....
 
تقليده لإبن حزم على جهل
.....
 

معلوم جدا عند أهل العلم في الإسلام مرتبة المقلد ، يرون بأن لا أهلية له للترجيح ولا التحقيق مهما تظاهر وادعى مقدرته على ذلك ، فلا يمكنه بحال من تلك المنزلة التي ارتضاها لنفسه أن ينال درجة الإجتهاد ، هذا من المعلوم بين ذلك الوسط من علماء الإسلام المحققين المشهورين ، ألزموا المقلد منزلته وأن لا يتعداها لدرجة ومنزلة أهل التحقيق ودقة النظر ، وعليه أقول :

بأن هذا المخالف الجاهل حين تجشم العناء في مغالبة نفسه في معارضته لدعوة المهدي المباركة ومصادمة أصولها ، وتعلق فيما تعلق به لمخالفتها بأقوال لإبن حزم رحمه الله تعالى نقلها لتأييد أكاذيبه ضد الدعوة المهدية ، وابن حزم من علمتم من هو من أهل العلم والتحقيق بل هو صاحب مذهب مشهور منفرد لم يسلك غماره إلا وهو عند نفسه قد بلغ درجة الإجتهاد وحسن النظر ، ورغم ذلك أخذ عليه من بعض أهل العلم أنه لم يسلم من درجة التقليد ولم يحسن الفكاك منها للآخر ، وإلا ما تورط بمذهب إمامه الظاهري فصار معه على تلك الأصول لا يحيد عنها ، وبرأي من قال ذلك فيه أنه لو فعل لما كان ظاهريا للآخر ، حتى بلغ ما بلغ من تأليف الكتب على وفق ذلك المذهب الظاهري لا يحيد عنه قيد أنملة .

فجاء هذا المقلد الصرف ليتعلق بمثل قول ابن حزم في دعواه الرد على ما تقرر في كتاب المهدي "الختم " ليدعم أكاذيبه على ما تقرر بذلك الكتاب بما نقله من كلام ذلك العالم ، وهو الكتاب الذي أشغل ذهنه جدا على ما يبدو وأزعجه أيما ازعاج مع الكتاب الآخر في كشف باطل دولتهم " السعودية الوجه الآخر " ، فبات مصدوما ينزع من حقد وغل على دعوة الحق الدعوة المهدية ، ومصدره الأساس في عيبها النقل من الكتابين المذكورين ، يقتبس منهما بكل ذلك الحنق والغضب حتى جره ذلك للكذب كما بينت في الفصلين المتقدمين الأول والثاني على المصطفى صلى الله عليه وسلم وحفيده المهدي عليه الصلاة والسلام ، ومن المعلوم أن من يثبت عليه عند أهل العلم الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أن عدالته تسقط لا محالة ، هذا إن كان ممن يصح نسبته لأهل العلم وأهل التحقيق والإجتهاد ، فما بالكم بإمعة مقلد كهذا المنافق الكافر .

وعنوان تقليده لمقولات ابن حزم وانطلاقه كان لتدعيم أكاذيبه بما ذكره عن ابن حزم ، تلك الركيكة تلبيسة الشيطان على لسان ذلك الأفاك المنافق ولي العريب الصم البكم ، وذلك فيما زعم بقوله :

قد فضح الله اللحيدي إذ صرح بعقيدته الكفرية وهي أن القرآن وقع فيه التحريف بنوعيه : تحريف اللفظ ، وتحريف المعنى ، ولهذا فإن هذا التحريف أشد من التحريف الذي وقع في الكتب السابقة . وأعلن بكل صراحة أن مصحف عثمان الذي لا تعرف الأمة قرآنا غيره وقع فيه خلل ولحن وخطأ النساخ وأن هناك من القرآن ما فات الصحابة ولم يدخلوه في المصحف إما لموت حامليه ، وإما لأنه مما أكله الدجاج وهناك ما تعمد الصحابة طرحه افتراء على كلام الله وقرآنه العظيم ، ويصرح بأن الأمة اجتمعت على ضلالة وهو هذا المنكر الذي عملوه بكتاب الله تعالى .
وبهذا يعلن كفره البواح ويكذب الله تعالى في وعده إذ قال : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } (1) وقال : { وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } ، وقال :{ ذلك الكتاب لا ريب فيه } .
وقد أجمع المسلمون على أن من قال بوقوع تحريف في كتاب الله أو أنه نقص منه أو زيد فيه فهو كافر ، يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا مرتدا ، لا يغسل ولا يصلى عليه ، ولا يدفن في مقابر المسلمين اهـ .


فعرج بعد قوله هذا ليدعم أقواله تلك بما ذكر عن ابن حزم ، وقول ابن حزم في واد وهذا الأفاك وأقواله في واد آخر ، وسينقل كلام ابن حزم الذي ذكره إن شاء الله بعد ما أفند له تلبيسه وأكشف عن ألاعيبه .

وما صنيعه هذا إلا لإرادة التلبيس والتحريف ليخلص لمحصلته التي انتهى لها مما تقرر بكتاب " الختم " بحسب رأيه ، ولن ينفق ذلك إلا على أمثاله من الجهلة المقلدة نظرائه من حوله من الذين لا باع لهم ولا ذراع في التحقيق وصادق النظر في مسائل مشهورة معلومة لدى علماء المسلمين من قديم لوقتنا هذا ، وهل يخفى على عالم وصاحب نظر كل تلك الخلافات الحاصلة في هذا الشأن حتى دونت فيه المصنفات المشهورة المعروفة لدى أهل العلم والنظر ، ولا يمكن يخفى أمرها على بصير وصادق مع نفسه وغيره ، إلا أن يجهلها مثل هذا الأفاك المنافق وأمثاله ممن يروج بينهم أقواله تلك البعيدة كل البعد عن منازل أهل التحقيق والإجتهاد والإنصاف ، أو أن يجحدها وإن علم بشأنها كمعلومات عامة لا يمكن تغيب عن ذهن من حاز أدنى درجات طلبة العلم مستوا ، ولكم الخيار في الترجيح بما يناسب حال هذا المنافق الأفاك في ذلك الشأن وإيهما وافقه فهو شر دائر ما بين الجهل ، والكذب والجحود .

مثل كتاب " فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224 والذي فيه بالإسناد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قوله :

لا يقولن أحدكم قد أخذت من القرآن الكثير وما يدريه ما كله قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن ليقل قد أخذتُ منه ما ظهر منه . وهل تقرر جمع القرآن بينهم حينذاك إلا مما رأوا من ذهاب القرآن بقتل أولئك القراء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فخشوا لكثرة موت أولئك الحملة للقرآن من ذهابه وهو عين ما خشاه ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه وبسبب ذلك كان اقتراحه على الصديق جمع القرآن ، وقد كان علم منه صلى الله عليه وسلم أنه لم يجمع القرآن ولم يأمر بذلك ، وهو ما احتج به الصديق ضد رأي عمر رضي الله عنهما ولا زال به عمر حتى وافقه ومن ثم وافق زيد الصديق فتقرر حينها جمع القرآن وسيأتي لاحقا إن شاء الله التطرق لذلك .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يودع تلك السور متفرقة يوزعها بين أصحابه رضي الله تعالى عنهم ، فيجدون عند أحدهم آيات ، وعند آخر زيادة على ما عند غيره ، حتى التبس مثل هذا على مثل أبي رضي الله تعالى عنه ووقع في نفسه من الشك ما وقع ، وهذا مروي ثابت عنه رضي الله تعالى عنه .

وكان يستودع عند صحابي آيات ، ومع آخر يمتنع لا يستحفظه ولا كلمة من كتاب الله تعالى كما فعل مع عمرو بن العاص في آية الرجم من سورة الأحزاب وسيأتي مزيد تعليق على ذلك في الفصل الخامس إن شاء الله تعالى من هذا الكتاب .

ونظير ذلك ما حصل مع بعض تلك الأحرف السبعة يوزعها بينهم ، يستودع عند بعضهم ما لا يستودع عند غيره ، مثل الحرف عند أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه (ولا محدث ) والذي عليه مدار كل ما تقرر في كتاب " الختم " وكل ما لجلج به هذا الأفاك المنافق ، إنما مداره على رد التقريرات حول ذلك الحرف في مدى ثبوته ، والسؤال لم طرح من رسم المصحف الذي جمعوه ؟!

وكل ذلك كان مداره على ذلك الحرف ، فهو يرى ويعتقد أنه ليس من القرآن والله يعلم من فوق عرشه عز وجل أنه حرف من كلامه وكتابه استودعه رسول الله عند أبي بن كعب ، وأبي من علمتم فهو أرفع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم درجة من بين قراءهم ، وهذا الأفاك يجحده ويكفر به ، فلعنة الله على الجاهلين الجاحدين الرادين لحرف من أحرف كتاب ربنا عز وجل ، ومن قامت عليهم الحجة من مثل هذا الأفاك المنافق في ذلك وأصر عنادا وضلالا فضلا عن أن يحارب على ذلك ، فهو لا شك كافر مرتد ملعون دنيا وآخرة ، لأنه أعلن كفره بذلك الحرف من القرآن ولم يسعه السكوت ومقولة الله أعلم ، بل جادل في إنكاره وحارب الحق في جحده ولم يكن بتاتا على مذهب أهل العلم في ذلك وما قرروه في هذا الشأن ، إذ قال ابن سلام رحمه الله تعالى بكتابه المذكور ما يلي :

فهذه الحروف وأشباه لها كثيرة قد صارت مفسرة للقرآن وقد كان يروى مثل هذا عن بعض التابعين في التفسير فيستحسن ذلك ، فكيف إذا روي عن لباب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثم صار في نفس القراءة ، فهو الآن أكثر من التفسير وأقوى .

وأدنى ما يستنبط من علم هذه الحروف : معرفة صحة التأويل على أنها من العلم الذي لا يعرف العامة فضله ، إنما يعرف ذلك العلماء ، وكذلك يعتبر بها وجه القراءة ، كقراءة من قرأ ( يقص الحق ) فلما وجدتها في قراءة عبدالله بن مسعود : ( يقضي بالحق ) علمت أنه إنما هي ( يقضي بالحق ) فقرأتها أنت على ما في المصحف ، واعتبرت صحتها بتلك القراءة .

وكذلك قراءة من قرأ : ( أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ) ، لما وجدتها في قراءة أبي ( تنبئهم ) علمت أن وجه القراءة ( تكلمهم ) في أشياء من هذا كثير ، لو تدبرت وجد فيها علم واسع لمن فهمه اهـ . 

ثم سرد رحمه الله تعالى تحت باب : حروف القرآن التي اختلفت مصاحف أهل الحجاز وأهل العراق وهي : اثنا عشر حرفا .

فروى ما اختلفت به تلك النسخ من المصاحف بعضها عن بعض .

وأقول : هذا المنافق هو من أبرأ الناس عن هذا العلم والدراية فيه ولا أهلية له بتاتا للتمييز هنا ، ولا هو حفظ لسانه عن الخوض في ذلك بجهل وضلال مبين ، لكنه أخذ يشكك بحرف من حروف القرآن ، ويحارب على ذلك ليدعم ويثبت جحده لذلك ولا شعور له بعظيم خطر ذلك عليه من شدة البلادة فيتعرض لحرف من حروف القرآن بالكفر والجحود وهو لا يشعر ، الحرف الذي كان يقرأ به من هو مزكى على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه أقرأ أمته ، ووثق ذلك عنه حتى أخذه عنه مثل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، لكن هذا الجاحد الكافر يطعن بذلك الحرف بكل استهتار ويكفر من يؤمن به أنه من القرآن ، وكل ذلك مما يستدر به طواغيته الذين حاربهم المهدي عليه الصلاة والسلام بأمر الله تعالى وحاربوه ، سنة الله تعالى التي خلت من قبل نزاع أهل الحق مع أهل الباطل ، فأتى هذا الضال المنافق ليحشر نفسه ما بين ذلك ، كالعنز المشؤومة تسعى لحتفها تحفر بظلفها .

عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعلمهم بما أنزل علىّ أبي بن كعب . ( رواه الطيالسي في مسنده والترمذي وابن ماجة وأحمد وجماعة )

وقال مسروق : ذكر عبدالله بن مسعود عند عبدالله بن عمرو فقال : ذاك رجل لا أزال أحبه بعدما سمعت رسول الله يقول : استقرئوا القرآن من أربعة : من عبدالله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل . ( متفق عليه )

ولم يذكر معهم زيد ، وكان الصديق رضي الله تعالى عنه حين قرر جمع القرآن من الرقاع وصدور الرجال حين خشوا على القرآن يذهب من الناس بكثرة هلاك حملته في الحروب ، كان رضي الله تعالى عنه أمر زيد بجمعه وعلل ذلك بأنه كان يكتب الوحي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيأتي مزيد كلام حول ذلك لاحقا إن شاء الله تعالى ، وبيان السبب لجمع القرآن في زمان الصديق ، وكذلك بيان سبب قرار عثمان جمعه ثانية حين رأى حذيفة رضي الله تعالى عنه شديد اختلاف القراء فيما بينهم عليه وتنازعهم فشار على عثمان بجمع المصحف فوافقه على ذلك .

وكان زيد من كتاب الوحي وممن جمع القرآن في عهده صلى الله عليه وسلم ، قال أنس رضي الله تعالى عنه : جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة : أبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو زيد - هو سعد بن عبيد - ومعاذ بن جبل . ( رواه الطبراني في الأوسط )

وليس منهم ابن مسعود ، الحاصل المقصود أن كل فضيلة تذكر في ذلك إلا ونجد أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه حائزا عليها صاحب ذلك الحرف ( ولا محدث ) .

ولعله صلى الله عليه وسلم لم يوص باستقراء القرآن من زيد بن ثابت لما علم منه اسقاط بعض الكلمات من القرآن وهو حديث عهد بالنزول والإملاء عليه ، فقد ثبت هذا عنه رضي الله تعالى عنه بشهادته بنفسه على نفسه على ما روى ذلك سعيد بن سليمان عن أبيه سليمان عن زيد أنه قال : كنت أكتب الوحي لرسول الله وأدخل عليه بقطعة الكتف أو كسرة ، فأكتب وهو يملي علي ، فما أفرغ حتى تكاد رجلي تنكسر من ثقل الوحي ..

فإذا فرغت قال : اقرأهُ ، فأقرأ فإن كان فيه سقط أقامه ثم أخرج به إلى الناس . ( الأوسط للطبراني )

أما أبي رضي الله تعالى عنه فكان له المنتهى بالحفظ حتى أنه صلى الله عليه وسلم بالصلاة كان طلب منه الفتح عليه إذا ما نسي عليه الصلاة والسلام في التلاوة آية لما علم من حفظه وجمعه للقرآن ، فقد روى ابن شهاب عن حميد بن عبدالرحمان قال : قرأ رسول الله الصبح (تبارك الذي نزل الفرقان ) فأسقط منها آية ، فلما سلم قال : أفي المسجد أبي ، قال : نعم ، فقال له : ما منعك ألا تكون فتحت علي ، قال : يا رسول الله ، عليك ، إني ظننت أنها نسخت ، فقال : لم تنسخ . ( الفوائد لإبن مندة ) 


أقول : وهذا كتاب ابن سلام رحمه الله تعالى وفيه عن ابن عمر وما ذكر من أمثال تلك المقولات وكتاب ابن سلام مليئ بذلك ، فهل يتوافق ما قاله هذا المنافق الأفاك الجاحد ، مع ما ألف من معنى عن كلام ابن حزم وغيره لينزله على المهدي اليوم وما تقرر بكتابه " الختم " ، بأن يلزم ابن عمر على ما قاله في ذلك ما ألزم به اعتقاد وأقوال المهدي عليه الصلاة والسلام في ذلك ؟!

الجواب : بلى ، لكنه بليد صاحب تقليد لا شعور له في تلك الحقائق من الأقوال ولا يعيها ذهنه الوضيع ، لذا ترونه يطلق لوازم لا يعي بتاتا ما يلزم عليها هي ذاتها ، وسيعود عند حسن النظر والعلم بحقيقة ما تفوه به ذلك المنافق ، أنه يعتقد بكفر ابن عمر وغيره من الصحابة ممن قال بقوله ذاك ، لكن هذا الحمار لا يعي ما يحمل وإلا لفر مما قاله ولم يمكنه النطق به فضلا عن أن يدونه وينشره في الآفاق محاربا لدعوة الحق ، مثبتا على نفسه ذلك الكفر خلطا مع كل تلك الحماقات .


وفي كتاب ابن سلام عن عائشة رضي الله تعالى عنها قولها :

كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي صلى الله عليه وسلم مائتي آية ، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا على ما هو الآن .

وهذا مروي مثله عن أبي رضي الله تعالى عنه كما سيمر معنا لاحقا .

وعن حميدة بنت أبي يونس قالت : قرأ علي أبي - وهو ابن ثمانين سنة - في مصحف عائشة : (أن الله وملائكته يصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ، وعلى الذين يصلون الصفوف الأول ) . قالت : قبل أن يغير عثمان المصاحف .

وعن المسور بن مخرمة قال : قال عمر لعبد الرحمان بن عوف : ألم نجد فيما أنزل علينا : ( أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة ) ، فإنا لا نجدها ، قال : أسقطت فيما أسقط من القرآن . (2) يريد أسقط عن الجمع في زمان الصديق لا عثمان .

وعن عمرو بن دينار عن بجالة : أن عمر رضي الله تعالى عنه مر برجل يقرأ في المصحف : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتكم وهو أبوهم ) ، فقال عمر : لا تفارقني حتى نأتي أبي بن كعب ، فأتيا أبي فقال عمر : يا أبي ألا تسمع كيف يقرأ هذا هذه الآية ؟!

فقال أبي : كانت فيما أسقط . قال عمر : فأين كنت عنها ؟ ، قال : شغلني عنها ما لم يشغلك .(2) يريد هنا كذلك ما أسقط من الجمع في زمان الصديق ، وقد نبهت على هذا بالهامش وبالمتن هنا حتى ما يفوت القارئ هنا تنبيهه على ذلك لأهميته وحتى ما يختلط عليه .

وهنا أنبه لإيرادي الكلام الذي دار بين عمر وأبي رضي الله تعالى عنهما ، أن لعل سبب سقوط الحرف الذي انفرد به أبي ( ولا محدث ) أنه أسقط كما اسقط ما أسقط من تلك الآية محل الجدال بينهما بسبب انشغال أبي حين جمع القرآن في زمان الصديق لهذا لم ترد بالمصحف في المحصلة النهائية في جمعه .


أقول : وبوب لهذا القول وغيره ابن سلام في كتابه ، بقوله : باب : ذكر ما رفع (3) من القرآن بعد نزوله ولم يثبت في المصاحف .

وروي فيه عن زر أنه قال : قال لي أبي بن كعب : يا زر كأين تعد أو قال : كائن تقرأ سورة الأحزاب ؟

قلت : اثنتين وسبعين آية أو ثلاثا وسبعين آية ، فقال : إن كانت لتعدل سورة البقرة ، وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم ، قلت : وما آية الرجم ؟ ، قال : ( إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ) . ( ورواه الطيالسي 1/283 )

وروى في الباب عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه خطب يوما فقال : ألا إن أناسا يقولون : ما بال الرجم كذا وإنما في كتاب الله الجلد ، وقد رجم رسول الله ورجمنا معه ، ووالله لو أن يقول قائلون زاد عمر في كتاب الله لأثبتها كما أنزلت .

وفي الطبراني من طريق الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبدالله بن سلمة عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال : التي تسمونها سورة التوبة هي سورة العذاب ، وما تقرءون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها . ( ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 7/178 )

وكان ابن سلام رحمه الله تعالى في كتابه المذكور " فضائل القرآن " قد بوب بابا قبل الباب المذكور فقال : باب الزوائد من الحروف التي خولف بها الخط في القرآن .

ثم روى تحته جملة من المرويات التي تثبت معنى عنوان الباب هذا وقال في أوله :

عن إبراهيم عن الأسود عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كان يقرأ : ( غير المغضوب عليهم وغير الضالين ) .

وروى فيه عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقرأ : ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن ( لا ) يَطَّوَّفَ بِهِمَا )

قرأ فيها على النقيض للمعنى المثبت في رسم المصحف ، فهناك على الإثبات وعند ابن عباس على النفي ، إلا أن المحصلة النهائية لكليهما نفي الإيجاب .

وعن عمرو بن رافع قال : أمرتني حفصة رضي الله تعالى عنها ، فكتبت لها مصحفا ، فقالت : إذا بلغت آية الصلاة فأخبرني ، فلما بلغت : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) قالت : (وصلاة العصر ) ، أشهد أني سمعتها من رسول الله .

قلت : مصحف حفصة رضي الله تعالى عنها من المصاحف التي نسخ منها في زمان عثمان رضي الله تعالى عنه وكانت استحلفته أن لا يتعرض له فسلمتهم مصحفها لما تعهد لها عثمان بإرجاعه لها ، وبقت مصرة تحفظه لديها من أن تمسه يد فتحرقه إلى أن توفيت ، وكان لا زال يرسل إليها مروان يسألها تسليمه إياه وهي تأبى عليه ، قال سالم : فلما توفيت حفصة رجعنا من دفنها فأرسل مروان بالعزمة إلى ابن عمر ليرسلن بتلك الصحف فأرسل بها إليه . ( رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني عن الزهري عن سالم ) 

وروى المستغفري في فضائل القرآن عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه زيد بن ثابت قال : فلما ماتت حفصة أرسل مروان إلى عبدالله بن عمر في الصحيفة يعزم عليه ، فأعطاه إياها فغسلت غسلا .

وعند بحشل في تأريخ واسط ص 252 ، قال : فشقها مخافة أن يكون فيها خلاف ما نسخ عثمان . 

وعند ابن سلام في كتابه : فلما كان مروان أمير المدينة أرسل إلى حفصة يسألها الصحف ليمزقها ، وخشي أن يخالف الكتاب بعضه بعضا ، فمنعته إياها . 

وقال : أرسل مروان إلى عبدالله ساعة رجعوا من جنازة حفصة بعزيمة : ليرسلها فأرسلها فمزقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك خلاف لما نسخ عثمان اهـ . (4)

ويجهل الكثير من الناس أن تلك النسخة تنسب لحفصة رضي الله تعالى عنها تجوزا ، والصحيح أنه مصحف عمر الفاروق رضي الله تعالى عنه ، كان جمع القرآن في عهد الصديق رضي الله تعالى عنه في قطع الأدَم وكسر الأكتاف والعُسُب ، وبعد موت الصديق جمعه عمر رضي الله عنه في صحيفة واحدة وكانت عنده فلما توفي كانت تلك الصحيفة عند ابنته حفصة ، وحين جمع عثمان القرآن مجددا كانت العرضة على تلك الصحيفة التي عند حفصة .

