الفصل الثاني
عن عبد رب الكعبة قال دخلت المسجد فإذا عبدالله بن عمرو جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه ، فأتيتهم فجلست إليه فقال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، إذ نادى منادي رسول الله : الصلاة جامعة . فاجتمعنا إلى رسول الله ، فقال : ( إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضاً ، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه )(1).
وعن ربعي بن خراش عن حذيفة قال : كنا عند عمر فقال : أيكم سمع رسول الله يذكر الفتن ؟ فقال قوم : نحن سمعناه ، فقال : لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وماله وجاره ؟ قالوا : أجل ، قال : تلك يكفرها الصلاة والصيام والصدقة ، ولكن أيكم سمـع النبي يذكر التي تموج موج البحر ؟ قال حذيفة : فأسكت القوم ، فقلت : أنا ، فقال أنت لله أبوك ، قال حذيفة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً ، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير على قلبين أبيض مثل الصفا ، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ، ولا ينكر منكرا إلا مـا أشرب من هواه )(2). قال الحافظ ابن حجر : وقع لفظ آخر لربعي قال : قال حذيفة : سمعته يقول : ( يأتيكم بعدي فتن كموج البحر يدفع بعضها بعضا ) فرفع عمر يده فقال : اللهم لا تدركني ، فقال حذيفة : لا تخف(3). ورواه الطيالسي في مسنده عن أبي وائل وفيه أن عمر قال لحذيفة : إنما أسألك عن الفتنة التي قبل الساعة تموج كموج البحر(4). وفي هذا برهان على أن الأمة ستصاب في آخرها بأمور عظيمة وفتن متتابعة تمور كموج البحر ، ومن عظم شرها أشفق عمر رضي الله عنه من أن تدركه تلك الفتن التي قبل الساعة .
وقد نصت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تكون في آخر الزمان ، وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكرها ويعظم خطرها ، وهي فتن ثلاث ، لا تنكشف وتنقضي إلا بانقسام الناس إلى فريقين ، فريق مرحوم ، وفريق ملعون مطرود من رحمة الله وغفرانه ، وهذه الفـتن خصها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوصف والتحذير ، فكان يجمل في ذكرها تارة ويفصل تارة ، تحذيراً للأمة من شرها .
قال ابن شهاب أن أبا إدريس الخولاني قال : كان حذيفة يقول : إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة ، وقال رسول الله وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن وهو يعد الفتن : ( منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئاً ومنهن فتن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار )(5). وفي الصحيحين عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول : ( ألا إن الفتنة هاهنا ، ومن حيث يطلع قرن الشيطان ) . وفي صحيح مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو مستقبل المشرق : ( ها إن الفتنة ها هنا ، إن الفتنة ها هنا ، من حيث يطلع قرن الشيطان ) ، وزاد غير الزهري قوله : ( وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض )(6). وتفيد هذه الأحاديث حصرها في جهة المشرق من المدينة ، وأنها تكون في آخر الزمان ، وتنتشر وتشمل الكثير ، وفيها يقع الهرج وهو القتل .
وباعتبار حال زماننا وما جرى فيه من النوازل العظيمة ، ومع ما ظهر من القرائن الكثيرة التي تدل على أننا أدركنا آخر الزمان ، ومن بعد إعمال النظر والفكر في أعظم فتن هذا الوقت وهي فتنة صدام العراق ، وجدت هذه الفتنة قد تحقق فيها أمور دلت الأحاديث عليها ، ومن ذلك أنها من مشرق المدينة كما نص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها تحقق الهرج الذريع والإفساد في الأرض ، ومن ثم كانت سببا لزحف الروم إلى أرض المشرق ، مع كون وقوعها في آخر الزمان .
وسأذكر بحول الله وقوته غير ما ذكرت وبالتفصيل من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآيات كتاب الله الكريم ، ما فيه مقنع لكل عاقل لبيب لم يسلب عقله بعد ، في أن هذه الفتنة كان يحذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن علاماتها أنها لا تكاد تذر أحداً إلا وأدركته بشرها أو خبرها ، وهذا كله ثابت في هذه الفتنة ثبوتا لا ينكره إلا جاهل أو مكابر ، ومن أجل هذا جاء القول بالاعتزال والحذر ، وأن من لا ينكرها ويعرفها ليحذرها ينكت السواد في قلبه وينكس ثم يهلك مع الهالكين ، ولقد والله نصح بأبي وأمي هو للأمة وحذر منها وأتى على وصف هذه الفتن حتى أن من يدركها لا يخطئ من وصفها شيئا ، إلا من عدم الهداية والعقل والفطنة وطمست بصيرته ، وهؤلاء هم أشر الخلق ، قال الله تعالى فيهم : ﴿ فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جـاء أشراطهـا . فأنّى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ﴾(7) وقال : ﴿ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا ﴾(8) وقال سبحانه : ﴿ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين . يغشى الناس هذا عذاب أليم ﴾(9) والهدى والذكر سواء ، وهو ما أخبر عن حدوثه في آخر الزمان الله جل وعلا ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وقد قضى الله سبحانه بحرمان هؤلاء من الانتفاع بهذا الذكر !! من أجل أن يصيبهم الجزاء المحتوم .
ومن نصيحته عليه الصلاة والسلام أن عرَّفَ بفتنة طاغية العراق ، لتكونَ مناطاً للعارف في تعيين ما سبقها وما يَلحَقُ بها ، حتى يدرك العاقل أن هذه الفتن الثلاثة التي كان يقول بأنها لا تكاد تذر شيئا ، ويعد هذا أصل عظيم في أبواب الفتن فتنبه أيها العارف !.. ، قال حذيفة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تكون فتنة تعرج عقول الرجال ، حتى ما ترى رجلا عاقلا ) وذكر ذلك في الفتنة الثالثة(10). وعن أبي الطفيل قال : سمعت حذيفة يقول : الفتن ثلاث تسوقهم الرابعة إلى الدجال ، التي ترمي بالرضف ، والتي ترمي بالنشف ، والسوداء المظلمة التي تموج مـوج البحر(11). وهذه الأخيرة هي التي كان عمر يتخوف منها أن تدركه ، وعمر هو عمر ، وذكر حذيفة أنها أربع هنا باعتبار قتل عثمان وإضافة الثلاثة إليها ، فقد روي عنه قوله : إنها أول الفتن وآخرها فتنة المسيح الدجال . وأما كون الفتن ثلاث ، فهو ثابت في الصحيح كما ذكرت ، وأنها آخر عمر الدنيا ، والأولى تسبق فتنة صدام والثالثة تأتي بعد فتنة صدام ، وسيأتي لاحقا التفصيل في حالها .
عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله قال : ( ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس ، أتت الفتن كقطع الليل يركب بعضها بعضا ، الآخرة شر من الأولى ، فيهنكم ما أنتم فيه )(12). والناظر في حال هؤلاء السفلة الرعاء وسعيهم الحثيث في هذه الفتن يعلم أن القوم قد فتنوا نسأل الله السلامة ، وذلك من جراء ترك نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته ، من الأخذ بتحذيرهم من شر هذه الفتن وكف اليد واللسان ، بل حتى الاستشراف .
ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، ومن يشرف لها تستشرفه ، ومن وجد ملجأً أو معاذا فليعذ به )(13). قال أبو علي إسماعيل القالي : استشراف الشيء أن تضع يدك على حاجبك كالذي يستظل من الشمس وينظر هل يراه(14). قال ابن حجر : أي تَطلَّع لها بأن يتصدى ويتعرض لها ولا يُعرِض عنها . وقال النووي : معنى تستشرفه تقلبه وتصرعه . قال حذيفة : إياكم والفتن فلا يشخص لها أحد ، فوالله ما يشخص لها أحد إلا نسفته كما يَنسِفُ السيل الدمن ، إنهـا مشبهة مقبلة حتى يقول الجاهل هذه سنة وتتبين مدبرة ، فإذا رأيتموها فاجثموا في بيوتكم وكسروا سيوفكم وقطعوا أوتاركم(15).
وها هي تدبر فتنة الخليج الكبرى ، ولم يعرفها هؤلاء الحثالة مما يدل على ذهاب العقول . وكان الحسن رحمه الله في زمانه قيل له في فتن وقته : يا أبا سعيد مـا تقول في الفتن ، مثل يزيد بن المهلب وابن الأشعث ؟ فقال : لا تكن مع هؤلاء ولا مع هؤلاء ، فقال رجل من أهل الشام : ولا مع أمير المؤمنين يا أبا سعيد ؟ فغضب ثم قال بيده فطرَّ بِها ، ثم قال : ولا مع أمير المؤمنين يا أبا سعيد ، نعم ولا مع أمير المؤمنين . وكان يقول رحمه الله : إن هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم ، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل (16). واليوم لا عالم يعرف الفتنة مقبلة ، ولا جاهل يعرفها مدبرة ، نسأل الله السلامة من شر هذا الزمان وأهله .
والأحاديث في التحذير من شر هذه الفتن لا تحصى كثرة ، منها ما فيه وعيد شديد للساعي فيها ، ومنها ما فيه وعيد شديد لمن يقتل فيها ، ومنها ما فيه الحث على الفرار منها واعتزال أهلها ، فمن ذلك ما رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( ويل للعرب من شر قد اقترب ، من فتنة عمياء صماء بكماء القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ... ، ويل للساعي فيها من الله تعالى يوم القيامة )(17). وعن عبدالله بن خباب عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تكن فتنة القاعد فيها خير من القائم .... ، والساعي في النار ) وكان حدَّث بهذا الحديث الخوراج في زمان علي ، فرأوا أنه يُعَرِّضُ بهم ، بقوله : ( والساعي في النار ) أي في هذه الفتنة . فأخذوه وأم ولده فذبحوهما في النار جميعا على شط النهر ، وكان ذلك ما دعى عليا لقتالهم(18). وقال حذيفة : لأنا لغير الدجال أخوف عليكم ، قيل مما ذاك ؟ قال : فتن كقطع الليل المظلم ، خير الناس فيها الغني الخفي ، وشر الناس فيها الخطيب المصقع والراكب الموضع(19). وروي عن سعد بن مالك يرفعه ، رواه الحاكم في المستدرك . ويقال : أوضع البعير ، إذا ركبه وحمله على سرعة السير .
وعن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنها ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خير من الجالس ... ، قتلاها كلهم في النار ) قيل : متى ذلك يا ابن مسعود ؟ قال : تلك أيام الهرج حيث لا يأمن الرجل جليسه(20). وعن ابن عمرو رفعه : ( إنها ستكون فتنة تستنظف العرب قتلاها في النار ، اللسان فيها أشد من وقع السيف )(21). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل ) فقيل : كيف يكون ذلك ؟ قال : ( الهرج ، القاتل والمقتول في النار )(22). ومما جاء فيه الأمر بالاعتزال عند هذه الفتن كما ذكر سابقا حديث أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنها ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيرا من الجالس .. ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من كانت له إبل فليلحق بإبله ، ومن كـانت له غنم فليلحق بغنمة ، ومن كـانت له أرض فليلحق بأرضه )(23)، وذلك فرارا من شرها الذي لا يجابه . وعن أبي واقد الليثي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جلوس على بساط ( إنها ستكون فتنة ) قالوا : وكيف نفعل يا رسول الله ؟ فرد يده إلى البساط فأمسك به فقال : ( تفعلون هكذا ) . وذكر لهم يوما إنها ستكون فتنة ، فلم يسمعه كثير من الناس ، فقال معاذ : ألا تسمعون ما يقول رسـول الله فقالوا : ما قال ؟ قال : ( إنها ستكون فتنة ) قالوا : فكيف لنا يا رسـول الله ؟ وكيف نصنع ؟ قال : ( ترجعون إلى أمركم الأول )(24). أي يرجع الدين كما بدأ في أول أمره ، يعود غريبا كما بدأ غريبا ، وتكون هجرة إلى المدينة كما كانت في أول أمر الدين ، ويشهد لهذا المعنى أحاديث كثيرة منها حديث أبي هريرة رفعه كما ورد في صحيح مسلم وفيه : ( .. وعدتم من حيث بدأتم قالها ثلاثا ) وقال : شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه .
ومن أصح وأظهر الأحاديث الدالة على أن زماننا هو الذي ستتحقق فيه هذه الفتن المنتظرة ، ما رواه الشيخان عن ابن مسعود وأبي موسى قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن بين يدي الساعة لأياما ينزل فيها الجهل ، ويرفع فيها العلم ، ويكثر فيها الهرج ) . وعند البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج )(25). وهذا النص قاطع في دلالته على هذا الأمر ، ويعد هذا الحديث من أعظم ما روي وفيه صدق نبوته عليه السلام ، وهو من أعلام نبوته التي لا يجحدها إلا ملعون ظالم لنفسه ، وللقائل على وفق هذا الخبر وما حصل في وقتنا الحجة القاطعة في القول بتعيين زماننا ، بأنه زمان الفتن المظلمة المهلكة ، وها هي الفتن تظهر في وقتنا هذا على ما بينت وسأبين لاحقا حتى تنقطع سُبُل كل جهالة وحمية متهوك ملعون ، مع استفحال القتل في البشر في جميع أركان المعمورة ، وها هي الزلازل التي تدك في هذه السنوات أرجاء العالم بما لم يسبق له مثيل ، شهد على ذلك العالم غربه وشرقه ، مسلمه وكافره ، مع ما هو حاصل اليوم في الناس من كثرة الجهل وقلة العلم .
وأعجب ما في هذا الحديث مطابقة لواقعنا المشاهد ، قوله وهو الصادق المصدوق بتقارب الزمان ، فقد تحقق تقارب الزمان في وقتنا بما لم يُسبَق له مثيل من قبل ، فمن ينكر أنه الآن قد تواصل البشر بالاتصالات الحديثة وقربوا ما كان بينهم من الأزمان سابقا ، فاختصر لهم الوقت اختصاراً باهراً ، حتى أن الرجل من جو السماء ، بل من خارج سماء الأرض ومن الفضاء يخاطب من في الأرض ، وأيضا يرى صورهم ، والرجل يقطع ما بين مكة والكويت في سويعات قليلة وما كان ليُدرَك هذا في الأزمنة الغابرة ، لذا جاء وصفه لهم عليه السلام بما ينبهر له العقل فقال : ( يتقارب الزمان ) .
