فصــل
﴿ السؤال الثالث (4) ﴾
قال تعالى : ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ . يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ . رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ . أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ . ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ . إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ . يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴾ .
الكل يعرف قول واعتقاد ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير هذه الآيات ، وعده البطشة ما حل بكفار قريش من هزيمة يوم بدر ، وقد روي عنه في الصحيح وغيره أن البطشة مما مضى في جملة أشياء ذكرها ومن ذلك : ( أمر الروم ، انشقاق القمر ، اللزام ) .
وكان رضي الله عنه يستظهر أن الدخان والبطشة مما مضى بقوله : وهل يكشف عذاب الآخرة إذا وقع ؟! . روي في الصحيحين وغيرهما .
والسؤال الآن : هل البطشة المذكورة في هذه الآيات من انتقام الله تعالى وعذابه الشديد ؟! ، أم هي كسائر المصائب والعقوبات التي تحل بالناس منذ بدأ الخليقة لا خصوص لها عن غيرها حتى تميز بانتقام الله الحق .
والقرآن كما هو معلوم لا يصف ولا يتوعد بالانتقام إلا بالعذابات الكبرى تمييزا لها عن سائر العقوبات التي تحل بالعصاة والمخالفين لأمر الله .
من ذلك خبره بما فعل بفرعون وقومه قوله تعالى : ﴿ فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم . . ﴾ مع قوله تعالى عنهم كذلك : ﴿ فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين . فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ﴾ والآخِرِين هنا المراد بهم مجرمي هذه الأمة الذين توعدهم الله تعالى بما توعد .
ومن ذلك فعله بأصحاب الأيكـة وهم قوم شعيب قال تعالى في ذكرهم : ﴿ فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين ﴾ وكان انتقام الله تعالى منهم بالصيحة والرجفة لقوله تعالى في موضع آخر : ﴿ فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ﴾.
فقوله في آيات سورة الدخان : ﴿ يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ﴾ من هذا الجنس ولابد ، وهو وعيد لازم قطع المولى تعالى للمجرمين في هذه الأمة ، به يتحقق الخسف والرجف والمسخ ، كما وقـع مثل ذلك في الأمم السابقة سنة الله وليس لسنة الله تبديلا : ﴿ ومن عــاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام ﴾ وقال : ﴿ إنا من المجرمين منتقمون ﴾ .
وهكذا اقتضت سنة الله تعالى الانتقام من المجرمين المكذبين للرسل وأنه سبحانه لا يعذبهم إلا بعد إرسال الرسول ، قال تعالى : ﴿ ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا فكان حقا علينا نصر المؤمنين ﴾ .
فهكذا سنة الله في كل المجرمين حين يكفرون بالرحمن ويكذبون الرسل لا محالـة يأتيهم الانتقام والعذاب الشديد . ومجرمي اليوم عذابهم البطشة وتوابعها من خسف ومسخ ورجف وقذف وإغراق عظيم ، وآيات تتابع الله وحده أعلم باتساع نطاقها وشموليتها : ﴿ يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ﴾ .
وهذه نبذة يصورها الرحمن عن بعض حال هؤلاء المجرمين وأخلاقهم مع عباد الله تعالى الطائعين من رسله وأتباعهم ، دائما وفي كل جيل لا تجدهم إلا كما قال عز وجل : ﴿ إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون . وإذا مروا بهم يتغامزون . وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين . وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون ﴾ .
وهكذا هم اليوم مجرمي هذا القرن الشرير كما قال عز وجل في صفاتهم ، لا يمرون على من يلقبونه ويلمزونه بـ( المطوع ) تحقيرا !! ، إلا ورمقوه بنظرة سخرية واحتقار ، استهبالا يستهبلون هيئته !! ، من قصر ثيابه وإطلاق لحيته ، ولا تجدهم في غالبيتهم إلا ساخرون من ( المطوع ) ، أطفالهم ونسائهم ، ورجالهم كبارهم وصغارهم ، استخفهم الشيطان فاستجابوا له يهزؤون من سنة الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه ، وهم لسوى ذلك أكثر سخرية واستهزاءً .
