن قال : هذا ورد فيه التصريح بذكر الآخرة ، قيل له : وفي آيات سورة الدخان التصريح آكد ، فالدخان من أمر الآخرة .وهكذا تعرف أخي المؤمن سوء حال الحميد وأنه شديد الخبط واهن الضبط لأصوله في الاعتقاد ومع هذا يروم إبطال الأساس الذي بنيت عليه بنائي كما زعم فعمد على ضعفه البيّن لهدّه فأعياه كما هو ظاهر أصل من أصول الدعوة المهدية ، فكيف إذاً يكون الحال بجميع أصول الدعوة المهدية وفروعها وشواهدها وما استأنست به من قرائن التصديق ومؤتلفات الموافقات ، فمن رام هدّ هذا الأمر الجلل العظيم فحري به أن يكون أعجز من الحميد وأوهن ، وأما الحميد هذا فهو صاحب أحوال عالية غرفته خالية ، نظرته فإذا هو أبي العجب ، والحـق لا يرده حق ، ومن طلب إبطال الحق لا محالة سيركب الضلالة . ومن أجل إبطال ضلاله وكشف عواره لكل مؤمن يخشى الله تعالى ويرجو رضوانه أتيت بالفصول التالية على بيان مدى جهله وجوره في الباطل وإصراره ، ما يعرف به كل من له أدنى فطنة وأثقل فكرة فضلا عن الحكيم الحليم أني لم أظلم الحميد في حكمي عليه وردي الشديد على ما جاء فيه ، ولو لم يكن من أقواله التي أتى بها وأحدثها إلا قوله بكفر من اعتقد إرسال المهدي وبعثه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكفى في بيان مدى شدة ضلاله وزيغه عن الحق وروغانه ، إذ أن هذا الحكم عائد على الصحيح على من أخبر بذاك الإرسال والبعث وهو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم  لا أنا . 

 

---------------

( 1 ) رواه البخاري عن أبي سعيد في الاعتصام . وعن عبادة قال : إنما هي السنن تتبع بعضها بعضا ، إنه والله ما من شيء فيمن كان قبلكم إلا وسيكون فيكم . وعن ابن مسعود : أنتم أشبه الناس سمتا وهيئة ببني إسرائيل تتبعون آثارهم حذو القذة بالقذة حتى لا يكون  فيهم شيء إلا كان فيكم مثله . وعن عبدالله بن عمرو : لتركبن سنة من قبلكم حلوها ومرها . رواها محمد بن نصر المروزي في السنة .

* ذهب إلى هذا جمهرة من السفهاء وفي عدادهم جهيمان العتيبي وحزبه .

( 2 ) سورة الدخان ( 13ـ 14 ) . 

( 3 )  رد الحميد على الدعوة المهدية  (18) .

( 4 ) سورة العنكبوت (39) .

( 5 )  رواه أبو داود في سننه .

( 6 )   أخرجه الحاكم في المستدرك مطولا وصححه ، وأنكر الذهبي تصحيحه . وروي من غير وجه على سبيل الاختصار عند عبدالرزاق والترمذي وابن ماجة ونعيم والطبراني في الأوسط .

( 7 ) أخرجه البيهقي في البعث والنشور (ص212) وأبو عمر الداني في سننه ( 5/1034) وذكره ابن كثير في التاريخ بقوله إسناده صحيح وهو موقوف .

( 8 ) سورة الجمعة (2) .

( 9 ) ( ص23 ) . 

( 10 ) الجواب الصحيح (5/338) .

( 11 ) سورة الملك (9) .

( 12) سورة الدخان (13) .

( 13 ) رد الحميد (34) .

( 14 ) سورة النساء (41) .

( 15 ) سورة النحل (88) .

(16 ) سورة القصص (59) .

( 17 ) الطبقات لإبن سعد (2/271) .

( 18 ) ذكره في فتح الباري (8/146) .

( 19 ) سورة البقرة (143) .

( 20 ) السيرة لإبن هشام (4/286) .

( 21 ) رواه البخاري وابن سعد والبيهقي في الاعتقاد (348) .

( 22 ) رواه الدارمي ( 1/39) وابن سعد .

( 23 ) رواه البخاري وغيره .

( 24 ) متفق عليه إلا أن رواية البخاري فيها خطأ .

( 25 ) شرح مسلم للنووي ( 15/241) .

(26 ) سورة القصص (59) .

( 27 ) رد الحميد ( 18) .

( 28 ) رد الحميد (32).

( 29 ) سورة الإسراء ( 58 ) .

( 30 ) وجوب الاعتزال (1/81) .

( 31 ) سورة النساء ( 153) .

( 32 ) رد الحميد (20) . 

( 33 ) رد الحميد (35) .

