الفصل التاسع عشر بعد المائة
لأنه حقا كلما نظر الإنسان شيئا ونسي الله الذي خلقه للإنسان فقد أخطأ ، إذ لو وهبك صديق شيئا تحفظه ذكرى له فبعته ونسيت صديقك فقد أغظت صديقك ، فهذا ما يفعل الإنسان ، لأنه عندما ينظر إلى المخلوق ولا يذكر الخالق الذي خلقه إكراما للإنسان يخطئ إلى الله خالقه بالكفران بالنعمة ، فمن ينظر إذاً إلى النساء وينسى الله الذي خلق المرأة لأجل خير الإنسان يكون قد أحبها واشتهاها ، وتبلغ منه شهوته هذه مبلغا يحب معه كل شيء شبيه بالشيء المحبوب فتنشأ عن ذلك الخطيئة التي يخجل من ذكرها ، فإذا وضع الإنسان لجاما لعينيه يصير سيد الحس الذي لا يشتهي ما لا يقدم له وهكذا يكون الجسد تحت حكم الروح ، فكما أن السفينة لا تتحرك بدون ريح لا يقدر الجسد أن يخطئ بدون الحس ، أما ما يجب على التائب عمله بعد ذلك من تحويل الثرثرة إلى صلاة فهو ما يقول به العقل حتى لو لم يكن وصية من الله ، لأن الإنسان يخطئ في كل كلمة قبيحة ويمحو إلى إلهنا خطيئته بالصلاة ، لأن الصلاة هي شفيع النفس ، الصلاة هي دواء النفس ، الصلاة هي صيانة القلب ، الصلاة هي سلاح الإيمان ، الصلاة هي لجام الحس ، الصلاة هي ملح الجسد الذي لا يسمح بفساده بالخطيئة ، أقول لكم أن الصلاة هي يدا حياتنا اللتان يدافع بهما المصلي عن نفسه في يوم الدين ، فإنه يحفظ نفسه من الخطيئة هنا على الأرض ويحفظ قلبه حتى لا تمسه الأماني الشريرة مغضبا للشيطان لأنه يحفظ حسه ضمن شريعة الله ويسلك جسده في البر نائلا من الله كل ما يطلب .
لعمر الله الذي نحن في حضرته أن الإنسان بدون صلاة لا يقدر أن يكون رجلا ذا أعمال صالحة أكثر مما يقدر أخرس على الاحتجاج عن نفسه أمام ضرير أو أكثر من إمكان برء ناسور بدون مرهم أو مدافعة رجل عن نفسه بدون حركة أو مهاجمة آخر بدون سلاح أو إقلاع في سفينة بدون دفة أو حفظ اللحوم الميتة بدون ملح ، فإن من المؤكد أن من ليس له يدان لا يقدر أن يأخذ ، فإذا تمكن المرء من تحويل السرقين إلى ذهب أو الطين إلى سكر فماذا يفعل ؟ ، فلما سكت يسوع أجاب التلاميذ : لا يتعاطى أحد عملا آخر سوى صنع الذهب والسكر ، حينئذ قال يسوع : ألا فلماذا لا يحول المرء الثرثرة إلى صلاة ؟ ، أأعطاه الله الوقت لكي يغضب الله ؟ ، أي متبوع يهب تابعه مدينة لكي يثير هذا عليه حربا ، لعمر الله لو علم المرء إلى أية صورة تتحول النفس بالكلام الباطل لفضل عض لسانه بأسنانه على التكلم ، ما أتعس العالم لأن الناس لا يجتمعون اليوم للصلاة بل إن الشيطان في أروقة الهيكل بل في الهيكل نفسه ذبيحة الكلام الباطل بل ما هو شر من ذلك من الأمور التي لا يمكن التكلم عنها بدون خجل .
Powered by Backdrop CMS