فصدق من اختصر له الكلام اختصاراً ، فها هو الزمان يتقارب كما أخبر ، قال بعضهم : كنا نذهب من الكويت إلى الحج على الجمال ، وكان السفر إلى مكة يستغرق ثلاثة أشهر(26). قال عبدالعزيز بن باز تعليقا على الحديث بقوله : الأقرب تفسير التقارب المذكور في الحديث بما وقع في هذا العصر من تقارب ما بين المدن والأقاليم وقصر زمن المسافة بينهما بسبب اختراع الطائرات والسيارات والإذاعة ومـا إلى ذلك اهـ(27). وهذا ظاهر ولا ينكره إلا من لا علم له ولا بصيرة ، وهي علامة دالة على زمان الفتن وقبض العلم وغير ذلك من أشراط .
وبما أن الحديث بمجموع ما فيه من أخبار مطابق لوقتنا هذا ، فهو دال كما هو على ما نراه اليوم من ظهور الفتن وكثرة الزلازل والهرج ، كذلك يعد دليلا على بطلان إدعاء العلم لكل دعي كاذب في زماننا ، وكل من نسب ذلك لنفسه فهو جاهل كاذب ، وإنما المعرفة (28)، وأما العلم فقد قبض كما نص على هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبر أن هذا إنما يكون بعد قبض العلماء ، وقد قبض العلماء مع قبض العمل ، ولم يبق إلا رهبان سوء وقراء فسقة فجرة ، الذين هم رؤوس الجهل والضلالة ، ولا يخرج من هذا النص المُقيد الضابط أحد ممن يزعم أو يزعم له العلم ، إلا بأن يأتي بدليل أخص يقيد ذلك النص العام ، وهيهات دون ذلك خرط القتاد .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتتكم الدهيماء ، أتتكم الدهيماء ، أتتكم الدهيماء ، ترمي بالنشف ، والثانية ترمي بالرضف ، والثالثة سوداء مظلمة إلى يوم القيامة ، قتلاها قتلى جاهلية ، ما أبالي في أيتها أتبين فيها وجهك ) رواه الدوري في تاريخ يحيى بن معين ، وعنه العسكري قال : وروي هذا عن ابن مسعود وحذيفة من كلامهما(29). قلت : رواه الحربي عن زيد بن وهب عن حذيفة : أظلتكم الفتن ترمي بالنشف ، والأخرى ترمي بالرضف(30). وفي الإبانة لابن بطة عن زيد بن وهب عن حذيفة : أتتكم الفتنة السوداء المظلمة ، أو قال : المطبقة ، ما أبالي في أيتها رأيتك ـ وربما قال ـ : عرفت وجهك قتلاهم قتلى الجاهلية(31). وعند نعيم عـن زيد عنه إلا أنه رفعه قال : ( تكون فتنة ، تعرج فيها عقول الرجـال ، حتى مـا تكاد ترى رجلا عاقلا ) وذكر ذلك في الفتنة الثالثة(32). وعند الحاكم عنه : أتتكم الفتنة ترمي بالرضف ، أتتكم الفتنة السوداء المظلمة(33). ومن ذلك ما رواه أبو الطفيل عن حذيفة ـ ذكر سابقا ـ وهو كلفظ حديث أبي هريرة . وسواء كان الحديث لأبي هريرة أو لحذيفة ، فهو في فتنة الدهيماء ، وهي من الفتن التي تكون في آخر الزمان التي كان عمر يخشاها على نفسه . وروى عبدالرحمن بن يزيد بن جابر عن عمير بن هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الفتنة الثالثة : ( فتنة الدهيم : ويقاتل فيها الرجل لا يدري على حق قاتل أم على باطل ) قال أبو حاتم : روى هذا الحديث ابن جابر عن عمير وأرسله ، والحديث عندي ليس بصحيح كأنه موضوع . قاله حين سأله ولده عن الحديث من رواية العلاء بن عتبة عن عمير ، وقد وصله راويه عن عمير عن ابن عمر عن رسول الله(34).
وقد أخطأ أبو حاتم في هذا ، فلا يجوز التساهل في مثل هذا من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقدها بالظن ، ومن مثل هذا جفلت الناس عن الكثير من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بسبب إعراض أكثر الأئمة عن تجويد أسانيد الكثير من أحاديث الأخبار ، وانصرفت همة أكثرهم لجمع وتجويد أسانيد الأحكام ، وتركت أحاديث الأخبار للضعفاء ومن يرمى بالتشيع والرفض . وحديث عمير هذا رواه الإمام أحمد رحمه الله وأبو داود والبغوي والحاكم وصححه ، من طريق العلاء بن عتبة عن عمير العبسي ، قال : سمعت عبدالله بن عمر يقول : كنا قعودا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس ، فقال قائل : يا رسول الله وما فتنة الأحلاس ؟ قال : ( هي هرب وحرب ، ثم فتنة السرى دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني ، وإنما أوليائي المتقون ، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع ، ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة فإذا قيل انقضت تمادت ، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا حتى يصير الناس إلى فسطاطين ، فسطاط إيمـان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه ، فإذا كـان ذاكم فانتظر الدجال من يومه أو من غده )(35). وقوله : السُّرى . جاء عند الحاكم على الشك ( السرى أو السراء ) . وما أثبت في سنن أبي دواد والبغوي وغيره على حسب المنقول في المطبوعات المعاصرة : السراء . وهو تصحيف للسُّرى ، وما أثبته هنا هو الصحيح إن شاء الله ، ودليل ذلك يأتي مع شرح الحديث بحول الله .
ومما يدل على صحة الحديث أن راويه العلاء بن عتبة رواه في قصة مناظرته مع علي ابن أبي طلحة الهاشمي ، حين أنكر العلاء ما فعله بنو العباس لما غلبوا الأمويين وأباحوا قتلهم ، ذكر ذلك أبو زرعة عبدالرحمن الدمشقي بإسناده عن عبدالله بن سالم قال : لقي العلاء بن عتبة علي بن أبي طلحة تحت القبة ، فقال : يا أبا محمد تؤخذ قبيلة من قبائل المسلمين فيقتل الرجل والمرأة والصبي لا يقول أحد : الله الله الله ، والله لئن كانت أمية أذنبت لقد أذنب بذنبها أهل المشرق والمغرب . فقال له علي : يا عاجز أي ذنب على أهل البيت أن أخذوا قوما بجرائمهم وعفوا عن آخرين ؟(36)، قال : فقال له العلاء بن عتبة : وإنه لرأيك ؟ قال : نعم إنه لرأيي . قال العلاء : إنك لرجل لا كلمتك أبداً ، إنما أحببنا آل البيت بحب محمد ، فإذا خالفوا سيرته وعملوا بخـلاف سنته فهم أبغض الناس إلينا ، وقال العلاء حدثني عمير بن هانئ قال سمعت ابن عمر ، وذكر الحديث(37).
ولا شك في بطلان قول العلاء ـ أعني تعجله تأويل الحديث على أمر بني العباس والأمويين ، بصرف النظر عن خلافه مع علي ـ لورود ذكر الافتراق الذي يعقبه خروج الدجال ، وهذا من أحداث آخر الزمان لا كما يظن العلاء . وهكذا بمثل هذا التأويل الغريب العجيب كان يتخبط الرواة بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدر الأول والذي يليه ، وبهذا اندرست أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قديم يتعجل التأويل ومتأخر غافل جاهل عن أخبار رسول الله وتحققها ، وإلى الله تعالى عاقبة الأمور .
الحاصل أن العباسيين انقرضوا وانقرضت قرون بعدهم كثيرة ولم يخرج الدجال ، بل هناك ما هو أعجب من تأويل العلاء هذا الحديث على العباسيين ، وهو تأويل أحاديث أصحاب الرايات السود التي نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على خروج أصحابها من المشرق ، على بني العباس ، وأنهم يدفعون الراية إلى عيسى أو المهدي في آخر الزمان(38).
فانظر ما أعجب هذا وتحسر على أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن تيقن أن الله أنزل الذكر وهو له حافظ ، وحفظ الله خير من حفظ البشر . والحق في ذلك ، وهو الذي لا مرية فيه ، أن تأويل الحديث وقع في زماننا هذا ، وأن هذه الفتن الواقعة اليوم صحت أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها كائنة آخر الزمان ، فيها يكثر الهرج ، ويكون ظهورها عند تقارب الزمان وكثرة الزلازل وشدة اختلاف الناس وأن ظهورها يكون من المشرق كما هو واقع فتنة العراق والكويت ، وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى بقوله : ( من ها هنا أرض الفتن ، أو تأتي الفتن ، وأشار إلى المشرق ) ومما يدل عليه أيضا أحاديث عمر وابن عمر وعبدالله بن عمرو وحذيفة وأبي هريرة وغيرهم مما ذكرت سابقا ، ونحن الآن في فتنة الدهيماء التي يصبح فيها الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ، الفتنة التي لا تدع بيتا من العرب إلا دخلته ، وهي التي تموج مـوج البحر، الفتنة التي كان يحذر عمر أن تدركه ، والذي يثبت صحة هذا الاعتقاد ، قيام البرهان القاطع على أن الفتنة التي سبقتها إنما هي فتنة الخليج فتنة صدام العراق ، وهذه الفتنة دلت عليها الأحاديث بمجموعها دلالة لا تخفى على من هداه الله تعالى إلى الحق ، وطوقتها القرائن تطويق السوار للمعصم ، وقد وقعت فصول الفتنة في الظاهر على وفق ما أخبر الله سبحانه ورسوله الكريم .
وسبق وأن أشرت لقول حذيفة رضي الله عنه قوله : قال رسول الله وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن يعدها منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا . وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الفتنة من هاهنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض ) وقوله في حديث عبد الله بن عمرو : ( وأن أمتكم هذه جعل الله عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها ، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا ، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ) وهذه أحاديث صحيحة ودلالتها ظاهرة على أن الأمة في آخر زمنها ، وقد تحقق في فتنة صدام الهرج وكثر الفساد في البر والبحر ، وما وقوع هذه الفتنة من جهة المشرق إلا تصديقاً للأخبار التي نُقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وحديث العلاء بن عتبة هذا يعد مفصلا لخبر الفتن الثلاثة المذكورة ، وقد أفاد ذكر الدجال في آخره في تعيين زمنها ، وقد عرف عند الخاصة والعامة أن الدجال إنما يكون خروجه آخر الزمان وهو من أشراط الساعة الكبرى وعلاماتها ، وصحت الأحاديث على أن الدخان والدجال ويأجوج ومأجوج وغير ذلك من أظهر أشراط وعلامات الساعة الدالة على قرب تحققها . ووردت فائدة جليلة أيضا غير ما ذكر في حديث العلاء فيها تعيين زمن هذه الفتنة ومكانها أيضا ، وذلك في قوله : ( ثم فتنة السُّرى دخنها من تحت قدمي رجل .. ) وقوله : ( دخنها ) فيه الإشارة إلى الدخان الذي هو من أظهر أشراط الساعة والعلامة الفاصلة القاضية في أمر المهدي المنتظر !! ، ولم يرد ذكر الدخـان هنا إلا من أجل الإشارة لهذا الأمر العظيم ، وليس من قبيل المصادفة تحقق فتنة صدام من جهة المشرق في زمن قامت القرائن على أنه آخر الزمان ، وقد كثر الهرج في هذه الفتنة خاصة وفي كل الأرض عامة ، ثم يثور هذا الدخان العظيم في فتنته بسبب حرقه آبار البترول يسد ما بين المشرق والمغرب ، ثم لا نصدق أن هذا الدخان هو الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يكون آخر الزمان من أشراط الساعة ، هذا لا يعقل أبداً تكذيبه أو تجاهله ، ولولا تقدير الله تعالى ذهاب عقول الناس في هذا الجيل لتروعوا ولذهلوا عما هم فيه من عظمة الأمر .
نقل الإمام البغوي رحمه الله في شرح السنة حين روى هذا الحديث قول الخطابي : والدخن هو الدخان ، يريد أنها تثور كالدخان من تحت قدميه اهـ . وهذا التأويل من أبي سليمان الخطابي ليس بصحيح ولا يشهد له واقع هذه الفتنة ، وإنما أراد صلى الله عليه وسلم حقيقة الدخان المعهود . وقوله : ( من تحت قدمي رجـل من أهل بيتي )(39). يريد تدبيره ووطأته ، ولم يرد بذلك التشبيه المجازي بل الحقيقة ، والعرب تقول : دخنت النار ، ودخن الطبيخ ، إذا ظهر لهما دخان . وقد نص عليه السلام في أكثر من حديث على ذكـر الدخـان وتعلقه بهذه الفتنة ، وسيأتي بحـول الله وقوته تفصيل ذلك .
وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث : ( ثم فتنة السرى ) نسب ذلك إلى سريان الليل ، وهذا أيضا على الحقيقة لا المجاز ، وقد تصحفت على الرواة فدونوها بالسراء ، وليس الأمر كذلك ولا معنى لذلك وإنما الأمر وحقيقته على ما قُرِّر هنا . وواقع هذه الفتنة المشرقية يكشف الأمر ويجلي حقيقته ، فقد سرى جيش هذا الطاغوت المتكبر الذليل بليلٍ على أهل الكويت وهم نائمون ، وما بزغ الفجر إلا وقد أتى على آخرها .
سيروا إن السُرى نهزة الأكـ ياسي ، والغزو ليس بالتمهيد
وقال غيره :
وتصبح عن غب السُّرى وكأنها مولعة تخشى القنيص ، شبوب
وقال شاعر هذه الفتنة المشرقية الحافي العتيبي :
أصبح صنم بغداد في القبو محشور في الطابق الأسفل يحسب ذنوبه
ما فاد من مسراه ! في ليل عاشور إلا الفشيلة والغضب والعقوبة(40)
والذي يثبت صحة ما تقرر هنا ، هو أنه زيادة على كون هذه الفتنة وقعت في آخر الزمان ومن جهة المشرق وكثر فيها القتل والاختلاف وتنافرت فيها القلوب ، وسرى الجيش الغازي بليل كما نص على ذلك الحديث اقترن بهذا كله ثوران الدخان الذي لم يُرَ مثله من قبل ، حتى قيل أنه بلغ أثره جبال الهند وفوق هذا وهذا ، تصالح الروم ضد الجيش العراقي الهالك ، مع أهل الكويت وغيرهم ، ونزلوا إلى الجزيرة العربية من كل حدب ينسلون ، بأعداد لم يرَ مثلها كثرة ، عددا وعدة ، فطردوا الجيش العراقي دحرا ، وأرغموه بالذلة والهوان ، على توقيع معاهدة (41)، يوقفون بموجبها القتال ، وفق شروطهم المُذِلَةِ .