وكان فيه ( وصلاة العصر ) مثل ما هو عند عائشة لكن لم يلتفت لذلك من النساخ رغم ورود ذكر ذلك عند أبي أيضا ، فلم يثبت النساخ تلك الكلمات ، وفي هذا أبلغ دليل على أن النساخ لم يكن من شرطهم التواتر لتثبيت الحرف أو الكلمة في المصحف المجموع زمان عثمان رضي الله تعالى عنه ، مثل ما زعم ذلك وادعاه الباقلاني في كتابه على آية الرجم من سورة الأحزاب .

وعن زياد بن أبي مريم عن عائشة أنها أمرت الذي يكتب مصحفها بمثل ما أمرت به حفصة ، غير مرفوع أيضا وليس فيها واو .

وعن عبدالرحمان بن ليلى عن أبي : كان يقرأها كذلك : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر ) .

إلى غير هذا مما يطول ذكره ثم قال رحمه الله تعالى بعد ذكره ما في البابين ما يلي :

هذه الحروف التي ذكرناها في هذين البابين من الزوائد لم يروها العلماء ، ولم يجعلوا من جحدها كافرا ، إنما تقرأ في الصلاة ونحكم بالكفر على الجاحد لهذا الذي بين اللوحين خاصة ، وهو ما ثبت في الإمام الذي نسخه عثمان بإجماع من المهاجرين والأنصار ، وإسقاط لما سواه ، ثم أطبقت عليه الأمة ، فلم يختلف في شيء منه يعرفه جاهلهم كما يعرفه عالمهم وتوارثه القرون بعضها عن بعض ، ويتعلمه الولدان في المكتب ، وكانت هذه إحدى مناقب عثمان العظام ، وقد كان بعض أهل الزيغ طعن في ، ثم تبين للناس ضلالهم في ذلك اهـ . 

وقال رحمه الله تعالى بعد : وهو الذي بين ظهري المسلمين اليوم ، وهو الذي يحكم على من أنكر منه شيئا مثل : ما يحكم على المرتد من الإستتابة ، فإن أبى فالقتل اهـ . 


أقول : وسأبدأ بركيكته وخسيسته الشيطانية ذلك المنافق من شعب آل طرطور ، ومن آخرها وهي مدبرة تستبين لكل عاقل ومنصف يقف على كلامه ومن ثم يقف على نقضي عليه وبضدها تتبين الأشياء ، فهو ممتهن التلبيس الخسيس ولا يريد بيان الحق ولا لديه نية على اعتناقه بعد تبينه واتباعه إذا ما ثبتت له البراهين والمصداقية والصحة ونطقت له بل صاحت لكل ذي سمع مدرك مميز ، لكن المنافق هذا بان من أمره أنه معرض عن كل تلك الدلالات والبراهين وكل تلك البينات في هذه الدعوة فبات جاحدا لها كافرا بها مكابر ، بل حاربها وسطرت أصابع يده الآثمة في حرب هذا الحق الذي ارتضاه تعالى ونبأ عنه بكتبه وعلى ألسنة الكثير من جماهير رسله ، متزلفا ليرضي من حاربهم المهدي في عقر دارهم أول ما بعث وأخذ يبين مدى قبح كفرهم وردتهم السافرة ، وبين أنهم من أخبر بعيبهم وشديد نفاقهم الله تعالى بكتبه ومصطفاه عليه الصلاة والسلام بما أوحى له ربه عن هؤلاء أولياء هذا الكافر الكذاب المدافع عنهم ليستحق معهم المصير ذاته وتلك الخاتمة للنار بإذنه تعالى ، فذلك حتما مصير كل فاجر كفار .

أخذ يتقرب إليهم في حرب الحق مصدودا عن الذكر وتأويله بعد إذ جاء به الله تعالى يصرف آياته كيفما يشاء تبارك وتعالى ، من العواصف الصفراء وإرسال تلك الرياح الثائرة على رؤوس أولئك الأشرار كما أخبر الأنبياء ، إلى غير ذلك مما ثُبّتت له الملفات المطولة الكثيرة بموقعنا المبارك المنير ، في إثبات تحقق تأويل كل ذلك وأن الله تعالى كان نبأ الناس عنه من خلال من أرسل من الأنبياء ، لكن كل ذلك لم يفد مع هذا المنافق ورفاقه بل نراه بكل شقاق لآيات الله تعالى وما أوحى لرسله وآخرهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، يحارب دعوة الحق ليرضي أولياء نعمته ومدرسيه على حرب الله تعالى ودينه بتلك الجامعات حظائر أولئك القراء مفقسات بيض أولئك أشباه الدجاج التي لا تعقل .

تزلف بذلك فرضوا منه حرب الحق وجحده وقربوه وولوه قالوا رئاسة لجنة المناصحة ، يغير كل صباح ومساء على أولئك المأسورين من أتباع دعوة الحق يستضعفهم الخبيث ، ويهددهم بأرواحهم متفرعنا على المستضعفين وهم داخل سجون آل طرطور أولياء نعمته محبوسين ظلما وجورا ، يحسب الكافر العنيد أن لهم البقاء والخلد ، لكن الله تعالى بدأ أمره حين قربت نهايتهم ومن شديد بؤس هذا الجاحد الملعون أن نذر نفسه لحرب الحق وهو يحسب أنه مع الحق ملتبس عليه أمر الشيطان ، غير مدرك أنه تولى من تولوا إبليس ظاهرا وباطنا ، والأشباه على بعضها تنزلت ووافق شن طبقه ، والضد يظهر حسنه الضد .. وبضدها تتبين الأشياء .

وذلك الكافر الجاحد من بعد ما سرد أقاويله الكاذبة الفاجرة بحق المهدي ودعوته دعوة الحق وتلك الأصول لها المنيفة الشريفة العلية على مثل ذلك المنحط وكل حزبه حزب الطراطير ، فأنى لهم أن ينالوا منها ونورها من الله تعالى وبراهينها مسطورة بكلماته من التوراة للزبور والإنجيل وآخرا القرآن وسنة خير البشر المصطفى المختار عليه صلوات ربي وسلامه ، ومن كان دعام أمره ودعوته كل ذلك فكيف ينال منها أولياء العريب الأشد كفرا ونفاقا حين تطاولوا بالبنيان وحلقوا لحاهم كحواصل الحمام ، النبي يقول فيهم صلوات ربي وسلامه عليه : لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها . وهذا المنافق الأشر الجاحد الكذاب وزمرة حزبه من القراء والكتبة الأشرار يقولون بل هم أهل الدولة الراشدة وهم خيرنا وأهل ديننا ، ألا لعنة الله على الكاذبين الكافرين الجاحدين لدعوة الله تعالى والمنكرين لبراهينها البينة القاطعة والمؤيدين لأعدائها من أولئك الولاة الظلمة الكفرة ، يبلغهم أو يمكنهم العلم بها ثم هم يعرضون عنها وكأنهم لم يسمعوا بها كالأموات أو الصم مثل ما وصفهم الله تعالى تماما نراهم اليوم هكذا حالهم لا يعقلون ولا يهتدون .


أقول : ومن بعد ما سرد كل تلك الأكاذيب والتلبيسات الزائفة والتي سترون عند وقفاتي معها كيف ستذهب بها عواصف الحق وبراهين الإحتجاج ولن تروا لها من باقية بإذنه تعالى وتوفيقه ، أنه بعد ذلك أتى بكلام لإبن حزم رحمه الله تعالى تقليدا بكل بلادة لا يعي مدلول كلام ذلك العالم الظاهري ليضعه بغير مكانه ، ينزله على ما قدم من طعون بدعوة المهدي وكما قلت كلام ابن حزم بواد وكلام الجاحد المارق بواد آخر ، وإنما مقصد المنافق بذلك الربط الكاذب ليقرن ما قاله ابن حزم من نسبة القول الباطل على كتاب الله تعالى للرافضة ، ليلبس ذلك الجاحد ويوهم الجهال من حوله أن أصحاب دعوة المهدي ما هم إلا بمنزلة الرافضة وأشباها لهم ، هكذا يريد أن يكون الإستدلال وإثبات المحاججة ، لكن سترون مدى جلاء كذب هذا المنافق وضعف تلبيسه ، وكيف أنه مجرد مقلد شابه حاله حال الحمير التي تحمل أسفارا وهي لا تعي ما تحمل ولا يمكنها فهم ما فوق أظهرها ، والحمار يبقى حمارا بما يحمل متميزا بالبلادة .

ومعنى كلام ابن حزم الذي نقل المنافق وجهه ما قال به الإمام ابن سلام رحمه الله تعالى وهو :

 

(( ونحكم بالكفر على الجاحد لهذا الذي بين اللوحين خاصة ، وهو ما ثبت في الإمام الذي نسخه عثمان )) 

(( وهو الذي بين ظهري المسلمين اليوم ، وهو الذي يحكم على من أنكر منه شيئا مثل : ما يحكم على المرتد من الإستتابة ، فإن أبى فالقتل ))



وهذا ما نقله عن ابن حزم : قال ابن حزم : " ولما تبين بالبراهين والمعجزات أن القرآن هو عهد الله إلينا والذي ألزمنا الإقرار به والعمل بما فيه وصح بنقل الكافة الذي لا مجال للشك فيه أن هذا القرآن هو المكتوب في المصاحف المشهورة في الآفاق كلها وجب الانقياد لما فيه فكان هو الأصل المرجوع إليه لأننا وجدنا فيه { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } .
ولا خلاف بين أحد من الفرق المنتمية إلى المسلمين من أهل السنة والمعتزلة والخوارج والمرجئة والزيدية في وجوب الأخذ بما في القرآن ، وأنه هو المتلو عندنا نفسه ، وإنما خالف في ذلك قوم من غلاة الروافض هم كفار بذلك مشركون عند جميع أهل الإسلام ، وليس كلامنا مع هؤلاء ، وإنما كلامنا في هذا الكتاب مع أهل ملتنا " ( الإحكام لابن حزم 1/92) .

فاختلط المنافق الجاهل في ذلك ، أو قولوا لبس اللئيم وخلط هناك عن عمد إن كان يعي ما يقال ويدرك بنظره المكان الصحيح لمعنى ذلك القول ، وأن مجاله غير ما يستدركه على دعوة الحق وأصولها المنيرة ، وهذا هو الحق ، وهي مهمة ما سيتقرر في هذا الفصل لبيان كذبه وتلبيسه سواء من بلادة حمار كما قلت قبل ، أو أنه لشدة كفره بوجه الحق وتحقق تأويل الذكر هو يتعمد تلك التلبيسات والتخاليط ليصد عن الحق ويحارب أتباعه لا غير ، وأنه بجمعه لكلام ابن حزم مع ما قرر بكلامه من دعوى النواقض تلك على دعوة المهدي وأصولها ما هو إلا ليوهم الجهلة من حوله بأن ما ذكره المهدي في ذلك الخصوص ما هو إلا عين قول الرافضة الذين عناهم ابن حزم بكلامه وهم الذين اشتهر عن غلاتهم زعمهم أن هناك مصحفا كاملا يسمونه بمصحف فاطمة مخفي وهو خلاف ما جمع عثمان بالكلية ، لم يمكن للعامة الوقوف عليه إلى هذا ا لوقت ، فأراد ذلك المنافق الجاحد الظالم بجمعه ما بين كلامه وكلام ابن حزم الإيهام بذلك وأن يجعل تلك التهمة الأساس ليرفعها راية بيده ضد دعوة الحق .