وقد بلغوا من الشر والإجرام أن يمر عليهم النصراني والسيخ من ملل الكفر والشرك فلا يهزؤون بهم !! ، أما إذا ما رأوا المسلم السني ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم قد بدت عليه تغامزوا وتضاحكوا وكأنهم لتوهم رأوا كائنا فضائي مريخي أو ما شابه !! ، عتوا في الإجرام ، وتوارثا لبغض السنة والاستهزاء بها ، رأينا ذلك في الأسواق ومراكزهم الكثيرة ، العامة والخاصة ، ولا يحدثك في ذلك مثلي خبير ، إنه الإجرام قد بلغ منتهاه ، والانتقام قد حانت سنته ووجبت .
قال تعالى : ﴿ كذلك سلكناه في قلوب المجرمين . لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم . فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون . فيقولون هل نحن منظرون . أفبعذابنا يستعجلون . أفرأيت إن متعناهم سنين . ثم جاءهم ما كانوا يوعدون . ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون . وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون . ذكرى وما كنا ظالمين ﴾ .
وهكذا هلاك مجرمي هذا القرن وحلول انتقام الجبار بهم لن يكون إلا بعد إرسال المنذر ذكرى ولعلهم يرجعون ، وإن لم يكن رجوع ولا تذكر ، علم حينها أن الله منتقم غير ظالم سبحانه وأنهم استحقوا ما حل بهم .
ومنذر هؤلاء هو المهدي رسول الله المعلَّم ، الذي ما أرسل إلا كما قال تعالى للذكرى ، لكنها منفية من مقتضى سوء حالهم نسأل الله السلامـة وذلك في قوله عز وجل : ﴿ أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلَّم مجنون ﴾ .
فكيف ينتفع من لم يتعظ بنذارة المعلَّم الرسول المذكر ، كيف تنفع الذكرى وقد كذبوا البينات التي آتاه الله المولى عز وجل وذلك في آية الدخان العظيمة المنبعث من بترول الخليج إبان فتنة العراق والكويت ، وغير ذلك من بينات كتواتر الزلازل !! .
لقد قبلوا قول ابن مسعود وهو ضعيف في أن الدخان خيال أو سراب يخرج من الأرض فيرتفع !! ، ويغشى بعض كفار قريش !! ، ولم يقبلوا ويصدقوا أن المراد هذا الدخان المبين المنبعث من بترول فتنة الخليج ، وقد غشى ما الله بهم عليم من البشر عددا ، فانظروا لهذا الجهل الكبير .
وتقبل آخرين أن ذلك من غبرة حوافر خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه حين تم فتح مكة ، فعلى الغبار لذلك حتى غشى أهل مكة ، وعلى هذا حملوا هذا المعنى المراد بتلك الآيات من سورة الدخان ، ولم يقبلوا هذا الدخان المبين العظيم آية وبينة دالة على رسول الله المهدي المعلَّم ، فانظروا لسفه هؤلاء ومدى ضلالهم .
ولكل هؤلاء أقول : كذبتم يا محرفة ، آيات سورة الدخان لم يمض تأويلها في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل هي في عصرنا والرسول المذكور فيها خبره هو النذير المعلَّم رسول الله تعالى المهدي ، وذلك لقوله عز وجل في ختم سياق تلك الآيات : ﴿ يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ﴾ .
وهذا ما لم يقع قط في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك قوله عز وجل لمصطفاه صلى الله عليه وسلم : ﴿ فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون ﴾ فجعل هنا حلول الانتقام بعد الذهاب به ، ومن قال أن البطشة ما حصل يوم بدر في حياة المصطفى فهو كاذب على المولى عز وجل الذي اشترط لتحقق انتقامه الذهاب برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والبطشة بنص الآيات في سورة الدخان من انتقامه !! .
نعم إن الانتقام من المجرمين سنة لله فيهم لا تبديل لها ولا تحويل ، هل أنتم متعظون .