ومما يشهد لما تقرر هنا أيضا ويؤكده ويدل عليه دلالة جلية ، ما رواه عوف بن مالك وذو مخبر الحبشي وحذيفة رضي الله عنهم ، فعن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن عوف بن مالك قال : دخلت على رسول الله وهو في خباء له ، فلما جلست قال : ( اعدد خصالاً بين يدي الساعة ، موت نبيكم ، وفتح بيت المقدس ، وفتنة تكون فيكم تعـم بيوتات العرب ، ويأخذكم كقعاص الغنم ، وفشو المال فيكم حتى يعطى الرجل مئة دينار فيظل ساخطا ، وهدنة تكون بينكم وبين بـني الأصفر ، فيغدرون فيأتونكم في ثمـانين غاية ، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا )(42). وقوله في الحديث : ( وفتنة تكون فيكم تعم بيوتات العرب ) هو شاهد لما في حديث عبدالله بن عمر قوله : ( ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة ، فإذا قيل انقضت تمادت ) قال الحافظ ابن حجر في شرح حديث عوف : إن الفتنة لم تقع بعد . ونقل عن ابن المنير قوله : وقصة الروم لم تجتمع إلى الآن ولا بلغنا أنهم غزوا في البر في هذا العدد ، فهي من الأمـور التي لم تقع بعد اهـ(43). ومما أفاده حديث عوف ذكر الهدنة التي تكون بعد انقضاء فتنة السرى ، وابتداء فتنة الدهيماء ، وقد وقع الأمر بالخارج على وفق ما أخبر عليه السلام ، وهذا من أعلام نبوته ولا شك .
وزيادة على ما سبق مما يدل على أن النبي إنما يخبر الأمة عن فتنة صدام واقتحامه أرض الكويتيين فإن خالد بن معدان وجبير بن نفير رحمهم الله زادوا الأمر إيضاحا في خبر هذه الفتنة ، ففي سنن أبي داود أن خالدا بن معدان قال : قال جبير بن نفير : انطلق بنا إلى ذي مخبر فأتيناه ، فسأله جبير عن الهدنة فقال : سمعت رسول الله يقول : ( تصالحون الروم صلحا آمنا وتغزون أنتم وهم عدو من ورائكم فتنصرون وتغنمون وتسلمون ، ثم ترجعون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول ، فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب ، فيقول : غلب الصليب ، فيغضب رجل من المسلمين فيدقه ، فعند ذلك تغدر الروم وتجمع للملحمة )(44) .
وأنا والله هنا أقسم بالذي رفع الإكليل في السماء ، أنه كما أن العيون العمي لا تبصر ، والأذان الصم لا تسمع ، كما هي حال أكثر أهل هذا الجيل ، على أن حديث ذي مخبر هذا إنما هو في حرب الخليج الثانية ، ألا تراهم يسألونه عن الهدنة فيحدثهم عن سببها ، وهو التحالف مع النصارى لطرد الجيش العراقي وهو العدو الذي وراء أهل الكويت ، ثم يا أعمى ويا أصم ألا ترى كيف أنه جعل مرج كاظمة والتلول المطلة على هذا المرج أمارة لكل ما ذكر ودليل ، ومن المعروف في هذه الفتنة انفرادها بتحقيق كل ما جاء في أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ذلك أنها من المشرق كما أسلفت ، وتحقق فيها أكبر تصالح وتحالف مع الروم لم يسبق قبله مثيل(45)، وتحققت فيها الهدنة بعد الانتصار وطرد العدو ، وهذا كله دار في بلد تنفرد بهذه التلول والمرج في المشرق ، فهل يعد كل هذا مجرد اتفاق ، أم أنه القدر يا أيها البشر !!.
وأما قوله في حديث ذي مخبر : ( فيغضب رجل مـن المسلمين فيدقه ، فعند ذلك تغدر الروم وتجمع للملحمة ) . ففي هذا أعظم بشرى للمؤمنين ، وذلك لأنه هنا يرمز للمهدي(46)، الذي هو سيواجه الروم وليس سواه من له شرف هذه المواجهة وفي هذا المعنى شاهد لحديث روي عن أبي سعيد الخدري ولا يصح سنده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يخرج المهدي حكماً عدلاً فيكسر الصليب ) رواه البيهقي في البعث والنشور .
ومن عجائب تقدير الله في هذه الفتنة أن الجيش العراقي المدحور ، لم يكن له مخرج من أرض الكويت إلا بالمرور من مدخل معين صار عليه كخرم الإبرة بسبب وجود هذه التلول ، فقد حجزته للحصاد فتراكموا قبحهم الله عند هذا المدخل فصب عليهم العذاب صبا يتساقطون كالذباب عند هذه التلول ، وكثر فيهم الموت حتى لقب المكان ( بطريق الموت ) وكأن الله بلطف تدبيره ينبه الخلق إلى كلام نبيه الكريم عن هذه التلول ، وأنها علامة لكم أيها الناس ، وقـد عرفت هذه التلول منذ القدم . والتلول : جمع تل ، كل ما اجتمع على الأرض من تراب أو رمل ، وذكر فيها أبو منصور الجواليقي لأبي نخيلة وهو يصف الإبل فقال :
قاظت من الخرم بقيظ خرم
قال الجواليقى : أراد الشاعر بقيظ ناعم كثير الخير . والخرم : جبيلات بكاظمة وأنوف جبال . قال : أبو عبيدة : الخرم الناعم ، وهي عربية . وقال غـيره هي أعجمية ، ومعناه يعود إلى الطيبة والنشاط والفرح اهـ(47). وقال الأخفش : منقطع أنف الجبل مخرم ، وجمعه مخارم . نقل ذلك في الاختيارين عند شرح قصيدة الشاعر الجاهلي الأسود بن يعفر النهشلي وفيها قوله :
إن المنية والحتوف كلاهما يوفي المخارم ، يرقبان سوادي (48)
ولو لم يكن مع حديث ذي مخبر إلا حديث ابن عمر في هذه الفتنة لكان ذلك حجة في تعيين هذه الفتنة ، فكيف ومجموع الأخبار هذه المنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دلت على هذا التعيين . وروى الزهري عن سالم عن أبيه عبدالله بن عمر أن رسول الله قال وهو مستقبل المشرق : ( ها إن الفتنة هاهنا ، إن الفتنة هاهنا ، إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قـرن الشيطان ) ورواه غير الزهري عن سالم وفيه : ( وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض ) فهل يرى العاقل الآن مرج كاظمة(49) وتلولها من جهة مشرق المدينة أم من مغربها .
ومن الأحاديث التي تدل على هذا التعيين أيضا وفيه ما يشهد لما دل عليه حديث ذي مخبر وابن عمر ، ما روي عن معاذ بن جبل ، أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا إن رحى بني مرج قد دارت ، وقد قتل بنو مرج ، ألا وإن رحى الإيمان دائرة ، فدوروا مع الكتاب حيث ما دار ، ألا وإن الكتاب والسلطان سيفترقان ، فلا تفارقوا الكتاب ، ألا إنه سيكون عليكم أمـراء يقضون لأنفسهم مالا يقضون لكم ، إن عصيتموهم قتلوكم ، وإن أطعتموهم أضلوكم )(50).
وقد دارت حرب أهل الكويت بما قدر الله تعالى عليهم من فتنة صدام ، وأعمل فيهم القتل والتشريد والظلم فوقع بذلك الهـرج كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله في الحديث : ( قتل بنو مرج ) إنما أضافهم للمرج تعريفا بهم وبهذه الفتنة ، حتى إذا ما وقع الأمر بجانب المرج والتلول المخبر عنهما علم الأمر وبانت الحقيقة ، لا أقول لكل أحد وإنما لمن يقدر الله تعالى هداية قلبه للفهم والإدراك ، وأما قوله في هذا الحديث بأن رحى الإيمان دائرة وفي لفظ رحى الإسلام ، يريد بأبي وأمي هو : أنه عند هذه الفتنة يكون ابتداء وقوع الأمر العظيم ودوران رحى الإيمان ، وأن الإيمان والدين سيبعثان من جديد وتدور رحاهما عند دوران رحى هذه الحرب والفتنة المنتظرة ، ألا تراه كيف يقرن بالذكر ما بين رحى بني مرج ورحى الإيمان والدين ، والمقابلة بين دوران الحرب والفتنة ودوران الكتاب العزيز ، والمعنى أنه عند تحقق تأويل هذه الفتنة يكون قد تحقق بذلك تأويل الكتاب الكريم ، ولذلك أوجب عند وقوع الأمر ، الدوران مع الإيمان والقرآن ، وهذا من أعظم وأعجب قيام الحجج والبراهين على الناس ، ولا يمنع قيام الحجة في هذا على الناس غفلتهم وجهلهم وإعراضهم ، لأن هذه الغفلة والجهل في إدراك تحقق تأويل القرآن ، هو حجة بذات الأمر لقوله تعالى :﴿ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا ﴾(51) وقوله تعالى : ﴿ فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنّى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ﴾(52) أي : خبرهم وميعادهم ، لقوله سبحانه في آخر سورة الدخان : ﴿ فارتقب إنهم مرتقبون ﴾(53)
وقد بينت سابقا أن من أشراط الساعة التطاول بالبنيان وإسناد الأمر إلى غير أهله ، وكذلك من أشراطها نار المشرق والدخان ، وكل هذا وغيره قد تحقق ، ووقع الكتاب ، وسيأتي زيادة في تفصيل أمر النار والدخان .
وقوله تعالى : ﴿ فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ﴾ دليل صريح على ما ذكرت في أن الغفلة والجهل في هذا الأمـر ليس من موانع قيام الحجة في هذا الأمر ، ومجيء ذكراهم ليس شرطا للتذكر ، وهذا لا ينافي الأمر بالدوران مع الكتاب ، لأنه هناك من حقت عليه كلمة العذاب ، وسيحال بينه وبين الاتعاظ والتذكر، وفي هذا المعنى مصداق قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر المذكور سابقا : ( حتى يصير الناس إلى فسطاطين ) ويجب التنبه إلى المعنى الذي ألمحت إليه الآية من سورة محمد بذكر الساعة وأشراطها ، ليعلم أن ذكر هؤلاء إنما يكون عند قرب قيام الساعـة ولذلك أنذر بوقوع الساعة بغتة والتذكير بمجيء أشراطها وهذا لا يكون إلا في آخر الزمان ، فعاد المعنى في الآية شاهد لما في حديث معاذ ، وأن المراد بدوران الكتاب ورحى الإيمان ، تَحَقُّق تأويل القرآن ووقوع ذكرى هؤلاء ، الذكرى التي فُصِّلت أخبارها بالكتاب العزيز ، وإن جهل حقيقة ذلك أكثر الخلق .
ومن المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعد تأكيداً لما سبق ، ما رواه الترمذي رحمه الله عن علي قال : سمعت رسول الله يقول : ( ألا إنها ستكون فتنة ) فقلت : ما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : ( كتاب الله ، فيه نبأ ما كان قبلكم و خبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله )(54)، وعن ابن مسعود : ( إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم كتاب الله )(55) ومن المعلوم أن ظهور الربا والزنا إنما يكون آخر الزمان من أشراط الساعة .
وأصرح من هذا وهذا مما يشهد للمعنى الذي ذكرت شرحا لما ورد في حديث معاذ وغيره في ذكر دوران رحى بني مرج ، ما رواه الحاكم في المستدرك عن خالد العرني قال : دخلت أنا وأبو سعيد الخدري على حذيفة فقلنا : حدثنا عن رسول الله في الفتنة ؟ قال : قال رسول الله : ( دوروا مع كتاب الله حيث ما دار )(56) وفي الحديث الصحيح حديث حذيفة الآخر المهيب في ذكر طبقات الخير والشر ، قال : قلت يا رسول الله هل بعد هذا الخير شر ؟ قال : ( فتنة وشر ) قلت : بعد هذا الشر خير ؟ قال : ( تعلم كتاب الله واتبع ما فيه ) ثلاث مرات ؟ قلت : هل بعد هذا الشر خير ؟ قال : ( هدنة على دخن وجماعة على أقذاء )(57). وهذه هي الهدنة التي ورد ذكرها في حديث عوف بن مالك وذي مخبر ، إلا أن حذيفة في حديثه زاد على كل ما ذكر ، أن الهدنة تكون على دخن . والدخن في الحديث هنا ، والدخن في حديث ابن عمر رضي الله عنه في فتنة السرى حين قال : ( دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي ) هو على الحقيقة دخان ، وليس على المجاز والتشبيه .
وكما ذكرت قد وقع الأمر كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أشعل صدام النار في آبار البترول ، فكان ذلك مصدر هذا الدخان العظيم المنتظر ، الذي هو من أظهر أشراط الساعة ، وقد صحت الأحاديث في ذكره ، وجاء القرآن في تفصيل أمره على ما سأفصله لاحقا ، وكذلك سآتي على تفصيل وبيان ما ورد في حديث حذيفة وعوف بن مالك عن الهدنة ، وبيان كيف أن من أظهر العلامات الدالة على تعيين هذه الهدنة خروج دعاة الضلالة والنشؤ بعدها ، ويعد حديث حذيفة هذا الأخير نص في تعيين زمن المهدي وأن مبعثه يعقب هذه الفتنة والهدنة ، وأن وجوده إنما يكون بين أظهر هؤلاء الدعاة الضلال ، فمتى ما ظهر هؤلاء بعد الهدنة والدخان ، وأصبح وجودهم لا يخفى ، فاعلم أن وجود المهدي قد صار حقيقة ، ووجودهم دليل على وجوده ، لقوله في الحديث : ( تكون إمارة على أقذاء وهدنة على دخن ، ثم ينشأ دعاة الضلالة ، فإن كان لله في الأرض يومئذ خليفة فالزمه ، وإلا فمت وأنت عاض على جذل شجرة ) قلت : ثم ماذا ؟ قال : ( ثم يخرج الدجال )(58)وفي لفظ آخر : ( فإن رأيت يومئذ خليفة الله في الأرض فالزمه )(59). وفي لفظ : ( تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ) ومثل هذا لا يقال إلا في المهدي الخليفة المنتظر ، ومن حمله على غير هذا الوجه فهو من أجهل الناس وأضلهم ، إذ لا يمكن عند الفتن أن يضاف إلى الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إضافة تكريم وتشريف إلا المهدي المنتظر ، الذي أكثر في سيرته رسول الله صلى الله عليه وسلم الثناء والتبجيل ، وعلى ذلك كتاب الله تعالى في أكثر من موضع ، مثل قوله عـز وجـل : ﴿ أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إمامـا ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ﴾(60) ويتلوه : أي يتبعه وفي شعر الأسود بن يعفر :
ولقد تلوت الظاعنين بحرة أجد مهاجرة السقاب جماد
ومن تعظيم شأن هذا الشاهد عند الله تعالى ، أن قرن الله سبحانه شهادته مع شهادة هذا الشاهد على صدق رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه : ﴿ قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ﴾(61) ولقد أخطأ عبدالله بن سلام حين تأول الآية على نفسه(62)، والحق في ذلك أنه لا يكون إلا من النبي صلى الله عليه وسلم ، وظاهر القرآن صريح في هذا على ما بينته .