وأقول : يشهد الله في علاه تبارك وتعالى أنه لم نخرج بعقيدتنا مما قاله وقرره ابن سلام وابن حزم في كتاب ربنا ، وأن ديننا دينهم في ذلك وهو اعتقادنا الحق مع كل المسلمين ، بأن كتاب الله عز وجل هذا الذي بين الدفتين الآن هو قرآن ربنا تبارك وتعالى وأن من يجحد آية منه فإنه بذلك كافر مرتد ملعون ليس بمسلم ، وأن الأمر في ذلك الذي فعله الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضوان الله تعالى ورضوان رسوله عليه هو الفعل الراشد والحق والصواب وما قول الإمام المهدي اليوم الإمام الحق لأهل البيت ولكافة المسلمين من دون هذا الملعون الكافر الكاذب وحزب دولتهم العريبة الملعونة على ألسنة جمهرة من الأنبياء وآخرهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بما أخبر عن أحوالهم كما هي الآن نراها ماثلة أمام كل ذي عينين ، فهؤلاء يتبرأ منهم المهدي وأعلن حربهم مسبقا قبل التمكين ، وحين التمكين سيرون الله تعالى مع من ؟ ، مع أولئك العريب الكفرة وأولياؤهم من قراء وكتبة فجار كذبة ، أو مع المهدي رسول الله تعالى ومبعوث الخير والخلاص منه .

وما قوله اليوم في ذلك إلا على وفق ما روى ابن سلام نفسه رحمه الله تعالى في كتابه "فضائل القرآن " بعد ما أخرج تلك المرويات في أحد تلك الأبواب فقال :

 

(( وقال علي رضي الله تعالى عنه : لو وليت المصاحف لصنعت فيها الذي صنع عثمان )) . (ورواه المستغفري وابن أبي داود والبيهقي في السنن )

(( وقال مصعب بن سعد : أدركت الناس حين فعل عثمان ما فعل ، فما رأيت أحدا أنكر ذلك - يعني من المهاجرين والأنصار وأهل العلم )) .

ثم قال رحمه الله تعالى :

(( وقد ذكرنا هذين الحديثين في غير هذا الموضع ، والذي ألفه عثمان وهو الذي بين ظهري المسلمين اليوم ، وهو الذي يحكم على من أنكر منه شيئا مثل : ما يحكم على المرتد من الإستتابة ، فإن أبى فالقتل )) .



وقول الإمام المهدي اليوم واعتقاده في ذلك على ما قاله علي جده رضي الله تعالى عنه :أن لو ولي تلك المصاحف لصنع فيها الذي صنع عثمان ، والمعنى لوحدها بمصحف إمام كما فعل تماما ذلك الإمام الراشد رضي الله تعالى عنه ، ولا يمكن يتصور ترك الله تبارك وتعالى ورسوله الأمر بجمع القرآن موحدا في مصحف واحد إلا ليفعل أولئك الخلفاء الراشدين ذلك الأمر ، وهم الذين علم من لسان حبيبنا نبي ربنا محمد صلى الله عليه وسلم أنهم خلفاء رشد وأنا مأمورون باتباع سنتهم ، وأن تلك من سنتهم رضوان الله تعالى عليهم ، وقد ينسى الكثير أو يغيب عن علم بعضهم أن أول ما عمل بفكرة جمع القرآن كان في زمان الخليفة الراشد الصديق بعد إلحاح من الفاروق عمر عليه ، حتى لان له ووافقه على رأيه ذاك وانشرح له صدر الصديق وبان له أنه من الحق فوافقه آخرا على ذلك ، وهذا مروي في صحيح البخاري رحمه الله وغيره وفيه قصة مطولة سأذكرها لاحقا إن شاء الله تعالى لضرورة ذكرها في هذا المبحث الجليل لتقرير الحق وكشف أباطل المنافقين الكافرين الملبسين من أمثال هذا اللئيم الخسيس خراجة آل طرطرور وتلك جامعاتهم حظائر تفقيس بيوض الدجاج والسحالي وتلك الديناصورات ذوات الأردية المزركشة ، كما هم أولياء نعمتهم من الصم البكم تشابهوا لعنهم الله تعالى جميعا ، ظاهرا وباطنا .

أقول : ووالله لا يمكن يتصور حال الناس اليوم مع كتاب ربنا الذي جمع بزمان عثمان رضي الله تعالى عنه لو لم يكن من فعلهم ذلك ، إلا وسنرى مصحفا لقم وطهران ، وآخر لباكستان والأفغان ، وآخر لمراكش وعمان ، يتفرقون القرآن كل له قرآنه الخاص به ، مما يجمع الناس على أهوائهم ، لكن الراشد حفظ الله تعالى به أمر كتابه ، وسنتهم من الهدى ولا شك .

ألم أقل لكم أن هذا المنافق الكذاب الفاجر لا يعي ما يقوله ، ويلبس بجهل أو بسوء نية بما لا يدرك حقيقته ومعناه ، فهو خائض بضلالة يحارب الحق ويتهم أهله زورا وظلما وبهتانا ، ليتكسب عند أولياء نعمته من البكم آل طرطور ، ولا عليه بعد ذلك أي منقلب سينقلبون فينقلب معهم لجهنم وبئس المصير ، فإن أعظم الزور أن تدعي كذبا على بريئ ، فكيف بمؤمن بل هو المهدي مبعوث الرب عز وجل مرسل للرحمة والخلاص لعباد الله تعالى من كل أولئك الفجار الكفرة من ولاة الشر وأتباعهم من القراء الكذبة ، ومن سوء عاقبتهم وشرهم أن قرنهم نبي الله تعالى بالذكر مع الأمراء والمطر ، فقال بكثرة كل ذلك آخر الزمان الأمراء والقراء والمطر ، فهل ترون لهؤلاء كثرة اليوم مع كثرة المطر وأمراء الشر والبطر ؟!

ضيعوا الأمانة ونشروا الظلم والجور في كل الأرض ، واستحلوا المحارم ، وتركوا التحاكم لله تعالى وكتابه ورسوله ، وسعت تحت ذيول نظامهم تلك الفويسقة تقرض في سمعة أهل الحق وجهادهم أهل الكفر والظلم ، والله محكم أمره وناسخ ما تلقي شياطينهم لا معقب لحكمه وهو القوي الأعلى ، الحكيم العليم العادل .

إذا هم المقصودون بتلك الأخبار التي قص علينا ربنا تعالى بكتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا شك ، لذلك فرق ما بين أهل الحق اليوم وأهل الباطل من أمثال هذا الكذاب المنافق ، أن أهل الحق يصدقون بالذكر ويؤمنون بما قاله تعالى بكتبه وعلى ألسنة الأنبياء ، أما أولئك فما لا يصدقون ولا يؤمنون إلا بما ركب وتوافق مع أهوائهم من الحق وما خالف ذلك نبذوه من غير أن يرف لأحدهم جفن ، فعبأوا بأباطيلهم وأكاذيبهم على دين الله ورسوله تلك الكروش من المال الحرام والسحت لبيعهم أديانهم وأماناتهم ، لا علم صادق ولا تقوى بارة لله تعالى ، ولا إخلاص في دينه ، هم حقا شر الخلق والخليقة طوبى لمن قتلهم أو قتلوه وقتالهم حق على كل مؤمن كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم .

وأقول : أرأيتم كيف لبس وكذب وافترى ، وأنه جاهل حقا ناقلا لكلام ابن حزم تقليدا من غير وعي ببابه على الصحيح ولا يمكنه يفهم مراد صاحب الكلام بكلامه ، أو أنه كما قلت يتعمد الكذب والتلبيس لتقوية حربه للحق ، ولا يستبعد عليه ذلك إن كنت أثبت عليه الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك مبينا مفندا في الفصل الأول من هذا الكتاب ، فكيف لا يكذب على حفيده المهدي عليهما الصلاة والسلام ويتورع عن ذلك ويصون لسانه ؟!

وانظروا البليد أو اللئيم الخسيس بعد كل تخليطاته تلك ماذا يقول وهو عند نفسه الضالة يرى أنه أحكم مقاله وجود به أكاذيبه :

وأجمع المسلمون على أن من قال بوقوع تحريف في كتاب الله أو نقص منه أو زيد فيه فهو كافراهـ .


يا حسرة أمك عليك لو أن الله تعالى كتب لها يوم قذفتك تلك الليلة من رحمها أن ولدة نعجة لكان خيرا لها فقد ينظر أحد قرائكم فينبغ ويجيز أكلك نعجة ، لكن الحمار رجس لا يحل أكله ما لم يطعم رعي الدواب الخالص فيكون حلالا كأخيه الحمار الوحشي الذي ثبت أكل النبي صلى الله عليه وسلم من لحمه وهو محرم .

أما حمار مثلك رجس مطعمه حرام وملبسه حرام ، فيا خسارة أمك وأبيك وأنت اخترت لتكون مع فريق أهل النار من أولئك الذين توعدهم الله ورسوله بسوء الخاتمة والقرار ، تسود وجوههم ويوسمون على الخراطيم (5) ، فتعسا لك .


نعم أجمع المسلمون يا منافق يا مدعي الغيرة لكتابه وهو يحارب أهل الحق ومن حارب أهل الحق لن يكون إلا محاربا لكتاب الله تعالى وسائر المؤمنين ، فانظر لنفسك كيف أنك آية بالبلادة مع شديد اللؤم حتى ألزمت نفسك بتكفير كل الصحابة الذين ثبتت عنهم الرواية بوقوع نقص من القرآن لم يلحق للمجموع ، لكنك كما قلت لك أنت أشبه بالحمير لم يستطع ذهنك استيعاب تلك الحقيقة ومن ثم المقدرة على الجمع والتوفيق ما بين ما تريد أن ترمي به المهدي وأتباعه مع معالجة ما ثبتت به الروايات عن بعض الصحابة بقولهم حصول نقص من الآيات لم تلحق لما جمع من القرآن .

ألم أقل لكم : أنه مجرد مقلد ناقل لا يمكنه التمييز ولا حسن الفهم فيما ينقل من كلام أهل العلم ، فالكلام عن المصحف كتاب الله تعالى المجموع آخرا بدولة عثمان شيء ، وما كان متفرقا قبل ذلك من كتاب الله تعالى ولم يلحق لما جمع في زمان الصديق شيئا آخر ، فالقائل بالنقص أو التحريف أو الزيادة على المصحف بعد تثبيته ما بين الدفتين شيء ، والقول بذلك قبل ذلك أمرا آخر مختلف بالكلية ، لكن هذا الجاحد أعمى البصيرة لا يمكنه أن يميز كما قلت بين ذلك ، وخلط إما سفها وضلال عقل وعدم إيمان ، أو أنه تعمد ذلك ليدعم بزعمه حججه ضد أهل الحق اليوم ، وهي أوهى من خيوط العنكبوت كما رأيتم .

وكل تلك المرويات وبتلك التصنيفات عن الأئمة ككتاب ابن سلام وغيره مما سأورد منه ذكرا لاحقا إن شاء الله تعالى وأثبت فيه الكثير من تلك الروايات عن بعض الصحابة بأنه وقع من كتاب الله تعالى شيئا لم يدون ولم يلحق بالمجموع ، بل ثبت بقاء اختلاف بعض أحرف ولا زال ليومنا هذا مثبت ذلك عنهم لم يتغير ، كنقص كلمة أو زيادة كلمة أو كلمات أو حرف ، أو تغيير معنى كلمة أو حرف تغييرا كليا ومتضادا حتى في بعض مواضع كما مر معنا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه ، فهل يقول عاقل مدرك بكفر من فعل ذلك ويوجب استتابته وقتله ؟!!!!

وهذا عمر رضي الله تعالى عنه يروى عنه إنكاره لقراءتهم بسينين وهو إماما للمصلين بمكة قرأ بخلاف المثبت في المصحف في الصلاة ﴿ وَطُورِ سِينِينَ ، وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ ﴾ ، قرأها بـ (وطور سينا) ، وقال : سينين لا معنى له !! (6) 

والمثبت برسم المصحف الآن تلك الكلمة التي ردها عمر رضي الله تعالى عنه ، فأثبتوها ولم يثبتوا ما قرأ به وهي قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه .

فهل عمر على اعتقاد هذا المنافق الضال الجاهل الأحمق ، كان يجب استتابته وقتله كافرا لقوله في تلك الكلمة أن بها نوع تحريف فسينين لا معنى له عنده فتلك كلمة لا مفهوم لها لذا رفضها ، وإنما صحح سينا وقرأ بها في صلاته ، وهو الطور الذي كلم الله تعالى من على ظهره نبيه موسى صلوات ربي وسلامه عليه ، أقسم تعالى به وبمكة لتعظيم شأنه ، لكن هذا الكافر المنافق تجشم العناء في ذلك ليلبس المهدي وأتباعه بما تقرر بأصول دعوته المباركة ، ايجاب تكفيرهم وقتلهم ودفنهم بغير مقابر المسلمين ، وليعلم عباد الله تعالى أن هذا المنافق يدون للناس في العلن بوجوب استتابة من قال بذلك تقليدا وترديدا لكلام من سبقه من أهل العلم لا أكثر ذرا للرماد ، وإلا فالحانق الحاقد الآن يشدد على أتباع دعوة الحق ويقرر لهم في السجن خلاف ما يردده بالعلن حسب ما دونت يده ، لكنه في السحن بدلا من ذلك يقول لهم بأن لا استتابة لهم ويجب قتلهم من غير استتابة ، على أنهم زنادقة برأيه وعقيدته الشيطانية ، ألم أقل لكم أنه منافق ذو وجهين ، مع كل ذلك الحمق وتلك البلادة فكان له مقدرة عجيبة بأن يجمع كل ذلك التناقض لنفسه ليتميز عن كل من حارب الحق ودعوته آخر الزمان ويكون بذلك الأقرب زلفا لأولئك السلاطين العريب المنافقين الكفرة الأشرار .

أو مثل ما ثبت عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه عن حامية بن رباب : أنه سأله عن هذه الآية : ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ ، فقال : دع القسيسين في الصوامع والخربة ، أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا . (رواه ابن سلام في كتابه فضائل القرآن ورواه ابن أبي شيبة في مسنده 1/309 والبزار لكن في أصله قال : عن جاثمة بن رئاب قال محقق هكذا في الأصل والصحيح حامية بن رئاب ذكره ابن حبان في الثقات ولم يذكر فيه البخاري ولا ابن أبي حاتم جرحا ولا تعديلا . )

وفي هذا مخالفة جذرية ما بين ما يقوله سلمان رضي الله تعالى عنه وما هو مثبت في رسم المصحف ، فالقسس كفرة ملعونين مشركين ، وأما الصديقون فأولياء لله تعالى مؤمنين مسلمين ، فهل يستوي المؤمن من نال أعلى مرتبة الإيمان وهي الصديقية ، مع المشركين الوثنيين القسس عباد الصلبان الحديدية والخشبية ؟!

فهل يقول عاقل : باستتابة سلمان وتكفيره ، لأنه قال بما قال في مخالفة ما رسم بالمصحف حرفا ومعنى ؟!

أو لعل سيقول أحمق كهذا المنافق هنا أن لعل ذلك من حروف القرآن التي تأتي من صحابي ومن آخر غيره ، وحينها نقول : قاتل الله من قد يقول بهذا ، فالقرآن كلام الله الحق لا يمكن يأتي به وصف للكفار في موضع وفي نفسه يأتي ما يدل على وصف للمؤمنين ، وكل يكون يقرأ بين الصحابة ، فهذا لا يمكن لأنه باطل والله تعالى لا يقول ويقر الباطل بكتابه .


أقول : ومثل هذا كثير روي عن عمر وغير عمر رضي الله تعالى عنهم من الصحابة ، فمنهم زاد ومنهم من أنقص أو بدل وكل ذلك مما يثبت فيه الخلاف مع ما في رسم المصحف حتى بعد جمعه في زمان عثمان رضي الله تعالى عنه ، لكن يبقى الكلام في ذلك شيء فيما قبل الإجتماع على الجمع على مصحف واحد في زمان عثمان وما بعده ، فهناك فرق عما زيد وما أنقص ما قبل ذلك الجمع وما بعده ، لكن هذا المنافق لا يميز ذلك ولا يدرك هذه الحقيقة وحدها فيقر بذلك على وجهه الحق ، لكنا نراه يعمم بالكلام رجاء اقحام المهدي ومن آمن به بما يقرره هو في حقهم جهلا وبلادة فيعمم حتى يتسنى له اقحامهم تحت ذلك ليجعلهم كجنس الرافضة الذين رد عليهم علماء من السلف وكفروهم لقولهم بوجود مصحف آخر مختلف خلافا تاما عما أجمع عليه المسلمون ، وعميت بصيرة هذا المنافق الجاحد المتعدي على أهل الحق عن إدراك مغبة تعميمه هذا وعدم تمييزه أن يقحم وبلا شعور الكثير من الصحابة بتعميمه ذاك على ما روي عنهم كما في تقريري ذلك بكتاب " الختم " وذكري ذلك عنهم هناك وما ذكرت هنا ، فكما يرى كل عاقل ثبوت ذلك عنهم فمنهم ذكر زيادة لم تذكر برسم المصحف ومنهم أورد ما يختلف بالمعنى عما في رسم المصحف وكل ذلك مما ثبتت به الروايات ، لكن الضبط كل الضبط فيما تقرر في الأمة آخرا ، من غير ما تكلم به الصحابة واختلفوا عليه ، فذلك شأن آخر وبابه مختلف عما لبس عليه هذا الجاحد المنافق الكافر ليقحم المهدي ومن آمن معه تحت ما يشاء ، عداوة وكفرا بأن يبعث الله تعالى المهدي من بين الناس يختاره ويجتبيه ويهديه ، ومن ثم يرسل أتباعه ليبشروا الناس ببعثه أنه من الله تعالى ، ويكون أول ما يجابه تلك دولة الأعراب أهلها والأغراب عن الحق قراءها وكتابها ، ثم لما دارت دائرة النزاع بين أهل الحق وأهل الباطل على ذلك ، نجم هذا الملعون وقبله زمرة على شاكلته ليردوا الحق بالباطل واللجاج فيه بمثل تلك التلبيسات ، ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ .

ومر معنا عن عائشة وحفصة رضي الله تعالى عنهما الرواية باسقاط ( والصلاة الوسطى ) واقتصرن على ( وصلاة العصر ) بدلا من الوسطى ، أما أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه فقراءته بـ ( والصلاة الوسطى صلاة العصر ) ، وهذا كله مما ثبتت به الروايات ، وهو مما يدخلهم به ذلك الخبيث بتعميمه الذي ادعاه تحت طائلة تكفيره وهو يريد المهدي ومن أتبعه لكن من شدة البلادة غفل أن هؤلاء من الصحابة أيضا سيدخلون كذلك بتعميمه لأنه جهل أو جحد أن المهدي إنما نقل ذلك عنهم وذكر ما قاله أولئك الصحابة لا أكثر ، فمنهم من زاد ومنهم من قال بوقوع النقص ومنهم من بدل بالمعنى ، وكل ذلك مما وردت به الروايات كما مر معنا ، وقد ثبت كما قلت مرارا أن هنالك اختلافا شديدا حصل بين الصحابة على ذلك ولا نحتاج لمزيد عناء لإثبات ذلك كالنزاع مع ابن مسعود وتلاميذه حول ذلك وسيمر معنا ذكر ذلك ، وما حصل بين أبي وعمر رضي الله عنهما وسبق تقرير الكلام حول شيء من ذلك في كتاب " الختم " ، وغير أولئك من االصحابة ممن وقع منهم الكلام والخلاف حول بعض تلك الأحرف ما قبل الجمع على مصحف عثمان وأثناء الجمع على مصحف عثمان بل أشده حصل هناك عند قرارهم الجمع على مصحف واحد فكان ابن مسعود يحث على أن يغل كل امرء المصحف الذي لديه ، ومثل حفصة تمسكت بما لديها ولم تسلمه حتى توفيت فأخذوه عن طريق اخيها ابن عمر فغسل بالماء ذلك المصحف مع أنه كان نتاج ما جمع في زمان الصديق ثم عمر جمع كل ذلك بمصحف واحد ، وكان مصحف أبي ومصحف ابن مسعود ومصحف لعائشة ، فحرق ما حرق وغسل ما غسل ، ولا شك كان فيها أحرف مختلفة ولا شك ، وبها ما مخالفته لما في رسم مصحف عثمان الكثير ، طمس كل ذلك حتى ما تستبين أوجه تلك الحروف ، ويتحقق الإنفراد بالجمع في زمان عثمان .

وهذا الشاشي رحمه الله تعالى يروي في مسنده عن شقيق بن سلمة عن ابن مسعود أنه قام خطيبا فقال : على قراءة من تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت فوالله الذي لا إله غيره لقد أخذت من في رسول الله بضعا وسبعين سورة وزيد له ذؤابتان يلعب مع الغلمان .

فذهب عبدالله فقعدت في الحلق فيها أصحاب النبي وغيرهم فما سمعت أحدا رد ما قال .

وروى الشاشي عن عمرو بن شرحبيل أو شراحيل قال : أتاني رجل وأنا أصلي فقال : ثكلتك أمك أتصلي وقد أمر بكتاب الله أن يمزق قال : فتجوزت في صلاتي ثم دخلت فوجدت عبدالله ابن مسعود وحذيفة والأشعري وهما يقولان أعطهم المصحف فقال : لا أعطيهم إياه فقال حذيفة : أعطهم إياه فإنهم لا يألون الناس خيرا . قال ابن مسعود: لا أعطيهم إياه وقد أقرأني رسول الله سبعين سورة .

وفي لفظ : فإنهم لا يالون أمة محمد خيرا ، فقال : والله لا أدفع إليهم اقرأني رسول الله بضعا وسبعين سورة أفأدفعه إليهم والله لا أدفعه . 

وعن خمير بن مالك عن ابن مسعود : لما أمر بالمصاحف أن تغير ساء ذلك ابن مسعود فقال : من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليفعل فإنه من غل شيئا أتى به يوم القيامة . لقد قرأت من في رسول الله سبعين سورة وزيد صبي من الصبيان أفأترك ما أخذت من في رسول الله عليه الصلاة والسلام ؟! . رواه الشاشي

ورواه أبو داود الطيالسي مطولا عنه بلفظ : إني غال مصحفي فمن استطاع أن يغلَّ مصحفا فليفعل فإن الله عز وحل قال : ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة . ولقد أخذت من في رسول الله سبعين سورة وإن زيد لصبي من الصبيان ، فأنا أدع ما أخذت من في رسول الله ؟!