( 34 ) سورة الفيل (1) .

( 35 ) سورة البقرة (92) .

( 36 ) رد الحميد (32). 

( 37 ) سورة البقرة (50) .

( 38 ) الجواب الصحيح (6/386) .

( 39 ) سورة تبارك (8) .

( 40 ) رد الحميد (9) .

( 41 ) رد الحميد (20) .

( 42 ) رد الحميد (21) .

( 43 ) رد الحميد (27) .

( 44 ) سورة الحج (2) .

( 45 ) سورة الكهف (17) .

( 46 ) التفسير (10/178) .

( 47 ) التفسير (5/ 368) .

( 48 ) سورة الأنعام (130) .

( 49 ) رد الحميد ( 28) . 

( 50 ) مجموعة الفتاوى (10/433) .

( 51 ) رد الحميد (21) .

( 52 ) رد الحميد (35) .

( 53 ) سورة الإسراء (7) .

( 54 ) هو اختيار ابن تيمية ، وهو خطأ والصحيح أن القضاء في هذا الأمر على بني إسرائيل بالمرتين مضت منه واحدة والأخرى هي الحاصلة الآن ونحن على وشك الدخول للمسجد الأقصى كما وعد الله عز وجل . وقد وقع الكثير باللبس من عدم إدراك مرجع الضمير في (  كما دخلوه أول مرة ) فمن رده إلى دخول نبوخذ نصّر بعد نبي الله سليمان وقع له اللبس ، وإنما الضمير يعود إلى دخول  عمر رضي الله عنه ، وعلى هذا يكون الدخولين للمسجد الأقصى من أمة محمد ، وأما الإفساد ين ، فالأول وقع بعد سليمان  عليه السلام والآخر هو ماثل الآن أمامنا . ولا لبس من الضمير في قوله تعالى ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم ) فالمراد به جنس العرب .

---------

 

 