ومن أبين الأدلة في تعيين فتنة صدام ، فتنة السُرى التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من شرها ويعظم خبرها ويكثر من ذكرها ، ما رواه خالد بن معدان أيضا عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأيتم عمودا أحمر قبل المشرق في رمضان ، فادخروا طعام سنتكم ، فإنها سنة جوع )(63) وروى هذا الحديث الوليد بن مسلم وعيسى بن يونس عن ثور بن يزيد عن خـالد بن معدان بلفظ : ( إنه ستبدو آية ، عمودا من نار يطلع من قبل المشرق ، يراه أهـل الأرض كلهم ، فمن أدرك ذلك فليعد لأهله طعام سنة )(64).
وهذا من الحديث عجب والرحمن ، ويعد واللهِ أصرح حجة في تعيين غزو صدام للكويت بأنه هو الفتنة المنتظرة ، التي كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يروون عنه التحذير من شرها ، فانظر هل يحدثك عن هذه الفتنة مثل هذا العالم الخبير صلى الله عليه وسلم ، ويعد هذا الحديث من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام ، فقد وقع الأمر بالخارج على وفق ما أخبر ووصف ، وبهذا يكون قد نصح للأمة وحذر من مغبة هذه الفتنة وعاقبتها ، حتى أنه كان يوصي بادخار الطعام لسنة ، وفي هذا المنتهى بالنصح والشفقة منه عليه الصلاة والسلام لأمته ، ومن كمال نصحه وصف هذه الفتنة والتعريف بحالها حتى كأن الناس يرونها رأي العين وواقع الحال في هذه الفتنة يشهد بذلك ، فهل ينكر أحد أن جيش صدام طرد من الكويت وأهلها قد أنهكهم الجوع والخوف ، ثم ما لبثوا حتى أتاهم شهر رمضان وهم أجوع الناس على وجه الجزيرة ، وهذا من حالهم في تلك الفتنة معلوم عند أهل الكويت وغيرهم ممن كان يرسل المساعدة ممن حولهم من الناس ، وفي هذا مصداق ما في حديث عباده : ( أنها سنة جوع ) ثم أيضا إن هذا الحديث لم ينفرد بذكر تلك العلامة أعني عمود النار وشهر رمضان في سنة الجوع ، بل في لفظه من رواية الوليد وعيسى بن يونس ما هو أصرح في الدلالة مما ذكر في الحديث المتصل من طريق عبادة وذلك بقوله : ( عمودا من نار يطلع من قبل المشرق ، يراه أهل الأرض كلهم ) فقوله : ( يراه أهل الأرض كلهم ) هذا لا يمكن أن يكون له توجيه معقول إلا بمـا هو حاصل في زماننا ، وتحقق في فتنة صدام ، فعمد النار المشتعلة من آبار البترول ، قد بثت صورها عبر الأقمار الصناعية ، وتناقلتها وكالات الأنباء العالمية بالصور الحية المباشرة وتمكن من رؤيتها كل أهل الأرض ، لأهمية الحدث عند الناس ، الحدث الذي هز العالم كله وأشغله ، فسبحان الله مـا أظهر هذه العلامة منفردة ، فكيف إذا ما جمعت إلى أخواتها .
ومن العجيب أن الشيخ يوسف بن يحي السلمي في كتابه عقد الدرر فيما جمعه من أحاديث المهدي المنتظر ، اعتبر عمود النار من المشرق علامة لخروج المهدي ونقل في ذلك عن الحسين بن علي(65). وكان يقول في كتابه : ولعل ظهوره في هذه السنين قد يقع ، فكل أمـر إذا ضاق اتسع . وكان من اعتقاده أنه قد أدرك الفتن الموعودة (66). ولا أدري لو أدرك هذا الرجل فتنة صدام ورأى عمد النار والدخان ماذا سيفعل !.
هذا كان من الأحياء ، فدع عنك موتى هذا الزمان الذين لا يرى أحدهم ما هو أبعد من نجديته المغبرة !!.
قال الإمام يوسف السلمي في الباب الرابع فيما يظهر من الفتن الدالة على ولايته : عن أبي عبدالله الحسين بن علي قال : إذا رأيتم علامة في السماء نارا عظيمة من قبل المشرق تطلع ليالي ، فعندها فرج الناس وهي قدام المهدي عليه السلام . وعن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال : إذا رأيتم نارا مـن المشرق فتوقعوا فرج آل محمد إن شاء الله تعالى . ثم قال : ينادي منادي من السماء بإسم المهدي ، فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب(67). فأما حديث أبي جعفر محمد بن علي الباقر ، فقد رواه نعيم بن حماد وبإسناد ليس بالقوي(68)(69). وأبو جعفر من أئمة المسلمين وعلماء الدين ، ولأقواله من الحرمة والقدر ما يستحقه من هو بمنزلته في الإمامة والعلم ، إلا أن الرافضة يكثرون الكذب عليه وعلى أمثاله من أئمة أهل البيت ، حتى إنه بلغت بهم الوقاحة وعدم التقوى إلى الحد الذي لا يعقل ولا يصدقه إلا المجانين من أمثال الرعاع الذين يصدقون هكذا كذب سخيف لا يعقل من أتباع الرافضة الملاعين ، فهل يمكن أن يُدَّعَى كلام ثم ينسب للمهدي فَيُصدَّق الكاذب على هذا ، إنها مذاهب السراديب . ولو كان في هؤلاء عاقل لصاح في إيران الملالي قبحهم الله وعظم لعنتهم ، قائلا أين المهدي لا يخرج في حمايتكم ليقول ما شاء وينصر الدين كيفما يريد ، وقد كان قدماؤهم يدعون أن المانع من الخروج ، خشية أن يقتل !! .
والحاصل أنه لما كان عامة مدعي التشيع لأهل البيت من السفلة والرعاع الذين لا علم لهم ولا خبرة بالأسانيد التي تروى بها الأخبار ، راجت عليهم الأكاذيب والخزعبلات ، من مثل قال المهدي وفعل المهدي وهو لم يخلق بعد ، وكم من حديث عن أهل البيت انفرد الرواة عندهم بتناقله هو ساقط من حيث التوثيق لعدم أمانة النقلة عندهم ، ولكثرة الكذب في رواتهم ، اختلط الباطل بالحق الذي عندهم ، فصاروا بهذا جناة على روايات أئمة بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا الحديث لم ينفرد به رواة الشيعة والحمد لله ، فهناك ما يشهد له عند أهل السنة والحديث ، مما يمكن النظر في سنده ، وأما حديث الحسين بن علي فذكره السلمي والمتقي الهندي في كتاب البرهان من غير ذكر إسناده والله أعلم من أين نقلوه ، وبمجموع هذه الأحاديث في عمود النار من المشرق ، يدل على أن لحديث الحسين أصلاً ، ولعلهم نقلوه عن النعماني صاحب كتاب الغيبة من كبار الرافضة في القرن الثالث ، فقد رواه باللفظ المنقول هنا (70). وأنا وقفت على الكتاب فوجدته ظلمات متراكمة نسأل الله السلامة ، وليس هو ممن يعتمد على إسناده ، والنعماني ولـو كان متقدما فليس هو ممن يعتد بثقته ولا أمانته ، ويدعي الكاذب في كتابه أن القرآن الآن ليس هو كما أنزل ، ويروي عليه لعنة الله ، عن علي قوله : كأني بالعجم يعلمون الناس القرآن كما أنزل(71). وهذا وأمثاله كانوا يتحايلون لإدخال مجوسيتهم على الإسلام بدعوى حب أهل البيت .
ومن الشواهد لحديث خالد بن معدان في عمد النار ، ما روي عن عبدالرحمن بن جبير عن كثير بن مرة الحضرمي قال : آية الحدثان في رمضان علامته في السماء ، بعدها اختلاف في الناس ، فإن أدركتها فأكثر من الطعام ما استطعت(72). وروى عنه أيضا عبدالرحمن بن جبير قوله : إني لأنتظر ليلة الحدثان في رمضان منذ سبعين سنة(73).
وهذا موافق لما ذكر عن عبادة والحسين ، وكثير من ثقات التابعين وعلمائهم ، أدرك أربعين من أصحاب بدر ، وانتظاره لهذه العلامة التي لا تكون إلا عند الفتنة والاختلاف ، دال على تحقق أمر عظيم دعاه للانتظار كل هذا العمر ، وهو لم ينفرد بهذا التشوق ، فقد سبقه ابن عباس لذلك ، فقد روى ابن أبي مليكة قال : غدوت على ابن عباس ذات يوم فقال : مـا نمت البارحة حتى أصبحت ، قلت : لم ، فقال : قالوا طلع الكوكب ذو الذنب ، فخشيت(74) أن يكون الدخـان قد طرق . ذكره ابن كثير في تفسيره وقال : أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم ، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ، وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما التي أوردوها مما فيه مقنع ، ودلالة ذلك ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة ، مع أنه ظاهر القرآن . قال تعالى : ﴿ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ﴾ أي بين واضح يراه كل أحد اهـ (75). قال الحافظ ابن حجر : أخرج عبدالرزاق من طريق ابن أبي مليكة هذا الحديث ، وأخشى أن يكون تصحيفا ، وإنما هو الدجال بالجيم الثقيلة واللام(76).
قلت : ما كان ابن عباس لتطيب نفسه لمقدم الدجال ، فقد روى الحديث أبو عمر بن عبد البر عن ابن أبي مليكة قال : دخلت على ابن عباس فقال : سلوني فإني أصبحت طيبة نفسي ، أخبرت أن الكوكب ذا الذنب قد اطلع فخشيت أن الدخان قد طرق ، وسلوني عن سورة البقرة وسورة يوسف(77). والصحيح أن قول ابن عباس إنما هو عن الدخان وليس الدجال ، ودليل ذلك فرح نفسه لما ظن الدخان طرق . والحديث رواه الحاكم في المستدرك وصححه وقال : هو على خلاف عبدالله بن مسعود أن آيه الدخان قد مضى(78). ومن هذا يتضح بأن انتظار كثير بن مرة لآية الحدثان إنما يريد بذلك الدخان المنبعث من عمود النار الذي يخرج من المشرق ، ومجموع هذه الأخبار يدل على هذا . والحدثان أول الأمر وابتداؤه ، والمراد به هنا حدث عظيم عام ، قال ابن خلدون في مقدمته المشهورة في الفصل الثالث والخمسين في حدثان الدول والأمم وفيه الكلام على الملاحم : أكثر ما يعتني بذلك ويتطلع إليه الأمراء والملوك في آماد دولتهم ، ولذلك انصرفت العناية من أهل العلم إليه . وكل أمة من الأمم يوجد لهم كلام في مثل ذلك من ملك يرتقبونه أو دولة يحدثون أنفسهم بها ، ومـا يحدث لهم من الحرب والملاحم ومدة بقاء الدولة ، وعدد الملوك فيها ، والتعرض لأسمائهم ، ويسمى مثل ذلك الحدثان(79).
ومن الأحاديث التي تدل على أن الدخان من الآيات المنتظرة التي تكون قبل الساعة ، حديث حذيفة بن أسيد قال : اطلع النبي علينا ونحن نتذاكر ، فقال : ( ما تذاكرون ) ؟ قالوا : نذكر الساعة . قال : ( إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات ) ذكر : ( الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف ، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم )(80). وحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بادروا بالأعمال ستا طلوع الشمس من مغربها أو الدخان أو الدجال أو الدابة أو خاصة أحدكم أو أمـر العامة )(81).
والقول بأن عمود النار هو مصدر الدخان المنتظر ليس هو بدعا من القول وليس القول بذلك واعتقاده ضلاله ، بل القائل بخلاف ذلك هو الضال المضل والراد على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم خبرهما ، المكذب لله ورسوله ، بل لا ينكر ذلك إلا من هو أضل وأجهل خلق الله ، وذلك لأن العالم كله قد أدرك ورأى الأمر الفظيع الذي قام به صدام وجيشه ، عندما اقتحم أرض الكويت ، ومن ثم قام بحرق آبار البترول ، التي امتدت ألسنتها إلى عنان السماء ينبعث منها دخان ما رأى الناس مثله قط ، انقلب نهار الناس ليلا دامس(82).
ثم إن دلالة اقتران عمد النار والدخان وجودا في هذه الفتنة ، وكلها قد صحت بها الأخبار ، أقوى حجة على أن هذا الحدث هو الذي يعنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخباره ، سواء عمد النار أو الدخان ، وزد على هذا كله ما سبق ذكره من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر فتنة السُرى فتنة صدام العراق ، قال : ( دخنها من تحت قدمي رجل ) وفي حديث حذيفة أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر الشر الذي يكون في آخر الزمان ، ويريد هذه الفتنة ، قال : ( وهدنة على دخن ) والكلام في الحديثين عن الدخن على حقيقته ، ولا يعقل أنه يريد التشبيه المجازي في كلا الحديثين ، وقد جاءت الفتنة بالدخان والنار كما أخبر عليه السلام ، وعقدت الهدنة والدخان يسد ما بين المشرق والمغرب ، فصح بذلك أن تكون الهدنة على دخن ، وقد تأول بعضهم ذكر الدخن هنا على حسب ما بلغه علمهم . وجاء في بعض ألفاظ الحديث ما يفيد ، سؤال حذيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدخن ، فأجابه عن حال الناس عند تلك الفتنة من تفرق وتنافر وعدم رجوعهم إلى الحال التي كانوا عليها قبل الفتنة(83).
