...براكين مكة والمدينة حقيقة لا يعرفها العامة والجيلوجيون...
في العام 2011 الشهر السادس حذر أستاذ علم البيئة بكلية البحار بجامعة عبدالعزيز بجدة من حدوث انفجارات بركانية في المنطقة الواقعة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وفي شمال المدينة منطقة العيص وحرة خيبر ، وكشف أن : المساحة الجيولوجية الأمريكية أصدرت تقريرا مؤخرا تؤكد فيه حدوث بركان في العيص خلال العامين المقبلين سوف تتأثر منه المدينة المنورة وينبع والمحافظات في منطقة المدينة المنورة وأكد أنه تحدث هزات بشكل مستمر يطلق عليها الهزات الصامتة لا يحس بها الناس بما في ذلك تعرض جدة لثلاث هزات لم يحس بها .
وكشف : أن عدد الفوهات البركانية من مكة إلى المدينة تبلغ أكثر من 300 ألف فوهة ويمكن أن تنفجر في أي لحظة وما سجل قبل ثماني سنوات في مخطط الملك فهد شرقي المدينة من أدخنة تخرج من باطن الأرض كان نوع من صهارة البراكين وما تعرضت له العيص مؤخرا له علاقة بما حدث في المدينة وكشف أن الحرات عبارة عن " لابة بركانية " وقد شهدت براكين من مئات السنين ولا يستبعد أن تعود في أي وقت اهـ . ( من ملف : خبر عجيب (2) ( جدة تتزلزل ونواب في حال ارتياب ) تعقيب رقم (10) )
وفي تأريخ 11/5/2013 رصدت هزة أرضية بقوة 5ر3 درجة على مقياس ريختر بمنطقة شمال غرب العيص وأكد المتحدث الرسمي لهيئة المساحة الجيولوجية طارق أبو الخيل في تصريح له أن : سبب الهزة تحرك بسيط في (الماقما) الصهارة البركانية داخل الأرض .
وكانت قد تعرضت في شهر مايو من عام 2009 لسلسلة من الهزات الأرضية وصلت قوة احداها الى 7ر5 درجة . ( من ملف : من هنا تقف على كل ما كتب في الزلازل التي هي علامة على تحقق بعث المهدي (6) تعقيب رقم (87) )
أقول : لم تتحرك أصلا تلك الحمم البركانية من تحت أرض المدينة المنورة بهذا الوقت بالذات ؟!
طبعا لا هذا ولا غيره يمكنهم فقه معنى ذلك ، إن المدينة تتهيأ لأمر جلل من باطنها ، وأي أمر ؟!
لقد كانت الأنبياء تلهج بذكر ذلك ، إنه مجد الله عز وجل حين يكشف عن قضاء أمره العظيم وجزائه المنتظر فيعلن للعالم أنه الحاكم الآن وأن مرد الأمور كلها باتت إليه كما أخبر بذلك على ألسنة جمهرة من الأنبياء والرسل ، وسطر ذكر ذلك بكتبه تبارك وتعالى .
وبعد أن أتممت الكلام عن تعيين المدينة الحق وأن فيها المسجد الأقصى الذي أسرى الله عز وجل بروح رسوله ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إليه في تلك المدينة مستقر ذلك الجبل المقدس الذي سيحل عليه جلال الله تعالى وعظيم بهائه ، تلك المدينة التي ستكون محل هجرة المهدي خليفة الله تعالى ورسوله ومن معه من المؤمنين آخر الزمان .
نعم ، لأجل ذلك تتهيأ الحمم البركانية من أسفل تلك الأرض ، وسيتجلى لهم الرحمان عز وجل من هناك ، حين يغشى الغمام جبال المدينة ويعلن الله عن نفسه أنه حاكم الأرض اليوم :
﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً ، الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَن وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً ﴾
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ﴾
وهناك مجموعة من الآثار التي صحت في تطابق الحال ما بين ما سيجري على هذه الأمة مع ما كان قد جرى على بني إسرائيل ، ورغم ذلك نجد في إيمان الناس قديما وحديثا بتلك الآيات من القرآن ، حملها على العموم ولا وجه بيقينهم لتخصيصها بالخلق آخر الزمان ، ولا يفصلون فيه بشيء إلا إيمانا مجردا يتأولونه بالمطلق العام على كافة البشر ، وهم يرون من تخصيص ذلك ما جرى على بني إسرائيل ثم هم يعممون في سوى ذلك ويطلقون ولا يقيدون كما أراد تعالى من تأويل له في ذلك آخر أجيال الخلق من بعد تركهم لأجل وميعاد ، وإلا كان بحسب اعتقاد هؤلاء الباطل أن الله عز وجل قد ترك الناس هملا بلا حسيب ولا رقيب تعالى عن إيمانهم الميت واعتقادهم السقيم السفيه ، كيف وهو القائل تبارك وتعالى :
﴿ إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين ﴾
وقال تعالى :
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾
فكتاب ربنا فصل في أمر غمام بني إسرائيل وبالرجوع لكتبهم نجد في ذلك تفاصيل كثيرة وحقائق شهد لها القرآن وأثبت حقيقتها على الوجه الذي لا مصلحة ليداخلها الكذب عندهم ، فلا تشريع ولا مصلحة ليكذب في ذكرها الكذابون فيزيدون ذلك في كتبهم ، بل قررت كما بلغتهم والقرآن أثبت فيه ذكر ذلك ولم ينفه مثل ما نفى سائر أكاذيبهم على الأنبياء من قبل .
إلا أنا نجد كتاب الله تعالى أغفل ذكر تفاصيل الغمام في هذه الأمة ولم يذكره إلا على وجه الإيجاز لمصلحة إخفاء النبوءة وترك ذلك خبرا مجردا عن كون ذلك سيجري لاحقا فيهم ، والنبوءات الأصل فيها الإخفاء كما هو معلوم أما ما سبق حصوله فقد فصل خبره وبين أمره على أتم وجه لأنه مما فات وانقضى أمره وصار في قصصه عبرة لمن تأخر عنه ، ولهذا لم يتبين للكثير ما وجه الخبر هناك المذكور في قوله عز وجل التالي ، ولا وجه الندامة ولا العسر الحاصل المشار له في تلك الآية الخبرية ، ولا أيضا وجه إفراد ذكر الرسول فيها ، فالظلمة كثر والرسل كثر لكنا نرى الآية لم تنص إلا على ذكر رسول أوحد ، وما درى الجاهلون بأن ذكره على الإفراد دليلا على أن تلك الندامة لترك اتباع هذا الرسول الفرد وهذا أليق بزمان الدنيا لا الآخرة فالنادم هناك المعاصر المدرك أما في شأن الحساب الأخروي فالأمر عام هناك لمن أدرك ذلك الرسول ولمن لم يدركه ، وهناك لكل أمة رسول ولبعضها أكثر من رسول ، فلا إفراد برسول معين دون رسول غيره ، فكل الأمم مجتمعة وكل الرسل معترضة ، فمن يندم على ترك اتباع من ؟!
لكن في حال الدنيا فهذا أوفق لصحة افراد الرسول في الذكر للمعاصرة ، ويقينا هذا ليس في نبي الله تعالى المصطفى صلى الله عليه وسلم فزمانه ليس زمان ذاك ، ولم يبق إلا صحة القول بتحقق تأويل ذلك في زمان المهدي عليه الصلاة والسلام ، وهناك سيقع ممن كذب بآيات الله تعالى وجحدها ، ثم عاين نصر الله له وتمكينه بعد ذلك وتحقق آيات الله عز وجل الكبرى ، فحينئذ يتحقق منهم شدة الندم لتركهم الإيمان بعد أن عاينوا ما عاينوا من تحقق تأويل الذكر فيقول بعضهم :
﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً ﴾
كذلك تخصيص الخبر في هذا وقصره على الذكر يفيد التعيين في ذلك ، وزمان تحقق الذكر آخر الزمان بلا شك ، فتعين أن المعني بالرسول هنا المهدي دون جده فهو من اختص به تأويل الذكر لقوله تعالى في سورة " الدخان " في ذكر المهدي :
﴿ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ . ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ ﴾
وحتى في ذكر الغمام في غير خبر بني إسرائيل كما في سورة البقرة ، نجد المولى سبحانه يقول في ذلك : ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ﴾ ، ثم يعقب ذلك بقوله : ﴿ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ . وفي هذا تعريض لما كان يجري معهم من هذا الجنس ، فقد ظلل عليهم الغمام وكان حاكما بنفسه عز وجل في وسطهم ، لهذا عقب بذكر آيات بني اسرائيل من بعد ما ذكر مجيئه في ظلل من الغمام وملائكته وسمى ذلك بالقضاء ، والقضاء اتفقت الكثير من النبوءات عند بني إسرائيل على أنه كائنٌ حين يريد الله تعالى معاقبة الأشرار في الدنيا وقطع دابرهم ، وسيمر معنا من ذلك الكثير ، من مثل قول نبي الله تعالى داود في الزبور :
﴿ من السماء أسمعت الحكم ففزعت الأرض وصمتت عندما قام الله للقضاء ليخلص جميع ودعاء الأرض ﴾
ويقول النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام في ذلك واصفا بنبوءته بعث المهدي المخلص قضاءً :
﴿ داع من المشرق الكاسر من أرض بعيدة رجل مشورتي ، فقد تكلمت فأجريه ، وقضيت فأفعله ﴾
ومن المعلوم المشورة إنما تكون في زمان الحرب ، والحرب هنا حرب الله تعالى على أعدائه آخر الزمان وليس هو مما يكون بعد بعث كل الخلائق من الموت .
وقال أيضا :
﴿ قريب بري برز وخلاصي وذراعاي يقضيان للشعوب ﴾
سمى ذلك كذلك قضاء ، وهو صريح من النبي في سياق ما يكون من أحداث بآخر الزمان .
بل قال عليه الصلاة والسلام :
﴿ كل آلة صورت ضدك لا تنجح وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه ، هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندي يقول الرب ﴾
يريد مدينة السلام سكنى أولياء الله عز وجل في وقت الخلاص الأخير ، مركز ميراثهم من الله عز وجل آخر الزمان ، وسمى ذلك قضاءً أيضا ، وهذا الكتاب كله في إظهار مجدها وبسط البينات والبراهين في تعيين مكانها سكنى عباد الله تعالى المضطهدين الصديقين المخلصين بيد الله من الأشرار ، وبيان فضل جبلها المقدس محل نزول الرب عز وجل عليه من السماء مثل ما نزل في السابق لأجل نصرة بني إسرائيل من فرعون مصر ، وما أكثر فراعين اليوم .
وقال أيوب عليه الصلاة والسلام :
﴿ من جهة القوة ها أنذا ومن جهة القضاء يقول من يحاكمني ﴾
وملاك ذلك ما قاله موسى عليه الصلاة والسلام عن ربه كما في سفر " التثنية " :
﴿ إذا سننت سيفي البارق وأمسكت بالقضاء يدي أرد نقمة على أضدادي وأجازي مبغضي ، أسكر سهامي بدم وياكل سيفي لحما ﴾
وعلى منواله قال نبي الله حبقوق عليه الصلاة والسلام :
﴿ عريت قوسك تعرية سباعيات سهام كلمتك ، شققت الأرض أنهارا بصرتك ففزعت الجبال سيل المياه طما ﴾
وبهذا إشارة بأن كثرة الطوفانات من نزول القضاء الرباني على البشر ، وهو مشاهد اليوم ومعلوم أمره جدا .
وحين يحقق الله عز وجل كثرة الطوفان في العالم ويصب ماء البحر على وجه الأرض كما حصل في اليابان بالتسونامي العظيم كما يسمونه ومن قبله طوفان اندونيسيا ، وبمقتضى نبوءة الزبور فإن الله تعالى حينها سيحكم العالم ويقضي فيه أمره المنتظر الموعود فقال :
﴿ الرب بالطوفان جلس ، ويجلس الرب ملكاً إلى الأبد الرب يعطي لشعبه ، الرب يبارك شعبه بالسلام ﴾
﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً ﴾
ولو فطن الخلق لطلب تحقيق معنى نبوءة داود في الزبور عليه الصلاة والسلام سيتضح لكم حال اليهود أهل النفوذ اليوم وأنصارهم في العالم الغربي مع أذنابهم من العريب والعجم وهم يغنون اغنية الكذب الأخيرة طلب السلام ، يتأولون ما لله للشيطان وما للشيطان لله ، تعالى الله عن كذبهم وتحريفهم .
لكن من أين تأتيهم الفطنة وهم عمي وضلال وصدق فيهم القرآن والتوراة من مثل قول موسى بالتوراة في ذلك :
﴿ أجمع عليهم شرورا وأنفذ سهامي فيهم ...
إنهم أمة عديمة الرأي ولا بصيرة فيهم ، لو عقلوا لفطنوا بهذه وتأملوا آخرتهم .
أنظروا الآن ، انا أنا هو وليس إله معي ، أنا أميت وأحيي ، سحقت وإني أشفي وليس من يدي مخلص ، إني أرفعُ إلى السماء يدي وأقول حيٌ أنا إلى الأبد ، إذا سننت سيفي البارق وأمسكتْ بالقضاء يدي أردُّ نقمة على أضدادي وأُجازي مُبغضي ، أسكرُ سهامي بدَمٍ ويأكُلُ سيفي لحما ، بدم القتلى والسبايا ومن رؤوس قُواد العدُو ﴾
الكلام هنا صريح عن الآخرة كما قررت ، فكل المواعيد فيهم وهي آخرتهم على ما بين في أصول دعوتنا المباركة ، فهي وقت القضاء وبها الطوفانات تأتيهم والزلازل وحرق النيران إلى غير ذلك من مصائب الغضب تتنزل على رؤوسهم كما مر معنا تقريره قبل في الكلام عن العذاب الأكبر والأدنى ، والعالم اليوم كله يشهد على ذلك كما بينت قبل ووثقت .
يأتيهم القضاء وهم في غفلة :
﴿ يَارَبُّ إِنَّ يَدَكَ مُرْتَفِعَةٌ وَهُمْ لاَ يَرَوْنَهَا ، فَدَعْهُمْ يُشَاهِدُونَ غَيْرَتَكَ عَلَى شَعْبِكَ ، وَيَخْزَوْنَ. لِتَلْتَهِمْهُمُ النَّارُ الَّتِي ادَّخَرْتَهَا لأَعْدَائِكَ , يَارَبُّ أَنْتَ تَجْعَلُ سَلاَماً لَنَا ﴾ " اشعيا عليه الصلاة والسلام "
﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ، إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾
﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ ﴾
﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا ﴾
ويشهد له ما ذكر من أمثال سليمان عليه الصلاة والسلام قوله :
﴿ الناس الأشرار لا يفطنون للقضاء والذين يلتمسون الرب يفطنون لكل شيء ﴾
والقضاء هو الحكم عليهم بما استحقوا بالظلم والكفر الذي اقترفوا ، قال النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام :
﴿ وأنا أجازي أعمالهم وأفكارهم ﴾
ويخطئ كل من يحسب أن تلك المجازاة ستكون بعد انتهاء الدنيا وطي صفحاتها كلها ، بل ذلك سيكون وهم بالدنيا بعد فلا غفلة أبدا بعد الموت : ﴿ فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ .
يجازيهم بالدنيا على الأعمال وحتى الأفكار ، لأن أفكارهم ستكون كلها شر بحق الله عز وجل وقدره وما قضى ، وبالزبور التصريح بذلك وفي الكثير من النبوءات :
﴿ قم يا رب ولا يتجبر الإنسان ولتدن الامم قدامك ، يا رب ألق عليهم الرعب وليعلم الأمم أنهم بشر ﴾
وجعل محل ذلك وهم في مدنهم بعد لم ينتقلوا عنها للآخرة ملطا عراة :
﴿ تم خراب الأعداء إلى الأبد وقد دمرت مدنهم حتى ذكرهم اضمحل ﴾
ومثله قول نبي الله تعالى صفنيا عليه الصلاة والسلام :
﴿ وأضايق البشر فيمشون كالعمي ، لأنهم خطئوا إلى الرب ، وتهال دماؤهم كالتراب ، ولحومهم كالرجيع ، فلا تقدر فضتهم ولا ذهبهم على انقاذهم في يوم غضب الرب بل بنار غيرته ستؤكل جميع الأرض لانه يوقع فناءً سريعاً على جميع سكان الأرض ﴾
وقول النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام :
﴿ لأن للرب سخطا على كل الأمم وحمو على كل جيشهم ، قد حرمهم دفعهم للذبح ، فقتلاهم تطرح وجيفهم تصعد نتانتها وتسيل الجبال بدمائهم ﴾
انظروا كيف أن ذلك وهم بالدنيا فوعيده هنا بالذبح وهو الموت وبعد البعث من الموت لا موت .