مواضيع المقدمة

نزاع أمـراء السوء وحنابلة السفه مـع المهدي حتمي  كنزاع قراء اليهود مع المسيح عليه السلام
مـن ظـن أن المهدي سيقبل بـه هـؤلاء ولـن يبتلوا  بتصديق أمره فهو مخطئ
عرض الدعوة المهدية على قراء جزيرة العرب 
قـراء الجزيرة خيبوا رجـاء المهدي قبول دعوته, بل رفضوها وعادوها
أول مـن صنف في معارضة دعـوة المهدي أبو حصان عبد الكريم الحميد
الحميد يركب الحصان ويحرم الكهرباء. 
الحميـد يجعل فناء الحضـارة شـرطا لتحقق خـروج المهدي ومثله جهيمان
قبل عشر سنين ابتداء تعليم الله للمهدي.
أسف المهدي لعدم معارضة دعوته من رجل رشيد 
عيسى كان شديد المنازعة لقراء اليهود 
المهدي يتوعد أن يحـذو حـذو عيسى في الشدة على منافقي القراء في وقته
كتاب الحميد مليء بالجهالات
الحميد يكذب قول المهدي في تأويل سورة الدخان
الحميد ينزل الخبر في سـورة الدخـان  منزلة الأخبار  الماضية , كأخبار بني إسرائيل وغيرهم
قوله في تأويل سورة الدخان هذيان لم يسبقه إليه أحد .
الحميد يكفر المهدي!!
لا يمكن للحميد أن يأتـي عـن الصحابة في تأويل آيات سورة الدخان أن المراد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد إلا ابن مسعود وقوله ضعيف
الحميد كفر لقوله بكفر قول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم
النص في إرسال المهدي ثابت عن الله ورسوله
الإكفار باعتقاد إرسال المهدي ورطة وقع بها الحميد
البعث والإرسال معناهما واحد
القول بكفر معتقد إرسـال المهدي مبناه على تكذيب الله    ورسوله
ابن كثير يرد قـول ابن مسعود في تأويل آيات سـورة  الدخان
الراجح أن اعتقاد ابن تيمية مثل اعتقاد تلميذه ابن كثير في تأويل الآيات
الحميد لا يفرق بين صيغة الخطاب في سـورة  الدخان وهي خبر آتِ وبين صيغة القصص فـي القرآن وهـي ذكر ما مضى
هذا الكتاب لنصرة أتباع المهدي حتى لا يظن  أنهم على   جهل , ولولا هذا ما استحق الحميد الرد
كل من خالف ابن مسعود في تأويل آيات سورة الدخان ،    عندهم أن تأويلها آخر الزمان
الحميد يكـذب في زعمه أن الصحـابة قالـوا بقوله في تأويل سورة الدخان
الحميـد يكذب في زعمه أن الصحـابة لم يقولوا بقول المهدي في إشهاد رسول الله أنه في الدنيا وأنه لم يقع  بعد
الله تعالى لم يجعل عز القـرآن والدين للمشايخ وقراء آخر الزمان
المشايخ والقراء المنافقين هم من ألد أعداء المهدي
أكثر الصحابة كانوا يقولون رسول الله لم يمت
الحميد يكذب في زعمه أن إشهاد رسول الله لا يكون إلا يوم القيامة
أصرح ما جاء في عودة رسول الله قول العباس
قول العباس في عودة رسول الله وإقرار الصحابة لقوله من أقوى الأدلة على عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم
رسـول الله كان يوري في بعض أمور الغيب ومن ذلك  عودته
لا يستهين بالقـول بعـودة رسول الله وينسبه للكفر إلا كافـرا كفرا ككفر إبليس حين اعتـرض على أفعال الله تعالى وتقديراته
من  الآيات التي في ذكر المهدي والحميد يجحد ذلك آية    سورة القصص
أدرك الحميد أن القول بإرسال  المهدي هـو أصـل في دعوته وعليه قـال بكفره , ونسي أن رسـول الله قال ببعث المهدي , وتعامى الحميد عن معنى البعث 
كل ما قاله المهدي في تأويل آيات من القرآن على أمره  هو فرع على أن آيات سورة الدخان في ذكره
دحض كذبـة الحميد أن المهدي يصرف كل شيء على دعواه
إلزام أدعياء العلم بالإقـرار أن العذاب آخـر الزمان من  سنة الله تعالى إرسـال رسـول قبله, فناسب أن يكون المرسل قبله المهدي
الحميد يحيد عن مناقشة إلزام المهدي خصومه أن مـن السنة إرسال رسول قبل عذاب يوم القيامة 
علم المهدي مرده لتوفيق الله تعالى وإلهامه بذلك
تفصيل أمـر المهدي وتحقق تأويـل مـرده لله لا لعلم  الصحابة ولا غيرهم
خبأ الله إدراك تأويل آيات سـورة الدخان للمهدي تقديرا منه بالحكمة وفتحا في إدراك ذاته أنها المعنية
من تخاريف الحميد في آيات الكتاب العزيز
الحميـد مثال سيئ لأدعياء العلم والمشيخة في عصـر  المهدي , إقـرارهم لقوله في التأويل يبقى عـار على  رؤوسهم إلى يوم الدين
معارضة الحميد للدعوة المهدية تعد من أكبر المكاسب لظهور حججها أقوى وأقوى 
مـن أنزل الخطاب في آيات سـورة الدخـان عما يأتي كالخطاب لجنس بني إسرائيل عما مضـى كالحميد يعد من أضل البشر وأكثرهم جهلا في إدراك خطاب المولى   للناس 
يمنع ضلال قول الحميد في سورة الدخان حتمية التعيين في التولي والاتهام بالجنون
كذب الحميد في دعوى أن آيات سورة الدخـان تأويلها آخر الزمان إلا أنه لا يلزم من ذلك وجود الرسول
من تخاريف الحميد في آيات الكتاب العزيز
الدليل مـن كلام الحميد على أنه أنزل خطاب الله تعالى  في آيات  الدخان على الجنس في الأمة من غير اعتبار إخبار المـولى للتولي والتهمة للرسـول بالجنون من  المخبر عن حالهم
مـن ضـلال الحميد عـده قول الله تعالى ﴿ ألم تر ﴾ في  سورة الفيل مثل قوله في سورة الدخان ﴿ فارتقب ﴾ !
دحض قوله في آية سورة الفيل
مـن ضلال الحميد زعمه خطاب الله تعالى للإنس والجن  يوم القيامة من جنس الخطاب في آيات سورة الدخان.
زعـم الحميد لتلاميذ المهدي أن معنى التولي : التولي  عن سنته . لم يقتنع به ولذا لم يورده في كتابه , بل لم  يبالي بالاستدراك عليه به !!
الحميد الضـال مهما لبس تعييه كلمـة ﴿ تولوا عنه ﴾  الواردة في آيات سورة الدخان
مما لا يعـرف : اعتقاد الحميد في حكم ولاة جزيرته ,  وحكم الاعتزال الذي أمر به رسول الله آخر الزمان عند  حلول الفتن
إلـزام المهدي للحميد على فسـاد قـوله استدلالا بآية  سورة الإسراء
رد قـول ابن تيمية في قضاء الآخرة على بني إسرائيل  بالخزي والطرد أنه مما فات
لو لم يكن مـن أقوال واعتقادات الحميد إلا تكفيره لمن اعتقد إرسـال المهدي لكفى في معـرفة وتيقن شـدة  ضلاله وزيغه