فصــل(3)

 

وإلى أن يستطيع زمرة أدعياء العلم وأتباعهم الإجابة على هذين السؤالين ولن يستطيعا وما زلنا بالانتظار !! ، أزيد هنا على ما سبق بما يلي :

 

قال تعالى : ﴿ فإمـا نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون ﴾ . عدَّ ابن الوزير اليماني رحمه الله في كتابه القيم ـ إيثار الحق على الخلق ـ هذه الآية في مراتب التفسير فيما يرجع منه إلى الدراية ، داخل في المرتبة الثانية عنده وهي تفسير القرآن بالقرآن ، قال : وذلك حيث يتكرر في كتاب الله تعالى ذكر الشيء ويكون بعض الآيات أكثر بيانا وتفصيلا . وذكر في الباب جملة من الآيات منها هذه الآية من سورة غافر الآية (77 ) . ـ إيثار الحق ص 150 ـ

 

قلت : جاء تفسير المراد من هذا الآية في قوله تعالى : ﴿ وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ﴾ فعلقه هنا بالمشيئة وفي موضع آخر قطع بإنجاز هذا التعليق وذلك بقوله عز وجل : ﴿ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ﴾ وهذا بين من كتاب الله تعالى لا يماري فيه بعد بلوغ العلم إلا القوم الظالمين ، فالتفسير هنا لم يؤخذ من رأي أحد بل جاء من الله نفسه سبحانه وتعالى ، وصار بذلك خبرا يجب الإيمان به وتصديق الله فيه ومن كذبه إنما يكذب وعدا من مواعيد المولى عز وجل .

ولما تنازعوا في المعنى المراد من المعاد هنا ولم يجدوا معتمدا لهم في ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم يشدون به أقوالهم التي ذهبوا إليها نظروا لما روي عن الصحابة فوجدوها عن ابن عباس رضي الله عنه على أوجه ، وهي أن المراد بالمعاد هنا :

 

1 / الموت .

2 / مكة .

3 / الجنة .

4 / الكتم ، ( أبى التفسير ) .

 

فهذا ما روي عنه وكلها لم تصح إلا الأخير ، على الرغم من دخولها في المعنى الصحيح في تفسير هذا الآيـة على وفق المذكـور سابقا ، من تفسير القرآن بالقرآن ، وأن معاده عودته آخر الزمان ليريه المولى سبحانه ما وعد أهل الكتاب من إنزال العذاب عليهم وفضحهم وطردهم عن بيت المقدس .

 

فالقول بأنه يرد للموت ، معناه موافق : أي يعود له بعد إنجاز الله تعالى وعده .

 

وأما عودته لمكة ، فهو كذلك يعود للخروج من جديد كما بدأ من مكة ، يبايع بين الركن والمقام !! .

 

وأما الجنة فهذا ضعيف ولم يصح عنه رضي الله عنه ، وكل الأقوال السابقة لم تصح عنه ولم يصح إلا رواية الكتمان ، وهي المعتمدة عندنا لموافقتها لتفسير القرآن بعض آياته ببعض ، وبيان المراد من ذلك .

 

 وكل ما جاء عن ابن عباس جارٍ على هذا الأصل إلا ما كان من القول بأنه للجنة ، فهو على أنه لم يصح عنه من جهة السند ، إلا أنه عند النظر والتفكر قد يصح معناه جوابا لمن يريد التهرب من الإجابة والإفصاح عما يعلم للمصلحة المتوخاة ، وهي حكمة تحديث الناس بما يعقلون حتى لا يكذب الله ورسوله !! .

 

 


(3) نشرت هذه المقالة في منتديات المهدي بتاريخ ( 29/2/1424 هـ الموافق 1/5/2003 ) .