وقد وقع الأمر كما أخبر ، فهذه الفتنة آية في تنافر القلوب بين العرب ، وجواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة لا ينافي وجود الدخان ، ويعد هذا من باب التورية وهو جائز كتما للنبوءة وعدم الإفصاح الجلي عن حقيقة تأويلها ، وقد جاء بجوابه بزيادة بيان مع عدم تفويت مصلحة الكتمان ، وترك الفتنة إلى وقتها هي كفيلة بالإفصاح عن حقيقة أمرها . ومن المعلوم عند العقلاء أن الغالب على النبوءات الرمز لا النص .
وآكد ما جاء في ذكر الدخان الذي نص عليه النبي عليه السلام ، قول الله تعالى في سورة الدخان ، وتعد هذه الآيات مهيمنة على كل ما سبق في هذا الأمر ، قال سبحانه : ﴿ بل هم في شك يلعبون . فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين . يغشى الناس هذا عذاب أليم . ربنا اكشف عنا العذاب إنّا مؤمنون . أنّى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين . ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون . إنّـا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون . يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون ﴾(84) ولقد جزم ابن كثير رحمه الله في تفسير السورة أن الدخان في الآية هو الذي يكون في آخر الزمان ، ورد قول ابن مسعود المشهور في تفسير الآيات ، وقد أجاد وأفاد رحمه الله في نقض التقليد المتبع لقول ابن مسعود في تفسير الآيات(85)، وقال في النهاية في تفسير ابن مسعود أن الدخان خيال حصل لقريش من شدة الجوع بسبب القحط : وهذا تفسير غريب جدا لم ينقل مثله عن أحد من الصحابة غيره ، وقد حاول بعض العلماء المتأخرين رد ذلك ومعارضته بما ثبت في حديث حذيفة بن أسيد وأبي هريرة ، والحديثان في صحيح مسلم مرفوعان ، والمرفوع مقدم على كل موقوف ، وفي ظاهر القرآن ما يدل على وجود دخان من السماء يغشى الناس ، وهذا أمر محقق وليس كما روى ابن مسعود أنه خيال في أعين قريش من شدة الجوع اهـ(86).
والذي أشار إليه ابن كثير ممن رد قول ابن مسعود هو العلامة صلاح الدين العلائي في كتابه التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة قال : أما قول ابن مسعود في تفسير الدخان بما حكى ، فقد خالفه جماعة من الصحابة ، منهم علي وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهم قالوا : إن الدخان كبير يوري النيران !، لم يأتِ بعد ، بل يجيء في آخر الزمان من أشراط الساعة ، وهذا هو الصحيح لِمَا روى مسلم عن حذيفة بن أسيد ، وذكر الحديث ، وقال : فهذا نص صريح في أن الدخان لم يأتِ بعد . وذكر بعض الأئمة في الجمع بين هذه الأحاديث وقول ابن مسعود أن الدخان اثنان ، أحدهما وقع في زمن النبوة(87) والآخر : يخـرج من أشـراط الساعة ، ولا يخلو هذا من نظر اهـ(88). ونقل القرطبي في التذكرة عن أبي الخطاب بن دحية في الدخان قال : قول ابن مسعود لم يسنده إلى النبي ، إنما هو من تفسيره ، وقد جاء النص عن رسول الله بخلافه(89). وكل هؤلاء الذين ردوا تفسير ابن مسعود أغفلوا ما ألجأ ابن مسعود إلى هذا التفسير ، ولا يصح أن يقال ذهلوا عنه لأنه أمر عظيم وخطب كبير ، والراجح أنهم جبنوا عن الخوض في ذلك .
ولما كان كتاب الله العزيز تبيانا لكل شيء ، فليس هناك ما يدل شرعا على أن هذا التفصيل في آيات سورة الدخان لا يمكن أن يكون تفصيلا لحال هذه الفتنة ، وقد فصل أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أوحي إليه من علم ما يكون في آخر الزمان ، والعاقل إذا أعمل الفكر في سياق كلام الله في السورة ، يجد مطابقة تفصيلية بين وصف الآيات والحال التي أوقع صدام بها أهل الكويت ، فالدخان كان مبين كما نصت الآية ، وكان سببه عذاب صدام وفتنته ، وقد استجار أهل الكويت بالله واستكانوا ، فرفع عنهم العذاب بما سخر لهم من نصرة الروم وغيرهم ، وقد حررت بلدهم وعادوا إلى أرضهم كما أخبر جل جلاله ، ويبقى ما أغفل الكلام فيه العلماء وهو أعظم ما ورد في الآيات ، فإن كانت الآيات كما صرح هؤلاء بأن تأويلها إنما يكون آخر الزمان ، فمن يكون إذن هذا الرسول الذي ورد ذكره فيها وهذا بعينه المشكل الذي ألجأ ابن مسعود لذلك التفسير ولم يلحظ هؤلاء العلماء هذا المعنى ، ومن عارضه لم يأتِ بجواب على هذا الأمر بل أغفل ذكره عن قصد والله أعلم ، لأنه من المستبعد ذهول أمثال هؤلاء عن ملاحظة مثل ذلك وهم بصدد تفسير وتدبر معاني الآيات المذكورة .
ويجدر التنبيه هنا أنه سبق وأن علقت على ما ورد في حديث معاذ وغيره في دوران رحى الكتاب ، وما نص حذيفة في حديثه أنه عند الفتنة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدوران مع الكتاب ، وبينت هناك أن دوران رحى الكتاب معناه تحقق تأويله ، ومصداق ذلك كتاب الله العزيز حـين قال : ﴿ اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون . ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون . لاهية قلوبهم ﴾(90) قال البخاري رحمه الله : الذكرى بمعنى الذكر(91). وقال سبحانه : ﴿ فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ﴾(92) وذكراهم هو خبرهم الذي فصل في القرآن .
وقد احتج الجهمية لعنهم الله على أن القرآن مخلوق لظنهم أن الضمير في محدث يعود إلى القرآن كلام الله ، وليس كما ظنوا بل يعود إلى ذكر هؤلاء ، الذي هو خبرهم وتفصيل حالهم التي تكون آخر الزمان ، يحدثه الله إذا جاء وقته ، بتقديره سبحانه ولطف تدبيره . فهل تمصر الأمصار إلا بقدره سبحانه ، وهل قوة الروم إلا بقدره ، وهل اكتشاف البترول إلا بقدره ، يا أيها الأعمى آمن بقدر الله . والجواب الصحيح على ما أشكل من ذكر الرسول في سورة الدخان ، مع كون الدخان إنما يكون في آخر الزمان ، والآيات نص في هذا الأمر ، فكيف يكون رسول في آخر الزمان ، والنبي قد صح عنه أنه لا نبي بعده(93)، وفي هذا مخالفة في ظاهر الأمر لنص الآية في سورة الدخان .
والجواب أن يقال : بما أنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدخان ، وأنه كائن آخر الزمان ، من علامات وأشراط الساعة ، وقد كان يقرأ سورة الدخان وما فيها من ذكر الدخان والرسول ، ولم ينقل عنه أبدا اعتباره هذا الأمر من المشكل ، وأن الظاهر غير مراد ، مع ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من وقوع الحاجة للبيان في هذا الأمر ، لو كان الأمر مما يحتاج لدفع ما يوهمه ظاهر الآيات من تلك السورة ، ومـع هذا ترك الآيات على ظاهرها ، مع تفصيله في أن الدخان كائن آخر الزمان ، فتعين ترك اعتبار هذا من الإشكال ، ووجب تأويل ما يخالف ظاهر الآيات والأحاديث التي نصت على أن الدخان من المنتظر ولم يقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم . وقد جاء عنه كما في الصحيح وغيره : أنه قال لابن صياد : ( لقد خبأت لك خبأ ) قال ابن صياد : هو الدخ ، فقال رسول الله : ( إخسأ فلن تعدو قدرك )(94). قال: وخبأ له رسـول الله صلى الله عليه وسلم : ﴿ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ﴾ قال ابن كثير : وهذا فيه إشعار بأنه من المنتظر المرتقب(95). قال النووي : والدُخ بضم الدال وتشديد الخاء ، وهي لغة في الدخان ، والجمهور على أن المراد بالحديث أنه عليه السلام أضمر له آية الدخان ليمتحنه لِتُعلَم حقيقة حاله وأنه كاهن ساحر يأتيه الشيطان ، فامتحنه بإضمار قول الله تعالى في الآية ، فقال : خبأت لك خبيئا . فقال : هو الدخ ، أي الدخان ، فقال له النبي إخسأ فلن تعدو قدرك ، أي لا تجاوزه وقدر أمثالك من الكهان الذين يدركون بعض ما لا يَبِينُ حقيقته ، وما لا يصل به إلى بيان تحقق أمور الغيب اهـ(96).
ولم يجب أهل العلم كيف تسلط هذا على معرفة ما أضمر النبي عليه السلام في نفسه الشريفة على قولهم أنه أضمر الآيات من سورة الدخان . وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لن تعدو قدرك ) ليس المراد منه القَدْرُ والمنزلة ، بل المراد تقدير الله وخلقه ، وذلك أن ابن صياد ما كان ليسلط على ما يخفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه الطاهرة ، فهو أصغر وأحقر من أن يمكن من ذلك ، وقد حفظ الله رسوله من الشياطين ، وإنما الأمر كما في المثل : إياك أعني واسمعي يا جارة . وابن صياد لا يمكن أن يكون بهذا الفهم والمعرفة وهو ما زال طفلا صغيرا لم يبلغ بعد ، والأمر لا يعدو أحد أمرين : إما أن يكون ابن صياد هو الدجال كما اعتقد ذلك بعض الصحابة الكرام ، أو هو إبليس اللعين ، وهما عندي على الصحيح كما يقال في لسان الناس اليوم وجهان لعملة واحدة ، وبذلك يتبين علمه بالمخبوء وهو الدخان ، وذلك ليس من أجل تسلطه على علم الغيب أبدا ، ومن ظن ذلك فهو جاهل ، بل لأن هذا الأمـر مما فصل تفصيلا وافيا قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو المفاجئ والمباغت والمخبوء ، وسيأتي بحول الله بيان ما يتعلق بهذا المعنى في الفصل الأخير من هذا الكتاب ما يصح أن يسمى ( بسيناريو حرب الخليج الثانية في كتاب اليهود المقدس ) . ألا ترى أن أنس بن مالك كما جاء في صحيح البخاري روى أن ابن سلام لما بلغه مقدم النبي المدينة أتاه يسأله عن أشياء ، فقال له : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : ما أول أشراط الساعة و . . و . . ؟ . فقال رسول الله : ( أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب )(97). ثم قال رسول الله : ( أخبرني بهن جبريل آنفا )(98). وكان ذلك ما دعى ابن سلام للإيمان بصدق دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وروى الطبراني عن ثوبان مثله وفيه زيادة ، وليس فيه ذكر النار ، قال : جئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان . فلما أجابه ، قال : صدقت ، وإنك لنبي ثم انصرف . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لقد سألني هذا عن الذي يسألني عنه ومالي بشيء منه علم حتى أنبأني الله عز وجل )(99). وفي هذا دليل على اهتمام اليهود بهذا العلم ، وتحفظهم من أن يعلم أحد عن أمر هذه النار لكونها علامة ودليل ، حتى إنه لا يعرف بأمرها عندهم إلا نبي ورؤوس الأحبار عندهم كما دل عليه هذا الخبر . والنار والدخان من المفصل الذي يعلمه أحبار اليهود ، فكيف بابن صياد أو إبليس أو الدجال قل ذلك إن أردت فكلهم في الباطل متحدون .
وأما باعتبار كونه صار من الخفي على خلق الله في هذا الجيل التعيس ، فذلك لأن الله قدر أن يتعلق به أمر عظيم وهو الفصل بين الحق والباطل ، وهذا الفصل لا يأتي إلا بغتة على حين غفلة من الناس ، اللهم إلا حفنة خاصة من اليهود كما كان الأمر قديما يخصون أنفسهم بشيء من علم الأنبياء يتكاتمونه بينهم ، وقد يطلعون على بعض من ذلك قادة حرب النجوم وأصابع هوليود ومهندسي التاريخ !! ، وفي الحقيقة هذا ما خُبِّئ لابن صياد ، وليس في قلب النبي إلا العلم بتفصيل ذلك كله .
وأما بخصوص ابن صياد ، فأنا لا أشك في أن ابن صياد إبليسَ تمثَّل بصورة بشر ، ومن ذلك جاء علمه بهذا السر ! ، أو أن يكون تلبس بذلك الطفل وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحقيقة فكان ذلك سببا لتلك المحاورة الثقيلة !! ، قال تعالى حكاية عن الشيطان يدعوه : ﴿ رب فأنظرني إلى يوم يبعثون . قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ﴾ إلى أن قال تعالى بعد ذلك : ﴿ قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين . إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين ﴾ (100) ومن اعتقد أن إبليس يُنظَر بعد مـوت جميع من على الأرض إلى يوم أن يبعث الخلائق يوم القيامة فقد أخطأ ، وإنما الإنظار إلى يوم بعث المهدي ، يجمع الله له أهل الإيمان والتقوى من كل الأرض فيصبح الناس على فسطاطين كما في حديث ابن عمر المرفوع ، وتتجلى عند ذلك عظمة الله ويبقى الإيمان ظاهرا ، ومن كان على الكفر يبقى على كفره ، ويتعطل سبيل إبليس على أهل الإيمان والإسلام عند ذلك ولما كان عالما بهذه الحقيقة طلب الإنظار إلى ذلك الوقت الذي يتوقف عنده طمعه في الكسب . وابن صياد على جوابه لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعلم بهذه الحقيقة المستورة عن الكثير من الخلق.