ومما يبرر لإبن مسعود معارضتهم اعتقاده تلك المصاحف على الحروف السبعة فقال فيما رواه فلفلة الجعفي قال : فزعت فيمن فزع إلى ابن مسعود في المصاحف فدخلنا عليه فقال رجل من القوم : إنا لم نأتك زائرين ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر ، فقال : إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب على سبعة أحرف أو حروف وإن الكتاب قبله كان ينزل أو نزل من باب واحد على حرف واحد . رواه الشاشي 

وصدق رضي الله تعالى عنه الكتاب قبل ينزل من باب واحد على حرف واحد عكس القرآن بحروفه السبعة ، ولهذا من لم يدرك تلك الحقيقة ويستوعبها أغفل ما أغفل وطرح ما طرح كالحرف عن أبي " محدث " والذي كان يقرأ به ويراه قرآنا ، وعنه أخذه إبن عباس رضي الله تعالى عنهما ، فقد كان ذلك من باب الحروف السبعة ، لا يجوز طرحه من المصحف بأي حال ، بل كان مجرد الإختلاف على مثله يغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت هذا عنه لعل يأتي مجال لذكر ذلك والإشارة إليه في فصل لاحق وهو الفصل السادس تعليقا على قوله تعالى :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ﴾ ، لبيان وجه تلبيس ذلك المنافق الكافر بقوله : صرح بعقيدته الكفرية وهي أن القرآن وقع فيه التحريف بنوعيه : تحريف اللفظ ، وتحريف المعنى ، ولهذا فإن هذا التحريف أشد من التحريف الذي وقع في الكتب السابقة اهـ . 

وهو هنا يعمم للتلبيس لأن هذا من قول المهدي بخصوص حذفهم لحرف أبي وهو من القرآن لا يشك به عاقل ، فحذف ولم يعتمد ولا ندري ما حجة من فعل ذلك مع ما يجب من عقيدة فيه بأنه من القرآن كلام الله عز وجل كما هو عليه أبي بن كعب وعنه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، فعمم هذا الملعون الكافر المنافق لإرادة التلبيس باسقاط كلام المهدي عليه الصلاة والسلام على القرآن كله ، لا بخصوص هذا الحرف فقط .

ومن قرر طرح ذلك الحرف من القرآن أخطأ ولا شك ، وبسبب ذلك اندرس ذكره عن الأمة ولزم من ذلك ما لزم من ضلال وابتعاد عن تصديق الذكر بإرسال المهدي وبعثه كما في سورة الدخان ، مثل ما كان يبعث المحدثون من قبل ، سواء قلنا المحدث النبي كهارون عليه الصلاة والسلام ، أو المحدث غير النبي كأتباع المسيح الإثني عشر ، كانوا مكلمون مرسلون وتكليمهم من الله تعالى مباشرة ، ومن طرح ذلك الحرف لا شك تسبب في ضلال الأمة بامتناعها من اعتقاد وتصديق بعث المهدي وارساله من الله عز وجل اليوم كما أخبر ، حتى رأينا بيقين لما حقق الله عز وجل بعثه بوقته كان ضلال الأمة في عدم تصديق ذلك مؤكد بسبب ذلك الطرح .

وأشبه ما تكون حروف القرآن السبعة تلك بما كان يتفرق بين الأنبياء من نبوءات ، كل نبي يختصه تعالى بحرف لا يذكر إلا من قبله ويطول بيان وجه ذلك وليس هذا مكان بيانه إلا بقولي أن ذلك نظير ما فعله صلى الله عليه وسلم بحروف القرآن مع أصحابه يستودع حرفا عند صحابي ليس هو عند غيره مثل ما استودع عند أبي رضي الله تعالى عنه ذلك الحرف من القرآن ، وإنما أجتهد أقتصر في الكلام هنا لتفنيد أكاذيب هذا المنافق على دعوة الحق وبيان كيف أوقع تلبيسه عليها وخلطه ليضل عن سبيل الله تعالى ، فجازاه الله تعالى أن قلب بصيرته ليعمم ذاك التعميم حتى أدخل تحت طائلته بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ، وسيرتد عليه شره وتكفيره فيحور عليه إن شاء الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ ﴾ .

قال علقمة : جلست إلى أبي الدرداء فقال لي : هل تدري كيف كان عبدالله يقرأ ( والليل إذا يغشى ) ؟ فقلت : كان يقرؤها : ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى ) فقال : والله ما زال هؤلاء بي حتى كادوا يشككوني . فقال : هكذا نقرؤها وهكذا سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها . ( رواه الطيالسي في مسنده 1/548 ) .

وهذا وأمثاله كالمروي عن عمر قبل رضي الله تعالى عنه في آية الرجم وبيانه المانع من الحاقها في القرآن خشية أن يقال زاد عمر على القرآن ، كله يدل على أن ذلك قرآنا بحق ، لكنه مما أسقط ولم يكتب ضمن ما جمع في زمان عثمان رضي الله تعالى عنه وهذا ثابت قال به صحابة كبار وكثر ، ودعوى ذلك الضال المنافق على أن مما إجمعت عليه الأمة أن من قال:نقص من القرآن شيء , أنه كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا مرتدا ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلميناهـ . 

هو مجرد كذب وخلط بغيض من ذلك الجاهل المنافق الكافر كما قلت ليتسنى له إلباس أهل الحق بلبوس الردة والكفر ، وهو من لبس ذلك لا أهل الحق ، إذ لزم دينه اكفار كل أولئك الصحابة على ما بينت لأنهم قالوا بذلك وعنهم روينا وقوع شيء من انقاص كتاب الله تعالى بتلك الروايات لا يشك بها إلا من لاعلم له بذلك بتاتا ، أو ملبس كهذا المنافق الكافر له مقصد سوء لا يخفى على من هداه الله تعالى وتبين له حقيقة ما ذكر عنه وسطرته يده الآثمة بكتابه للرد على دعوة الحق وتجريمها بما هو فيه مجرم كذاب ، وهل أسوأ من الزام المرء دينه وعقيدته ما يكفر به الصحابة مثل عمر وعائشة وأبي وغيرهم رضوان الله تعالى عليهم ، وما ذلك إلا من عمى قلبه وشديد حنقه على أهل الحق حتى جار وافترى وقال شيئا كبارا كهذا الذي ألزم به دينه وعقيدته .

وإجماع الأمة الحق ليس للكذابين أمثاله ، إنما مرادهم ذلك الجمع الحاصل في زمان عثمان رضي الله تعالى عنه على ما هو بين الدفتين كالآن مجموع ، فهذا مرادهم اكفار من زعم نقصان شيء منه ، أما قبل ذلك وهو مفرق ثم جمع في زمان أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ، وبعده في زمان عثمان ، فمن زعم بإكفار من قال بنقصان شيء من ذلك لم يلحق للمجموع في زمان عثمان ، فهذا من يكفره لزاما عليه ينظر كيف أنه قال بجهل وضلال فادعى كفر كل أولئك الأخيار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين قالوا باسقاط شيء من آيات الكتاب المجيد كما هو ثابت عنهم ، ومن قال بكفرهم أو ألزم دينه وعقيدته كفر من قال بقولهم في ذلك فلا شك بأنه هو الكافر الملعون المرتد ، عليه لعنة الله والناس أجمعين .

قال خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت : افتقدت آية كنت أسمع رسول الله يقرأها فالتمستها فوجدتها عند خزيمة بن ثابت : ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ . ( رواه الطيالسي رحمه الله تعالى )

وروى عنه كذلك من طريق كثير بن الصلت أنهم كانوا يكتبون المصاحف عند زيد بن ثابت فأتوا على هذه الآية ، فقال زيد : سمعت رسول الله يقول : ( والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله ورسوله ) .

وهذه الآية والتي قبلها من سورة الأحزاب ، فلم ثبتت تلك ولم تثبت الأخيرة ، مع أن زيد سمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم ؟!

ربما ضابط ذلك ومرجعه الرأي من بعضهم ، فإن عمر لا زال يراها من القرآن كما ذكر قبل وما منعه من تدوينا إلا خشيته من أن يقول الناس زاد عمر على كتاب الله تعالى مع أنه أقر بأنها قرآن وسمعها بالتأكيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ثبت عمل النبي صلى الله عليه وسلم على وفقها بالرجم وعمل الصديق وعمر من بعدهما ، لكن لم يكتبها لذلك المانع عند نفسه ، ورغم هذا نرى فعل زيد سمع كلا الآيتين من رسول الله ، فثبت الأولى ولم يثبت الثانية ، ثم يقول هذا المنافق الحاقد لم يسقط شيء من القرآن أو من زعم سقوط شيء منه فهو كافر ، وذلك نقص لم يكن بخصوص تلك الآية من سورة الأحزاب ، بل روي عن بعضهم أنها كانت تعدل سورة البقرة ما مر معنا عن عائشة وأبي رضي الله تعالى عنهما .

وهنا فائدة جليلة لا بد من ذكرها : وهي أن مصحف عمر رضي الله تعالى عنه الذي ورثته منه ابنته حفصة رضي الله تعالى عنها ، ذلك المصحف الذي نسخه عثمان رضي الله تعالى عنه ثم وزع تلك النسخ عنه في الآفاق ، من المؤكد تلك الآية في الرجم لم تكن فيه ، وإلا ما امتنع عمر من إلحاقها للمصحف لو ما خشيته أن يقال زاد عمر على كتاب الله عز وجل ، وها هو ابن الخطاب يراها آية من الكتاب لكنها لما كانت مما اسقط من جمع الصديق قبل ، وحين جمع عمر ما جمع من المتفرقات المجموعة في زمان الصديق لم تكن تلك الآية مع ما جمع ، ولهذا كان قول عمر بما قاله ولو كانت به لما كان يمكن أن يقول بذلك لوجود تلك الآية ضمن المجموع ، وهذا آكد شيء على فوت شيء من الآيات عليهم بتلك الجموع .

وحين استنسخ زيد ومن معه في زمان عثمان من المصحف الذي عند حفصة لم تثبت تلك الآية ، لأنهم يبدو اعتمدوا الجمع زمان الصديق والمثبت زمان عمر بمصحف واحد ، وحين لم يجدوها هناك لم تثبت في المصحف المجموع والمستنسخ في زمان عثمان رضي الله تعالى عنه ، ولعل هذا التبرير لطرح زيد لتلك الآية ولم يثبتها مع أنه سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن لم يعتمدها رغم ذلك لعدم وجودها في المصحف الموحد في زمان عمر نقلا عما جمع الصديق ، وهذا الوجه بين لا خفاء فيه (7) ، فإن عمر يقينا كما قلت لم تكن تلك الآية مدونة لديه في ذلك المصحف ولو كانت هناك لما كان قال ما قاله فيها لخصوص حكم الرجم فيها ، ثم يقول هذا المنافق الجاهل الضال : من قال نقص من القرآن شيء , أنه كافر اهـ .

وهذا والله مما ثبت البرهان بأنه مما فاتهم ولم يلحق بالمصحف كتاب الله تعالى ، مع اعتقاد عمر أنه من القرآن .


وأقول : رحم الله ابن مسعود رضوان الله تعالى عليه رغم ما ناله من حرقة قلب من ذلك ورغم منازعة تلاميذه له في ذلك لكن انظروا ماذا كان قال فيما فعل في زمان عثمان من احراق المصاحف أو غسلها ، وهو لم يرضه ذلك بتاتا ، وكان كره أن ولي زيد بن ثابت نسخ القرآن في المصاحف .

قال ابن شهاب : اختلفوا يومئذ في التابوت ، فقال زيد : التابوه ، فقال الرهط القرشيون :التابوت ، فرفعوا اختلافهم إلى عثمان ، فقال عثمان : اكتبوا التابوت ، فإنه لسان قريش. وقال الزهري : وكان ابن مسعود قد كره أن ولي زيد نسخ القرآن في المصاحف . (أخرجه المستغفري في فضائل القرآن وأصل الخبر في البخاري والترمذي وابي داود وابن حبان والنسائي وغيرهم )

وأخرج المستغفري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة أن ابن مسعود قال : يا معشر المسلمين أعزل عن نسخ كتاب الله تعالى ويولاه رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر ، يريد زيد . فلذلك قال ابن مسعود : يا أهل العراق ويا أهل الكوفة غلوا المصاحف التي عندكم واكتموها ، فإن الله عز وجل وقال : ( من يغلل يأت بما غل يوم القيامة ) فالقوا الله بالمصاحف.