ومن علامات ذلك على ما تقرر كثرة طوفانات البحار وفيضانات الأمطار والأنهار وهو محقق اليوم وعلى الإبتداء كما مر معنا قبل في بيان أن كثرة الطوفانات من أبرز علامات حلول قضاء الله عز وجل عليهم وهو محقق اليوم ــواعتبروا بما حصل في وسط أوروبا اثناء إعدادي لهذا الكتاب لقد ضربهم تصديقا لما أقرره هنا بشهادات أتباع دعوة الحق بفيضانات قالوا لم تصبهم من العصور الوسطى !! ــ . ومما قاله النبي ناحوم عليه الصلاة والسلام في ذلك :
﴿ صالح هو الرب حصن في يوم الضيق وهو يعرف المتوكلين عليه ولكن بطوفان عابر يصنع هلاكاً تاماً لموضعها وأعداؤه يتبعهم ظلام ﴾
فمن هذا الشعب المبارك المتوكل على الله عز وجل ، وما الذي سيعطيه الله عز وجل له حين يملك العالم من بعد الضيق ، وما الحكمة في ذكره أن يجعل عقوبته على أعدائهم وفي زمانهم الطوفان ؟!
وهل تلك هي العلامة الوحيدة التي نصبها الرب للتعريف بذلك الزمان ، أم أن هناك علامات أخرى تعرف بوقت تحقق تأويل كل ذلك ؟
وهل ذلك سيكون مجرد عقوبة وتعذيب للكفرة والمنافقين الذين سخط الله عليهم ، كما عذب سائر الأمم من قبلهم جنسا جنسا من البشر وأمة أمة منهم ؟
أم أن في ذلك علامة شاملة كونية عامة لكل أهل الأرض ويعرف بتحقق تلك العلامات زمان هؤلاء المضطهدين من وسط ذلك العموم الذين نصت على ذكر خلاصهم حين ذاك جملة من النبوءات عند أنبياء اليهود ؟
وأن الله تعالى لفكاكهم من شر العالم سيحكم العالم كله وسيقضي بهلاك الأشرار كلهم الذين اضطهدوهم من سائر كفار تلك الأمم والشعوب ، وأن كل ذلك مما سيكون آخر الزمان ؟!
وبمثل ما نطقت التوراة من نبوءة : ﴿ لو عقلوا لفطنوا بهذه وتأملوا آخرتهم ﴾ . تربط ذلك بالزمن الأخير الإنجيل هو كذلك ينص على أنها الآخرة فيقول هناك :
﴿ أيها العالم المجنون ما أحكمك في شغلك حتى إنك في اليوم الأخير توبخ وتحكم على خدم الله بالإهمال والتهاون لأن خدمك دون ريب أحكم من خدم الله ﴾
وفي الأمثال المنسوبة للنبي سليمان عليه الصلاة والسلام يقول :
﴿ رب جيلٍ أسنانه سيوف وأنيابه سكاكين ليأكل البائسين عن الأرض والمساكين من بين البشر ﴾
﴿ من يُضلل المستقيمين في طريق السوءِ فهو يسقط في هوته والسُلماء يرثون خيرا ﴾
يرثون الجبل المقدس آخر الأيام كما قال النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام :
﴿ ويكون في آخر الأيام أن جبل الرب يكون ثابتا في رأس الجبال ﴾
﴿ أَمَّا مَنْ يَلُوذُ بِي فَإِنَّهُ يَرِثُ الأَرْضَ وَيَمْلِكُ جَبَلَ قُدْسِي ﴾ " اشعيا "﴿ يَقُولُ الرَّبُّ . فَيَرْجِعُونَ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ وَيُوجَدُ رَجَاءٌ لآخِرَتِكِ ، يَقُولُ الرَّبُّ فَيَرْجعُ الأَبْنَاءُ إِلَى تُخُمِهِمْ ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ : سَيَقُولُونَ بَعْدُ هذِهِ الْكَلِمَةَ فِي أَرْضِي ، عِنْدَمَا أَرُدُّ سَبْيَهُمْ : يُبَارِكُكَ الرَّبُّ يَا مَسْكِنَ الْبِرِّ ، يَا أَيُّهَا الْجَبَلُ الْمُقَدَّسُ﴾ " ارميا "
﴿ جَبَلُ الرب يُصْبِحُ مَلاَذَ النَّجَاةِ ، وَيَكُونُ قُدْساً ... ، وَيُصْبِحُ الْمُلْكُ لِلرَّبِّ ﴾ " عوبديا عليه الصلاة والسلام "
﴿ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أُقِيمُ مَسْكِنه الَّذِي تَهَاوَى ، وَأَسُدُّ ثُغْرَاتِهِ وَأُعَمِّرُ خَرَائِبَهُ وَأُعِيدُ بِنَاءَهُ كَالْعَهْدِ بِهِ فِي الأَيَّامِ الْغَابِرَةِ (1) ﴾" عاموس عليه الصلاة والسلام "
﴿وَشَعْبُكِ كُلُّهُمْ أَبْرَارٌ. إِلَى الأَبَدِ يَرِثُونَ الأَرْضَ ، غُصْنُ غَرْسِي عَمَلُ يَدَيَّ لأَتَمَجَّدَ﴾ " اشعيا "
﴿ الْوُدَعَاءُ يَرِثُونَ الأَرْضَ ، وَيَتَلَذَّذُونَ فِي كَثْرَةِ السَّلاَمَةِ ﴾ " الزبور "
﴿ عَامِلِي الشَّرِّ يُقْطَعُونَ ، وَالَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ الرَّبَّ هُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ ﴾ " الزبور "
﴿ إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ : قَالَ لِي : « أُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثًا لَكَ ، وَأَقَاصِيَ الأَرْضِ مُلْكًا لَكَ تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِثْلَ إِنَاءِ خَزَّافٍ تُكَسِّرُهُمْ ﴾ " الزبور "
ويأتي النبي دانيال عليه الصلاة والسلام هو الآخر في تعيين كون تلك الأحداث إنما تقع في نهاية الأيام فيقول :
﴿ والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت كل السماء تعطى لشعب قديسي العلي ، ملكوته ملكوت أبدي وجميع السلاطين إياه يطيعون ، وإلى هنا نهاية الأمر ﴾
أقول : ولو أني أجبت على كل ما أوردت من كلامهم في ابتداء هذا الفصل بالتفصيل لطال بنا بيان ذلك ولخرجت من الإيجاز الكافي لما قد يشتت القافي ، لكن بالاختصار الوافي يتم المقصود وتعرف حقيقة الموعود أنه يقينا لا تقع علاماته التي أخبر المولى عز وجل إلا آخر الزمان وأنه متى ما رؤي تحقق بعضها وهي على التتابع يقينا ستقع وبعضها يتزامن مع بعض ، وراقبوا ذلك وتابعوه من خلال ما صنف من كتب بدعوتنا المباركة وتوبع ورصد من خلال مقالات موقعنا المبارك ، ولمن أراد الاستزادة والنهل من منابع العلم في ذلك كله فليراجع ذلك المنبر ـ موقع المهدي على الإنترنت ، ومن لم يتيسر له ذلك فبكتبي تفصيل كل ذلك من الكتاب الأول والثاني للأخير هذا ـ ، فهناك تبسط الشروح وتعزز بالأدلة النقلية والواقعية الشاهدة لها ، وفي هذا الكتاب في فضل ومجد المدينة أهدف للتنبيه على شرح معنى " حكم الله تعالى آخر الزمان للأرض " ، وعلاقة ذلك بالطوفانات وغيرها من علامات يعذب بها الله العالم اليوم وهم في غفلة (2) ، وكيف أنهم لا محالة مئالهم لحكم الله تعالى الأرض مباشرة من مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم التي هي دار السلام أورشليم بحق لا كما زعم اليهود الكذبة بتزييفهم وتحريفهم ذلك واتبعتهم هذه الأمة التائهة عن ذلك من قديم ليومنا هذا .
ومن تحقق ذلك حسب ما أوردت من كلامهم بأول هذا الفصل أو من التهيأة لذلك ، ابتداء الزلازل بالمدينة المنورة طيبة الخير والمجد وما حولها ، بل بدأت الأبخرة البركانية كما ذكروا تظهر ويعزون تلك الزلازل لتحرك الصهارة البركانبة في باطن الأرض وتنبهوا للعدد المهول على ضيق المسافة ما بين مكة والمدينة بالنسبة لفوهات براكين قالو عددها : عدد الفوهات البركانية من مكة إلى المدينة تبلغ أكثر من 300 ألف فوهة ويمكن أن تنفجر في أي لحظة اهـ .
فانظروا لهذا العدد المهول والمبسوط على تلك الرقعة المحدودة ما بين مكة والمدينة ، فهي بالنسبة لعدد تلك الفوهات البركانية تعد ضيقة جدا لكنها خلقت لحكمة جليلة لا يدريها الناس ولا علم لهم بها أبدا ، مع أن النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام نص على الحكمة وراء خلق كل تلك الفوهات البركانية بذلك المكان تحديدا ما بين أقدس مكانين على وجه الأرض ، فيصرح النبي صلى الله عليه وسلم أنها ستكون انارات لطريق المفديين المقدسين لا يسلكه غيرهم ، فيقول :
﴿ تَفْرَحُ الْبَرِّيَّةُ وَالأَرْضُ الْيَابِسَةُ ، وَيَبْتَهِجُ الْقَفْرُ وَيُزْهِرُ كَالنَّرْجِسِ يُزْهِرُ إِزْهَارًا وَيَبْتَهِجُ ابْتِهَاجًا وَيُرَنِّمُ يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَجْدُ لُبْنَانَ بَهَاءُ كَرْمَلَ وَشَارُونَ ، هُمْ يَرَوْنَ مَجْدَ الرَّبِّ بَهَاءَ إِلهِنَا شَدِّدُوا الأَيَادِيَ الْمُسْتَرْخِيَةَ ، وَالرُّكَبَ الْمُرْتَعِشَةَ ثَبِّتُوهَا
قُولُوا لِخَائِفِي الْقُلُوبِ: «تَشَدَّدُوا لاَ تَخَافُوا. هُوَذَا إِلهُكُمُ. الانْتِقَامُ يَأْتِي. جِزَاءُ اللهِ. هُوَ يَأْتِي وَيُخَلِّصُكُمْ حِينَئِذٍ تَتَفَتَحُ عُيُونُ الْعُمْيِ، وَآذَانُ الصُّمِّ تَتَفَتَّحُ . حِينَئِذٍ يَقْفِزُ الأَعْرَجُ كَالإِيَّلِ وَيَتَرَنَّمُ لِسَانُ الأَخْرَسِ ، لأَنَّهُ قَدِ انْفَجَرَتْ فِي الْبَرِّيَّةِ مِيَاهٌ ، وَأَنْهَارٌ فِي الْقَفْرِ وَيَصِيرُ السَّرَابُ أَجَمًا ، وَالْمَعْطَشَةُ يَنَابِيعَ مَاءٍ وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ وَطَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا : « الطَّرِيقُ الْمُقَدَّسَةُ ». لاَ يَعْبُرُ فِيهَا نَجِسٌ ، بَلْ هِيَ لَهُمْ ، مَنْ سَلَكَ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى الْجُهَّالُ ، لاَ يَضِلُّ.
لاَ يَكُونُ هُنَاكَ أَسَدٌ. وَحْشٌ مُفْتَرِسٌ لاَ يَصْعَدُ إِلَيْهَا. لاَ يُوجَدُ هُنَاكَ. بَلْ يَسْلُكُ الْمَفْدِيُّونَ فِيهَا . وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إليها بِتَرَنُّمٍ ، وَفَرَحٌ أَبَدِيٌّ عَلَى رُؤُوسِهِمِ ، ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ وَيَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ ﴾
فتلك الفوهات ستكون منارات للسالكين ما بين مكة والمدينة ويكون طريقا مقدسا خاصا بهم . ونسبة النجاسة للممنوعين من دخول ذلك الطريق هي للشرك والمشركين ومعهم المنافقين فمحرم على هؤلاء جميعا دخول ذلك الطريق المقدس لأنهم وقتها سيكونون معلمين لا يمكنهم التسلل إلى هناك ، ومثلهم اخوانهم من أعداء المسيح مبطلين الختان فكل صاحب غرلة مع أولئك الأنجاس محرم عليهم الولوج لذلك الطريق المقدس ولا يقربون أبدا المدينة المقدسة كما أخبر الأنبياء عن ذلك فيقول اشعيا عليه الصلاة والسلام بهذا الخصوص :
﴿ اِسْتَيْقِظِي ، اسْتَيْقِظِي الْبَسِي عِزَّكِ الْبَسِي ثِيَابَ جَمَالِكِ ، الْمَدِينَةُ الْمُقَدَّسَةُ ، لأَنَّهُ لاَ يَعُودُ يَدْخُلُكِ فِي مَا بَعْدُ أَغْلَفُ وَلاَ نَجِسٌ ﴾
قرنهم بالنهي هنا مع الأنجاس ، وبمثله قال حزقيال النبي عليه الصلاة والسلام :
﴿ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ : ابْنُ الْغَرِيبِ أَغْلَفُ الْقَلْبِ وَأَغْلَفُ اللَّحْمِ لاَ يَدْخُلُ مَقْدِسِي ﴾
ويعين حدود ذلك التقديس النبي حزقيال عليه الصلاة والسلام الذي لا يجوز دخول الأنجاس والغلف والأجانب من خلالها فيقول :
﴿ هذِهِ سُنَّةُ الْبَيْتِ : عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ كُلُّ تُخْمِهِ حَوَالَيْهِ قُدْسُ أَقْدَاسٍ هذِهِ هِيَ سُنَّةُ الْبَيْتِ ﴾
ويعمم النبي يوئيل عليه الصلاة والسلام فتقول نبوءته بمنع الأعاجم من الدخول هناك ، فيقول :
﴿ فَتَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ ، سَاكِنًا فِي جَبَلِ قُدْسِي . وَتَكُونُ المدينة مُقَدَّسَةً وَلاَ يَجْتَازُ فِيهَا الأَعَاجِمُ فِي مَا بَعْدُ . وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الْجِبَالَ تَقْطُرُ عَصِيرًا ، وَالتِّلاَلَ تَفِيضُ لَبَنًا ، وَجَمِيعَ يَنَابِيعِ المفديين تَفِيضُ مَاءً ، وَمِنْ بَيْتِ الرَّبِّ يَخْرُجُ يَنْبُوعٌ وَيَسْقِي وَادِي السَّنْطِ ﴾
أما النبي ارميا عليه الصلاة والسلام فيعمم على هؤلاء جميعا الأنجاس والغلف والأعاجم بالمنع ذاك بعقوبات الله تعالى ومعهم كل المختونين كذلك ولم يستثني إلا المفديين كما سيمر قوله فيهم مثل ما قال اشعيا قبل ، فيقول :
﴿ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ الرَّبُّ ، وَأُعَاقِبُ كُلَّ مَخْتُونٍ وَأَغْلَفَ ﴾
ويقول في رجعة المفديين للمدينة اعيد ذكره هنا مطولا وكنت ذكرته قبل مختصرا :
﴿ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ ، يَقُولُ الرَّبُّ ، أَكُونُ إِلهًا لهم ، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا . هكَذَا قَالَ الرَّبُّ : قَدْ وَجَدَ نِعْمَةً فِي الْبَرِّيَّةِ ، حِينَ سِرْتُ لأُرِيحَهُ وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ ، سَأَبْنِيكِ بَعْدُ فَتُبْنَيْنَ يَا عَذْرَاءَ تَتَزَيَّنِينَ بَعْدُ بِدُفُوفِكِ ، وَتَخْرُجِينَ فِي رَقْصِ اللاَّعِبِينَ .
تَغْرِسِينَ بَعْدُ كُرُومًا يَغْرِسُ الْغَارِسُونَ وَيَبْتَكِرُونَ لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ : رَنِّمُوا فَرَحًا ، وَاهْتِفُوا بِرَأْسِ الشُّعُوبِ سَمِّعُوا ، سَبِّحُوا ، وَقُولُوا : خَلِّصْ يَا رَبُّ شَعْبَكَ هأَنَذَا آتِي بِهِمْ مِنْ أَرْضِ الشِّمَالِ ، وَأَجْمَعُهُمْ مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ بَيْنَهُمُ الأَعْمَى وَالأَعْرَجُ ، الْحُبْلَى وَالْمَاخِضُ مَعًا جَمْعٌ عَظِيمٌ يَرْجعُ إِلَى هُنَا بِالْبُكَاءِ يَأْتُونَ ، وَبِالتَّضَرُّعَاتِ أَقُودُهُمْ أُسَيِّرُهُمْ إِلَى أَنْهَارِ مَاءٍ فِي طَرِيق مُسْتَقِيمَةٍ لاَ يَعْثُرُونَ فِيهَا لأَنِّي صِرْتُ لهم أَبًا ــ هؤلاء الأيتام الذين ضرب لهم مثلا بناقة النبي صلى الله عليه وسلم لما بركت على الأرض التي خصصها لمسجده الأقصى ــ .
اِسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ أَيُّهَا الأُمَمُ ، وَأَخْبِرُوا فِي الْجَزَائِرِ الْبَعِيدَةِ ، وَقُولُوا : يَجْمَعُهم وَيَحْرُسُهُم كَرَاعٍ قَطِيعَهُ لأَنَّ الرَّبَّ فَدَاهم وَفَكَّهُم مِنْ يَدِ الَّذِين هُم أَقْوَى مِنْهُم فَيَأْتُونَ وَيُرَنِّمُونَ فِي مُرْتَفَعِهم ، وَيَجْرُونَ إِلَى جُودِ الرَّبِّ عَلَى الْحِنْطَةِ وَعَلَى الْخَمْرِ وَعَلَى الزَّيْتِ وَعَلَى أَبْنَاءِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ. وَتَكُونُ نَفْسُهُمْ كَجَنَّةٍ رَيَّا ، وَلاَ يَعُودُونَ يَذُوبُونَ بَعْدُ.