وبالعودة إلى الكلام على آيات سورة الدخان فأقول : كل من قال من الصحابة أن تأويلها آخر الزمان ، يلزمه على هذا اعتقاد وجود رسول آخر الزمان ، فإن الآيات صريحة في هذا ، وأما على قول ابن مسعود فلا إشكال عنده ، فالرسول يكون عندها هو محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم أجد حسب علمي لمن قال من الصحابة أن آيات سورة الدخان تأويلها آخر الزمان ، مخرجا من هذا الإشكال الوارد على هذا الاعتقاد ، إلا لترجمان القرآن العالم في تأويله ابن عباس رضي الله عنهما . قال سفيان بن عيينة في جامعه عن عمرو بن دينار : كان ابن عباس يقرأ : ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ﴾ (101) وذكره البخاري في الصحيح معلقا بصيغة الجزم . قال ابن حجر : إسناده إلى ابن عباس صحيح(102). وروى البخاري في الصحيح في كتاب الفضائل عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل رجـال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر )(103) وقال ابن عباس : لم يكن في بني إسرائيل شيء إلا وهو فيكم كائن(104). وعن المستورد بن شداد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تترك هذه الأمـة شيئا من سنن الأولين حتى تأتيه ) قال ابن حجر : ووقع في حديث عبدالله بن عمرو عند الشافعي بسند صحيح قوله : ( لتركبن سنة من كـان قبلكم حلوها ومرها )(105). قال ابن حجر في شرح الحديث : محدثون جمع مُحَدَّث . قال الأكثرون هو الملهم ، الرجل الصادق الظن وهو من ألقي في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى فيكون كالذي حدثه غيره به . وقوله في حديث أبي هريرة : ( وإن يك في أمتي أحد ) قيل لم يورد هذا القول مـورد التردد ، فإن أمته أفضل الأمم ، وإذا ثبت أن ذلك وجـد في غيرهم فإمكان وجوده فيهم أولى ، وإنما أورده مورد التأكيد كما يقول الرجـل : إن يكن لي صديق فإنه فلان ، لاختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الأصدقاء اهـ(106).
قلت : وعلى قراءة ابن عباس لآية سورة الحج ، فإنه كان فيمن سبق يرسل المحدث وليس بنبي ، وقد جاء عن ابن عباس وغيره أن ما كان فيمن سبق سيكون في هذه الأمة مثله ، فصح تخريج اختيار ابن عباس أن الدخان كائن آخر الزمان ، على قراءته أن المحدث كان يرسل في الذين قبلنا وليس هو بنبي ، وعلى قول ابن عباس هذا واختياره يسلم له القول بأن تأويل آيات سورة الدخان إنما يقع آخر الزمان وأن الرسول المذكور في الآيات هو المهدي الذي بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة بأن خروجه يكون آخر الزمان عند اختلاف وزلازل وفتن ، فكما أنه جاز إرسال من ليس بنبي فيمن سبق ، ففي هذه الأمة جواز أن تكون هذه السنة أولى ، وذلك لكثرة بعث الأنبياء فيمن سبق مقابل ما لأمة محمد من فضل وليس لها إلا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، وهذا كله تأويلا لاختيار ابن عباس أن الدخان من المنتظر ، وقراءته لآيات سورة الحج ، وإذا كان في علم الله أن الدخان المذكور في السورة ليس هو كما ذكر ابن مسعود أن ذلك خيال خيل لكفار قريش من شدة الجوع ، بل هو دخان مبين على الحقيقة وليس بخيال ، وأنه يكون في آخر الزمان ، فعند ذلك لا يمكن أن يكون هذا الرسول إلا المهدي المبشر ببعثه في آخر الزمان ، فهو المستحق لهذا الوصف ، وهو من أمر الله وعلمه(107) ، وهو المنصور المؤيد بإذن الله ، كما نصت الأحاديث على ذلك ، وليس من شرط الرسالة أن يأتي الرسول بشريعة ناسخة .
ومما يشهد أيضا في الكتاب العزيز لتخريج اختيار أن الدخان إنما يكون في آخر الزمان ، وأن هذا الرسول إنما ينازع ويتولى عنه الناس في ذلك الزمان ، قوله تعالى :﴿ وإن مـن قـرية إلا نـحـن مهلكـوها قبل يـوم القيامـة أو معذبـوهـا عـذابا شـديدا كـان ذلك في الكتـاب مسطـورا ﴾(108) والقبلية في الآية صريحة لا لبس فيها .
فإذا تقرر هذا من الآية وفهم لزم الآتي : هو أن الله تعالى ذكر في كتابه عن القرى أنه لا يهلكها إذا أراد ذلك من دون أن يرسل إليهم رسولا يذكرهم ، وأن تلك سنته في جميع القرى من غير استثناء ، فقال : ﴿ وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلوا عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ﴾(109) ولا شك أن القرى المعذبة في آخر الزمـان سنة الله فيها آكد وذلك لأن أمرها مكتوب في الكتاب لزاما وحتما ، قال تعالى : ﴿ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنـة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا ﴾(110) قال السيوطي : ما منعهم إلا إرادة أن تأتيهم سنة الأولين من الخسف أو غيره أو يأتيهم العذاب قبلا في الآخرة ، فأخبر أنه أراد أن يصيبهم أحد الأمرين ، ولا شك أن إرادة الله مانعة من وقوع ما ينافي المراد اهـ(111). فإرسال الرسـول قبل الإهلاك سنة مـن سنن الله . وقـال تعالى : ﴿ فلما جــــاءتهم رسلهـــم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلــم وحـــاق بهم ما كـــانـــوا به يستهزءُون . فلما رأوا بأسنا قالــوا آمنا بالله وحـــــده وكفــــرنا بمـــا كنا بـــه مشـــركين . فلـم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون﴾(112) ويقول سبحانه : ﴿ سنة الله في الذين خلوا مـن قبل ولـن تـجد لسنـة الله تبديلا ﴾(113) وقال : ﴿ استكبارا في الأرض ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله . فهل ينظرون إلا سنة الأولين . فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ﴾(114) والآيات في هذا المعنى كثيرة .
فإن قيل قد صح الإرسال لجميع القرى وتحقق برسول الله صلى الله عليه وسلم لجميع الخلق وبإرساله تحققت سنة الله في أنه لا يعذب هذه القرى إلا بإرسال الرسول ، وقد كان ذلك به عليه الصلاة والسلام ، قيل يمنع من ذلك وجهان:
الأول : الاختلاف في تأويل آيات سورة الدخان ، وأن القول بأن ذلك كائن في آخر الزمـان ، يقتضي أن هذا الرسول يكون في آخر الزمان ، إذ كيف يمكن اعتبار الدخان في آخر الزمان ، ومع هذا يؤمر عليه الصلاة والسلام بارتقاب خروجه .
الثاني : لقوله تعالى : ﴿ وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون . فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم . قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين . ثـــم ننجـي رسـلنا والذين آمنـــوا كــذلك حقـــا علينا ننـجــي المــؤمنين ﴾(115) وقوله : ﴿ ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين . قل يوم الفتـح لا ينفـع الـذين كفـروا إيمانهم ولا هـم ينظـــرون . فأعـرض عنهـم وانتظـر إنـهـم منتظـرون ﴾(116) وهذا في الظاهر ليس خطابا لمعاصري النبي من الكفار ، ولا يمكن أن يكون إلا لقوم آخرين ، فلم يبقَ إلا من توعدهم الله عز وجل بسنة الأولين ويدل على ذلك ما هو أصرح مما سبق ، ففي سورة العنكبوت قال تعالى :﴿ ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون ﴾(117) وهذا الأجل المسمى كما في الآية هنا ، منصوص عليه في آية سورة الإسراء في قوله : ﴿ وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا ﴾(118) هذا هو المراد بالأجل ، ولا يصح القول بأن هذا في المتقدمين ، فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقبل توبة من تاب منهم ، وكذلك لم يعرف في السابقين من يصح القول بأنه أصابهم ما أصاب الذين خلوا من قبلهم ، لا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بعد زمانه .
وقبل أن أختم هذا الفصل أنبه على فائدة جليلة وهي : أن قوله تعالى في سورة محمد :﴿ فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها . فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ﴾ لها تعلق بما ورد في سورة الدخان : ( أنى لهم الذكرى ) وقوله في ختام السورة :﴿ فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ﴾ فالمنفي في سورة محمد ، قد أبهم في سياق الآية ، وهو التذكر المنصوص عليه في سورة الدخان ، وعلة عدم الانتفاع ، الإعراض عن الذكر وتبين حقيقته مع ما يسر الله تعالى ببعث هذا الرسول وتيسير الذكر على لسانه ، ولكن هيهات وقد تولوا عنه وعن مـا يسر الله سبحانه على لسانه من بيان الذكر ، قال تعالى مخاطبا رسوله بقوله : ﴿ إن علينا جمعه وقرءانه . فإذا قرأناه فاتبع قرءانه . ثم إنَّ علينا بيانه ﴾(119) والمراد بالبينة هنا لا عموم الكتاب ، بل خصوص الأجل المسمى والوعد الحق ، وهو ما لم يأتِ تأويله بعد لقوله تعالى : ﴿ وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون. إتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين ﴾(120) ولقوله سبحانه : ﴿ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة . رسول من الله يتلو صحفا مطهرة . فيها كتب قيمة . وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ﴾(121) قال مجاهد : منفكين يعني منتهين ، وهو قول قتادة(122). وأهل الكتاب لم يتركوا وينفكوا عما هم فيه من باطل وضلال ، وتأويل هذا لم يأتِ بعد ، والبينة في أول السورة التأويل ، والبينة التي اختلفوا بعدها هي العلم والخبر .
مواضيع الفصل الثاني |
||
آخر الأمة سيصيبها بلاء وأمور منكرة
|
||
القلب الأسود الذي لا ينكر الفـتن ، والقلب الأبيض هو الذي ينكرها،والأخير لا تضره الفتنة أبداً بعد ذلك ولا فتنة الدجـال ، وأمـا القلب الأسود فحتماً ستضره فتنة الدجال
|
||
عمر كان يخشى أن تدركه فتن آخر الزمان
|
||
الفتن التي تصيب الأمة آخر الزمان ثلاث فتن
|
||
عين رسول الله r خروج الفتنة من جهة المشرق من المدينة المنورة
|
||
فتنة صدام العراق تحقق فيها مـا ورد ذكره في أكثر مـن حديث ، ومن أبرز ذلك الدخان
|
||
لقد نفى الله تعالى تحقق إيمان قـوم ذكروا بالقرآن ، ونفى انتفاعهم بالذكر عند تحقق تأويل ما ورد في ذكرهم
|
||
عين رسـول الله صلى الله عليه وسلم فتنة صدام العراق لتكون مناطاً لتعيين الفتن الثلاث
|
||
الفتن تتابع متصلة يركب بعضها بعضاً
|
||
ساعي الفتن في النار
|
||
القاتل والمقتول في الفتن في النار
|
||
عند الفـتن يعود الإسـلام إلى أمره الأول ، كما بدأ أولالأمر
|
||
تعرف السنوات التي تظهر فيها الفـتن بعلامـات منها : تقارب الزمـان ، وكثرة الزلازل ، وكثرة الجهل ، ورفع العلم
|
||
القائل بأن زماننا هو زمان هذه الفتن المنتظرة حجته قائمة .
|
||
ابن باز يفسر معنى تقارب الزمان في الحديث بما هو حاصل اليوم في زماننا من يسر في المواصلات،ويوافقه على هذا الشيخ التويجري رحمه الله
|
||
ورد في حديث ابن عمر تفصيل حال هذه الفتن
|
||
العلاء بن عتبة راوي حديث ابن عمر يتأول الحديث على العباسيين لورود ذكـر الهاشمي وفتنته ، فتنة السرى ذات الدخن
|
||
إثبات بطـلان تأويل العلاء لحـديث ابن عمر على بـني العباس ، وبيان أنه في فتنة صدام العراق
|
||
كذلك وهم من تأول عليهم أحاديث الرايات السود
|
||
قوله في حديث ابن عمر : ( ثم فتنة السرى دخنها من تحت قدمي رجـل ) فيه الإشارة إلى سريان جيش صدام العراق على أهل الكويت بليل،والدخـانالذي هو من أظهر أشراط الساعة
|
||
تحقق فتنة صدام مـن المشـرق وخـروج الدخان فيها ، وكذلك تتدخل الروم ، كل هذا مما نصت عليه الأدلة من الكتاب والسنة
|
||
قوله في حديث عوف بن مالك:( اعدد خصالاً بين يدي الساعة ) فذكر الفتنة التي تعم وخبر حشر الروم . قال ابن حجر في شرحه : الفتنة هـذه لم تقع . وقال ابن المنير : لم تجتمع الـروم إلى الآن ولا بلغنا أنهـم غزو في البر في هذا العدد ، فهي من الأمور التي لم تقع اهـ
|
||
مـا ورد في حديث ذي مخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التصالح مع الروم والنزول بمرج ذي تلول إنما هو في التحالف مع الغرب لتحرير الكويت ، والمرج ذكر هنا لتعيين الواقعة ، وهو المرج الذي تطل عليه تلول كاظمة ( تسمى بالجهراء اليوم )
|
||
قوله في حديث ذي مخبر: ( فيغضب رجـل من المسلمين فيدق الصليب ) هـو كنايـة عـن المهدي ، ويدل على معاصرته لواقعة التصالح مع الروم
|
||
قوله في حديث معاذ: ( إن رحى بـني مرج قد دارت ، وقـد قتل بنو مـرج ) فيه إشـارة لغـزو صدام العراق الكويت ، ومن أجـل هذا أضافهم إلى المرج ذي التلول ، كما في حـديث ذي مخبر . وقوله : ( قتل بنو مرج )فيه إشارة لبطش صدام في تلك الفتنة
|
||
قوله في حديث معاذ بدوران رحى الإيمان عند دوران رحى بني مرج،فيه إشارة إلى ابتداء أمر المهدي وتأويل القرآن بابتداء أمر تلك الفتنة المنتظرة
|
||
الذكر الوارد في آية سـورة محمد ( الآية 18 ) هو للقوم الذين تحل في زمـانهـم الأشـراط ومنها الدخان والروم ومبعث المهدي
|
||
قوله في حـديث حذيفة لما سأله عن الخير والشر : ( هدنة على دخن وإمارة على أقذاء)المراد به هدنة التحالف مع صدام العراق ، وإضافة الهدنة إلى الدخان تعريفاً لها
|
||
القرآن زكى المهدي وفيه قوله تعالى: فالتالي المهدي والمتلو رسـول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو قدوتـه وإمـامه ، واعتباره مـن الشهداء تـزكية عظيمة له ، وفيه ورد قوله تعالى :﴿ قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتـاب ﴾ وإلى هذا المنتهى في الثنـاء إذ قرن شهادته مع شهـادة رب العبـاد على صـدق رسـالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزاد وصفه بالعلم بالكتاب
|
||
من أبين الأدلة في تعيين فتنة صـدام ما جـاء في حديث عبادة عن رسول الله r قوله : ( إذا رأيتم عموداً أحمر قبل المشرق في رمضان ..)
