قضاء الله تعالى بدأ وقد أزفت الآزفة
بعد ما تقرر الكلام في العذاب آخر الزمان في الفصل السابق وبين هناك كيف أنه عذاب أدنى يمهل الله عز وجل به الناس للنذارة ولعلهم يرجعون ، ثم يتبعه بالعذاب الأكبر المقيم اللازم فإذا هم مبلسون .
والسؤال أيهما مقدمة للآزفة التي أخبر تعالى بوحيه ؟!
هل هو الأدنى ويكون منذرا بالآزفة وهو العذاب الأكبر ؟
أو هو الأكبر والآزفة كشف الله تعالى عن إرادته وقضاء أمره ، بمعنى تجليه عز وجل من فوق جبل أحد ، ليرى الناس مجده من هناك وأنه أتى ليقول كلمة الفصل ويبرز حكمه المباشر للأرض والسماء كما وعد ، حتى يعلم البشر أنهم مجرد بشر وأنه الإله القهار المبدع المختار ، يقضي بالحق وهو العالي على الجميع ؟
والمرجح أن الآزفة هي ايذان بحلول ذلك كله لكن على التدرج الذي سينتهي بالكشف عن بهاء الله تعالى وعظيم مجده بالمدينة ، والمتضمن نزول العذاب الأكبر اللازم المقيم ، وفي هذا الفصل سيتم شرح معنى ذلك زيادة على ما تقرر قبل في ما هية العذاب الأدنى وأنه كان شاملا مفرقا ، يكون تارة هنا وتارة هناك والناس في غفلة عمن هو وراء ذلك وما يريد من ذلك ويمهد لأي شيء .
قال تعالى :
﴿ قَدْ أَنْبَأْتُ بِالنِّهَايَةِ مُنْذُ الْبَدْءِ ، وَأَخْبَرْتُ مِنَ الْقِدَمِ بِأُمُورٍ لَمْ تَكُنْ قَدْ حَدَثَتْ بَعْدُ ، قَائِلاً : مَقَاصِدِي لاَبُدَّ أَنْ تَتِمَّ ، وَمَشِيئَتِي لاَبُدَّ أَنْ تَتَحَقَّقَ ، أَدْعُو مِنَ الْمَشْرِقِ الطَّائِرَ الْجَارِحَ ، وَمِنَ الأَرْضِ الْبَعِيدَةِ رَجُلَ مَشُورَتِي. قَدْ نَطَقْتُ بِقَضَائِي وَلاَبُدَّ أَنْ أُجْرِيَهُ ، وَمَا رَسَمْتُهُ مِنْ خِطَّةٍ لاَبُدَّ أَنْ أُنَفِّذَهُ ...
سَأَجْعَلُ خَلاَصاً فِي المدينة ، وَفِيهم مَجْدِي ﴾ " اشعيا عليه الصلاة والسلام "
قد أنهضته من الشمال فسيأتي ومن مشرق الشمس يدعو بإسمي ويطأ الولاة مثل الوحل وكالخزاف يدوس الطين ﴾
متى نطق بذلك لما يقول من البداية ؟!
وحين ينبئ بذلك إنما ينبئ بأن قضاء أمره يتم ببعث المهدي للمدينة ليتجلى الرب تعالى من هناك فوقهم جميعا معلنا تتويج عمله بذلك القضاء وبحلوله فوق جبل المدينة أحد ، ومن هناك ترى قداسته ويتجلى بمجده العظيم ، وهو ما وعد به المهدي عليه الصلاة والسلام في الزبور فقال :
﴿ إني رافعٌ عيني إلى الجبال إلى حيث تأتي مِنـهُ نُصرتي ، نصرتي من عند الرب صانع السماوات والأرض ﴾
﴿ الإِلهُ الَّذِي يُعَزِّزُنِي بِالْقُوَّةِ ، وَيُصَيِّرُ طَرِيقِي كَامِلاً ، الَّذِي يَجْعَلُ رِجْلَيَّ كَالإِيَّلِ ، وَعَلَى مُرْتَفَعَاتِي يُقِيمُنِي ﴾
ويقول عنه على لسان اشعيا عليه الصلاة والسلام :
﴿ ها أَنَا قَدْ جَعَلْتُهُ شَاهِداً لِلشُّعُوبِ زَعِيماً وَقَائِداً لِلأُمَمِ , انْظُرْ، إِنَّكَ تَدْعُو أُمَماً لاَ تَعْرِفُهَا ، وَتَسْعَى إِلَيْكَ أُمَمٌ لَمْ تَعْرِفْكَ ، بِفَضْلِ الرَّبِّ إِلَهِكَ لأَنَّهُ قَدْ مَجَّدَكَ ﴾
﴿ لأَنَّهُ هَا هِيَ الظُّلْمَةُ تُغَطِّي الأَرْضَ وَالظَّلاَمُ الدَّامِسُ الأُمَمَ ، أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ الرَّبُّ ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى ﴾
وتكون رايته من المدينة تلك النيران وذلك الإشراق ، ويعلن الأمر حينها بالنداء لكل الناس :
﴿ هَا إِنِّي أَرْفَعُ إِلَى الأُمَمِ يَدِي وَإِلَى الشُّعُوبِ أُقِيمُ رَايَتِي ﴾
﴿ فَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ مِنْ بَعِيدٍ ، وَيَصْفِرُ لَهُمْ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ ، فَإِذَا هُمْ بِالْعَجَلَةِ يَأْتُونَ سَرِيعًا ﴾
﴿ يَا جَمِيعَ سُكَّانِ الْمَسْكُونَةِ وَقَاطِنِي الأَرْضِ ، عِنْدَمَا تَرْتَفِعُ الرَّايَةُ عَلَى الْجِبَالِ تَنْظُرُونَ ، وَعِنْدَمَا يُضْرَبُ بِالْبُوقِ تَسْمَعُونَ ﴾ " اشعيا "
﴿ صَنَعَ عَجَائِبَ. وَبِيَمِينِهِ وَذِرَاعِهِ الْمُقَدَّسَةِ أَحْرَزَ خَلاَصاً , أَعْلَنَ الرَّبُّ خَلاَصَهُ ؛ أَمَامَ أَنْظَارِ الأُمَمِ كَشَفَ بِرَّهُ ﴾
﴿ وَيَتَعَظَّمُ الرَّبُّ وَحْدَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَتُبَادُ الأَصْنَامُ كُلُّهَا ، وَيَلْجَأُ النَّاسُ إِلَى مَغَاوِرِ الْجِبَالِ ، وَإِلَى حَفَائِرِ الأَرْضِ ، مُتَوَارِينَ مِنْ هَيْبَةِ الرَّبِّ وَمِنْ مَجْدِ جَلاَلِهِ ، عِنْدَمَا يَهِبُّ لِيُزَلْزِلَ الأَرْضَ ﴾
نطق به من زمان آدم ، ومن هناك عرف بأمره هذا عز وجل على التفصيل ، من بعد ما كان نبأ به الملائكة قبل ما يخلق آدم من طين ويتركه لسنين طويلة قبل ما ينفخ فيه الروح ، كما في قوله تعالى :
قال ذلك قبل خلق آدم عرف الملائكة تلك الغيبيات ومن ضمنهم كان إبليس قبل ما يلعن ويطرد من الرحمة ، وهو ملعون لتحديه الله عز وجل فيما قدر وكتب على الجنس البشري ، ورفضه السجود لأبيهم تحقيرا لأمره بالظاهر وبباطنه القبيح إنما يزدري بمن قدر ذلك وأحب أن يكون في خلقه الجديد .
هناك تأسس المذهب الشيطاني الإبليسي في رد قدر الله تعالى في هذا الأمر العظيم ورفضه بالكلية ، ومنه سرى للأبالسة من أتباعه في اليهودية وغيرهم ، ثم عشعش في زمان النهاية زماننا هذا برؤوس من يقف خلفهم أتباع الدجال اليهود قادة العالم اليوم بزعامة الغرب الكافر ومن اتبعهم من أذناب العرب والعجم ، كلهم على حد سواء ضد أمره تعالى هذا لا يمكنهم على وفق مذهب إبليس ذاك أن يقروا ويسلموا لأمره عز وجل هذا ، الكل يراه ضد دولته وشعبه ومؤسساته ، فرفضه من قبلهم تاما ، ومن يزعم من بينهم اليوم بأن هذا مراد الله تعالى واختياره وأنه نبأ عنه من قبل خلق آدم ؟
وإن وجد من يزعم ذلك لن يسمع منه ، جميعا لن يسمعوا ذلك ولم يسمعوا به ، بهيئاتهم وكافة مؤسساتهم الأممية والدولية والقطرية ، لن يقبلوا ذلك أبدا وكلهم يرى في هذا ضد كل ما عملوا لأجله على طول القرون ، خصوصا ممن يريد يفرض هذا عليهم ثم يقدره في المسلمين وفي بني إسماعيل تحديدا وهم بالحال التي يراها العالم اليوم ما يقولون تخلف وضعف وهوان على الأمم كافة ، وبمن من بينهم بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، إذا لن يقبلوا بذلك لهذا المواجهة حتمية وهو ما قرره تعالى بكل النبوءات وكل تلك التفصيلات في الذكر وآياته البينات .
إذا هم اليوم جميعا على مذهب الشيطان وخياراتهم خياراته من قبل .
أقول : ولما خلق الله تعالى آدم ونفخت فيه الروح وقام أول ما رأى عليه الصلاة والسلام اسم المصطفى صلى الله عليه وسلم في السماء مكتوبا بالبياض كالغمامة يتلألأ ، وسأل عن ذلك فعرف حينها تلك التفاصيل وعرف قصته وقصة حفيده وما سيكون آخر الزمان ، عرفه ذلك مثل ما عرفه أسماء كل مخلوقاته على وجه الأرض ، وحين ابتلى الملائكة عز وجل وامتحنهم في أنفسهم عن تلك الأسماء لم يجدوا أنفسهم يعلمون وأمر آدم الذي علمه تلك الأسماء دونهم أن يخبرهم عنها فسردها وهو بالخلق للتو فسردها له الذي آتاه العلم في ذلك دونهم فعرفهم حينها أنه يعلم الغيب وهم لا يعلمونه ، مع أنهم بالجملة كونهم ملائكة لا يشكون في ذلك لكن الله تعالى أحب أن يعرفهم تلك المحدثات وشيئا من تفاصيل عنها وما كان بامكانهم معرفة تلك الأسماء إلا أن يشاء الله عز وجل ولا أن يسموها من عند أنفسهم فيتعدون ، ويتجلى من هذا الموقف تيقن مدى حب الله عز وجل أن تعرف عنه مخلوقاته أنه يعلم الغيب وبالتفصيل ، وهذا يرجعنا لما قرر بالفصل السابق في شرح النبوءات التي ذكر فيها عن الله تعالى أنه ما كان سيجري عذابه ما لم يخبر مختاره فيدرك اصطفاء الله تعالى له واختياره من بين الناس ، ثم يحدث بعد ذلك من أمره ما يشاء ويكون بذلك قدم على عمله انباء مختاره ، وهذه سنة له عز وجل من خلق آدم وقبل آدم كما بينت هنا ، أنه ما يفعل الأمور الجليلة عنده إلا وينبئ عنها .
ومن هناك عرف ابليس اللعين ما سيكون في خاتمة الأمور وعواقبها ومرجع مصائرهم أجمعين إليه عند النهاية :
فلا بد أن يُعرف الله تعالى خلقه بالجملة والتفصيل ما سيكون فهذه سنته ، وعلى وفقها عرف بني اسرائيل من خلال رسله فيهم ما سيكون آخر الزمان فصل لهم عن تلك البينات والنهايات ، أدق التفاصيل عرفهم عليها على طول بعثه للأنبياء فيهم ، وكان يحرصهم وتكتب الأسفار بذكر ذلك وتدون وتحفظ .
فهذا وعده وما علمه الشيطان إلا من هناك ، ومقولته تلك إما يريد تعالى تقريرها كحقيقة حال عنه وعن من يتبعه آخر الزمان حين يتجلى لهم بصفة رجل أعور العين وهو الدجال ثم يكون كسره وخيبته معلنة ويفضح ، أو أن مقولته تلك سيقررها لهم بجهنم لنهاية قصته بعد ما اتضحت كل الأمور ، ولا يهم متى يقول ذلك إنما المهم كما سألت قبل كيف علم بذلك وهو ما قرر هنا أن علمه بذلك أتى حين أراد تعالى إعلام آدم بذلك وقبل ذلك مع جملة الملائكة حين أعلمهم بالكشف عن إرادته بأن يجعل في الأرض خليفة ، والناس تنسى وتغفل مع تقادم الدهور بهم ، لكن إبليس المخلد لن ينسى وهدفه الأكبر في تضليل الخلق عن ذلك مع سعيه الدائم بإكفارهم بربهم حتى يحصل منهم العدد الأكثر الذي يستطيع لرفقته في جهنم ثم لا يزال معهم بالشر هناك للأبد .
ولما كان يدرك تلك الحقيقة جيدا قال ما قال :
وأقسم بالله تعالى أنه قد مكر به كما مكر ببني إسرائيل لما فصل لهم عن الغيب وما سيكون ، ففتنهم بقضائه بدمار الهيكل على يد الجيش العراقي في وقتهم ، وأنه سينتقم من آخرتهم من الذرية مثل ما انتقم بهم من أولئك المنافقين اصحاب الهيكل المقدس ، وأنه حين ذاك حين ينتقم منهم سيكون الخلاص ، فعموا وركب رؤوسهم أن الخلاص سيكون على هذا متصلا بهم وبهيكلهم ، فبمجرد تحطيم ذلك الجيش وزوال مملكة نبوخذ نصر أن الخلاص المنتظر هو مستحق خالص لهم من الله عز وجل ، وعلى هذا ركبوا مصيرهم المخادع لشعبهم وتشبثوا بفكرة أن كورش الفارسي هو مخلصهم وأنه أذن لهم ببناء سور مدينتهم المحترقة والممسوحة بالأرض ، ليتمموا كذبتهم تلك بتلك الشكليات ، فكان ما دبر لهم ونفذت فيهم مشيئته سبحانه .
وشبه ذلك ما أوقع به الشيطان فحسب نفسه الفائز وهو في التدمير من يومها ليوم يبعثون لجهنم وبئس المصير ، فشابهه اليهود تماما ، أرادوا كيدا وهم المكيدون فسبحان المجيد عالم الغيب والشهادة .
الحاصل أن مراده بالإرجاء للبعث يريد ما علم من تفاصيل تلك البينات وبعث أولئك ليتم القضاء ويقوم الأشهاد ، هذا مقصده ، ولهذا ترون أنه تعالى أجابه : ﴿ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ، إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ﴾ ، أي ما علمته من تفاصيلي بالوحي لكم عن تلك البينات والذكر .
ويدل على اعلام الله تعالى لهم قبل ما يخلق آدم قوله تعالى عن رد الملائكة : ﴿ قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ ، فما يدريهم عن ذلك لو ما أنه كان قد أوحى لهم بالتفاصيل قبل هذا الخطاب ، فرأيهم جاء أن هذا الذي قدرته خير منه تقديرك لوجودنا نحن ، فها نحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، فإن كنت تقصد لتقديسك وعبادتك وجودنا حسن ، فبين لهم علمه بما يخفاهم من وراء تصورهم هذا ما يدعوني لمحبة ايجاد ذلك الخلق ، ولهذا حجهم بتعليم آدم اسماء مخلوقاته الجديدة في حين كانوا يجهلونها لأنه لم يوحي بذلك لهم وخص بها آدم ، ولما اسقط بأيديهم جراء تلك الحجة قالوا بعدها خانعين لعلمه الغيب : ﴿ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ .
وانتبهوا أيضا لقوله تعالى بجوابه ذاك : ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴾ ، أي إلى يوم ذاك حين أقوم لأدين العالم ، فأنت ملعون مني من هذا الوقت الذي طردتك فيه ، ألى ذاك الوقت الذي اصريت تتحداني له بأن تضل من تضل ، وهو عالم أن هناك من لا قدرة باضلالهم ، لكنه تعهد باضلالهم أجمعين قال إلا المخلصين من عبادك فأولئك لن يكون له عليهم سبيل . فالنجاة النجاة يا عباد الله فهاهو الأمر قد وقع وبانت حججه فاطلبوا السلامة من الشيطان لطاعة ربكم الرحمان وتصديق مواعيده ، إني لكم من الناصحين .
أقول : ولا تعجبوا أن يدسها لكم الله تعالى فقد دسها في سورة الصافات وأنتم لا تشعرون فقال هناك :
إلى يوم يبعث من عناهم الشيطان بقوله ذاك ، فهذه حقيقة ذلك الوعد لا كما فهمه جهلة العموم أن المراد البعث من الموت مع كافة البشر للحساب على كافة البشر ، بل هو للحساب بالدنيا ليوم الدينونة ليوم جيل الأشرار ، يقرر هذا لدلالتين :
الدلالة الأولى : أن صاحب الحوت هذا هو الوحيد الذي قرن ذكر عدم صبره في موعظة الله تعالى اما لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم أو لحفيده المهدي ، بأن لا يكون مثله في صبرهم على هذا الأمر ، فقال عز وجل :
وهذا النبي الكريم رغم ما فعله إلا أن الله تعالى اجتباه ليكون من الصالحين ، وهو صالح من قبل ومن بعد لكن يريد بالصالحين هنا من اجتباهم للشهادة يوم الدينونة ، فهذا مراده تعالى من ذلك .
وإلى ذلك ألمح بقوله عز وجل عند سرد تلك الآيات ﴿ أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴾ ، أي يكون بمقدورهم كتابة غيبي هذا بما يكون من البينات مثل ما أنا فاعل ، وقد دسستها لهم حتى هنا بذكري لك عن صاحب الحوت .
وحكم ربه ، قيامه للشهادة كما سيقوم صاحب الحوت الذي اجتباه لذلك ، فيقوم مع من اجتبيت من الصالحين آخر الزمان ، وهناك في سورة الصافات نص على أنه من المبعوثين لذلك المقام لذكر بقائه ليوم بعث الأشهاد ، ووصفه هنا بالاجتباء وأنه سيكون من الصالحين نظير وصف اسماعيل هناك عليه الصلاة والسلام بالصلاح وأن يترك عليه في الآخرين يريد مع الأشهاد ، عكس اسحاق لم يذكر له اشارة مع ذلك ولا لوط عليهما الصلاة والسلام ، فكان ذلك طلبا من ابراهيم بأن يرزقه مثل أولئك فيكون في ذريته مثلهم آخر الزمان ، لأن ذلك كان معلوما لدى الأنبياء ، فقال : ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ، رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ﴾ .
ثم قال عنه : ﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِين ﴾ .
فالمراد بالصلاح هنا الاجتباء للشهادة فكان من ذريته لذلك المقام اسماعيل ومحمد صلى الله عليهما وسلم ، وفي جملتهم المهدي الحفيد صلى الله عليه وسلم ، وليس المراد هنا صلاح الدين والخلق بل المراد اشارة للقيام بالشهادة وهذا ما يجتبى له ، عكس صلاح الدين والخلق فهذا بكل حال هو خلق الأنبياء والرسل لكن الاصطفاء لمقام الشهادة في يوم الدين هذا شأن آخر يجتبي له تعالى من يشاء من عباده ومنهم من لا يجتبى لذلك ، وهو مطلب الخليل أن يكون منهم من ذريته ، بل في سورة الشعراء طلب ذلك لنفسه أيضا فقال تعالى في ذلك :
يريد بإماتته هنا وحياته للإشهاد ، وهذا خلاف البعث بعد موت الجميع المذكور بعد وهنا وهم عليه الناس كما وهموا على معنى بقاء يونس للبعث ولا هذا ولا ذاك مما ظنوا بل هو بعث خاص بالإشهاد آخر الزمان حين يحل بالناس قضاء الله تعالى ، ولهذا ذكر على لسان الخليل الموت والحياة عن نفسه ولما أراد البعث العام للجميع قال ( يَوْمَ يُبْعَثُونَ ) بصيغة الجمع لكن لما كان يعني مقام الإشهاد ذكر الموت والحياة عن نفسه .
وحين أراد البعث للجميع فلذكره أبيه وطلبه المغفرة له وتلميحه إلى أن ذلك من أبيه مخزي ويرجو تجاوز ذلك ثم ذكره الجنة والنار ، وتلك القرائن التي يتبين بها المقصود من قوله ذاك وهو مختلف عن مقصده الأول .
أما حياته هو بعد مماته وأن يلحقه بالصالحين ويجعل له لسان صدق في الآخرين كما اخوانه ممن اجتبى وورد ذكرهم في سورة الصافات وجعل عليهم في الآخرين حين عودتهم للشهادة فعليه كان طلبه بأن يكون مثلهم يلحق بأولئك الصالحين ويكون له معهم لسان صدق ، وينعمه بتلك الجنان المباركة معهم ، وعلى وفق هذا كان السياق بتقديم ما يخصه وتأخير العموم بعد ذلك لأنهما امران مختلفان .
ونظيره طلب يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام ذلك فقال تعالى :
يريد الحاقه بالشهداء وأن يتولاه المولى عز وجل كما في حياته الأولى فبلآخرة كذلك ليكون مع الأشهاد حين قيامهم ، ولهذا أكد على ذلك بإلحاقه بالصالحين كما الخليل ، ومثل ما اجتبي لذلك صاحب الحوت .
وهو المئاب المنصوص عليه في سورة ص لداود وابنه سليمان فهم من الأشهاد فقال تعالى :
قرن ذكر عذاب يوم الحساب لأنه وعد بحسن المآب يومئذ لداود ، ولأنه خليفة في بني إسرائيل ، نظير الخليفة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم الحاضر في يوم الحساب ذاك ليدان الأشرار ، فحين ذكر وعده ليكون داود حاضرا في ذلك الوقت ناسب ذلك ذكر الضُلال بأهوائهم بما نسوا الذكرى يوم الحساب ويعني المدركين لذلك ، ولما كان نبيه ممن سيدرك ذلك هو أيضا ناسب وعظه بأن لا يكون معهم في ذلك الزمان بل له مع الصالحين حسن المئاب ، مثل ما قرر مع موسى كما سيمر معنى حين انذر عن أن يصد عن الساعة ويضل كما أهل الأهواء فيردى .
وحسن المئاب مثل ما يكون بجنة الخلد هو كذلك يكون بجنان الجزيرة قبل ذلك حين يحقق الله تعالى مواعيده ويجمع عباده بتلك الرحمات والخيرات العظيمة ويكون لهم بذلك مئاب حسن ، وقد قرن تعالى ما بين طوبى وحسن المئاب بكتابه فقال :
وطوبى هنا المراد بها المدينة فهي المئاب الحسن الأدنى من مئاب جنة الخلد الثاني الأكبر ، وما وعد به داود وابنه سليمان عليهما الصلاة والسلام هو مئاب طوبى المدينة المنورة مدينة السلام ، وذلك حدث لا تتجاوزه تلك الآيات والكثير منها لكن أكثرهم لا يعلمون ولا يعقلون :
يلمح تعالى بعد ذكره ما أنعم على نبيه أني أزيدك بمقام الأشهاد اجتبيك له وأزيدك على ما أسلفت من خير هذا الخير ، فهذا معنى قوله هنا تبارك وتعالى .
وقال داود نفسه عليه الصلاة والسلام :
يريد المعنى الذي اقرره هنا وكيف لا وهو القائل أيضا :
يطلب أن لا يفوته الافتخار والفرح بالميراث الذي وعد وأنزل الرب تعالى عليه بالزبور تفاصيله ، فهل ترون من العدل أن يغرد الطير مع نبيه عليه الصلاة والسلام بكل ذكر تلك الخيرات والعظمات ثم هو لا يدرك ذلك في حين غيره من الرسل يدركون ذلك ؟!
الله أعدل من جهلكم وضلال مدارككم .
ويقول عليه الصلاة والسلام :
تمعنوا جيد بالذي قرر هنا وبهذه خاصة :
قال بطرس : تركنا كل شيء لنتبعك فما مصيرنا ؟
قال : إنكم لتجلسون يوم الدينونة بجانبي لتشهدوا على أسباط اسرائيل الإثني عشر
سبحان الله تلاميذ المسيح يأتون معه للشهادة فلم لا يأتي داود وابنه ليشهدوا عليهم كذلك صلوات ربي وسلامه عليه ؟!
بل ماذا أقول : التلميذ الخائن الخائب الذي أراد بيع المسيح لاعدائه هو كذلك يأتي يأتي به الله تعالى ليبرئ الله تعالى مسيحه من تلك التهمة والخزي الذي لبس شخصه في حين أن ذلك وقع على ذلك التلميذ ، لهذا يأتي به الله تعالى يوم قيام الأشهاد ليتبرأ المسيح من ذلك العار وتعين الشخصية التي فعل بها كل ذلك وعليه يعود كل ذلك العار ولو القى الله عز وجل عليه شبه المسيح ، ولما كانت تلك الحقيقة لا بد من تحققها أصر المسيح بأيامه الأخيرة أن يغسل أيديهم وأرجلهم بالماء ، وحين أبى بعضهم يغسل له غضب عليه الصلاة والسلام وقال من لا أغسل له لا يأتي معي يوم الدينونة ، وأن سبب الماء هذا سيعلمونه لاحقا ، لأنه سيكون آية لهم ببقائه لا يذهب ينقط منهم كالجمان على ما وصف المصطفى صلى الله عليه وسلم المسيح حال رجعته ، وهكذا شاء الله تعالى ، وكيف لا تصدق الناس حينها مثل هذا ، والعصا بيد المهدي والتابوت سيكون بين يديه ؟!
واقرأوا ما دون في الزبور أكثر مما فات :
ويقول عن نفسه أيضا :
وهذا النص من النبوءة مثل أنه يفيد مشاهدته لمثال الله تعالى بالجنة ، يحتمل مراده مشاهدة له بالمدينة من على الجبل حين يأتي للشهادة على بني إسرائيل فيرى مثال الله عز وجل هناك مثل ما سيراه الناس يوم الحساب ويكلمهم حتى يختلي بالعبد فيقول له كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : " عبدي تذكر كذا تذكر كذا " . وليس بمستبعد هذا أن يحصل لخاصة الله من الصالحين عند رجعتهم .
ويقول في الزبور كذلك : ﴿ يَا رَبُّ إِلهَ الْجُنُودِ ، أَرْجِعْنَا ﴾ و ﴿ فَلاَ نَرْتَدَّ عَنْكَ أَحْيِنَا فَنَدْعُوَ بِاسْمِكَ ﴾ .
ويقول كذلك :
مصداق هذا بكتاب الله القرآن في قوله تعالى عن دعوة نبيه :
يريد خروجه بالأولى ورجعته للآخرة ، والسلطان النصير هو المهدي ويشابه النص هذا نبوءة الزبور التي وعد فيها بأن يبعث من بعده حفيده ليوطئ له أعدائه ، والقرآن لم يصرح فيه عن ذلك بالموت لكن في الزبور صرح بذلك .
وهذا كله مما يؤكد على أنه عليه الصلاة والسلام كتب مع الأشهاد يوم الدينونة وقيام الله تعالى لمحاسبة الشعوب ورؤوس الغنم .
والناس بالعموم تجهل هذه العقيدة العظيمة والتي بالعموم هي متضمنة قيام الله تعالى بنفسه ومعه بعض رسله بالشهادة لجناب المصطفى صلى الله عليه وسلم حينئذ حتى ينصر نصرا مؤزرا ويخزي الله تعالى كل من كذبه وكفر به وبدينه ، وتكون نصرته ببعث حفيده وبشهادة الله تعالى ورسله الذين قدر تعالى أنهم يعودون لمقام تلك الشهادة وفي ذلك قال تعالى :
يأتيهم بجمعهم يوم قيامة الأشهاد بما اختارهم له تعالى فيشهدون له ويكون هو عليهم شهيدا ، هذا المراد ولا مجيء له عليهم إلا بهذا التأويل ، وكان لهم ذلك أشرف مقام وأعلى منزلة ، وبها أقر المسيح صلوات ربي وسلامه عليه لما صرح بانجيله أن الله تعالى أكرمه بأنه سيلقاه ويخدمه .
والدلالة الثانية : أن كل من اجتباهم تعالى لذلك المقام كما في سورة الصافات ينص على أنه سيجعل عليهم في الآخرين ، أي سيكون مني عليهم في ذلك اليوم بقية عمر وقدر ليشهدوا على أقوامهم ، ومن لم ينص عليه في ذلك كلوط عليه الصلاة والسلام واسحاق عليه الصلاة والسلام ، فهؤلاء لم يتم بحقهم اجتباء الله تعالى لذلك ، وهو ظاهر سياق تلك الآيات من سورة الصافات ، من اجتباه منهم ترك لذلك بحقه اشارة ومن لم يجتبيه لم يترك بحقه في ذلك اشارة ، وكان صاحب الحوت اشارته على ذلك بقائه ببطن الحوت ليوم يبعثون فتلك الاشارة من غيب الله عز وجل له على ذلك ، وعليه كان الوعظ بخلافه للصبر على قدر الله تعالى هذا ، أراد الله عز وجل منه أن يكون من الأشهاد فكيف لا يصبر عليهم بالدنيا وهو مقدر عليه أن يأتي آخر الزمان ليشهد على آخرهم كما اخوانه من الأنبياء كل يشهد على آخر أمته هناك :
﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً ﴾
﴿ وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ . لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ . لِيَوْمِ الْفَصْلِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ . وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾
﴿ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ . فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ . وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾
جمعناكم ونوح وادريس وابراهيم واسماعيل ويوسف وموسى وهارون وداود وسليمان وإيليا والمسيح ومحمد صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين .
منهم من يرجع من السماء كادريس وموسى والمسيح ، ومنهم من يأتي من الأرض كدنيال ممن علم الله تعالى أن رجوعه سيكون من الأرض .
والنصرة من أوصاف الدنيا لا الآخرة ، هناك جنة ونار ، وليس معارك فيها نصرة وانهزام وتشريد .
﴿ وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ ، لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنْ الأَوَّلِينَ ، لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ، فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ، وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ ، وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ، فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ، وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ، أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ، فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ ، وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ، وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
وحتى في هذه كذبهم الله تعالى بل عندهم ذكر من ذلك وبالتفصيل وها هو كاتب عدهم القديم " يشوع بن سيراخ" ينص على ذلك بكل صراحة فيقول :
" أخنوخ أرضى الرب فنقل وسينادي الأجيال إلى التوبة " .
بينما قال عن إيليا النبي صلوات ربي وسلامه عليه : " وقام إيليا النبي كالنار وتوقد كلامه كالمشعل .. وقد اكتتبه الرب
لأقضية تجري في أوقاتها ولتسكين الغضب قبل حدته ورد قلب الأب إلى الإبن " .
ويلاحظ هنا قوله عن إيليا بأنه اكتتب نظير قول الله تعالى " أُقِّتَتْ " ويتضح المعنى برجعتهم لما قدره تعالى من اشهاد أولئك الأنبياء على أقوامهم .
وعلى وفق ما ذكر ذلك الكاتب " يشوع بن سيراخ " ندرك بأن هذا المعتقد معلوم لديهم أو على الأقل علماء بني إسرائيل القدامى منهم بما صرح به هذا اليشوع وأثبت ذكره بانجيل المسيح عليه الصلاة والسلام الصحيح ـ كتبه تلميذه البار برنابا رضي الله عنه ـ .