حِينَئِذٍ تَفْرَحُ الْعَذْرَاءُ بِالرَّقْصِ ، وَالشُّبَّانُ وَالشُّيُوخُ مَعًا وَأُحَوِّلُ نَوْحَهُمْ إِلَى طَرَبٍ ، وَأُعَزِّيهِمْ وَأُفَرِّحُهُمْ مِنْ حُزْنِهِمْ وَأُرْوِي نَفْسَ الْكَهَنَةِ مِنَ الدَّسَمِ ، وَيَشْبَعُ شَعْبِي مِنْ جُودِي، يَقُولُ الرَّبُّ.
هكَذَا قَالَ الرَّبُّ : امْنَعِي صَوْتَكِ عَنِ الْبُكَاءِ ، وَعَيْنَيْكِ عَنِ الدُّمُوعِ ، لأَنَّهُ يُوجَدُ جَزَاءٌ لِعَمَلِكِ ، يَقُولُ الرَّبُّ . فَيَرْجِعُونَ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ وَيُوجَدُ رَجَاءٌ لآخِرَتِكِ ، يَقُولُ الرَّبُّ. فَيَرْجعُ الأَبْنَاءُ إِلَى تُخُمِهِمْ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ : سَيَقُولُونَ بَعْدُ هذِهِ الْكَلِمَةَ فِي أَرْضِي ، عِنْدَمَا أَرُدُّ سَبْيَهُمْ : يُبَارِكُكَ الرَّبُّ يَا مَسْكِنَ الْبِرِّ ، يَا أَيُّهَا الْجَبَلُ الْمُقَدَّسُ﴾
ويقول أيضا نبي الله تعالى اشعيا في هذا الفضل العظيم :
﴿ لاَ يَجُوعُونَ وَلاَ يَعْطَشُونَ ، وَلاَ يَضْرِبُهُمْ حَرٌّ وَلاَ شَمْسٌ ، لأَنَّ الَّذِي يَرْحَمُهُمْ يَهْدِيهِمْ وَإِلَى يَنَابِيعِ الْمِيَاهِ يُورِدُهُمْ ،وَأَجْعَلُ كُلَّ جِبَالِي طَرِيقًا ، وَمَنَاهِجِي تَرْتَفِعُ هؤُلاَءِ مِنْ بَعِيدٍ يَأْتُونَ ، وَهؤُلاَءِ مِنَ الشَّمَالِ وَمِنَ الْمَغْرِبِ .
اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ حَوَالَيْكِ وَانْظُرِي كُلُّهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا ، أَتَوْا إِلَيْكِ حَيٌّ أَنَا ، يَقُولُ الرَّبُّ ، إِنَّكِ تَلْبَسِينَ كُلَّهُمْ كَحُلِيٍّ ، وَتَتَنَطَّقِينَ بِهِمْ كَعَرُوسٍ إِنَّ خِرَبَكِ وَبَرَارِيَّكِ وَأَرْضَ خَرَابِكِ ، إِنَّكِ تَكُونِينَ الآنَ ضَيِّقَةً عَلَى السُّكَّانِ ، وَيَتَبَاعَدُ مُبْتَلِعُوكِ يَقُولُ أَيْضًا فِي أُذُنَيْكِ بَنُو ثُكْلِكِ : ضَيِّقٌ عَلَيَّ الْمَكَانُ وَسِّعِي لِي لأَسْكُنَ .
فَتَقُولِينَ فِي قَلْبِكِ : مَنْ وَلَدَ لِي هؤُلاَءِ وَأَنَا ثَكْلَى ، وَعَاقِرٌ مَنْفِيَّةٌ وَمَطْرُودَةٌ ؟ وَهؤُلاَءِ مَنْ رَبَّاهُمْ ؟ هأَنَذَا كُنْتُ مَتْرُوكَةً وَحْدِي ، هؤُلاَءِ أَيْنَ كَانُوا ؟
هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: « هَا إِنِّي أَرْفَعُ إِلَى الأُمَمِ يَدِي وَإِلَى الشُّعُوبِ أُقِيمُ رَايَتِي ، فَيَأْتُونَ بِأَوْلاَدِكِ فِي الأَحْضَانِ ، وَبَنَاتُكِ عَلَى الأَكْتَافِ يُحْمَلْنَ ﴾
وقوله : ﴿ وَأَجْعَلُ كُلَّ جِبَالِي طَرِيقًا ﴾ . هو الطريق الذي ذكرت عنه قبل ويكون حوله تلك الفوهات البركانية فتنير طريق أولئك المفديين ذهابا وإيابا للمدينة المقدسة وجبلها المقدس . فانظروا لهذا المجد كله فهو لمدينة حبيب الله عز وجل وحبيبنا وحبيب المؤمنين كلهم .
سيرجع لها الكثير من المفديين حتى تضيق لكنها ستتسع بسعة المولى عز وجل القادر على كل شيء ، فيقول في ذلك سبحانه على لسان نبيه اشعيا عليه الصلاة والسلام :
﴿ تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا الْعَاقِرُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ أَشِيدِي بِالتَّرَنُّمِ أَيَّتُهَا الَّتِي لَمْ تَمْخَضْ ، لأَنَّ بَنِي الْمُسْتَوْحِشَةِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي ذَاتِ الْبَعْلِ ، قَالَ الرَّبُّ ، أَوْسِعِي مَكَانَ خَيْمَتِكِ ، وَلْتُبْسَطْ شُقَقُ مَسَاكِنِكِ. لاَ تُمْسِكِي. أَطِيلِي أَطْنَابَكِ وَشَدِّدِي أَوْتَادَكِ ، لأَنَّكِ تَمْتَدِّينَ إِلَى الْيَمِينِ وَإِلَى الْيَسَارِ ، وَيَرِثُ نَسْلُكِ أُمَمًا ، وَيُعْمِرُ مُدُنًا خَرِبَةً ، لاَ تَخَافِي لأَنَّكِ لاَ تَخْزَيْنَ ، وَلاَ تَخْجَلِي لأَنَّكِ لاَ تَسْتَحِينَ ، فَإِنَّكِ تَنْسَيْنَ خِزْيَ صَبَاكِ ، وَعَارُ تَرَمُّلِكِ لاَ تَذْكُرِينَهُ بَعْدُ لأَنَّ بَعْلَكِ هُوَ صَانِعُكِ ، رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ وَوَلِيُّكِ القُدُّوسُ ، إِلهَ كُلِّ الأَرْضِ يُدْعَى ، لأَنَّهُ كَامْرَأَةٍ مَهْجُورَةٍ وَمَحْزُونَةِ الرُّوحِ دَعَاكِ الرَّبُّ ، وَكَزَوْجَةِ الصِّبَا إِذَا رُذِلَتْ ، قَالَ إِلهُكِ لُحَيْظَةً تَرَكْتُكِ ، وَبِمَرَاحِمَ عَظِيمَةٍ سَأَجْمَعُكِ بِفَيَضَانِ الْغَضَبِ حَجَبْتُ وَجْهِي عَنْكِ لَحْظَةً ، وَبِإِحْسَانٍ أَبَدِيٍّ أَرْحَمُكِ ، قَالَ وَلِيُّكِ الرَّبُّ ، لأَنَّهُ كَمِيَاهِ نُوحٍ هذِهِ لِي كَمَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ تَعْبُرَ بَعْدُ مِيَاهُ نُوحٍ عَلَى الأَرْضِ ، هكَذَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ أَغْضَبَ عَلَيْكِ وَلاَ أَزْجُرَكِ ، فَإِنَّ الْجِبَالَ تَزُولُ ، وَالآكَامَ تَتَزَعْزَعُ ، أَمَّا إِحْسَانِي فَلاَ يَزُولُ عَنْكِ ، وَعَهْدُ سَلاَمِي لاَ يَتَزَعْزَعُ ، قَالَ رَاحِمُكِ الرَّبُّ : « أَيَّتُهَا الذَّلِيلَةُ الْمُضْطَرِبَةُ غَيْرُ الْمُتَعَزِّيَةِ ، هأَنَذَا أَبْنِي بِالأُثْمُدِ حِجَارَتَكِ ، وَبِالْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ أُؤَسِّسُكِ ، وَأَجْعَلُ شُرَفَكِ يَاقُوتًا ، وَأَبْوَابَكِ حِجَارَةً بَهْرَمَانِيَّةً ، وَكُلَّ تُخُومِكِ حِجَارَةً كَرِيمَةً ، وَكُلَّ بَنِيكِ تَلاَمِيذَ الرَّبِّ ، وَسَلاَمَ بَنِيكِ كَثِيرًا
بِالْبِرِّ تُثَبَّتِينَ بَعِيدَةً عَنِ الظُّلْمِ فَلاَ تَخَافِينَ ، وَعَنِ الارْتِعَابِ فَلاَ يَدْنُو مِنْكِ ، هَا إِنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ اجْتِمَاعًا لَيْسَ مِنْ عِنْدِي مَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْكِ فَإِلَيْكِ يَسْقُطُ ، هأَنَذَا قَدْ خَلَقْتُ الْحَدَّادَ الَّذِي يَنْفُخُ الْفَحْمَ فِي النَّارِ وَيُخْرِجُ آلَةً لِعَمَلِهِ ، وَأَنَا خَلَقْتُ الْمُهْلِكَ لِيَخْرِبَ
« كُلُّ آلَةٍ صُوِّرَتْ ضِدَّكِ لاَ تَنْجَحُ ، وَكُلُّ لِسَانٍ يَقُومُ عَلَيْكِ فِي الْقَضَاءِ تَحْكُمِينَ عَلَيْهِ هذَا هُوَ مِيرَاثُ عَبِيدِ الرَّبِّ وَبِرُّهُمْ مِنْ عِنْدِي، يَقُولُ الرَّبُّ ﴾
ومن آمن وصدق بهذا فليدرك أن سعار يهود اليوم بفكرة توسعة الإستيطان فوق رؤوس أولئك المساكين من هنا أتى كذبا وزورا ، فالله يريد المدينة المقدسة والكفرة المنافقون يريدونها على كذب الشيطان مؤسس عقيدة الصهاينة .
وأرجع للقول : بأنه حتى في قوله تعالى كما في سورة الأنعام :
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ، إِنَّ الَّذِينَ فَارَقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾
فزمان ذلك ما تقرر هنا ، فالآخرة بعد الموت ليست محل طلب الإيمان ولا هي بدار تكليف الآخرة هناك إنما هي دار الجزاء على الإيمان والعقوبة على الكفران ، وليست هي مكان قبول ورد للإيمان ممن يأتي به ، لكن لما كان الناس لا زالوا بالدنيا تطلب رد إيمانهم لسبق الإنذار والحث على تحققه منهم قبل أن يأتيهم ما وعدوا ولما أتاهم ما يوعدون لم يفدهم إيمانهم حين ذاك ولهذا بين رده وعدم قبوله منهم بعد الكشف عن القضاء وابداء الجزاء على ما اقترفوا لأنهم لا زالوا بالدنيا وهنا المفاجأة ستكون عليهم مرة حتى يعض بعضهم أيديهم ، أو يقنط البعض فينكح أمه وأخته ويسعون جاهدين لنيل ما تبقى لهم من نعيم الدنيا فهم آيسون من الرحمة وموقنون من الحرمان والهلاك ، فلهذا يسعون كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ليتمتعوا بما بقي لهم من الدنيا حتى أنهم يأتون المحارم ويفعلون كل الموبقات حرصا وحثا من الشيطان واستسلاما لقدرهم المحتوم بالهلاك .
ومن تبين وجه الحق هنا فيما قرر سيوقن أن حمل ذكر الرسول على الإفراد هنا هو أيضا مما قيل والمراد به حفيد النبي المهدي لا جده المصطفى صلوات ربي وسلامه عليهما وبارك .
وأقول منبها إلى أن : تفصيلي بهذا الكتاب في مجد المدينة يعد إلحاقا لما فصل من قبل في كتاب " يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ... "
هناك في الكتاب فصل الكلام في مجد المدينة وعظيم ما سيجري فيها من أمره تعالى وبين كيف أنه سيحل عز وجل بالمدينة من فوق جبل أحد ، كذلك كان لي رد على كلام لجولوجية أمريكان ــ نقل كلامهم أول هذا الفصل ــ استعان بهم الطراطير لدراسة ما يجري حول مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم من زلازل وحركة للحمم البركانية من تحت الأرض وقلت هناك (3) :
جهلة ، إن مجد الله تعالى وبهائه سيظهر من هناك ، إنها طيبة الخير والسلام للمؤمنين ، إنها النذارة والعذاب وشديد النقم على المجرمين .
ومثل أنكم لم تفطنوا لدلالة الدخان وتلك النار على بعث الله تعالى لخليفته ورسوله ومهديه ، أنتم بالمثل لن تفطنوا لهذه في طيبة الخير والسلام مدينة جد المهدي وسيده المصطفى صلوات ربي وسلامه عليهما .
﴿ لِمَاذَا جِئْتُ وَلَيْسَ إِنْسَانٌ ، نَادَيْتُ وَلَيْسَ مُجِيبٌ ؟ هَلْ قَصَرَتْ يَدِي عَنِ الْفِدَاءِ ؟ وَهَلْ لَيْسَ فِيَّ قُدْرَةٌ لِلإِنْقَاذِ ؟ هُوَذَا بِزَجْرَتِي أُنَشِّفُ الْبَحْرَ ، أَجْعَلُ الأَنْهَارَ قَفْرًا ، يُنْتِنُ سَمَكُهَا مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ ، وَيَمُوتُ بِالْعَطَشِ , أُلْبِسُ السَّمَاوَاتِ ظَلاَمًا ، وَأَجْعَلُ الْمِسْحَ غِطَاءَهَا ، ــ هذه الإشارة لدخان أبار نفط الكويت التي احرقها صدام حسين (4) ــ أَعْطَانِي السَّيِّدُ الرَّبُّ لِسَانَ الْمُتَعَلِّمِينَ لأَعْرِفَ أَنْ أُغِيثَ الْمُعْيِيَ بِكَلِمَةٍ ، يُوقِظُ كُلَّ صَبَاحٍ لِي أُذُنًا ، لأَسْمَعَ كَالْمُتَعَلِّمِينَ ، السَّيِّدُ الرَّبُّ فَتَحَ لِي أُذُنًا وَأَنَا لَمْ أُعَانِدْ ، إِلَى الْوَرَاءِ لَمْ أَرْتَدَّ ، بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ ، وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ ، وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ ، وَالسَّيِّدُ الرَّبُّ يُعِينُنِي ، لِذلِكَ لاَ أَخْجَلُ ، لِذلِكَ جَعَلْتُ وَجْهِي كَالصَّوَّانِ وَعَرَفْتُ أَنِّي لاَ أَخْزَى قَرِيبٌ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُنِي .
مَنْ يُخَاصِمُنِي؟ لِنَتَوَاقَفْ مَنْ هُوَ صَاحِبُ دَعْوَى مَعِي؟ لِيَتَقَدَّمْ إِلَيَّ ، هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ يُعِينُنِي مَنْ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ عَلَيَّ؟ هُوَذَا كُلُّهُمْ كَالثَّوْبِ يَبْلَوْنَ ، يَأْكُلُهُمُ الْعُثُّ .
مَنْ مِنْكُمْ خَائِفُ الرَّبِّ ، سَامِعٌ لِصَوْتِ عَبْدِهِ ؟ مَنِ الَّذِي يَسْلُكُ فِي الظُّلُمَاتِ وَلاَ نُورَ لَهُ ؟ فَلْيَتَّكِلْ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ وَيَسْتَنِدْ إِلَى إِلهِهِ .
يَا هؤُلاَءِ جَمِيعُكُمُ ، الْقَادِحِينَ نَارًا ، الْمُتَنَطِّقِينَ بِشَرَارٍ ، اسْلُكُوا بِنُورِ نَارِكُمْ وَبِالشَّرَارِ الَّذِي أَوْقَدْتُمُوهُ ، مِنْ يَدِي صَارَ لَكُمْ هذَا فِي الْوَجَعِ تَضْطَجِعُونَ ﴾ " اشعيا عليه الصلاة والسلام "
ألم يرى العالم تلك النار وذلك الدخان المنبعث منها ؟ ويقول النبي ارميا صلوات ربي وسلامه عليه :
﴿ أَعْطُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ مَجْدًا قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَ ظَلاَمًا ، وَقَبْلَمَا تَعْثُرُ أَرْجُلُكُمْ عَلَى جِبَالِ الْعَتَمَةِ ﴾
وهذه أيضا اشارة من النبي إرميا عليه الصلاة والسلام كما أشار أيضا لذلك الدخان المبين النبي عاموس عليه الصلاة والسلام فقال :
﴿ أَلَيْسَ يَوْمُ الرَّبِّ ظَلاَمًا لاَ نُورًا ، وَقَتَامًا وَلاَ نُورَ لَهُ ؟ ﴾
لقد والله ألبسهم الظلام وسلط عليهم السيف العراقي ، ثم ماذا ؟!