وعلى الرغم من هذا انظروا ماذا قال رضي الله تعالى عنه آخرا بعد ما كتب له الإمام الراشد المزكى عثمان بن عفان ذو النورين : إن الذي آتاك من قبلي ليس برأي ابتدعته ولا حدث أحدثته ولكن هذا القرآن واحد جاء من عند واحدٍ وهؤلاء قراء القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم وأهل دار الهجرة والمهاجرون والأنصار وصالحو الأمصار قد نهضوا فيه وقاموا به في كل أفق وخافوا أن يلتبس من بعدهم وأن يجعله الناس عضين وليس بهم أنت ولا أمثالك .

فقام ابن مسعود يوم خطبته فخطب وعذر المسلمين وقال :

إن الله لا ينزع العلم انتزاعا ولكن ينتزعه بذهاب العلماء وإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلال فجامعوهم على ما اجتمعوا عليه فإن الحق فيما اجتمعوا عليه . فوالله ما تابعه أصحابه ولكن استعربوا (8) ، فكتب ابن مسعود بذلك إلى عثمان واستأذنه في الرجوع إلى المدينة وأعلمه أنه يكره المقام بالكوفة لما يخاف أن يحدث فيها بعد فشو الدنيا والإذاعة والتكلف ، ويأبى أن يأذن له حتى أذن له قبل موته بأشهر لإكثاره عليه. ( رواه سيف التميمي بكتابه الردة والفتوح عن محمد وطلحة )

ودارت هناك منازعات بينه وبين تلاميذه رضي الله تعالى عنه بسبب انصياعه لما فعل الإمام عثمان من الجمع على مصحف واحد إمام ، واشتد النزاع حتى دعى بعضهم للخروج على عثمان رضي الله تعالى عنه بسبب ذلك وهذا مما أفزع ابن مسعود حتى خطب فقال :

الزموا الصبر والجماعة وإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى رضوان الله ورضوان الله يهدي إلى الجنة ، وأن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى سخط الله عز وجل ، وسخط الله يهدي إلى النار ، وعليكم بهذا القرآن فإن فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وفصل ما بينكم .. 

في كلام يطول ذكره حتى قيل : افترقت أصحابه فرقتين : فرقة كرهته ولجت مع جندب وأبي زينب ، وفرقة صبرت واعترفت اهـ . (9)


ضرورة جمع القرآن في مصحف واحد :

مر معنا قريبا عذر وحجة عثمان التي ابداها لإبن مسعود في جمع القرآن كلام ربنا تعالى في مصحف واحد ، وقد قبل منه رضي الله تعالى عنهما لسلامة النية وخالص النصح لدين الله تعالى وللمسلمين ، مع أن ابن مسعود صاحب مصحف وكان يقول بأن ما لديه يعد آخر عرضة للقرآن كانت من نصيبه ولو علم أحد له العرضة الأخيرة لذهب إليه يبتغي العلم منه ، لكن مع تبين حسن نية ذلك الخليفة الراشد بما فعل لديه انقاد وأمر بالتسليم لذلك وعدم إنكاره والشغب عليه ، حتى أن من تلاميذه من لم يوافقه على ذلك وفارقوه بل كرهوه حسب ما روى سيف التميمي .

أقول : لا شك بأن بتلك الفكرة عصمة من الشر والفتنة على كتاب الله تعالى لو ترك الناس لحالهم كما كانوا عليه من قبل ، فالقرآن أخذ يذهب به مع حفظته حين يقتلوا ، ومع طول الزمان سيذهب على هذا الكثير منه ، ثم كل ما يتقادم العهد به ستطرأ مشاكل بل مصائب مع الوقت عليه ولا شك ، منها تعذر التثبت وتصحيح المسند من ذلك للصحابي كما حصل مع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأيضا من الحتمي بعد ذلك أن يتفرقه الناس ويتقطعونه كما قال الخليفة الراشد عثمان ، ويصبح لكل فرقة وشعب قرآنها الخاص ، وهل كان السبب والداعي للجمع على مصحف واحد في زمان عثمان إلا مخافة ذلك أن يقع ، فقد روى الطبراني في مسند الشاميين عن أنس : أن حذيفة قدم على عثمان وكان يغزو مع أهل العراق قبل أرمينية في غزوهم ذلك فيمن اجتمع من أهل العراق وأهل الشام فتنازعوا في القرآن حتى سمع حذيفة اختلافهم فيه ما ذعره فركب حتى قدم على عثمان فقال : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصارى في الكتب ، ففزع لذلك عثمان ، فأرسل إلى حفصه أن أرسلي إلي بالمصحف التي جمع فيها القرآن اهـ . هكذا رواه الطبرانيبأن ذلك تم بنسخ ما عند حفصة ثم توزيع تلك النسخ على الأمصار والجند ، ويشهد له ما روي عند أسلم بن سهل الرزاز الواسطي المشهور ببحشل كما في تأريخه لواسط ص 252 قال : ففزع لذلك عثمان فزعا شديدا وأرسل إلى حفصة فاستخرج الصحف التي كان أبو بكر أمر زيد فجمعها فنسخ منها مصاحف فبعث بها إلى الآفاق .

لكن روي من وجه آخر خلاف ذلك وأن الجمع تم لهم ثم عرض ما جمعوا على ما كتب بالمصحف عند حفصة ووجدوا التوافق ، وبكلام آخر مفسر لما سمعه حذيفة رضي الله تعالى عنه بتلك الغزوة ، روى ذلك المستغفري في كتابه " فضائل القرآن " ولفظه :

قدم حذيفة من غزوة غزاها بمرج أرمينية فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان فقال : يا أمير المؤمنين أدرك الناس ، قال عثمان : ومما ذاك ؟ قال : غزوت مرج أرمينية فحضرها أهل العراق وأهل الشام ، فإذا أهل الشام يقرؤون بقراءة أبي بن كعب ، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق ، فيكفرونهم أهل العراق ، وإذا أهل العراق يقرؤون بقراءة عبدالله بن مسعود فيأتون بما لم يسمع به أهل الشام فيكفرهم أهل الشام ، قال زيد : فأمرني عثمان أن أكتب له مصحفا ، وإني جاعل معك رجلا لبيبا فصيحا ، فما اجتمعتما عليه فاكتباه وما اختلفتما فيه فارفعاه إلي ، فجعل أبان بن سعيد بن العاص ، قال : فلما بلغنا ( آية ملكه أن يأتيكم التابوت ) قال زيد :التابوه ، وقال أبان : التابوت ، قال : فرفعنا ذلك إلى عثمان ، فكتب ( التابوت ) .

قال : فلما فرغنا عرضته عرضة فلم أجد فيه هذه الآية ( من المؤمنين رجال صدقوا الله ما عاهدوا الله عليه .. ) قال : فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها فلم أجدها عند أحد منهم ، ثم استعرضت الأنصار أسألهم فلم أجدها عند أحد منهم ، حتى وجدتها عند خزيمة بن ثابت فكتبتها ، ثم عرضت عرضة أخرى فلم أجد فيه هاتين الآيتين ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) إلى آخر السورة ، فاستعرضت المهاجرين فلم أجد مع أحد منهم ، ثم استعرضت الانصار أسألهم عنها فلم أجدها مع أحد منهم ، حتى وجدتها مع رجل آخر يدعى خزيمة أيضا ، فأثبتها في آخر براءة ، ولو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة ، ثم عرضته عرضة أخرى فلم أجد فيها شيئا ، فأرسل عثمان إلى حفصة يسألها أن تعطيه الصحيفة وحلف لها ليردنها إليها ، فأعطته فعرض المصحف عليها ، فلم يختلف في شيء فردها إليها فطابت نفسه ، وأمر الناس أن يكتبوا مصاحف على ذلك اهـ .

وأخرجه عن ابن شهاب من وجه آخر عن أنس مثل ما عند الطبراني في مسند الشاميين :أنه أرسل إلى حفصه أن أرسلي إلي بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك اهـ .

وروى المستغفري أيضا عن محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح : فجمع اثني عشر رجلا من المهاجرين والأنصار فيهم زيد وأبي ثم أرسل إلى الرَّبَعَة (10) التي في بيت عمر فجيء بها ثم جعلوا يكتبون القرآن فإذا شكوا في آية أخروها .

قال ابن سيرين قلت لكثير بن أفلح : لم كانوا يؤخرونها ؟ ، قال : رأيت أنهم كانوا يؤخرونها حتى يكون آخر عهدهم بالعرضة الأخيرة .

وقال : ولما قبض رسول الله لزم علي بن أبي طالب بيته فقيل لأبي بكر إن عليا كره إمارتك ، فأرسل إليه أبو بكر فقال له : تكره إمارتي ؟ فقال : لا ، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم حيا والوحي ينزل ، والقرآن يزاد فيه ، فلما قبض النبي جعلت على نفسي أن لا أتردى بردائي حتى أجمعه للناس ، فقال أبو بكر : أحسنت .

قال محمد - ابن سيرين - : فطلبت ما ألف فأعياني ولم أقدر عليه ولو أصبته كان فيه علم كثير اهـ . 


وفي المصاحف لإبن أبي داود وأخبار المدينة لإبن شبة من حديث هشام عن محمد ولفطه :فحدثني كثير بن أفلح أنه كان فيمن يكتب لهم فكانوا كلما اختلفوا في شيء أخروه قلت لم أخروه ؟ قال : لا أدري .

قال محمد : فظننت أنا فيه ظنا ولا تجعلوه أنتم يقينا ، ظننت أنهم كانوا إذا اختلفوا في الشيء أخروه حتى ينظروا آخرهم عهدا بالعرضة الأخيرة فكتبوه على قوله اهـ .

وهنا فيما روى المستغفري وغيره فائدتين عرضتا في الكلام :

الأولى : أن قوله : كل ما اختلفوا في شيء أخروه أن لا يقين ولا دليل على أن ذلك مما ألحق وإلا لروي مثل ما روي في تتبع زيد لتلك الآيات وتم له إلحاقها ، أو لم يتبين على الأقل ما ألحق لاحقا مما أخر وما لم يلحق ، فيبقى ذلك موقوفا على النقل ولا نقل فيما أخر هل منه شيء ألحق ومنه ما لا زال مؤخرا ، وفي هذا برهان أضافي ضد الكافر الجاحد المكفر بما كان عليه الصحابة وقال به بعضهم تصريحا ، ومن ذلك هذا الذي أقوله أخيرا هنا ، حتى قال بتكفير من زعم أن أسقط من كتاب الله تعالى بعض الشيء وخص بذلك المهدي عليه الصلاة والسلام ليتوصل لتكفيره وأتباعه ممن هداهم الله تعالى وصدقوا بدعوته المباركة المهدية ، وهذا منه .

والثانية : علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليه يعد سابق لفكرة جمع كلام الله تعالى في مصحف وتقديمه للناس ، ويكفي كل عاقل به ذرة بصيرة مفعمة بالإيمان ، أن اجتماع خلفاء راشدون أربعة على فكرة جمع كلام الله تعالى في مصحف واحد ، أنها فكرة راشدة حقا ، وإلا لشككنا بهدى كل أولئك وهذا صعب على المرء العاقل المؤمن أن يعتقده .

وهو الذي كان قال في زمان عثمان : لو وليت المصاحف لصنعت فيها الذي صنع عثمان . وإذا به رضي الله تعالى عنه كان عازما على مثل ما فعل عثمان من أول ولاية الصديق رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، وحسب ما روي عن محمد بن سيرين أنه ألف ذلك فعلا وجمعه ، وأن ابن سيرين اجتهد يقف عليه ولم يفلح ، ولعله أتلف مع ما أتلفوا كمصحف حفصة وابي وابن مسعود .