بل يذهب ذلك الكاتب لأبعد من ذلك حين سرد مناقب الأنبياء وبلغ ذكر نبي الله تعالى حزقيال عليه الصلاة والسلام فقال :
" ورأى حزقيال رؤيا المجد التي أراه إياها بمركبة الكروبين ، أنذر الاعداء بالمطر ووعد المستقيمين في طرقهم بالإحسان ، لتزهر عظام الأنبياء الإثني عشر من مكانها فإنهم عزو وافتدوا بإيمان الرجاء " .
ولا ندري هل علم أسماءهم كما علم بعددهم .
ويلمح لآخرين فيقول : " والقضاة كل منهم باسمه الذين لم تزن قلوبهم على الرب ولم يرتدوا عنه ، ليكن ذكرهم مباركا ولتزهر عظامهم من مواضعها ، وليتجدد اسمهم وليمجدهم بنوهم " اهـ .
ويكثر وحي الله تعالى لرسله في ذلك ولما كان موسى صلوات ربي وسلامه عليه ممن اجتبى وسيرجع للشهادة قال تعالى له في أول كلامه معه :
كيف يصد موسى عنها صلوات ربي وسلامه عليه وهو ليس ممن يدركها ، ويقول الزنادقة الله يتكلم بالهذيان ؟!!
تعالى القدوس لا ينطق إلا بالحق .
ومثل ما وعظ داود عليه الصلاة والسلام بأن لا يصده اتباع الهوى فيضل عن سبيل الله الموعود بالقضاء آخر الزمان ، وعظ موسى بمثله ، لكن بحق موسى صرح أنها الساعة وبحق داود بيوم الحساب والمعنى واحد .
ويقول لمصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم :
ميعاده مع اخوانه الأشهاد .
وفي المسيح قال :
فالخطاب هنا ولو كان بصيغة الجمع " ولا يصدنكم " فلا نعتقد إلا أن المعني به المصطفى صلى الله عليه وسلم وحده فهو من انذر بذلك هنا وبآية سورة القصص وأيضا بقوله تعالى يحذره ترك الإيمان بلقاء موسى صلوات ربي وسلامه عليه .
لقاء موسى نفسه لأنه ممن نزع للشهادة وقد ثبت بالانجيل الصحيح رجوعه والتقائه بالمسيح ، ومن المؤكد أن المراد لقاء خاص وإلا أي مخبول هذا الذي يفترض على المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يوعظ عن الشك بلقاء القيامة وأنها حق يجمع الله تعالى لها كل الخلائق ؟!
لكن لتأكيد معنى تلك النبوءات وبطلب اليقين منه صلى الله عليه وسلم بها كان الخطاب يخرج منه تعالى على ذلك النحو .
فسيلتقون للقيام بما قدر تعالى من الذكر والبينات بالشهادة كل على قومه وبالشهادة للمصطفى أنه رسول الله من الله تعالى على ما مر معنا بآية الميثاق على الأنبياء ، وهو أبدا إذا نهاه عن التشكيك بلقاء الساعة أو أحد الأنبياء ، إلا ينهاه عن الإمتراء وكل ذلك كما قلت لتأكيد المعنى من حيث أنه نبوءة وخبر ولو خرج الخطاب لشخصه فالمعنى عام ، مثل قوله تعالى :
يريد بوأ لهم بالمدينة مبوأ الصدق ذاك وكان من اخراجهم من مصر ذهب بهم هناك كما مر معنا قبل ، وجعل الجزيرة كلها لهم مستقرا وسكن .
وأقول : فأي غبي يفترض عليه صلى الله عليه وسلم احتمال الشك بالقضاء بعد الموت والبعث العام لكل الخلائق حتى يعظه تعالى عن ذلك ، إنما المراد القضاء الذي أفصل في ذكره هنا ، فهذا الذي اختلفوا فيه وهو الذي يصح يكون مرجعه لما آتاهم الله تعالى فيه من علم كما هو ظاهر من تدريسنا في هذا الكتاب وغيره ، وهم الموعودون وسائر الخلق ممن سيدرك يوم الفصل ذاك بمجيء آياته تعالى وأنهم سيرون العذاب قطعا الأدنى والأكبر فيبلسون .
ومما يؤكد على ما سبق وبينته أنه معتقد معلوم قديما لعلماء بني إسرائيل ، وأنه إذا نهى نبيه عن التشكيك فيه إلا ينهاه بأن لا يمتري به سواء كان ذلك في حق موسى أو عيسى ، أو كون ذلك آية من آيات الله تعالى :
﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ، الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾
ومما يؤسف له أن اليهود وبخوا لكتمانهم ذلك ، فكيف بحال من جهل ذلك ولما بلغه العلم والهدى أنكره أشد الإنكار بل لعن من يعتقده ونسبه بعضهم للإلحاد والكفر وبعضهم للشيطان الملعون ، وتنوعت بذلك الجهالات العظيمة ، ومرده كما ترون للحق ولكتب ربنا وعقيدة الأنبياء ، فلعن الله تعالى الجهل لا يأتي إلا بالشر والضلال .
وأقول : حين يعتبر المؤمن بقوله تعالى لموسى ووحيه له أول ما أوحى عن الساعة وأنه سيلقاها ، ولا ينهى رسوله أول ما ينهاه إلا عن أن يصد عن قيام الساعة ، وذلك ليهيئه للعلم بأنه مما قدر عليه أنه سيلقى الساعة ويدركها ، ولو لم يكن ذلك حقيقي لم يكن أي معنى لذلك النهي بل يعد من لغو الحديث وتنزه ربنا من أن يقول اللهو والباطل ، بل قال ذلك وهو يعنيه وقدره ولهذا نهى نبيه من أن يمتري بلقاء موسى صلوات ربي وسلامه عليه لأنهم قدر عليهم أن يكونوا مع الأشهاد ، ولا بلقاء عيسى وهو علم للساعة ورفع لأجل يعود للإجتماع بسائر الأنبياء الذين وقت لهم تعالى واكتتبهم عنده ليشهدوا على أممهم واجتباهم لذلك تبارك وتعالى :
﴿ وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
ويجدر التنبه هنا لتأكيد المولى على أن النهي عن أن يصد عنها حقيقي وأنه وعيد بحق موسى إذ عاد الضمير بالتردي لموسى نفسه وليس لمن قد يكون الصاد له عنها ، ما يؤكد على أن اعتقاد رجعة موسى للساعة كما عيسى وغيره عليهم الصلاة والسلام اعتقاد حق وليس باطل كما تزعم ذلك الشياطين اليوم ، ويجهله من جهله من قبل ، لهذا قيل بأن بني اسرائيل لم يهتدوا لنبيهم ورسولهم موسى على قبر ولا هارون عليه الصلاة والسلام صعده للجبل ثم عاد موسى وهارون ذهب به ، وهذا مصرح به في كتابهم المقدس .
فكان هنا نهي موسى عن أن يصد عن الساعة تصريحا ، وبحق محمد صلى الله عليه وسلم تلميحا حين قال بذلك ونهاه على سبيل طلب الإيمان بالآيات ومما لا شك فيه أن رجعة الانبياء للإشهاد من آيات المولى عز وجل ، فكان بتلك الصيغة وقبله النص على أنه سيرجع للميعاد ويعني بذلك ما قدر من رجعة الرسل بعقيدة المهدي عليه الصلاة والسلام بحكم التصريح ، لهذا صار ذلك عقيدة سيبارك من يؤمن بها ويلعن من سيلعنها ويكفر بها .
ومن الذين اكتتبوا للإشهاد النبي دانيال عليه الصلاة والسلام ، وكان اخباره عن ذلك برؤيا عرضت له ويحدثه بها ملاك الله تعالى متمثلا ، فقال له بعد قول النبي بما يلي على لسانه بمنامه ذاك :
فقال : اذهب يا دانيال فإن الأقوال مُغلقةٌ ومختومةٌ إلى وقت الإنقضاء ، إن كثيرين يتنقون ويتبيضون ويمحصون والمنافقون ينافقون ولا أحد من المنافقين يفهم ، أما العقلاء فيفهمون ..
وأنت اذهب إلى الإنقضاء وستستريح وتقوم في قُرعتك إلى انقضاء الأيام "
وبالقضاء تبيض وجوه وتسود وجوه كما في قوله تعالى المذكور قبل : ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ .
ولأجل تدركوا معنى الانقضاء ما هو فالنبواءت بذكره كثيرة في زبور داود وكلام أشعيا عليهما الصلاة والسلام أو حزقيال أو إرميا صلوات ربي وسلامه عليهم جميعا ، ونقل نص واحد يفي ببيان المقصود بذلك عن ذلك الكاتب الضليع بنبوءات القوم والمدرك لمعناها جيدا ، انقل ذلك ليفهم معنى كلام دانيال النبي مع انه صريح بأن دانيال دخل في جملة الرسل الذين أقت لهم تعالى للرجعة على ما ذكر في قوله عز وجل : ﴿ وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ . لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ . لِيَوْمِ الْفَصْلِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ . وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ .
ففي قوله هنا لدانيال : " وأنت اذهب إلى الإنقضاء " .
فذلك الكاتب ينقل بحق إيليا قوله : " وقد اكتتبه الرب لأقضية تجري في أوقاتها " .
ففي نص هذا الكلام يعرف المؤمن العاقل أن المعنى بذلك رجعة النبي دانيال كما الرسل الآخرين للدنيا قبل ما ينتهي وقتها للشهادة على الأشرار بأنهم كانوا كفرة ودينهم باطل وكذب وأن الحق بكلمات الله تعالى ولا محالة ناصرها والأمر ليس إلا على ما قاله تعالى أن له القضاء وإليه الحكم وليس لغيره من معبوداتهم من دونه ، فمن هو إله بالحق فهو من يقضي وسيحكم وسترجع إليه الأمور كلها .
ويلزم من رجعة دانيال بحسب هذا النص من سفره عليه الصلاة والسلام ، رجعة نوح وأيوب عليهما السلام وأن يكونا مع الأشهاد ، لما في سفر النبي حزقيال عليه الصلاة والسلام قوله في تعدد العذابات على أكثر من مدينة بأن لو كان بهم حينئذ أولئك الأنبياء فلن يخلصوهم بشفاعة إلا أولئك يخلصون أنفسهم ببرهم ، فقال :
وقد مر كلام الملاك بالمنام للنبي دانيال عن رجعته صريحا كما قرأتم وفي سورة الصافات التلميح لعودة النبي نوح عليه الصلاة والسلام : ﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ ، سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ ﴾ ، تركنا عليه فيهم بقية من حياته بالدنيا فسلام عليه حينئذ وكذلك نجزي المحسنين أي من اخترتهم ليكونوا شهودا على أممهم ، وهو سيكون شاهدا على ذريته في العالمين أي أجمعين كل من خرج من صلبه من ذريته سيكون شاهدا عليهم ، ولما يقول تعالى ( العالمين ) فيريد بذلك الجميع كقوله : ﴿اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ ﴾ ، من الجميع سواكم . فلا معنى ليكون عليه السلام في الجميع إلا برجعته عليه الصلاة والسلام ليكون مع أولئك الأشهاد المحسنين .
وعليه أقول : لما يقرن بالذكر على هذا اثنان من الأنبياء أنهما ممن يرجع ليشهد ويقرن بهم ثالث ، فهذا يعني أن الثالث سيكون معهم وهذا هو الوجه لذكره معهم هناك .
ونظير ما قال حزقيال النبي ، قال بذلك النبي ارميا عليهما الصلاة والسلام :
وَأُوْقِعُ عَلَيْهِمِ الرُّعْبَ وَالْهَوْلَ بَغْتَةً ﴾
فهذا مثل سابقه في التفسير .
﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ . يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ.وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ . فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ﴾
﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ . وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ . وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾
وغير من سبق قبل هناك أفراد من الأنبياء بعد وقوع السبي على بني اسرائيل أتت بكلامهم اشارات لاختيارهم مع الأشهاد ، كحزقيال وقريبا من عصرهم حبقوق وزكريا عليهم الصلاة والسلام ، فقال النبي حبقوق قال عليه الصلاة والسلام :
فالقارئ لها سيكون المهدي حين يهديه الله تعالى ويفتح على بصيرته فيعلم الحق الذي أراد الله تعالى ايقاعه وكتبه وقدره ، فيكون بذلك رجل مشورته وصاحب هداه وتقواه على الخصوص دون غيره في ذلك .
والمنتظر لها سيكون النبي نفسه الذي أوحى له تعالى بنبأ ذلك ، وكيف ينتظرها وهي للإنقضاء إلا أن يكون هو كذلك ممن اكتتب الله تعالى ووقت له أن يرجع آخر الزمان للإشهاد .
أما زكريا صلوات ربي وسلامه عليه فهو من أصرح الأنبياء نصا على العودة آخر الزمان ليقوم بالشهادة على الأشرار على ما قدر ذلك وقضى واختار القوي العظيم العليم الحكيم ، ليخزي الكفار والمنافقين ويعلمهم أن قد مكر بهم وأنه بالمرصاد ومحيط بقوته من خلفهم على مر الأجيال ومهما طالت بهم الأزمان .
ونراه بالنص التالي بعد ما يذكر البركة بنبوءته لعباد الله تعالى آخر الزمان وما يجري لهم في ذلك الوقت وكيف تسير الخلائق لمستقرهم ، فبين أنه هو كذلك سيسير مسارهم ، فيقول :
فيأتي شعوب كثيرون وأممٌ أقوياء لالتماس رب الجنود في المدينة واستعطاف وجه الرب . هكذا قال رب الجنود إنه في تلك الأيام ستمسك عشرة أناس من جميع ألسنة الأمم بذيل إنسان قائلين إنا نسير معكم فقد سمعنا أن الله معكم (1)﴾
أما نبي الله تعالى حزقيال فهذا النص من سفره وبه الإشارة لعودته مع الشهداء وهو من أصرح ما قيل في ذلك ، إذ قال هناك فيما سيصيبهم آخر الزمان مع التأكيد على تواجده في ذلك الوقت ، ما يلي :
في ذلك اليوم ينفتح فمك للمفلت وتتكلم ولا تكون بعد أبكم فتكون لهم آيةً فيعلمون أني أنا الرب﴾
ويقول : ﴿ عند وقوع الأمر وها انه قد وقع يعلمون أن نبيا كان بينهم ﴾
وهكذا لا زال ربنا تعالى يوحي بهذا القضاء وذلك الميعاد للكثير من رسله ومن آخرهم المصطفى صلى الله عليه وسلم كما هو ثابت بالقرآن مثل قوله تبارك وتعالى :
يجهلونه جهلا مطبقا لهذا لا يأتي منهم إيمان به :
﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى . أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى . ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى . فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى . أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾
ومن أعجب ما مر معي في هذا الباب تلميحات بعض النبوءات بتدوين اسماء من كتب للإشهاد بكتاب سمي "كتاب تذكرة " :
ويسميه في الزبور بـ " سفر الأحياء " فيقول :
اما اشعيا عليه الصلاة والسلام فيقول :
وقال :
ويقول حزقيال عنه صلى الله عليه وسلم :
أما دانيال عليه الصلاة والسلام فيقول :
طبعا يقصد الأشهاد من بني شعبه لأن معاصروا القضاء من اليهود كلهم كفرة لا رحمة لهم بل على رؤوسهم سيكون الخزي والعذاب ، لكن النبوءة هذه تريد نجاة من يرجع منهم وهم الأشهاد من الأنبياء والرسل وفي ضمنهم تلاميذ المسيح عليه الصلاة والسلام وقيل أصحاب الكهف والله أعلم .