بعث المهدي ومياه الغمر بالجوار : ﴿ يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ﴾ .
وهذا عما فات من نار ودخان ، لكن فيما هو آت اسمعوا للأنبياء ماذا قالوا :
﴿فَتُمْسِكُ سَبْعُ نِسَاءٍ بِرَجُل وَاحِدٍ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلاَتٍ : نَأْكُلُ خُبْزَنَا وَنَلْبَسُ ثِيَابَنَا ، لِيُدْعَ فَقَطِ اسْمُكَ عَلَيْنَا انْزِعْ عَارَنَا . فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ غُصْنُ الرَّبِّ بَهَاءً وَمَجْدًا ، وَثَمَرُ الأَرْضِ فَخْرًا وَزِينَةً لِلنَّاجِينَ ، وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي يَبْقَى فِيها يُسَمَّى قُدُّوسًا ، كُلُّ مَنْ كُتِبَ لِلْحَيَاةِ هناك .
ويَخْلُقُ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَكَانٍ مِنْ جَبَلِ طيبة وَعَلَى مَحْفَلِهَا سَحَابَةً نَهَارًا ، وَدُخَانًا وَلَمَعَانَ نَارٍ مُلْتَهِبَةٍ لَيْلاً ، لأَنَّ عَلَى كُلِّ مَجْدٍ غِطَاء ، وَتَكُونُ مِظَلَّةٌ لِلْفَيْءِ نَهَارًا مِنَ الْحَرِّ ، وَلِمَلْجَأٍ وَلِمَخْبَأٍ مِنَ السَّيْلِ وَمِنَ الْمَطَرِ ﴾
هذا تصريح نبي الله تعالى إشعيا عليه الصلاة والسلام في ذلك المجد واستمساك النساء بالرجل الواحد من المؤمنين يتوسلن الرحمة ، فقرن بالذكر ما بين هذا وذاك لمعان النار مع الدخان نتيجة تلك البراكين ، ونظير ما قاله قاله نبي آخر هو زكريا عليه الصلاة والسلام تماما ، قرن بالذكر ما بين استمساك مجموعة نساء بالرجل المؤمن الواحد رجاء نيل الرحمة وذاك الفضل والبركة من خلاله ، وتلك النيران والأدخنة ، فيقول :
﴿ هكذا قال رب الجنود سيأتي شعوب أيضا وسكان مدن كثيرة ، ويسير سكان الواحدة إلى الأخرى قائلين لنسر سيرا لإستعطاف وجه الرب والتماس رب الجنود .
فيأتي شعوب كثيرون وأممٌ أقوياء لالتماس رب الجنود في المدينة واستعطاف وجه الرب . هكذا قال رب الجنود إنه في تلك الأيام ستمسك عشرة أناس من جميع ألسنة الأمم بذيل إنسان قائلين إنا نسير معكم فقد سمعنا أن الله معكم﴾
واقرأوا لما قاله في ذلك المجد القادم أيضا نبي الله تعالى زكريا وقد اجتمع بنبوءته عليه الصلاة والسلام على هذا ذكر التمسك بالمؤمن الفرد من جماعة ، مع ذكر تلك النيران والأدخنة البركانية :
﴿ فَرَفَعْتُ عَيْنَيَّ وَنَظَرْتُ وَإِذَا رَجُلٌ وَبِيَدِهِ حَبْلُ قِيَاسٍ ، فَقُلْتُ : « إِلَى أَيْنَ أَنْتَ ذَاهِبٌ ؟ » فَقَالَ لِي : « لأَقِيسَ المدينة ، لأَرَى كَمْ عَرْضُهَا وَكَمْ طُولُهَا ». وَإِذَا بِالْمَلاَكِ الَّذِي كَلَّمَنِي قَدْ خَرَجَ ، وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ لِلِقَائِهِ .
فَقَالَ لَهُ : اجْرِ وَكَلِّمْ هذَا الْغُلاَمِ قَائِلاً : كَالأَعْرَاءِ تُسْكَنُ مِنْ كَثْرَةِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ فِيهَا وَأَنَا يَقُولُ الرَّبُّ ، أَكُونُ لَهَا سُورَ نَارٍ مِنْ حَوْلِهَا ، وَأَكُونُ مَجْدًا فِي وَسَطِهَا ﴾
ويصف عليه الصلاة والسلام أثر تلك الأدخنة والنيران البركانية على المدينة المنورة بتمام نبوءته تلك فيقوله :
﴿ وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ نُورٌ ، الْدَّرَارِي تَنْقَبِضُ , وَيَكُونُ يَوْمٌ وَاحِدٌ مَعْرُوفٌ لِلرَّبِّ لاَ نَهَارَ وَلاَ لَيْلَ ، بَلْ يَحْدُثُ أَنَّهُ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ يَكُونُ نُورٌ ﴾
واشعيا النبي يسمي ذلك مجدا ، وحزقيال يكشف عن أثر الدخان البركاني ذاك أنه يبلغ للحد أنه يحجب النجوم والقمر ، ولا يكون إلا نور تلك النيران اللامع .
ونبي آخر وهو يوئيل عليه الصلاة والسلام يصرح بأن تلك النيران والأدخنة البركانية لا تكون إلا بيوم القضاء وعرض الأمم للدينونة وهناك تكون مظلة المجد التي ستحجب نور النجوم فيقول :
﴿ لأَنَّهُ هُوَذَا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ أَجْمَعُ كُلَّ الأُمَمِ وَأُنَزِّلُهُمْ إِلَي ، وَأُحَاكِمُهُمْ هُنَاكَ ، نَادُوا بِهذَا بَيْنَ الأُمَمِ قَدِّسُوا حَرْبًا ، أَنْهِضُوا الأَبْطَالَ لِيَتَقَدَّمْ وَيَصْعَدْ كُلُّ رِجَالِ الْحَرْبِ . اِطْبَعُوا سِكَّاتِكُمْ سُيُوفًا ، وَمَنَاجِلَكُمْ رِمَاحًا لِيَقُلِ الضَّعِيفُ : « بَطَلٌ أَنَا » .
أَسْرِعُوا وَهَلُمُّوا يَا جَمِيعَ الأُمَمِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَاجْتَمِعُوا إِلَى هُنَاكَ أَنْزِلْ يَا رَبُّ أَبْطَالَكَ . تَنْهَضُ وَتَصْعَدُ الأُمَمُ إِلَى هناك ، لأَنِّي هُنَاكَ أَجْلِسُ لأُحَاكِمَ جَمِيعَ الأُمَمِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ . أَرْسِلُوا الْمِنْجَلَ لأَنَّ الْحَصِيدَ قَدْ نَضَجَ . هَلُمُّوا دُوسُوا لأَنَّهُ قَدِ امْتَلأَتِ الْمِعْصَرَةُ . فَاضَتِ الْحِيَاضُ لأَنَّ شَرَّهُمْ كَثِيرٌ ».
جَمَاهِيرُ جَمَاهِيرُ فِي وَادِي الْقَضَاءِ ، لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ فِي وَادِي الْقَضَاءِ ، اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَظْلُمَانِ ، وَالنُّجُومُ تَحْجُزُ لَمَعَانَهَا . وَالرَّبُّ من المدينة يُزَمْجِرُ وَيُعْطِي صَوْتَهُ ، فَتَرْجُفُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ . وَلكِنَّ الرَّبَّ مَلْجَأٌ لِشَعْبِهِ ، وَحِصْنٌ لهم . فَتَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ ، سَاكِنًا فِي جَبَلِ قُدْسِي . وَتَكُونُ المدينة مُقَدَّسَةً وَلاَ يَجْتَازُ فِيهَا الأَعَاجِمُ فِي مَا بَعْدُ .
وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الْجِبَالَ تَقْطُرُ عَصِيرًا ، وَالتِّلاَلَ تَفِيضُ لَبَنًا ، وَجَمِيعَ يَنَابِيعِ يَهُوذَا تَفِيضُ مَاءً ، وَمِنْ بَيْتِ الرَّبِّ يَخْرُجُ يَنْبُوعٌ وَيَسْقِي وَادِي السَّنْطِ ﴾
ويقول عن ذلك المجد نبي الله تعالى دانيال :
﴿ كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ وُضِعَتْ عُرُوشٌ ، وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ ، وَعَرْشُهُ لَهِيبُ نَارٍ ، وَبَكَرَاتُهُ نَارٌ مُتَّقِدَةٌ.
نَهْرُ نَارٍ جَرَى وَخَرَجَ مِنْ قُدَّامِهِ أُلُوفُ أُلُوفٍ تَخْدِمُهُ ، وَرَبَوَاتُ رَبَوَاتٍ وُقُوفٌ قُدَّامَهُ ، فَجَلَسَ الدِّينُ ، وَفُتِحَتِ الأَسْفَارُ﴾
وهنا نرى رؤيا النبي شبه صريحة بنيران البراكين وسيلان الحمم ، كناية عما سيكون بالمدينة وما حولها مما ورد ذكره عن القرآن والأنبياء .
ويتوعد الله تعالى الكفرة من بني إسرائيل بهذا ويقول لهم على لسان نبيه عاموس عليه الصلاة والسلام عن كشفه لذلك البر والمجد وأنه ما هو إلا كشف لفكره وسره فيقول :
﴿ لِذَلِكَ ، هَذَا مَا أُجْرِيهِ عَلَيْكَ يَاإِسْرَائِيلُ فَمِنْ أَجْلِ مَا أَصْنَعُهُ بِكَ تَأَهَّبْ لِلِقَاءِ إِلَهِكَ . فَانْظُرْ إِنَّهُ هُوَ صَانِعُ الْجِبَالِ وَخَالِقُ الرِّيَاحِ ، الَّذِي أَعْلَنَ فِكْرَهُ لِلْبَشَرِ ، وَأَحَالَ النَّهَارَ إِلَى لَيْلٍ ، وَمَشَى فَوْقَ مَشَارِفِ الأَرْضِ ، الرَّبُّ الإِلَهُ الْقَدِيرُ اسْمُهُ ﴾
وبالزبور سمى مرجعهم ذاك إليه سبحانه وتعالى أنه مرجعا للهاوية أي لجهنم وبالفعل هي تلوح لهم من خلال تلك الفوهات البركانية ويوسمون على خراطيمهم من قطرانها ويسربلون منه وتغشى وجووهم، فقال هناك :
﴿ مَعْرُوفٌ هُوَ الرَّبُّ قَضَاءً أَمْضَى الشِّرِّيرُ يَعْلَقُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ اَلأَشْرَارُ يَرْجِعُونَ إِلَى الْهَاوِيَةِ ، كُلُّ الأُمَمِ النَّاسِينَ اللهَ ، لأَنَّهُ لاَ يُنْسَى الْمِسْكِينُ إِلَى الأَبَدِ رَجَاءُ الْبَائِسِينَ لاَ يَخِيبُ إِلَى الدَّهْرِ .
قُمْ يَا رَبُّ لاَ يَعْتَزَّ الإِنْسَانُ لِتُحَاكَمِ الأُمَمُ قُدَّامَكَ ، يَا رَبُّ اجْعَلْ عَلَيْهِمْ رُعْبًا لِيَعْلَمَ الأُمَمُ أَنَّهُمْ بَشَرٌ ﴾
ويربط ما بين هذا الذكر وذكر عبده المهدي هناك فيقول :
﴿ أَضِئْ بِوَجْهِكَ عَلَى عَبْدِكَ خَلِّصْنِي بِرَحْمَتِكَ ، يَا رَبُّ ، لاَ تَدَعْنِي أَخْزَى لأَنِّي دَعَوْتُكَ ، لِيَخْزَ الأَشْرَارُ ، لِيَسْكُتُوا فِي الْهَاوِيَةِ ﴾
حقا سيصمتون حين ذاك لأنهم بالهاوية حقا وسمت خراطيمهم من قطرانها وسربلوا منه وغشت نيرانها وجوههم ، يفعل بهم ذلك وهم ينظرون لها ، وكيف لا يصمتون وهم بلا حجة يومئذ ، ونظيره قوله تعالى :
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ، فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ، إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ، وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ . وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ . وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ . وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ﴾
وليس هذا من ربط ما بين ذكر تلك النيران وذكرهم والمهدي المبعوث بين أظهرهم فقط ، بل هناك الكثير من الربط والدلالات في تعيين هؤلاء ومهما نقلت هنا وبينت إنما أنقل على سبيل الإختصار ، مثل قول اشعيا عليه الصلاة والسلام التالي :
﴿ وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ : أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشَّمَالِ .
أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ ، لكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ ، إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ اَلَّذِينَ يَرَوْنَكَ يَتَطَلَّعُونَ إِلَيْكَ ، يَتَأَمَّلُونَ فِيكَ أَهذَا هُوَ الَّذِي زَلْزَلَ الأَرْضَ وَزَعْزَعَ الْمَمَالِكَ الَّذِي جَعَلَ الْعَالَمَ كَقَفْرٍ ، وَهَدَمَ مُدُنَهُ ،الَّذِي لَمْ يُطْلِقْ أَسْرَاهُ إِلَى بُيُوتِهِمْ .
هَيِّئُوا لِبَنِيهِم قَتْلاً بِإِثْمِ آبَائِهِمْ ، فَلاَ يَقُومُوا وَلاَ يَرِثُوا الأَرْضَ وَلاَ يَمْلأُوا وَجْهَ الْعَالَمِ مُدُنًا ». «فَأَقُومُ عَلَيْهِمْ ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ ، وَأَقْطَعُ اسْمًا وَبَقِيَّةً وَنَسْلاً وَذُرِّيَّةً ، يَقُولُ الرَّبُّ . وَأَجْعَلُهَا مِيرَاثًا لِلْقُنْفُذِ ، وَآجَامَ مِيَاهٍ ، وَأُكَنِّسُهَا بِمِكْنَسَةِ الْهَلاَكِ ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ ».
قَدْ حَلَفَ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً: «إِنَّهُ كَمَا قَصَدْتُ يَصِيرُ ، وَكَمَا نَوَيْتُ يَثْبُتُ : أَنْ أُحَطِّمَهم فِي أَرْضِي وَأَدُوسَهُ عَلَى جِبَالِي ، فَيَزُولَ عَنْهُمْ نِيرُهُ ، وَيَزُولَ عَنْ كَتِفِهِمْ حِمْلُهُ ». هذَا هُوَ القَضَاءُ الْمَقْضِيُّ بِهِ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ ، وَهذِهِ هِيَ الْيَدُ الْمَمْدُودَةُ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ فَإِنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ قَضَى ، فَمَنْ يُبَطِّلُ ؟ وَيَدُهُ هِيَ الْمَمْدُودَةُ ، فَمَنْ يَرُدُّهَا ؟ ﴾
انظروا لمصير أمريكا كيف يكون ، واليوم يعلنون عن ابطال برلمانهم لخطط رئيسهم في اطلاق مساجين قونتناموا وأولياؤهم أتباعهم في ذلك سجنوا عباد الله بأقفاصهم وحشروهم كما تحشر الطيور .
ولا يدرون أنهم بذلك وغيره باتوا أشرارا للعنة والسخط وسيقطعون مع أمريكا وكل حلفاؤها من وجه الأرض يدمرون وتدمر ذرياتهم بذنوبهم تلك .
إنه القدر المحتوم إنه الغيب الذي نبأ الخلق عنه عالم الغيب والشهادة .
ومثل أنهم بالفعل صعدوا للسماء كما علم كل البشر ذلك ، هم سيرجعون لفوهات تلك البراكين وتلك الحمم عند المدينة المقدسة ، قضاءً فعل ربنا وقدرً لا بد يتحقق فيهم وسترون .
ولم ينفرد اشعيا النبي بجعل صعود هؤلاء للسماء وبلوغهم الكواكب علامة على قرب تحقق ذلك القضاء العظيم على كل أمم الأرض بل تابعه على ذلك وقال بمثله نبي آخر وهو عوبديا عليه الصلاة والسلام فقال :
﴿ قَدْ غَرَّتْكَ كِبْرِيَاءُ قَلْبِكَ أَيُّهَا الْمُقِيمُ فِي شُقُوقِ الصُّخُورِ ، وَمَسَاكِنُهُ فِي الْقِمَمِ ، الْقَائِلُ فِي قَلْبِهِ : مَنْ يَهْوِي بِي إِلَى الأَرْضِ ؟ وَلَكِنْ إِنْ كُنْتَ تُحَلِّقُ كَالنَّسْرِ وَمَنَازِلُكَ مَبْنِيَّةً بَيْنَ الْكَوَاكِبِ ، فَإِنِّي سَأَهْوِي بِكَ إِلَى الْحَضِيضِ يَقُولُ الرَّبُّ .
يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ آتٍ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ . جَبَلُ الرب يُصْبِحُ مَلاَذَ النَّجَاةِ ، وَيَكُونُ قُدْساً ... ، وَيُصْبِحُ الْمُلْكُ لِلرَّبِّ﴾
بل انظروا معي لأعجب من ذلك في تعيين هؤلاء ومكان بلادهم بما ينذهل له عقل الواعي ، إذ قال نبي الله تعالى صفنيا عنهم :
﴿ انْتَظِرُونِي لأَنِّي عَزَمْتُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَقُومُ فِيهِ كَشَاهِدٍ أَنْ أَجْمَعَ الأُمَمَ وَأَحْشُدَ الْمَمَالِكَ لأَسْكُبَ عَلَيْهِمْ سَخَطِي وَاحْتِدَامَ غَضَبِي ، لأَنَّ الأَرْضَ بِكَامِلِهَا سَتُؤْكَلُ بِنَارِ غَيْرَةِ غَيْظِي . عِنْدَئِذٍ أُنَقِّي شِفَاهَ الشَّعْبِ لِيَدْعُوا جَمِيعُهُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ وَيَعْبُدُوهُ جَنْباً إِلَى جَنْبٍ .
فَيُقَرِّبُ إِلَيَّ شَعْبِي الْمُشَتَّتُ ذَبِيحَةً مِنْ وَرَاءِ أَنْهَارِ كُوشٍ حَيْثُ يُقِيمُ الْمُتَضَرِّعُونَ إِلَيَّ . فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَنْ يَلْحَقَكُمُ الْعَارُ ، لأَنِّي سَأُزِيلُ آنَئِذٍ مِنْ وَسَطِكُمُ الْمُسْتَخِفِّينَ الْمُتَكَبِّرِينَ ، فَلاَ يَبْقَى مُتَشَامِخٌ فِي جَبَلِي الْمُقَدَّسِ ، إِنَّمَا أُبْقِي بَيْنَكُمْ شَعْباً مُتَوَاضِعاً فَقِيراً يَتَوَكَّلُونَ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ .
وَلَنْ يَرْتَكِبَ بَقِيَّتهم الإِثْمَ ، وَلاَ يَنْطِقُونَ بِالْكَذِبِ ، وَلَيْسَ فِي أَفْوَاهِهِمْ غِشٌّ ، بَلْ يَعِيشُونَ آمِنِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُهَدِّدَهُمْ أَحَدٌ﴾
فتمعنوا لهذا التعيين الباهر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم حين نزول سخط الله تعالى عليهم ، فأمريكا أرضها وراء المياه التي تحيط بأفريقا وما هناك إلا أمريكا كما هو ثابت جغرافيا ومن هذا كان ألمت بهم رغبة شديدة في العصور الوسطى لإستكشاف أين تكون تلك الأرض الموعودة بهذا السخط ، ووجدوها حقا ، فهم لا زالوا يسعون لقدرهم وبإصرار من ذلك اليوم بل من قبله .
وأيضا لا تفوتوا على أنفسكم التمعن هنا بوصف النبي لصلاة المسلمين حين قال : ﴿ لِيَدْعُوا جَمِيعُهُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ وَيَعْبُدُوهُ جَنْباً إِلَى جَنْبٍ ﴾ . فهذا الوصف خاص بصلاة المسلمين كما هو معلوم لكل أحد ، وليس الموصوفين هؤلاء يهود ولا هم عباد الصليب ولا أي وثنيين ، بل هو وصف خاص بالمسلمين وصلاتهم يقفون جنبا إلى جنب ، كتف كل واحد ملتصق بكتف أخيه في الصلاة كالبنيان المرصوص .
فاندهشوا لذلك ويحق لكم فتلك العلامات المؤكدة على تعيين هؤلاء والدليل القاطع على قرب قضاء الله عز وجل حقا على كل الأمم .
وأقول بعد ذلك : بأن اجتماع ذكر النساء وتلك النيران والأدخنة البركانية بتلك النبوءتين عن اشعيا وزكريا مما يثبت أن مقصود كلام الأنبياء بتلك الأخبار عما يكون آخر الزمان في المدينة المنورة ، وقد اتفق كلام النبي صلى الله عليه وسلم معهم في خبر استمساك النساء ما يثبت أن مقصود كلام الأنبياء هنا ما يكون آخر الزمان حقا .
وليست هذه بأول موافقاتهم بالإخبار بعضهم مع بعض ، بل النبي ارميا ومحمد صلى الله عليهما وسلم توافقا على ذكر تقديس المدينة وحرمتها ، فإرميا قال في ذلك : ﴿ وَتكُونُ .. قُدْسًا لِلرَّبِّ ، لاَ تُقْلَعُ وَلاَ تُهْدَمُ إِلَى الأَبَدِ ﴾
أما النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم به إبراهيم مكة . " عن انس متفق عليه "
وقد ثبت بلا أدنى شك تواطؤ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الإخبار عن أثر تلك النيران والأدخنة البركانية غير ما ذكرت سابقا ، مثل قول النبي ملاخي عليه الصلاة والسلام :
﴿ انْظُرُوا ، هَا يَوْمُ الْقَضَاءِ مُقْبِلٌ ، لاَهِبٌ كَتَنُّورٍ يَكُونُ فِيهِ جَمِيعُ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَفَاعِلِي الإِثْمِ عُصَافَةً ، فَيُحْرِقُهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَلاَ يُبْقِي لَهُمْ أَصْلاً وَلاَ فَرْعاً ، يَقُولُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ .
أَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي فَتُشْرِقُ عَلَيْكُمْ شَمْسُ الْبِرِّ حَامِلَةً فِي أَجْنِحَتِهَا الشِّفَاءَ فَتَنْطَلِقُونَ مُتَوَاثِبِينَ كَعُجُولِ الْمَعْلَفِ ، وَتَطَأُونَ الأَشْرَارَ ، إِذْ يَكُونُونَ رَمَاداً تَحْتَ بُطُونِ أَقْدَامِكُمْ ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي أُجْرِي فِيهِ أَعْمَالِي ، يَقُولُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ ﴾
ومثل قول اشعيا أيضا صلى الله عليه وسلم في وصف ما يكون للمدينة آخر الزمان :
﴿ يَقُولُ الرَّبُّ الَّذِي لَهُ نَارٌ ، وَلَهُ تَنُّورٌ في المدينة ﴾
وهذا النبي صلى الله عليه وسلم أكثر في ذكر ذلك غير ما مر من قوله فقال أيضا ملمحا لتلك النيران البركانية :
﴿ مِنْ أَجْلِها لاَ أَسْكُتُ لاَ أَهْدَأُ، حَتَّى يَخْرُجَ بِرُّهَا كَضِيَاءٍ وَخَلاَصُهَا كَمِصْبَاحٍ يَتَّقِدُ فَتَرَى الأُمَمُ بِرَّكِ وَكُلُّ الْمُلُوكِ مَجْدَكِ﴾
يريد عليه الصلاة والسلام رؤية عين لأنه يخبر هنا عن تلك النيران والأدخنة البركانية أن الأمم كلها سترى ذلك البر والمجد ، لأنه هو أيضا وصف بالمجد تلك النيران والأدخنة البركانية وبالبر ، فقال قبل في وصفها بأنها مجد : ﴿ لأَنَّ عَلَى كُلِّ مَجْدٍ غِطَاء ﴾ .
بل ماذا أقول أيضا هنا : هذا النبي لم يقتصر على تلك الرؤية لتلك النيران والأدخنة البركانية على الملوك والأمم حتى قطع على أن تلك المشاهدة ستتم لكل أحد فقال :
﴿ فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا ، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ ﴾
تمعنوا بهذا الكلام المبارك والذي لا يخرج إلا من وحي العليم الخبير ، فكيف يتم لجميع البشر تلك الرؤية إلا بما تيسر لهم بتلك الوسائل الإعلامية بغير هذا لا يمكن يتحقق هذا الخبر : ﴿ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا ﴾.
ويشهد له كلام أكثر صراحة بذلك لتلميذ النبي إرميا عليه الصلاة والسلام سأورده لاحقا بعد التعليق على ما قاله زكريا وداود في الزبور عليهما الصلاة والسلام ، لأن التعقيب على كلام باروك سيأخذنا لتفصيل أمر آخر متعلق هنا بتعيين مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
أقول : أما زكريا عليه الصلاة والسلام فأضيفت تلك النيران والأدخنة البركانية بكلامه للرب عز وجل ووصف ذلك أنه مجده لما قال : ﴿ أَكُونُ لَهَا سُورَ نَارٍ مِنْ حَوْلِهَا ، وَأَكُونُ مَجْدًا فِي وَسَطِهَا ﴾
وفي الزبور وصف ذلك بأنه أبهة فقال : ﴿ إنك تنير بأبهة من الجبال الأبدية ﴾ .
وقال باروك الذي يصف ذلك ببر الله عز وجل كما قال اشعيا بأنه بر :
﴿ تطلعي يا " أورشليم " من حولك نحو المشرق وانظري المسرة الوافدة عليك من عند الله ، ها إن بنيك الذين ودعتهم قادمون يقدمون مجتمعين من المشرق إلى المغرب بكلمة القدوس مبتهجين بمجد الله .
تسربلي ثوب البر الذي من الله واجعلي على رأسك تاج مجد الأزلي ، فإن الله يُظهر سناك لكل ما تحت السماء ، ويكون اسمك من قبل الله إلى الأبد سلام البر ومجد عبادة الله ﴾
﴿ وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون ، لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون ﴾
وهنا في كلام النبي باروك عليه الصلاة والسلام تعين وقفتان مع ما ورد فيه لمناقشة وشرح قوله تحديدا : ﴿تطلعي يا " أورشليم " من حولك نحو المشرق﴾ ، وقوله : ﴿ تسربلي ثوب البر الذي من الله﴾ . ولما تطلب شرح تلك الجملتان بيانا مطولا ناسب ارجاء شرح الفقرة الأولي للفصل الذي بعد هذا الفصل الخامس في ذكر البركة والأنهار ، وأما الفقرة الثانية فسأشرحها في نهاية هذا الفصل الرابع وبها سأختم هذا الفصل إن شاء الله تعالى .
أقول : فهذه القصة الحقيقية لتجمع تلك الحمم ليكون المجد على المدينة وفي وسطها ، وهذه القصة القادمة لتلك الجبال البركانية المهيئة حولها من قديم الزمان ، قناديل بهاء من حولها ستكون وسرج مجد لله العظيم ليرى العالم كله بهاء الله العلي ، ليرى العالم مجدك يا طيبة ومجد أبناءك المفديين ، أمام العالم كله سيكون ذلك ، لله عز وجل القوة ، لله عز وجل كامل الإحاطة بالخلق .
وهنا سأتطرق لتقرير الكلام في ذلك ثانية لمن لم يدرك ما سبق وقيل فيوقن أن ذلك حق وأن ذلك المجد العظيم البهي لن يتحقق إلا بحلوله تبارك وتعالى بالمدينة ، وأنه قدر لنفسه في ذلك مجدا وبرا عظيما ولكل مجد رباني غطاء كما كان الغطاء لمجده في بني إسرائيل بزمانهم الأول عصر موسى عليه الصلاة والسلام ، فقد كان الغمام يغطيهم دوما ويصاحبهم أين ما يتحركوا ، والنار تضيء لهم الليل الدامس هذا مصرح به في الزبور قال : ﴿وَهَدَاهُمْ بِالسَّحَابِ نَهَارًا ، وَاللَّيْلَ كُلَّهُ بِنُورِ نَارٍ ﴾ .
وهكذا في المدينة سيكون هناك غمام ونار مجد قدرها تعالى تحيط بالمدينة ويراها الخلق كلهم ، لهذا يرون اليوم الحمم البركانية تتحفز للخروج لكن بسلام ستكون على المؤمنين وخزي أبدي للكافرين ، وقودا دائما سيكون لتلك الفوهات البركانية المعلومة ، وتضيء بأنوارها للسالكين ، كل من يراها سيعلم أنها مجد الله تعالى وبره لمدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم التي سيرجع لها الأنبياء وفي جملتهم المصطفى صلى الله عليه وسلم نفسه ، ويكون الله تعالى حاكما للأرض من وسط شعبه قاضيا على كل الأمم يأتونه هناك أفواجا أفواجا كما ذكر النبي يوئيل عليه الصلاة والسلام ، وكل من سينبذ بعيدا عن ذلك الخير والمجد سيندم حينها ولن يستعتب وسيقولون كما ذكر تعالى تحسرا منهم :
﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ ، أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾
وإنه لمن المخزي أن يحمل بعض السلف ومقلدتهم من أئمة الخلف قوله تعالى هنا ﴿ فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ ﴾ على صفات الذات ، فيقولون ( لله جنب ) ، حمل الكلام هنا على ظاهر الحرف والله تعالى يريد المعنى ، أي لن يجاورونه بالمدينة مثل قوله بكتابه ﴿ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى ... وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ ﴾ .
وظاهر الكلام هنا حرفا ومعنا يحمل على جارك القريب المجاور ، الملتصق بيته ببيتك ، وقرن معه الصاحب بالجنب ، أي أقرب الناس إليك ، المجاور لك بأكثر شؤونك وأمورك الخاصة والعامة .
ولهذا لما أراد تعالى هذا المعنى لا غير نفى صحبتهم بقوله : ﴿ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ ﴾ . أي لن يصاحبوني حتى يكونوا كالمفديين ( الصاحب بالجنب ) . فهذا معنى قوله :﴿ فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ ﴾ ، لا كما فهم السلف وحدوا الرب المتعال الذي هو أكبر من أي شيء سواه مهما كبر فالله تعالى أكبر من ذلك بما لا يحصى ويدرك ، ورغم ذلك حدوه من جهالة وضعف مدارك على الله تبارك وتعالى، وتنزه عن ذلك الضلال والتوهان .
أقول : فالتفريط في هذا الأمر ما هو إلا تفريط في جنب الله عز وجل والنسبة للجنب كناية عن القرب منه بالمدينة هو يتجلى على الجبل ويغشاه الغمام من حوله والخلق من حول الجبل في وسط المدينة ، والجنب والمصاحبة بمعنى واحد اشارة على النبذ والإبعاد عن القرب منه على مشارف جبل أحد ، لا يسمع لهم ولا يرونه :
﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ، وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُواْ الْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ، وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ، وَأَلْقَوْاْ إِلَى اللّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾
ولما كان عدم الإستعتاب هذا زمانه ببعث المهدي عليه الصلاة والسلام أورد تعالى خبر ذلك في آيات سورة الروم حين ذكر هناك تصريفه للرياح الصفراء ثم قال عز وجل :
﴿ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ، فَيَوْمَئِذٍ لا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾
راجع التعقيب التالي الهام :
هل تعرفون من إخوان غبورة ؟ (4)
ولنعود الآن للحال التي كان عليها الناجون من بني إسرائيل زمان موسى عليه الصلاة والسلام وما حصل بعد خروجهم من أرض مصر إلى جبل سنا ، وفي ذلك قوله الله عز وجل :
﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾
فالغمام كما الغمام ، والرزق كما الرزق ، وكما بارك هناك سيبارك هنا ونصر هناك سينصر هنا ، وكما التابوت هناك والعصا سيكون مثله هنا تماما ، مماثلة من كل وجه كما نص على هذا نبي الله تعالى داود في زبوره وغيره من أنبياء الله تعالى ورسله ، بل بعض النبوءات نصت على أن الخلاص الأخير سيكون أعظم من الأول وهذا بإقرار من التراث اليهودي مثبت سواء بنص بعض النبوءات أو بالشروح لديهم :
﴿ هِيَ مَرَّةٌ ، بَعْدَ قَلِيلٍ ، فَأُزَلْزِلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَالْيَابِسَةَ ، وَأُزَلْزِلُ كُلَّ الأُمَمِ . وَيَأْتِي مُشْتَهَى كُلِّ الأُمَمِ ، فَأَمْلأُ هذَا الْبَيْتَ مَجْدًا ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ.لِي الْفِضَّةُ وَلِي الذَّهَبُ ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ .
مَجْدُ هذَا الْبَيْتِ الأَخِيرِ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ مَجْدِ الأَوَّلِ ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَفِي هذَا الْمَكَانِ أُعْطِي السَّلاَمَ ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ ﴾ " النبي حجي عليه الصلاة والسلام "
يريد بالبيت المسجد وأيضا بيت آل محمد صلى الله عليه وسلم ، يبارك بهم كما بارك على ابراهيم وآل ابراهيم ، ولهذا ذكرهما تعالى بعد تفصيل آية الغمامة كما في سورة النور فقال هناك :
﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ﴾
وقال تعالى في ذكر العصا في بني اسرائيل :
﴿ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾
فالعصا مثل العصا ، والغمام ، ومباركة الأرض والسماء ، وحتى النار ، مثل ذلك بما يشاء الله تعالى وقدر لهم جميعا .
بل هناك ما بينته قبل من نبوءات تصرح بأن خروجهم من مصر كان للمدينة ولجبل أحد المقدس مروا عليه ، وسأبين لاحقا إن شاء الله تعالى وأشرت لذلك قبل مرور سليمان عليها وجبلها ودواد قبله عليهما الصلاة والسلام ، سيبين ذلك لاحقا مع ما سبق وذكرت إن شاء الله تعالى ليكون أجمع .