|
||
ورد عـن الحسين بن علي :أن عمد النار التي تكون من المشرق إنما تكون قدام المهدي
|
||
وورد عن أبي جعفر محمد بن علي:بعد ظهور عمد النار تلك ينادي منادي من السماء بإسم المهدي
|
||
كثير بن مرة التابعي كان ينتظر عمد النار هذه سبعين سنة ، وكان يعرف ذلك بأنه آيـة الحدثان !!.ومعنى الحدثان انقلاب الدول والأنظمة،وهـذا بعينه ما جرى في تلك الفتنة
|
||
قال ابن كثير : الدخـان من الآيات المنتظرة ، وهو ظاهر القرآن . وجزم بخطأ ابن مسعود في قوله أن الدخان مضى
|
||
ابن عباس يصبح طيب النفس لأنـه ظن أن الدخـان قد طـرق ، وذلك حـين أخبروه أن الكوكب ذا الذنب قد طلع . وفيه فائدتان : الأولى : أن أمـر الدخان فيه ما يدعو للفرح ولهذا طابت نفس ابن عباس رضي الله عنه ، ولا يكون هـذا إلا مـن أجل بعث المهدي . الثانية : لإبن عباس وهم في افتراض اقتران تعلق الدخـان بالكوكـب الطارق ، ولعله كـان يراه النجـم الثاقب . والوهم منه هنا متيقن ، وقد أبعد النجعة ابن عباس
|
||
القول بأن عمد النار هيمصدر الدخـان المنتظـر ليس ضـلالة ، وإنما إنكار ذلك هو الضلالة المضلة ، وهو نفي محض مجـرد مـن البرهان ، ويعد عند التحقيق تكذيباً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أو غفلة مستدرج نسأل الله الحفظ والسلامة
|
||
اقتران وجود عمد النار والدخـان في هذه الفتنة من جهة المشرق ، وقد أتت الأخبار على ذكرهما ، دال على صحة التعيـين ، الذي تكرر بالكتاب هنا ، وذلك لثبوت دلالة اقتران وجودهما
|
||
قوله في حديث ابن عمر في فتنة السرى : (دخنها من تحت قدمي رجل ..) وفي حديث حذيفة : ( وهدنة على دخن ) لا يعقل إلا أنه أراد إلا حقيقة الدخان لا التشبيه المجازي ، فمن المستبعد أن يستخدم في حديثين من أحاديث فتن آخر الزمان . وواقـع فتنة صدام وفرض الهدنة عليه دال على المراد لمن عقل
|
||
أبو الخطاب بن دحية ، والعلائي ، وابن كثير يتفقون على رد تفسير ابن مسعود لآيات سـورة الدخان وقوله أنه مما مضى
|
||
ترجيح المؤلف أن الذي دعى ابن مسعود لهذا التفسير ذكر الرسول في الآيات، وهو مـا أغفل ذكره مـن رد قوله ولعلهم جبنوا عن الخوض في تفسير المراد
|
||
ترك رسـول الله r آيـات سـورة الدخان على ظاهرها مع إخباره أن الدخان كائن آخر الزمان يعد تسليماً منه لما دلت عليه ظواهر آيات سورة الدخان ، مع ذكر الرسول وخروجه آخـر الزمان في القوم الذين يغشاهم الدخان . ويعد هذا من باب تأخير البيان إلى وقت الحاجة
|
||
الدخ لغة في الدخـان وقد أجاب بذلك ابن صياد لما سأله رسول الله r عما خبأ له
|
||
لم يجب أهل العلم كيف تمكنابن صيـادمن معرفة مراد الرسول r حين سأله عما خبأ له
|
||
ابن صياد والدجـال والسامري وإبليس عيون متعددةفي وجه واحد
|
||
معرفة ابن صياد لشأن الدخ وأنه كائن آخر الزمان مستمدمن علم الأنبياء من قبل،وليس معرفته هنا لما اضمر رسول r الله في نفسه كما فهم ذلك أصحاب رسول الله
|
||
يفيد حـديث أنس في سـؤال اليهود رسـول الله صلى الله عليه وسلم عن أول أشراط الساعة ، أن اليهود يتكاتمون فيما بينهم علم تفصيلات ما سيجري آخر الزمان
|
||
كل من قال من الصحابة والتابعين والعلماء في آيات سورة الدخان أن تأويلها آخر الزمان يلزمهم على هذا الاعتقاد والإيمان بخروج رسول آخـر الزمان ، لدلالة ظاهر آيات سورة الدخان على هذا
|
||
لا مخرج شـرعي حسب علمي صريح من القرآن لمن قال بتأويل آيات سـورة الدخـان وأنها كائنة آخر الزمان إلا لترجمان القرآن العالم في تأويله ابن عباس ، إذ كـان يقرأ هذه الآية على هذا النحو : فإذا جاز إرسال المحدث في السابقين جاز إرساله في هذه الأمة ، والمهدي قطعاً سيكون من المحدثين وهو أولى بإستحقاقصفة الإرسال من محدثيبني إسرائيل . هذا ما يجوز أن يحمل عليه اختيار ابن عباس وأما غيره فلا أدري ما اختيارهم في هذا
|
||
قوله تعالى: مـع قوله: فيه ما يشيرإلى صحةالاعتقاد بأن ما وردذكره في سورة الدخان هو المهدي ، إذ أن الله تعالى من سننه أن لا يهلك القرى حـتى يبعث رسـولاً . وقد ثبت الوعيد بإهلاك هذه القرى آخـر الزمـان ، فصح ثبوت إرسال الرسول آخـر الزمـان قبل هذا الإهلاك المكتوب المحتوم المنتظـر على سنن الله في السابقـين ، وسننه لا تبدل أبداً سبحانه ، ولا يستثني حكم هذه القرى المذكور خبرها هنا مـن عموم سنن الله تعالى في إهـلاك القرىإلا ببرهان ، فصح على هذا اعتبار هذا من الشواهد على أن المذكور في آيات سورة الدخان هو المهدي
|
||
قوله تعالى : ﴿ رسـول مـن الله يتلو صحفاً مطهرة . فيها كتب قيمة ﴾ يبعد أن يكون هـذا الوصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصاً على اعتبار مـا قبلها ، قولـه : ﴿ لم يكن الذين كفروا مـن أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ﴾ فجعل إتيان البينة مع الرسول على هذا الوصف ، وقد فسر بعضهم منفكين معناه تاركين ، وأهل الكتاب لم يتركوا ما هم فيه ، كما أن رسول الله لم يطلع على صحف أهل الكتاب بل ثبت بالقرآن نفي هذا عنه البتة ، وفي هذا إشارة قوية إلى أن الموصوف هنا قد يكون هـو الرسـول المذكور في سورة الدخان ، ويكون سبب تركهم ما هم فيه من باطل لانقطاع مادة ضلالهم بقيام الحجة القاطعة لشبه أباطيلهم المتراكمة مـن دهـور . وأحق ما يكون هذا في زمـان المهدي الذي سيؤتيه الله تعالى مـا كانوا يدعون . ويعد هذا في عداد الشواهد لمن قال بتأويل آيات سـورة الدخان آخر الزمان
|
( 1 ) مسلم (12/233) ، وأحمد في المسند ذكره ابن كثير في نهاية الفتن (1/45) ، والبيهقي في السنن (8/169) ، والطبراني في الشاميين (1/353) .
( 2 ) رواه مسلم في الإيمان والفتن من صحيحه ، والبخاري في المناقب وغيره من الصحيح عن أبي وائل دون ذكر القلوب .
( 3 ) الفتح (13/50) .
( 4 ) المسند (55) ، ورواه عبدالرزاق في مصنفه (11/365) .
( 5 ) مسلم (18/15) ، والحاكم في المستدرك (4/471) .
( 6 ) مسلم (18/32) ، ورواه أبو يعلى (9/383) وفيه : وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ . وهذا خرج مخرج النبوءة والخبر .
( 7 ) سورة محمد (18) .
( 8 ) سورة الكهف (55) .
( 9 ) سورة الدخان (10-11) .
( 10 ) الفتن لنعيم (1/62) .
( 11 ) الفتن لنعيم (1/57) ، وذكره أبو عبيد في الغريب وفي الحاشية ذكرت متابعة لشيخ نعيم (4/124) ، وذكره باختصار الحربي في غريب الحديث (2/807) ، وابن بطة في الإبانة (2/584) ، ورواه الدوري في تاريخ ابن معين قريبا مـن هذا اللفظ وعنه العسكري في تصحيفات المحدثين إلا إنهما قالا عن أبي هريرة ، والله أعلم بالصواب . تاريخ ابن معين (1/317) والعسكري (84) .
( 12 ) سنن االدارمي (1/36) ، والخطيب في تاريخ بغداد (8/222) واللفظ له ، ولفظ الدارمي أتم .
( 13 ) اللؤلؤ والمرجان لعبدالباقي (3/394) ، والطيالسي .
( 14 ) الأمالي للقالي (1/155) .
( 15 ) عبدالرزاق في المصنف (11/359) وعنه أبو نعيم ، وابن بطة في الإبانة ، والحاكم في المستدرك وزاد : وغطوا وجوهكم . وقال : صحيح ووافقه الذهبي (4/448) .
( 16 ) طبقات ابن سعد (7/164 ، 165) .
( 17 ) نعيم في الفتن (1/176) .
( 18 ) المصنف لعبدالرزاق (10/119) .
( 19 ) المصنف (11/394) ، والمستدرك (4/529) .
( 20 ) أبو داود (4/99) ، وساق نعيم بن حماد لفظه تاما (1/139) .
( 21 ) أبو داود (4/102) .
( 22 ) مسلم (18/35) .
( 23 ) مسلم (18/9) ، وأبو داود (4/99) .
( 24 ) رواه الطبراني ، والطحاوي ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/306) .
( 25 ) راجع تخريج هذه الأحاديث في الفصل الثالث حاشية رقم (137و 138).
( 26 ) اسم القائل إبراهيم المزيعل ، وهو من جيل ما قبل النفط ، الرأي العام العدد (11432-9/10/98 ص 7) .
( 27 ) الفتح (2/522) .
( 28 ) وهناك صنف آخر ممن يزعم العلم في زماننا ، وهو كما زعم عنده علم ، إلا أنه علم لا ينفع نسأل الله السلامة ، وهو أشر ممن يزعم العلم وهو جاهل ، فالعالم الذي لا يعمل بعلمه منكره أكبر وسؤاله أعظم أمام الله تعالى .
( 29 ) الدوري في تاريخ ابن معين (1/317) ، والعسكري في تصحيفات المحدثين (84) ، قلت : الراجح أنه حديث حذيفة لأنه من رواية زيد ، قال الأعمش : كنت إذا سمعت من زيد بن وهب حديثا لم يضرني أن لا أسمعه من صاحبه . تاريخ أبي زرعة (2/676) .
( 30 ) غريب الحديث للحربي (2/807) .
( 31 ) الإبانة (2/584) .
( 32 ) نعيم بن حماد (1/62) .
( 33 ) المستدرك (4/465) .
( 34 ) العلل لابن أبي حاتم (2/417) ، والحديث الذي رواه ابن جابر مرسلا رواه نعيم في الفتن (1/62) عن الوليد وقصر أحدهم في سنده .
( 35 ) سنن أبي داود (4/94) ، والمستدرك (4/466) ، وشرح السنة للبغوي (15/19) .
( 36 ) قال أبو داود في علي هذا : مستقيم الحديث ولكن له رأي سوء ، كان يرى السيف . وهذا عجيب من أبي داود ، إن كان سبب قوله هذا ، هذه المناظرة ، إلا أن يكون اعتقاد أبي داود في العباسيين أنهم خوارج ! ، فالسيف كان سيفهم .
( 37 ) رواه الخطيب في الموضح (2/400) ، وراجع تهذيب التهذيب (7/340) .
( 38 ) هو اعتقاد كل من صدق بأن بني العباس هم الذين يخرجون بالرايات السود من المشرق ، وأن منهم يكون أمر السفاح والمنصور والمهدي ، يدفعونها إلى عيسى . قال ابن كثير في الفتن والملاحم : تقدم حديث الرايات السود التي جاء بها بنو العباس حين استلبوا الملك من أيدي بني أمية .. ، وصارت للسفاح المصرح بذكره في حديث رواه أحمد في مسنده اهـ نهاية الفتن (1/9) . وهذا كله كذب باطل .
( 39 ) لقد صدق هذا الحديث دعوى صدام أنه من أهل البيت وهو الكذوب ، مع نفي الرسول ولايته لصدام وطرده من أن يكون من المتقين أولياء الرسول . ومن الأجدر بأهل العراق كذلك طرد من تبرأ منه نبي الله ، والبراءة منه .
( 40 ) قصيدة لخلف بن هذال العتيبي أشارت إلى أبياتها جريدة الرأي العام (10998-1/8/1999) .
( 41 ) هي الهدنة التي جاء ذكرها في أكثر من حديث ، وستأتي تفصيلات في خبرها مهمة ، وبيان أنه يتلوها دعاة الضلالة ورؤوس الجهل .
( 42 ) رواه أحمد (6/25) ، والطبراني في معجمه الكبير (18/رقم71) ، ومسند الشاميين (1/456) والأوسط (1/67) واللفظ له . ورواه البخاري من غير هذا الطريق وفيه تقديم وتأخير . ورواه الحاكم وابن ماجة ونعيم وخلق غيرهم .
( 43 ) راجع فتح الباري لابن حجر (6/277 , 341) .
( 44 ) أبو داود (4/109) ، والحاكم (4/421) ، والبيهقي في السنن (9/223) ، ونعيم في الفتن (2/438) .
( 45 ) قال شمعون بيريز : ولا يمكن للمرء أن ينسى السابقة التاريخية الفريدة لتحالف عاصفة الصحراء الذي جمع الشرق والغرب ، والمسلم واليهودي والمسيحي . ( جريدة الشرق الأوسط 7029 -25/2/98 ) .
( 46 ) سيأتي تفصيل الكلام عن مبعث المهدي ، وبيان أنه يكون عند وقوع الفتنة الثالثة وهي فتنة الدهيماء ، وسأنقل الأدلة وأعلق عليها ، التي تثبت ذلك إن شاء الله . منها حديث ابن عمر وحذيفة وأبي سعيد ومحمد بن علي وسعيد بن المسيب وابن سيرين .