اللهم إلا أن يكون هذا النص داخله التحريف وأن بأصله يريد نجاة المؤمنين من هذه الأمة ، ويبقى الشاهد أن الناجين ستكون لهم أسماء مدونة بذلك السفر ، وورد نص هذه النبوءة عن دانيال بلفظ آخر عند احدى مللهم قال هناك :
وَيَسْتَيْقِظُ كَثِيرُونَ مِنَ الأَمْوَاتِ الْمَدْفُونِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ ، بَعْضُهُمْ لِيُثَابُوا بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ لِيُسَامُوا ذُلَّ الْعَارِ وَالازْدِرَاءِ إِلَى الأَبَدِ ـ اشارة للاشهاد ولتلميذ المسيح الخائن ـ . وَيُضِيءُ الْحُكَمَاءُ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ يَشِعُّونَ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى مَدَى الدَّهْرِ . أَمَّا أَنْتَ يَادَانِيآلُ فَاكْتُمِ الْكَلاَمَ ، وَاخْتِمْ عَلَى الْكِتَابِ إِلَى مِيعَادِ النِّهَايَةِ وَكَثِيرُونَ يَطُوفُونَ فِي الأَرْضِ وَتَزْدَادُ الْمَعْرِفَةُ ﴾
﴿ قَدْ أَزِفَتِ الأَيَّامُ وَحَانَ تَحْقِيقُ كَلاَمِ كُلِّ رُؤْيَا .. لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ أَتَكَلَّمُ ، وَالْكَلِمَةُ الَّتِي أَقْضِي بِهَا تَتِمُّ ، مِنْ غَيْرِ مُمَاطَلَةٍ ، بَلْ هَا أَنَا أَنْطِقُ بِقَضَائِي فِي أَيَّامِكُمْ أَيُّهَا الشَّعْبُ الْمُتَمَرِّدُ وَأُنَفِّذُهُ فِي حِينِهِ ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ .
ثُمَّ أَوْحَى إِلَيَّ الرَّبُّ بِكَلِمَتِهِ قَائِلاً : « يَاابْنَ آدَمَ ، هَا شَعْبُ إِسْرَائِيلَ يَقُولُونَ : إِنَّ الرُّؤْيَا الَّتِي تَرَاهَا لاَ تَتِمُّ إِلاَ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ ، وَنُبُوءَتَكَ لاَ تَتَحَقَّقُ إِلاَ فِي أَزْمِنَةٍ بَعِيدَةٍ ، لِذَلِكَ قُلْ لَهُمْ : هَذَا مَا يُعْلِنُهُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: لَنْ يَتَأَخَّرَ بَعْدُ تَنْفِيذُ كَلِمَةٍ مِنْ كَلاَمِي الَّذِي قَضَيْتُ بِهِ ، فَكُلُّ كَلِمَةٍ نَطَقْتُ بِهَا لاَبُدَّ أَنْ تَتِمَّ ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ ﴾ " حزقيال "
ويقول عليه الصلاة والسلام في موضع آخر من سفره :
هُوَذَا شَرٌّ قَدْ أَقْبَلَ ، شَرٌّ لاَ مَثِيلَ لَهُ ، قَدْ أَزِفَتِ النَّهَايَةُ قَدْ أَزِفَتِ النَّهَايَةُ انْتَبَهَتْ لَكِ ، وَهَا هِيَ مُقْبِلَةٌ ، قَدْ حَلَّ بِكَ الْقَضَاءُ يَاسَاكِنَ الأَرْضِ ، وَأَزِفَ الْمَوْعِدُ ، اقْتَرَبَ يَوْمُ الاضْطِرَابِ لاَ يَوْمُ الْهُتَافِ فِي الْجِبَالِ . أَنَا مُوْشِكٌ عَلَى صَبِّ غَضَبِي عَلَيْكِ وَأَنْفُثُ غَيْظِي فِيكِ ، وَأَدِينُكِ بِمُقْتَضَى طُرُقِكِ ، وَأُجَازِيكِ عَلَى كُلِّ رَجَاسَاتِكِ ، فَلاَ تَتَرََّأفُ عَلَيْكِ عَيْنِي وَلاَ أَعْفُو ، بَلْ أُجَازِيكِ بِمُقْتَضَى طُرُقِكِ ، وَتَكُونُ رَجَاسَاتُكِ فِي وَسَطِكِ . وَعِنْدَئِذٍ تُدْرِكُونَ أَنِّي أَنَا الضَّارِبُ .
هَا هُوَ الْيَوْمُ قَدْ أَقْبَلَ قَدْ أَزِفَ الْقَضَاءُ وَأَزْهَرَ الظُّلْمُ وَأَفْرَخَتِ الْكِبْرِيَاءُ ، انْتَصَبَ الْجَوْرُ وَصَارَ عَصاً لِلشَّرِّ ، لِذَلِكَ يَفْنَى الظَّالِمُونَ وَتَفْنَى ثَرْوَتُهُمْ وَضَجِيجُهُمْ وَلاَ مَنْ يَنُوحُ عَلَيْهِمْ .
قَدْ حَانَ الْمَوْعِدُ وَاقْتَرَبَ الْيَوْمُ ، فَلاَ يَفْرَحَنَّ الْمُشْتَرِي وَلاَ يَحْزَنَنَّ الْبَائِعُ ، لأَنَّ الْغَضَبَ مُنْصَبٌّ عَلَى جُمْهُورِهِمْ بِأَسْرِهِ فَالْبَائِعُ لَنْ يَسْتَرِدَّ مَا بَاعَهُ مَهْمَا طَالَ بِهِ الْعُمْرُ لأَنَّ قَضَاءَ اللهِ يَنْطَبِقُ عَلَى كُلِّ جُمْهُورِهِمْ (2) وَلَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُمْ ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الشِّرِّيرِ أَنْ يَحْتَفِظَ بِحَيَاتِهِ .
قَدْ نَفَخُوا فِي الْبُوقِ ، وَأَعَدُّوا كُلَّ شَيْءٍ ، وَلَكِنْ لَيْسَ مَنْ يَذْهَبُ لِخَوْضِ الْقِتَالِ ، لأَنَّ غَضَبِي مُنْصَبٌّ عَلَى جُمْهُورِهِمْ ﴾
وبالعموم الآزفة هي النهاية وقد تعني كل العذاب العذاب الأدنى والأكبر ثم كشف الله تعالى عن مجده بعد ذلك بالمدينة المقدسة ، وقد تواطأت النبوءات على ذلك القرب بهذا الوصف كقوله تعالى المذكور أول هذا الفصل :
وقوله :
يؤكد تعالى على أنه لا زال ينذر منها على ألسنة رسله من قبل ، وهو ما يؤكد عليه بطول وعرض هذا الكتاب .
ويقول النبي هوشع عليه الصلاة والسلام في ذكرها :
وفي مراثي ارميا عليه الصلاة والسلام ما يفيد اقتران الآزفة بالخاتمة فيقول هناك :
وهو نظير ما قاله النبي حزقيال : ﴿ النَّهَايَةُ قَدْ أَزِفَتْ عَلَى زَوَايَا الأَرْضِ الأَرْبَعِ . قَدْ أَقْبَلَتِ النَّهَايَةُ عَلَيْكِ ﴾
ويفهم من هذا كله أن الآزفة مقدمة النهاية إن لم تكن هي ذاتها ، وأن بها ينزل العقاب ويحل الحساب ، وفيها تكون الخواتيم ، وسأذكر هنا شاهدان يدلان على ذلك من وحي الله لأنبيائه ، ذكر ذلك بما يتعلق بأحداث آخر الزمان تحديدا ، ما يدل على ما تقرر هنا بلا شك :
الأول : في فتنة جيش العراق على الكويت وهو الحدث المحوري لما ذكرت النبوءات ودارت عليه ، وأبرز علاماته كما تقرر في أكثر من مكان أعمدة النيران لآبار النفط الكويتي وأدخنتها حتى صنف بذلك كتاب " أعمدة النار والدخان " ، عن ذلك يقول ارميا النبي عليه الصلاة والسلام :
﴿ اصْطَفُّوا عَلَى بَابِلَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ يَاجَمِيعَ مُوَتِّرِي الأَقْوَاسِ ارْمُوا السِّهَامَ وَلاَ تُبْقُوا مِنْهَا سَهْماً وَاحِداً ، لأَنَّهَا قَدْ أَخْطَأَتْ فِي حَقِّ الرَّبِّ ، أَطْلِقُوا هُتَافَ الْحَرْبِ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، فَقَدِ اسْتَسْلَمَتْ وَانْهَارَتْ أُسُسُهَا ، وَتَقَوَّضَتْ أَسْوَارُهَا ، لأَنَّ هَذَا هُوَ انْتِقَامُ الرَّبِّ فَاثْأَرُوا مِنْهَا ، وَعَامِلُوهَا بِمِثْلِ مَا عَامَلَتْكُمْ ﴾
فبرزت تلك الفتنة لتحقيق كلام هذا السفر وغيره من أسفار طبعا من العراق ، وتأتي الخصوصية لهذا النبي لأنه أكثر من نبأهم عما سيجري عليهم لدمار الهيكل المقدس وحل بهم ذلك بوقته ، وتنبأ كذلك مع ذلك بما سيجري من الجيش العراقي آخر الزمان على أن الرابط في ذلك أن انتقام الله تعالى بجيشهم القديم من هيكله سيعاد بنفس الجيش لاثارة المقدمات لاقامة هيكل قدسه الثاني حتى يكون ذلك سبيلا للانتقام منهم لما فعلوا من قبل ولو كان في ذرياتهم المتأخرين فالنبوءات مؤجلة لزمن النهاية والله من سنته يبدء ويعيد فارتسمت على هذا النحو قدرا ، يدمر بهم الهيكل المقدس الأول ثم بدمارهم هم آخر الزمان يكون انطلاق اقامة الهيكل المقدس الثاني كما قال عليه الصلاة والسلام عن الله تعالى : ﴿ هَكَذَا وَفِي لَحْظَةٍ أَطْرُدُهُمْ مِنْهَا ، وَأُوَلِّي عَلَيْهَا مَنْ أَخْتَارُهُ لأَنَّهُ مَنْ هُوَ نَظِيرِي؟ وَمَنْ يُحَاكِمُنِي؟ وَأَيُّ رَاعٍ يَقْوَى عَلَى مُوَاجَهَتِي؟ ﴾
أقول : ولما جمع للنبي ارميا عليه الصلاة والسلام ذاك الجمع فاختلط عليهم بسبب ذلك هذا الأمر جراء ذلك أشد الخلط ، ووقع عليهم الإلتباس وتداخل بسبب ذلك المكر اليهودي والجهل والتحريف وعششت على مر القرون كل تلك الأدوات لتعمل بأسفار الأنبياء كل ما يمكنهم لتحريف النبوءات وطمسها عن العامة ، لكن الله تعالى الذي أنزل الذكر تعهد بحفظه رغم كل ذلك .
حتى تهكم عليهم سيبنوزا اليهودي من فرنسا لما رأى من تناقض صارخ ما بين ما نطقت به تلك النبوءات ودعواهم الخلاص ايام عزرا ونحميا ايام غزو الفرس لبابل بقيادة كورش المجوسي ، واستدل بقول اشعيا :﴿ فَتَتَرَنَّمُ الْجِبَالُ وَالتِّلاَلُ أَمَامَكُمْ بَهْجَةً وَتُصَفِّقُ أَشْجَارُ الْحَقْلِ بِأَيْدِيهَا غِبْطَةً ﴾ . فقال : لم يحصل هذا اهـ . قلت : لم يحصل لأنه كذب وافتراء على الله تعالى .
واليوم اليهود المتنفذون من خلال أمريكا وتحالفاتها أرادوا تطبيق هذا الوعيد بحق العراق ، هندسوها بعناية لتتحقق بكل تفاصيلها ، حتى تمثيلية اسقاط أصنام صدام أرادوها تلفازية ونشوة تحقيق النبوءات أخذت منهم كل مأخذ ، لأنهم يرون ذلك لهم لا عليهم .
ويقول النبي في سياق ذكر ذلك :
قَدْ نَصَبْتُ الشَّرَكَ فَوَقَعْتِ فِيهِ يَابَابِلُ مِنْ غَيرِ أَنْ تَشْعُرِي بِهِ . قَدْ وُجِدْتِ وَقُبِضَ عَلَيْكِ ، لأَنَّكِ خَاصَمْتِ الرَّبَّ . ازْحَفُوا عَلَيْهَا مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ ، وَافْتَحُوا أَهْرَاءَهَا اذْبَحُوا جَمِيعَ ثِيرَانِهَا ،أَحْضِرُوهَا لِلذَّبْحِ ، وَيْلٌ لَهُمْ لأَنَّ يَوْمَ مَوْعِدِ عِقَابِهِمْ قَدْ حَانَ ﴾
وليتنبه جيدا هنا لذكر ملك بابل والأشوري ففي ذلك دلالة باهرة على ارتباط القضائين على بني إسرائيل بالعراق قديما وحديثا !!
وتمعنوا أيضا بتلك المفردات :
( ازحفوا عليها من أقصى الأرض ) وقارنوا من أين قال النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام يبعث المهدي ؟! : (الَّذِي أَمْسَكْتُهُ مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ ، وَمِنْ أَقْطَارِهَا دَعَوْتُهُ ، وَقُلْتُ لَكَ : أَنْتَ عَبْدِيَ. اخْتَرْتُكَ وَلَمْ أَرْفُضْكَ ) .
وانظروا لخبر الروم من أين قال تعالى بغَلبهم : ﴿ غَلبَتّ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ ﴾ .
وكل هذا لتعيين مكان تلك الفتنة وأنها على طرف من الأرض والأرض لا تكون طرفا إلا عند نهر أو بحر ، وأنها ذات المكان الذي سيبعث الله تعالى منه المهدي ، هكذا أراد تعالى ولن يكون إلا مشيئته ، وهكذا هي سنته بالإخبار عن المغيبات وبينات تأويل الذكر آخر الزمان .
" اذبحوا ثيرانها احضروهم للذبح " ، وهذه أيضا قارنوها بواقع ما جرى ، طورد اشهر لتزين تمثيلتهم وتأخذ كما من المصداقية والتوافق مع النبوءات ، ثم مسك وقيد واحضر حرفيا للذبح على أيدي الرافضة المجوس وهم من ساهم بكل تلك التطبيقات على وفق توافق وتصالح واتفاقيات ابرمت من قديم بينهم وليس من تو ، تلك الاتفاقيات والتصالحات هي التي أتت بالخميني من فرنسا ، ومن بعد ما كان بلا لحية ويلف الكرافتة على رقبته جيء به ولبس العمامة واطلقت لحيته ليكون ما كان ، كما السيستاني في العراق تماما ، ووراء كل مؤامرة عمامة اليوم في زمان المجوس الرافضة ، وهؤلاء هم أوفق لكل ما يجري لأن مهدي الكذب من قبلهم ، أما مهدي الحق فهو عدوهم لا يمكن يتفقان ولا يجتمعان ، بل القضاء بينهم والفصل يحكمهم مشيئة من لا تنفذ إلا مشيئته .
أقول : وليس في ذلك كل الدلالات ، بل اقرأوا ماذا قال هذا النبي غير ما قال عليه الصلاة والسلام عن تلك الأحداث :
واقسم بربي لو وجدوا متغطرسا أكثر من صدام لما اقروا صدام ولأتوا به حتى تطبق تلك النبوءات على أكمل وجه ، ألم تكونوا تنظروا له حتى كيف يسير متقدما بكرشته متأخرا بقفاه يتمطط بذراعيه كجبار وليس بجبار فمصيره للحفرة وتلك المهازل ، وما ارتفع شيء عند نفسه إلا ووضعه الله تعالى مكر به أو لم يمكر به المجوس والأمريكان واليهود ، وصدام كان به محاكاة غريبة لذلك البرنامج ولو قال قائل هو لم يقتل بل مثل وباع العراق والآن هو بحماية امريكا كما تحمى الشهود لديهم في القضايا ويؤمن مصيره وتغير هويته واسمه لما كذبت ، فهؤلاء كلهم خونة وكلهم بلا عقل ولا دين وممكن منهم أي شيء .