﴿ بَسَطَ سَحَابًا سَجْفًا ، وَنَارًا لِتُضِيءَ اللَّيْلَ سَأَلُوا فَأَتَاهُمْ بِالسَّلْوَى ، وَخُبْزَ السَّمَاءِ أَشْبَعَهُمْ شَقَّ الصَّخْرَةَ فَانْفَجَرَتِ الْمِيَاهُ ﴾ " الزبور "
وأيضا انقلاب الأنواء كما هو مثبت لديهم بالنص التالي من الزبور غير ما سبق ذكره ، ومثل ذلك الزلازل كما هي الحال اليوم ، نظيره من كل وجه وليس التكليم فقط ، نص على ذلك داود في الزبور عليه الصلاة والسلام فقال :
﴿ يَااللهُ ، إِنَّ طَرِيقَكَ هِيَ الْقَدَاسَةُ ، فَأَيُّ إِلَهٍ عَظِيمٌ مِثْلُ اللهِ ؟ أَنْتَ الإِلَهُ الصَّانِعُ الْعَجَائِبَ ، وَقَدْ أَعْلَنْتَ قُوَّتَكَ بَيْنَ الشُّعُوبِ . بِذِرَاعِكَ القَدِيرَةِ افْتَدَيْتَ شَعْبَكَ . رَأَتْكَ الْمِيَاهُ يَااللهُ فَارْتَجَفَتْ وَاضْطَرَبَتْ أَعْمَاقُهَا أَيْضاً . سَكَبَتِ الْغُيُومُ مَاءً وَأَرْعَدَتِ السُّحُبُ ، وَتَطَايَرَتْ سِهَامُكَ.
صَوْتُ رَعْدِكَ فِي الزَّوْبَعَةِ ، فَأَضَاءَتِ الْبُرُوقُ الْمَسْكُونَةَ ، وَارْتَعَدَتِ الأَرْضُ وَاهْتَزَّتْ . إِنَّمَا فِي الْبَحْرِ طَرِيقُكَ ، وَمَسَالِكُكَ فِي الْمِيَاهِ الْغَامِرَةِ ، وَآثَارُ خُطُوَاتِكَ لاَ تُتَقَصَّى . هَدَيْتَ شَعْبَكَ كَقَطِيعٍ عَلَى يَدِ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾
وهذا النص يدل على المماثلة بين ما حصل سابقا في زمان موسى في الخلاص الأول ، وما هو حاصل الآن بابتداء الخلاص الثاني ، هذا إن لم أقل بأن المراد هو ذات الخلاص الأخير وإنما وضع موسى وهارون هنا تحريفا لمعنى الخبر ووقت تأويله فاستبدلت المماثلة بـ " المهدي " بـ " موسى " ، لكن لنسلم لظاهر المثبت بنسخة هؤلاء الكفرة المطبوعة حاليا ، وسيكون هذا من وجه آخر دليلا على تحقق المماثلة بالتقلبات المناخية اليوم ، ومثل ما كان حصل في زمان الخلاص الأول في بني إسرائيل ، فها هو العالم يشهد اليوم فتقليبات الله تعالى للمناخ فيهم لا تنكر ثابتة على تحقق وجه المطابقة في هذا المعنى وهو أمر ثابت لا يسع أحد إنكاره .
كما يفيد هذا النص من الزبور أن قداسة الله عز وجل ببعث المهدي وتمكينه عليه الصلاة والسلام آخر الزمان ، وبذلك تتحقق قداسة الجبار عز وجل أمام الخلق كلهم ، وهو القدس الذي أراده يهود وتمنوه وسعوا لتحقيقه كل اعمارهم لكن لن يصيبوه أبدا لأنه ليس فيهم وليس بتعيينهم لا زمانا ولا مكانا ، بل هو حق الله الخالص يجعله لمن يشاء من عباده المؤمنين من دون الناس جميعا وبالوقت الذي يشاء سبحانه وبالمكان الذي يحب ، ومن آمن وصدق بوقته وقبله الله تعالى كان من المقدسين ، حقا ﴿ إِنَّ طَرِيقَكَ هِيَ الْقَدَاسَةُ ﴾ .
وقال النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام في هذا الخصوص : ﴿ أشرق النور على الصديق والفرح على المستقيمي القلوب ، إفرحوا أيها الصديقون بالرب ، واعترفوا لذكر قداسته﴾ . فذكر القداسة ببعثه وتمكينه للمهدي ، إن الناس حقا لا يدركون أبدا من المهدي وبماذا بعث .
وأصرح من ذلك في علامات تحقق الخلاص سابقا ما ورد في الزبور أيضا من وجه آخر قوله :
﴿ يَااللهُ ، عِنْدَمَا خَرَجْتَ أَمَامَ شَعْبِكَ ، وَقُدْتَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ ، رَجَفَتِ الأَرْضُ ، وَهَطَلَتِ السَّمَاءُ مَطَراً ، وارْتَعَدَ جَبَلُ سِينَاءَ مِنْ حَضْرَةِ اللهِ مَطَراً غَزِيراً سَكَبْتَ يَااللهُ عَلَى شَعْبِكَ مِيرَاثِكَ ، وَعِنْدَ إِعْيَائِهِ أَنْتَ شَدَّدْتَهُ ، هُنَاكَ فِي الْبَرِّيَّةِ حَلَّ قَطِيعُكَ ، وَأَنْتَ بِجُودِكَ وَفَّرْتَ خَيْراً لِلْمَسَاكِينِ ، يَااللهُ ﴾
وهنا النص مصرحا بأن ذلك من فعل الله تعالى كان في زمان خلاص بني إسرائيل على يدي موسى الكليم عليه الصلاة والسلام ، وأثبتت النبوءة هنا من الزبور تحقق " الزلازل " و " نزول الأمطار الغزيرة " و " تشديد الرب لهم " و " توفير الخير للمساكين " .
وهو نظير ما يحصل اليوم وسيحصل ، فإن لكل خلاص يريده الله تعالى لشعبه وأحبائه علامات يتخذها الرب بهاءً وفرقانا وآيات بينات ومجدا ، ومن ذلك كما أفاده هذا النص والذي سبقه الزلازل والأمطار الغزيرة ، وقد حصل بالمثل هنا ما هو أشد وأكبر من كل الذي حصل في زمان بني إسرائيل الأول ، فالزلازل شملت العالم كله اليوم ببينتها ونقمتها ، ومثله هذه التغيرات المناخية العامة الشاملة للعالم كله ، من نزول الأمطار الشديدة بهيجان غضب من الرب واضطراب عظيم في الأنواء وفي كل ما ذكرت قبل وسأذكره لاحقا ، ما فيه أكبر البراهين على أن العالم يجري عليه مقدمات تحقق الخلاص الثاني من الله تعالى لشعبه ومسيحه ، مثل ما تحقق ذلك في زمان موسى وبني إسرائيل على ما بينته هذه النبوءة من الزبور .
ومثل ما تقدس جبل الله في زمان موسى وحصل فيه ما حصل بالمثل ، سيكون بجبل أحد بالمدينة نظير ذلك بل أكثر وأعظم ــ هذا إن لم نعتقد ونجزم أن أحدا هو أيضا الجبل الذي كلم الله تعالى من على ظهره موسى عليه الصلاة والسلام وأن تلك النار ( سنا ) في ذاك الوقت ما هي إلا النار التي سيشعلها الله تعالى من حوله مجددا كما فعل أول مرة ، وقد وردت نبوءات بعهدهم القديم تفيد أن من خروجهم من مصر قادهم الله تعالى للمدينة وجبل أحد ، سبق وذكرت ذلك .
ونطق في الزبور ببرهان المشابهة بين الجبلين أو الحالين بكل وضوح فقال هناك :
﴿ أَيَّتُهَا الْجِبَالُ الْكَثِيرَةُ الْقِمَمِ لِمَاذَا تَتَفَرَّسْنَ بِحَسَدٍ فِي الْجَبَلِ الَّذِي اشْتَهَاهُ اللهُ لِسُكْنَاهُ ؟ إِنَّ اللهَ سَيَسْكُنُ فِيهِ إِلَى الأَبَدِ . مَرْكَبَاتُ الرَّبِّ كَثِيرَةٌ لاَ تُحْصَى والرَّبُّ فِي وَسَطِهَا ، فَصَارَ جَبَلُ باشان مُمَاثِلاً لِجَبَلِ سِينَاءَ فِي القَدَاسَةِ ﴾
وانظروا امعانا في تعيين جبل الله تعالى هذا كيف تصفه النبوءة ، أنه جبل كثير القمم !!
﴿هُوَ جَبَلُ اللهِ ؛ جَبَلٌ كَثِيرُ الْقِمَمِ . أَيَّتُهَا الْجِبَالُ الْكَثِيرَةُ الْقِمَمِ لِمَاذَا تَتَفَرَّسْنَ بِحَسَدٍ فِي الْجَبَلِ الَّذِي اشْتَهَاهُ اللهُ لِسُكْنَاهُ ؟ إِنَّ اللهَ سَيَسْكُنُ فِيهِ إِلَى الأَبَدِ . مَرْكَبَاتُ الرَّبِّ كَثِيرَةٌ لاَ تُحْصَى والرَّبُّ فِي وَسَطِهَا، فَصَارَ جَبَلُ باشان مُمَاثِلاً لِجَبَلِ سِينَاءَ فِي القَدَاسَةِ ﴾
وأحد بالفعل هو كثير القمم إذ أنه بالأصل سلسلة جبال متصلة كلها تسمى بذلك الإسم ( أحد ) اما لتعظيم شأنه أو لانفرادها عما سواها من جبال ووحدت بذاك الإسم .
وأتت له القداسة من حلول المولى عز وجل فوقه ليصعد رسوله وخليفته المهدي عليه الصلاة والسلام فيكلمه هناك كما كلم موسى من قبل عليهما الصلاة والسلام من فوق جبل سنا ورد ذلك في الزبور فضلا عن غيره صريحا فقال هناك :
﴿ إني رافعٌ عيني إلى الجبال إلى حيث تأتي مِنـهُ نُصرتي ، نصرتي من عند الرب صانع السماوات والأرض ﴾
وقال :
﴿ الَّذِي يَجْعَلُ رِجْلَيَّ كَالإِيَّلِ ، وَعَلَى مُرْتَفَعَاتِي يُقِيمُنِي ﴾
وقداسة جبل أحد من حقائق الوحي الرباني عند الأنبياء ومن بينات الذكر هذا الأمر .
وقال فيه نبي الله تعالى عوبديا عليه الصلاة والسلام :
﴿ جَبَلُ الرب يُصْبِحُ مَلاَذَ النَّجَاةِ ، وَيَكُونُ قُدْساً ... ، وَيُصْبِحُ الْمُلْكُ لِلرَّبِّ ﴾
وقال النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام في قداسة ذلك الجبل ورابطا ذلك بالمهدي صلى الله عليه وسلم :
﴿ أَمَّا مَنْ يَلُوذُ بِي فَإِنَّهُ يَرِثُ الأَرْضَ وَيَمْلِكُ جَبَلَ قُدْسِي ﴾
ولا زال يعظ به من سلف ويغيض بذكره من كفر فيقول هناك :
﴿ اذْكُرُوا هَذَا وَاتَّعِظُوا انْقُشُوهُ فِي أَذْهَانِكُمْ يَاعُصَاةُ ، تَذَكَّرُوا الأُمُورَ الْغَابِرَةَ الْقَدِيمَةَ لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرُ . وَقَدْ أَنْبَأْتُ بِالنِّهَايَةِ مُنْذُ الْبَدْءِ ، وَأَخْبَرْتُ مِنَ الْقِدَمِ بِأُمُورٍ لَمْ تَكُنْ قَدْ حَدَثَتْ بَعْدُ ، قَائِلاً: مَقَاصِدِي لاَبُدَّ أَنْ تَتِمَّ ، وَمَشِيئَتِي لاَبُدَّ أَنْ تَتَحَقَّقَ أَدْعُو مِنَ الْمَشْرِقِ الطَّائِرَ الْجَارِحَ ، وَمِنَ الأَرْضِ الْبَعِيدَةِ رَجُلَ مَشُورَتِي . قَدْ نَطَقْتُ بِقَضَائِي وَلاَبُدَّ أَنْ أُجْرِيَهُ ، وَمَا رَسَمْتُهُ مِنْ خِطَّةٍ لاَبُدَّ أَنْ أُنَفِّذَهُ .
أَصْغُوا إِلَيَّ يَاغِلاَظَ الْقُلُوبِ أَيُّهَا الْبَعِيدُونَ عَنِ الْبِرِّ ، لَقَدْ جَعَلْتُ أَوَانَ بِرِّي قَرِيباً لَمْ يَعُدْ بَعِيداً ، وَخَلاَصِي لاَ يُبْطِيءُ سَأَجْعَلُ خَلاَصاً ومجدا ﴾
وقال كذلك رابطا ذكر ذلك الخلاص بعموم المؤمنين المفديين فيقول :
﴿ ويقال في ذلك اليوم هوذا إلهنا انتظرناه فخلصنا ، هذا هو الرب انتظرناه نبتهج ونفرح بخلاصه ، لأن يد الرب تستقر على هذا الجبل . في ذلك اليوم يُغنى بهذه الأغنية :
لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ يَجْعَلُ الْخَلاَصَ أَسْوَارًا وَمَتْرَسَةً ، اِفْتَحُوا الأَبْوَابَ لِتَدْخُلَ الأُمَّةُ الْبَارَّةُ الْحَافِظَةُ الأَمَانَةَ . ذُو الرَّأْيِ الْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِمًا سَالِمًا ، لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ .
ويكون في ذلك اليوم أنه يضرب ببوق عظيم فيأتي التائهون في أرض أشور والمنفيون في أرض مصر ويسجدون للرب في الجبل المقدس ﴾
تلك هي الأمانة التي قال عنها تعالى معظما لشأنها :
﴿ يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً .. إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ، لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾
وكان في سياق تلك الآيات قال بعد ذكر الساعة وقبل ذكر الأمانة ما يلي :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
أراد بذلك تعالى التعريض بآخر هذه الأمة حين وعظهم بأن لا يؤذوا مهديه وخليفته حين يبعث فيهم كما أوذي موسى عليه الصلاة والسلام في أولئك من قبل ، فيظنون به ما ليس فيه ، ويغالبونه ويغاضبونه بالعناد أو التكذيب .
ومثل ما عرض بأولئك بعدم حفظ تلك الأمانة عرض بمن سيدرك آخر الزمان بما نهاهم عنه ، والفوز الذي يناله الطائعون في ذاك الوقت أراد به ذلك البهاء وتلك البركة حتى أنه وصفه لعظمه بالفوز العظيم .
وبنو اسرائيل حين حملهم تلك الأمانة ذكر البينات والعلم بحقيقة تأويل تلك البينات آخر الزمان ليرعوا ذلك ويبينونه للناس ولا يكتمون ، لكنهم خانوا تلك الأمانة وحرفوها وكتموها عن الناس ، تلك الأمانة التي عرضت على الجبال فأبين أن يحملنها كما قال عز وجل مثالا لتعظيم شأن تلك الأمانة ، ولما ارتدوا عن ذلك قطعا سيأتي عز وجل بخير منهم ممن سيوفقه لحملها وهو المهدي عليه الصلاة والسلام ومن سيؤمن معه ويتبعه ويصدقه ، وحين ذاك نصحا من الله تعالى ورحمة حذر من يدرك ذلك أن لا يؤذي مبعوثه كما أوذي موسى فيمن سلف ، فيمنع الله عز وجل دخولهم جراء ذلك مع الفائزين المؤمنين الذين عناهم النبي بتلك النبوءة حين يدخلون المدينة مكرمين منصورين معززين عليهم البهاء جزاءً لحفظهم تلك الأمانة وطاعة الله ورسوله وتصديقهما ، وهي من عنى تعالى في الزبور وربط ذكرها بعباده فقال :
﴿ لَيْسَ لَنَا يَا رَبُّ لَيْسَ لَنَا ، لكِنْ لاسْمِكَ أَعْطِ مَجْدًا ، مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ مِنْ أَجْلِ أَمَانَتِكَ ، لِمَاذَا يَقُولُ الأُمَمُ : «أَيْنَ هُوَ إِلهُهُمْ؟ ».
إِنَّ إِلهَنَا فِي السَّمَاءِ كُلَّمَا شَاءَ صَنَعَ ، أَصْنَامُهُمْ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ ، لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ ، لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ ، لَهَا آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُ ، لَهَا مَنَاخِرُ وَلاَ تَشُمُّ ، لَهَا أَيْدٍ وَلاَ تَلْمِسُ ، لَهَا أَرْجُلٌ وَلاَ تَمْشِي ، وَلاَ تَنْطِقُ بِحَنَاجِرِهَا ، مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا ، بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا .
يَا مُتَّقِي الرَّبِّ اتَّكِلُوا عَلَى الرَّبِّ هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ ، الرَّبُّ قَدْ ذَكَرَنَا فَيُبَارِكُ يُبَارِكُ مُتَّقِي الرَّبِّ ، الصِّغَارَ مَعَ الْكِبَارِ لِيَزِدِ الرَّبُّ عَلَيْكُمْ ، عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَبْنَائِكُمْ ، أَنْتُمْ مُبَارَكُونَ لِلرَّبِّ الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾
أما بنو اسرائيل فقال فيهم على لسان موسى عليه الصلاة والسلام :
﴿ أَحْجُبُ وَجْهِي عَنْهُمْ ، وَأَنْظُرُ مَاذَا تَكُونُ آخِرَتُهُمْ إِنَّهُمْ جِيلٌ مُتَقَلِّبٌ ، أَوْلاَدٌ لاَ أَمَانَةَ فِيهِمْ ﴾
وفي المتأخرين قال في الزبور :
﴿ كُلُّ وَصَايَاكَ أَمَانَةٌ زُورًا يَضْطَهِدُونَنِي ﴾
وقد أكثر في ذكرها بوحيه لرسله ، مثل قوله في الزبور :
﴿ أَحِبُّوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ أَتْقِيَائِهِ الرَّبُّ حَافِظُ الأَمَانَةِ ، وَمُجَازٍ بِكَِثْرَةٍ الْعَامِلَ بِالْكِبْرِيَاءِ﴾
﴿ الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ، الْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا . الْحَافِظِ الأَمَانَةَ إِلَى الأَبَدِ ﴾
يريد بالحفظ هنا ما عناه بكتابه القرآن : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ . فالذكر هو الأمانة وهو تأويل البينات قال عنه في الزبور :
﴿ جعل لِمُعجزاته ذِكْــراً الربُّ رؤوفٌ رَحيمٌ ، أعطى الذين يتقونَهُ غِذاء ذكر إلى الأبد ميثاقه ، أبدى لشعبه قوة أعمالهِ ، إذ أعطاهم ميراثَ الأمم أعمال يديه حقٌّ وحكمٌ ﴾
جعل ذكره في توريث عباده الأمم بقوة أعماله وهذا مما لا يكون إلا ببعث المهدي وتمكينه عليه الصلاة والسلام ، ولما كان الناس اليوم في غفلة عن هذا الذكر ببعث المهدي قال تعالى فيهم : ﴿ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ ، أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ ﴾ .
ويحسب السذج غفلتهم عن تلاوة القرآن وادعية المساء والصباح لكن الله علم وعلم الذين أوتوا العلم أن ذكره الذي سيغفل عنه هؤلاء الغافلون هو تأويل البينات وتحقق التمكين الرباني العظيم ، وحين ذاك لا يصحبه إلا من آمن بمواعيده للخليل عليه الصلاة والسلام بأن يبارك في ذريته ويورثهم الأرض التي أراه ، ولهذا كل من لا يؤمن ببعثه لوليه ورسوله فهو على خطر اليوم وكفرهم مبين .
وقد تعهد بحفظ تلك الأمانة وأنها ذكر قداسته وكلماته وبيناته التي لا تبديل لها ولا يقدر على تحريفها وتعطيلها لا اليهود ولا أمم الأرض كلها لو اجتمعت على ذلك كاليوم ليمنعوها فلن يقدروا على ذلك أبدا ، وهذا ما عناه عز وجل بحفظه لها .
وقال عنها في الزبور أيضا :
﴿ لأَنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ ، وَكُلَّ صُنْعِهِ بِالأَمَانَةِ﴾
ولما كانت تلك الأمانة مما تعلق بالمهدي والخلاص به آخر الزمان قال عن ذلك بزبوره أيضا :
﴿ لَمْ أَكْتُمْ عَدْلَكَ فِي وَسَطِ قَلْبِي تَكَلَّمْتُ بِأَمَانَتِكَ وَخَلاَصِكَ لَمْ أُخْفِ رَحْمَتَكَ وَحَقَّكَ عَنِ الْجَمَاعَةِ الْعَظِيمَةِ﴾
وقال فيها أيضا :
﴿ أَمَّا أَمَانَتِي وَرَحْمَتِي فَمَعَهُ ، وَبِاسْمِي يَنْتَصِبُ قَرْنُهُ ﴾
وقال فيها أيضا :
﴿ أَمَّا رَحْمَتِي فَلاَ أَنْزِعُهَا عَنْهُ ، وَلاَ أَكْذِبُ مِنْ جِهَةِ أَمَانَتِي ﴾
وقال فيها أيضا :
﴿ الْعَدْلُ وَالْحَقُّ قَاعِدَةُ كُرْسِيِّكَ الرَّحْمَةُ وَالأَمَانَةُ تَتَقَدَّمَانِ أَمَامَ وَجْهِكَ ﴾
وقال النبي هوشع عليه الصلاة والسلام يربط الأمانة بالمدينة :
﴿ أَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالأَمَانَةِ فَتَعْرِفِينَ الرَّبَّ﴾
وغير هذا كثير كقول النبي ارميا عليه الصلاة والسلام فيها :
﴿ هأَنَذَا أَضَعُ عَلَيْهَا رِفَادَةً وَعِلاَجًا ، وَأَشْفِيهِمْ وَأُعْلِنُ لَهُمْ كَثْرَةَ السَّلاَمِ وَالأَمَانَةِ ﴾
فتلك هي الأمانة وأهلها ، وتلك هي المدينة وجبلها ، يدخلونها آمنين مطمئنين منعمين مباركين :
﴿ وأجعل مقدسي في وسطهم إلى الأبد ، ويكون مسكني فوقهم وأكون لهم إلها ويكونون لي شعبا ، فتعلم الأمم أني أنا الرب ﴾ " حزقيال "
إنه الجبل الذي سيحل عليه الرب عز وجل لمحاربته آخر الزمان الأعداء الكفار ، وسيكون ذلك مشهودا :
﴿ ينزل رب الجنود للمحاربة على جبله على أكمته ﴾ " اشعيا "
﴿ وَأَتَجَلَّى بِقَدَاسَتِي بَيْنَكُمْ عَلَى مَشْهَدٍ مِنَ الأُمَمِ ﴾ " حزقيال "
﴿ اسْمَعُوا يَاجَمِيعَ الشُّعُوبِ ، وَأَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ وَكُلُّ مَنْ فِيهَا ، وَلْيَكُنِ السَّيِّدُ الرَّبُّ مِنْ هَيْكَلِهِ الْمُقَدَّسِ شَاهِداً عَلَيْكُمْ﴾ " ميخا "
﴿ وَيُرَى الرَّبُّ فَوْقَهُمْ ، وَسَهْمُهُ يَخْرُجُ كَالْبَرْقِ ، وَالسَّيِّدُ الرَّبُّ يَنْفُخُ فِي الْبُوقِ وَيَسِيرُ فِي زَوَابعِ الْجَنُوبِ ، رَبُّ الْجُنُودِ يُحَامِي عَنْهُمْ فَيَأْكُلُونَ وَيَدُوسُونَ ، وَيَمْتَلِئُونَ كَالْمَنْضَحِ وَكَزَوَايَا الْمَذْبَحِ ، وَيُخَلِّصُهُمُ الرَّبُّ إِلهُهُمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ كَقَطِيعٍ شَعْبَهُ ، بَلْ كَحِجَارَةِ التَّاجِ مَرْفُوعَةً عَلَى أَرْضِهِ ﴾ " زكريا "
رؤية عين ومراده اختصاص الضباب بهم كما اختص ببني اسرائيل بعد خروجهم من مصر طوال أربعين عاما ، وهم لا يرحلون إلا بأمره ولا يستقرون إلا بأمره ، مصاحبا لهم طوال تلك المدة يعرفون ذلك بحضور الغمام .
ومثله سيكون في هذه الأمة مماثلة تامة وإليه الإشارة بقوله عز وجل : ﴿ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ ﴾ ، أي كما صحبت بني إٍسرائيل في السابق .
واقرأوا ما ألطف ما قاله في الزبور سبحانه على لسان نبيه داود عليه الصلاة والسلام : ﴿يَسْقُطُونَ وَيَهْلِكُونَ مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ ، لأَنَّكَ أَقَمْتَ حَقِّي وَدَعْوَايَ ، جَلَسْتَ عَلَى الْكُرْسِيِّ قَاضِيًا عَادِلاً ، انْتَهَرْتَ الأُمَمَ أَهْلَكْتَ الشِّرِّيرَ ، مَحَوْتَ اسْمَهُمْ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ اَلْعَدُوُّ تَمَّ خَرَابُهُ إِلَى الأَبَدِ وَهَدَمْتَ مُدُنًا .. أَمَّا الرَّبُّ فَإِلَى الدَّهْرِ يَجْلِسُ ثَبَّتَ لِلْقَضَاءِ كُرْسِيَّهُ وَهُوَ يَقْضِي لِلْمَسْكُونَةِ بِالْعَدْلِ ، يَدِينُ الشُّعُوبَ بِالاسْتِقَامَةِ ، وَيَكُونُ الرَّبُّ مَلْجَأً لِلْمُنْسَحِقِ ، مَلْجَأً فِي أَزْمِنَةِ الضِّيقِ ، وَيَتَّكِلُ عَلَيْكَ الْعَارِفُونَ اسْمَكَ ، لأَنَّكَ لَمْ تَتْرُكْ طَالِبِيكَ يَا رَبُّ﴾ .
وتمعنوا بحال الأغبياء ينتظرون الموت حتى يرون كل هذا ، وقد أتاهم بحياتهم وهو بالحقيقة أموات .
وهو الملقب بجبل الزيتون في سفر زكريا عليه الصلاة والسلام وفيه قال قولا يدل على أن ذلك كما في ذكر النساء من كلام النبي اشعيا وقته آخر الزمان آخر عمر الدنيا ، فيقول هناك :
﴿ فَيَخْرُجُ الرَّبُّ وَيُحَارِبُ تِلْكَ الأُمَمَ .. وَتَقِفُ قَدَمَاهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ الَّذِي قُدَّامَ أورشليم مِنَ الشَّرْقِ ،فَيَنْشَقُّ جَبَلُ الزَّيْتُونِ مِنْ وَسَطِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ وَنَحْوَ الْغَرْبِ وَادِيًا عَظِيمًا جِدًّا ، وَيَنْتَقِلُ نِصْفُ الْجَبَلِ نَحْوَ الشِّمَالِ ، وَنِصْفُهُ نَحْوَ الْجَنُوبِ ..
وَيَأْتِي الرَّبُّ إِلهِي وَجَمِيعُ الْقِدِّيسِينَ مَعَه ، وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ نُورٌ. الْدَّرَارِي تَنْقَبِضُ , وَيَكُونُ يَوْمٌ وَاحِدٌ مَعْرُوفٌ لِلرَّبِّ لاَ نَهَارَ وَلاَ لَيْلَ ، بَلْ يَحْدُثُ أَنَّهُ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ يَكُونُ نُورٌ ، وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ مِيَاهًا حَيَّةً تَخْرُجُ مِنْ أورشليم نِصْفُهَا إِلَى الْبَحْرِ الشَّرْقِيِّ ، وَنِصْفُهَا إِلَى الْبَحْرِ الْغَرْبِيِّ فِي الصَّيْفِ وَفِي الْخَرِيفِ تَكُونُ ، وَيَكُونُ الرَّبُّ مَلِكًا عَلَى كُلِّ الأَرْضِ ، فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ الرَّبُّ وَحْدَهُ وَاسْمُهُ وَحْدَهُ ﴾
ولم تنفرد نبوءة زكريا عليه الصلاة والسلام بذكر نهر يكون من المدينة بل سبقه الزبور في تقرير ذلك وسيأتي بسط الكلام في ذلك في الفصل التالي المخصص لذكر النهر الذي سيخرجه الله تعالى من جبل أحد المقدس .
وفي ختام هذا الفصل سأقرر الكلام على ما قلت قبل عن قول النبي باروك بن نيريا عليه الصلاة والسلام تلميذ النبي ارميا صلوات ربي وسلامه عليهما : تسربلي ثوب البر .
وهنا لما يعجب المرء لم اختار هذا النبي هذا الوصف تحديدا والقرآن صريح بأنه من أوصاف أهل النار : ﴿ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ، سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ ﴾ . سيزول عجبه لما يقف على جوابي هذا التفصيلي عن ذلك .
فإن ذكر السربال في كلام النبي هنا المراد به عين ما يريده تعالى بآيات سورة الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام التالية :
﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ، وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ ، وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ ، وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ، فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ، يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ، وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ، سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ ، لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ، هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾
فكل تلك الآيات وبمعانيها تحققت وسيتحقق منها لاحقا ، ولا علاقة لعقوبات هؤلاء التي ذكر عز وجل بجهنم إلا فقط من حيث تلك الأدخنة والنيران التي ستنشأ من تلك الفوهات البركانية ما بين مكة والمدينة وحولها لقيام أمر الله تعالى هذا ، فتلك الدينونة التي ذكر المسيح أنه سيأتيها وتلاميذه ليشهدوا على أولئك الكفار ، فلا علاقة لهم بالنار إلا من حيث تلك البراكين ، فالنار كما تقرر بالملفات التالية ببطن الأرض ومنافذها لوجه الأرض من خلال تلك الجبال البركانية وأخصها يكون يوم الدينونة التي أخبر تعالى عنها من تلك الفوهات التي افتتح بذكرها فصلنا هذا ، وهناك تظهر عدتها من الملائكة التي نص على خبرهم في سورة المدثر وأنهم سيكونون فتنة للكافرين ، وكل ذلك والدخول بعد لها لم يحن .
هناك تثور لما يعلن عن مجده تعالى ويكشف عن بره لكل العالم ، وهناك سيحشرون ليتمجد أفواجا أفواجا وهم يوزعون ، ويقفون على ربهم ليشهد عليهم ويشهد الأشهاد ، وهم ملطخة وجوههم بقطران تلك الفوهات سيماهم على خراطيمهم ، مسربلين قمصا للفضح والخزي عليهم السوء مكبلين بالأغلال ، هذا معنى تلك الآيات وهناك تأويلها يقوم كل ذلك باقامة مجد المدينة والمسجد الأقصى .
﴿ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ ، عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ، وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَوَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ .
كَلا وَالْقَمَرِ ، وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ، وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ، إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ ، نَذِيراً لِّلْبَشَرِ ، لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ، كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ، إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ ، فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ ، عَنِ الْمُجْرِمِينَ ، مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ، حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ، فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ .
فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ، كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ ، فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ ، بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً ، كَلا بَل لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ ، كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ ، فَمَن شَاء ذَكَرَهُ ، وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ﴾
فحين تثور تلك الفوهات البركانية سيتكشف ذلك الحدث العظيم الجلل عن جهنم من باطن الأرض بإذن ربها ستظهر ألسنتها تلوح للبشر ، وهناك يتحقق قيام عددتها التي أخبر تعالى التسعة عشر ، وما جعل عدتهم إلا فتنة للكفار ، فهم من يقوم بمهمة سوقهم إلى هناك ، وهم من سيكبلهم بالسلاسل فيسوقونهم للعرض على الله تعالى والأشهاد ، وهم من يسربلونهم تلك القمصان ، ويسمونهم على تلك الخراطيم الملعونة ، وتلطخ تلك الوجوه فتصبخ زرقاء من أثر النفط وذلك القطران :
﴿ إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ﴾
من هنا أتت سربلتهم بذلك القطران قبل ما يدخلونها وذلك محقق في ذلك اليوم العظيم يوم النار والتنور ، ثم بعد ذلك السجر فيها لهذا أتى بثم بعد سحبهم ليسربلوا بقمصان من ذلك الحميم قبل عرضهم على الله تعالى والأشهاد ، وثم بلغة العرب تفيد التراخي ، يعني هذا يعقبه هذا ، ونظيره ما قال بتلك الآيات من سورة إبراهيم تغشاهم النار ، لأنهم لم يدخلوها بعد .
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ﴾
﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً . الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً ﴾
﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ . وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ . وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ ﴾
﴿ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً ، السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ، إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾
وتصديقا لذلك الحضور من الملائكة في زمان المهدي ماذا قال في الزبور عن ذلك ؟ ، قال :
﴿ أعترف لك بكل قلبي أمام الملائكة أشيد لك ، أسجد نحو هيكل قدسك﴾
وتصديقا لذلك بماذا أقسم الرب عز وجل ؟!
أقسم بالقمر وهو رمز نبوي للمصطفى صلى الله عليه وسلم ولحفيده المهدي معه نطق بذلك الإنجيل والكثير من النبوءات ، مثل ما أنه الآن يضرب به الأمثال بمبشرات الخلق اشارة لقرب قيام هذا الامر ، وهناك مقالة منشورة بموقع المهدي وببعض كتبه وعنوانه " فيئ القمر " حول ذلك الرمز يراجعها من يشاء .
وادبار الليل يريد تعالى عند قيام مجده وبره وكشفه عن قدسه أن بذلك سيدبر ظلام الباطل وينقشع عن الأرض باشراقة الحق وصباح مجد الله تعالى ، وما عاد الأمر مجرد فجر مبكر ومتأخر ، بل هو الصبح مسفرا ، والنار تلوح وعدتها قائمة
وأهلها الملعونين معلومون ، وأصحاب الجنة يرقبون بفرح وابتهاج يجتمعون ووصفها تعالى بـ : ﴿ إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ ، نَذِيراً لِّلْبَشَرِ ، لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ، كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ، إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ ﴾ .