وهذا فيما يتعلق من الكلام في قصة جمع الناس على مصحف واحد في زمان عثمان رضي الله تعالى عنه ، أما في قصة جمع القرآن في زمان الصديق ومن بدأ تلك الفكرة فلنبدأ من رواية البخاري رحمه الله تعالى في جامعه قال عن زيد بن ثابت : بعث إلي أبو بكر لمقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن ،وإني أخشى أن يستحر القتل بقراء القرآن في المواطن كلها ، فيذهب قرآن كثير ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن . 

قلت : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله ، فقال عمر : هو والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر ، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر .

قال زيد : قال أبو بكر وإنك رجل شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله فتتبع القرآن فاجمعه قال زيد : فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان باثقل علي مما كلفني من جمع القرآن ، قلت : كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله قال أبو بكر :

هو والله خير فلم يزل يحث مراجعتي حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر ، ورأيت في ذلك الذي رأيا فتتبعت القرآن أجمعه من العسب والرقاع واللخاف وصدور الرجال .

وكانت الصحف عند أبي بكر حياته حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر . ( رواه في كتاب الأحكام باب : يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقلا )


أقول : الحمد لله وقد بان على عدو الحق المنافق العطاوي أنه في مخالفة الحق ومحاربته ، ولا هو عاقل ولا أمين فقد أثبت عليه الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كما في الفصل الأول من هذا الكتاب ، ثم أضاف لذلك التلبيس والتدليس والجهل والتقليد ، فالحمد لله الذي لا يوفقهم في معارضة الحق وحربه ، ويعثرهم في حربهم لدعوة الحق المبين في أول خطواتهم ، فيجعل في كلماتهم وتقريراتهم كل تلك الظلمات والجهالات ، ثم هو تعالى ييسر لنقضها ويسدد في رميها بفضله ومنه ، وصدق وهو القائل كما في النبوءات في الزبور وغيره :
 



﴿ لساني قلم كاتب ماهر  " الزبور " 

﴿ وجعل فمي كسيف حاد في ظل يده خبأني وجعلني سهما مبريا في كنانته أخفاني "اشعيا عليه الصلاة والسلام "

﴿ أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين لأعرف أن أغيث المعيي بكلمة ، يوقظ كل صباح لي أذنا ، لأسمع كالمتعلمين  " اشعيا "


ورواه المستغفري في كتابه " فضائل القرآن " عن زيد مثله مطولا وجمع فيه قصة الجمع للقرآن في زمان الصديق وقصة جمعه في مصحف في زمان عثمان وأن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال للصديق : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قتلوا باليمامة تهافتوا تهافت الفراش في النار ، وإني أخشى أن لا يشهدوا موطئا إلا فعلوا ذلك فيه ، حتى يفنوا ، وهم حملة القرآن فيضيع القرآن وينسى فلو جمعته اهـ .

وما خشاه رضي الله تعالى عنه هو ما أكد على حصوله ابنه عبدالله رضي الله تعالى عنهما في الذي ذكرته في الفصل السابق وهذا الفصل قوله : " قد ذهب منه قرآن كثير " . رواه ابن سلام في كتابه فضائل القرآن وافتتح به باب : ذكر ما رُفع من القرآن بعد نزوله ولم يثبت في المصاحف . 

وهو ما يجحده هذا المنافق الضال بل ويكفر من قاله جاهلا الأحمق أو متناسيا عن عمد أنه قول لبعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وكل ذلك من كذبه وشديد تلبيسه ليتوصل بذلك النكران هذا الأحمق لتكفير المهدي ومن اتبعه في دعوته للحق ، يحسب البليد أن هذا مما سينطلي على عقلاء الأمة ، ولو أنفقه على الجهلة من حوله ، فإن للصدق أهل ولأكاذيب وتلبيسات الدجاجلة أهل وأتباع ، والصدق متصل دائم وحبل الكذب هو المقطوع المنفصل لا محالة .


هذا وفي ختام هذا الفصل أحب أنهيه بقولي التالي :

أريد لأصغر تابع في هذه الدعوة المباركة ممن يمكن أن يصل إليه هذا المنافق العطاوي بأن يقرر له ما يلي :

لقد قلت بتقريرك عن اعتقادك بإكفار من يقول بحصول نقص في آيات القرآن ، فهل تريد ما قبل جمع المصحف في عهد عثمان رضي الله تعالى عنه ، أو بعد ذلك الجمع ؟

فإن قال بل قبله وبعده ، قل له : هزمت نفسك بنفسك إذ قلت واعتقدت بكفر الكثير ممن قال بهذا من الصحابة ، ويكفي بشاعة في قارئ يأتي بدينه وعقيدته بما يلزم منه تكفير الصحابة كعائشة وعمر رضي الله تعالى عنهما وغيرهما كثير .

وإن قال : لا ، بل أعني بعد ما جمع بين الدفتين وأجمعت الأمة عليه ، فيقال له حينها :لم تبين هذا من ردك على المهدي عليه الصلاة والسلام بين لنا أين ؟

ولن يجد إلا أن يطلع على ردي ونقضي عليه في هذا الفصل ثم يجري تعديلا بنسخته السابقة ليحاول أن يتدارك ذلك ، وهذا ما كان يدعوني لتأخير النقض عليه ، حتى ما يفطن لتنبيهي على شديد بلادته ومدى سوء تقليده بنقل كلام مثل ابن حزم من غير أن يعي مدلوله ، فهو عمم هناك ووقع بما عمم غباء وبلادة أو لؤما ليدخل المهدي وأتباعه بتكفيره الخاص ، غافلا بأنه ورط نفسه بإكفار جمهرة من الصحابة ممن كان يعتقد بأن هناك آيات كثيرة فأتت على جمعهم ، هذا أولا .

وثانيا : أن المهدي عليه الصلاة والسلام ، لم يقل بإنقاص شيء من آيات القرآن إلا كما قال ذلك من قاله من الصحابة ، ولم يقل بذلك بحق القرآن بعد جمعه في زمان عثمان رضي الله تعالى عنه ما بين الدفتين ، فالجمع الذي أجمعت عليه الأمة وأقرته قرآنا وكتابا لربنا عز وجل ، وهو ما عليه المهدي موافقة لإجماع الأمة لا يمكن له أن يقول ويعتقد بنقصه .

أما بالنسبة لحصول شيء من خلل بكلمة أو كلمتين هنا أو هناك أو لحن وخطأ من النساخ في ذلك الجمع ، فهذا مما ثبت القول به من جمهرة من الصحابة وعلى رأسهم عثمان رضي الله تعالى عنه نفسه ، مدون ومعلوم لدى أهل العلم ، أما البلداء أمثالك من الحمير حمالة الأسفار والمقلدة الذي لا يميزون ، فهذا لا يستغرب إن جهلوه فهم عمي عن الحق عمي عن الإنصاف ، أبعد ما يكونوا عن إلتزام ميزان العدل والحق .

وفي ذلك أيضا قرر جريمته النكراء الأخرى وهي إكفار أيضا من قال بوقوع لحن في القرآن وهو يريد المهدي ومن آمن معه وغفل البليد الكافر أيضا هنا عن أن هناك كذلك من قال بوقوع لحن فيه وخطأ من الصحابة ، كما سيمر معنا تقريره في الفصل الخامس التالي إن شاء الله تعالى ، ويلزم من قوله ذاك إكفار أولئك الصحابة أيضا وعلى رأسهم عثمان نفسه رضي الله تعالى عنه فهو ممن روي عنه القول بذلك وهو من أمر بجمع الناس على مصحف واحد وأمرهم إن اختلفوا بارجاع الأمر إليه وحصل من ذلك كما مر معنا في كلمة التابوت ، وسيمر معنا بيان ذلك واثبات الروايات فيه في الفصل التالي إن شاء الله تعالى .


..............


(1) سيأتي إن شاء الله تعالى في الفصل الخامس رد كذبته هنا في دعواه أن المراد بقوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) القرآن ، ليحمل عليها قول من قال بفوات نقل شيء من آيات القرآن لذلك المصحف الذي جمع في زمان عثمان رضي الله تعالى عنه ، وأن من قال بذلك برأيه يعد مخالفا لتلك الآية وما شابهها ، وأنه مكذب لله تعالى في قوله ذاك .
(2) يريد المجموع في زمان الصديق رضي الله تعالى عنه .
(3)إذا قصده برفع أنه نسخ فهذا غير صحيح ولا يسلم له هذا الإدعاء المجرد من البرهان ، وإن كان يعني بالرفع عدم تثبيته في ذلك الجمع فنعم بحسب ما قاله عبد الرحمان بن عوف .
وروي عن الزهري مرسلا لا يصح برفع سور ذهب بها أراد بعض أصحابه أن يقرأها ولم يستطع رواه المستغفري في فضائل القرآن ورواه عبدالرزاق في مصنفه .
(4) وقبض قبله مصحف أبي بن كعب لتلك الغاية حسب ما رواه ابن سلام بكتابه "فضائل القرآن " عن محمد بن أبي بن كعب أن أناسا من أهل العراق قدموا إليه ، فقالوا : أخرج لنا مصحف أبي ، فقال محمد : قد قبضه عثمان ، فقالوا : سبحان الله أخرجه إلينا ، فقال : قد قبضه عثمان اهـ .
(5) يراجع موضوع : آل طرطور المقرود والدابة في (الختم الحتمي) .
(6) قال عمرو بن ميمون : صليت خلف عمر المغرب فقرأ في الركعة الأولى ( والتين والزيتون وطور سينا ) وقال : هكذا هي في قراءة عبدالله بن مسعود . قلت : ذكرها السيوطي في الدر المنثور وعزاه لعبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف . 
(7) ويزيد في ايضاح هذا الأمر وبيان السبب الذي دعاهم لعدم إلحاق تلك الآية لسورة الأحزاب غير عدم وجودها بمصحف عمر ، ظنهم عليها أنها نسخت بسبب ما قاله ربما عمرو بن العاص أنه طلب من النبي حين نزولها أن يكتبها ولم يسمح له بذلك وقص ذلك عليهم أثناء نسخ المصحف في ذاك الوقت واقنعهم أن سبب امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من ايداعه إياها وقت نزولها أنها منسوخة ، وسيأتي مزيد كلام في هذا الخصوص إن شاء الله تعالى حين الرد على هذا المنافق الكافر في دعواه أن القرآن هو الذكر الذي تعهد الله تعالى بحفظه في الفصل الخامس من هذا الكتاب ، فهناك سأفند الرد عليهم في وهمهم ذاك والتأكيد على أن ظنهم بأنها منسوخة هو سبب امتناعهم من الحاقها لسورة الأحزاب ، زيادة على أنهم لم يجدوها مجموعة للقرآن في زمان الصديق رضي الله تعالى عنه ، وهو الفصل المبني على تفنيد وهمهم في أن الذكر الذي تعهد الله تعالى بحفظه هو القرآن على ما زعمه هذا النافق الكذاب ليلبس المهدي تهمة تكذيبه الله تعالى في ذلك ولذا قال بما قال برأيه .
(8) أصحاب ابن مسعود وابن عباس هم من أجل التابعين . ذكره ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب الرسائل والمسائل ص 204 .
(9) الردة والفتوح سيف بن عمر التميمي 59 .
(10) في مختار الصحاح : الربعة بالتسكين جؤنة العطار . وفي النهاية لإبن الأثير : هي إناء مربع يحفظ به الأشياء .