المهم حوصرت وضربت وقتل جيشها ولا زال العراق ينزف دما ويصرع شبابه في الساحات قتل بكل مكان ، المهم حقا أنه يوم عقاب انزل بهم وانتقام رهيب ، وهكذا مشيئتته تعالى ، أن الأرض التي خرج منها جيش لتدمير هيكل قدسه السابق ، سيخرج منها جيش في آخر الزمان فيهجم على أرض ويدمرها حتى يخرج منها من سيحيي الله تعالى به هيكل قدسه الثاني ، فتبارك الله أحسن الخالقين العليم الحكيم العادل القوي الجبار المتكبر .
ويقول النبي ارميا مستأنفا تفاصيل ذلك السفر في أخبار بابل آخر الزمان :
ولا أظهر وأبين من تلك الدلالة وهي جفاف النهر وقد صرح المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك وهو من أشراط الساعة كما هو معلوم ، ما يؤكد على أن ذلك القضاء على العراق زمانه آخر الوقت وهو زماننا كما رأينا من كل تلك التفاصيل وغيره من الأنبياء كما سيمر معنا عن اشعيا وحزقيال كذلك عليهم الصلاة والسلام .
ويقول النبي ارميا أيضا مصرحة نبوءته هذه بتولية المهدي يومئذ :
ويوافقه اشعيا عليه الصلاة والسلام بقوله :
فانظروا للعجب العجاب هنا ، وكل من عرف دعوة الحق هذه وعرف وعرف تواريخ تلك الفتنة والهرج الذي اقترن بها ، وكان قريبا منها وسمع بدعوة الحق ووقف على كتب امامها سيوقن أن أمره حصل بعد طرد الجيش العراقي من الكويت وبعد ما رجعت الناس لها ممن تركها واستقروا هناك ، فتم بعد ذلك تعيينه بذلك الاختيار الرباني الذي نصت عليه هذه النبوءة ، فسبحان الفعال لما يريد القاضي بالحق وإليه ترجع الأمور .
وقد هوجمت وربي من كل جانب وحل جيشها ، وبالفعل جُنَت الشعوب والحكومات من فعل متغطرسها صدام حين مكر به واعدت لرجله الشبكة فسقط فيها المغفل ووقع المقدر المكتوب وبالتفصيل كما هو ظاهر .
انْصِبُوا رَايَةً عَلَى أَسْوَارِ بَابِلَ . شَدِّدُوا الْحِرَاسَةَ. أَقِيمُوا الأَرْصَادَ. أَعِدُّوا الْكَمَائِنَ ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ خَطَّطَ وَأَنْجَزَ مَا قَضَى بِهِ عَلَى أَهْلِ بَابِلَ . أَيَّتُهَا السَّاكِنَةُ إِلَى جُوَارِ الْمِيَاهِ الْغَزِيرَةِ ، ذَاتُ الْكُنُوزِ الْوَفِيرَةِ (3) ، إِنَّ نِهَايَتَكِ قَدْ أَزِفَتْ ، وَحَانَ مَوْعِدُ اقْتِلاَعِكِ .
قَدْ أَقْسَمَ الرَّبُّ الْقَدِيرُ بِذَاتِهِ قَائِلاً : لأَمْلأَنَّكِ أُنَاساً كَالْغَوْغَاءِ فَتَعْلُو جَلَبَتُهُمْ عَلَيْكِ ﴾
﴿ ارْفَعُوا عَلَمَ نَارٍ ، لأَنَّ الشَّرَّ أَشْرَفَ مِنَ الشِّمَالِ وَكَسْرٌ عَظِيمٌ ﴾
سبحان ربي ما أصدق هذا السفر النبوي ، أرأيتم كيف الاشارة لما حصل من تلك الأدخنة المتصاعدة من آبار النفط الكويتي التي أحرقها جيش صدام حسين ، وانظروا حتى اسمه ذو دلالة " صدام حسين " صدم أمر الحسين المهدي فأثاره لعنان السماء وظهرت أبرز دلالات بعثه لكل عين .
ظهرت الأمارة وارتفعت حتى بلغت عنان السماء وبلغت الغيوم ، من الساكنة بجوار البحر المياه الغزيرة حتى يدرك الجاهل أن المراد بحر الخليج لا الفرات ولا دجلة ، وهي ذات الكنوز الوفيرة التي نهايتها قد أزفت وحان وقت اقتلاعها كما نصت على هذا تلك النبوءة والقرآن المهيمن أكد على ذلك بكل جلاء فقال تعالى :
وقد كشف عنهم العذاب الأدنى بالفعل وصدق رب العالمين والآن هم قد عادوا وسيقتلعها بالبطشة الكبرى كما أخبر ومن أصدق من الله تعالى وعدا .
وفي حزقيال التصريح بموافقة القرآن في عودتهم المنصوص عليها هنا في سورة الدخان ، وسيأتي الكلام عن ذلك في نهاية هذا الفصل بعد ذكر أبرز علامات فتنتهم الدالة عليها عن النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام ، إن شاء الله تعالى .
الشاهد الثاني : ما ترتب على تلك الفتنة من جلب جيوش عديدة من دول شعوب كثيرة لتحرير الكويت ورد جيش العراق عنها على ما قاله النبي ارميا عليه الصلاة والسلام : ﴿ قَدْ أَقْسَمَ الرَّبُّ الْقَدِيرُ بِذَاتِهِ قَائِلاً : لأَمْلأَنَّكِ أُنَاساً كَالْغَوْغَاءِ فَتَعْلُو جَلَبَتُهُمْ عَلَيْكِ ﴾
ونصبوا عليهم قائدا مثل ما نصت تلك النبوءة تماما لأنهم حريصون على التطبيقات أن تكون بارزة ﴿ أَقِيمُوا عَلَيْهَا قَائِداً ﴾
﴿ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ، حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ، وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾
نعم ، إنهم الغوغاء يأجوج ومأجوج ينسلون من كل جانب على بابل العصرية ، حان دمارها وهلاك قادتها وحرام عليهم أن يرجعون لسلطانهم ولن يحكموها قط بعد ذلك .
وسيأتي لاحقا إن شاء الله كلام أنبياء غير ارميا عن تلك الأحداث وينص بعضهم على أن أحداثهم تلك من البراهين على قرب الأمر العظيم كما في قوله تعالى في القرآن بعد ذكره لخبرهم فقال : ﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ ، يريد الكشف عن جلال بهائه تبارك وتعالى حتى ينظر العالم كله لتلك الآيات العظيمة المبينة .
وفي ذلك أبين البراهين على أن أمر يأجوج ومأجوج متعلق بقضاء الله عز وجل على بابل وأنه ليس مما لم يقع وأنهم لا زالوا مجاهيل خلف سد ما لا يدرى أين هو على وجه الأرض إلى الآن ، كما هو اعتقاد الكثير من السذج اليوم ، وفي ذلك قضاء آخر لله تعالى بأن أمره هذا لا يأتي هؤلاء إلا وهم في غفلة عنه ولا شعور لهم به بتاتا ، ولي رد على أحدهم في ذلك بكتاب : غفلة التويجري وسذاجة اعتقاده في يأجوج ومأجوج .
فإرميا النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنبأ في ذلك على الشعوب كلها فقال : وَأَجْلِبُ عَلَى تِلْكَ الأَرْضِ كُلَّ كَلاَمِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ عَلَيْهَا ، كُلَّ مَا كُتِبَ فِي هذَا السِّفْرِ الَّذِي تَنَبَّأَ بِهِ إِرْمِيَا عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ اهـ .
﴿ هَا صَوْتُ صُرَاخٍ يَتَرَدَّدُ فِي بَابِلَ ، صَوْتُ جَلَبَةِ دَمَارٍ عَظِيمٍ ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ خَرَّبَ بَابِلَ ، وَأَخْرَسَ جَلَبَتَهَا الْعَظِيمَةَ ، إِذْ طَغَتْ عَلَيْهَا جَحَافِلُ أَعْدَائِهَا كَمِيَاهٍ عَجَّاجَةٍ ، وَعَلاَ ضَجِيجُ أَصْوَاتِهِمْ ، لأَنَّ الْمُدَمِّرَ قَدِ انْقَضَّ عَلَى بَابِلَ وَأَسَرَ مُحَارِبِيهَا ، وَتَكَسَّرَتْ كُلُّ قِسِيِّهَا ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهُ مُجَازَاةٍ ، وَهُوَ حَتْماً يُحَاسِبُهَا .
إِنِّي أُسْكِرُ رُؤَسَاءَهَا وَحُكَمَاءَهَا وَمُحَارِبِيهَا ، فَيَنَامُونَ نَوْماً أَبَدِيّاً لاَ يَقْظَةَ مِنْهُ ، يَقُولُ الْمَلِكُ ، الرَّبُّ الْقَدِيرُ اسْمُهُ ﴾
وقد أسروا بالفعل وهلكوا ولا قيامة لهم من بعد أبدا .
وفي ختم ذلك السفر قال كاتبه : وَكَانَ إِرْمِيَا قَدْ دَوَّنَ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ جَمِيعَ الْكَوَارِثِ الَّتِي سَتُبْتَلَى بِهَا بَابِلُ ، أَيْ جَمِيعَ النُّبُوءَاتِ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ بَابِلَ . وَقَالَ إِرْمِيَا لِسَرَايَا: « حَالَمَا تَصِلُ إِلَى بَابِلَ ، اعْمَلْ عَلَى تِلاَوَةِ جَمِيعِ هَذِهِ النُّبُوءَاتِ . وَقُلْ : أَيُّهَا الرَّبُّ قَدْ قَضَيْتَ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ بِالانْقِرَاضِ ، وَمَتَى فَرَغْتَ مِنْ تِلاَوَةِ هَذَا الْكِتَابِ ، ارْبُطْ بِهِ حَجَراً وَاطْرَحْهُ فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ . وَقُلْ : كَذَلِكَ تَغْرَقُ بَابِلُ وَلاَ تَطْفُو بَعْدُ لِمَا أُوْقِعُهُ عَلَيْهَا مِنْ عِقَابٍ فَيَعْيَا كُلُّ أَهْلِهَا». إِلَى هُنَا تَنْتَهِي نُبُوءَاتُ إِرْمِيَا اهـ .
ومن نبوءاته عليه الصلاة والسلام قوله :
إذا كل تلك الأحداث قصد تعالى لاثارتها لأنه غضب ولن يرجع غضبه حتى يوقع كل ما قدره تعالى ، وها هي كما علمت البشرية كلها الآن كيف ثارت الأنواء بعد ذلك وهاجت العواصف على رؤوس الأشرار ، ما يثبت بإتباع هذا ذاك أنا حقا في آخر الأيام ، وقد أدركتم ذلك يا أشرار العالم وآن استئصالكم للأبد كما استؤصل متغطرس بغداد .
﴿ لَقَدْ عَاقَبْتَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَوَجَّعُوا ، أَهْلَكْتَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ أَبَوْا التَّقْوِيمَ صَلَّبُوا وُجُوهَهُمْ أَكْثَرَ مِنَ الصَّخْرِ ، وَرَفَضُوا التَّوْبَةَ . فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: « إِنَّمَا هُمْ مَسَاكِينُ حَمْقَى ، يَجْهَلُونَ طَرِيقَ الرَّبِّ وَقَضَاءَ إِلَهِهِمْ .
اسْمَعْ هَذَا أَيُّهَا الشَّعْبُ الأَحْمَقُ الْغَبِيُّ ، يَامَنْ لَهُ عُيُونٌ وَلَكِنَّهُ لاَ يُبْصِرُ ، وَلَهُ آذَانٌ وَلَكِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ .
أَلاَ تَخْشَوْنَنِي ؟ يَقُولُ الرَّبُّ ، أَلاَ تَرْتَعِدُونَ فِي حَضْرَتِي؟ قَدْ جَعَلْتُ الرَّمْلَ حَدّاً لِمِيَاهِ الْبَحْرِ ، حَاجِزاً أَبَدِيّاً لاَ يَتَخَطَّاهُ . تَتَلاَطَمُ أَمْوَاجُهُ وَلَكِنَّهَا تَعْجِزُ عَنْ تَعَدِّيهِ ، وَتَهْدِرُ وَلَكِنَّهَا لاَ تَتَجَاوَزُهُ . أَمَّا هَذَا الشَّعْبُ فَذُو قَلْبٍ مُتَمَرِّدٍ عَاصٍ ، ثَارُوا عَلَيَّ وَمَضَوْا ، وَلَمْ يَتَنَاجَوْا فِي قُلُوبِهِمْ قَائِلِينَ : لِنَتَّقِ الرَّبَّ إِلَهَنَا الَّذِي يُغْدِقُ الْمَطَرَ فِي مَوَاعِيدِهِ فِي مَوْسِمَيِ الرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ ، وَيَحْفَظُ لَنَا أَسَابِيعَ الْحَصَادِ حَسَبَ مَوَاقِيتِهَا .
غَيْرَ أَنَّ آثَامَكُمْ قَدْ حَوَّلَتْ عَنْكُمْ هَذِهِ الْبَرَكَاتِ ، وَخَطَايَاكُمْ حَرَمَتْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ . فَفِي وَسَطِ شَعْبِي قَوْمٌ أَشْرَارٌ يَكْمُنُونَ كَمَا يَكْمِنُ الْقَنَّاصُونَ لِلطُّيُورِ ، وَيَنْصِبُونَ الْفَخَّ ِلاقْتِنَاصِ النَّاسِ .
بُيُوتُهُمْ تَكْتَظُّ بِالْخَدِيعَةِ كَقَفَصٍ مَمْلُوءٍ طُيُوراً ، لِذَلِكَ عَظُمُوا وَأَثْرَوْا . ازْدَادُوا سِمَناً وَنُعُومَةً ، وَارْتَكَبُوا الشَّرَّ مُتَجَاوِزِينَ كُلَّ حَدِّ. لَمْ يَحْكُمُوا بِعَدْلٍ فِي دَعْوَى الْيَتِيمِ حَتَّى تَنْجَحَ، وَلَمْ يُدَافِعُوا عَنْ حُقُوقِ الْمَسَاكِينِ. أَفَلاَ أُعَاقِبُهُمْ عَلَى هَذِهِ الأُمُورِ؟» يَقُولُ الرَّبُّ. أَلاَ أَنْتَقِمُ لِنَفْسِي مِنْ أُمَّةٍ كَهَذِهِ ﴾ " ارميا "
لما كانوا بجوار البحر أخذ يعرض به لهم فالبطشة قادمة والانذار قائم والمهدي لا زال من بعد قيام البينات والبراهين وتقدمه بالحجة عليهم واظهار التفاسير لآيات الله عز وجل وكشف عن دعوته وأظهر براهين أمره نقلا شرعيا واثباتا واقعيا دون ذلك وفصله كله وأذاعه ولا زال وهو يدعو كما قال النبي ارميا عليه الصلاة والسلام بنبوءته عنه :
﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴾
﴿ لأَنَّكَ أَقَمْتَ حَقِّي وَدَعْوَايَ جَلَسْتَ عَلَى الْكُرْسِيِّ قَاضِيًا عَادِلاً ﴾
أقول : وجعل من علامات ذلك فشو السمنة فيهم وفي غيرهم ممن يعاصرهم وهو واقع مشاهد اليوم ، فأمر الله تعالى هذا تواتر تحقق الشهادات له من كل جانب ، وقد تصيدوا عباد الله في كل مكان كما قدر تعالى تماما ، وقد زاد ثرائهم للحد الغير مسبوق ( مر تحت هامش رقم 3 آخر اثبات على ذلك ) .
وهذا من نبوءاته وبها تعريض لهم بالحر عكس ما سيكون عليه المهدي والمباركة له ، وقد شاهد العالم كيف أن الحر جلب عليهم واشتهر فيهم وبان أثره بإذن الله تعالى على وجه الأرض ، وهي علامة تحققت تضاف لغيرها حتى يوقن العاقل أن قضاء الله حقا نزل بالأرض وأن الآزفة دنت بالمقدر العظيم حين يكشف تعالى عن ارادته وجلال عظمته فينظر العالم ولا ترتد أبصارهم .