أقول : ومن التفاسير المهمة الجلية لما ورد بآيات سورة ابراهيم ، ما يلي :
﴿ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ﴾ . من المعلوم أن من الأنبياء من صرح بهذا الأمر كقوله في الزبور : " لِيُقَيِّدُوا مُلُوكَهُمْ بِالسَّلاَسِلِ وَشُرَفَاءَهُمْ بِأَغْلاَلٍ مِنْ حَدِيدٍ " . وقال اشعيا : " يَمْشُونَ خَلْفَكُمْ مُصَفَّدِينَ بِالأَغْلاَلِ ، وَيَخُرُّونَ سَاجِدِينَ أَمَامَكُمْ قَائِلِينَ : حَقّاً إنَّ الرَّبَّ مَعَكُمْ ولاَ إِلَهَ سِوَى إِلَهِكُمْ . هُوَ وَحْدَهُ الإِلَهُ لاَ غَيْرَهُ " .
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك . تجدون تفاصيل ذلك تحت العنوان التالي ( اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ). وهو موضوع منشور بموقع المهدي وهناك شرح معنى قوله (يوزعون ) في صفة سوق الملائكة للكفار لذلك المقام .
وفي ملف : " انتبه إن إنهيار الجبال اليوم لا بد يعني شيئا ... " . تعقيب (46) تطرق لقود الملائكة بالسلاسل الكفار أيضا .
وقال تعالى : ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيراً ﴾. فالسلاسل والأغلال ما ذكرت وتلك السعير .
﴿ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ ﴾ . بينت كيف يسربلون وأن ذلك حين تكون وجوههم زرقا من أثر القطران ـ النفط ـ الذي سينبثق من تلك الفوهات وأثره السابق إلى وقتنا على ما يسمونها الحرات ، هناك لما يقيم الله تعالى أمره يقاد للمكان الكفار جميعا أو رؤوسهم فيفعل بهم ما ذكر تعالى ، يسامون على الخراطيم ويسربلون بالقطران نتيجة سحب الملائكة على أظهرهم ووجوههم ليتغطوا بسواد النفط ، ثم يعرضون على الله تعالى والأشهاد ، ويكونون أثناء ذلك مغشية وجوههم بالنار التي تلوح لهم من فوهات تلك الجبال البركانية .
ونسبة السربلة بكلام النبي باروك أتت من هذا المعنى لظهور تلك الحمم والقطران من جبالها لهذا قال في وصفها : ﴿ تسربلي ثوب البر الذي من الله واجعلي على رأسك تاج مجد الأزلي ﴾ .
﴿ فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ . أقول : أما عن تبديل الأرض والسماء ، فذلك حين يقلب الله تعالى تلك القاحلة لمثل جنة عدن ، وتبديل السماء بطي اقمارهم الصناعية فيعيدها الكريم المنان القوي المتعال لما كانت عليه أول خلقه قبل ما يضعون قاذوراتهم تلك هناك . فهذا معنى تلك الآيات وذلك التبديل ، فافهمموا ، ولي أفراد كتاب بتلك المسألة وعنوانه قوله تعالى : " يوم نطوي السماء .. " .
﴿ هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ ﴾ . أقول : يجب أن تدركوا أن وقوع هذه الجملة (هذا بلاغ للناس ) في سياق تلك الآيات وبعد أن انتهى من تلك الأخبار ، لدلالة خاصة وضعت من أجلها تلك الجملة هناك ، وهي للتعريف بوضعها لذات الدلالة بمكانين معينين لذات العلاقة . الأول : في قوله تعالى : ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾
والثاني : ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ، وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ، إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ﴾ ، فاجمعوا تلك الأطراف والفروع لتتيقنوا ذلك الأصل الباهر جدا .
وبعد التدقيق تجدونه تعالى يورد تلك الجملة بتوريثه للأرض عباده المؤمنين ، واستخلافهم كذلك ما يفيد أن تفاصيل آيات سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في ذات المعنى والسياق ، أي حين يريد استخلافهم وتوريثهم يكون حينذاك كل ما أخبرت بتلك الآيات .
وانتبهوا لذكر طي السماء هناك لما كان السلف لا يمكنهم يدركوا لهذا الطي من معنى يتعلق بغير السماء ويكون مضافا لها ما تدركون أنتم الآن ، فأنهم لزاما اعتقدوا بالطي هنا على خلاف مراد الله تعالى وأن معنى التبديل في آيات سورة الخليل هو ذات المعنى بالطي للسماء هنا لا يتعدى ، فافترق اعتقاد السلف واجماع الأمة عن اعتقاد المهدي ، فمن تتبعون لتهتدوا وما عليه إلا البلاغ المبين ، لأنه رسول مبين ومهدي من الله عز وجل ؟!
﴿ وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ ، وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ ﴾ . أقول : أولئك الناس على الخصوص المعنيين هم أصحاب الدخان قومه ، وضمنا يدخل معهم جميع الناس لعموم تحقق التأويل لاحقا ، لكن هم خصوصا المعنيين لما ذكر عنهم من بعد ، فهم من تبين لهم ما فعل تعالى بمجمعهم من قبل ، ولما عادوا عادوا لمساكن أولئك الذين أصابهم ما أصابهم جراء غزو جيش العراق لهم .
﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ ، فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
وضرب لهم الأمثال يريد بقوله عز وجل : ﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ، وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ .
وقال فيهم : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ، لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ .
وفيهم قوله عز وجل :
﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ، سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ، وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾
وتحقق تأويل هذا بجولانهم في الجزيرة العربية حتى وصلوا لديارهم ، وهناك أمر موسى بصنع التابوت وكلمه من فوق جبلها جبل سعير أو سنا .
أراهم الله ديارهم وأخبروا بما سيكون عليهم ومنهم .
ولهذا لما كانوا بتلك المنزلة من تعلقهم بالتأويل كان أن نص تعالى بآيات سورة الخليل عليه الصلاة والسلام على خروج الرسل منهم وأنهم حين يتيقنون الحق بعد فوات الأوان كان من قولهم : ﴿ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ﴾ .
دعوته التي ابتدأ تعالى يحققها ببعث خليفته ورسوله من بين أظهرهم ، وأرسل رسله من هناك ليبشروا بها من حولهم ، ثم ماذا كان كلهم في غفلة وضلال مبين لحين يسمهم تعالى من ذاك الحميم ويقمصون بالسواد للخزي والفضح والعار الأبدي ، تسوقهم الملائكة مع الآخرين أفواجا أفواجا ( وقيل من راق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساقة ) ، وتغشى وجوههم نيران تلك الفوهات البركانية ، إنها دينونة الله عز وجل ومجده وبره المنتظر .
وهم الذين أتاهم رزقهم من كل مكان ، ولما ألبسهم تعالى بتلك الفتنة لباس الجوع والخوف ثم رفع عنهم العذاب بما ادعوا أنهم مؤمنون وتائبون ، وبمجرد رفع العذاب عادوا ، ونسوا أن ربهم بالمرصاد .
﴿ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ ﴾ وقوله تعالى في سورة أخرى : ﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ﴾ . بينهما فرق ولا شك : ففي سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام هم بعد لم يدخلوها يرونها تلوح لهم وتلطخ وجوههم من الملائكة بتلك الحمم السوداء المتدفقة فيوسمون ، وتلطخ أجسادهم فيسربلون لأن الحكمة الربانية أنهم يعرضون على الأشهاد عند قيام دينونة الجبار ليدين العالم الشرير ، لتخزى وجوههم حينئذ وتسوء وتسود وتفضح :
﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ ﴾
﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً ، يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً ﴾
يعرضون موسومين على الخراطيم من قطران تلك الفوهات البركانية وما أكثرها ما بين مكة المقدسة والمدينة المقدسة ، ويسربلون من ذلك القطران ، وتغشاهم النار لأن رؤيتهم ليست كرؤية المؤمنين لها ، فأولئك مبعدون عنها ، أما أولئك فهي مئالهم وإليها مصيرهم ، وهم يوقنون بذلك أشد اليقين ، وكيف لا وها هم في الخزي والفضح يعرضون على ربهم والأشهاد ، فهذا معنى الغشيان بسورة الخليل عليه الصلاة والسلام ، يمررون قريبا من تلك الفوهات يأخذ كل منهم دوره بذلك الوسم ، ألا ترون كيف احصاء عددها فوق الثلاثمائة ألف ما بين مكة والمدينة لتلك الغاية ولكثرة ما يسود من قطرانها وجوه الكفرة المنافقين .
وفي حديث للقاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " النائحة إذا لم تتبتوقف في طريق بين الجنة والنار وسرابيلها من قطران وتغشى وجهها النار " .
فلاحظوا هذا الحديث المفسر لما نحن فيه هنا ، فهي بعد لم تدخل النار بل توقف بين الجنة والنار وغشيان النار هنا معناه بين فتكون قريبة منها ، وتعلم مصيرها لها ، فقال تغشاها ولو كانت في النار ويمسها لهيبها فتلفحها وتحرقها فتكلح وجهها لما قال ذلك ، وكالحون : أي يتقلص اللحم فتبدو اللثة والأسنان بشكل مخيف .
وعليكم تفطنوا لما قاله النبي ملاخي عليه الصلاة والسلام المنقول بالتعقيب السابق :
﴿ وَأَمُدُّ الْفَرْثَ عَلَى وُجُوهِكُمْ ، فَرْثَ أَعْيَادِكُمْ ، فَتُنْزَعُونَ مَعَهُ ﴾
يكني هنا عن نفطهم وحميم وقطران الجحيم حين يلطخ على وجوههم ، يريد عين ما يريد تعالى بتلك الآيات من سورة الخليل عليه الصلاة والسلام ، مادت الكرش ، لأنه رزقهم وزينتهم وفتنتهم وعوده لكروشهم ليس قليل ، فكنى النبي هنا عليه الصلاة والسلام عما عناه تعالى بتسويد وجوههم وسربلتهم منه يومئذ .
ولهذا قال : ﴿ فَتُنْزَعُونَ مَعَهُ ﴾ .
ثم انتبهوا لوصفهم نتيجة لطخهم بذلك القطران كما قلت قبل للمعته أن تصبح وجوههم زرقاء أولئك الكفرة فيقع قوله تعالى : ﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً ﴾ .
ويقول نبي الله تعالى يوئيل عن ذلك اليوم العظيم :
﴿ لأَنَّهُ هُوَذَا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ أَجْمَعُ كُلَّ الأُمَمِ وَأُنَزِّلُهُمْ إِلَي ، وَأُحَاكِمُهُمْ هُنَاكَ ، نَادُوا بِهذَا بَيْنَ الأُمَمِ قَدِّسُوا حَرْبًا ، أَنْهِضُوا الأَبْطَالَ لِيَتَقَدَّمْ وَيَصْعَدْ كُلُّ رِجَالِ الْحَرْبِ . اِطْبَعُوا سِكَّاتِكُمْ سُيُوفًا ، وَمَنَاجِلَكُمْ رِمَاحًا لِيَقُلِ الضَّعِيفُ : « بَطَلٌ أَنَا » .
أَسْرِعُوا وَهَلُمُّوا يَا جَمِيعَ الأُمَمِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَاجْتَمِعُوا إِلَى هُنَاكَ أَنْزِلْ يَا رَبُّ أَبْطَالَكَ . تَنْهَضُ وَتَصْعَدُ الأُمَمُ إِلَى هناك ، لأَنِّي هُنَاكَ أَجْلِسُ لأُحَاكِمَ جَمِيعَ الأُمَمِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ . أَرْسِلُوا الْمِنْجَلَ لأَنَّ الْحَصِيدَ قَدْ نَضَجَ . هَلُمُّوا دُوسُوا لأَنَّهُ قَدِ امْتَلأَتِ الْمِعْصَرَةُ . فَاضَتِ الْحِيَاضُ لأَنَّ شَرَّهُمْ كَثِيرٌ ».
جَمَاهِيرُ جَمَاهِيرُ فِي وَادِي الْقَضَاءِ ، لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ فِي وَادِي الْقَضَاءِ . اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَظْلُمَانِ ، وَالنُّجُومُ تَحْجُزُ لَمَعَانَهَا . وَالرَّبُّ من المدينة يُزَمْجِرُ وَيُعْطِي صَوْتَهُ ، فَتَرْجُفُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ . وَلكِنَّ الرَّبَّ مَلْجَأٌ لِشَعْبِهِ ، وَحِصْنٌ لهم .
فَتَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ ، سَاكِنًا فِي جَبَلِ قُدْسِي . وَتَكُونُ أورشليم مُقَدَّسَةً وَلاَ يَجْتَازُ فِيهَا الأَعَاجِمُ فِي مَا بَعْدُ .
وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الْجِبَالَ تَقْطُرُ عَصِيرًا ، وَالتِّلاَلَ تَفِيضُ لَبَنًا ، وَجَمِيعَ يَنَابِيعِ يَهُوذَا تَفِيضُ مَاءً ، وَمِنْ بَيْتِ الرَّبِّ يَخْرُجُ يَنْبُوعٌ وَيَسْقِي وَادِي السَّنْطِ ﴾
انظروا للأنبياء كيف كانت تلهج بذكر ذلك اليوم . وها هو اشعيا ماذا يقول عنه اقرأوا :
﴿ ويَخْلُقُ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَكَانٍ مِنْ جَبَلِ طيبة وَعَلَى مَحْفَلِهَا سَحَابَةً نَهَارًا ، وَدُخَانًا وَلَمَعَانَ نَارٍ مُلْتَهِبَةٍ لَيْلاً ، لأَنَّ عَلَى كُلِّ مَجْدٍ غِطَاء ﴾
ويقول زكريا عليه الصلاة والسلام في ذلك :
﴿ كَالأَعْرَاءِ تُسْكَنُ مِنْ كَثْرَةِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ فِيهَا وَأَنَا يَقُولُ الرَّبُّ ، أَكُونُ لَهَا سُورَ نَارٍ مِنْ حَوْلِهَا ، وَأَكُونُ مَجْدًا فِي وَسَطِهَا ... وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ نُورٌ ، الْدَّرَارِي تَنْقَبِضُ , وَيَكُونُ يَوْمٌ وَاحِدٌ مَعْرُوفٌ لِلرَّبِّ لاَ نَهَارَ وَلاَ لَيْلَ ، بَلْ يَحْدُثُ أَنَّهُ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ يَكُونُ نُورٌ ﴾
نعم ، هكذا سيكون الأمر ومن تلك الفوهات البركانية ما بين مكة والمدينة سينطلق مجد الرب ..
.............
(1) سبق وأجبت على معنى الأيام الغابرة وبينت ما المقصود بذلك .
(2) طبعا لما أقول عن الغفلة في المتأخرين لا يقصد بذلك على العموم بل يستثنى أبالسة اليهود ومن واطأهم من خاصة عباد الصليب لعلم هؤلاء الخاص بكل ما يجري في العالم اليوم من احداث كانت النبوءات تحكي عنها بالتفصيل مثل هيجان الأنواء وكثرة الزلازل وذوبان الجليد واشتداد الحر إلى غير ذلك مما أخبر تعالى بتلك النبوءات على مر الأجيال ، وهذا لا بد من العلم به لأهل الإطلاع والمكر والكيد ، فيوقنون بذلك لكن يكتمونه ، فهم قد توارثوا العداوة لما أخبر الأنبياء من قديم كما قال تعالى وكشف عن معتقدهم إما يكون هذا في بني اسحاق أو لن يقبل في بني إسماعيل ، ولهذا نرى لفهم الصمت بعد ما تحققت كل تلك العلامات الكونية من اعمال الرب عز وجل والتي تدل على أن المخلص قد بعث فهي لا تكون إلا بالتزامن مع وجوده حقيقة في العالم ، مثل قول النبي ارميا عليه الصلاة والسلام : " وينهض نوءٌ عظيم ٌ من أطراف الأرض ، ويكون قتلى الرب في ذلك اليوم من أقصاء الأرض إلى أقصاء الأرض " .
أو قوله : " غيظ يخرج ونوء هائج على رؤوس الأشرار يثور ، لا يرتد غضب الرب حتى يجري ويقيم مقاصده ، في آخر الأيام تفهمون فهماً " .
أو قوله في الزبور : " رأت الأرض وارتعدت ، ذابت الجبال مثل الشمع قدام الرب سيد الأرض كلها ، أخبرت السماوات بعدله ورأى جميع الشعوب مجده " .
أو قول النبي حبقوق عليه الصلاة والسلام : " بغضب خطرت في الأرض بسخط دست الأمـم ، خرجت لخلاص شعبك لخلاص مسيحك " .
أو قول النبي حجي عليه الصلاة والسلام : " لذلك منعت السماوات من فوقكم الندى ، ومنعت الأرض غلتها ، ودعوت بالحر على الأرض وعلى الجبال وعلى الحنطة وعلى المسطار ، وعلى الزيت وعلى ما تنبته الأرض وعلى الناس وعلى البهائم ، وعلى كل أتعاب اليدين " .
فهذا وغيره كثير مما تحقق تأويله اليوم من آيات الذكر والبينات ، لا بد يفهمه الخاصة ممن قصدنا ويدركون معناه وحقيقته جيدا لكن لكفرهم نرى لفهم عن ذكره صمت مريب لا يدل إلا على كفرهم وجحدهم وعنادهم الكبير لما قدر تعالى لكن قضاءه وحكمه فيهم آخر الزمان سيفضح كل ذلك .
(3) في ملف ( خبر عجيب (1) ) تعقيب رقم (101)
(4) راجع زيادة بيان عن دخان آبار بترول الكويت وعلاقته ببعث المهدي مقال : ( وقفة حاسمة مع حديث الاقتتال على الكنز والرايات ) .