( 47 ) المعرب من الكلام الأعجمي (279) .
( 48 ) الاختيارين للأخفش الأصغر (560) .
( 49 ) اليوم تعرف بالجهراء ، وهي أقدم قرى الكويت ، وقد كانت قديما بمرجها على طول ساحل البحر مرعى للإبل قال سعد بن إياس : بعث النبي وأنا أرعى لأهلي بكاظمة ( تهذيب الكمال للمزي 10/259) . ونقل أبو اسماعيل القالي في ذيل الأمالي والنوادر (77) : أن كاظمة موضع بين اليمامة والبصرة على البحر وفيه رباط ، وكان هذا الرباط زمن عبدالملك بن مروان . وقال ياقوت : جو على سيف البحر في طريق البحرين من البصرة بينها وبين البصرة مرحلتان وفيها ركايا كثيرة وماؤها شروب ( المعجم 3/228 ) وبهذا يعرف شهرة الجهراء قديما بأنها أرض مرعى للدواب ، والمرج مرعى الدواب . والحكمة من الإشارة للمرج زيادة في تعيين مكان الفتنة وأهلها ، وعموما كانت تعد قديما عند العرب المكان الأصلح للرعي وكانت تقصد بالكثير من الإبل لهذه الغاية . ومن القديم كان يطلق على هذه الناحية العراق ، وهى أصل هذه التسمية على خلاف المعهود عند الناس اليوم . قال قطرب : إنما سمي العراق عراقا لأنه دنا من البحر وفيه سباخ وشجر ، يقال : استعرقت إبلكم إذا أتت الموضع . وقال إبراهيم الحربي : كل استواء عند نهر أو بحر عراق ( تاريخ الخطيب 1/24 ) .
( 50 ) رواه الطبراني في المعجم الكبير .
( 51 ) سورة الكهف (55) .
( 52 ) سورة محمد (18) .
( 53 ) سورة الدخان (59) .
( 54 ) الترمذي (5/172) قال : لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده مجهول ، وفي الحارث مقال .
( 55 ) علل الحديث (2/429) لأبي محمد بن أبي حاتم ، وقال أبو حاتم : منهم من يرفعه .
( 56 ) المستدرك (2/148) .
( 57 ) أبوداود (4/96) .
( 58 ) رواه أحمد (5/386 و 403) ، وأبو داود (4/95) ، والحاكم (4/423) ، والحربي في الغريب (3/1164) .
( 59 ) نقل عبدالرزاق الصنعاني ( المصنف 11/343) : أن قتادة كان يحمل ما في الحديث على زمن أبي بكر . قلت : ولعل مثل هذا ما أدى ببعضهم لأن يقول لأبي بكر: يا خليفة الله . تأويلا للحديث ، فرد عليهم بقوله : لست خليفة الله بل خليفة رسول الله وحسبي ذلك . حكاه شيخ الإسلام في المنهاج (4/352) والفتاوى الكبرى (2/553) . ولقد أحسن رحمه الله في رده على الاتحادية كابن عربي وغيره في اعتقادهم أن الخليفة عن الله مثل نائب . وهذا القول الجاهل الباطل ليس من الحديث في شيء ، وإنما المراد إضافة التكريم والتشريف ، مثل : بيت الله ، وناقة الله . وحمل حديث حذيفة على غير هذا ضلال وجهل . وكذلك من طعن بهذه اللفظة من الحديث ، لما قد يتوهمه عقله الضعيف ، فيحمل ما ورد في الحديث على هذا الوهم ، هو أيضا جاهل متلاعب بكلام النبي لقصور فهمه . وهذه اللفظة وردت عن رسول الله في وصف المهدي المنتظر في أكثر من حديث .
( 60 ) سورة هود (17) .
( 61 ) سورة الرعد (43) .
( 62 ) رواه الترمذي (5/381) وقال : حسن غريب . وحكاه ابن كثير في تفسيره عن مجاهد ولم يلتفت لحديث ابن سلام في سنن الترمذي وقال : وهذا القول غريب ، لأن الآية مكية ، وابن سلام أسلم في أول مقدم النبي المدينة وكان سعيد ينكر أن يكون المراد بها ابن سلام ويقول هي مكية . التفسير (2/572) .
( 63 ) رواه الطبراني في الأوسط (1/221) ، وحسنه السيوطي في الجامع ، وذكر المناوي أن له شواهد ، وذكر الهيثمي أن رجاله ثقات غير ابنة خالد بن معدان لم يعرفها اهـ . وهي عبدة ، روى عنها إسماعيل بن عياش وبقية بن الوليد ، وكان الأوزاعي أمر بسؤال أم عبدالله ابنة خالد بن معدان عن هدي أبيها فكان ذلك سبب إتيان تلاميذ الأوزاعي عبدة . ذكره أبو زرعة الرازي في تاريخه (1/350) .
( 64 ) رواه نعيم (1/227) .
( 65 ) عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر ليوسف بن يحيى الشافعي السلمي (171) .
( 66 ) عقد الدرر (60) .
( 67 ) عقد الدرر (171) ، والبرهان في علامات المهدي للمتقي الهندي (2/632) ، ورواه نعيم مختصر الحديث على النداء (10/337) .
( 68 ) رواه نعيم باختصار ، ورواه النعماني الرافضي في كتاب الغيبة بلفظ : إذا رأيت نارا من المشرق شبه الهردي العظيم ، فتوقعوا فرج آل محمد . وهذا من الرواية . والحق لله لا يمكن أن ينقل إلا عن النبي ، لمطابقته في الوصف لعمد نار البترول في الكويت . والهردي ما صبغ الهرد ، وهو الكركم ويستعمل صباغا ويكون أصفر فاقعا .
( 69 ) نعيم في الفتن (1/337) .
( 70 ) الغيبه للنعماني (179) .
( 71 ) الغيبه للنعماني (218) .
( 72 ) نعيم (1/227) .
( 73 ) نعيم (1/232) .
( 74 ) قال أبو بكر محمد بن السراج البغدادي : الأفعال على ضروب ثلاثة منها يقين وهو علمت ، وضرب هو لتوقع الشيء نحو : رجوت وخفت ( الأصول في النحو 2/209) .
( 75 ) تفسير ابن كثير (4/147) .
( 76 ) الفتح (8/573) .
( 77 ) بيان العلم وفضله (1/115) . ومن المعلوم أنه بعد فتنة صدام وإحراقه آبار البترول وتسببه بإثارة ذلك الدخان العظيم ، قد أُكتُشِفَ مذنب يسمى هيل بوب في العام ( 1995) وكان هذا سيكون حجة في أمر الدخان لو أن ابن عباس جعله علامة لتحقق الدخان ، إلا أن المرجح أنه يرى الكوكب مسببا للدخان وهو وهم . ففي (23/7/95) نشر الاتحاد الدولي الفلكي في نشرته رقم (6187) أن اثنين من هواة الفلك الأمريكيين وهما الن هيل وتوماس بوب تمكنا من اكتشاف هذا المذنب . ويقال إن مداره حول الشمس على فترات متباعدة ولن يعود إلى الظهور قبل مرور (2380) عاما ويشكل مجيء المذنب إلى مدار الأرض بمثابة مفاجأة للفلكيين المحترفين ، لأنه أشد توهجا مما سبقه . وقال مارسون عالم الفضاء من مركز هارفارد سيمتسونيان للمراقبة الفيزيائية الفضائية في كيمبردج : هيل بوب أفضل مما سبقه من مذنبات لأن المذنب دورته الشمس مرات عديدة ، وهذا يعني أن المذنب كبير لدرجة تمكنه من تحمل تكرار رحلات أخرى . وذكرت الرأي العام الكويتية في (17/2/1997) أن أحد الهواة من رابطة الفلك بالكويت إلتقط صورا واضحة ونادرة للمذنب ، وذكر الهاوي أنه يمكن مشاهدته حاليا في سماء الكويت بالعين المجردة .راجع : ( الزائر الجديد مذنب هيل بوب ) نشرة رابطة هواة الفلك والأرصاد الجوية الكويتية . ( القبس الكويتية تاريخ (5/2/1996) ( والسياسة 18/3/1997) .
( 78 ) المستدرك (4/459) .
( 79 ) مقدمة ابن خلدون (587) .
( 80 ) مسلم (18/27) .
( 81 ) مسلم (18/87) ، وغيره . وسيأتي لاحقا تخريجه والتعليق عليه وبيان الفائدة الجليلة المتعلقة بهذا الحديث .
( 82 ) قال جون كوليلي في كتابه الحصاد حرب أمريكا الطويلة في الشرق الأوسط : اهتمام العالم اتجه في ما بعد الحرب إلى خطر كبير ، وهو نيران آبار البترول التي بدأت في أواخر يناير ثم تضاعفت في فبراير ومارس عندما فجر العراقيون ألغاما وشحنات كانت موضوعه في الآبار مسبقا ، وقد نتج عن تلك الملتهبة سحب كثيفة من الدخان نشرت الظلام في جميع منطقة الخليج , ومـع حلول (27/ يناير ) كان العراقيون قد افرغوا ما بين خمسة وعشرة ملايين برميل من االنفط في الخليج ، وكانت تلك على الأرجح أكبر بقعة نفط عرفت في التاريخ والوحيدة التي نتجت عن نية مبيتة ( القبس 6735 تاريخ 16/1/92 ) .
( 83 ) رواه أبو داود : قلت يـا رسول الله الهدنة على الدخن ما هي ؟ قال : ( لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه ) (4/96) . وجوابه هذا كما قلت زيادة بيان لا تنفي وجود الدخان . وفي لفظ : ( هدنة على دخن ) قال : ( جماعة على فرقة ) .
( 84 ) سورة الدخان (9-16) .
( 85 ) التفسير (4/147) .
( 86 ) النهاية (1/145) .
( 87 ) قال الحافظ في الفتح (2/511) : هناك ما يدل على أن القصة المذكورة وقعت بالمدينة ، فان لم يحمل على التعدد وإلا فهو مشكل جداً .
( 88 ) التنبيهات (62) .
( 89 ) التذكرة للقرطبي (741) .
( 90 ) سورة الأنبياء (1-3) .
( 91 ) في باب : ( أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ) الفتح ( 8/573) .
( 92 ) سورة محمد (18) .
( 93 ) كما في الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة عن النبي قال : ( كان بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي ، وانه لا نبي بعدى ، وسيكون خلفاء فيكثرون ) قالوا : ما تأمرنا ؟ قال : ( فوْ ببيعة الأول فالأول ) . وهذا مع كونه في النبوة بعده ، أي لا يخلفه نبي كما كان الأمر مع بني إسرائيل ، فليس فيه ذكر لنفي أن يرسل بعده رسول ، إنما هو دليل على نفي النبوة بعده ، وهذا على الصحيح عام في النفي سواء كانت البعدية تفيد القرب أو البعد ، فهو نفي مطلق . ولا يستثنى من هذا النفي العام إلا المبشرات وهي الرؤيا ، فهي على الخصوص في آخر الزمان لا تكاد تكذب . وعن أنس رفعه : ( إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي إلا المبشرات ، وهي الرؤيا جزء من أجزاء النبوة ) رواه أحمد والترمذي والحاكم . والاستثناء واقع على الرسالة والنبوة ، وهو لا يعارض القول بأن آيات سورة الدخان في آخر الزمان ، بل يؤيده من حيث حصول الاستثناء .
( 94 ) وقعت مجادلة بين ابن عمر وابن صياد ، فقال له ابن عمر : إخسأ فلن تعدو قدرك . فقال ابن صياد : أجل لعمري لا أعدو قدري . المصنف (11/397) .
( 95 ) تفسير ابن كثير (4/146) ، والحديث رواه أيضا عبدالرزاق في المصنف (11/389) .
( 96 ) شرح صحيح مسلم للنووي (18/48) .
( 97 ) قال الحافظ ابن حجر : وحديث حذيفة بن أسيد في النار ، في ظاهره يعارض حديث أنس ، فان فيه آخر الأشراط النار ، وحديث أنس أول الأشراط . ويحتمل أن تكون النار في حديث أنس كناية عن الفتن اهـ الفتح (13/82) و (11/379) قلت : الصحيح أن النار في حديث أنس التي تكون من المشرق ، هي النار التي جاء ذكرها في حديث خالد بن معدان وكثير بن مرة ، وهي نار فتنة صدام العراق . وحشرها للناس حشر معنوي وليس حسي كالنار المذكورة في حديث حذيفة بن أسيد ، وإنما يكون حشرها لا بذاتها بل لما يقع في هذه الفتنة من البلاء بهذا الجيش الغاشم ، وكان الأمر كما أخبَرَ نبي الله ، فقد فر أكثر الناس إلى المغرب أرض الجزيرة
( 98 ) رواه البخاري في المناقب وغيره من الصحيح . الفتح (7/272) .
( 99 ) الطبراني في الكبير(2/88) .
( 100 ) سورة ص (79-80) .
( 101 ) سورة الحج (52) .
( 102 ) الفتح (7/42و51) .
( 103 ) الفتح (7/42) .
( 104 ) نعيم (1/38) ، والسنة للمروزي (25) .
( 105 ) الفتح (13/301) ، رواه المروزي في السنة (25) ، وعن ابن مسعود : أنتم أشبه الناس ببني إسرائيل .. ، ولا كان فيهم إلا سيكون فيكم مثله . السنة المروزي (25) . راجع (1/225).
( 106 ) الفتح (7/50) .
( 107 ) ورحمته سبحانه ولدنه ، قال تعالى : ( واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيرا ) سورة الإسراء (80) .
( 108 ) سورة الإسراء (58) .
( 109 ) سورة القصص (59) .
( 110 ) سورة الكهف (55) .
( 111 ) الإتقان للسيوطي (2/38) .
( 112 ) سورة غافر (83-85) .
( 113 ) سورة الأحزاب (62) .
( 114 ) سورة فاطر (43) .
( 115 ) سورة يونس (101-103) .
( 116 ) سورة السجدة (28-30) .
( 117 ) سورة العنكبوت (53) .
( 118 ) سورة الإسراء (58) .
( 119 ) سورة القيامة (16-19) .
( 120 ) سورة الأنعام (105-106) .
( 121 ) سورة البينة (1-4) .
( 122 ) تفسير ابن كثير (4/571) .