وَيَكُونُ أَبْنَاؤُهُمْ مُفْلِحِينَ كَمَا فِي الْعَهْدِ الْغَابِرِ ــ هذه سيأتي شرح معناها العظيم في فصل مستقل عند الكلام باسهاب على اسم جبل أحد بباشان ــ ، وَيَثْبُتُ جُمْهُورُهُمْ أَمَامِي ، وَأُعَاقِبُ جَمِيعَ مُضَايِقِيهِمْ ، وَيَكُونُ قَائِدُهُمْ مِنْهُمْ ، وَيَخْرُجُ حَاكِمُهُمْ مِنْ وَسَطِهِمْ فَأَسْتَدْنِيهِ فَيَدْنُو مِنِّي ، إِذْ مَنْ يَجْرُؤُ عَلَى الاقْتِرَابِ مِنِّي مِنْ نَفْسِهِ؟ وَتَكُونُونَ لِي شَعْباً وَأَكُونُ لَكُمْ إِلَهاً ﴾
وبعد أن انتهيت من التعليق على ما ورد في سفر ذلك النبي الكريم سأبين لاحقا أنه لم ينفرد بذلك بل كان سبقه النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام الذي ميزه الله تعالى بوحيه عن العواقب والخواتيم تلك بروح قوية جدا كما قرر ذلك كاتب عهدهم القديم ومما قاله عليه الصلاة والسلام في ذلك :
وَتُوَلِّي جُيُوشُ بَابِلَ الأَدْبَارَ حَتَّى يَنْهَكَهَا التَّعَبُ ، عَائِدِينَ إِلَى أَرْضِهِمْ كَأَنَّهُمْ غَزَالٌ مُطَارَدٌ أَوْ غَنَمٌ لاَ رَاعِيَ لَهَا ، كُلُّ مَنْ يُؤْسَرُ يُطْعَنُ ، وَمَنْ يُقْبَضُ عَلَيْهِ يُصْرَعُ بِالسَّيْفِ ، وَيُمَزَّقُ أَطْفَالُهُمْ عَلَى مَرًْأى مِنْهُمْ ، وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ ، وَتُغْتَصَبُ نِسَاؤُهُمْ ﴾
وقد كان كل ذلك وثار الدخان العلامة واشتعلت تلك النيران ، وآخر صيحات الناس هناك ولا زال اضطراب ذلك لهذه اللحظة التي أفصل بها هنا ، بسبب اغتصاب نساء سنيات في سجون أذناب المجوس الرافضة ، وقتلت الناس هناك من بداية فتنتهم لهذا اليوم كبار وصغار نساء ورجال قتل بكل مكان وظهر بذلك الهرج الذي كان يخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم .
ولما كان اخبار النبي عن تلك الأحداث التي جرت بغزو المتغطرس لمخزنة الكنوز وأنهم حقا كانوا المعنيين بكل ما قاله تمعنوا بما يقوله هنا جيدا غير ما ذكر :
هنا يعني الجيوش التي سعت لصده وطرده وتحرير أم الكنوز من براثنه ، وقيادتهم كما علمتم بيد أمريكا فهم الأساس كانوا ويخصهم هذا الوصف كما عند اشعيا وغيره بالقرآن كذلك وهم حقا يأجوج فقال النبي : ( يُقْبِلُونَ مِنْ أَرْضٍ نَائِيَةٍ ، مِنْ أَقْصَى السَّمَاوَاتِ ) ، فأرضهم حقا نائية ولما كانت البحار بينهم وبين أرض تلك الأحداث قال يأتون من أقصى السماوات ولم يقل الأرض ، لأنهم يأتون من أرضهم النائية ومن الهواء ينزلون .
وحين يستشكل الغافل نسبتهم جندا لله فليعلم أن وعد الله حق وأنهم نسبوا لانهم عباده ويسلطهم على من يشاء من عباده ، ومثل ما سلط على الهيكل من قبل عبادا له هو الآن يسلط على ذرية أولئك عبادا له بالمثل والعود كما البداية قرر ذلك بسورة الإسراء فقال تعالى هناك :
هنا في القضاء الأول والثاني الأخير بين تعالى أن بعد افسادهم الأول سيسلط عليهم عبادا له وبالاتفاق والاجماع المعني هنا جيوش نبوخذ نصر العراقي وكان رأسا في الشرك لكن نسبهم للعبودية لأنه خالقهم سبحانه ، ومثلهم جيوش التحالف نسبوا للعبودية والجندية بالاضافة لأنهم عبادا له وهو خالقهم ، ولا يعني ذلك صلاحهم أبدا ، إنما يعني أنهم من مخلوقاته يسلطهم على من يشاء ، فكما سلط جيش العراق الأول على الهيكل المقدس وأهله ، عاد فسلط هؤلاء على ذرية أولئك ، أولئك في القضاء الأول ، وهؤلاء في القضاء الثاني ، يبدأ ويعيد تبارك العلي الحميد .
وبالفعل هاهم في القضاء الثاني يسلطون على أولئك الحثالات ولا تغركم أمريكا بالواجهة وحميرها معها ، فالأمر لليهود والظهور والغلبة لهم ، القرآن يكشف تلك الحقيقة ولو قالوا أنهم مسيرون باراداتهم وديمقراطياتهم فهم أكذب من الشيطان ، وإنما يقودهم الشيطان حقا وحزبه اليهود من خلال العجل !!
ومثل ما كان التسليط الأول وعدا مفعولا ومبلغا لأنه مقضي به والقضاء لا بد يبلغ وينبأ عنه قبل ما يكون ، كان أيضا التسليط الثاني الأخير قضائه مبلغ ومفصل عنه قبل ما يكون .
وهكذا كان أمر يأجوج بسبب تلك الفتنة وأتوا كما أخبر الأنبياء والرب بالقرآن من كل حدب وصوب ومن أقصى السماوات كما قال النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام ولم يقل الأرض لأنه كما قلت يريد نزولهم من الهواء ليتحقق قوله تعالى : ﴿ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ﴾ ، وقد تحقق ذلك حقا فأتوا من كل جهة حتى من السماء ينزلون لتلك الأرض ليتم قضاء الله عز وجل كما ذكر بالتفصيل .
وأودع هذا النبي عليه الصلاة والسلام بين ثنايا نبوءاته عدة دلالات أو أمارات ليهتدي الناس لتعيين تلك الفتنة وأهلها ، فمن قبل قال بحجب كواكب السماء والشمس بسبب الدخان وزاد في هذا الخصوص ايضاحا فقال :
ولأنه يعني نيرانا ستكون مصدرا لذلك المسح ومقصده الدخان ، قال :
ولأنه يعني حينذاك سيتحقق بعث المختار الرسول مهدي الله تعالى وخليفته قال :
ويحشد اكثر من علامة بالنص التالي تزيد التعيين دلالات فيقول :
وبالفعل هربوا ولم يخلفهم أحد بالملك واندفقت تلك الزيوت لتشق أرضهم أنهارا وفاض حتى بلغ البحر .
ثم يزيد النبي هنا بالدلالات لتفيد نبوءاته التعيين القطعي لهؤلاء ولا يشك بذلك بعدها إلا من لا عقل له ولا وعي فيقول :
صَوْتُ جُمْهُورٍ عَلَى الْجِبَالِ شِبْهَ قَوْمٍ كَثِيرِينَ صَوْتُ ضَجِيجِ مَمَالِكِ أُمَمٍ مُجْتَمِعَةٍ . رَبُّ الْجُنُودِ يَعْرُضُ جَيْشَ الْحَرْبِ . يَأْتُونَ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ ، مِنْ أَقْصَى السَّمَاوَاتِ ، الرَّبُّ وَأَدَوَاتُ سَخَطِهِ لِيُخْرِبَ كُلَّ الأَرْضِ .
وَلْوِلُوا لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ ، قَادِمٌ كَخَرَابٍ مِنَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، لِذلِكَ تَرْتَخِي كُلُّ الأَيَادِي ، وَيَذُوبُ كُلُّ قَلْبِ إِنْسَانٍ. فَيَرْتَاعُونَ . تَأْخُذُهُمْ أَوْجَاعٌ وَمَخَاضٌ . يَتَلَوَّوْنَ كَوَالِدَةٍ . يَبْهَتُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ .
وُجُوهُهُمْ وُجُوهُ لَهِيبٍ ــ هذا وصف قاطع للجيش الأمريكي بوجوههم التي تميل للحمرة وقد اتفق معه المصطفى عليه الصلاة والسلام بوصفهم كالمجان المطرقة أي المحماة للطرق و التصنيع من أثر النار ــ .
هُوَذَا يَوْمُ الرَّبِّ قَادِمٌ ، قَاسِيًا بِسَخَطٍ وَحُمُوِّ غَضَبٍ ، لِيَجْعَلَ الأَرْضَ خَرَابًا وَيُبِيدَ مِنْهَا خُطَاتَهَا .
فَإِنَّ نُجُومَ السَّمَاوَاتِ وَجَبَابِرَتَهَا لاَ تُبْرِزُ نُورَهَا. تُظْلِمُ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا ، وَالْقَمَرُ لاَ يَلْمَعُ بِضَوْئِهِ . وَأُعَاقِبُ الْمَسْكُونَةَ عَلَى شَرِّهَا ، وَالْمُنَافِقِينَ عَلَى إِثْمِهِمْ ، وَأُبَطِّلُ تَعَظُّمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ ، وَأَضَعُ تَجَبُّرَ الْعُتَاةِ ﴾
وأظهر تلك الدلالات وصفه للجبل الذي بقربه ستكون كل تلك الأحداث وتحقق كل تلك الدلالات ، بالأقرع أي الذي لا زرع عليه ولا شجر ، وهو بالفعل الوصف المنطبق تماما على تلك التلول الرملية .
كذلك وصف وجوه أولئك القادمون من أقصى السماوات بما بينت في تعليقي بين نصوص تلك النبوءة .
ويقول عليه الصلاة والسلام في ذكر ذلك الجبل وعن وقائع تلك المعارك :
وَيَقُولُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ : « هَا هُوَ إِلَهُنَا الَّذِي انْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا ، هَذَا هُوَ الرَّبُّ الَّذِي انْتَظَرْنَاهُ نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِهِ لأَنَّ يَدَ الرَّبِّ تَسْتَقِرُّ عَلَى هَذَا الْجَبَلِ ﴾
يريد أنه سيكشف بتلك الأحداث عن قدره وقضائه العظيم بتحقيق بعث المختار ليتم الخلاص الذي وعد به الرب عز وجل ، ولما كان بعثه سيتم بعلم الله عز وجل بالرؤيا أوحي لنبيه اشعيا عليه الصلاة والسلام ليتنبأ على ذلك الجبل وأهله وينسبهم لتلك الرؤيا التي سيبعث بها المهدي فقال النبي :
وهنا يضيف النبي للدلالات دلالات لا يمكن تنطبق بالتوافق مع ما ذكر قبل من دلالات إلا على هؤلاء ، إذ هربت قياداتهم فرارا فروا وترك البلاد والعباد ، وشعبهم غير من هرب اسروا جميعا وضرب عليهم الحصار كما قالت كل النبوءات ومنها نبوءة اشعيا الأخيرة هذه ، ولم يتفق لشعب ما بأي حدث أن فرت قيادته وأسر شعبهم كله ، كل الشعب بات تحت الحصار إلى أن تم تحريرهم من براثن جيش ذلك الطاغية المتغطرس ، وهل يمكن انكار ذلك ؟!
وهكذا جاء جيش العراق ثم هزم وجاء العجاج جيوش يأجوج وكثرت الجلبة وبرز القتال وكثرت الأسلحة .
ثم يختم النبي بعد كل تلك التفاصيل بقوله :
وَأُثَبِّتُهُ وَتَدًا فِي مَوْضِعٍ أَمِينٍ ، وَيَكُونُ كُرْسِيَّ مَجْدٍ لِبَيْتِ أَبِيهِ ، وَيُعَلِّقُونَ عَلَيْهِ كُلَّ مَجْدِ بَيْتِ أَبِيهِ ﴾
وانظروا للخلاص الحقيقي على ما بين النبي اشعيا لا دعوى الكذب عليه كما فعلت أبالسة يهود حين حرفوا كلامه ونسبوه لغير أهله فقال صلى الله عليه وسلم عن تلك الأحداث وكيف أن الخلاص بعدها ، وأن دعوة الرب عباده للتوبة لا زالت مفتوحة لمن أراد ومن أبى فله العصا بقادم الأيام بيد مختاره ووليه الرسول ، فقال النبي من قبل كما قال تعالى في سورة الإسراء ﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ :
لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ مُمَاثِلَةً لأَفْكَارِكُمْ ، وَلاَ طُرُقَكُمْ مِثْلُ طُرُقِي ، يَقُولُ الرَّبُّ . فَكَمَا ارْتَفَعَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ ، كَذَلِكَ ارْتَفَعَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ ، وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ .
وَكَمَا تَهْطِلُ الأَمْطَارُ وَيَنْهَمِرُ الثَّلْجُ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلاَ تَرْجِعُ إِلَى هُنَاكَ ، بَلْ تُرْوِي الْحُقُولَ وَالأَشْجَارَ ، وَتَجْعَلُ الْبُذُورَ تُنْبِتُ وَتَنْمُو وَتُثْمِرُ زَرْعاً لِلْفَلاَحِ وَخُبْزاً لِلْجِيَاعِ ، هَكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَصْدُرُ عَنِّي مُثْمِرَةً دَائِماً، وَتُحَقِّقُ مَا أَرْغَبُ فِيهِ وَتُفْلِحُ بِمَا أَعْهَدُ بِهِ إِلَيْهَا . لأَنَّكُمْ سَتَتْرُكُونَ بَابِلَ بِفَرَحٍ وَسَلاَمٍ فَتَتَرَنَّمُ الْجِبَالُ وَالتِّلاَلُ أَمَامَكُمْ بَهْجَةً وَتُصَفِّقُ أَشْجَارُ الْحَقْلِ بِأَيْدِيهَا غِبْطَةً ، وَحَيْثُ كَانَ الشَّوْكُ وَالْقُرَّاصُ ، تَنْمُو أَشْجَارُ السَّرْوِ وَالآسِ: فَيَكُونُ ذَلِكَ تَخْلِيداً لاسْمِ الرَّبِّ وَعَلاَمَةً أَبَدِيَّةً لاَ تُمْحَى ﴾
هنا عبث يهود فادعوا للراجعين بعد تحطيم مسجد سليمان عليه الصلاة والسلام هذه النبوءة وقد كذبوا ورد عليهم من بني جلدتهم سيبينوزا فأعلن أن هذه النبوءة كما قلت قبل لم تتحقق وبغضوه لذلك أشد البغض لأنه قال الصدق ، والمراد بالخروج من بابل هنا والالتحاق لقدس الله تعالى بمدينة السلام مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم هو أمر عام كما قاله النبي اشعيا نفسه لا يختص ببابل بل عند النداء والصيحة ليجتمع عباد الله تعالى من كل مكان ليحققه الله تعالى جمع شعبه المضطهد بكل مكان ممن اتقاه وطلب وجهه ، وقاله مؤكدا عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق عليه ونقلته قبل انه استقبل كل ناحية ودعى يقبل الله تعالى بقلوبهم للمدينة .
لكن هؤلاء الشياطين حرفوا وبدلوا ونسبوا هذا الأمر الجلل لهم وهو سيكون عليهم : فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ .
وكانت حجة ذلك الفيلسوف اليهودي عليهم هذا النص عن اشعياء تحديدا :
كانت حجته عليهم أن هذا لم يحدث قط , وقد صدق لأنه من اعمال الله تعالى التي لن تكون إلا آخر الزمان بعد أن يجمعهم من أطراف الأرض كلها ليحقق قضائه عليهم عز وجل وهو الذي تم بزماننا ، وليس هو مما حصل في السابق فتلك كانت كذبة كبرى منهم على الله تعالى ورسله ولم يكن ذلك من اعمال الله تعالى ولا أمره ، بل اليوم لما رجع بهم عمل ذلك بحكمته وقدرته وتدبيره ، فعاد بهم لا لينجوا بل ليفضحوا ويخزوا وتسود وجوههم .
أقول : وأنا بدوري مما أرد عليهم فيه أن التالي لم يحصل بعد رجوعهم الكاذب لهيكلهم المهدوم المحرق والمنجس تحت أقدام جيش العراق في ذلك الوقت :
فهذا الحق لم يحصل كما لم تفجر الأنهار وتنكشف الأرض عن الجنان ، بل ماذا فعل الأنجاس الأرجاس يومها زعموا المخلص لكورش الفراسي الوثني عابد النار ، فانظروا كيف عتاة الكفر متهمي الانبياء بالفواحش والآثام ، ومنهم من قتلوا ، فانظروا كيف العتاة يسخرون من ذكر الله تعالى وآيات البينات ؟
انْظُرُوا، هَا هُمْ يُقْبِلُونَ مِنْ دِيَارٍ بَعِيدَةٍ ، هَؤُلاَءِ مِنَ الشَّمَالِ وَالْغَرْبِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ أَرْضِ سِينِيمَ ،فَاهْتِفِي فَرَحاً أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَابْتَهِجِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ وَأَشِيدِي بِالتَّرْنِيمِ أَيَّتُهَا الْجِبَالُ ، لأَنَّ الرَّبَّ عَزَّى شَعْبَهُ وَرَأَفَ بِبَائِسِيهِ ﴾
هذا هو الحق أن يكون الذهاب لقدس الله تعالى الجديد من كل مكان وليس كما فعلت الشياطين وادعت من بابل على الخصوص ، ويكون وقت اجتباء رباني وعلى رأس أولئك مختاره ورسوله ، فمن كان يقودهم يومها ؟
كذاب دعي من أحبار النفاق والدجل .
وأقول : وليست الحجة عليهم فقط فيما ذكر هنا لنعلم أنهم كانوا يكذبون على الله تعالى وذكره ، بل إن الله تعالى لم يتجلى في قدسه ويكشف للعالم عن بهاء حضرته تبارك وتعالى كما سيفعل من جبل مدينة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كما قال الأنبياء ومنهم بالأخص اشعيا صلوات ربي وسلامه عليه من نبئ بروح قوية كما قال كاتب عهدهم القديم عن العواقب والخواتيم آخر الزمان ، قال عليه الصلاة والسلام :
سموها صهيون واورشليم ولقبوا أنفسهم بذلك " صهاينة " ويلمزهم الحمقى والضلال الجهلة بالصهاينة وفي أصله إنما ينادونهم بما يفخرون به ، ويريدون سبهم فيمدحونهم بالكذب والبهتان ، وهكذا مكرهم سرى على العمي والهلكى لكن له وقت وينتهي بالفضح وقد اقترب يا كذبة وما لكم عند الله تعالى إلا قضاء الحق الذي كرهتم وكفرتم به .
لا ويتبجح انتنهم - رئيس وزرائهم الحالي - فيقول خلال جلسة للبرلمان الاسرائيلي (الكنيست) عن ذكرى احتلال اسرائيل للقدس الشرقية العربية حين احتلت الضفة الغربية في حرب عام 1967 : ان القدس واسمها العبري البديل " صهيون " وردت 850 مرة في العهد القديم او التوراة .
وأضاف : " اما بالنسبة لعدد المرات التي وردت فيها القدس في الكتب المقدسة للاديان الاخرى أوصيكم بأن تراجعوا هذا " .
واستنادا الى هذا التفسير تطلق اسرائيل على القدس اسم عاصمتها " الموحدة " وهو توصيف غير معترف به في الخارج اذ يؤيد العديد من القوى الكبرى مطالب الفلسطينيين بان تكون القدس الشرقية العربية عاصمة لدولتهم المستقبلية .
وبعد ان قاطعه نائب من عرب اسرائيل في الكنيست قال نتنياهو " لانك سألت .. القدس ذكرت 142 مرة في العهد الجديد ولم يرد في القران اسم واحد من بين 16 اسما عربيا للقدس . لكن في تفسير موسع للقران من القرن الثاني عشر يقال ان هناك اية تشير الى القدس " .
يشكك الكافر الكاذب بالقرآن لتعدد نسخه يعني وأن ببعضها ما لم يذكر ببعض ، وكذبهم مفضوح ولن يستر الله تعالى عليه بل قضى سبحانه عليهم بالرجوع للخزي وظهورهم مؤقت لحين يدبر المولى عز وجل لذلك الفضح والخزي المقدر عليهم ، وقد اقترب وعد الله : ﴿ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ، كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا ولاتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾ . (4)
وأختم النقل عن النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام بآخر الدلالات التي عددتها عنه في تلك الفتنة وأبرز ما حصل فيها ويدل على أن الأنبياء إنما كانوا يخبرون عن تلك الواقعة وأنها مثار تحقق الذكر والبينات ، فقال عليه الصلاة والسلام في وصف ذلك المتغطرس المسؤول عنها والتي على يديه تحققت ، فقال :
وهذه أهم الأسباب والنتائج التي تحصلت لصدام حسين من تلك الهجمة على الكويت ، فضمها وبذلك غير في تخوم الأرض ، تلك الحدود التي دارت رحاها لتأويل الكتاب والذكر الحق المبين ، وتلك التخوم تحديدا هي التي أقسم تعالى بها في القرآن لأنه يعني كل تأويل ذكره هناك فأقسم بها لهذا السبب فقال تعالى :
ولأنه أراد تلك التخوم قرن بذكر قسمه نار آبارهم التي أوقدوا وثار ذلك الدخان فصعد حتى بلغ عنان السماء .
وليست تلك التخوم هي أهم ما يقع تحت ذلك القسم الرباني القرآني ، بل حتى تخوم جبل أحد محل قدسه العظيم وبهاء مجده الباهر ، وتخوم مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، هي داخلة بذلك القسم وهي الأولى بذلك وكيف لا وهي محل قدسه ومجتمع مهاجرة المفديين المنتخبين من لدنه عز وجل على ما قال جبريل عليه الصلاة والسلام لما أسري بحبيب الله ومصطفاه عليه الصلاة والسلام ، أمره حين ذاك بالنزول والصلاة بمكان المسجد الأقصى وقال :
وفي حديث آخر به :
وهكذا دخل بذلك القسم الرباني القرآني كل من طيبة المقدسة وجبل سنا الذي كلم من على ظهره النبي موسى صلى الله عليه وسلم ومحله المشرق وهو جبل الرواق أو الوراق ، تلول كاظمة التي وقع عندها غزو صدام حسين وكل تلك الأحدث المذكورة ، وبكل ذلك كان قسم الله عز وجل ، فحرف الشيطان عليهم ذلك المعنى ونقلوه من تلك التخوم للسماء لتلك النجوم التي لا يمكن يعلم مكانها آدمي ليدرك معنى قسم الرب بذلك ، تحريف يهودي ولا شك مثل ما حرف تعيين المسجد الأقصى محل مهاجرة المؤمنين آخر الزمان ومن يكون أولئك المهاجرة على وجه الحق الصحيح ، فحرف كل ذلك لصالح معتقد اليهود الكاذب في تعيين مكان المسجد الأقصى ومن سيرجع إليه آخر الزمان ، تحريف في تحريف وتلبيس في تلبيس ، حتى عين أولئك الكذبة المردة لمثل أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مكان مسجد الطور ، فأخذ يشد الرحل من هو مثله له حتى نهاه بصرة بن أبي بصرة الغفاري وبين له عدم جواز شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، فباتوا لا بتحريف تعيين المسجد الأقصى بل بثبوت تعيين مسجد الطور الذي كلم الله من عليه موسى عليه الصلاة والسلام ، والخبيث كعب الأحبار يعين ذلك المسجد وهو لا يعلم بتعيين من أين أخذ موسى صلى الله عليه وسلم عصاه ، ومن أين أمر يعمل تابوت العهد المقدس ، من أي خشب شجر أمره بذلك .
قال في الزبور :
وفي نهاية هذا الفصل سأبين كذلك من أبرز تلك الدلالات عن تلك الفتنة من قول النبي حزقيال عليه الصلاة والسلام في عودة أهل الكويت الذين فروا كيف بين النبي عودتهم بأبلغ بيان موافقة لما قاله تعالى عنه في سورة الدخان : ﴿ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴾ :
فقال في ذكر مجيئ مأجوج الثاني لتلك المدينة وشعبها :
تَأَهَّبْ وَاسْتَعِدَّ أَنْتَ وَجَمِيعُ الْجُيُوشِ الْمُنْضَمَّةِ إِلَيْكَ ، لأَنَّكَ أَصْبَحْتَ لَهُمْ قَائِداً ، إِذْ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ تُسْتَدْعَى لِلْقِتَالِ ، فَتُقْبِلُ فِي السِّنِينَ الأَخِيرَةِ إِلَى الأَرْضِ النَّاجِيَةِ مِنَ السَّيْفِ الَّتِي تَمَّ جَمْعُ أَهْلِهَا مِنْ بَيْنِ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ ، فَأَقَامُوا مُطْمَئِنِّينَ الَّذِينَ لُمَّ شَتَاتُهُمْ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ ، فَتَأْتِي مُنْدَفِعاً كَزَوْبَعَةٍ ، وَتَكُونُ كَسَحَابَةٍ تُغَطِّي الأَرْضَ أَنْتَ وَجُيُوشُكَ وَكُلُّ مَنْ مَعَكَ مِنْ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ .
وَيَحْدُثُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَفْكَارَ سُوءٍ تُرَاوِدُكَ فَتَقُولُ: أَزْحَفُ عَلَى أَرْضٍ عَرَاءٍ مَكْشُوفَةٍ وَأُهَاجِمُ الْمُطْمَئِنِّينَ السَّاكِنِينَ فِي أَمْنٍ ، الْمُقِيمِينَ كُلَّهُمْ مِنْ غَيْرِ سُورٍ يَقِيهِمْ ، وَلَيْسَ لَدَيْهِمْ مَزَالِيجُ وَلاَ مَصَارِيعُ ، لِلاِسْتِيلاَءِ عَلَى الأَسْلاَبِ وَنَهْبِ الْغَنَائِمِ وَمُهَاجَمَةِ الْخَرَائِبِ الَّتِي أَصْبَحَتْ آهِلَةً ، وَلِمُحَارَبَةِ الشَّعْبِ الْمُجْتَمِعِ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ ، الْمُقْتَنِي مَاشِيَةً وَأَمْلاَكاً ،الْمُسْتَوْطِنِ فِي مَرْكَزِ الأَرْضِ . وَيَسْأَلُكَ أَهْلُ شَبَا وَرُودُسَ وَتُجَّارُ تَرْشِيشَ وَكُلُّ قُرَاهَا ؛ أَقَادِمٌ أَنْتَ لِلاِسْتِيلاَءِ عَلَى الأَسْلاَبِ ؟ هَلْ حَشَدْتَ جُيُوشَكَ لِنَهْبِ الْغَنَائِمِ وَلِحَمْلِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَأَخْذِ الْمَاشِيَةِ وَالْمُقْتَنَيَاتِ وَلِلسَّلْبِ الْعَظِيمِ ؟
لِذَلِكَ تَنَبَّأْ يَاابْنَ آدَمَ ، وَقُلْ لِجُوجٍ هَذَا مَا يُعْلِنُهُ السَّيِّدُ الرَّبُّ : فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عِنْدَمَا يَسْكُنُ شَعْبِي آمِناً ، أَلاَ تَعْلَمُ ذَلِكَ ؟ وَتُقْبِلُ أَنْتَ مِنْ مَقَرِّكَ فِي أَقَاصِي الشِّمَالِ مَعَ جُيُوشٍ غَفِيرَةٍ ، تُغَشِّي الأَرْضَ ؛ كُلُّهُمْ رَاكِبُو خَيْلٍ وَجَمْعٌ عَظِيمٌ وَجَيْشٌ كَثِيرٌ. وَتَزْحَفُ عَلَى شَعْبِي كَسَحَابَةٍ تُغَطِّي الأَرْضَ ، أَنِّي فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ آتِي بِكَ إِلَى أَرْضِي لِكَيْ تَعْرِفَنِي الشُّعُوبُ عِنْدَمَا تَتَجَلَّى قَدَاسَتِي حِينَ أُدَمِّرُكَ يَاجُوجُ أَمَامَ عُيُونِهِمْ ﴾
معنى نصوص هذه النبوءة العظيمة والصريحة بأن ذلك مما يحدث بآخر الأيام ، أن جوج ومأجوج سيكون لهم أمر محدث آخر بعد أيام ــ يريد من محدثهم الأول الذي قال تعالى عنه : ﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ، وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ ــ لأنهم في الأول يفوزون ويهزمون جيش العراق ويحررون الكويت ، كما في سورة الروم قوله تعالى : ﴿ غَلِبَتِ الرُّومُ ، فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غلبِهِمْ سيُغْلِبُونَ ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ ، لكنهم في الثاني سيهزمون ويغلبون وتدور عليهم الدائرة لكن هذه التي لم يكونوا منها بحسبان وإلا ما جرأوا على الغزو ثانية ، وحينئذ يفرح المؤمنون بنصر الله عز وجل .
فَتَتَهَاوَى أَنْتَ وَجَمِيعُ جُيُوشِكَ وَسَائِرُ حُلَفَائِكَ الَّذِينَ مَعَكَ ، وَأَجْعَلُكَ قُوتاً لِكُلِّ أَصْنَافِ الطُّيُورِ الْجَارِحَةِ وَلِوُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ فَتُصْرَعُ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ ، لأَنِّي قَضَيْتُ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ ،وَأَصُبُّ نَاراً عَلَى مَاجُوجَ وَعَلَى حُلَفَائِهِ السَّاكِنِينَ بِأَمَانٍ فِي الأَرْضِ السَّاحِلِيَّةِ ، فَيُدْرِكُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
وَأُعَرِّفُ اسْمِي الْقُدُّوسَ بَيْنَ شَعْبِي ، وَلاَ أَعُودُ أَدَعُهُ يَتَدَنَّسُ فَتُدْرِكُ الأُمَمُ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ . هَا إِنَّ الأَمْرَ قَدْ وَقَعَ وَتَمَّ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَخْبَرْتُ بِهِ .. وَأَجْعَلُ مَجْدِي يَتَجَلَّى بَيْنَ الأُمَمِ فَتَشْهَدُ دَيْنُونَتِي الَّتِي أَنْزَلْتُهَا بِهِمْ ، وَقُدْرَةَ يَدِي الَّتِي مَدَدْتُهَا عَلَيْهِمْ ، فَيُدْرِكُ شَعْي أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلَهُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِداً ﴾ " حزقيال "
﴿ أَلَسْتَ أَنْتَ الَّذِي تَحَدَّثْتُ عَنْهُ فِي الأَيَّامِ الْغَابِرَةِ عَلَى أَلْسِنَةِ عَبِيدِي الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ تَنَبَّأُوا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ بِأَنِّي سَآتِي بِكَ عَلَيْهِمْ .
