الفصل الثالث والعشرون بعد المائة

 


فلما كان صباح الجمعة جمع يسوع تلاميذه باكرا بعد الصلاة ، وقال لهم : لنجلس لأنه كما أنه في مثل هذا اليوم خلق الله الإنسان من طين الأرض هكذا أفيدكم أي شيء هو الإنسان إن شاء الله ، فلما جلسوا عاد يسوع فقال : إن إلهنا لأجل أن يظهر لخلائقه جوده ورحمته وقدرته على كل شيء مع كرمه وعدله صنع مركبا من أربعة أشياء متضاربة ووحدها في شبح واحد نهائي هو الإنسان وهي التراب والهواء والماء والنار ليعدل كل منهما ضده ، وصنع من هذه الأشياء الأربعة إناء وهو جسد الإنسان من لحم وعظام ودم ونخاع وجلد مع أعصاب وأوردة وسائر أجزائه الباطنية ، ووضع الله فيه النفس والحس بمثابة يدين لهذه الحياة ، وجعل مثوى الحس في كل جزء من الجسد لأنه انتشر هناك كالزيت ، وجعل مثوى النفس القلب حيث تتحد مع الحس فتتسلط على الحياة كلها ، فبعد أن خلق الله الإنسان هكذا وضع فيه نورا يسمى العقل ليوحد الجسد والحس والنفس لمقصد واحد وهو العمل لخدمة الله ، فلما وضع هذه الصنيعة في الجنة وأغرى الحس العقل بعمل الشيطان فقد الجسد راحته وفقد الحس المسرة التي يحيا بها وفقدت النفس جمالها ، فلما وقع الإنسان في هذه الورطة وكان الحس الذي لا يطمئن في العمل بل يطلب المسرة غير مكبوحة الجماح بالعقل اتبع النور الذي تظهره له العينان ، ولما كانت العينان لا تبصران شيئا غير الباطل خدع نفسه واختار الأشياء الأرضية فأخطأ ، لذلك وجب برحمة الله أن ينور عقل الإنسان من جديد ليعرف الخير من الشر والمسرة الحقيقية ، فمتى عرف الخاطئ ذلك تحول إلى التوبة ، لذلك أقول لكم حقا أنه إذا لم ينور الله ربنا قلب الإنسان فإن تعقل البشر لا يجدي ، أجاب يوحنا : إذاً ما هي الجدوى من كلام الإنسان ؟ ، فأجاب يسوع : الإنسان من حيث هو إنسان لا يفلح في تحويل إنسان إلى التوبة ، أما الإنسان من حيث هو وسيلة يستعملها الله فهو يجدد الإنسان ، ولما كان الله يعمل في الإنسان بطريقة خفية لخلاص البشر وجب على المرء أن يصغي لكل إنسان حتى يقبل من بين الجميع ذلك الذي يكلمنا به الله ، أجاب يعقوب : يا معلم لو فرضنا أن أتى نبي دعي ومعلم كذاب مدعيا أنه يهذبنا فماذا يجب أن نفعل ؟ .