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عِنْدَمَا يَزْحَفُ جُوجُ عَلَى أَرْضِي يَحْتَدِمُ غَضَبِي فِي وَجْهِي ، وفِي خِضَمِّ غَيْرَتِي وَاتِّقَادِ سَخَطِي أَقُولُ إِنَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَحْدُثُ هَزَّةٌ عَظِيمَةٌ فَيَرْتَعِشُ مِنْ حَضْرَتِي سَمَكُ الْبَحْرِ وَطُيُورُ السَّمَاءِ وَوُحُوشُ الْبَرِّيَّةِ وَجَمِيعُ الْحَيَوَانَاتِ الدَّابَّةِ عَلَى الأَرْضِ ، وَكُلُّ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الْمَسْكُونَةِ ، وَتَنْدَكُّ الْجِبَالُ وَتَسْقُطُ الْمَعَاقِلُ وَتَنْهَارُ كُلُّ الأَسْوَارِ إِلَى الأَرْضِ وَأُسَلِّطُ عَلَيْهِ السَّيْفَ وَأَدِينُهُ بِالْوَبَاءِ وَبِالدَّمِ ، وَأُمْطِرُ عَلَيْهِ وَعَلَى جُيُوشِهِ وَعَلَى جُمُوعِ حُلَفَائِهِ الْغَفِيرَةِ مَطَراً جَارِفاً وَبَرَداً عَظِيماً وَنَاراً وَكِبْرِيتاً ، فَأُعَظِّمُ نَفْسِي وَأَقَدِّسُهَا ، وَأُعْلِنُ ذَاتِي عَلَى مَرْأَى مِنْ كُلِّ الأُمَمِ ، فَيُدْرِكُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ ﴾ " حزقيال "
وهنا التبس على يهود أو تعمدوا يثيرون إلتباس فيستغلونه لدعواهم الخلاص أنه فيهم وأنه مقضي لهم بعد سبيهم لبابل كذبا وزورا على تلك النبوءات وافتراءً على غيب الله تعالى وما قضى وقدر ، فكل ذلك لم يحصل حين وبعد رجوعهم من بابل ، بل حصوله بفتنة هؤلاء أهل الخليج سكان ساحل البحر فالأنبياء وصفوهم حتى ما يخطئ تعيينهم إلا أعمى فقال حزقيال غير ما ذكر كونهم سكان ساحل البحر :
﴿ هَا أَنَا أُعَاقِبُ وَأَسْتَأْصِلُ الْكَرِيتِيِّينَ ، وَأُبِيدُ بَقِيَّةَ سُكَّانِ سَاحِلِ الْبَحْرِ ، وَأُنَفِّذُ فِيهِمِ انْتِقَامِي الْعَظِيمَ بِتَأْدِيبٍ مُفْعَمٍ بِالسَّخَطِ ، فَيُدْرِكُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ ، إِذْ أَصُبُّ نِقْمَتِي عَلَيْهِمْ ﴾
تمعنوا مع وصفهم بالسكن على ساحل البحر يطابق اسمهم هنا اسم الكويتيين ولم يختلف الإسم إلا بحرف واحد وهو حرف الراء وإن حسبتم تعدد اللغات وكثرة عمل النساخ فاختلاف حرف واحد ما بين نطق الاسم بزمان النبي وزماننا هذا لا يعني شيئا ، فالمطابقة شبه تامه بين الرسمين هنا .
ويقول باسمهم هذا مثله نبي آخر وهو صفنيا عليه الصلاة والسلام :
وانظروا للنبي حزقيال عليه الصلاة والسلام في الاخبار عن هؤلاء لم يقتصر بوصفهم على ما سبق ذكره بل قال أيضا في وصفهم :
يريد القضاء على أمريكا جوج وينتهي حينها سلطان سكان الساحل وينعون وقتها نصيبهم لأن بقيام أولئك قام شأن هؤلاء وباضمحلالهم ينتهون معهم هذا هو معنى الكلام هنا وتلك النبوءة ، والمهم هنا وصف لبسهم للأردية المزركشة وهذا انطباقه على ما يلبسون من بشوت مطرزه بخيوط ذهبية وفضية زركشت للزينة لا يلبسها إلا هم وتميزوا بذلك ، وان ضم هذا لما سبق من وصفهم وذلك الإسم يوقن العاقل أن لا معني بكلام النبي هنا إلا هؤلاء .
وسيأتي مزيد كلام حول أكاذيب اليهود على تلك المواعيد لأن المهم الآن الحديث عن ما يتعلق بفتنة الكويت وما حصل لهم بعد التحرير ونص عليه القرآن ونبوءة حزقيال هنا عليه الصلاة والسلام ، فقد رجعوا كما قال تعالى ونبيه ، رجعوا من بين شعوب كثيرة لأرضهم التي استردت من السيف ، وبالفعل هذا ماحصل استردت أرضهم من سيف صدام حسين وعادوا لها بعد ذلك من كل الشعوب تقريبا ، فالذين خرجوا منها ذهبوا لأماكن عديدة انتثروا وسط شعوب وبلدان كثيرة ، ولم حررت أرضهم رجعوا من تلك البلدان والشعوب ، لكن لينتبه القارئ هنا ، هذا الرجوع الأول من كلام النبي عليه الصلاة والسلام ليس المعني به من رجع بكلامه الثاني ، فالأول لأهل الكويت ولها يرجع جوج ومأجوج لمقصده الجديد الذي وصفته النبوءة انه استدعاء عند الآيام الأخيرة ليمحقه بعقوبته جل وعلا تقديسه العظيم .
فالراجعون بالأول هم كما قلت أهل الكويت ولهذا وصفهم ونسبهم للأرض المستردة من السيف ، لكن الشعب الثاني شعب الله تعالى رجوعهم ذاك مختلف وقد عرفهم بشعبه ووصف أرضهم بمركز الأرض ونسبها لنفسه عز وجل فقال بكلام النبي : ﴿ الْمُسْتَوْطِنِ فِي مَرْكَزِ الأَرْضِ .. آتِي بِكَ إِلَى أَرْضِي ﴾ ، أما أولئك فخلاف هؤلاء وصف أرضهم بالمستردة من السيف ويريد بذلك غزو جيش صدام وتحريرهم منه ، وعرف بهم تعريفا بقرب نهاية جوج ومأجوج وعين بذلك منزلهم الثاني أنه سيكون من تلك الناحية الشرقية وبنية غزوه لعمق الجزيرة العربية متجها لمركز الأرض من طرف الخليج أدنى الأرض ، فهم هناك انتصروا وهناك سيهزمون ، وحين ينصر الله تعالى عباده ويأمر برجوعهم لمدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم مركز الأرض تحت رايته بقيادة مختاره المهدي خليفته ورسوله ، وهذا هو ما سيدعوا ماجوج وجوج للتحالف مجددا لحرب أولئك الشعب وهناك ستكون بليتهم وقطعهم النهائي الماحق .
أقول : ومن خلال تلك الدلالات من نص النبوءة تلك اصطاد اليهود أكاذيبهم فزعموا الرجوع أنه لهم من الشتات ، ولم يصدقوا لا بالأولى ولا الثانية من كلام النبي عليه الصلاة والسلام ، لا برجوعهم بعد عهد نبوخذ نصر ولا بزماننا هذا ، فهم لاعبون خارج الصدق دائما يجرون بالكذب , ولكل كذب نهاية لا محالة وإلا ما كان الحق صدقا والباطل كذبا وباطلا .
وانكشف كذبهم بالعصر القديم مرتين وها هم يعودون للكذب مجددا على قضاء الله عز وجل ، وسيثبت كذبهم أيضا هنا بل هنا الحسم وقطع الدابر ولن يبقى لهم بعد ذلك إلا الشيطان حين يتمثل بصورة الدجال ويتبعونه ثم يكون هلاكهم ويقتلون لا تنفعهم أسلحتهم بل يضرب الله عز وجل أيديهم بالوهن حتى يأخذهم أطفال المسلمين يقودونهم كما يقاد الجمل .
وبذلك سيكون تحقق فيهم وفي الخلق كلام كل نبوءة كما قال النبي حزقيال عليه الصلاة والسلام :
ثُمَّ أَوْحَى إِلَيَّ الرَّبُّ بِكَلِمَتِهِ قَائِلاً : يَاابْنَ آدَمَ ، هَا شَعْبُ إِسْرَائِيلَ يَقُولُونَ: إِنَّ الرُّؤْيَا الَّتِي تَرَاهَا لاَ تَتِمُّ إِلاَ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ ، وَنُبُوءَتَكَ لاَ تَتَحَقَّقُ إِلاَ فِي أَزْمِنَةٍ بَعِيدَةٍ لِذَلِكَ قُلْ لَهُمْ : هَذَا مَا يُعْلِنُهُ السَّيِّدُ الرَّبُّ : لَنْ يَتَأَخَّرَ بَعْدُ تَنْفِيذُ كَلِمَةٍ مِنْ كَلاَمِي الَّذِي قَضَيْتُ بِهِ ، فَكُلُّ كَلِمَةٍ نَطَقْتُ بِهَا لاَبُدَّ أَنْ تَتِمَّ ﴾ " حزقيال "
وبالفعل نطق بقضائه في أيامهم وها قد أتى حينه فنفذه المولى عز وجل ، وما أعجب وأجمل ما قاله نبي الله تعالى اشعيا عليه الصلاة والسلام في هذا ودعاوى بني إسرائيل الكاذبة عليه :
لِهَذَا أَنْبَأْتُ بِهَا مُنْذُ الْقِدَمِ وَأَعْلَنْتُهَا لَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَتَحَقَّقَ ، لِئَلاَّ تَقُولَ: إِنَّ وَثَنِي قَدْ صَنَعَهَا ، وَتِمْثَالِي الْمَنْحُوتَ وَإِلَهِي الْمَسْبُوكَ قَدَ قَضَى بِهَا . قَدْ سَمِعْتَ ، فَتَأَمَّلْ فِيهَا كُلِّهَا ، أَلاَ تُقِرُّ بِهَا ؟ مُنْذُ الآنَ وَصَاعِداً سَأُطْلِعُكَ عَلَى أُمُورٍ جَدِيدَةٍ ، عَلَى أَسْرَارٍ لَمْ تَعْرِفْهَا مِنْ قَبْلُ. قَدْ خُلِقَتِ الآنَ وَلَيْسَ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ ، لَمْ تَسْمَعْ بِهَا قَطُّ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ ، لِئَلاَّ تَقُولَ: كُنْتُ أَعْرِفُهَا.
أَنْتَ لَمْ تَسْمَعْ قَطُّ وَلَمْ تَعْرِفْ أَبَداً ، فَمُنْذُ الْقِدَمِ لَمْ تَنْفَتِحْ أُذُنَاكَ ، لأَنِّي عَرَفْتُ أَنَّكَ تَتَصَرَّفُ بِغَدْرٍ ، وَمُنْذُ مَوْلِدِكَ دُعِيتَ مُتَمَرِّداً وَلَكِنْ مِنْ أَجْلِ اسْمِي أُبَطِّيءُ غَضَبِي ، وَأَكْبَحُهُ عَنْكَ مِنْ أَجْلِ حَمْدِي حَتَّى لاَ أَسْتَأْصِلَكَ .
اجْتَمِعُوا كُلُّكُمْ وَأَنْصِتُوا : مَنْ مِنْ بَيْنِ الأَصْنَامِ أَنْبَأَ بِهَذِهِ ؟ إِنَّ الرَّبَّ أَحَبَّه ، وَهُوَ يُنَفِّذُ قَضَاءَهُ عَلَى بَابِلَ .
لَقَدْ دَعَوْتُ أَنَا بِذَاتِي عبدي وَعَهِدْتُ إِلَيْهِ بِمَا أُرِيدُ ، وَسَأُكَلِّلُ أَعْمَالَهُ بِالْنَّجَاحِ اقْتَرِبُوا مِنِّي وَاسْمَعُوا : مُنْذُ الْبَدْءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ خُفْيَةً ، وَلَدَى حُدُوثِهَا كُنْتُ حَاضِراً هُنَاكَ ﴾
.................
(1) وهذا الكلام في استمساك العدد الكثير بالرجل من المؤمنين آخر الزمان مما يثبت أن المراد هنا ما يكون من أحداث آخر الزمان ، وقد أتى ما يؤيد ذلك من كلام نبي الله تعالى أشعيا ومحمد صلى الله عليه وسلم ، يراجع في ذلك مقال " الأمير الملتحي وابنه الملعونان ... " تعقيبي تحت رقم (3) "
(2) وهذا المعنى يحمل عليه قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أكلته إلى فيه فلا يطعمها " . " رواه البخاري رحمه الله تعالى "
لشدة الذهول فلا يأكل الإنسان لقيمته ولا يشرب لبنه الذي نوى يشربه ، وأصرح ما فيه قوله : ( فلا يتبايعانه ولا يطويانه ) . دليل على الذهول وعدم الفائدة من اتمام تلك الصفقات حين ذاك لما وقع من أمر شديد جدا . وهو ما تفيده نبوءة حزقيال عليه الصلاة والسلام المذكورة .
(3) اثناء كتابة هذا الفصل صدر تقرير عن مجموعة بوسطن الاستشارية ، التقرير التالي :
ان الكويت شغلت المركز الثاني خليجيا والثالث عالميا في قائمة اكبر 15 دولة من حيث الثروات العائلية للمليونيرات ممن تبلغ ثرواتهم مليون دولار فأكثر وذلك بالنسبة لعدد السكان.
وقد بلغ عدد المليونيرات في الكويت 63 الف عائلة في 2012 بنسبة %11.5 أي ان نسبة كثافة عائلات المليونيرات 115 عائلة بين كل 1000 عائلة.
وتم حساب البيانات على أساس ان عدد السكان 2.9 مليون نسمة أي ان الأرقام بخصوص العائلات الثرية تشمل الوافدين والكويتيين.
واوضح التقرير ان من بين اغنى العائلات في الكويت عائلتي الغانم والخرافي.
دول «الخليجي»
تصدرت قطر قائمة اكبر 15 دولة وجاءت الاولى خليجيا ، من حيث ثروات عائلات المليونيرات حيث بلغ عددها 50 الف عائلة بنسبة %11.6 من السكان ، حيث توجد 116 عائلة مليونيرات بين كل 1000 عائلة.
وشغلت البحرين المركز الثالث خليجيا والسابع عالميا بعدد عائلات مليونيرات 11 الفا بنسبة %4.9 أي 49 عائلة لكل 1000 عائلة. وجاءت الامارات في المركز الرابع خليجيا والتاسع عالميا بعدد 60 الف عائلة بنسبة %4 أي اربع عائلات لكل الف عائلة، عُمان في المركز الخامس خليجيا والـ11 عالميا بعدد عائلات مليونيرات 17 الف عائلة بنسبة %3.3.
الثروات الخاصة
وعلى صعيد متصل، قالت المجموعة انه على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة في أجزاء كثيرة من العالم، نمت الثروات الخاصة في عام 2012 بنسبة %7.8 وزاد عدد المليونيرات في العالم الى 8ر13 مليون شخص.
وفي ظل الزيادة في الثروات الخاصة بنسبة %7.8، وصل مجموع تلك الثروات الى 135.5 تريليون دولار عام 2012، بحسب «مجموعة بوسطن الاستشارية».
وقالت المجموعة في دراستها السنوية حول الثروات العالمية ان نسبة الزيادة كانت أكبر من عام 2011 عندما بلغت %3.6 ومن عام 2010 أيضا عندما بلغت %7.3.
أكبر كثافة
وأظهرت المجموعة ان أكبر كثافة للمليونيرات كانت في قطر حيث ان 143 من بين كل 1000 أسرة لديهم ثروة خاصة لا تقل عن مليون دولار، ثم سويسرا بمقدار 116 مليونيرا من بين كل ألف، ثم الكويت بـ115 وهونج كونج بـ94 وسنغافورة بـ82.
وعلى صعيد المليارديرات، احتلت الولايات المتحدة المركز الأول بعدد أصحاب المليارات في 2012، غير ان أعلى كثافة لأصحاب المليارات كانت في هونج كونج بـ15.1 لكل مليون، ثم سويسرا بـ9.4 لكل مليون. (د.ب.أ31/5/2013 )
(4) راجع ( كذب يهود : " صهيون " مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم وليست هي في فلسطين .. ) . نشر في موقعنا المبارك .